أي لأجل أن رسم المربع و المصيف هذه الدار و كف دمع عينيك. و الصعبة من النوق ما لم تركب و لم ترض إن أشنق لها راكبها بالزمام خرم أنفها و إن أسلس زمامها تقحم في المهالك فألقته في مهواة أو ماء أو نار أو ندت فلم تقف حتى ترديه عنها فهلك. و أشنق الرجل ناقته إذا كفها بالزمام و هو راكبها و اللغة المشهورة شنق ثلاثية و في الحديث أن طلحة أنشد قصيدة فما زال شانقا راحلته حتى كتبت له و أشنق البعير نفسه إذا رفع رأسه يتعدى و لا يتعدى و أصله من الشناق و هو خيط يشد به فم القربة. و قال الرضي أبو الحسن رحمه الله تعالى إنما قال ع أشنق لها و لم يقل أشنقها لأنه جعل ذلك في مقابلة قوله أسلس لها و هذا حسن فإنهم إذا شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 172قصدوا الازدواج في الخطابة فعلوا مثل هذا قالوا الغدايا و العشايا و الأصل الغدوات جمع غدوة و قال ص ارجعن مأزورات غير مأجورات
و أصله موزورات بالواو لأنه من الوزر. و قال الرضي رحمه الله تعالى و مما يشهد على أن أشنق بمعنى شنق قول عدي بن زيد العبادي
ساءها ما لها تبين في الأيدي و إشناقها إلى الأعناق
قلت تبين في هذا البيت فعل ماض تبين يتبين تبينا و اللام في لها تتعلق بتبين يقول ظهر لها ما في أيدينا فساءها و هذا البيت من قصيدة أولها
ليس شي ء على المنون بباق غير وجه المسبح الخلاقو قد كان زارته بنية له صغيرة اسمها هند و هو في الحبس حبس النعمان و يداه مغلولتان إلى عنقه فأنكرت ذلك و قالت ما هذا الذي في يدك و عنقك يا أبت و بكت فقال هذا الشعر و قبل هذا البيت(2/147)
و لقد غمني زيارة ذي قربى صغير لقربنا مشتاق ساءها ما لها تبين في الأيدي و إشناقها إلى الأعناقأي ساءها ما ظهر لها من ذلك و يروى ساءها ما بنا تبين أي ما بان و ظهر و يروى ما بنا تبين بالرفع على أنه مضارع. و يروى إشناقها بالرفع عطفا على ما التي هي بمعنى الذي و هي فاعلة و يروى بالجر عطفا على الأيدي. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 173و قال الرضي رحمه الله الى أيضا و يروى أن رسول الله ص خطب الناس و هو على ناقة قد شنق لها و هي تقصع بجرتها. قلت الجرة ما يعلو من الجوف و تجتره الإبل و الدرة ما يسفل و تقصع بها تدفع و قد كان للرضي رحمه الله تعالى إذا كانت الرواية قد وردت هكذا أن يحتج بها على جواز أشنق لها فإن الفعل في الخبر قد عدي باللام لا بنفسه قوله ع فمني الناس أي بلي الناس قال
منيت بزمردة كالعصا
و الخبط السير على غير جادة و الشماس النفار و التلون التبدل و الاعتراض السير لا على خط مستقيم كأنه يسير عرضا في غضون سيره طولا و إنما يفعل ذلك البعير الجامح الخابط و بعير عرضي يعترض في مسيره لأنه لم يتم رياضته و في فلان عرضية أي عجرفة و صعوبة
طرف من أخبار عمر بن الخطاب(2/148)
و كان عمر بن الخطاب صعبا عظيم الهيبة شديد السياسة لا يحابي أحدا و لا يراقب شريفا و لا مشروفا و كان أكابر الصحابة يتحامون و يتفادون من لقائه كان أبو سفيان بن حرب في مجلس عمر و هناك زياد ابن سمية و كثير من الصحابة فتكلم زياد فأحسن و هو يومئذ غلام فقال علي ع و كان حاضرا لأبي سفيان و هو إلى جانبه لله هذا الغلام لو كان قرشيا لساق العرب بعصاه فقال له أبو سفيان أما و الله لو عرفت أباه لعرفت أنه من خير أهلك قال و من أبوه قال أنا وضعته و الله في رحم أمه فقال علي ع فما يمنعك من استلحاقه قال أخاف هذا العير الجالس أن يخرق علي إهابي شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 174و قيل لابن عباس لما أظهر قوله في العول بعد موت عمر و لم يكن قبل يظهره هلا قلت هذا و عمر حي قال هبته و كان امرأ مهابا. و استدعى عمر امرأة ليسألها عن أمر و كانت حاملا فلشدة هيبته ألقت ما في بطنها فأجهضت به جنينا ما فاستفتى عمر أكابر الصحابة في ذلك فقالوا لا شي ء عليك إنما أنت مؤدب فقال له علي ع إن كانوا راقبوك فقد غشوك و إن كان هذا جهد رأيهم فقد أخطئوا عليك غرة يعني عتق رقبة فرجع عمر و الصحابة إلى قوله. و عمر هو الذي شد بيعة أبي بكر و وقم المخالفين فيها فكسر سيف ازبير لما جرده و دفع في صدر المقداد و وطئ في السقيفة سعد بن عبادة و قال اقتلوا سعدا قتل الله سعدا و حطم أنف الحباب بن المنذر الذي قال يوم السقيفة أنا جذيلها المحكك و عذيقها المرجب و توعد من لجأ إلى دار فاطمة ع من الهاشميين و أخرجهم منها و لولاه لم يثبت لأبي بكر أمر و لا قامت له قائمة. و هو الذي ساس العمال و أخذ أموالهم في خلافته و ذلك من أحسن السياسات. و روى الزبير بن بكار قال لما قلد عمر عمرو بن العاص مصر بلغه أنه قد صار له مال عظيم من ناطق و صامت فكتب إليه أما بعد فقد ظهر لي من مالك ما لم يكن في رزقك و لا كان لك مال قبل أن أستعملك فأنى لك هذا فو الله لو لم يهمني في ذات(2/149)
الله إلا من اختان في مال الله لكثر همي و انتثر أمري و لقد كان عندي من المهاجرين الأولين من هو خير منك و لكني قلدتك رجاء غنائك فاكتب إلي من أين لك هذا المال و عجل.
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 175فكتب إليه عمرو أما بعد فقد فهمت كتاب أمير المؤمنين فأما ما ظهر لي من مال فأنا قدمنا بلادا رخيصة الأسعار كثيرة الغزو فجعلنا ما أصابنا في الفضول التي اتصل بأمير المؤمنين نبؤها و و الله لو كانت خيانتك حلالا ما خنتك و قد ائتمنتنفإن لنا أحسابا إذا رجعنا إليها أغنتنا عن خيانتك و ذكرت أن عندك من المهاجرين الأولين من هو خير مني فإذا كان ذاك فو الله ما دققت لك يا أمير المؤمنين بابا و لا فتحت لك قفلا فكتب إليه عمر أما بعد فإني لست من تسطيرك الكتاب و تشقيقك الكلام في شي ء و لكنكم معشر لأمراء قعدتم على عيون الأموال و لن تعدموا عذرا و إنما تأكلون النار و تتعجلون العار و قد وجهت إليك محمد بن مسلمة فسلم إليه شطر مالك. فلما قدم محمد صنع له عمرو طعاما و دعاه فلم يأكل و قال هذه تقدمة الشر و لو جئتني بطعام الضيف لأكلت فنح عني طعامك و أحضر لي مالك فأحضره فأخذ شطره فلما رأى عمرو كثرة ما أخذ منه قال لعن الله زمانا صرت فيه عاملا لعمر و الله لقد رأيت عمر و أباه على كل واحد منهما عباءة قطوانية لا تجاوز مأبض ركبتيه و على عنقه حزمة حطب و العاص بن وائل في مزررات الديباج فقال محمد إيها عنك يا عمرو فعمر و الله خير منك و أما أبوك و أبوه فإنهما في النار و لو لا الإسلام لألفيت معتلقا شاة يسرك غزرها و يسوؤك بكوؤها قال صدقت فاكتم علي قال أفعل قال الربيع بن زياد الحارثي كنت عاملا لأبي موسى الأشعري على البحرين شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 176فكتب إليه عمر بالقدوم عه هو و عماله و أن يستخلفوا جميعا فلما قدمنا المدينة أتيت يرفأ حاجب عمر فقلت يا يرفأ مسترشد و ابن سبيل أي الهيئات أحب إلى أمير المؤمنين أن يرى فيها عماله فأومأ(2/150)
إلي بالخشونة فاتخذت خفين مطارقين و لبست جبة صوف و لثت عمامتي على رأسي ثم دخلنا على عمر فصفنا بين يديه فصعد بصره فينا و صوب فلم تأخذ عينه أحدا غيري فدعاني فقال من أنت قلت الربيع بن زياد الحارثي قال و ما تتولى من أعمالنا قلت البحرين قال كم ترزق قلت ألفا قال كثير فما تصنع به قلت أتقوت منه شيئا و أعود بباقيه على أقارب لي فما فضل منهم فعلى فقراء المسلمين قال لا بأس ارجع إلى موضعك فرجعت إلى موضعي من الصف فصعد فينا و صوب فلم تقع عينه إلا علي فدعاني فقال كم سنك قلت خمس و أربعون فقال الآن حيث استحكمت ثم دعا بالطعام و أصحابي حديث عهدهم بلين العيش و قد تجوعت له فأتى بخبز يابس و أكسار بعير فجعل أصحابي يعافون ذلك و جعلت آكل فأجيد و أنا أنظر إليه و هو يلحظني من بينهم ثم سبقت مني كلمة تمنيت لها أني سخت في الأرض فقلت يا أمير المؤمنين إن الناس يحتاجون إلى صلاحك فلو عمدت إلى طعام ألين من هذا فزجرني ثم قال كيف قلت فقلت يا أمير المؤمنين أن تنظر إلى قوتك من الطحين فيخبز قبل إرادتك إياه بيوم و يطبخ لك اللحم كذلك فتؤتى بالخبز لينا و باللحم غريضا فسكن من غربه و قال أ هاهنا غرت قلت نعم فقال يا ربيع إنا لو نشاء لملأنا هذه الرحاب من صلائق و سبائك و صناب و لكني رأيت الله نعى على قوم شهواتهم فقال أَذْهَبْتُمْ طَيِّباتِكُمْ شرح نهجلبلاغة ج : 1 ص : 177فِي حَياتِكُمُ الدُّنْيا(2/151)