شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 8إلى الكوفة فبعث الجيش إلى المدينة فمثلنا و مثله كما قال الأول أريها السها و تريني القمر. فبلغ ذلك معاوية فغضب و قال و الله لقد هممت بمساءة هذا الأحمق الذي لا يحسن التدبير و لا يدري سياسة الأمور ثم كف عنه قلت الوليد كان لشدة بغ عليا ع القديم التالد لا يرى الأناة في حربه و لا يستصلح الغارات على أطراف بلاده و لا يشفي غيظه و لا يبرد حزازات قلبه إلا باستئصاله نفسه بالجيوش و تسييرها إلى دار ملكه و سرير خلافته و هي الكوفة و أن يكون معاوية بنفسه هو الذي يسير بالجيوش إليه ليكون ذلك أبلغ في هلاك علي ع و اجتثاث أصل سلطانه و معاوية كان يرى غير هذا الرأي و يعلم أن السير بالجيش للقاء علي ع خطر عظيم فاقتضت المصلحة عنده و ما يغلب على ظنه من حسن التدبير أن يثبت بمركزه بالشام في جمهور جيشه و يسرب الغارات على أعمال علي ع و بلاده فتجوس خلال الديار و تضعفها فإذا أضعفتها أضعفت بيضة ملك علي ع لأن ضعف الأطراف يوجب ضعف البيضة و إذا أضعفت البيضة كان على بلوغ إرادته و المسير حينئذ إن استصوب المسير أقدر. و لا يلام الوليد على ما في نفسه فإن عليا ع قتل أباه عقبة بن أبي معيط صبرا يوم بدر و سمي الفاسق بعد ذلك في القرآن لنزاع وقع بينه و بينه شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 9ثم جلده الحد في خلافة عثمان و عزله عن الكوفة و كان عاملها و ببعض هذا عند العرب أرباب الدين و التقى تستحل المحارم و تستباح الدماء و لا تبقى مراقبة في شفاء الغيظ لدين و لا لعقاب و لا لثواب فكيف الول المشتمل على الفسوق و الفجور مجاهرا بذلك و كان من المؤلفة قلوبهم مطعونا في نسبه مرميا بالإلحاد و الزندقة. قال إبراهيم بن هلال روى عوانة عن الكلبي و لوط بن يحيى أن بسرا لما أسقط من أسقط من جيشه سار بمن تخلف معه و كانوا إذا وردوا ماء أخذوا إبل أهل ذلك الماء فركبوها و قادوا خيولهم حتى يردوا الماء الآخر فيردون تلك الإبل و(3/6)
يركبون إبل هؤلاء فلم يزل يصنع ذلك حتى قرب إلى المدينة. قال و قد روي أن قضاعة استقبلتهم ينحرون لهم الجزر حتى دخلوا المدينة قال فدخلوها و عامل علي ع عليها أبو أيوب الأنصاري صاحب منزل رسول الله ص فخرج عنها هاربا و دخل بسر المدينة فخطب الناس و شتمهم و تهددهم يومئذ و توعدهم و قال شاهت الوجوه إن الله تعالى يقول وَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا قَرْيَةً كانَتْ آمِنَةً مُطْمَئِنَّةً يَأْتِيها رِزْقُها الآية و قد أوقع الله تعالى ذلك المثل بكم و جعلكم أهله كان بلدكم مهاجر النبي ص و منزله و فيه قبره و منازل الخلفاء من بعده فلم تشكروا نعمة ربكم و لم ترعوا حق نبيكم و قتل خليفة الله بين أظهركم فكنتم بين قاتل و خاذل و متربص و شامت إن كانت للمؤمنين قلتم أ لم نكن معكم و إن كان للكافرين نصيب قلتم أ لم نستحوذ عليكم و نمنعكم من(3/7)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 10المؤمنين ثم شتم الأنصار فقال يا معشر اليهود و أبناء العبيد بني زريق و بني النجار و بني سلمة و بني عبد الأشهل أما و الله لأوقعن بكم وقعة تشفي غليل صدور المؤمنين و آل عثمان أما و الله لأدعنكم أحاديث كالأمم السالفة. فتهددهم حتى ف الناس أن يوقع بهم ففزعوا إلى حويطب بن عبد العزى و يقال إنه زوج أمه فصعد إليه المنبر فناشده و قال عترتك و أنصار رسول الله و ليسوا بقتلة عثمان فلم يزل به حتى سكن و دعا الناس إلى بيعة معاوية فبايعوه و نزل فأحرق دورا كثيرة منها دار زرارة بن حرون أحد بني عمرو بن عوف و دار رفاعة بن رافع الزرقي و دار أبي أيوب الأنصاري و تفقد جابر بن عبد الله فقال ما لي لا أرى جابرا يا بني سلمة لا أمان لكم عندي أو تأتوني بجابر فعاذ جابر بأم سلمة رضي الله عنها فأرسلت إلى بسر بن أرطاة فقال لا أؤمنه حتى يبايع فقالت له أم سلمة اذهب فبايع و قالت لابنها عمر اذهب فبايع فذهبا فبايعاه. قال إبراهيم و روى الوليد بن كثير عن وهب بن كيسان قال سمعت جابر بن عبد الله الأنصاري يقول لما خفت بسرا و تواريت عنه قال لقومي لا أمان لكم عندي حتى يحضر جابر فأتوني و قالوا ننشدك الله لما انطلقت معنا فبايعت فحقنت دمك و دماء قومك فإنك إن لم تفعل قتلت مقاتلينا و سبيت ذرارينا فاستنظرتهم الليل فلما أمسيت دخلت على أم سلمة فأخبرتها الخبر فقالت يا بني انطلق فبايع احقن دمك و دماء قومك فإني قد أمرت ابن أخي أن يذهب فيبايع و إني لأعلم أنها بيعة ضلالة. شرح نهج البلاغة ج 2 ص : 11قال إبراهيم فأقام بسر بالمدينة أياما ثم قال لهم إني قد عفوت عنكم و إن لم تكونوا لذلك بأهل ما قوم قتل إمامهم بين ظهرانيهم بأهل أن يكف عنهم العذاب و لئن نالكم العفو مني في الدنيا إني لأرجو ألا تنالكم رحمة الله عز و جل في الآخرة و قد استخلفت عليكم أبا هريرة فإياكم و خلافه ثم خرج إلى مكة. قال إبراهيم روى الوليد بن(3/8)
هشام قال أقبل بسر فدخل المدينة فصعد منبر الرسول ص ثم قال يا أهل المدينة خضبتم لحاكم و قتلتم عثمان مخضوبا و الله لا أدع في المسجد مخضوبا إلا قتلته ثم قال لأصحابه خذوا بأبواب المسجد و هو يريد أن يستعرضهم فقام إليه عبد الله بن الزبير و أبو قيس أحد بني عامر بن لؤي فطلبا إليه حتى كف عنهم و خرج إلى مكة فلما قرب منها هرب قثم بن العباس و كان عامل علي ع و دخلها بسر فشتم أهل مكة و أنبهم ثم خرج عنها و استعمل عليها شيبة بن عثمان. قال إبراهيم و قد روى عوانة عن الكلبي أن بسرا لما خرج من المدينة إلى مكة قتل في طريقه رجالا و أخذ أموالا و بلغ أهل مكة خبره فتنحى عنها عامة أهلها و تراضى الناس بشيبة بن عثمان أميرا لما خرج قثم بن العباس عنها و خرج إلى بسر قوم من قريش فتلقوه فشتمهم ثم قال أما و الله لو تركت و رأيي فيكم لتركتكم و ما فيكم روح تمشي على الأرض فقالوا ننشدك الله في أهلك و عترتك فسكت ثم دخل و طاف بالبيت و صلى ركعتين ثم خطبهم فقال الحمد لله الذي أعز دعوتنا و جمع ألفتنا و أذل عدونا بالقتل و التشريد هذا ابن أبي طالب بناحية العراق في ضنك و ضيق قد ابتلاه الله بخطيئته و أسلمه بجريرته(3/9)
شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 12فتفرق عنه أصحابه ناقمين عليه و ولي الأمر معاوية الطالب بدم عثمان فبايعوا و لا تجعلوا على أنفسكم سبيلا فبايعوا. و تفقد سعيد بن العاص فطلبه فلم يجده و أقام أياما ثم خطبهم فقال يا أهل مكة إني قد صفحت عنكم فإياكم و الخلاف فو اللهن فعلتم لأقصدن منكم إلى التي تبير الأصل و تحرب المال و تخرب الديار. ثم خرج إلى الطائف فكتب إليه المغيرة بن شعبة حين خرج من مكة إليها أما بعد فقد بلغني مسيرك إلى الحجاز و نزولك مكة و شدتك على المريب و عفوك عن المسي ء و إكرامك لأولي النهى فحمدت رأيك في ذلك دم على صالح ما كنت عليه فإن الله عز و جل لن يزيد بالخير أهله إلا خيرا جعلنا الله و إياك من الآمرين بالمعروف و القاصدين إلى الحق و الذاكرين الله كثيرا قال و وجه رجلا من قريش إلى تبالة و بها قوم من شيعة علي ع و أمره بقتلهم فأخذهم و كلم فيهم و قيل له هؤلاء قومك فكف عنهم حتى نأتيك بكتاب من بسر بأمانهم فحبسهم و خرج منيع الباهلي من عندهم إلى بسر و هو بالطائف يستشفع إليه فيهم فتحمل عليه بقوم من الطائف فكلموه فيهم و سألوه الكتاب بإطلاقهم فوعدهم و مطلهم بالكتاب حتى ظن أنه قد قتلهم القرشي المبعوث لقتلهم و أن كتابه لا يصل إليهم حتى يقتلوا ثم كتب لهم فأتى منيع منزله و كان قد نزل على امرأة بالطائف و رحله عندها فلم يجدها في منزلها فوطئ على ناقته بردائه و ركب فسار يوم الجمعة و ليلة السبت لم ينزل عن راحلته قط فأتاهم ضحوة و قد أخرج القوم ليقتلوا و استبطئ كتاب بسر فيهم فقدم رجل منهم فضربه رجل من أهل الشام فانقطع سيفه فقال الشاميون بعضهم لبعض شمسوا سيوفكم حتى تلين فهزوها و تبصر منيع شرح نهج البلاغة ج : 2 ص : 13الباهلي بريق السيوف فألمع بثوبه فقال القوم هذا راكب عنده خير فكفوا و قام به بعيره فنزل عنه و جاء على رجليه يشتد فدفع كتاب إليهم فأطلقوا و كان الرجل المقدم الذي ضرب بالسيف فانكسر السيف(3/10)