يجوز أن يعني بقوله بين حجارة خشن و حيات صم الحقيقة لا المجاز و ذلك أن البادية بالحجاز و نجد و تهامة و غيرها من أرض العرب ذات حيات و حجارة خشن و قد يعني بالحجارة الخشن الجبال أيضا أو الأصنام فيكون داخلا في قسم الحقيقة إذا فرضناه مرادا و يكون المعني بذلك وصف ما كانوا عليه من البؤس و شظف العيشة و سوء الاختيار في العبادة فأبدلهم الله تعالى بذلك الريف و لين المهاد و عبادة من يستحق العبادة. و يجوز أن يعني به المجاز و هو الأحسن يقال للأعداء حيات و الحية الصماء أدهى من التي ليست بصماء لأنها لا تنزجر بالصوت و يقال للعدو أيضا إنه لحجر خشن المس إذا كان ألد الخصام. و الجشب من الطعام الغليظ الخشن. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 20و قال أبو البختري وهب بن وهب القاضي كنت عند الرشيد يوما و استدعى ماء مبردا بالثلج فلم يوجد في الخزانة ثلج فاعتذر إليه بذلك و أحضر إليه ماء غير مثل فضرب وجه الغلام بالكوز و استشاط غضبا فقلت له أقول يا أمير المؤمنين و أنا آمن فقال قل قلت يا أمير المؤمنين قد رأيت ما كان من الغير بالأمس يعني زوال دولة بني أمية و الدنيا غير دائمة و لا موثوق بها و الحزم ألا تعود نفسك الترفه و النعمة بل تأكل اللين و الجشب و تلبس الناعم و الخشن و تشرب الحار و القار فنفحني بيده و قال لا و الله لا أذهب إلى ما تذهب إليه بل ألبس النعمة ما لبستني فإذا نابت نوبة الدهر عدت إلى نصاب غير خوار. و قوله و الآثام بكم معصوبة استعارة كأنها مشدودة إليهم. و عنى بقوله تسفكون دماءكم و تقطعون أرحامكم ما كانوا عليه في الجاهلية من الغارات و الحروب
وَ مِنْهَا فَنَظَرْتُ فَإِذَا لَيْسَ لِي مُعِينٌ إِلَّا أَهْلُ بَيْتِي فَضَنِنْتُ بِهِمْ عَنِ الْمَوْتِ وَ أَغْضَيْتُ عَلَى الْقَذَى وَ شَرِبْتُ عَلَى الشَّجَا وَ صَبَرْتُ عَلَى أَخْذِ الْكَظَمِ وَ عَلَى أَمَرَّ مِنْ طَعْمِ الْعَلْقَمِ(3/16)


شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 21الكظم بفتح الظاء مخرج النفس و الجمع أكظام و ضننت بالكسر بخلت و أغضيت على كذا غضضت طرفي و الشجا ما يعترض في الحلقحديث السقيفة
اختلفت الروايات في قصة السقيفة فالذي تقوله الشيعة و قد قال قوم من المحدثين بعضه و رووا كثيرا منه أن عليا ع امتنع من البيعة حتى أخرج كرها و أن الزبير بن العوام امتنع من البيعة و قال لا أبايع إلا عليا ع و كذلك أبو سفيان بن حرب و خالد بن سعيد بن العاص بن أمية بن عبد شمس و العباس بن عبد المطلب و بنوه و أبو سفيان بن الحارث بن عبد المطلب و جميع بني هاشم و قالوا إن الزبير شهر سيفه فلما جاء عمر و معه جماعة من الأنصار و غيرهم قال في جملة ما قال خذوا سيف هذا فاضربوا به الحجر و يقال إنه أخذ السيف من يد الزبير فضرب به حجرا فكسره و ساقهم كلهم بين يديه إلى أبي بكر فحملهم على بيعته و لم يتخلف إلا علي ع وحده فإنه اعتصم ببيت فاطمة ع فتحاموا إخراجه منه قسرا و قامت فاطمة ع إلى باب البيت فأسمعت من جاء يطلبه فتفرقوا و علموا أنه بمفرده لا يضر شيئا فتركوه. و قيل إنهم أخرجوه فيمن أخرج و حمل إلى أبي بكر فبايعه و قد روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري كثيرا من هذا. فأما حديث التحريق و ما جرى مجراه من الأمور الفظيعة و قول من قال إنهم أخذوا عليا ع يقاد بعمامته و الناس حوله فأمر بعيد و الشيعة تنفرد به على أن جماعة من أهل الحديث قد رووا نحوه و سنذكر ذلك. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 22و قال أبو جعفر إن الأنصار لما فاتها ما طلبت من الخلافة قالت أو قال بعضها لا نبايع إلا عليا و ذكر نحو هذا علي بن عبد الكريم المعروف بابن الأثير الموصلي في تاريخه. فأما قوله لم يكن لي معين إلا أهل بيتي فضننت بهم عنلموت فقول ما زال علي ع يقوله و لقد قاله عقيب وفاة رسول الله ص قال لو وجدت أربعين ذوي عزم. ذكر ذلك نصر بن مزاحم في كتاب صفين و ذكره كثير من أرباب السيرة. و أما الذي(3/17)


يقوله جمهور المحدثين و أعيانهم فإنه ع امتنع من البيعة ستة أشهر و لزم بيته فلم يبايع حتى ماتت فاطمة ع فلما ماتت بايع طوعا. و في صحيحي مسلم و البخاري كانت وجوه الناس إليه و فاطمة باقية بعد فلما ماتت فاطمة ع انصرفت وجوه الناس عنه و خرج من بيته فبايع أبا بكر و كانت مدة بقائها بعد أبيها ع ستة أشهر. و روى أبو جعفر محمد بن جرير الطبري في التاريخ عن ابن عباس رضي الله عنه قال قال لي عبد الرحمن بن عوف و قد حججنا مع عمر شهدت اليوم أمير المؤمنين بمنى و قال له رجل إني سمعت فلانا يقول لو قد مات عمر لبايعت فلانا فقال عمر إني لقائم العشية في الناس أحذرهم هؤلاء الرهط الذين يريدون أن شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 23يصبوا الناس أمرهم قال عبد الرحمن فقلت يا أمير المؤمنين إن الموسم يجمع رعاع الناس و غوغاءهم و هم الذين يقربون من مجلسك و يغلبون عليه و أخاف أن تقول مقالة لا يعونها و لا يحفظونها فيطيروا بها و لكن أمهل حتى تقدم المدينة و تخلص بأصحاب رسول الله فتقول ما قلت متمكنا فيسمعوا مقالتك فقال و الله لأقومن بها أول مقام أقومه بالمدينة. قال ابن عباس فلما قدمناها هجرت يوم الجمعة لحديث عبد الرحمن فلما جلس عمر على المنبر حمد الله و أثنى عليه ثم قال بعد أن ذكر الرجم و حد الزناء إنه بلغني أن قائلا منكم يقول لو مات أمير المؤمنين بايعت فلانا فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فلقد كانت كذلك و لكن الله وقى شرها و ليس فيكم من تقطع إليه الأعناق كأبي بكر و إنه كان من خبرنا حين توفي رسول الله ص أن عليا و الزبير تخلفا عنا في بيت فاطمة و من معهما و تخلفت عنا الأنصار و اجتمع المهاجرون إلى أبي بكر فقلت له انطلق بنا إلى إخواننا من الأنصار فانطلقنا نحوهم فلقينا رجلان صالحان من الأنصار قد شهدا بدرا أحدهما عويم بن ساعدة و الثاني معن بن عدي فقالا لنا ارجعوا فاقضوا أمركم بينكم فأتينا الأنصار و هم مجتمعون في(3/18)


سقيفة
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 24بني ساعدة و بين أظهرهم رجل مزمل فقلت من هذا قالوا سعد بن عبادة وجع فقام رجل منهم فحمد الله و أثنى عليه فقال أما بعد فنحن الأنصار و كتيبة الإسلام و أنتم يا معشر قريش رهط نبينا قد دفت إلينا دافة من قومكم فإذا أنتم تريدون أن تغصنا الأمر. فلما سكت و كنت قد زورت في نفسي مقالة أقولها بين يدي أبي بكر فلما ذهبت أتكلم قال أبو بكر على رسلك فقام فحمد الله و أثنى عليه فما ترك شيئا كنت زورت في نفسي إلا جاء به أو بأحسن منه و قال يا معشر الأنصار إنكم لا تذكرون فضلا إلا و أنتم له أهل و إن العرب لا تعرف هذا الأمر إلا لقريش أوسط العرب دارا و نسبا و قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين و أخذ بيدي و يد أبي عبيدة بن الجراح و الله ما كرهت من كلامه غيرها إن كنت لأقدم فتضرب عنقي فيما لا يقربني إلى إثم أحب إلى من أن أؤمر على قوم فيهم أبو بكر. فلما قضى أبو بكر كلامه قام رجل من الأنصار فقال أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب منا أمير و منكم أمير شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 25و ارتفعت الأصوات و اللغط فلما خفت الاختلاف قلت لأبي بكر ابسط يدك أبايعك فبسط يده فبايعته و بايعه الناس ثم نزونا على سعد بن عبادة فقال قائلهم لتم سعدا فقلت اقتلوه قتله الله و أنا و الله ما وجدنا أمرا هو أقوى من بيعة أبي بكر خشيت إن فارقت القوم و لم تكن بيعة أن يحدثوا بعدنا بيعة فإما أن نبايعهم على ما لا نرضى أو نخالفهم فيكون فساد. هذا حديث متفق عليه من أهل السيرة و قد وردت الروايات فيه بزيادات روى المدائني قال لما أخذ أبو بكر بيد عمر و أبي عبيدة و قال للناس قد رضيت لكم أحد هذين الرجلين قال أبو عبيدة لعمر امدد يدك نبايعك فقال عمر ما لك في الإسلام فهة غيرها أ تقول هذا و أبو بكر حاضر ثم قال للناس أيكم يطيب نفسا أن يتقدم قدمين قدمهما رسول الله ص للصلاة رضيك رسول الله ص لديننا أ فلا نرضاك لدنيانا ثم مد يده إلى(3/19)


أبي بكر فبايعه. و هذه الرواية هي التي ذكرها قاضي القضاة رحمه الله تعالى في كتاب المغني. و قال الواقدي في روايته في حكاية كلام عمر و الله لأن أقدم فأنحر كما ينحر البعير أحب إلى من أن أتقدم على أبي بكر. و قال شيخنا أبو القاسم البلخي قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ إن الرجل الذي قال لو قد مات عمر لبايعت فلانا عمار بن ياسر قال لو قد مات عمر لبايعت عليا ع فهذا القول هو الذي هاج عمر أن خطب بما خطب به. و قال غيره من أهل الحديث إنما كان المعزوم على بيعته لو مات عمر طلحة بن عبيد الله. شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 26فأما حديث الفلتة فقد كان سبق من عمر أن قال إن بيعة أبي بكر كانت فلتة وقى الله شرها فمن عاد إلى مثلها فاقتلوه. و هذا الخبر الذي ذكرناه عن ابن عباس و عبد الرحمن بن عوف فيه حديث الفلتة و لكنه منسوق على مااله أولا أ لا تراه يقول فلا يغرن امرأ أن يقول إن بيعة أبي بكر كانت فلتة فلقد كانت كذلك فهذا يشعر بأنه قد كان قال من قبل إن بيعة أبي بكر كانت فلتة. و قد أكثر الناس في حديث الفلتة و ذكرها شيوخنا المتكلمون فقال شيخنا أبو علي رحمه الله تعالى الفلتة ليست الزلة و الخطيئة بل هي البغتة و ما وقع فجأة من غير روية و لا مشاورة و استشهد بقول الشاعر
من يأمن الحدثان بعد صبيرة القرشي ماتاسبقت منيته المشيب و كان ميتته افتلاتا(3/20)

63 / 150
ع
En
A+
A-