المثنى بن حارثة و إن تأخرت إلى الليل فلا تصبحن حتى تندب الناس معه و لا تشغلنكم مصيبة عن دينكم و قد رأيتني متوفى رسول الله ص كيف صنعت. و توفي أبو بكر ليلة الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة من سنة ثلاث عشرة
و أما البيت الذي تمثل به ع فإنه للأعشى الكبير أعشى قيس و هو أبو بصير ميمون بن قيس بن جندل من القصيدة التي قالها في منافرة علقمة بن علاثة و عامر بن الطفيل و أولها
علقم ما أنت إلى عامر الناقض الأوتار و الواتر
يقول فيها
و قد أسلي الهم إذ يعتري بجسرة دوسرة عاقرزيافة بالرحل خطارة تلوي بشرخي ميسة قاتر
شرخا الرحل مقدمه و مؤخره و الميس شجر يتخذ منه الرحال و رحل قاتر جيد الوقوع على ظهر البعير شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 16شتان ما يومي على كورها و يوم حيان أخي جابرأرمي بها البيداء إذ هجرت و أنت بين القرو و العاصرفي مجدل شيد بنيانه يزل عنه ظفر الطائر(2/142)
تقول شتان ما هما و شتان هما و لا يجوز شتان ما بينهما إلا على قول ضعيف. و شتان أصله شتت كوشكان ذا خروجا من وشك و حيان و جابر ابنا السمين الحنفيان و كان حيان صاحب شراب و معاقرة خمر و كان نديم الأعشى و كان أخوه جابر أصغر سنا منه فيقال إن حيان قال للأعشى نسبتني إلى أخي و هو أصغر سنا مني فقال إن الروي اضطرني إلى ذلك فقال و الله لا نازعتك كأسا أبدا ما عشت يقول شتان يومي و أنا في الهاجرة و الرمضاء أسير على كور هذه الناقة و يوم حيان و هو في سكرة الشراب ناعم البال مرفه من الأكدار و المشاق و القرو شبه حوض يتخذ من جذع أو من شجر ينبذ فيه و العاصر الذي يعتصر العنب و المجدل الحصن المنيع. و شبيه بهذا المعنى قول الفضل بن الربيع في أيام فتنة الأمين يذكر حاله و حال أخيه المأمون إنما نحن شعب من أصل إن قوي قوينا و إن ضعف ضعفنا و إن هذا الرجل قد ألقى بيده إلقاء الأمة الوكعاء يشاور النساء و يقدم على الرؤيا قد أمكن أهل الخسارة و اللهو من سمعه فهم يمنونه الظفر و يعدونه عقب الأيام و الهلاك أسرع إليه من السيل إلى قيعان الرمل ينام نوم الظربان و ينتبه انتباه الذئب همه بطنه و فرجه لا يفكر في زوال نعمة و لا يروى في إمضاء رأي و لا مكيدة قد شمر له عبد الله شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 168عن ساقه و فوق إليه أسد سهامه يرميه على بعد الدار بالحتف النافذ و الموت القاصد قد عبا له المنايا على متون الخيل و ناط له البلايا بأسنة الرماح و شفار السيوف فهو كما قال الشاعرلشتان ما بيني و بين ابن خالد أمية في الرزق الذي الله يقسم يقارع أتراك ابن خاقان ليله إلى أن يرى الإصباح لا يتلعثم و آخذها حمراء كالمسك ريحها لها أرج من دنها يتنسم فيصبح من طول الطراد و جسمه نحيل و أضحي في النعيم أصو أمية المذكور في هذا الشعر هو أمية بن عبد الله بن خالد بن أسيد بن أبي العيص بن أمية بن عبد شمس كان والي خراسان و حارب الترك و الشعر للبعيث.(2/143)
يقول أمير المؤمنين ع شتان بين يومي في الخلافة مع ما انتقض علي من الأمر و منيت به من انتشار الحبل و اضطراب أركان الخلافة و بين يوم عمر حيث وليها على قاعدة ممهدة و أركان ثابتة و سكون شامل فانتظم أمره و اطرد حاله و سكنت أيامه. قوله ع فيا عجبا أصله فيا عجبي كقولك يا غلامي ثم قلبوا الياء ألفا فقالوا يا عجبا كقولهم يا غلاما فإن وقفت وقفت على هاء السكت فقلت يا عجباه و يا غلاماه قال العجب منه و هو يستقيل المسلمين من الخلافة أيام حياته فيقول أقيلوني ثم يعقدها عند وفاته لآخر و هذا يناقض الزهد فيها و الاستقالة منها و قال شاعر من شعراء الشيعة
حملوها يوم السقيفة أوزارا تخف الجبال و هي ثقال
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 169ثم جاءوا من بعدها يستقيلون و هيهات عثرة لا تقاو قد اختلف الرواة في هذه اللفظة فكثير من الناس رواها أقيلوني فلست بخيركم و من الناس من أنكر هذه اللفظة و لم يروها و إنما روى قوله وليتكم و لست بخيركم و احتج بذلك من لم يشترط الأفضلية في الإمامة و من رواها اعتذر لأبي بكر فقال إنما قال أقيلوني ليثور ما في نفوس الناس من بيعته و يخبر ما عندهم من ولايته فيعلم مريدهم و كارههم و محبهم و مبغضهم فلما رأى النفوس إليه ساكنة و القلوب لبيعته مذعنة استمر على إمارته و حكم حكم الخلفاء في رعيته و لم يكن منكرا منه أن يعهد إلى من استصلحه لخلافته. قالوا و قد جرى مثل ذلك لعلي ع فإنه قال للناس بعد قتل عثمان
دعوني و التمسوا غيري فأنا لكم وزيرا خير مني لكم أميرا و قال لهم اتركوني فأنا كأحدكم بل أنا أسمعكم و أطوعكم لمن وليتموه أمركم(2/144)
فأبوا عليه و بايعوه فكرهها أولا ثم عهد بها إلى الحسن ع عند موته. قالت الإمامية هذا غير لازم و الفرق بين الموضعين ظاهر لأن عليا ع لم يقل إني لا أصلح و لكنه كره الفتنة و أبو بكر قال كلاما معناه أني لا أصلح لها لقوله لست بخيركم و من نفى عن نفسه صلاحيته للإمامة لا يجوز أن يعهد بها إلى غيره. و اعلم أن الكلام في هذا الموضع مبني على أن الأفضلية هل هي شرط في الإمامة أم لا و قد تكلمنا في شرح الغرر لشيخنا أبي الحسين رحمه الله تعالى في هذا البحث بما لا يحتمله هذا الكتاب شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 170و قوله ع لشد ما ترا ضرعيها شد أصله شدد كقولك حب في حبذا أصله حبب و معنى شد صار شديدا جدا و معنى حب صار حبيبا قال البحتري
شد ما أغريت ظلوم بهجري بعد وجدي بها و غلة صدري(2/145)
و للناقة أربعة أخلاف خلفان قادمان و خلفان آخران و كل اثنين منهما شطر و تشطرا ضرعيها اقتسما فائدتهما و نفعهما و الضمير للخلافة و سمى القادمين معا ضرعا و سمى الآخرين معا ضرعا لما كانا لتجاورهما و لكونهما لا يحلبان إلا معا كشي ء واحد. قوله ع فجعلها في حوزة خناء أي في جهة صعبة المرام شديدة الشكيمة و الكلم الجرح. و قوله يغلظ من الناس من قال كيف قال يغلظ كلمها و الكلم لا يوصف بالغلظ و هذا قلة فهم بالفصاحة أ لا ترى كيف قد وصف الله سبحانه العذاب بالغلظ فقال وَ نَجَّيْناهُمْ مِنْ عَذابٍ غَلِيظٍ أي متضاعف لأن الغليظ من الأجسام هو ما كثف و جسم فكان أجزاؤه و جواهره متضاعفة فلما كان العذاب أعاذنا الله منه متضاعفا سمي غليظا و كذلك الجرح إذا أمعن و عمق فكأنه قد تضاعف و صار جروحا فسمي غليظا. إن قيل قد قال ع في حوزة خشناء فوصفها بالخشونة فكيف أعاد ذكر الخشونة ثانية فقال يخشن مسها. قيل الاعتبار مختلف لأن مراده بقوله في حوزة خشناء أي لا ينال ما عندها و لا يرام يقال إن فلانا لخشن الجانب و وعر الجانب و مراده بقوله يخشن شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 171مسها أي تؤذي و تضر و تنكئ من يمسها يصف جفاء أخلاق الوالي المذكور و نفور طبعه و ش بادرته. قوله ع و يكثر العثار فيها و الاعتذار منها يقول ليست هذه الجهة جددا مهيعا بل هي كطريق كثير الحجارة لا يزال الماشي فيه عاثرا. و أما منها في قوله ع و الاعتذار منها فيمكن أن تكون من على أصلها يعني أن عمر كان كثيرا ما يحكم بالأمر ثم ينقضه و يفتي بالفتيا ثم يرجع عنها و يعتذر مما أفتى به أولا و يمكن أن تكون من هاهنا للتعليل و السببية أي و يكثر اعتذار الناس عن أفعالهم و حركاتهم لأجلها قال
أ من رسم دار مربع و مصيف لعينيك من ماء الشئون و كيف(2/146)