إذا المرء لم يغضب له حين يغضب فوارس إن قيل اركبوا الموت يركبواو لم يحبه بالنصر قوم أعزة مقاحيم في الأمر الذي يتهيب تهضمه أدنى العداة فلم يزل و إن كان عضا بالظلامة يضرب فآخ لحال السلم من شئت و اعلمن بأن سوى مولاك في الحرب أجنب و مولاك مولاك الذي إن دعوتهابك طوعا و الدماء تصبب فلا تخذل المولى و إن كان ظالما فإن به تثأى الأمور و ترأب شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 327و من شعر الحماسة أيضاأفيقوا بني حزن و أهواؤنا معا و أرحامنا موصولة لم تقضب لعمري لرهط المرء خير بقية عليه و إن عالوا به كل مركب إذا كنت في قوم و أمك منهم لتعزى إليهم في خبيث و طيب و إن حدثتك النفس أنك قادر على ما حوت أيدي الرجال فكو من شعر الحماسة أيضا
لعمرك ما أنصفتني حين سمتني هواك مع المولى و أن لا هوى لياإذا ظلم المولى فزعت لظلمه فحرق أحشائي و هرت كلابيا
و من شعر الحماسة أيضا
و ما كنت أبغي العم يمشي على شفا و إن بلغتني من أذاه الجنادع و لكن أواسيه و أنسى ذنوبه لترجعه يوما إلي الرواجع و حسبك من ذل و سوء صنيعة مناواة ذي القربى و أن قيل قاطو من شعر الحماسة أيضا
ألا هل أتى الأنصار أن ابن بحدل حميدا شفى كلبا فقرت عيونهافإنا و كلبا كاليدين متى تقع شمالك في الهيجا تعنها يمينها
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 328و من شعر الحماسة أيضاأخوك أخوك من ينأى و تدنو مودته و إن دعي استجاباإذا حاربت حارب من تعادي و زاد غناؤه منك اقترابايواسي في كريهته و يدنو إذا ما مضلع الحدثان نابا
فصل في حسن الثناء و طيب الأحدوثة(2/272)
ثم إنه ع ذكر أن لسان الصدق يجعله الله للمرء في الناس خيرا له من المال يورثه غيره و لسان الصدق هو أن يذكر الإنسان بالخير و يثنى عليه به قال سبحانه وَ اجْعَلْ لِي لِسانَ صِدْقٍ فِي الْآخِرِينَ. و قد ورد في هذا المعنى من النثر و النظم الكثير الواسع فمن ذلك قول عمر لابنة هرم ما الذي أعطى أبوك زهيرا قالت أعطاه مالا يفنى و ثيابا تبلى قال لكن ما أعطاكم زهير لا يبليه الدهر و لا يفنيه الزمان. و من شعر الحماسة أيضا
إذا أنت أعطيت الغنى ثم لم تجد بفضل الغنى ألفيت ما لك حامدو قل غناء عنك مال جمعته إذا كان ميراثا و واراك لاحد
و قال يزيد بن المهلب المال و الحياة أحب شي ء إلى الإنسان و الثناء الحسن أحب إلي منهما و لو أني أعطيت ما لم يعطه أحد لأحببت أن يكون لي أذن أسمع بها ما يقال في غدا و قد مت كريما. و حكى أبو عثمان الجاحظ عن إبراهيم السندي قال قلت في أيام ولايتي الكوفة شرح نالبلاغة ج : 1 ص : 329لرجل من وجوهها كان لا يجف لبده و لا يستريح قلمه و لا تسكن حركته في طلب حوائج الناس و إدخال السرور على قلوبهم و الرفق على ضعفائهم و كان عفيف الطعمة خبرني عما هون عليك النصب و قواك على التعب فقال قد و الله سمعت غناء الأطيار بالأسحار على أغصان الأشجار و سمعت خفق الأوتار و تجاوب العود و المزمار فما طربت من صوت قط طربي من ثناء حسن على رجل محسن فقلت لله أبوك فلقد ملئت كرما. و قال حاتم
أماوي إن يصبح صداي بقفرة من الأرض لا ماء لدي و لا خمرترى أن ما أنفقت لم يك ضرني و أن يدي مما بخلت به صفرأماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر
بعض المحدثين
من اشترى بماله حسن الثناء غبناأفقره سماحه و ذلك الفقر الغنى
و من أمثال الفرس كل ما يؤكل ينتن و كل ما يوهب يأرج. و قال أبو الطيب
ذكر الفتى عمره الثاني و حاجته ما قاته و فضول العيش أشغال
فصل في مواساة الأهل و صلة الرحم(2/273)
ثم إنه ع بعد أن قرظ الثناء و الذكر الجميل و فضله على المال أمر بمواساة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 330الأهل و صلة الرحم و إن قل ما يواسى به فقال ألا لا يعدلن أحدكم عن القرابة إلى آخر الفصل و قد قال الناس في هذا المعنى فأكثروا فمن ذلك قول زهيرو من يك ذا فضل فيبخل بفضله على قومه يستغن عنه و يذمم
و قال عثمان إن عمر كان يمنع أقرباءه ابتغاء وجه الله و أنا أعطيتهم ابتغاء وجه الله و لن تروا مثل عمر.
أبو هريرة مرفوعا الرحم مشتقة من الرحمن و الرحمن اسم من أسماء الله العظمى قال الله لها من وصلك وصلته و من قطعك قطعته
و في الحديث المشهور صلة الرحم تزيد في العمر
و قال طرفة يهجو إنسانا بأنه يصل الأباعد و يقطع الأقارب
و أنت على الأدنى شمال عرية شآمية تزوي الوجوه بليل و أنت على الأقصى صبا غير قرة تذاءب منها مزرع و مسيلو من شعر الحماسة
لهم جل مالي إن تتابع لي غنى و إن قل مالي لا أكلفهم رفداو لا أحمل الحقد القديم عليهم و ليس رئيس القوم من يحمل الحقدا
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 24331- و من خطبة له عوَ لَعَمْرِي مَا عَلَيَّ مِنْ قِتَالِ مَنْ خَالَفَ الْحَقَّ وَ خَابَطَ الْغَيَّ مِنْ إِدْهَانٍ وَ لَا إِيهَانٍ فَاتَّقُوا اللَّهَ عِبَادَ اللَّهِ وَ فِرُّوا إِلَى اللَّهِ مِنَ اللَّهِ وَ امْضُوا فِي الَّذِي نَهَجَهُ لَكُمْ وَ قُومُوا بِمَا عَصَبَهُ بِكُمْ فَعَلِيٌّ ضَامِنٌ لِفَلْجِكُمْ آجِلًا إِنْ لَمْ تُمْنَحُوهُ عَاجِلًا(2/274)
الإدهان المصانعة و المنافقة قال سبحانه وَدُّوا لَوْ تُدْهِنُ فَيُدْهِنُونَ. و الإيهان مصدر أوهنته أي أضعفته و يجوز وهنته بحذف الهمزة و نهجه أوضحه و جعله نهجا أي طريقا بينا و عصبه بكم ناطه بكم و جعله كالعصابة التي تشد بها الرأس و الفلج الفوز و الظفر. و قوله و خابط الغي كأنه جعله و الغي متخابطين يخبط أحدهما في الآخر و ذلك أشد مبالغة من أن تقول خبط في الغي لأن من يخبط و يخبطه غيره يكون أشد اضطرابا ممن يخبط و لا يخبطه غيره و قوله و فروا إلى الله من الله أي اهربوا إلى رحمة الله من عذابه و قد نظر الفرزدق إلى هذا فقال
إليك فررت منك و من زياد و لم أحسب دمي لكم حلالا
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 25332- و من خطبة له ع و قد تواترت عليه الأخبار باستيلاء أصحاب معاوية على البلادو قدم عليه عاملاه على اليمن و هما عبيد الله بن عباس و سعيد بن نمران لما غلب عليهما بسر بن أرطاة فقام ع على المنبر ضجرا بتثاقل أصحابه عن الجهاد و مخالفتهم له في الرأي فقال
مَا هِيَ إِلَّا الْكُوفَةُ أَقْبِضُهَا وَ أَبْسُطُهَا إِنْ لَمْ يَكُنْ إِلَّا أَنْتِ تَهُبُّ أَعَاصِيرُكِ فَقَبَّحَكِ اللَّهُ وَ تَمَثَّلَ بِقَوْلِ الشَّاعِرِ
لَعَمْرُ أَبِيكَ الْخَيْرِ يَا عَمْرُو إِنَّنِي عَلَى وَضَرٍ مِنْ ذَا الْإِنَاءِ قَلِيلِ(2/275)
ثُمَّ قَالَ ع أُنْبِئْتُ بُسْراً قَدِ اطَّلَعَ الْيَمَنَ وَ إِنِّي وَ اللَّهِ لَأَظُنُّ أَنَّ هَؤُلَاءِ الْقَوْمَ سَيُدَالُونَ مِنْكُمْ بِاجْتِمَاعِهِمْ عَلَى بَاطِلِهِمْ وَ تَفَرُّقِكُمْ عَنْ حَقِّكُمْ وَ بِمَعْصِيَتِكُمْ إِمَامَكُمْ فِي الْحَقِّ وَ طَاعَتِهِمْ إِمَامَهُمْ فِي الْبَاطِلِ وَ بِأَدَائِهِمُ الْأَمَانَةَ إِلَى صَاحِبِهِمْ وَ خِيَانَتِكُمْ وَ بِصَلَاحِهِمْ فِي بِلَادِهِمْ وَ فَسَادِكُمْ فَلَوِ ائْتَمَنْتُ أَحَدَكُمْ عَلَى قَعْبٍ لَخَشِيتُ أَنْ يَذْهَبَ بِعِلَاقَتِهِ اللَّهُمَّ إِنِّي قَدْ مَلِلْتُهُمْ وَ مَلُّونِي وَ سَئِمْتُهُمْ وَ سَئِمُونِي فَأَبْدِلْنِي بِهِمْ خَيْراً مِنْهُمْ شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 333وَ أَبْدِلْهُمْ بِي شَرّاً مِنِّي اللَّهُمَّ مِثْ قُلُوبَهُمْ كَمَا يُمَاثُ الْمِلْحُ فِي الْمَاءِ أَمَا وَ اللَّهِ لَوَدِدْتُ أَنَّ لِيِكُمْ أَلْفَ فَارِسٍ مِنْ بَنِي فِرَاسِ بْنِ غَنْمٍ
هُنَالِكَ لَوْ دَعَوْتَ أَتَاكَ مِنْهُمْ فَوَارِسُ مِثْلُ أَرْمِيَةِ الْحَمِيمِ
ثُمَّ نَزَلَ ع مِنَ الْمِنْبَرِ
قال الرضي رحمه الله أقول الأرمية جمع رمي و هو السحاب و الحميم هاهنا وقت الصيف و إنما خص الشاعر سحاب الصيف بالذكر لأنه أشد جفولا و أسرع خفوقا لأنه لا ماء فيه و إنما يكون السحاب ثقيل السير لامتلائه بالماء و ذلك لا يكون في الأكثر إلا زمان الشتاء و إنما أراد الشاعر وصفهم بالسرعة إذا دعوا و الإغاثة إذا استغيثوا و الدليل على ذلك قوله
هنالك لو دعوت أتاك منهم(2/276)