ثم مر بعبد الله بن خلف الخزاعي و كان ع قتله بيده مبارزة و كان رئيس أهل البصرة فقال أجلسوه فأجلس فقال الويل لك يا ابن خلف لقد عانيت أمرا عظيما. و قال شيخنا أبو عثمان الجاحظ و مر ع بعبد الرحمن بن عتاب بن أسيد فقال أجلسوه فأجلس فقال هذا يعسوب قريش هذا اللباب المحض من بني عبد مناف ثم قال شفيت نفسي و قتلت معشري إلى الله أشكو عجري و بجري قتلت الصناديد من بني عبد مناف و أفلتني الأعيار من بني جمح فقال له قائل لشد ما أطريت هذا الفتى منذ اليوم يا أمير المؤمنين قال إنه قام عني و عنه نسوة لم يقمن عنك. قال أبو الأسود الدؤلي لما ظهر علي ع يوم الجمل دخل بيت المال بالبصرة في ناس من المهاجرين و الأنصار و أنا معهم فلما رأى كثرة ما فيه قال غري غيري مرارا ثم نظر إلى المال و صعد فيه بصره و صوب و قال اقسموه بين أصحابي خمسمائة خمسمائة فقسم بينهم فلا و الذي بعث محمدا بالحق ما نقص درهما و لا زاد درهما كأنه كان يعرف مبلغه و مقداره و كان ستة آلاف ألف درهم و الناس اثنا عشر ألفا.(2/212)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 250حبة العرني قسم علي ع بيت مال البصرة على أصحابه خمسمائة خمسمائة و أخذ خمسمائة درهم كواحد منهم فجاءه إنسان لم يحضر الوقعة فقال يا أمير المؤمنين كنت شاهدا معك بقلبي و إن غاب عنك جسمي فأعطني من الفي ء شيئا فدفع إليه الذي أخذه له و هو خمسمائة درهم و لم يصب من الفي ء شيئا. اتفقت الرواة كلها على أنه ع قبض ما وجد في عسكر الجمل من سلاح و دابة و مملوك و متاع و عروض فقسمه بين أصحابه و أنهم قالوا له اقسم بيننا أهل البصرة فاجعلهم رقيقا فقال لا فقالوا فكيف تحل لنا دماءهم و تحرم علينا سبيم فقال كيف يحل لكم ذرية ضعيفة في دار هجرة و إسلام أما ما أجلب به القوم في معسكرهم عليكم فهو لكم مغنم و أما ما وارت الدور و أغلقت عليه الأبواب فهو لأهله و لا نصيب لكم في شي ء منه فلما أكثروا عليه قال فأقرعوا على عائشة لأدفعها إلى من تصيبه القرعة فقالوا نستفر الله يا أمير المؤمنين ثم انصرفوا(2/213)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 13251- و من كلام له ع في ذم أهل البصرةكُنْتُمْ جُنْدَ الْمَرْأَةِ وَ أَتْبَاعَ الْبَهِيمَةِ رَغَا فَأَجَبْتُمْ وَ عُقِرَ فَهَرَبْتُمْ أَخْلَاقُكُمْ دِقَاقٌ وَ عَهْدُكُمْ شِقَاقٌ وَ دِينُكُمْ نِفَاقٌ وَ مَاؤُكُمْ زُعَاقٌ وَ الْمُقِيمُ بَيْنَ أَظْهُرِكُمْ مُرْتَهَنٌ بِذَنْبِهِ وَ الشَّاخِصُ عَنْكُمْ مُتَدَارَكٌ بِرَحْمَةٍ مِنْ رَبِّهِ كَأَنِّي بِمَسْجِدِكُمْ كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ قَدْ بَعَثَ اللَّهُ عَلَيْهَا الْعَذَابَ مِنْ فَوْقِهَا وَ مِنْ تَحْتِهَا وَ غَرَّقَ مَنْ فِي ضِمْنِهَا وَ فِي رِوَايَةٍ وَ ايْمُ اللَّهِ لَتُغْرَقَنَّ بَلْدَتُكُمْ حَتَّى كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى مَسْجِدِهَا كَجُؤْجُؤِ سَفِينَةٍ أَوْ نَعَامَةٍ جَاثِمَةٍ وَ فِي رِوَايَةٍ كَجُؤْجُؤِ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ وَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى بِلَادُكُمْ أَنْتَنُ بِلَادِ اللَّهِ تُرْبَةً أَقْرَبُهَا مِنَ الْمَاءِ وَ أَبْعَدُهَا مِنَ السَّمَاءِ وَ بِهَا تِسْعَةُ أَعْشَارِ الشَّرِّ الْمُحْتَبَسُ فِيهَا بِذَنْبِهِ وَ الْخَارِجُ بِعَفْوِ اللَّهِ كَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَى قَرْيَتِكُمْ هَذِهِ قَدْ طَبَّقَهَا الْمَاءُ حَتَّى مَا يُرَى مِنْهَا إِلَّا شُرَفُ الْمَسْجِدِ كَأَنَّهُ جُؤْجُؤُ طَيْرٍ فِي لُجَّةِ بَحْرٍ
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 252قوله و أتباع البهيمة يعني الجمل و كان جمل عائشة راية عسكر البصرة قتلوا دونه كما تقتل الرجال تحت راياتها. و قوله أخلاقكم دقاق يصفهم باللؤم و في الحديث أن رجلا قال له يا رسول الله إني أحب أن أنكح فلانة إلا أن في أخلاق أهلها دقه فقال له إياك و خضراء الدمن إياك و المرأة الحسناء في منبت السوء(2/214)


قوله و عهدكم شقاق يصفهم بالغدر يقول عهدكم و ذمتكم لا يوثق بها بل هي و إن كانت في الصورة عهدا أو ذمة فإنها في المعنى خلاف و عداوة. قوله و ماؤكم زعاق أي ملح و هذا و إن لم يكن من أفعالهم إلا أنه مما تذم به المدينة كما قال
بلاد بها الحمى و أسد عرينة و فيها المعلى يعتدي و يجورفإني لمن قد حل فيها لراحم و إني من لم يأتها لنذير
و لا ذنب لأهلها في أنها بلاد الحمى و السباع. ثم وصف المقيم بين أظهرهم بأنه مرتهن بذنبه لأنه إما أن يشاركهم في الذنوب أو يراها فلا ينكرها و مذهب أصحابنا أنه لا تجوز الإقامة في دار الفسق كما لا تجوز الإقامة في دار الكفر. و جؤجؤ عظم الصدر و جؤجؤ السفينة صدرها. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 253فأما إخباره ع أن البصرة تغرق عدا المسجد الجامع بها فقد رأيت من يذكر أن كتب الملاحم تدل على أن البصرة تهلك بالماء الأسود ينفجر من أرضها فتغرق و يبقى مسجدها. و الصحيح أن المخبر به قد وقع فإن البصرة غرقت مرتين مرة في أيام القا بالله و مرة في أيام القائم بأمر الله غرقت بأجمعها و لم يبق منها إلا مسجدها الجامع بارزا بعضه كجؤجؤ الطائر حسب ما أخبر به أمير المؤمنين ع جاءها الماء من بحر فارس من جهة الموضع المعروف الآن بجزيرة الفرس و من جهة الجبل المعروف بجبل السنام و خربت دورها و غرق كل ما في ضمنها و هلك كثير من أهلها. و أخبار هذين الغرقين معروفة عند أهل البصرة يتناقلها خلفهم عن سلفهم
من أخبار يوم الجمل أيضا(2/215)


قال أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني و محمد بن عمر الواقدي ما حفظ رجز قط أكثر من رجز قيل يوم الجمل و أكثره لبني ضبة و الأزد الذين كانوا حول الجمل يحامون عنه و لقد كانت الرءوس تندر عن الكواهل و الأيدي تطيح من المعاصم و أقتاب البطن تندلق من الأجواف و هم حول الجمل كالجراد الثابتة لا تتحلحل و لا تتزلزل حتى لقد صرخ ع بأعلى صوته ويلكم اعقروا الجمل فإنه شيطان ثم قال اعقروه و إلا فنيت العرب لا يزال السيف قائما و راكعا حتى يهوي هذا البعير شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 254إلى الأرض فصمدوا له حتى عقروه فسقط و له رغ شديد فلما برك كانت الهزيمة. و من الأراجيز المحفوظة يوم الجمل لعسكر البصرة قول بعضهم
نحن بني ضبة أصحاب الجمل ننازل الموت إذا الموت نزل ننعى ابن عفان بأطراف الأسل ردوا علينا شيخنا ثم بجل الموت أحلى عندنا من العسل لا عار في الموت إذا حان الأجل إن عليا هو من شر البدل إن تعدلوا بشيخنا لا يعتدل أين الوهاد و شماريخ الفأجابه رجل من عسكر الكوفة من أصحاب أمير المؤمنين ع
نحن قتلنا نعثلا فيمن قتل أكثر من أكثر فيه أو أقل أنى يرد نعثل و قد قحل نحن ضربنا وسطه حتى انجدل لحكمه حكم الطواغيت الأول آثر بالفي ء و جافى في العمل فأبدل الله به خير بدل إني امرؤ مستقدم غير وكل مشمر للحرب معروفو من أراجيز أهل البصرة
يا أيها الجند الصليب الإيمان قوموا قياما و استغيثوا الرحمن
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 255إني أتاني خبر ذو ألوان إن عليا قتل ابن عفان ردوا إلينا شيخنا كما كان يا رب و ابعث ناصرا لعثمان يقتلهم بقوة و سلفأجابه رجل من عسكر الكوفة.
أبت سيوف مذحج و همدان بأن ترد نعثلا كما كان خلقا سويا بعد خلق الرحمن و قد قضى بالحكم حكم الشيطان و فارق الحق و نور الفرقان فذاق كأس الموت شرب الظمآو من الرجز المشهور المقول يوم الحمل قاله أهل البصرة(2/216)

44 / 150
ع
En
A+
A-