و أنى لي أن أخالف الناس. قال و خرج عبد الله بن خلف الخزاعي و هو رئيس البصرة و أكثر أهلها مالا و ضياعا فطلب البراز و سأل ألا يخرج إليه إلا علي ع و ارتجز فقال
أبا تراب ادن مني فترا فإنني دان إليك شبراو إن في صدري عليك غمرا
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 262فخرج إليه علي ع فلم يمهله أن ضربه ففلق هامته. قالوا استدار الجمل كما تدور الرحى و تكاثفت الرجال من حوله و اشتد رغاؤه و اشتد زحام الناس عليه و نادى الحتات المجاشعي أيها الناس أمكم أمكم و اختلط الناس فضرب بعضهم بعضا و تقصد أهللكوفة قصد الجمل و الرجال دونه كالجبال كلما خف قوم جاء أضعافهم فنادى علي ع ويحكم ارشقوا الجمل بالنبل اعقروه لعنه الله فرشق بالسهام فلم يبق فيه موضع إلا أصابه النبل و كان مجففا فتعلقت السهام به فصار كالقنفذ و نادت الأزد و ضبة يا لثارات عثمان فاتخذوها شعارا و نادى أصحاب علي ع يا محمد فاتخذوها شعارا و اختلط الفريقان و نادى علي ع بشعار رسول الله ص يا منصور أمت و هذا في اليوم الثاني من أيام الجمل فلما دعا بها تزلزلت أقدام القوم و ذلك وقت العصر بعد أن كانت الحرب من وقت الفجر. قال الواقدي
و قد روي أن شعاره ع كان في ذلك اليوم حم لا ينصرون اللهم انصرنا على القوم الناكثين
ثم تحاجز الفريقان و القتل فاش فيهما إلا أنه في أهل البصرة أكثر و أمارات النصر لائحة لعسكر الكوفة ثم تواقفوا في اليوم الثالث فبرز أول الناس عبد الله بن الزبير و دعا إلى المبارزة فبرز إليه الأشتر فقالت عائشة من برز إلى عبد الله قالوا الأشتر فقالت وا ثكل أسماء فضرب كل منهما صاحبه فجرحه ثم اعتنقا فصرع الأشتر عبد الله و قعد على صدره و اختلط الفريقان هؤلاء لينقذوا عبد الله و هؤلاء ليعينوا الأشتر و كان الأشتر طاويا ثلاثة أيام شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 263لم يطعم و هذه عادته في الحرب و كان أيضا شيخا عالي السن فجععبد الله ينادي
اقتلوني و مالكا(2/222)
فلو قال اقتلوني و الأشتر لقتلوهما إلا أن أكثر من كان يمر بهما لا يعرفهما لكثرة من وقع في المعركة صرعى بعضهم فوق بعض و أفلت ابن الزبير من تحته و لم يكد فذلك قول الأشتر
أ عائش لو لا أنني كنت طاويا ثلاثا لألفيت ابن أختك هالكاغداة ينادي و الرجال تحوزه بأضعف صوت اقتلوني و مالكافلم يعرفوه إذ دعاهم و غمه خدب عليه في العجاجة باركافنجاه مني أكله و شبابه و أني شيخ لم أكن متماسكا
و روى أبو مخنف عن الأصبغ بن نباتة قال دخل عمار بن ياسر و مالك بن الحارث الأشتر على عائشة بعد انقضاء أمر الجمل فقالت عائشة يا عمار من معك قال الأشتر فقالت يا مالك أنت الذي صنعت بابن أختي ما صنعت قال نعم و لو لا أني كنت طاويا ثلاثة أيام لأرحت أمة محمد منه فقالت أ ما علمت
أن رسول الله ص قال لا يحل دم مسلم إلا بأحد أمور ثلاثة كفر بعد إيمان أو زنا بعد إحصان أو قتل نفس بغير حق
فقال الأشتر على بعض هذه الثلاثة قاتلناه يا أم المؤمنين و ايم الله ما خانني سيفي قبلها و لقد أقسمت ألا يصحبني بعدها. قال أبو مخنف ففي ذلك يقول الأشتر من جملة هذا الشعر الذي ذكرناه
و قالت على أي الخصال صرعته بقتل أتى أم رده لا أبا لكاأم المحصن الزاني الذي حل قتله فقلت لها لا بد من بعض ذلكا(2/223)
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 264قال أبو مخنف و انتهى الحارث بن زهير الأزدي من أصحاب علي ع إلى الجمل و رجل آخذ بخطامه لا يدنو منه أحد إلا قتله فلما رآه الحارث بن زهير مشى إليه بالسيف و ارتجز فقال لعائشةيا أمنا أعق أم نعلم و الأم تغذو ولدها و ترحم أ ما ترين كم شجاع يكلم و تختلى هامته و المعصمفاختلف هو و الرجل ضربتين فكلاهما أثخن صاحبه. قال جندب بن عبد الله الأزدي فجئت حتى وقفت عليهما و هما يفحصان بأرجلهما حتى ماتا قال فأتيت عائشة بعد ذلك أسلم عليها بالمدينة فقالت من أنت قلت رجل من أهل الكوفة قالت هل شهدتنا يوم البصرة قلت نعم قالت مع أي الفريقين قلت مع علي قالت هل سمعت مقالة الذي قال
يا أمنا أعق أم نعلم
قلت نعم و أعرفه قالت و من هو قلت ابن عم لي قالت و ما فعل قلت قتل عند الجمل و قتل قاتله قال فبكت حتى ظننت و الله أنها لا تسكت ثم قالت لوددت و الله أنني كنت مت قبل ذلك اليوم بعشرين سنة. قالوا و خرج رجل من عسكر البصرة يعرف بخباب بن عمرو الراسبي فارتجز فقال
أضربهم و لو أرى عليا عممته أبيض مشرفياأريح منه معشرا غويا
فصمد عليه الأشتر فقتله. ثم تقدم عبد الرحمن بن عتاب بن أسيد بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس و هو شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 265من أشراف قريش و كان اسم سيفه ولول فارتجز فقالأنا ابن عتاب و سيفي ولول و الموت دون الجمل المجلل(2/224)
فحمل عليه الأشتر فقتله ثم خرج عبد الله بن حكيم بن حزام من بني أسد بن عبد العزى بن قصي من أشراف قريش أيضا فارتجز و طلب المبارزة فخرج إليه الأشتر فضربه على رأسه فصرعه ثم قام فنجا بنفسه. قالوا و أخذ خطام الجمل سبعون من قريش قتلوا كلهم و لم يكن يأخذ بخطام الجمل أحد إلا سالت نفسه أو قطعت يده و جاءت بنو ناجية فأخذوا بخطام الجمل و لم يكن يأخذ الخطام أحد إلا سألت عائشة من هذا فسألت عنهم فقيل بنو ناجية فقالت عائشة صبرا يا بني ناجية فإني أعرف فيكم شمائل قريش قالوا و بنو ناجية مطعون في نسبهم إلى قريش فقتلوا حولها جميعا. قال أبو مخنف و حدثنا إسحاق بن راشد عن عبد الله بن الزبير قال أمسيت يوم الجمل و بي سبعة و ثلاثون جرحا من ضربة و طعنة و رمية و ما رأيت مثل يوم الجمل قط ما كان الفريقان إلا كالجبلين لا يزولان.
قال أبو مخنف و قام رجل إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين أي فتنة أعظم من هذه إن البدرية ليمشي بعضها إلى بعض بالسيف فقال علي ع ويحك أ تكون فتنة أنا أميرها و قائدها و الذي بعث محمدا بالحق و كرم وجهه ما كذبت و لا كذبت و لا ضللت و لا ضل بي و لا زللت و لا زل بي و إني لعلى بينة من ربي بينها الله لرسوله و بينها رسوله لي و سأدعى يوم القيامة و لا ذنب لي و لو كان لي ذنب لكفر عني ذنوبي ما أنا فيه من قتالهم(2/225)
قال أبو مخنف و حدثنا مسلم الأعور عن حبة العرني قال فلما رأى علي ع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 266أن الموت عند الجمل و أنه ما دام قائما فالحرب لا تطفأ وضع سيفه على عاتقه و عطف نحوه و أمر أصحابه بذلك و مشى نحوه و الخطام مع بني ضبة فاقتتلوا قتالا شديدا و استحالقتل في بني ضبة فقتل منهم مقتلة عظيمة و خلص علي ع في جماعة من النخع و همدان إلى الجمل فقال لرجل من النخع اسمه بجير دونك الجمل يا بجير فضرب عجز الجمل بسيفه فوقع لجنبه و ضرب بجرانه الأرض و عج عجيجا لم يسمع بأشد منه فما هو إلا أن صرع الجمل حتى فرت الرجال كما يطير الجراد في الريح الشديدة الهبوب و احتملت عائشة بهودجها فحملت إلى دار عبد الله بن خلف و أمر علي ع بالجمل أن يحرق ثم يذرى في الريح
و قال ع لعنه الله من دابة فما أشبهه بعجل بني إسرائيل ثم قرأ وَ انْظُرْ إِلى إِلهِكَ الَّذِي ظَلْتَ عَلَيْهِ عاكِفاً لَنُحَرِّقَنَّهُ ثُمَّ لَنَنْسِفَنَّهُ فِي الْيَمِّ نَسْفاً
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 14267- و من كلام له ع في مثل ذلكأَرْضُكُمْ قَرِيبَةٌ مِنَ الْمَاءِ بَعِيدَةٌ مِنَ السَّمَاءِ خَفَّتْ عُقُولُكُمْ وَ سَفِهَتْ حُلُومُكُمْ فَأَنْتُمْ غَرَضٌ لِنَابِلٍ وَ أُكْلَةٌ لآِكِلٍ وَ فَرِيسَةٌ لِصَائِلٍ(2/226)