قال ثم التفت فرأى أبا طلحة الأنصاري فكره مكانه فقال أبو طلحة لا ترع أبا حسن فلما مات عمر و دفن و خلوا بأنفسهم للمشاورة في الأمر و قام أبو طلحة يحجبهم بباب البيت جاء عمرو بن العاص و المغيرة بن شعبة فجلسا بالباب فحصبهما سعد و أقامهما و قال إنما تريدان أن تقولا حضرنا و كنا في أصحاب الشورى. فتنافس القوم في الأمر و كثر بينهم الكلام فقال أبو طلحة أنا كنت لأن تدافعوها أخوف مني عليكم أن تنافسوها أما و الذي ذهب بنفس عمر لا أزيدكم على الأيام الثلاثة التي وقفت لكم فاصنعوا ما بدا لكم. قال ثم إن عبد الرحمن قال لابن عمه سعد بن أبي وقاص إني قد كرهتها و سأخلع نفسي منها لأني رأيت الليلة روضة خضراء كثيرة العشب فدخل فحل ما رأيت شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 193أكرم منه فمر كأنه سهم لم يلتفت إلى شي ء منها حتى قطعها لم يعرج و دخل بعير يتلوه تابع أثره حتى خرج منها ثم دخل فحل عبقرير خطامه و مضى قصد الأولين ثم دخل بعير رابع فوقع في الروضة يرتع و يخضم و لا و الله لا أكون الرابع و إن أحدا لا يقوم مقام أبي بكر و عمر فيرضى الناس عنه. ثم ذكر خلع عبد الرحمن نفسه من الأمر على أن يوليها أفضلهم في نفسه و أن عثمان أجاب إلى ذلك و أن عليا ع سكت فلما روجع رضي على موثق أعطاه عبد الرحمن أن يؤثر الحق و لا يتبع الهوى و لا يخص ذا رحم و لا يألو الأمة نصحا و أن عبد الرحمن ردد القول بين علي و عثمان متلوما و أنه خلا بسعد تارة و بالمسور بن مخرمة الزهري تارة أخرى و أجال فكره و أعمل نظره و وقف موقف الحائر بينهما قال
قال علي ع لسعد بن أبي وقاص يا سعد اتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسائَلُونَ بِهِ وَ الْأَرْحامَ أسألك برحم ابني هذا من رسول الله ص و برحم عمي حمزة منك ألا تكون مع عبد الرحمن لعثمان ظهيرا(2/167)
قلت رحم حمزة من سعد هي أن أم حمزة هالة بنت أهيب بن عبد مناف بن زهرة و هي أيضا أم المقوم و حجفل و اسمه المغيرة و الغيداق أبناء عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف هؤلاء الأربعة بنو عبد المطلب من هالة و هالة هذه هي عمة سعد بن أبي وقاص فحمزة إذن ابن عمة سعد و سعد ابن خال حمزة. قال أبو جعفر فلما أتى اليوم الثالث جمعهم عبد الرحمن و اجتمع الناس كافة فقال عبد الرحمن أيها الناس أشيروا علي في هذين الرجلين فقال عمار بن ياسر إن أردت ألا يختلف الناس فبايع عليا ع فقال المقداد صدق عمار و إن بايعت عليا سمعنا و أطعنا فقال عبد الله بن أبي سرح إن أردت ألا تختلف قريش شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 194فبايع عثمان قال عبد الله بن أبي ربيعة المخزومي صدق إن بايعت عثمان سمعنا و أطعنا فشتم عمار ابن أبي سرح و قال له متى كنت تنصح الإسلام. فتكلم بنو هاشم و بنو أمية و قام عمار فقال أيها الناس إالله أكرمكم بنبيه و أعزكم بدينه فإلى متى تصرفون هذا الأمر عن أهل بيت نبيكم فقال رجل من بني مخزوم لقد عدوت طورك يا ابن سمية و ما أنت و تأمير قريش لأنفسها فقال سعد يا عبد الرحمن افرغ من أمرك قبل أن يفتتن الناس فحينئذ عرض عبد الرحمن على علي ع العمل بسيرة الشيخين فقال بل أجتهد برأيي فبايع عثمان بعد أن عرض عليه فقال نعم
فقال علي ع ليس هذا بأول يوم تظاهرتم فيه علينا فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَ اللَّهُ الْمُسْتَعانُ عَلى ما تَصِفُونَ و الله ما وليته الأمر إلا ليرده إليك و الله كل يوم في شأن(2/168)
فقال عبد الرحمن لا تجعلن على نفسك سبيلا يا علي يعني أمر عمر أبا طلحة أن يضرب عنق المخالف فقام علي ع فخرج و قال سيبلغ الكتاب أجله فقال عمار يا عبد الرحمن أما و الله لقد تركته و إنه من الذين يقضون بالحق و به كانوا يعدلون فقال المقداد تالله ما رأيت مثل ما أتى إلى أهل هذا البيت بعد نبيهم وا عجبا لقريش لقد تركت رجلا ما أقول و لا أعلم أن أحدا أقضى بالعدل و لا أعلم و لا أتقى منه أما و الله لو أجد أعوانا فقال عبد الرحمن اتق الله يا مقداد فإني خائف عليك الفتنة.
و قال علي ع إني لأعلم ما في أنفسهم إن الناس ينظرون إلى قريش و قريش تنظر في صلاح شأنها فتقول إن ولي الأمر بنو هاشم لم يخرج منهم أبدا و ما كان في غيرهم فهو متداول في بطون قريش
قال و قدم طلحة في اليوم الذي بويع فيه لعثمان فتلكأ ساعة ثم بايع. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 19 و روى أبو جعفر رواية أخرى أطالها و ذكر خطب أهل الشورى و ما قاله كل منهم و ذكر كلاما قاله علي ع في ذلك اليوم و هو الحمد لله الذي اختار محمدا منا نبيا و ابتعثه إلينا رسولا فنحن أهل بيت النبوة و معدن الحكمة أمان لأهل الأرض و نجاة لمن طلب إن لنا حقا إن نعطه نأخذه و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و إن طال السرى لو عهد إلينا رسول الله ص عهدا لأنفذنا عهده و لو قال لنا قولا لجالدنا عليه حتى نموت لن يسرع أحد قبلي إلى دعوة حق و صلة رحم و لا حول و لا قوة إلا بالله العلي العظيم اسمعوا كلامي و عوا منطقي عسى أن تروا هذا الأمر بعد هذا الجمع تنتضى فيه السيوف و تخان فيه العهود حتى لا يكون لكم جماعة و حتى يكون بعضكم أئمة لأهل الضلالة و شيعة لأهل الجهالة(2/169)
قلت و قد ذكر الهروي في كتاب الجمع بين الغريبين قوله و إن نمنعه نركب أعجاز الإبل و فسره على وجهين أحدهما أن من ركب عجز البعير يعاني مشقة و يقاسي جهدا فكأنه قال و إن نمنعه نصبر على المشقة كما يصبر عليها راكب عجز البعير. و الوجه الثاني أنه أراد نتبع غيرنا كما أن راكب عجز البعير يكون رديفا لمن هو أمامه فكأنه قال و إن نمنعه نتأخر و نتبع غيرنا كما يتأخر راكب البعير. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 196و قال أبو هلال العسكري في كتاب الأوائل استجيبت دعوة علي ع في عثمان و عبد الرحمن فما ماتا إلا متهاجرين متعاديين أرسل عبالرحمن إلى عثمان يعاتبه و قال لرسوله قل له لقد وليتك ما وليتك من أمر الناس و إن لي لأمورا ما هي لك شهدت بدرا و ما شهدتها و شهدت بيعة الرضوان و ما شهدتها و فررت يوم أحد و صبرت فقال عثمان لرسوله قل له أما يوم بدر فإن رسول الله ص ردني إلى ابنته لما بها من المرض و قد كنت خرجت للذي خرجت له و لقيته عند منصرفه فبشرني بأجر مثل أجوركم و أعطاني سهما مثل سهامكم و أما بيعة الرضوان فإنه ص بعثني أستأذن قريشا في دخوله إلى مكة فلما قيل له إني قتلت بايع المسلمين على الموت لما سمعه عني و قال إن كان حيا فأنا أبايع عنه و صفق بإحدى يديه على الأخرى و قال يساري خير من يمين عثمان فيدك أفضل أم يد رسول الله ص و أما صبرك يوم أحد و فراري فلقد كان ذلك فأنزل الله تعالى العفو عني في كتابه فعيرتني بذنب غفره الله لي و نسيت من ذنوبك ما لا تدري أ غفر لك أم لم يغفر. لما بنى عثمان قصره طمار بالزوراء و صنع طعاما كثيرا و دعا الناس إليه كان فيهم عبد الرحمن فلما نظر للبناء و الطعام قال يا ابن عفان لقد صدقنا عليك ما كنا نكذب فيك و إني أستعيذ بالله من بيعتك فغضب عثمان و قال أخرجه عني يا غلام فأخرجوه و أمر الناس ألا يجالسوه فلم يكن يأتيه أحد إلا ابن عباس كان يأتيه فيتعلم منه القرآن و الفرائض و مرض عبد الرحمن فعاده(2/170)
عثمان و كلمه فلم يكلمه حتى مات شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 19إِلَى أَنْ قَامَ ثَالِثُ الْقَوْمِ نَافِجاً حِضْنَيْهِ بَيْنَ نَثِيلِهِ وَ مُعْتَلَفِهِ وَ قَامَ مَعَهُ بَنُو أَبِيهِ يَخْضَمُونَ مَالَ اللَّهِ خَضْمَ الْإِبِلِ نِبْتَةَ الرَّبِيعِ إِلَى أَنِ انْتَكَثَ فَتْلُهُ وَ أَجْهَزَ عَلَيْهِ عَمَلُهُ وَ كَبَتْ بِهِ بِطْنَتُهُ
نافجا حضنيه رافعا لهما و الحضن ما بين الإبط و الكشح يقال للمتكبر جاء نافجا حضنيه و يقال لمن امتلأ بطنه طعاما جاء نافجا حضنيه و مراده ع هذا الثاني و النثيل الروث و المعتلف موضع العلف يريد أن همه الأكل و الرجيع و هذا من ممض الذم و أشد من قول الحطيئة الذي قيل إنه أهجى بيت للعرب
دع المكارم لا ترحل لبغيتها و اقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي(2/171)