العسكري في كتاب الأوائل قال
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 339قدم معاوية المدينة قدمة أيام عثمان في أواخر خلافته فجلس عثمان يوما للناس فاعتذر من أمور نقمت عليه فقال إن رسول الله ص قبل توبة الكافر و إني رددت الحكم عمي لأنه تاب فقبلت توبته و لو كان بينه و بين أبي بكر و عمر من الرحم ما بي و بينه لآوياه فأما ما نقمتم علي أني أعطيت من مال الله فإن الأمر إلي أحكم في هذا المال بما أراه صلاحا للأمة و إلا فلما ذا كنت خليفة فقطع عليه الكلام معاوية و قال للمسلمين الحاضرين عنده أيها المهاجرون قد علمتم أنه ليس منكم رجل إلا و قد كان قبل الإسلام مغمورا في قومه تقطع الأمور من دونه حتى بعث الله رسوله فسبقتم إليه و أبطأ عنه أهل الشرف و الرئاسة فسدتم بالسبق لا بغيره حتى إنه ليقال اليوم رهط فلان و آل فلان و لم يكونوا قبل شيئا مذكورا و سيدوم لكم هذا الأمر ما استقمتم فإن تركتم شيخنا هذا يموت على فراشه و إلا خرج منكم و لا ينفعكم سبقكم و هجرتكم. فقال له علي ع ما أنت و هذا يا ابن اللخناء فقال معاوية مهلا يا أبا الحسن عن ذكر أمي فما كانت بأخس نسائكم و لقد صافحها رسول الله ص يوم أسلمت و لم يصافح امرأة غيرها أما لو قالها غيرك فنهض علي ع ليخرج مغضبا فقال عثمان اجلس فقال له لا أجلس فقال عزمت عليك لتجلسن فأبى و ولى فأخذ عثمان طرف ردائه فترك الرداء في يده و خرج فأتبعه عثمان بصره فقال و الله لا تصل إليك و لا إلى أحد من ولدك. قال أسامة بن زيد كنت حاضرا هذا المجلس فعجبت في نفسي من تألي عثمان فذكرته لسعد بن أبي وقاص فقال لا تعجب فإني
سمعت رسول الله ص يقول لا ينالها علي و لا ولده(2/282)
قال أسامة فإني في الغد لفي المسجد و علي و طلحة و الزبير و جماعة من المهاجرين جلوس إذ جاء معاوية فتآمروا بينهم ألا يوسعوا له فجاء حتى جلس بين أيديهم شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 340فقال أ تدرون لما ذا جئت قالوا لا قال إني أقسم بالله إن لم تتركوا شيخكم يموت ع فراشه لا أعطيكم إلا هذا السيف ثم قام فخرج. فقال علي ع لقد كنت أحسب أن عند هذا شيئا فقال له طلحة و أي شي ء يكون عنده أعظم مما قال قاتله الله لقد رمى الغرض فأصاب و الله ما سمعت يا أبا الحسن كلمة هي أملأ لصدرك منها. و معاوية مطعون في دينه عند شيوخنا رحمهم اله يرمى بالزندقة و قد ذكرنا في نقض السفيانية على شيخنا أبي عثمان الجاحظ ما رواه أصحابنا في كتبهم الكلامية عنه من الإلحاد و التعرض لرسول الله ص و ما تظاهر به من الجبر و الإرجاء و لو لم يكن شي ء من ذلك لكان في محاربته الإمام ما يكفي في فساد حاله لا سيما علىقواعد أصحابنا و كونهم بالكبيرة الواحدة يقطعون على المصير إلى النار و الخلود فيها إن لم تكفرها التوبة
بسر بن أرطاة و نسبه
و أما بسر بن أرطاة فهو بسر بن أرطاة و قيل ابن أبي أرطاة بن عويمر بن عمران بن الحليس بن سيار بن نزار بن معيص بن عامر بن لؤي بن غالب بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة. بعثه معاوية إلى اليمن في جيش كثيف و أمره أن يقتل كل من كان في طاعة علي ع فقتل خلقا كثيرا و قتل فيمن قتل ابني عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب و كانا غلامين صغيرين فقالت أمهما ترثيهما
يا من أحس بنيي اللذين هما كالدرتين تشظى عنهما الصدف
في أبيات مشهورة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 34عبيد الله بن العباس و بعض أخباره(2/283)
و كان عبيد الله عامل علي ع على اليمن و هو عبيد الله بن العباس بن عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف بن قصي أمه و أم إخوته عبد الله و قثم و معبد و عبد الرحمن لبابة بنت الحارث بن حزن من بني عامر بن صعصعة و مات عبيد الله بالمدينة و كان جوادا و أعقب و من أولاده قثم بن العباس بن عبيد الله بن العباس ولاه أبو جعفر المنصور المدينة و كان جوادا ممدوحا و له يقول ابن المولى
أعفيت من كور و من رحلة يا ناق إن أدنيتني من قثم في وجهه نور و في باعه طول و في العرنين منه شممو يقال ما رئي قبور إخوة أكثر تباعدا من قبور بني العباس رحمه الله تعالى قبر عبد الله بالطائف و قبر عبيد الله بالمدينة و قبر قثم بسمرقند و قبر عبد الرحمن بالشام و قبر معبد بإفريقية(2/284)
ثم نعود إلى شرح الخطبة الأعاصير جمع إعصار و هي الريح المستديرة على نفسها قال الله تعالى فَأَصابَها إِعْصارٌ فِيهِ نارٌ. و الوضر بقية الدسم في الإناء و قد اطلع اليمن أي غشيها و غزاها و أغار عليها. و قوله سيدالون منكم أي يغلبونكم و تكون لهم الدولة عليكم و ماث زيد الملح في الماء أذابه. و بنو فراس بن غنم بن ثعلبة بن مالك بن كنانة حي مشهور بالشجاعة منهم شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 342علقمة بن فراس و هو جذل الطعان و منهم ربيعة بن مكدم بن حرثان بن جذيمة بن علقمة بن فراس الشجاع المشهور حامى الظعن حيا و ميتا و لم يحالحريم و هو ميت أحد غيره عرض له فرسان من بني سليم و معه ظعائن من أهله يحميهم وحده فطاعنهم فرماه نبيشة بن حبيب بسهم أصاب قلبه فنصب رمحه في الأرض و اعتمد عليه و هو ثابت في سرجه لم يزل و لم يمل و أشار إلى الظعائن بالرواح فسرن حتى بلغن بيوت الحي و بنو سليم قيام إزاءه لا يقدمون عليه و يظنونه حيا حتى قال قائل منهم إني لا أراه إلا ميتا و لو كان حيا لتحرك إنه و الله لماثل راتب على هيئة واحدة لا يرفع يده و لا يحرك رأسه فلم يقدم أحد منهم على الدنو منه حتى رموا فرسه بسهم فشب من تحته فوقع و هو ميت و فاتتهم الظعائن. و قال الشاعر(2/285)
لا يبعدن ربيعة بن مكدم و سقى الغوادي قبره بذنوب نفرت قلوصي من حجارة حرة بنيت على طلق اليدين و هوب لا تنفري يا ناق منه فإنه شريب خمر مسعر لحروب لو لا السفار و بعد خرق مهمة لتركتها تجثو على العرقوب نعم الفتى أدى نبيشة بزه يوم اللقاء نبيشة بن حو قوله ع ما هي إلا الكوفة أي ما ملكتي إلا الكوفة أقبضها و أبسطها أي أتصرف فيها كما يتصرف الإنسان في ثوبه يقبضه و يبسطه كما يريد. ثم قال على طريق صرف الخطاب فإن لم تكوني إلا أنت خرج من الغيبة إلى خطاب الحاضر كقوله تعالى الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ مالِكِ يَوْمِ الدِّينِ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَ إِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يقول إن لم يكن لي من الدنيا ملك إلا ملك الكوفة ذات الفتن و الآراء المختلفة فأبعدها الله. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 343و شبه ما كان يحدث من أهلها من الاختلاف و الشقاق بأعاصير لإثارتها التراب و إفسادها الأرض ثم ذكر علة إدالة أهل الشام من أهل العراق و هي اجتماع كلمتهم و طاعتهم لصاحبهم و أداؤهم الأمانة و إصلاحهم بلادهم
أهل العراق و خطب الحجاج فيهم(2/286)