و تزعم الشيعة أن رسول الله ص كان يعلم موته و أنه سير أبا بكر و عمر في بعث أسامة لتخلو دار الهجرة منهما فيصفو الأمر لعلي ع و يبايعه من تخلف من المسلمين بالمدينة على سكون و طمأنينة فإذا جاءهما الخبر بموت رسول الله ص و بيعة الناس لعلي ع بعده كانا عن المنازعة و الخلاف أبعد لأن العرب كانت تلتزم بإتمام تلك البيعة و يحتاج في نقضها إلى حروب شديدة فلم يتم له ما قدر و تثاقل أسامة بالجيش أياما مع شدة حث رسول الله ص على نفوذه و خروجه بالجيش حتى مات ص و هما بالمدينة فسبقا عليا إلى البيعة و جرى ما جرى. و هذا عندي غير منقدح لأنه إن كان ص يعلم موته فهو أيضا يعلم أن أبا بكر سيلي الخلافة و ما يعلمه لا يحترس منه و إنما يتم هذا و يصح إذا فرضنا أنه ع كان يظن موته و لا يعلمه حقيقة و يظن أن أبا بكر و عمر يتمالآن على ابن عمه و يخاف وقوع ذلك منهما و لا يعلمه حقيقة فيجوز إن كانت الحال هكذا أن ينقدح هذا التوهم و يتطرق هذا الظن كالواحد منا له ولدان يخاف من أحدهما شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 162أن يتغلب بعد موته على جميع ماله و لا يوصل أخاه إلى شي ء من حقه فإنه قد يخطر له عند مرضه الذي يتخوف أن يموت فيه أن يأمر الولد المخوف جانبه بالسفرى بلد بعيد في تجارة يسلمها إليه يجعل ذلك طريقا إلى دفع تغلبه على الولد الآخر
حَتَّى مَضَى الْأَوَّلُ لِسَبِيلِهِ فَأَدْلَى بِهَا إِلَى ابْنِ الْخَطَّابِ بَعْدَهُ
شَتَّانَ مَا يَوْمِي عَلَى كُورِهَا وَ يَوْمُ حَيَّانَ أَخِي جَابِرِ(2/137)
فَيَا عَجَباً بَيْنَا هُوَ يَسْتَقِيلُهَا فِي حَيَاتِهِ إِذْ عَقَدَهَا لآِخَرَ بَعْدَ وَفَاتِهِ لَشَدَّ مَا تَشَطَّرَا ضَرْعَيْهَا فَصَيَّرَهَا فِي حَوْزَةٍ خَشْنَاءَ يَغْلُظُ كَلْمُهَا وَ يَخْشُنُ مَسُّهَا وَ يَكْثُرُ الْعِثَارُ فِيهَا وَ الِاعْتِذَارُ مِنْهَا فَصَاحِبُهَا كَرَاكِبِ الصَّعْبَةِ إِنْ أَشْنَقَ لَهَا خَرَمَ وَ إِنْ أَسْلَسَ لَهَا تَقَحَّمَ فَمُنِيَ النَّاسُ لَعَمْرُ اللَّهِ بِخَبْطٍ وَ شِمَاسٍ وَ تَلَوُّنٍ وَ اعْتِرَاضٍ فَصَبَرْتُ عَلَى طُولِ الْمُدَّةِ وَ شِدَّةِ الْمِحْنَةِ
مضى لسبيله مات و السبيل الطريق و تقديره مضى على سبيله و تجي ء اللام بمعنى على كقوله فخر صريعا لليدين و للفم
و قوله فأدلى بها من قوله تعالى وَ لا تَأْكُلُوا أَمْوالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْباطِلِ شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 163وَ تُدْلُوا بِها إِلَى الْحُكَّامِ أي تدفعوها إليهم رشوة و أصله من أدليت الدلو في البئر أرسلتها. فإن قلت فإن أبا بكر إنما دفعها إلى عمر حين م و لا معنى للرشوة عند الموت. قلت لما كان ع يرى أن العدول بها عنه إلى غيره إخراج لها إلى غير جهة الاستحقاق شبه ذلك بإدلاء الإنسان بماله إلى الحاكم فإنه إخراج للمال إلى غير وجهه فكان ذلك من باب الاستعارة.
عهد أبي بكر بالخلافة إلى عمر بن الخطاب(2/138)
و ابن الخطاب هو أبو حفص عمر الفاروق و أبوه الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رياح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي بن غالب و أم عمر حنتمة بنت هاشم بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم. لما احتضر أبو بكر قال للكاتب اكتب هذا ما عهد عبد الله بن عثمان آخر عهده بالدنيا و أول عهده بالآخرة في الساعة التي يبر فيها الفاجر و يسلم فيها الكافر ثم أغمي عليه فكتب الكاتب عمر بن الخطاب ثم أفاق أبو بكر فقال اقرأ ما كتبت فقرأ و ذكر اسم عمر فقال أنى لك هذا قال ما كنت لتعدوه فقال أصبت ثم قال أتم كتابك قال ما أكتب قال اكتب و ذلك حيث أجال رأيه و أعمل فكره فرأى أن هذا الأمر لا يصلح آخره إلا بما يصلح به أوله و لا يحتمله إلا أفضل العرب مقدرة و أملكهم لنفسه و أشدهم في حال الشدة و أسلسهم في حال اللين و أعلمهم برأي ذوي الرأي لا يتشاغل بما لا يعنيه و لا يحزن لما لم ينزل به شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 164و لا يستحي من التعلم و لا يتحير عند البديهة قوي على الأمور لا يجوز بشي ء منها حده عدوانا و لا تقصيرا يرصد لما هو آت عتاده من الحذر. فلما فرغ من الكتاب دخل عليه قوم من الصحابة منهم طلحة فقال له ما أنت قائل لربك غدا و قد وليتينا فظا غليظا تفرق منه النفوس و تنفض عنه القلوب. فقال أبو بكر أسندوني و كان مستلقيا فأسندوه فقال لطلحة أ بالله تخوفني إذا قال لي ذلك غدا قلت له وليت عليهم خير أهلك. و يقال أصدق الناس فراسة ثلاثة العزيز في قوله لامرأته عن يوسف ع وَ قالَ الَّذِي اشْتَراهُ مِنْ مِصْرَ لِامْرَأَتِهِ أَكْرِمِي مَثْواهُ عَسى أَنْ يَنْفَعَنا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً و ابنة شعيب حيث قالت لأبيها في موسى يا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ و أبو بكر في عمر. و روى كثير من الناس أن أبا بكر لما نزل به الموت دعا عبد الرحمن بن عوف فقال أخبرني عن عمر فقال إنه(2/139)
أفضل من رأيك فيه إلا أن فيه غلظة فقال أبو بكر ذاك لأنه يراني رقيقا و لو قد أفضى الأمر إليه لترك كثيرا مما هو عليه و قد رمقته إذا أنا غضبت على رجل أراني الرضا عنه و إذا لنت له أراني الشدة عليه ثم دعا عثمان بن عفان فقال أخبرني عن عمر فقال سريرته خير من علانيته و ليس فينا مثله فقال لهما لا تذكرا مما قلت لكما شيئا و لو تركت عمر لما عدوتك يا عثمان و الخيرة لك ألا تلي من أمورهم شيئا و لوددت أني كنت من أموركم خلوا و كنت فيمن مضى من سلفكم و دخل طلحة بن عبيد الله على أبي بكر فقال إنه بلغني أنك يا خليفة(2/140)
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 165رسول الله استخلفت على الناس عمر و قد رأيت ما يلقى الناس منه و أنت معه فكيف به إذا خلا بهم و أنت غدا لاق ربك فيسألك عن رعيتك فقال أبو بكر أجلسوني ثم قال أ بالله تخوفني إذا لقيت ربي فسألني قلت استخلفت عليهم خير أهلك فقال طلحة عمر خير الناس يا خليفة رسول الله فاشتد غضبه و قال إي و الله هو خيرهم و أنت شرهم أما و الله لو وليتك لجعلت أنفك في قفاك و لرفعت نفسك فوق قدرها حتى يكون الله هو الذي يضعها أتيتني و قد دلكت عينك تريد أن تفتنني عن ديني و تزيلني عن رأيي قم لا أقام الله رجليك أما و الله لئن عشت فواق ناقة و بلغني أنك غمصته فيها أو ذكرته بسوء لألحقنك بمحمضات قنة حيث كنتم تسقون و لا تروون و ترعون و لا تشبعون و أنتم بذلك بجحون راضون فقام طلحة فخرج. أحضر أبو بكر عثمان و هو يجود بنفسه فأمره أن يكتب عهدا و قال اكتب بسم الله الرحمن الرحيم هذا ما عهد عبد الله بن عثمان إلى المسلمين أما بعد ثم أغمي عليه و كتب عثمان قد استخلفت عليكم عمر بن الخطاب و أفاق أبو بكر فقال اقرأ فقرأه فكبر أبو بكر و سر و قال أراك خفت أن يختلف الناس أن مت في غشيتي قال نعم قال جزاك الله خيرا عن الإسلام و أهله ثم أتم العهد و أمر أن يقرأ على الناس فقرئ عليهم ثم أوصى عمر فقال له إن لله حقا بالليل لا يقبله في النهار و حقا في النهار لا يقبله بالليل و إنه لا يقبل نافلة ما لم تؤد الفريضة و إنما ثقلت موازين من اتبع الحق مع ثقله عليه و إنما خفت موازين من اتبع الباطل لخفته عليه إنما أنزلت آية الرخاء مع آية الشدة لئلا يرغب المؤمن رغبة يتمنى فيها على الله ما ليس له و لئلا شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 166يرهب رهبة يلقى فيها بيده فإن حفظت وصيتي فلا يكن غائب أحب إليك من الموت و لست معجزة ثم توفي أبو بكر. دعا أبو بكر عمر يوم موته بعد عهدإليه فقال إني لأرجو أن أموت في يومي هذا فلا تمسين حتى تندب الناس مع(2/141)