يعني بغتة. و قال شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى ذكر الرياشي أن العرب تسمي آخر يوم من شوال فلتة من حيث إن كل من لم يدرك ثأره فيه فاته لأنهم كانوا إذا دخلوا في الأشهر الحرم لا يطلبون الثأر و ذو القعدة من الأشهر الحرم فسموا ذلك اليوم فلتة لأنهم إذا أدركوا فيه ثأرهم فقد أدركوا ما كان يفوتهم فأراد عمر أن بيعة أبي بكر تداركها بعد أن كادت تفوت. و قوله وقى الله شرها دليل على تصويب البيعة لأن المراد بذلك أن الله تعالى دفع شر الاختلاف فيها. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 27فأما قوله فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه فالمراد من ع إلى أن يبايع من غير مشاورة و لا عدد يثبت صحة البيعة به و لا ضرورة داعية إلى البيعة ثم بسط يده على المسلمين يدخلهم في البيعة قهرا فاقتلوه. قال قاضي القضاة رحمه الله تعالى و هل يشك أحد في تعظيم عمر لأبي بكر و طاعته إياه و معلوم ضرورة من حال عمر إعظامه له و القول بإمامته و الرضا بالبيعة و الثناء عليه فكيف يجوز أن يترك ما يعلم ضرورة لقول محتمل ذي وجوه و تأويلات و كيف يجوز أن تحمل هذه اللفظة من عمر على الذم و التخطئة و سوء القول. و اعلم أن هذه اللفظة من عمر مناسبة للفظات كثيرة كان يقولها بمقتضى ما جبله الله تعالى عليه من غلظ الطينة و جفاء الطبيعة و لا حيلة له فيها لأنه مجبول عليها لا يستطيع تغييرها و لا ريب عندنا أنه كان يتعاطى أن يتلطف و أن يخرج ألفاظه مخارج حسنة لطيفة فينزع به الطبع الجاسي و الغريزة الغليظة إلى أمثال هذه اللفظات و لا يقصد بها سوءا و لا يريد بها ذما و لا تخطئة كما قدمنا من قبل في اللفظة التي قالها في مرض رسول الله ص و كاللفظات التي قالها عام الحديبية و غير ذلك و الله تعالى لا يجازي المكلف إلا بما نواه و لقد كانت نيته من أطهر النيات و أخلصها لله سبحانه و للمسلمين و من أنصف علم أن هذا الكلام حق و أنه يغني عن تأويل شيخنا أبي علي. و نحن من بعد نذكر ما قاله(3/21)


المرتضى رحمه الله تعالى في كتاب الشافي لما تكلم في هذا الموضع قال أما ما ادعي من العلم الضروري برضا عمر ببيعة أبي بكر و إمامته فالمعلوم ضرورة بلا شبهة أنه كان راضيا بإمامته و ليس كل من رضي شيئا شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 28كان متدينا به معتقدا لصوابه فإن كثيرا من الناس يرضون بأشياء من حيث كانت دافعة لما هو أضر منها و إن كانوا لا يرونها صوابا و لو ملكوا الاختيار لاختاروا غيرها و قد علمنا أن معاوية كان راضيا ببيعة يزيد و ولاية العهد له من بعده و لم ي متدينا بذلك و معتقدا صحته و إنما رضي عمر ببيعة أبي بكر من حيث كانت حاجزة عن بيعة أمير المؤمنين ع و لو ملك الاختيار لكان مصير الأمر إليه أسر في نفسه و أقر لعينه و إن ادعي أن المعلوم ضرورة تدين عمر بإمامة أبي بكر و أنه أولى بالإمامة منه فهذا مدفوع أشد دفع مع أنه قد كان يبدر من عمر في وقت بعد آخر ما يدل على ما أوردناه روى الهيثم بن عدي من عبد الله بن عياش الهمداني عن سعيد بن جبير قال ذكر أبو بكر و عمر عند عبد الله بن عمر فقال رجل كانا و الله شمسي هذه الأمة و نوريها فقال ابن عمر و ما يدريك قال الرجل أ و ليس قد ائتلفا قال ابن عمر بل اختلفا لو كنتم تعلمون أشهد أني كنت عند أبي يوما و قد أمرني أن أحبس الناس عنه فاستأذن عليه عبد الرحمن بن أبي بكر فقال عمر دويبة سوء و لهو خير من أبيه فأوحشني ذلك منه فقلت يا أبت عبد الرحمن خير من أبيه فقال و من ليس بخير من أبيه لا أم لك ائذن لعبد الرحمن فدخل عليه فكلمه في الحطيئة الشاعر أن يرضى عنه و قد كان عمر حبسه في شعر قاله فقال عمر إن في الحطيئة أودا فدعني أقومه بطول حبسه فألح عليه عبد الرحمن و أبى عمر(3/22)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 29فخرج عبد الرحمن فأقبل علي أبي و قال أ في غفلة أنت إلى يومك هذا عما كان من تقدم أحيمق بني تيم علي و ظلمه لي فقلت لا علم لي بما كان من ذلك قال يا بني فما عسيت أن تعلم فقلت و الله لهو أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم قال إن ذلك لكذ على رغم أبيك و سخطه قلت يا أبت أ فلا تجلي عن فعله بموقف في الناس تبين ذلك لهم قال و كيف لي بذلك مع ما ذكرت أنه أحب إلى الناس من ضياء أبصارهم إذن يرضخ رأس أبيك بالجندل قال ابن عمر ثم تجاسر و الله فجسر فما دارت الجمعة حتى قام خطيبا في الناس فقال أيها الناس إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن دعاكم إلى مثلها فاقتلوه. و روى الهيثم بن عدي عن مجالد بن سعيد قال غدوت يوما إلى الشعبي و أنا أريد أن أسأله عن شي ء بلغني عن ابن مسعود أنه كان يقوله فأتيته و هو في مسجد حيه و في المسجد قوم ينتظرونه فخرج فتعرفت إله و قلت أصلحك الله كان ابن مسعود يقول ما كنت محدثا قوما حديثا لا تبلغه عقولهم إلا كان لبعضهم فتنة قال نعم كان ابن مسعود يقول ذلك و كان ابن عباس يقوله أيضا و كان عند ابن عباس دفائن علم يعطيها أهلها و يصرفها عن غيرهم فبينا نحن كذلك إذ أقبل رجل من الأزد فجلس إلينا فأخذنا في ذكر أبي بكر و عمر فضحك الشعبي و قال لقد كان في صدر عمر ضب على أبي بكر فقال الأزدي و الله ما رأينا و لا سمعنا برجل قط كان أسلس قيادا لرجل شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 30و لا أقول فيه بالجميل من عمر في أبي بكر فأقبل على الشعبي و قال هذا مما سأ عنه ثم أقبل على الرجل و قال يا أخا الأزد فكيف تصنع بالفلتة التي وقى الله شرها أ ترى عدوا يقول في عدو يريد أن يهدم ما بنى لنفسه في الناس أكثر من قول عمر في أبي بكر فقال الرجل سبحان الله أنت تقول ذلك يا أبا عمرو فقال الشعبي أنا أقوله قاله عمر بن الخطاب على رءوس الأشهاد فلمه أو دع فنهض الرجل مغضبا و هو يهمهم في الكلام بشي ء(3/23)


لم أفهمه قال مجالد فقلت للشعبي ما أحسب هذا الرجل إلا سينقل عنك هذا الكلام إلى الناس و يبثه فيهم قال إذن و الله لا أحفل به و شي ء لم يحفل به عمر حين قام على رءوس الأشهاد من المهاجرين و الصار أحفل به أنا أذيعوه أنتم عني أيضا ما بدا لكم. و روى شريك بن عبد الله النخعي عن محمد بن عمرو بن مرة عن أبيه عن عبد الله بن سلمة عن أبي موسى الأشعري قال حججت مع عمر فلما نزلنا و عظم الناس خرجت من رحلي أريده فلقيني المغيرة بن شعبة فرافقني ثم قال أين تريد فقلت أمير المؤمنين فهل لك قال نعم فانطلقنا نريد رحل عمر فإنا لفي طريقنا إذ ذكرنا تولى عمر و قيامه بما هو فيه و حياطته على الإم و نهوضه بما قبله من ذلك ثم خرجنا إلى ذكر أبي بكر فقلت للمغيرة يا لك الخير لقد كان أبو بكر مسددا في عمر لكأنه ينظر إلى قيامه من بعده و جده و اجتهاده و غنائه في الإسلام فقال المغيرة لقد كان ذلك و إن كان قوم كرهوا ولاية عمر ليزووها عنه و ما كان لهم في ذلك من حظ فقلت له لا أبا لك و من القوم الذين كرهوا ذلك لعمر فقال المغيرة لله أنت كأنك(3/24)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 31لا تعرف هذا الحي من قريش و ما خصوا به من الحسد فو الله لو كان هذا الحسد يدرك بحساب لكان لقريش تسعة أعشاره و للناس كلهم عشر فقلت مه يا مغيرة فإن قريشا بانت بفضلها على الناس فلم نزل في مثل ذلك حتى انتهينا إلى رحل عمر فلم نجده فلنا عنه فقيل قد خرج آنفا فمضينا نقفو أثره حتى دخلنا المسجد فإذا عمر يطوف بالبيت فطفنا معه فلما فرغ دخل بيني و بين المغيرة فتوكأ على المغيرة و قال من أين جئتما فقلنا خرجنا نريدك يا أمير المؤمنين فأتينا رحلك فقيل لنا خرج إلى المسجد فاتبعناك فقال اتبعكما الخير ثم نظر المغيرة إلي و تبسم فرمقه عمر فقال مم تبسمت أيها العبد فقال من حديث كنت أنا و أبو موسى فيه آنفا في طريقنا إليك قال و ما ذاك الحديث فقصصنا عليه الخبر حتى بلغنا ذكر حسد قريش و ذكر من أراد صرف أبي بكر عن استخلاف عمر فتنفس الصعداء ثم قال ثكلتك أمك يا مغيرة و ما تسعة أعشار الحسد بل و تسعة أعشار العشر و في الناس كلهم عشر العشر بل و قريش شركاؤهم أيضا فيه و سكت مليا و هو يتهادى بيننا ثم قال أ لا أخبركما بأحسد قريش كلها قلنا بلى يا أمير المؤمنين قال و عليكما ثيابكما قلنا نعم قال و كيف بذلك و أنتما ملبسان ثيابكما قلنا يا أمير المؤمنين و ما بال الثياب قال خوف الإذاعة منها قلنا له أ تخاف الإذاعة من الثياب أنت و أنت من ملبس الثياب أخوف و ما الثياب أردت قال هو ذاك ثم انطلق و انطلقنا معه حتى انتهينا إلى رحله فخلى أيدينا من يده ثم قال لا تريما و دخل فقلت للمغيرة لا أبا لك لقد عثرنا بكلامنا معه و ما كنا فيه و ما نراه حبسنا إلا ليذاكرنا إياها قال فإنا لكذلك إذ أخرج إذنه إلينا فقال ادخلا فدخلنا فوجدناه مستلقيا على برذعة برحل فلما رآنا تمثل بقول كعب بن زهير
لا تفش سرك إلا عند ذي ثقة أولى و أفضل ما استودعت أسرارا(3/25)

64 / 150
ع
En
A+
A-