و قالوا يعود الماء في النهر بعد ما ذوي نبت جنبيه و جف المشارع فقلت إلى أن يرجع النهر جاريا و يعشب جنباه تموت الضفادع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 281 ثم قال و لئن رجعت عليكم أموركم أي إن ساعدني الوقت و تمكنت من أن أحكم فيكم بحكم الله تعالى و رسوله و عادت إليكم أيام شبيهة بأيام رسول الله ص و سيرة مماثلة لسيرته في أصحابه إنكم لسعداء. ثم قال و إني لأخشى أن تكونوا في فترةالفترة هي الأزمنة التي بين الأنبياء إذا انقطعت الرسل فيها كالفترة التي بين عيسى ع و محمد ص لأنه لم يكن بينهما نبي بخلاف المدة التي كانت بين موسى و عيسى ع لأنه بعث فيها أنبياء كثيرون فيقول ع إني لأخشى ألا أتمكن من الحكم بكتاب الله تعالى فيكم فتكونوا كالأمم الذين في أزمنة الفترة لا يرجعون إلى نبي يشافههم بالشرائع و الأحكام و كأنه ع قد كان يعلم أن الأمر سيضطرب عليه. ثم قال و ما علينا إلا الاجتهاد يقول أنا أعمل ما يجب علي من الاجتهاد في القيام بالشريعة و عزل ولاة السوء و أمراء الفساد عن المسلمين فإن تم ما أريده فذاك و إلا كنت قد أعذرت. و أما التتمة المروية عن جعفر بن محمد ع فواضحة الألفاظ و قوله في آخرها و بنا تختم لا بكم إشارة إلى المهدي الذي يظهر في آخر الزمان و أكثر المحدثين على أنه من ولد فاطمة ع و أصحابنا المعتزلة لا ينكرونه و قد صرحوا بذكره في كتبهم و اعترف به شيوخهم إلا أنه عندنا لم يخلق بعد و سيخلق. و إلى هذا المذهب يذهب أصحاب الحديث أيضا.
و روى قاضي القضاة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 282رحمه الله تعالى عن كافي الكفاة أبي القاسم إسماعيل بن عباد رحمه الله بإسناد متصل بعلي ع أنه ذكر المهدي و قال إنه من ولد الحسين ع و ذكر حليته فقال رجل أجلى الجبين أقنى الأنف ضخم البطن أزيل الفخذين أبلج الثنايبفخذه اليمنى شامة
و ذكر هذا الحديث بعينه عبد الله بن قتيبة في كتاب غريب الحديث(2/237)
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 17283- و من كلام له ع في صفة من يتصدى للحكم بين الأمة و ليس لذلك بأهلإِنَّ أَبْغَضَ الْخَلَائِقِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى رَجُلَانِ رَجُلٌ وَكَلَهُ اللَّهُ إِلَى نَفْسِهِ فَهُوَ جَائِرٌ عَنْ قَصْدِ السَّبِيلِ مَشْغُوفٌ بِكَلَامِ بِدْعَةٍ وَ دُعَاءِ ضَلَالَةٍ فَهُوَ فِتْنَةٌ لِمَنِ افْتَتَنَ بِهِ ضَالٌّ عَنْ هُدَى مَنْ كَانَ قَبْلَهُ مُضِلٌّ لِمَنِ اقْتَدَى بِهِ فِي حَيَاتِهِ وَ بَعْدَ وَفَاتِهِ حَمَّالٌ خَطَايَا غَيْرِهِ رَهْنٌ بِخَطِيئَتِهِ وَ رَجُلٌ قَمَشَ جَهْلًا مُوضِعٌ فِي جُهَّالِ الْأُمَّةِ عَادٍ فِي أَغْبَاشِ الْفِتْنَةِ عَمٍ بِمَا فِي عَقْدِ الْهُدْنَةِ قَدْ سَمَّاهُ أَشْبَاهُ النَّاسِ عَالِماً وَ لَيْسَ بِهِ بَكَّرَ فَاسْتَكْثَرَ مِنْ جَمْعٍ مَا قَلَّ مِنْهُ خَيْرٌ مِمَّا كَثُرَ حَتَّى إِذَا ارْتَوَى مِنْ آجِنٍ وَ اكْتَنَزَ مِنْ غَيْرِ طَائِلٍ جَلَسَ بَيْنَ النَّاسِ قَاضِياً ضَامِناً لِتَخْلِيصِ مَا الْتَبَسَ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنْ نَزَلَتْ بِهِ إِحْدَى الْمُبْهَمَاتِ هَيَّأَ لَهَا حَشْواً رَثًّا مِنْ رَأْيِهِ ثُمَّ قَطَعَ بِهِ فَهُوَ مِنْ لَبْسِ الشُّبُهَاتِ فِي مِثْلِ نَسْجِ الْعَنْكَبُوتِ لَا يَدْرِي أَصَابَ أَمْ أَخْطَأَ فَإِنْ أَصَابَ خَافَ أَنْ يَكُونَ قَدْ أَخْطَأَ وَ إِنْ أَخْطَأَ رَجَا أَنْ يَكُونَ قَدْ أَصَابَ جَاهِلٌ خَبَّاطُ جَهَالَاتٍ عَاشٍ رَكَّابُ عَشَوَاتٍ لَمْ يَعَضَّ عَلَى الْعِلْمِ بِضِرْسٍ قَاطِعٍ يُذْرِي الرِّوَايَاتِ إِذْرَاءَ الرِّيحِ الْهَشِيمَ لَا مَلِي ءٌ وَ اللَّهِ بِإِصْدَارِ مَا وَرَدَ عَلَيهِ وَ لَا هُوَ أَهْلٌ لِمَا فُوِّضَ إِلَيْهِ لَا يَحْسَبُ الْعِلْمَ فِي شَيْ ءٍ مِمَّا أَنْكَرَهُ وَ لَا يَرَى أَنَّ مِنْ وَرَاءِ مَا بَلَغَ مَذْهَباً لِغَيْرِهِ وَ إِنْ أَظْلَمَ عَلَيْهِ أَمْرٌ اكْتَتَمَ بِهِ لِمَا(2/238)
يَعْلَمُ مِنْ جَهْلِ نَفْسِهِ تَصْرُخُ ِنْ جَوْرِ قَضَائِهِ الدِّمَاءُ وَ تَعَجُّ مِنْهُ شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 284الْمَوَارِيثُ إِلَى اللَّهِ مِنْ مَعْشَرٍ يَعِيشُونَ جُهَّالًا وَ يَمُوتُونَ ضُلَّالًا لَيْسَ فِيهِمْ سِلْعَةٌ أَبْوَرُ مِنَ الْكِتَابِ إِذَا تُلِيَ حَقَّ تِلَاوَتِهِ وَ لَا سْعَةٌ أَنْفَقُ بَيْعاً وَ لَا أَغْلَى ثَمَناً مِنَ الْكِتَابِ إِذَا حُرِّفَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَ لَا عِنْدَهُمْ أَنْكَرُ مِنَ الْمَعْرُوفِ وَ لَا أَعْرَفُ مِنَ الْمُنْكَرِ
وكله إلى نفسه تركه و نفسه وكلته وكلا و وكولا و الجائر الضال العادل عن الطريق و قمش جهلا جمعه و موضع مسرع أوضع البعير أسرع و أوضعه راكبه فهو موضع به أي أسرع به. و أغباش الفتنة ظلمها الواحدة غبش و أغباش الليل بقايا ظلمته
و منه الحديث في صلاة الصبح و النساء متلفعات بمروطهن ما يعرفن من الغبش(2/239)
و الماء الآجن الفاسد و أكثر كقولك استكثر و يروى اكتنز أي اتخذ العلم كنزا. و التخليص التبيين و هو و التلخيص متقاربان و لعلهما شي ء واحد من المقلوب. و المبهمات المشكلات و إنما قيل لها مبهمة لأنها أبهمت عن البيان كأنها أصمتت فلم يجعل عليها دليل و لا إليها سبل أو جعل عليها دليل و إليها سبيل إلا أنه متعسر مستصعب و لهذا قيل لما لا ينطق من الحيوان بهيمة و قيل للمصمت اللون الذي لا شية فيه بهيم. و قوله حشوا رثا كلام مخرجه الذم و الرث الخلق ضد الجديد. و قوله حشوا يعني كثيرا لا فائدة فيه و عاش خابط في ظلام و قوله لم يعض يريد أنه لم يتقن و لم يحكم الأمور فيكون بمنزلة من يعض بالناجذ و هو آخر الأضراس و إنما شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 285يطلع إذا استحكمت شبيبة الإنسان و اشتدت مرته و لذلك يدعوه العوام ضرس الحلم كأن الحلم يأتي مع طلوعه و يذهب نزق الصبا و يقولون رجل منجذ أيجرب محكم كأنه قد عض على ناجذه و كمل عقله. و قوله يذري الروايات هكذا أكثر النسخ و أكثر الروايات يذري من أذرى رباعيا و قد أوضحه قوله إذراء الريح يقال طعنه فأذراه أي ألقاه و أذريت الحب للزرع أي ألقيته فكأنه يقول يلقي الروايات كما يلقي الإنسان الشي ء على الأر و الأجود الأصح الرواية الأخرى يذرو الروايات ذرو الريح الهشيم و هكذا ذكر ابن قتيبة في غريب الحديث لما ذكر هذه الخطبة عن أمير المؤمنين ع قال تعالى فَأَصْبَحَ هَشِيماً تَذْرُوهُ الرِّياحُ و الهشيم ما يبس من النبت و تفتت. قوله لا ملي ء أي لا قيم به و فلان غن ملي ء أي ثقة بين الملأ و الملاء بالمد و في كتاب ابن قتيبة تتمة هذا الكلام و لا أهل لما قرظ به قال أي ليس بمستحق للمدح الذي مدح به و الذي رواه ابن قتيبة من تمام كلام أمير المؤمنين ع هو الصحيح الجيد لأنه يستقبح في العربية أن تقول لا زيد قائم حتى تقول و لا مرو أو تقول و لا قاعد فقوله ع لا ملي ء أي لا هو ملي ء و هذا يستدعي لا(2/240)
ثانية و لا يحسن الاقتصار على الأولى. و قوله ع اكتتم به أي كتمه و ستره و قوله تصرخ منه و تعج العج رفع الصوت و هذا من باب الاستعارة. و في كثير من النسخ إلى الله أشكو فمن روى ذلك وقف على مواريث شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 286و من روى الرواية الأولى وقف على قوله إلى الله و يكون قوله من معشر من تمام صفات ذلك الحاكم أي هو من معشر صفتهم كذا. و أبور أفعل من البور الفاسد بار الشي ء أي فسد و بارت السلعة أي كسدت و لم تنفق و هو المراد هاهنا و أصلهفساد أيضا. إن قيل بينوا الفرق بين الرجلين اللذين أحدهما وكله الله إلى نفسه و الآخر رجل قمش جهلا فإنهما في الظاهر واحد. قيل أما الرجل الأول فهو الضال في أصول العقائد كالمشبه و المجبر و نحوهما أ لا تراه كيف قال مشغوف بكلام بدعة و دعاء ضلالة و هذا يشعر بما قلناه من أن مراده به المتكلم في أصول الدين و هو ضال عن الحق و لهذا قال إنه فتنة لمن افتتن به ضال عن هدى من قبله مضل لمن يجي ء بعده و أما الرجل الثاني فهو المتفقه في فروع الشرعيات و ليس بأهل لذلك كفقهاء السوء أ لا تراه كيف يقول جلس بين الناس قاضيا. و قال أيض تصرخ من جور قضائه الدماء و تعج منه المواريث فإن قيل ما معنى قوله في الرجل الأول رهن بخطيئته قيل لأنه إن كان ضالا في دعوته مضلا لمن اتبعه فقد حمل خطاياه و خطايا غيره فهو رهن بالخطيئتين معا و هذا مثل قوله تعالى وَ لَيَحْمِلُنَّ أَثْقالَهُمْ وَ أَثْقالًا مَعَ أَثْقالِهِمْ. إن قيل ما معنى قوله عم بما في عقد الهدنة قيل الهدنة أصلها في اللغة السكون يقال هدن إذا سكن و معنى الكلام أنه لا يعرف ما في الفتنة من الشر و لا ما في السكون و المصالحة من الخير.(2/241)