و الخضم أكل بكل الفم و ضده القضم و هو الأكل بأطراف الأسنان و قيل الخضم أكل الشي ء الرطب و القضم أكل الشي ء اليابس و المراد على التفسيرين لا يختلف و هو أنهم على قدم عظيمة من النهم و شدة الأكل و امتلاء الأفواه و قال أبو ذر رحمه الله تعالى إن بني أمية يخضموو نقضم و الموعد لله و الماضي خضمت بالكسر و مثله قضمت. و النبتة بكسر النون كالنبات تقول نبت الرطب نباتا و نبتة و انتكث فتله انتقض و هذه استعارة و أجهز عليه عمله تمم قتله يقال أجهزت على الجريح مثل ذففت إذا أتممت قتله و كبت به بطنته كبا الجواد إذا سقط لوجهه و البطنة الإسراف في الشبع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 19نتف من أخبار عثمان بن عفان و ثالث القوم هو عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف كنيته أبو عمرو و أمه أروى بنت كريز بن ربيعة بن حبيب بن عبد شمس. بايعه الناس بعد انقضاء الشورى و استقرار الأمر له و صحت فيه فراسة عمر فإنه أوطأ بني أمية رقاب الناس و ولاهم الولايات و أقطعهم القطائع و افتتحت إفريقية في أيامه فأخذ الخمس كله فوهبه لمروان فقال عبد الرحمن بن حنبل الجمحي(2/172)
أحلف بالله رب الأنام ما ترك الله شيئا سدى و لكن خلقت لنا فتنة لكي نبتلى بك أو تبتلى فإن الأمينين قد بينا منار الطريق عليه الهدى فما أخذا درهما غيلة و لا جعلا درهما في هوى و أعطيت مروان خمس البلاد فهيهات سعيك ممن الأمينان أبو بكر و عمر. و طلب منه عبد الله بن خالد بن أسيد صلة فأعطاه أربعمائة ألف درهم. و أعاد الحكم بن أبي العاص بعد أن كان رسول الله ص قد سيره ثم لم يرده أبو بكر و لا عمر و أعطاه مائة ألف درهم. و تصدق رسول الله ص بموضع سوق بالمدينة يعرف بمهزور على المسلمين فأقطعه عثمان الحارث بن الحكم أخا مروان بن الحكم. و أقطع مروان فدك و قد كانت فاطمة ع طلبتها بعد وفاة أبيها ص شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 199تارة بالميراث و تارة بالنحلة فدفعت عنها. و حمى المراعي حول المدينة كلها من مواشي المسلمين كلهم إلا عن بني أمية. وعطى عبد الله بن أبي سرح جميع ما أفاء الله عليه من فتح إفريقية بالمغرب و هي من طرابلس الغرب إلى طنجة من غير أن يشركه فيه أحد من المسلمين. و أعطى أبا سفيان بن حرب مائتي ألف من بيت المال في اليوم الذي أمر فيه لمروان بن الحكم بمائة ألف من بيت المال و قد كان زوجه ابنته أم أبان فجاء زيد بن أرقم صاحب بيت المال بالمفاتيح فوضعها بين يدي عثمان و بكى فقال عثمان أ تبكي أن وصلت رحمي قال لا و لكن أبكي لأني أظنك أنك أخذت هذا المال عوضا عما كنت أنفقته في سبيل الله في حياة رسول الله ص و الله لو أعطيت مروان مائة درهم لكان كثيرا فقال ألق المفاتيح يا ابن أرقم فأنا سنجد غيرك. و أتاه أبو موسى بأموال من العراق جليلة فقسمها كلها في بني أمية و أنكح الحارث بن الحكم ابنته عائشة فأعطاه مائة ألف من بيت المال أيضا بعد صرفه زيد بن أرقم عن خزنة. و انضم إلى هذه الأمور أمور أخرى نقمها عليه المسلمون كتسيير أبي ذر رحمه الله تعالى إلى الربذة و ضرب عبد الله بن مسعود حتى كسر أضلاعه و ما أظهر من الحجاب و(2/173)
العدول عن طريقة عمر في إقامة الحدود و رد المظالم و كف الأيدي العادية و الانتصاب لسياسة الرعية و ختم ذلك ما وجدوه من كتابه إلى معاوية يأمره فيه بقتل قوم من المسلمين و اجتمع عليه كثير من أهل المدينة مع القوم الذين وصلوا من مصر لتعديد أحداثه عليه فقتلوه. و قد أجاب أصحابنا عن المطاعن في عثمان بأجوبة مشهورة مذكورة في كتبهم و الذي نقول نحن إنها و إن كانت أحداثا إلا أنها لم تبلغ المبلغ الذي يستباح به دمه شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 200و قد كان الواجب عليهم أن يخلعوه من الخلافة حيث لم يستصلحوه لها و لا يعجلوا بقتله و أمير المؤمنين ع أبرأ الناس من دمه و قد صرح بذلك في كثير من كلامه من ذلك قوله ع و الله ما قتلت عثمان و لا مالأت على قتله
و صدق ص فَمَا رَاعَنِي إِلَّا وَ النَّاسُ إِلَيَّ كَعُرْفِ الضَّبُعِ يَنْثَالُونَ عَلَيَّ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ حَتَّى لَقَدْ وُطِئَ الْحَسَنَانِ وَ شُقَّ عِطْفَايَ مُجْتَمِعِينَ حَوْلِي كَرَبِيضَةِ الْغَنَمِ فَلَمَّا نَهَضْتُ بِالْأَمْرِ نَكَثَتْ طَائِفَةٌ َ مَرَقَتْ أُخْرَى وَ فَسَقَ آخَرُونَ كَأَنَّهُمْ لَمْ يَسْمَعُوا كَلَامَ اللَّهِ حَيْثُ يَقُولُ تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذِينَ لا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَ لا فَساداً وَ الْعاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ بَلَى وَ اللَّهِ لَقَدْ سَمِعُوهَا وَ وَعَوْهَا وَ لَكِنَّهُمْ حَلِيَتِ الدُّنْيَا فِي أَعْيُنِهِمْ وَ رَاقَهُمْ زِبْرِجُهَا
عرف الضبع ثخين و يضرب به المثل في الازدحام و ينثالون يتتابعون مزدحمين و الحسنان الحسن و الحسين ع و العطفان الجانبان من المنكب إلى الورك و يروى عطافي و العطاف الرداء و هو أشبه بالحال إلا أن الرواية الأولى أشهر و المعنى خدش جانباي لشدة الاصطكاك منهم و الزحام و قال القطب الراوندي الحسنان إبهاما الرجل و هذا لا أعرفه. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 201(2/174)
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 201و قوله كربيضة الغنم أي كالقطعة الرابضة من الغنم يصف شدة ازدحامهم حوله و جثومهم بين يديه. و قال القطب الراوندي يصف بلادتهم و نقصان عقولهم لأن الغنم توصف بقلة الفطنة و هذا التفسير بعيد و غير مناسب للحال. فأما الطائفة الناكثة ف أصحاب الجمل و أما الطائفة الفاسقة فأصحاب صفين و سماهم رسول الله ص القاسطين و أما الطائفة المارقة فأصحاب النهروان و أشرنا نحن بقولنا سماهم رسول الله ص القاسطين إلى
قوله ع ستقاتل بعدي الناكثين و القاسطين و المارقين
و هذا الخبر من دلائل نبوته ص لأنه إخبار صريح بالغيب لا يحتمل التمويه و التدليس كما تحتمله الأخبار المجملة و صدق قوله ع و المارقين
قوله أولا في الخوارج يمرقون من الدين كما يمرق السهم من الرمية
و صدق قوله ع الناكثين كونهم نكثوا البيعة بادئ بدء و قد كان ع يتلو وقت مبايعتهم له فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّما يَنْكُثُ عَلى نَفْسِهِ. و أما أصحاب صفين فإنهم عند أصحابنا رحمهم الله مخلدون في النار لفسقهم فصح فيهم قوله تعالى وَ أَمَّا الْقاسِطُونَ فَكانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَباً. و قوله ع حليت الدنيا في أعينهم تقول حلا الشي ء في فمي يحلو و حلي لعيني يحلى و الزبرج الزينة من وشي أو غيره و يقال الزبرج الذهب. فأما الآية فنحن نذكر بعض ما فيها فنقول إنه تعالى لم يعلق الوعد بترك العلو في الأرض و الفساد و لكن بترك إرادتهماو هو كقوله تعالى وَ لا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 202ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ علق الوعيد بالركون إليهم و الميل معهم و هذا شديد في الوعيد. و يروى عن أمير المؤمنين ع أنه قال إن الرجل ليعجبه أن يكون شراك نعله أحسن من شراك نعل صاحبه
فيدخل تحت هذه الآية و يقال إن عمر بن عبد العزيز كان يرددها حتى قبض(2/175)
أَمَا وَ الَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَ بَرَأَ النَّسَمَةَ لَوْ لَا حُضُورُ الْحَاضِرِ وَ قِيَامُ الْحُجَّةِ بِوُجُودِ النَّاصِرِ وَ مَا أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْعُلَمَاءِ أَلَّا يُقَارُّوا عَلَى كِظَّةِ ظَالِمٍ وَ لَا سَغَبِ مَظْلُومٍ لَأَلْقَيْتُ حَبْلَهَا عَلَى غَارِبِهَا وَ لَسَقَيْتُ آخِرَهَا بِكَأْسِ أَوَّلِهَا وَ لَأَلْفَيْتُمْ دُنْيَاكُمْ هَذِهِ أَزْهَدَ عِنْدِي مِنْ عَفْطَةِ عَنْزٍ
فلق الحبة من قوله تعالى فالِقُ الْحَبِّ وَ النَّوى و النسمة كل ذي روح من البشر خاصة. قوله لو لا حضور الحاضر يمكن أن يريد به لو لا حضور البيعة فإنها بعد عقدها تتعين المحاماة عنها و يمكن أن يريد بالحاضر من حضره من الجيش الذين يستعين بهم على الحرب و الكظة بكسر الكاف ما يعتري الإنسان من الثقل و الكرب عند الامتلاء من الطعام و السغب الجوع و قولهم قد ألقى فلان حبل فلان على غاربه شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 203أي تركه هملا يسرح حيث يشاء من غير وازع و لا مانع و الفقهاء يذكرون هذه اللفظة في كنايات الطلاق و عفطة عنز متنثره من أنفها عفطت تعفط بالكسر و أكثر ما يستعمل ذلك في النعجة فأما العنز فالمستعمل الأشهر فيها النفطة بالنون و يقولون ما له عافط و لا نافط أي نعجة و لا عنز فإن قيل أ يجوز أن يقال العفطة هاهنا الحبقة فإن ذلك يقال في العنز خاصة عفطت تعفط قيل ذلك جائز إلا أن الأحسن و الأليق بكلام أمير المؤمنين ع التفسير الأول فإن جلالته و سؤدده تقتضي أن يكون ذاك أراد لا الثاني فإن صح أنه لا يقال في العطسة عفطة إلا للنعجة قلنا إنه استعمله في العنز مجازا. يقول ع لو لا وجود من ينصرني لا كما كانت الحال عليها أولا بعد وفاة رسول الله ص فإني لم أكن حينئذ واجدا للناصر مع كوني مكلفا إلا أمكن الظالم من ظلمه لتركت الخلافة و لرفضتها الآن كما رفضتها قبل و لوجدتم هذه الدنيا عندي أهون من عطسة عنز و هذا إشارة إلى ما يقوله(2/176)