وصي رسول الله من دون أهله و فارسه إن قيل هل من منازل فدونكه إن كنت تبغي مهاجرا أشم كنصل السيف عير حلاحلو الأشعار التي تتضمن هذه اللفظة كثير جدا و لكنا ذكرنا منها هاهنا بعض ما قيل في هذين الحزبين فأما ما عداهما فإنه يجل عن الحصر و يعظم عن الإحصاء و العد و لو لا خوف الملالة و الإضجار لذكرنا من ذلك ما يملأ أوراقا كثيرة
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 3151- و من خطبة له و هي المعروفة بالشقشقيةأَمَا وَ اللَّهِ لَقَدْ تَقَمَّصَهَا ابْنُ أَبِي قُحَافَةَ وَ إِنَّهُ لَيَعْلَمُ أَنْ مَحَلِّي مِنْهَا مَحَلُّ الْقُطْبِ مِنَ الرَّحَى يَنْحَدِرُ عَنِّي السَّيْلُ وَ لَا يَرْقَى إِلَيَّ الطَّيْرُ فَسَدَلْتُ دُونَهَا ثَوْباً وَ طَوَيْتُ عَنْهَا كَشْحاً وَ طَفِقْتُ أَرْتَئِي بَيْنَ أَنْ أَصُولَ بِيَدٍ جَذَّاءَ أَوْ أَصْبِرَ عَلَى طَخْيَةٍ عَمْيَاءَ يَهْرَمُ فِيهَا الْكَبِيرُ وَ يَشِيبُ فِيهَا الصَّغِيرُ وَ يَكْدَحُ فِيهَا مُؤْمِنٌ حَتَّى يَلْقَى رَبَّهُ فَرَأَيْتُ أَنَّ الصَّبْرَ عَلَى هَاتَا أَحْجَى فَصَبَرْتُ وَ فِي الْعَيْنِ قَذًى وَ فِي الْحَلْقِ شَجًا أَرَى تُرَاثِي نَهْباً(2/127)
سدلت دونها ثوبا أي أرخيت يقول ضربت بيني و بينها حجابا فعل الزاهد فيها الراغب عنها و طويت عنها كشحا أي قطعتها و صرمتها و هو مثل قالوا لأن من كان إلى جانبك الأيمن ماثلا فطويت كشحك الأيسر فقد ملت عنه و الكشح ما بين الخاصرة و الجنب و عندي أنهم أرادوا غير ذلك و هو أن من أجاع نفسه فقد طوى كشحه كما أن من أكل و شبع فقد ملأ كشحه فكأنه أراد أني أجعت نفسي عنها و لم ألقمها و اليد الجذاء بالدال المهملة و بالذال المعجمة و الحاء المهملة مع الذال المعجمة كله بمعنى المقطوعة و الطخية قطعة من الغيم و السحاب و قوله عمياء تأكيد لظلام الحال و اسودادها يقولون مفازة عمياء أي يعمى فيها الدليل شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 152و يكدح يسعى و يكد مع مشقة قال تعالى إِنَّكَ كادِحٌ إِلى رَبِّكَ كَدْحاً و هاتا بمعنى هذه ها للتنبيه و تا للإشارة و معنى تا ذي و هذا أحجى من كذا أي أليق بالحجا و هالعقل. و في هذا الفصل من باب البديع في علم البيان عشرة ألفاظ. أولها قوله لقد تقمصها أي جعلها كالقميص مشتملة عليه و الضمير للخلافة و لم يذكرها للعلم بها كقوله سبحانه حَتَّى تَوارَتْ بِالْحِجابِ و كقوله كُلُّ مَنْ عَلَيْها فانٍ و كقول حاتم
أماوي ما يغني الثراء عن الفتى إذا حشرجت يوما و ضاق بها الصدر
و هذه اللفظة مأخوذة من كتاب الله تعالى في قوله سبحانه وَ لِباسُ التَّقْوى و قول النابغة
تسربل سربالا من النصر و ارتدى عليه بعضب في الكريهة قاصل
الثانية قوله ينحدر عني السيل يعني رفعة منزلته ع كأنه في ذروة جبل أو يفاع مشرف ينحدر السيل عنه إلى الوهاد و الغيطان قال الهذلي
و عيطاء يكثر فيها الزليل و ينحدر السيل عنها انحدارا(2/128)
الثالثة قوله ع و لا يرقى إلي الطير هذه أعظم في الرفعة و العلو من التي قبلها لأن السيل ينحدر عن الرابية و الهضبة و أما تعذر رقي الطير فربما يكون للقلال الشاهقة جدا بل ما هو أعلى من قلال الجبال كأنه يقول إني لعلو منزلتي كمن في السماء التي يستحيل أن يرقى الطير إليها قال أبو الطيب
فوق السماء و فوق ما طلبوا فإذا أرادوا غاية نزلوا
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 153و قال حبيبمكارم لجت في علو كأنما تحاول ثأرا عند بعض الكواكب
الرابعة قوله سدلت دونها ثوبا قد ذكرناه. الخامسة قوله و طويت عنها كشحا قد ذكرناه أيضا. السادسة قوله أصول بيد جذاء قد ذكرناه. السابعة قوله أصبر على طخية عمياء قد ذكرناه أيضا. الثامنة قوله و في العين قذى أي صبرت على مضض كما يصبر الأرمد. التاسعة قوله و في الحلق شجا و هو ما يعترض في الحلق أي كما يصبر من غص بأمر فهو يكابد الخنق. العاشرة قوله أرى تراثي نهبا كنى عن الخلافة بالتراث و هو الموروث من المال. فأما قوله ع إن محلي منها محل القطب من الرحى فليس من هذا النمط الذي نحن فيه و لكنه تشبيه محض خارج من باب الاستعارة و التوسع يقول كما أن الرحى لا تدور إلا على القطب و دورانها بغير قطب لا ثمرة له و لا فائدة فيه كذلك نسبتي إلى الخلافة فإنها لا تقوم إلا بي و لا يدور أمرها إلا علي. هكذا فسروه و عندي أنه أراد أمرا آخر و هو أني من الخلافة في الصميم و في وسطها و بحبوحتها كما أن القطب وسط دائرة الرحى قال الراجز شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 15على قلاص مثل خيطان السلم إذا قطعن علما بدا علم حتى أنحناها إلى باب الحكم خليفة الحجاج غير المتهم في سرة المجد و بحبوح الكرو قال أمية بن أبي الصلت لعبد الله بن جدعان
فحللت منها بالبطاح و حل غيرك بالظواهر(2/129)
و أما قوله يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير فيمكن أن يكون من باب الحقائق و يمكن أن يكون من باب المجازات و الاستعارات أما الأول فإنه يعني به طول مدة ولاية المتقدمين عليه فإنها مدة يهرم فيها الكبير و يشيب فيها الصغير. و أما الثاني فإنه يعني بذلك صعوبة تلك الأيام حتى أن الكبير من الناس يكاد يهرم لصعوبتها و الصغير يشيب من أهوالها كقولهم هذا أمر يشيب له الوليد و إن لم يشب على الحقيقة. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 155و اعلم أن في الكلام تقديما و تأخيرا و تقديره و لا يرقى إلي الطير فطفقت أرتئي بين كذا و كذا فرأيأن الصبر على هاتا أحجى فسدلت دونها ثوبا و طويت عنها كشحا ثم فصبرت و في العين قذى إلى آخر القصة لأنه لا يجوز أن يسدل دونها ثوبا و يطوي عنها كشحا ثم يطفق يرتئي بين أن ينابذهم أو يصبر أ لا ترى أنه إذا سدل دونها ثوبا و طوى عنها كشحا فقد تركها و صرمها و من يترك و يصرم لا يرتئي في المنابذة و التقديم و التأخير طريق لاحب و سبيل مهيع في لغة العرب قال سبحانه الَّذِي أَنْزَلَ عَلى عَبْدِهِ الْكِتابَ وَ لَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجاً قَيِّماً أي أنزل على عبده الكتاب قيما و لم يجعل له عوجا و هذا كثير. و قوله ع حتى يلقى ربه بالوقف و الإسكان كما جاءت به الرواية في قوله سبحانه ذلِكَ لِمَنْ خَشِيَ رَبَّهُ بالوقف أيضا
نسب أبي بكر و نبذة من أخبار أبيه(2/130)
ابن أبي قحافة المشار إليه هو أبو بكر و اسمه القديم عبد الكعبة فسماه رسول الله ص عبد الله و اختلفوا في عتيق فقيل كان اسمه في الجاهلية و قيل بل سماه به رسول الله ص و اسم أبي قحافة عثمان و هو عثمان بن عامر بن عمرو بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي بن غالب و أمه ابنة عم أبيه و هي أم الخير بنت صخر بن عمرو بن كعب بن سعد أسلم أبو قحافة يوم الفتح جاء به ابنه أبو بكر إلى النبي ص و هو شيخ كبير رأسه كالثغامة البيضاء فأسلم فقال رسول الله ص غيروا شيبته. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 156و ولي ابنه الخلافة و هو حي مطع في بيته مكفوف عاجز عن الحركة فسمع ضوضاء الناس فقال ما الخبر فقالوا ولي ابنك الخلافة فقال رضيت بنو عبد مناف بذلك قالوا نعم قال اللهم لا مانع لما أعطيت و لا معطي لما منعت. و لم يل الخلافة من أبوه حي إلا أبو بكر و أبو بكر عبد الكريم الطائع لله ولي الأمر و أبوه المطيع حي خلع نفسه من الخلافة و عهد بها إلى ابنه و كان المنصور يسمي عبد الله بن الحسن بن الحسن أبا قحافة تهكما به لأن ابنه محمدا ادعى الخلافة و أبوه حي. و مات أبو بكر و أبو قحافة حي فسمع الأصوات فسأل فقيل مات ابنك فقال رزء جليل و توفي أبو قحافة في أيام عمر في سنة أربع عشرة للهجرة و عمره سبع و تسعون سنة و هي السنة التي توفي فيها نوفل بن الحارث بن عبد المطلب بن هاشم. إن قيل بينوا لنا ما عندكم في هذا الكلام أ ليس صريحه دالا على تظليم القوم و نسبتهم إلى اغتصاب الأمر فما قولكم في ذلك إن حكمتم عليهم بذلك فقد طعنتم فيهم و إن لم تحكموا عليهم بذلك فقد طعنتم في المتظلم المتكلم عليهم. قيل أما الإمامية من الشيعة فتجري هذه الألفاظ على ظواهرها و تذهب إلى أن النبي ص نص على أمير المؤمنين ع و أنه غصب حقه. شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 157و أما أصحابنا رحمهم الله فلهم أن يلوا إنه لما كان أمير المؤمنين ع هو الأفضل و الأحق و عدل عنه إلى من(2/131)