شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 287و يروى بما في غيب الهدنة أي في طيها و في ضمنها و يروى غار في أغباش الفتنة أي غافل ذو غرة. و روي من جمع بالتنوين فتكون ما على هذا اسما موصولا و هي و صلتها في موضع جر لأنها صفة جمع و من لم يرو التنوين في جمع حذف الموصوف تقديرهن جمع شي ء ما قل منه خير مما كثر فتكون ما مصدرية و تقدير الكلام قلته خير من كثرته و يكون موضع ذلك جرا أيضا بالصفة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 18288- و من كلام له ع في ذم اختلاف العلماء في الفتياتَرِدُ عَلَى أَحَدِهِمُ الْقَضِيَّةُ فِي حُكْمٍ مِنَ الْأَحْكَامِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِرَأْيِهِ ثُمَّ تَرِدُ تِلْكَ الْقَضِيَّةُ بِعَيْنِهَا عَلَى غَيْرِهِ فَيَحْكُمُ فِيهَا بِخِلَافِ قَوْلِهِ ثُمَّ يَجْتَمِعُ الْقُضَاةُ بِذَلِكَ عِنْدَ الْإِمَامِ الَّذِي اسْتَقْضَاهُمْ فَيُصَوِّبُ آرَاءَهُمْ جَمِيعاً وَ إِلَهُهُمْ وَاحِدٌ وَ نَبِيُّهُمْ وَاحِدٌ وَ كِتَابُهُمْ وَاحِدٌ أَ فَأَمَرَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاخْتِلَافِ فَأَطَاعُوهُ أَمْ نَهَاهُمْ عَنْهُ فَعَصَوْهُ أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً نَاقِصاً فَاسْتَعَانَ بِهِمْ عَلَى إِتْمَامِهِ أَمْ كَانُوا شُرَكَاءَ لَهُ فَلَهُمْ أَنْ يَقُولُوا وَ عَلَيْهِ أَنْ يَرْضَى أَمْ أَنْزَلَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ دِيناً تَامّاً فَقَصَّرَ الرَّسُولُ ص عَنْ تَبْلِيغِهِ وَ أَدَائِهِ وَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ يَقُولُ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ وَ فِيهِ تِبْيَانُ كُلِّ شَيْ ءٍ وَ ذَكَرَ أَنَّ الْكِتَابَ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضاً وَ أَنَّهُ لَا اخْتِلَافَ فِيهِ فَقَالَ سُبْحَانَهُ وَ لَوْ كانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً وَ نَّ الْقُرْآنَ ظَاهِرُهُ أَنِيقٌ وَ بَاطِنُهُ عَمِيقٌ لَا تَفْنَى عَجَائِبُهُ وَ لَا تَنْقَضِي غَرَائِبُهُ وَ لَا تُكْشَفُ(2/242)


الظُّلُمَاتُ إِلَّا بِهِ
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 289الأنيق المعجب و آنقني الشي ء أي أعجبني يقول لا ينبغي أن يحمل جميع ما في الكتاب العزيز على ظاهره فكم من ظاهر فيه غير مراد بل المراد به أمر آخر باطن و المراد الرد على أهل الاجتهاد في الأحكام الشرعية و إفساد قول من قال كل مجتهصيب و تلخيص الاحتجاج من خمسة أوجه الأول أنه لما كان الإله سبحانه واحدا و الرسول ص واحدا و الكتاب واحدا وجب أن يكون الحكم في الواقعة واحدا كالملك الذي يرسل إلى رعيته رسولا بكتاب يأمرهم فيه بأوامر يقتضيها ملكه و إمرته فإنه لا يجوز أن تتناقض أوامره و لو تناقضت لنسب إلى السفه و الجهل. الثاني لا يخلو الاختلاف الذي ذهب إليه المجتهدون إما أن يكون مأمورا به أو منهيا عنه و الأول باطل لأنه ليس في الكتاب و السنة ما يمكن الخصم أن يتعلق به في كون الاختلاف مأمورا به و الثاني حق و يلزم منه تحريم الاختلاف. الثالث إما أن يكون دين الإسلام ناقصا أو تاما فإن كان الأول كان الله سبحانه قد استعان بالمكلفين على إتمام شريعة ناقصة أرسل بها رسوله إما استعانة على سبيل النيابة عنه أو على سبيل المشاركة له و كلاهما كفر و إن كان الثاني فإما أن يكون الله تعالى أنزل الشرع تاما فقصر الرسول عن تبليغه أو يكون الرسول قد أبلغه على تمامه و كماله فإن كان الأول فهو كفر أيضا و إن كان الثاني فقد بطل الاجتهاد لأن الاجتهاد إنما يكون فيما لم يتبين فأما ما قد بين فلا مجال للاجتهاد فيه. الرابع الاستدلال بقوله تعالى ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْ ءٍ وقوله تِبْياناً لِكُلِّ شَيْ ءٍ و قوله سبحانه وَ لا رَطْبٍ وَ لا يابِسٍ إِلَّا فِي كِتابٍ شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 290مُبِينٍ فهذه الآيات دالة على اشتمال الكتاب العزيز على جميع الأحكام فكل ما ليس في الكتاب وجب ألا يكون في الشرع. الخامس قوله تعالى وَ لَوانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا(2/243)


فِيهِ اخْتِلافاً كَثِيراً فجعل الاختلاف دليلا على أنه ليس من عند الله لكنه من عند الله سبحانه بالأدلة القاطعة الدالة على صحة النبوة فوجب ألا يكون فيه اختلاف. و اعلم أن هذه الوجوه هي التي يتعلق بها الإمامية و نفاه القياس و الاجتهاد في الشرعيات و قد تكلم عليها أصحابنا في كتبهم و قالوا إن أمير المؤمنين ع كان يجتهد و يقيس و ادعوا إجماع الصحابة على صحة الاجتهاد و القياس و دفعوا صحة هذا الكلام المنسوب في هذا الكتاب إلى أمير المؤمنين ع و قالوا إنه من رواية الإمامية و هو معارض بما ترويه الزيدية عنه و عن أبنائه ع في صحة القياس و الاجتهاد و مخالطة الزيدية لأئمة أهل البيت ع كمخالطة الإمامية لهم و معرفتهم بأقوالهم و أحوالهم و مذاهبهم كمعرفة الإمامية لا فرق بين الفئتين في ذلك و الزيدية قاطبة جاروديتها و صالحيتها تقول بالقياس و الاجتهاد و ينقلون في ذلك نصوصا عن أهل البيت ع و إذا تعارضت الروايتان تساقطتا و عدنا إلى الأدلة المذكورة في هذه المسألة و قد تكلمت في اعتبار الذريعة للمرتضى على احتجاجه في إبطال القياس و الاجتهاد بما ليس هذا موضع ذكره
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 19291- و من كلام له ع قاله للأشعث بن قيسو هو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شي ء اعترضه الأشعث فيه فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك فخفض إليه بصره ع ثم قال وَ مَا يُدْرِيكَ مَا عَلَيَّ مِمَّا لِي عَلَيْكَ لَعْنَةُ اللَّهِ وَ لَعْنَةُ اللَّاعِنِينَ حَائِكٌ ابْنُ حَائِكٍ مُنَافِقٌ ابْنُ كَافِرٍ وَ اللَّهِ لَقَدْ أَسَرَكَ الْكُفْرُ مَرَّةً وَ الْإِسْلَامُ أُخْرَى فَمَا فَدَاكَ مِنْ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا مَالُكَ وَ لَا حَسَبُكَ وَ إِنَّ امْرَأً دَلَّ عَلَى قَوْمِهِ السَّيْفَ وَ سَاقَ إِلَيْهِمُ الْحَتْفَ لَحَرِيٌّ أَنْ يَمْقُتَهُ الْأَقْرَبُ وَ لَا يَأْمَنَهُ الْأَبْعَدُ(2/244)


قال الرضي رحمه الله يريد ع أنه أسر في الكفر مرة و في الإسلام مرة. و أما قوله ع دل على قومه السيف فأراد به حديثا كان للأشعث مع خالد بن الوليد باليمامة غر فيه قومه و مكر بهم حتى أوقع بهم خالد و كان قومه بعد ذلك يسمونه عرف النار و هو اسم للغادر عندهم
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 292خفض إليه بصره طأطأه و قوله فما فداك لا يريد به الفداء الحقيقي فإن الأشعث فدي في الجاهلية بفداء يضرب به المثل فقال أغلى فداء من الأشعث و سنذكره و إنما يريد ما دفع عنك الأسر مالك و لا حسبك و يمقته يبغضه و المقت البغضالأشعث بن قيس و نسبه و بعض أخباره
اسم الأشعث معديكرب و أبوه قيس الأشج سمي الأشج لأنه شج في بعض حروبهم ابن معديكرب بن معاوية بن معديكرب بن معاوية بن جبلة بن عبد العزى بن ربيعة بن معاوية الأكرمين بن الحارث بن معاوية بن الحارث بن معاوية بن ثور بن مرتع بن معاوية بن كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد. و أم الأشعث كبشة بنت يزيد بن شرحبيل بن يزيد بن إمرئ القيس بن عمرو المقصور الملك. كان الأشعث أبدا أشعث الرأس فسمي الأشعث و غلب عليه حتى نسي اسمه و لعبد الرحمن بن محمد بن الأشعث يقول أعشى همدان
يا ابن الأشج قريع كندة لا أبالي فيك عتبا(2/245)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 293أنت الرئيس ابن الرئيس و أنت أعلى الناس كعبو تزوج رسول الله ص قتيلة أخت الأشعث فتوفي قبل أن تصل إليه. فأما الأسر الذي أشار أمير المؤمنين ع إليه في الجاهلية فقد ذكره ابن الكلبي في جمهرة النسب فقال إن مرادا لما قتلت قيسا الأشج خرج الأشعث طالبا بثأره فخرجت كندة متساندين على ثلاثة ألوية على أحد الألوية كبس بن هانئ بن شرحبيل بن الحارث بن عدي بن ربيعة بن معاوية الأكرمين و يعرف هانئ بالمطلع لأنه كان يغزو فيقول اطلعت بني فلان فسمي المطلع و على أحدها القشعم أبو جبر بن يزيد الأرقم و على أحدها الأشعث فأخطئوا مرادا و لم يقعوا عليهم و وقعوا على بني الحارث بن كعب فقتل كبس و القشعم أبو جبر و أسر الأشعث ففدي بثلاثة آلاف بعير لم يفد بها عربي بعده و لا قبله فقال في ذلك عمرو بن معديكرب الزبيدي
فكان فداؤه ألفي بعير و ألفا من طريفات و تلد
و أما الأسر الثاني في الإسلام فإن رسول الله ص لما قدمت كندة حجاجا قبل الهجرة عرض رسول الله ص نفسه عليهم كما كان يعرض نفسه على أحياء العرب فدفعه بنو وليعة من بني عمرو بن معاوية و لم يقبلوه فلما هاجر ص و تمهدت دعوته و جاءته وفود العرب جاءه وفد كندة فيهم الأشعث و بنو وليعة فأسلموا فأطعم رسول الله ص بني وليعة طعمة من صدقات حضرموت و كان قد استعمل على حضرموت زياد بن لبيد البياضي الأنصاري فدفعها زياد إليهم فأبوا أخذها و قالوا لا ظهر لنا فابعث بها إلى بلادنا على ظهر شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 294من عندك فأبى زياد حدث بينهم و بين زياد شر كاد يكون حربا فرجع منهم قوم إلى رسول الله ص و كتب زياد إليه ع يشكوهم و في هذه الوقعة كان(2/246)

50 / 150
ع
En
A+
A-