نادى علي بأمر لست أنكره و كان عمر أبيك الخير مذ حين فقلت حسبك من عذل أبا حسن بعض الذي قلت منذ اليوم يكفيني ترك الأمور التي تخشى مغبتها و الله أمثل في الدنيا و في الدين فاخترت عارا على نار مؤججة أنى يقوم لها خلق من الطلما خرج علي ع لطلب الزبير خرج حاسرا و خرج إليه الزبير دارعا مدججا فقال للزبير يا أبا عبد الله قد لعمري أعددت سلاحا و حبذا فهل أعددت عند الله عذرا فقال الزبير إن مردنا إلى الله قال علي ع يومئذ يوفيهم الله دينهم الحق و يعلمون أن الله هو الحق المبين ثم أذكره الخبر فلما كر شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 235الزبير راجعا إلى أصحابه نادما واجما رجع علي ع إلى أصحابه جذلا مسرورا فقال له أصحابه يا أمير المؤمنين تبرز إلى الزبير حاسرا و هو شاك في السلاح و أنت تعرف شجاعته قال إنه ليس بقاتلي إنما يقتلني رجل خامل الذكر ضئيل نسب غيلة في غير مأقط حرب و لا معركة رجال ويلمه أشقى البشر ليودن أن أمه هبلت به أما إنه و أحمر ثمود لمقرونان في قرن. لما انصرف الزبير عن حرب علي ع مر بوادي السباع و الأحنف بن قيس هناك في جمع من بني تميم قد اعتزل الفريقين فأخبر الأحنف بمرور الزبير فقال رافعا صوته ما أصنع بالزبير لف غارين من المسلمين حتى أخذت السيوف منهما مأخذها انسل و تركهم أما إنه لخليق بالقتل قتله الله فاتبعه عمرو بن جرموز و كان فاتكا فلما قرب منه وقف الزبير و قال ما شأنك قال جئت لأسألك عن أمر الناس قال الزبير إني تركتهم قياما في الركب يضرب بعضهم وجه بعض بالسيف فسار ابن جرموز معه و كل واحد منهما يتقي الآخر فلما حضرت الصلاة قال الزبير يا هذا إنا نريد أن نصلي. فقال ابن جرموز و أنا أريد ذلك فقال الزبير فتؤمني و أؤمنك قال نعم فثنى الزبير رجله و أخذ وضوءه فلما قام إلى الصلاة شد ابن جرموز عليه فقتله و أخذ رأسه و خاتمه و سيفه و حثا عليه ترابا يسيرا و رجع إلى الأحنف فأخبره فقال و الله ما أدري أسأت أم(2/202)


أحسنت اذهب إلى علي ع فأخبره فجاء إلى علي ع فقال للآذن قل له عمرو بن جرموز بالباب و معه رأس الزبير و سيفه فأدخله و في كثير من الروايات أنه لم يأت بالرأس بل بالسيف فقال له و أنت قتلته قال نعم قال و الله ما كان ابن صفية جبانا و لا لئيما و لكن الحين و مصارع السوء شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 236ثم قال ناولني سيفه فناوله فهزه و قال سيف طالما جلى به الكرب عن وجه رسول الله ص فقال ابن جرموز الجائزة يا أمير المؤمنيفقال أما إني سمعت رسول الله ص يقول بشر قاتل ابن صفية بالنار
فخرج ابن جرموز خائبا و قال
أتيت عليا برأس الزبير أبغي به عنده الزلفه فبشر بالنار يوم الحساب فبئست بشارة ذي التحفه فقلت له إن قتل الزبير لو لا رضاك من الكلفه فإن ترض ذاك فمنك الرضا و إلا فدونك لي حلفه و رب المحلين و المحرمين و رب الجماعة و الألفه لسيان عندي قتل الزبير و ضرطة عنزالجحفه
ثم خرج ابن جرموز على علي ع مع أهل النهر فقتله معهم فيمن قتل
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 9237- و من كلام له عوَ قَدْ أَرْعَدُوا وَ أَبْرَقُوا وَ مَعَ هَذَيْنِ الْأَمْرَيْنِ الْفَشَلُ وَ لَسْنَا نُرْعِدُ حَتَّى نُوقِعَ وَ لَا نُسِيلُ حَتَّى نُمْطِرَ
أرعد الرجل و أبرق إذا أوعد و تهدد و كان الأصمي ينكره و يزعم أنه لا يقال إلا رعد و برق و لما احتج عليه ببيت الكميت
أرعد و أبرق يا يزيد فما وعيدك لي بضائر(2/203)


قال الكميت قروي لا يحتج بقوله. و كلام أمير المؤمنين ع حجة دالة على بطلان قول الأصمي و الفشل الجبن و الخور. و قوله و لا نسيل حتى نمطر كلمة فصيحة يقول إن أصحاب الجمل في وعيدهم و إجلابهم بمنزلة من يدعي أنه يحدث السيل قبل إحداث المطر و هذا محال لأن السيل إنما يكون من المطر فكيف يسبق المطر و أما نحن فإنا لا ندعي ذلك و إنما نجري الأمور على حقائقها فإن كان منا مطر كان منا سيل و إذا أوقعنا بخصمنا أوعدنا حينئذ بالإيقاع به غيره من خصومنا. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 238و قوله ع و مع هذين الأمرين الفشل معنى حسن لأن اللب من الجبناء كثرة الضوضاء و الجلبة يوم الحرب كما أن الغالب من الشجعان الصمت و السكون. و سمع أبو طاهر الجنابي ضوضاء عسكر المقتدر بالله و دبادبهم و بوقاتهم و هو في ألف و خمسمائة و عسكر المقتدر في عشرين ألفا مقدمهم يوسف بن أبي الساج فقال لبعض أصحابه ما هذا الزجل قال فشل قال أجل. و يقال إنه ما رئي جيش كجيش أبي طاهر ما كان يسمع لهم صوت حتى أن الخيل لم تكن لها حمحمة فرشق عسكر ابن أبي الساج القرامطة بالسهام المسمومة فجرح منهم أكثر من خمسمائة إنسان. و كان أبو طاهر في عمارية له فنزل و ركب فرسات و حمل بنفسه و معه أصحابه حملة على عسكر ابن أبي الساج فكسروه و فلوه و خلصوا إلى يوسف فأسروه و تقطع عسكره بعد أن أتى بالقتل على كثير منهم و كان ذلك في سنة خمس عشرة و ثلاثمائة. و من أمثالهم الصدق ينبئ عنك لا الوعيد
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 10239- و من خطبة له عأَلَا وَ إِنَّ الشَّيْطَانَ قَدْ جَمَعَ حِزْبَهُ وَ اسْتَجْلَبَ خَيْلَهُ وَ رَجِلَهُ وَ إِنَّ مَعِي لَبَصِيرَتِي مَا لَبَّسْتُ عَلَى نَفْسِي وَ لَا لُبِّسَ عَلَيَّ وَ ايْمُ اللَّهِ لَأُفْرِطَنَّ لَهُمْ حَوْضاً أَنَا مَاتِحُهُ لَا يَصْدُرُونَ عَنْهُ وَ لَا يَعُودُونَ إِلَيْهِ(2/204)


يمكن أن يعني بالشيطان الشيطان الحقيقي و يمكن أن يعني به معاوية فإن عنى معاوية فقوله قد جمع حزبه و استجلب خيله و رجله كلام جار على حقائقه و إن عنى به الشيطان كان ذلك من باب الاستعارة و مأخوذا من قوله تعالى وَ اسْتَفْزِزْ مَنِ اسْتَطَعْتَ مِنْهُمْ بِصَوْتِكَ وَ أَجْلِبْ عَلَيْهِمْ بِخَيْلِكَ وَ رَجِلِكَ و الرجل جمع راجل كالشرب جمع شارب و الركب جمع راكب. قوله و إن معي لبصيرتي يريد أن البصيرة التي كانت معي في زمن رسول الله ص تتغير. و قوله ما لبست تقسيم جيد لأن كل ضال عن الهداية فإما أن يضل من تلقاء نفسه أو بإضلال غيره له. و قوله لأفرطن من رواها بفتح الهمزة فأصله فرط ثلاثي يقال فرط شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 240زيد القوم أي سبقهم و رجل فرط يسبق القوم إلى البئر فيهيئ لهم الأرشية و الدلاء و منه قوله ع إنا فرطكم على الحوض و يكون تقدير الكلام و ايم الله لأفرطن لهم إ حوض فلما حذف الجار عدي الفعل بنفسه فنصب كقوله تعالى وَ اخْتارَ مُوسى قَوْمَهُ و تكون اللام في لهم إما لام التعدية كقوله و يؤمن للمؤمنين أي و يؤمن المؤمنين أو تكون لام التعليل أي لأجلهم و من رواها لأفرطن بضم الهمزة فهو من أفرط المزادة أي ملأها. و الماتح المستقي متح يمتح بالفتح و المائح بالياء الذي ينزل إلى البئر فيملأ الدلو. و قيل لأبي علي رحمه الله ما الفرق بين الماتح و المائح فقال هما كإعجامهما يعني أن التاء بنقطتين من فوق و كذلك الماتح لأنه المستقي فهو فوق البئر و الياء بنقطتين من تحت و كذلك المائح لأنه تحت في الماء الذي في البئر يملأ الدلاء و معنى قوله أنا ماتحه أنا خبير به كما يقول من يدعي معرفة الدار أنا باني هذه الدار و الكلام استعارة يقول لأملأن لهم حياض الحرب التي هي دربتي و عادتي أو لأسبقنهم إلى حياض حرب أنا متدرب بها مجرب لها إذا وردوها لا يصدرون عنها يعني قتلهم و إزهاق أنفسهم و من فر منهم لا يعود إليها و من(2/205)


هذا اللفظ قول الشاعر
مخضت بدلوه حتى تحسى ذنوب الشر ملأى أو قرابا
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 11241- و من كلام له ع لابنه محمد بن الحنفية لما أعطاه الراية يوم الجملتَزُولُ الْجِبَالُ وَ لَا تَزُلْ عَضَّ عَلَى نَاجِذِكَ أَعِرِ اللَّهَ جُمْجُمَتَكَ تِدْ فِي الْأَرْضِ قَدَمَكَ ارْمِ بِبَصَرِكَ أَقْصَى الْقَوْمِ وَ غُضَّ بَصَرَكَ وَ اعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ
قوله تزول الجبال و لا تزل خبر فيه معنى الشرط تقديره إن زالت الجبال فلا تزل أنت و المراد المبالغة في أخبار صفين أن بني عكل و كانوا مع أهل الشام حملوا في يوم من أيام صفين خرجوا و عقلوا أنفسهم بعمائمهم و تحالفوا أنا لا نفر حتى يفر هذا الحكر بالكاف قالوا لأن عكلا تبدل الجيم كافا. و الناجذ أقصى الأضراس و تد أمر من وتد قدمه في الأرض أي أثبتها فيها كالوتد و لا تناقض بين قوله ارم ببصرك و قوله غض بصرك و ذلك لأنه في الأولى أمره أن يفتح عينه و يرفع طرفه و يحدق إلى أقاصي القوم ببصره فعل الشجاع المقدام غير المكترث و لا المبالي لأن الجبان تضعف نفسه و يخفق قلبه فيقصر بصره و لا يرتفع طرفه و لا يمتد عنقه و يكون ناكس الرأس غضيض الطرف و في الثانية أمره أن يغض بصره عن بريق سيوفهم و لمعان دروعهم لئلا يبرق بصره و يدهش و يستشعر خوفا و تقدير الكلام و احمل و حذف ذلك للعلم به فكأنه قال إذا عزمت على الحملة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 242و صممت فغض حينئذ بصرك و احمل و كن كالعشواء التي تخبط ما أمامها و لا تبالي. و قوله عض على ناجذك قالوا إن العاض على نواجذه ينبو السيف عن دماغه لأن عظام الرأس تشتد و تصلب و قد جاء في كلامه ع هذا مشروحا في ضع آخر و هو قوله و عضوا على النواجذ فإنه أنبى للصوارم عن الهام و يحتمل أن يريد به شدة الحنق قالوا فلان يحرق علي الأرم يريدون شدة الغيظ و الحرق صريف الأسنان و صوتها و الأرم الأضراس. و قوله(2/206)

42 / 150
ع
En
A+
A-