أعر الله جمجمتك معناه ابذلها في طاعة الله و يمكن أن يقال إن ذلك إشعار له أنه لا يقتل في تلك الحرب لأن العارية مردودة و لو قال له بع الله جمجمتك لكان ذلك إشعارا له بالشهادة فيها. و أخذ يزيد بن المهلب هذه اللفظة فخطب أصحابه بواسط فقال إني قد أسمع قول الرعاع جاء مسلمة و جاء العباس و جاء أهل الشام و من أهل الشام و الله ما هم إلا تسعة أسياف سبعة منها معي و اثنان علي و أما مسلمة فجرادة صفراء و أما العباس فنسطوس ابن نسطوس أتاكم في برابرة و صقالبة و جرامقة و جراجمة و أقباط و أنباط و أخلاط إنما أقبل إليكم الفلاحون و أوباش كأشلاء اللحم و الله ما لقوا قط كحديدكم و عديدكم أعيروني سواعدكم ساعة تصفقون بها خراطيمهم فإنما هي غدوة أو روحة حتى يحكم الله بيننا و بين القوم الظالمين. من صفات الشجاع قولهم فلان مغامر و فلان غشمشم أي لا يبصر ما بين يديه في الحرب و ذلك لشدة تقحمه و ركوبه المهلكة و قلة نظره في العاقبة و هذا هو معنى قوله ع لمحمد غض بصرك شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 24ذكر خبر مقتل حمزة بن عبد المطلب
و كان حمزة بن عبد المطلب مغامرا غشمشما لا يبصر أمامه قال جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف لعبده وحشي يوم أحد ويلك إن عليا قتل عمي طعيمة سيد البطحاء يوم بدر فإن قتلته اليوم فأنت حر و إن قتلت محمدا فأنت حر و إن قتلت حمزة فأنت حر فلا أحد يعدل عمي إلا هؤلاء فقال أما محمد فإن أصحابه دونه و لن يسلموه و لا أراني أصل إليه و أما علي فرجل حذر مرس كثير الالتفات في الحرب لا أستطيع قتله و لكن سأقتل لك حمزة فإنه رجل لا يبصر أمامه في الحرب فوقف لحمزة حتى إذا حاذاه زرقه بالحربة كما تزرق الحبشة بحرابها فقتله
محمد بن الحنفية و نسبه و بعض أخباره(2/207)


دفع أمير المؤمنين ع يوم الجمل رايته إلى محمد ابنه ع و قد استوت الصفوف و قال له احمل فتوقف قليلا فقال له احمل فقال يا أمير المؤمنين أ ما ترى السهام كأنها شآبيب المطر فدفع في صدره فقال أدركك عرق من أمك ثم أخذ الراية فهزها ثم قال
اطعن بها طعن أبيك تحمد لا خير في الحرب إذا لم توقدبالمشرفي و القنا المسدد
ثم حمل و حمل الناس خلفه فطحن عسكر البصرة
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 244قيل لمحمد لم يغرر بك أبوك في الحرب و لا يغرر بالحسن و الحسين ع فقال إنهما عيناه و أنا يمينه فهو يدفع عن عينيه بيمينهكان علي ع يقذف بمحمد في مهالك الحرب و يكف حسنا و حسينا عنها.
و من كلامه في يوم صفين املكوا عني هذين الفتيين أخاف أن ينقطع بهما نسل رسول الله ص
أم محمد رضي الله عنه خولة بنت جعفر بن قيس بن مسلمة بن عبيد بن ثعلبة بن يربوع بن ثعلبة بن الدؤل بن حنيفة بن لجيم بن صعب بن علي بن بكر بن وائل. و اختلف في أمرها فقال قوم إنها سبية من سبايا الردة قوتل أهلها على يد خالد بن الوليد في أيام أبي بكر لما منع كثير من العرب الزكاة و ارتدت بنو حنيفة و ادعت نبوة مسيلمة و إن أبا بكر دفعها إلى علي ع من سهمه في المغنم. و قال قوم منهم أبو الحسن علي بن محمد بن سيف المدائني هي سبية في أيام رسول الله ص قالوا بعث رسول الله ص عليا إلى اليمن فأصاب خولة في بني زبيد و قد ارتدوا مع عمرو بن معديكرب و كانت زبيد سبتها من بني حنيفة في غارة لهم عليهم فصارت في سهم علي ع
فقال له رسول الله ص إن ولدت منك غلاما فسمه باسمي و كنه بكنيتي(2/208)


فولدت له بعد موت فاطمة ع محمدا فكناه أبا القاسم. و قال قوم و هم المحققون و قولهم الأظهر إن بني أسد أغارت على بني حنيفة في خلافة أبي بكر الصديق فسبوا خولة بنت جعفر و قدموا بها المدينة فباعوها من علي ع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 245و بلغ قومها خبرها فقدموا مدينة على علي ع فعرفوها و أخبروه بموضعها منهم فأعتقها و مهرها و تزوجها فولدت له محمدا فكناه أبا القاسم. و هذا القول هو اختيار أحمد بن يحيى البلاذري في كتابه المعروف بتاريخ الأشراف. لما تقاعس محمد يوم الجمل عن الحملة و حمل علي ع بالراية فضعضع أركان عسكر الجمل دفع إليه الراية و قال امح الأولى بالأخرى و هذه الأنصار معك. و ضم إليه خزيمة بن ثابت ذا الشهادتين في جمع من الأنصار كثير منهم من أهل بدر فحمل حملات كثيرة أزال بها القوم عن مواقفهم و أبلى بلاء حسنا فقال خزيمة بن ثابت لعلي ع أما إنه لو كان غير محمد اليوم لافتضح و لئن كنت خفت عليه الحين و هو بينك و بين حمزة و جعفر لما خفناه عليه و إن كنت أردت أن تعلمه الطعان فطالما علمته الرجال.
و قالت الأنصار يا أمير المؤمنين لو لا ما جعل الله تعالى للحسن و الحسين لما قدمنا على محمد أحدا من العرب فقال علي ع أين النجم من الشمس و القمر أما إنه قد أغنى و أبلى و له فضله و لا ينقص فضل صاحبيه عليه و حسب صاحبكم ما انتهت به نعمة الله تعالى إليه فقالوا يا أمير المؤمنين إنا و الله لا نجعله كالحسن و الحسين و لا نظلمهما له و لا نظلمه لفضلهما عليه حقه فقال علي ع أين يقع ابني من ابني بنت رسول الله ص
فقال خزيمة بن ثابت فيه
محمد ما في عودك اليوم وصمة و لا كنت في الحرب الضروس معرداأبوك الذي لم يركب الخيل مثله علي و سماك النبي محمدافلو كان حقا من أبيك خليفة لكنت و لكن ذاك ما لا يرى بدا(2/209)


شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 246و أنت بحمد الله أطول غالب لسانا و أنداها بما ملكت يداو أقربها من كل خير تريده قريش و أوفاها بما قال موعداو أطعنهم صدر الكمي برمحه و أكساهم للهام عضبا مهنداسوى أخويك السيدين كلاهما إمام الورى و الداعيان إلى الهدى أبى الله أنطي عدوك مقعدا من الأرض أو في الأوج مرقى و مصعدا
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 12247- و من كلام له ع لما أظفره الله بأصحاب الجملوَ قَدْ قَالَ لَهُ بَعْضُ أَصْحَابِهِ وَدِدْتُ أَنَّ أَخِي فُلَاناً كَانَ شَاهِدَنَا لِيَرَى مَا نَصَرَكَ اللَّهُ بِهِ عَلَى أَعْدَائِكَ فَقَالَ عَلِيٌّ ع أَ هَوَى أَخِيكَ مَعَنَا فَقَالَ نَعَمْ قَالَ فَقَدْ شَهِدَنَا وَ لَقَدْ شَهِدَنَا فِي عَسْكَرِنَا هَذَا قَوْمٌ فِي أَصْلَابِ الرِّجَالِ وَ أَرْحَامِ النِّسَاءِ سَيَرْعَفُ بِهِمُ الزَّمَانُ وَ يَقْوَى بِهِمُ الْإِيمَانُ
يرعف بهم الزمان يوجدهم و يخرجهم كما يرعف الإنسان بالدم الذي يخرجه من أنفه قال الشاعر
و ما رعف الزمان بمثل عمرو و لا تلد النساء له ضريبا
و المعنى مأخوذ من قول النبي ص لعثمان و لم يكن شهد بدرا تخلف على رقية ابنة رسول الله ص لما مرضت مرض موتها لقد كنت شاهدا و إن كنت غائبا لك أجرك و سهمك
من أخبار يوم الجمل(2/210)


قال الكلبي قلت لأبي صالح كيف لم يضع علي ع السيف في أهل البصرة يوم الجمل بعد ظفره قال سار فيهم بالصفح و المن الذي سار به رسول الله ص شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 248في أهل مكة يوم الفتح فإنه أراد أن يستعرضهم بالسيف ثم من عليهم و كان يحب أن يهديهم الله. قال ف بن خليفة ما دخلت دار الوليد بالكوفة التي فيها القصارون إلا و ذكرت بأصواتهم وقع السيوف يوم الجمل. حرب بن جيهان الجعفي لقد رأيت الرماح يوم الجمل قد أشرعها الرجال بعضهم في صدر بعض كأنها آجام القصب لو شاءت الرجال أن تمشي عليها لمشت و لقد صدقونا القتال حتى ما ظننت أن ينهزموا و ما رأيت يوما قط أشبه بيوم الجمل من يوم جلولاء الوقيعة. الأصبغ بن نباتة لما انهزم أهل البصرة ركب علي ع بغلة رسول الله ص الشهباء و كانت باقية عنده و سار في القتلى يستعرضهم فمر بكعب بن سور القاضي قاضي البصرة و هو قتيل فقال أجلسوه فأجلس فقال له ويلمك كعب بن سور لقد كان لك علم لو نفعك و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار أرسلوه ثم مر بطلحة بن عبيد الله قتيلا فقال أجلسوه فأجلس قال أبو مخنف في كتابه فقال ويلمك طلحة لقد كان لك قدم لو نفعك و لكن الشيطان أضلك فأزلك فعجلك إلى النار. و أما أصحابنا فيروون غير ذلك يروون أنه ع قال له لما أجلسوه أعزز علي أبا محمد أن أراك معفرا تحت نجوم السماء و في بطن هذا الوادي أ بعد جهادك في الله و ذبك عن رسول الله ص فجاء إليه إنسان فقال أشهد يا أمير المؤمنين لقد مررت عليه بعد أن أصابه السهم و هو صريع فصاح بي فقال من أصحاب من أنت فقلت من أصحاب أمير المؤمنين ع فقال امدد يدك لأبايع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 249لأمير المؤمنين ع فمددت إليه يدي فبايعني لك فقال علي ع أبى الله أن يدخل طلحة الجنة إلا و بيعتي في عنقه(2/211)

43 / 150
ع
En
A+
A-