الغرض ما ينصب ليرمى بالسهام و النابل ذو النبل و الأكلة بضم الهمزة المأكول و فريسة الأسد ما يفترسه. و سفه فلان بالكسر أي صار سفيها و سفه بالضم أيضا فإذا قلت سفه فلان رأيه أو حلمه أو نفسه لم تقل إلا بالكسر لأن فعل بالضم لا يتعدى و قولهم سفه فلان نفسه و غبن رأيه و بطر عيشه و ألم بطنه و رفق حاله و رشد أمره كان الأصل فيه كله سفهت نفس زيد فلما حول الفعل إلى الرجل انتصب ما بعده بالمفعولية هذا مذهب البصريين و الكسائي من الكوفيين. و قال الفراء لما حول الفعل إلى الرجل خرج ما بعده مفسرا ليدل على أن السفاهة فيه و كان حكمه أن يكون سفه زيد نفسا لأن المفسر لا يكون إلا نكرة و لكنه ترك على إضافته و نصب كنصب النكرة تشبيها بها. و يجوز عند البصريين و الكسائي تقديم المنصوب كما يجوز ضرب غلامه زيد و عند الفراء لا يجوز تقديمه لأن المفسر لا يتقدم. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 268فأماوله أرضكم قريبة من الماء بعيدة من السماء فقد قدمنا معنى قوله قريبة من الماء و ذكرنا غرقها من بحر فارس دفعتين و مراده ع بقوله قريبة من الماء أي قريبة من الغرق بالماء و أما بعيدة من السماء فإن أرباب علم الهيئة و صناعة التنجيم يذكرون أن أبعد موضع في الأرض عن السماء الأبلة و ذلك موافق لقوله ع. و معنى البعد عن السماء هاهنا هو بعد تلك الأرض المخصوصة عن دائرة معدل النهار و البقاع و البلاد تختلف في ذلك و قد دلت الأرصاد و الآلات النجومية على أن أبعد موضع في المعمورة عن دائرة معدل النهار هو الأبلة و الأبلة هي قصبة البصرة. و هذا الموضع من خصائص أمير المؤمنين ع لأنه أخبر عن أمر لا تعرفه العرب و لا تهتدى إليه و هو مخصوص بالمدققين من الحكماء و هذا من أسراره و غرائبه البديعة(2/227)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 15269- و من كلام له ع فيما رده على المسلمين من قطائع عثمان رضي الله عنهوَ اللَّهِ لَوْ وَجَدْتُهُ قَدْ تُزُوِّجَ بِهِ النِّسَاءُ وَ مُلِكَ بِهِ الْإِمَاءُ لَرَدَدْتُهُ فَإِنَّ فِي الْعَدْلِ سَعَةً وَ مَنْ ضَاقَ عَلَيْهِ الْعَدْلُ فَالْجَوْرُ عَلَيْهِ أَضْيَقُ
القطائع ما يقطعه الإمام بعض الرعية من أرض بيت المال ذات الخراج و يسقط عنه خراجه و يجعل عليه ضريبة يسيرة عوضا عن الخراج و قد كان عثمان أقطع كثيرا من بني أمية و غيرهم من أوليائه و أصحابه قطائع من أرض الخراج على هذه الصورة و قد كان عمر أقطع قطائع و لكن لأرباب الغناء في الحرب و الآثار المشهورة في الجهاد فعل ذلك ثمنا عما بذلوه من مهجهم في طاعة الله سبحانه و عثمان أقطع القطائع صلة لرحمه و ميلا إلى أصحابه عن غير عناء في الحرب و لا أثر.
و هذه الخطبة ذكرها الكلبي مروية مرفوعة إلى أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما أن عليا ع خطب في اليوم الثاني من بيعته بالمدينة فقال ألا إن كل قطيعة أقطعها عثمان و كل مال أعطاه من مال الله فهو مردود في بيت المال فإن الحق القديم لا يبطله شي ء و لو وجدته و د تزوج به النساء و فرق في البلدان لرددته إلى حاله فإن في العدل سعة و من ضاق عنه الحق فالجور عليه أضيق(2/228)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 270و تفسير هذا الكلام أن الوالي إذا ضاقت عليه تدبيرات أموره في العدل فهي في الجور أضيق عليه لأن الجائر في مظنة أن يمنع و يصد عن جوره. قال الكلبي ثم أمر ع بكل سلاح وجد لعثمان في داره مما تقوى به على المسلمين فقبض و أمر بقبض نجائكانت في داره من إبل الصدقة فقبضت و أمر بقبض سيفه و درعه و أمر ألا يعرض لسلاح وجد له لم يقاتل به المسلمون و بالكف عن جميع أمواله التي وجدت في داره و في غير داره و أمر أن ترتجع الأموال التي أجاز بها عثمان حيث أصيبت أو أصيب أصحابها. فبلغ ذلك عمرو بن العاص و كان بأيلة من أرض الشام أتاها حيث وثب الناس على عثمان فنزلها فكتب إلى معاوية ما كنت صانعا فاصنع إذ قشرك ابن أبي طالب من كل مال تملكه كما تقشر عن العصا لحاها. و قال الوليد بن عقبة و هو أخو عثمان من أمه يذكر قبض علي ع نجائب عثمان و سيفه و سلاحه
بني هاشم ردوا سلاح ابن أختكم و لا تنهبوه لا تحل مناهبه بني هاشم كيف الهوادة بيننا و عند علي درعه و نجائبه بني هاشم كيف التودد منكم و بز ابن أروى فيكم و حرائبه بني هاشم إلا تردوا فإننا سواء علينا قاتلاه و سالبه بني هاشم إنا و ما كان منكم كصدع الصفا لا يالصدع شاعبه قتلتم أخي كيما تكونوا مكانه كما غدرت يوما بكسرى مرازبه شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 271فأجابه عبد الله بن أبي سفيان بن الحارث بن عبد المطلب بأبيات طويلة من جملتهافلا تسألونا سيفكم إن سيفكم أضيع و ألقاه لدى الروع صاحبه و شبهته كسرى و قد كان مثله شبيها بكسرى هدبه و ضرائبهأي كان كافرا كما كان كسرى كافرا. و كان المنصور رحمه الله تعالى إذا أنشد هذا الشعر يقول لعن الله الوليد هو الذي فرق بين بني عبد مناف بهذا الشعر(2/229)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 16272- و من خطبة له ع لما بويع بالمدينةذِمَّتِي بِمَا أَقُولُ رَهِينَةٌ وَ أَنَا بِهِ زَعِيمٌ إِنَّ مَنْ صَرَّحَتْ لَهُ الْعِبَرُ عَمَّا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْمَثُلَاتِ حَجَزَتْهُ التَّقْوَى عَنْ تَقَحُّمِ الشُّبُهَاتِ أَلَا وَ إِنَّ بَلِيَّتَكُمْ قَدْ عَادَتْ كَهَيْئَتِهَا يَوْمَ بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ وَ الَّذِي بَعَثَهُ بِالْحَقِّ لَتُبَلْبَلُنَّ بَلْبَلَةً وَ لَتُغَرْبَلُنَّ غَرْبَلَةً وَ لَتُسَاطُنَّ سَوْطَ الْقِدْرِ حَتَّى يَعُودَ أَسْفَلُكُمْ أَعْلَاكُمْ وَ أَعْلَاكُمْ أَسْفَلَكُمْ وَ لَيَسْبِقَنَّ سَابِقُونَ كَانُوا قَصَّرُوا وَ لَيُقَصِّرَنَّ سَبَّاقُونَ كَانُوا سَبَقُوا وَ اللَّهِ مَا كَتَمْتُ وَشْمَةً وَ لَا كَذَبْتُ كِذْبَةً وَ لَقَدْ نُبِّئْتُ بِهَذَا الْمَقَامِ وَ هَذَا الْيَوْمِ أَلَا وَ إِنَّ الْخَطَايَا خَيْلٌ شُمُسٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ خُلِعَتْ لُجُمُهَا فَتَقَحَّمَتْ بِهِمْ فِي النَّارِ أَلَا وَ إِنَّ التَّقْوَى مَطَايَا ذُلُلٌ حُمِلَ عَلَيْهَا أَهْلُهَا وَ أُعْطُوا أَزِمَّتَهَا فَأَوْرَدَتْهُمُ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَ بَاطِلٌ وَ لِكُلٍّ أَهْلٌ فَلَئِنْ أَمِرَ الْبَاطِلُ لَقَدِيماً فَعَلَ وَ لَئِنْ قَلَّ الْحَقُّ لَرُبَّمَا وَ لَعَلَّ وَ لَقَلَّمَا أَدْبَرَ شَيْ ءٌ فَأَقْبَلَ قال الرضي و أقول إن في هذا الكلام الأدنى من مواقع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 273الإحسان ما لا تبلغه مواقع الاستحسان و إن حظ العجب منه أكثر من حظ العجب به و فيه مع الحال التي وصفنا زوائد من الفصاحة لا يقوم بها لسان و لا يطلع فجها إنسان و لا يعرف ما أقول إ من ضرب في هذه الصناعة بحق و جرى فيها على عرق وَ ما يَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ(2/230)


و من هذه الخطبةشُغِلَ مَنِ الْجَنَّةُ وَ النَّارُ أَمَامَهُ سَاعٍ سَرِيعٌ نَجَا وَ طَالِبٌ بَطِي ءٌ رَجَا وَ مُقَصِّرٌ فِي النَّارِ هَوَى الْيَمِينُ وَ الشِّمَالُ مَضَلَّةٌ وَ الطَّرِيقُ الْوُسْطَى هِيَ الْجَادَّةُ عَلَيْهَا بَاقِي الْكِتَابِ وَ آثَارُ الُّبُوَّةِ وَ مِنْهَا مَنْفَذُ السُّنَّةِ وَ إِلَيْهَا مَصِيرُ الْعَاقِبَةِ هَلَكَ مَنِ ادَّعَى وَ خَابَ مَنِ افْتَرَى مَنْ أَبْدَى صَفْحَتَهُ لِلْحَقِّ هَلَكَ عِنْدَ جَهَلَةِ النَّاسِ وَ كَفَى بِالْمَرْءِ جَهْلًا أَلَّا يَعْرِفَ قَدْرَهُ لَا يَهْلِكُ عَلَى التَّقْوَى سِنْخُ أَصْلٍ وَ لَا يَظْمَأُ عَلَيْهَا زَرْعُ قَوْمٍ فَاسْتَتِرُوا فِي بُيُوتِكُمْ وَ أَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ وَ التَّوْبَةُ مِنْ وَرَائِكُمْ وَ لَا يَحْمَدْ حَامِدٌ إِلَّا رَبَّهُ وَ لَا يَلُمْ لَائِمٌ إِلَّا نَفْسَهُ(2/231)

47 / 150
ع
En
A+
A-