و عوذ الحسن ع فقال أعيذك من الهامة و السامة و كل عين لامة
و إنما أراد ملمة فقال لامة لأجل السجع. و كذلك
قوله ارجعن مأزورات غير مأجورات
و إنما هو موزورات بالواو
شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 2131- و من خطبة له ع بعد انصرافه من صفينصفين اسم الأرض التي كانت فيها الحرب و النون فيها أصلية ذكر ذلك صاحب الصحاح فوزنها على هذا فعيل كفسيق و خمير و صريع و ظليم و ضليل. فإن قيل فاشتقاقه مما ذا يكون. قيل لو كان اسما لحيوان لأمكن أن يكون من صفن الفرس إذا قام على ثلاث و أقام الرابعة على طرف الحافر يصفن بالكسر صفونا أو من صفن القوم إذا صفوا أقدامهم لا يخرج بعضها من بعض. فإن قيل أ يمكن أن يشتق من ذلك و هو اسم أرض. قيل يمكن على تعسف و هو أن تكون تلك الأرض لما كانت مما تصفن فيها الخيل أو تصطف فيها الأقدام سميت صفين. فإن قيل أ يمكن أن تكون النون زائدة مع الياء كما هما في غسلين و عفرين. قيل لو جاء في الأصل صف بكسر الصاد لأمكن أن تتوهم الزيادة كالزيادة شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 132في غسل و هو ما يغتسل به نحو الخطمي و غيره فقيل غسلين لما يسيل من صديد أهل النار و دمائهم و كالزيادة في عفر و هو الخبيث الداهيقيل عفرين لمأسدة بعينها و قيل عفريت للداهية هكذا ذكروه و لقائل أن يقول لهم أ ليس قد قالوا للأسد عفرني بفتح العين و أصله العفر بالكسر فقد بان أنهم لم يراعوا في اشتقاقهم و تصريف كلامهم الحركة المخصوصة و إنما يراعون الحرف و لا كل الحروف بل الأصلي منها فغير ممتنع على هذا عندنا أن تكون الياء و النون زائدتين في صفين. و صفين اسم غير منصرف للتأنيث و التعريف قال
إني أدين بما دان الوصي به يوم الخريبة من قتل المحليناو بالذي دان يوم النهر دنت به و شاركت كفه كفي بصفيناتلك الدماء معا يا رب في عنقي ثم اسقني مثلها آمين آمينا(2/112)
أَحْمَدُهُ اسْتِتْمَاماً لِنِعْمَتِهِ وَ اسْتِسْلَاماً لِعِزَّتِهِ وَ اسْتِعْصَاماً مِنْ مَعْصِيَتِهِ وَ أَسْتَعِينُهُ فَاقَةً إِلَى كِفَايَتِهِ إِنَّهُ لَا يَضِلُّ مَنْ هَدَاهُ وَ لَا يَئِلُ مَنْ عَادَاهُ وَ لَا يَفْتَقِرُ مَنْ كَفَاهُ فَإِنَّهُ أَرْجَحُ مَا وُزِنَ وَ أَفْضَلُ مَا خُزِنَ وَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ شَهَادَةً مُمْتَحَناً إِخْلَاصُهَا مُعْتَقَداً مُصَاصُهَا نَتَمَسَّكُ بِهَا أَبَداً شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 133مَا أَبْقَانَا وَ نَدَّخِرُهَا لِأَهَايلِ مَا يَلْقَانَا فَإِنَّهَا عَزِيمَةُ الْإِيمَانِ وَ فَاتِحَةُ الْإِحْسَانِ وَ مَرْضَاةُ الرَّحْمَنِ وَ مَدْحَرَةُ الشَّيْطَانِ
وأل أي نجا يئل و المصاص خالص الشي ء و الفاقة الحاجة و الفقر الأهاويل جمع أهوال و الأهوال جمع هول فهو جمع الجمع كما قالوا أنعام و أناعيم و قيل أهاويل أصله تهاويل و هي ما يهولك من شي ء أي يروعك و إن جاز هذا فهو بعيد لأن التاء قل أن تبدل همزة و العزيمة النيالمقطوع عليها و مدحرة الشيطان أي تدحره أي تبعده و تطرده. و قوله ع استتماما و استسلاما و استعصاما من لطيف الكناية و بديعها فسبحان من خصه بالفضائل التي لا تنتهي ألسنة الفصحاء إلى وصفها و جعله إمام كل ذي علم و قدوة كل صاحب خصيصة. و قوله فإنه أرجح الهاء عائدة إلى ما دل عليه قوله أحمده يعني الحمد و الفعل يدل على المصدر و ترجع الضمائر إليه كقوله تعالى بَلْ هُوَ شَرٌّ و هو ضمير البخل الذي دل عليه قوله يَبْخَلُونَ
باب لزوم ما لا يلزم و إيراد أمثلة منه(2/113)
و قوله ع وزن و خزن بلزوم الزاي من الباب المسمى لزوم ما لا يلزم و هو أحد أنواع البديع و ذلك أن تكون الحروف التي قبل الفاصلة حرفا واحدا هذا شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 134في المنثور و أما في المنظوم فأن تتساوى الحروف التي قبل الروي مع كونها ليست بواجبة التسا مثال ذلك قول بعض شعراء الحماسة
بيضاء باكرها النعيم فصاغها بلباقة فأدقها و أجلهاحجبت تحيتها فقلت لصاحبي ما كان أكثرها لنا و أقلهاو إذا وجدت لها وساوس سلوة شفع الضمير إلى الفؤاد فسلها
أ لا تراه كيف قد لزم اللام الأولى من اللامين اللذين صارا حرفا مشددا فالثاني منهما هو الروي و اللام الأول الذي قبله التزام ما لا يلزم فلو قال في القصيدة وصلها و قبلها و فعلها لجاز. و احترزنا نحن بقولنا مع كونها ليست بواجبة التساوي عن قول الراجز و هو من شعر الحماسة أيضا(2/114)
و فيشة ليست كهذي الفيش قد ملئت من نزق و طيش إذا بدت قلت أمير الجيش من ذاقها يعرف طعم العيشفإن لزوم الياء قبل حرف الروي ليس من هذا الباب لأنه لزوم واجب أ لا ترى أنه لو قال في هذا الرجز البطش و الفرش و العرش لم يجز لأن الردف لا يجوز أن يكون حرفا خارجا عن حروف العلة و قد جاء من اللزوم في الكتاب العزيز مواضع شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 135ليست بكثي فمنها قوله سبحانه فَتَكُونَ لِلشَّيْطانِ وَلِيًّا قالَ أَ راغِبٌ أَنْتَ عَنْ آلِهَتِي يا إِبْراهِيمُ لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ لَأَرْجُمَنَّكَ وَ اهْجُرْنِي مَلِيًّا و قوله تعالى وَ لكِنْ كانَ فِي ضَلالٍ بَعِيدٍ قالَ لا تَخْتَصِمُوا لَدَيَّ وَ قَدْ قَدَّمْتُ إِلَيْكُمْ بِالْوَعِيدِ و قوله اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الْإِنْسانَ مِنْ عَلَقٍ و قوله وَ الطُّورِ وَ كِتابٍ مَسْطُورٍ و قوله بِكاهِنٍ وَ لا مَجْنُونٍ أَمْ يَقُولُونَ شاعِرٌ نَتَرَبَّصُ بِهِ رَيْبَ الْمَنُونِ و قوله فِي سِدْرٍ مَخْضُودٍ وَ طَلْحٍ مَنْضُودٍ و قوله فَإِنِ انْتَهَوْا فَإِنَّ اللَّهَ بِما يَعْمَلُونَ بَصِيرٌ وَ إِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَوْلاكُمْ نِعْمَ الْمَوْلى وَ نِعْمَ النَّصِيرُ و الظاهر أن ذلك غير مقصود قصده. و مما ورد منه في كلام العرب أن لقيط بن زرارة تزوج ابنة قيس بن خالد الشيباني فأحبته فلما قتل عنها تزوجت غيره فكانت تذكر لقيطا فسألها عن حبها له فقالت أذكره و قد خرج تارة في يوم دجن و قد تطيب و شرب الخمر و طرد بقرا فصرع بعضها ثم جاءني و به نضح دم و عبير فضمني ضمة و شمني شمة فليتني كنت مت ثمة. و قد صنع أبو العلاء المعري كتابا في اللزوم من نظمه فأتى فيه بالجيد و الردي ء و أكثره متكلف و من جيده قوله لا تطلبن بآلة لك حالة قلم البليغ بغير حظ مغزل سكن السماكان السماء كلاهما هذا له رمح و هذا أعزلوَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ(2/115)
وَ رَسُولُهُ أَرْسَلَهُ بِالدِّينِ الْمَشْهُورِ وَ الْعَلَمِ الْمَأْثُورِ شرح نهج البلاغة ج : 1 ص : 136وَ الْكِتَابِ الْمَسْطُورِ وَ النُّورِ السَّاطِعِ وَ الضِّيَاءِ اللَّامِعِ وَ الْأَمْرِ الصَّادِعِ إِزَاحَةً لِلشبُهَاتِ وَ احْتِجَاجاً بِالْبَيِّنَاتِ وَ تَحْذِيراً بِالآْيَاتِ وَ تَخْوِيفاً بِالْمَثُلَاتِ وَ النَّاسُ فِي فِتَنٍ انْجَذَمَ فِيهَا حَبْلُ الدِّينِ وَ تَزَعْزَعَتْ سَوَارِي الْيَقِينِ وَ اخْتَلَفَ النَّجْرُ وَ تَشَتَّتَ الْأَمْرُ وَ ضَاقَ الْمَخْرَجُ وَ عَمِيَ الْمَصْدَرُ فَالْهُدَى خَامِلٌ وَ الْعَمَى شَامِلٌ عُصِيَ الرَّحْمَنُ وَ نُصِرَ الشَّيْطَانُ وَ خُذِلَ الْإِيمَانُ فَانْهَارَتْ دَعَائِمُهُ وَ تَنَكَّرَتْ مَعَالِمُهُ وَ دَرَسَتْ سُبُلُهُ وَ عَفَتْ شُرُكُهُ أَطَاعُوا الشَّيْطَانَ فَسَلَكُوا مَسَالِكَهُ وَ وَرَدُوا مَنَاهِلَهُ بِهِمْ سَارَتْ أَعْلَامُهُ وَ قَامَ لِوَاؤُهُ فِي فِتَنٍ دَاسَتْهُمْ بِأَخْفَافِهَا وَ وَطِئَتْهُمْ بِأَظْلَافِهَا وَ قَامَتْ عَلَى سَنَابِكِهَا فَهُمْ فِيهَا تَائِهُونَ حَائِرُونَ جَاهِلُونَ مَفْتُونُونَ فِي خَيْرِ دَارٍ وَ شَرِّ جِيرَانٍ نَوْمُهُمْ سُهُودٌ وَ كُحْلُهُمْ دُمُوعٌ بِأَرْضٍ عَالِمُهَا مُلْجَمٌ وَ جَاهِلُهَا مُكْرَمٌ(2/116)