يا أمنا عائش لا تراعي كل بنيك بطل المصاع ينعى ابن عفان إليك ناع كعب بن سور كاشف القناع فارضي بنصر السيد المطاع و الأزد فيها كرم الطباو منه قول بعضهم
يا أمنا يكفيك منا دنوه لن يؤخذ الدهر الخطام عنوه و حولك اليوم رجال شنوه و حي همدان رجال الهبوه و المالكيون القليلو الكبوه و الأزد حي ليس فيهم نبوقالوا و خرج من أهل البصرة شيخ صبيح الوجه نبيل عليه جبة وشي يحض الناس على الحرب و يقول
يا معشر الأزد عليكم أمكم فإنها صلاتكم و صومكم و الحرمة العظمى التي تعمكم فأحضروها جدكم و حزمكم شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 256لا يغلبن سم العدو سمكم إن العدو إن علاكم زمكم و خصكم بجوره و عمكم لا تفضحوا اليوم فداكم قومقال المدائني و الواقدي و هذا الرجز يصدق الرواية أن الزبير و طلحة قاما في الناس فقالا إن عليا إن يظفر فهو فناؤكم يا أهل البصرة فاحموا حقيقتكم فإنه لا يبقي حرمة إلا انتهكها و لا حريما إلا هتكه و لا ذرية إلا قتلها و لا ذوات خدر إلا سباهن فقاتلوا مقاتلة من يحمي عن حريمه و يختار الموت على الفضيحة يراها في أهله. و قال أبو مخنف لم يقل أحد من رجاز البصرة قولا كان أحب إلى أهل الجمل من قول هذا الشيخ استقتل الناس عند قوله و ثبتوا حول الجمل و انتدبوا فخرج عوف بن قطن الضبي و هو ينادي ليس لعثمان ثأر إلا علي بن أبي طالب و ولده فأخذ خطام الجمل و قال
يا أم يا أم خلا مني الوطن لا أبتغي القبر و لا أبغي الكفن من هاهنا محشر عوف بن قطن إن فاتنا اليوم علي فالغبن أو فاتنا ابناه حسين و حسن إذا أمت بطول هم و حزثم تقدم فضرب بسيفه حتى قتل. و تناول عبد الله بن أبزى خطام الجمل و كان كل من أراد الجد في الحرب و قاتل قتال مستميت يتقدم إلى الجمل فيأخذ بخطامه ثم شد على عسكر علي ع و قال
أضربهم و لا أرى أبا حسن ها إن هذا حزن من الحزن(2/217)
فشد عليه علي أمير المؤمنين ع بالرمح فطعنه فقتله و قال قد رأيت أبا حسن فكيف رأيته و ترك الرمح فيه. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 257و أخذت عائشة كفا من حصى فحصبت به أصحاب علي ع و صاحت بأعلى صوتها شاهت الوجوه كما صنع رسول الله ص يوم حنين فقال لها قائل و ما رميإذ رميت و لكن الشيطان رمى و زحف علي ع نحو الجمل بنفسه في كتيبته الخضراء من المهاجرين و الأنصار و حوله بنوه حسن و حسين و محمد ع و دفع الراية إلى محمد و قال أقدم بها حتى تركزها في عين الجمل و لا تقفن دونه فتقدم محمد فرشقته السهام فقال لأصحابه رويدا حتى تنفد سهامهم فلم يبق لهم إلا رشقة أو رشقتان فأنفذا إليه علي ع إليه يستحثه و يأمره بالمناجزة فلما أبطأ عليه جاء بنفسه من خلفه فوضع يده اليسرى على منكبه الأيمن و قال له أقدم لا أم لك فكان محمد رضي الله عنه إذا ذكر ذلك بعد يبكي و يقول لكأني أجد ريح نفسه في قفاي و الله لا أنسى أبدا ثم أدركت عليا ع رقة على ولده فتناول الراية منه بيده اليسرى و ذو الفقار مشهور في يمنى يديه ثم حمل فغاص في عسكر الجمل ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فقال له أصحابه و بنوه و الأشتر و عمار نحن نكفيك يا أمير المؤمنين فلم يجب أحدا منهم و لا رد إليهم بصره و ظل ينحط و يزأر زئير الأسد حتى فرق من حوله و تبادروه و إنه لطامح ببصره نحو عسكر البصرة لا يبصر من حوله و لا يرد حوارا ثم دفع الراية إلى ابنه محمد ثم حمل حملة ثانية وحده فدخل وسطهم فضربهم بالسيف قدما قدما و الرجال تفر من بين يديه و تنحاز عنه يمنة و يسرة حتى خضب الأرض بدماء القتلى ثم رجع و قد انحنى سيفه فأقامه بركبته فاعصوصب به أصحابه و ناشدوه الله في نفسه و في الإسلام و قالوا إنك إن تصب يذهب الدين فأمسك و نحن نكفيك فقال و الله ما أريد بما ترون إلا وجه الله و الدار الآخرة ثم قال لمحمد ابنه هكذا تصنع يا ابن الحنفية فقال الناس من الذي يستطيع ما تستطيعه يا(2/218)
أمير المؤمنين. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 258و من كلماته الفصيحة ع في يوم الجمل ما رواه الكلبي عن رجل من الأنصار قال بينا أنا واقف في أول الصفوف يوم الجمل إذ جاء علي ع فانحرفت إليه فقال أين مث القوم فقلت هاهنا نحو عائشة. قال الكلبي يريد أين عددهم و أين جمهورهم و كثرتهم و المال الثري على فعيل هو الكثير و منه رجل ثروان و امرأة ثروى و تصغيرها ثريا و الصدقة مثراة للمال أي مكثرة له. قال أبو مخنف و بعث علي ع إلى الأشتر أن احمل على ميسرتهم فحمل عليها و فيها هلال بن وكيع فاقتتلوا قتالا شديدا و قتل هلال قتله الأشتر فمالت الميسرة إلى عائشة فلاذوا بها و عظمهم بنو ضبة و بنو عدي ثم عطفت الأزد و ضبة و ناجية و باهلة إلى الجمل فأحاطوا به و اقتتل الناس حوله قتالا شديدا و قتل كعب بن سور قاضي البصرة جاءه سهم غرب فقتله و خطام الجمل في يده ثم قتل عمرو بن يثربي الضبي و كان فارس أصحاب الجمل و شجاعهم بعد أن قتل كثيرا من أصحاب علي ع. قالوا كان عمرو أخذ بخطام الجمل فدفعه إلى ابنه ثم دعا إلى البراز فخرج إليه علباء بن الهيثم السدوسي فقتله عمرو ثم دعا إلى البراز فخرج إليه هند بن عمرو الجملي فقتله عمرو ثم دعا إلى البراز فقال زيد بن صوحان العبدي لعلي ع يا أمير المؤمنين إني رأيت يدا أشرفت علي من السماء و هي تقول هلم إلينا و أنا خارج إلى شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 259ابن يثربي فإذا قتلني فادفني بدمي و لا تغسلني فإني مخاصم عند ربثم خرج فقتله عمرو ثم رجع إلى خطام الجمل مرتجزا يقول(2/219)
أرديت علباء و هندا في طلق ثم ابن صوحان خضيبا في علق قد سبق اليوم لنا ما قد سبق و الوتر منا في عدي ذي الفرق و الأشتر الغاوي و عمرو بن الحمق و الفارس المعلم في الحرب الحنق ذاك الذي في الحادثات لم يطق أعني عليا ليته فينا مقال قوله و الوتر منا في عدي يعني عدي بن حاتم الطائي و كان من أشد الناس على عثمان و من أشدهم جهادا مع علي ع ثم ترك ابن يثربي الخطام و خرج يطلب المبارزة فاختلف في قاتله فقال قوم إن عمار بن ياسر خرج إليه و الناس يسترجعون له لأنه كان أضعف من برز إليه يومئذ أقصرهم سيفا و أقصفهم رمحا و أحمشهم ساقا حمالة سيفه من نسعة الرحل و ذباب سيفه قريب من إبطه فاختلفا ضربتين فنشب سيف ابن يثربي في حجفة عمار فضربه عمار على رأسه فصرعه ثم أخذ برجله يسحبه حتى انتهى به إلى علي ع فقال يا أمير المؤمنين استبقني أجاهد بين يديك و أقتل منهم مثل ما قتلت منكم فقال له علي ع أ بعد زيد و هند و علباء أستبقيك لاها الله إذا قال فأدنني منك أسارك قال له أنت متمرد و قد أخبرني رسول الله ص بالمتمردين و ذكرك فيهم فقال أما و الله لو وصلت إليك لعضضت أنفك عضة أبنته منك. فأمر به علي ع فضربت عنقه. شرح نهج بلاغة ج : 1 ص : 260و قال قوم إن عمرا لما قتل من قتل و أراد أن يخرج لطلب البراز قال للأزد يا معشر الأزد إنكم قوم لكم حياء و بأس و إني قد وترت القوم و هم قاتلي و هذه أمكم نصرها دين و خذلانها عقوق و لست أخشى أن أقتل حتى أصرع فإن صرعت فاستنقذوني فقالت له الأزد ما في هذا الجمع أحد نخافه عليك إلا الأشتر قال فإياه أخاف. قال أبو مخنف فقيضه الله له و قد أعلما جميعا فارتجز الأشتر
إني إذا ما الحرب أبدت نابها و أغلقت يوم الوغى أبوابهاو مزقت من حنق أثوابها كنا قداماها و لا أذنابهاليس العدو دوننا أصحابها من هابها اليوم فلن أهابهالا طعنها أخشى و لا ضرابها(2/220)
ثم حمل عليه فطعنه فصرعه و حامت عنه الأزد فاستنقذوه فوثب و هو وقيذ ثقيل فلم يستطع أن يدفع عن نفسه و استعرضه عبد الرحمن بن طود البكري فطعنه فصرعه ثانية و وثب عليه رجل من سدوس فأخذه مسحوبا برجله حتى أتى به عليا ع فناشده الله و قال يا أمير المؤمنين اعف عني فإن العرب لم تزل قائلة عنك إنك لم تجهز على جريح قط فأطلقه و قال اذهب حيث شئت فجاء إلى أصحابه و هو لما به حضره الموت فقالوا له دمك عند أي الناس فقال أما الأشتر فلقيني و أنا كالمهر الأرن فعلا حده حدي و لقيت رجلا يبتغي له عشرة أمثالي و أما البكري فلقيني و أنا لما بي و كان يبتغي لي عشرة أمثاله و تولى أسري أضعف القوم و صاحبي الأشتر. قال أبو مخنف فلما انكشفت الحرب شكرت ابنة عمرو بن يثربي الأزد و عابت قومها فقالت شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 26يا ضب إنك قد فجعت بفارس حامي الحقيقة قاتل الأقران عمرو بن يثرب الذي فجعت به كل القبائل من بني عدنان لم يحمه وسط العجاجة قومه و حنت عليه الأزد أزد عمان فلهم علي بذاك حادث نعمة و لحبهم أحببت كل يمان لو كان يدفع عن منية هالك طول الأكف بذابل المران أو معشوا الخطا بسيوفهم وسط العجاجة و الحتوف دوان ما نيل عمر و الحوادث جمة حتى ينال النجم و القمران لو غير الأشتر ناله لندبته و بكيته ما دام هضب أبان لكنه من لا يعاب بقتله أسد الأسود و فارس الفرسقال أبو مخنف و بلغنا أن عبد الرحمن بن طود البكري قال لقومه أنا و الله قتلت عمرا و إن الأشتر كان بعدي و أنا أمامه في الصعاليك فطعنت عمرا طعنة لم أحسب أنها تجعل للأشتر دوني و إنما الأشتر ذو حظ في الحرب و إنه ليعلم أنه كان خلفي و لكن أبى الناس إلا أنه صاحبه و لا أرى أن أكون خصم العامة و إن الأشتر لأهل ألا ينازع فلما بلغ الأشتر قوله قال أما و الله لو لا أني أطفأت جمرته عنه ما دنا منه و ما صاحبه غيري و إن الصيد لمن وقذه فقال عبد الرحمن لا أنازع فيه ما القول إلا ما قاله(2/221)