الإمام الحسن بن علي، بن الحسن، بن عمر، بن علي، بن الحسين، بن علي، بن أبي طالب عليهم السلام، أبو محمد الناصر للحق الأطروش.
أبوه
علي بن الحسن كان من المعدودين في فضلاء أهل البيت عليهم السلام وحفاظهم وفقهائهم.
قال في مطلع البدور: السيد الإمام الكبير المجتهد الحافظ، شيخ الشيوخ، علي بن الحسن – إلى آخر نسبه – والد الناصر الكبير، شيخ العترة، كان من المحدثين والفقهاء، روى عن أبيه، وعن إبراهيم بن رجاء الشيباني، وعلي بن جعفر العريضي، وأبي هاشم الحميدي، وأنس بن عياض، ويحيى بن هاشم وآخرين.
وعنه: محمد بن منصور المرادي، وولداه الناصر والحسين، وأحمد بن محمد بن جعفر العلوي. خرج له أئمتنا الخمسة إلا الجرجاني.
أمه
اسمها: حبيب، أم ولد مجلوبة من خراسان.
ولادته
ولد الإمام الناصر للحق بالمدينة المنورة سنة (230هـ).
صفته
كان طويل القامة، يضرب إلى الأدمة، به طرش من ضربة أصابت أذنه أثناء جهاده.
نشأته
نشأ نشأة سلفه الأكرمين في طلب العلم والمعرفة، ولم يكتف بما حصل من علوم أهل المدينة حتى رحل إلى الكوفة، وأخذ عن مشائخها، وروى عنهم، كمحمد بن منصور المرادي، ولم تحدد
المصادر الموجودة بين أيدينا تاريخ رحلته إلى الكوفة، إلا أننا نقدر أنه رحل ما بين الخمسين إلى الستين ومائتين ليكون عمره في الثلاثينات، العمر الذي يؤهله للترحال، والأخذ على مشائخ الكوفة.
وظل في الكوفة فترة لم تحددها المصادر التاريخية، ثم توجه بعد ذلك إلى طبرستان، أيام الداعي الحسن بن زيد، قبل سنة (270هـ) لأن الداعي توفي سنة (270هـ)، وقد أقام الإمام الناصر عنده إلى أن توفي، وولي أخوه محمد بن زيد.
جهاده
لقد رفع الإمام الناصر راية الجهاد، غير مبال ولا مكترث بما يناله من الأذى، ذلك لما يعرفه من أجر المجاهد الصابر، فما تعرض له من الأذى حين خرج إلى نيسابور، أو جرجان أيام السجستاني طامعا في أن يتمكن من الدعاء إلى نفسه فأجابه كثير من قواد السجستاني وغيرهم، ثم سعى به بعض من كان وقف على أمره، فأخذه واعتقله، وضربه بالسياط ضربا عظيما، قيل: ألف سوط، ووقع سوط في أذنه فأصابه منه طرش، ولذلك سمي الأطروش، واستقصى عليه أن يعترف بما كان منه ويعرفه أسامي أصحابه، فثبت على الإنكار وحبسه في بيت فيه خمور، نكاية به وتشديداً عليه، حتى قال الناصر: قويتُ برائحة تلك الخمور، فقيل له: لو أكرهت على شربها ما الذي كنت تصنع؟ فقال: كنت أنتفع بذلك، ويكون الوزر على المكرِه، وهذا من ملح نوادره ومزاحه الذي لا يجاوز الحق.
دعوته
كان الإمام الناصر داعية من الطراز الأول، حدد أهداف دعوته قائلا في كتاب بعثه إلى بعضهم: (ولقد بلغك – أعزك الله – ما أدعو وأهدي إليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، إحياء لما أميت من كتاب الله تعالى، ودفن من سنة رسول الله صلى الله عليه وآله).
توجه إلى بلاد الديلم وأهلها مشركون ومجوس، فدعاهم إلى الإسلام بالحكمة والموعظة الحسنة، فأسلموا على يديه، حتى بلغ من أسلم على يديه ألف ألف (مليون) نسمة، وتحولوا إلى مجاهدين زهاد عباد.
قال الناصر وقد دخل آمل، وازدحم عليه طبقات الرعية في مجلسه: (أيها الناس إني دخلت بلاد الديلم وهم مشركون، يعبدون الشجر والحجر، ولا يعرفون خالقا، ولا يدينون دينا، فلم أزل أدعوهم إلى الإسلام، وأتلطف بهم حتى دخلوا فيه أرسالا، وأقبلوا إلي إقبالا، وظهر لهم الحق، واعترفوا بالتوحيد والعدل، فهدى الله بي منها زهاء مأتي ألف رجل وامرأة، فهم الآن يتكلمون في التوحيد والعدل مستبصرين، ويناظرون عليهما مجتهدين، ويدعون إليهما محتسبين، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر، ويقيمون حدود الصلوات المكتوبات، والفرائض المفروضات، وفيهم من لو وجد ألف دينار ملقى على الطريق لم يأخذ ذلك لنفسه، وينصبه على رأس مزراقه (رمحه) ينشده في هواي، واتباع أمري في نصرة الحق وأهله، لا يولي أحد منهم عن عدوه ظهره، وإنما جراحاتهم في وجوههم وأقدامهم، يرون الفرار من الزحف إذا كانوا معي كفرا، والقتل شهادة وغنما) .
وهو يعد مثلا أعلى للعاملين في الحقل الإسلامي في عصرنا، فها هو يدعو مشركين عُبّاد الأحجار إلى الإسلام، ولا شك أنه تعلم اللغة الفارسية وأتقنها، وإلا فكيف يدعوهم؟! ثم يقيم بهم دولة الإسلام العادلة، في غضون بضع عشرة سنة. لهذا ينبغي لقادة الحركة الإسلامية أن يدرسوا سيرة وحياة هذا الداعية الحصيف.
علمه
لقد كان الإمام الناصر من أوعية العلم، وجبال المعرفة، ضرب في كل فن من فنون العلم بسهم وافر، واشتهر علمه وذاع، أخذ على آبائه، وأهل بيته في المدينة في ريعان شبابه، ثم رحل إلى الكوفة، وأخذ عن مشائخها وروى عنهم، وقرأ من كتب الله تعالى المنزلة على رسله ثلاثة عشر كتابا، وقيل: ستة عشر، منها: التوارة، والإنجيل، والزبور، والفرقان، وباقيها من الصحف. وكان مختصا بعلم القرآن واللغة، قال في رسالة له إلى بعض أصحابه: (بعد أن محصت آي التنزيل، عارفا بها، منها تفصيل وتوصيل، ومحكم ومتشابه، ووعد ووعيد، وقصص وأمثال، آخذا باللغة العربية التي بمعرفتها يكون الكمال، مستنبطاً للسنة من معادنها، مستخرجاً للكامنات من مكامنها، منيرا لما ادْلَهَمَّ من ظُلَمِها، معلنا لما كُتم من مستورها) .
وكان له مجلس لإملاء الحديث، يجتمع فيه فقهاء البلد، وأهل العلم كلهم.
ومن نظر في كتاب الاحتساب وقف على علم غزير في علم القرآن، واللغة والحديث.
ولا يكاد يخلو كتاب من كتب الزيدية من ذكر أقواله في كل فن، وكتبه وما نقل عنه شاهد بذلك، وسيأتي ذكرها.
قال فيه الإمام الهادي عليه السلام: الناصر عالم آل محمد كبحر زاخر بعيد القعر.
وقال أبو طالب: كان جامعا لعلم القرآن والكلام والفقه، والحديث والأدب والأخبار واللغة، جيد الشعر، مليح النوادر، مفيد المجالس.
وقال الإمام عبد الله بن حمزة: لم يكن في عصره مثله شجاعة وعلما.
وقال مؤرخ الزيدية الشهيد حميد المحلي: وبرز في فنون العلم حتى كان في كل واحد منها سابقا لا يجارى، وفاضلا لا يبارى.
وقال خير الله الزركلي: كان شيخ الطالبيين وعالمهم.
وكان أبو عبد الله الوليد القاضي يلزم مجلسه، ويعلق جميع ما سمع منه من أنواع الفوائد في فنون العلم، فجمع في ذلك كتابا سماه: ألفاظ الناصر.
وقال المحلي: كان جامعا لفنون العلم من أصول الدين، وفروعه، ومعقوله، ومسموعه، راوية للآثار، عارفا بالأخبار، ضاربا في علم الأدب بأقوى سبب.
وكان محدثا مسندا، وحسبك دليلا على ذلك أحاديث كتابه هذا المسند.
وكان خبيرا بالمناظرة، بصيرا بالجدل، يفحم خصومه مع أدب جم وتواضع، قال أبو بكر محمد بن موسى البخاري: (دخلت على الحسين بن علي الآملي المحدث، وكان في الوقت الذي كان الناصر للحق الحسن بن علي عليه السلام في بلاد الديلم، وقد [تجهز] لفتح آمل وورودها، والحسين بن علي هذا يفتي العوام بأنهم يلزمهم قتال الناصر للحق عليه السلام، ويستنفرهم لحربه، ومعاونة الخراسانية على قصده، وزعم أنه جهاد، ويأمر بالتجهيز وعقد المراكب كما تفعل الغزاة، قال: فوجدته مغتما فقلت له: أيها الأستاذ ما لي أراك مغتما حزينا؟ فألقى إلي كتابا ورد عليه، وقال: اقرأه، فإذا هو كتاب الناصر للحق عليه السلام وفيه: يا أبا علي نحن وإياكم خلف السلف، ومن سبيل الخلف اتباع السلف، والإقتداء بهم، ومن سلفكم الذين تقتدون بهم من الصحابة عبد الله بن عمر، ومحمد بن مسلمة، وأسامة بن زيد، وهم لم يقاتلوا معاوية مع علي بن أبي طالب عليه السلام مع تفضيلهم عليا، تأولا منهم أنهم لا يقاتلون أهل الشهادتين، فأنت يا أبا علي سبيلك أن تقتدي بهم ولا تخالفهم، وتنزلني منزلة معاوية على رأيك، وتنزل عدوي هذا ابن نوح منزلة علي بن أبي طالب عليه السلام فلا تقاتلني، كما لم يقاتل سلفك معاوية وتخل بيني وبينه كما خلى سلفك بينهما، فتكف عن قتال أهل الشهادتين كما كف سلفك، وتجنب مخالفة أئمتك الذين تقتدي بهم، ولا سيما فيما يتعلق بإراقة الدماء، فافهم يا أبا علي ما ذكرت لك فإنه محض الإنصاف). قال: فقلت له: لقد أنصفك الرجل أيها الأستاذ فَلِمَ تكرهه ؟! فقال: نكرهه لأنه يحسن أن يورد مثل هذه الحجة، ولا يَرِدُ إلا متقلدا مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي ))، فهذا كتاب الله أكبر الثقلين، وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله أحد الثقلين، ثم يفتي ويناظر، ولا يحتاج إلى أحد، أما سمعت ما قاله في قصيدة له قال: وأنشد هذا البيت:
تداعى لقتل بني المصطفى … ذووا الحشو منها ومُرَّاقها
وقال: فسلوني عن أمر دينكم، وما يعنيكم من العلم، وتفسير القرآن، فإنا نحن تراجمته، وأولى الخلق به، وهو الذي قُرن بنا، وقُرَّنا به، فقال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني مخلف فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي )).
مؤلفاته
لم يكن الإمام الناصر بدعا من أئمة الزيدية، الذين لم يشغلهم الجهاد، وتجييش الجيوش، والنظر في أمور المسلمين، والدعوة إلى الله عن التأليف والكتابة، فرغم الحوادث التي أتت عليهم،والتي تذهب عندها الألباب، وتطير معها الحلوم، فقد خلفوا تراثا ملأ سمع الدنيا وبصرها، فهذا الإمام الناصر أَلَّف وصنَّف الكثير من الكتب، حتى قيل: إن مؤلفاته تزيد على ثلاثمائة.
فمن كتبه التي ذكرها المؤرخون:
1_ البساط.
2_ الاحتساب، وهو هذا الذي بين يديك.
3_ الناصريات، كتاب في الفقه. شرحه الشريف المرتضى. طبع في إيران.
4_ التفسير، احتج فيه بألف بيت من الشعر من ألف قصيدة.
5_ الحجج الواضحة بالدلائل الراجحة في الإمامة.
6_ الأمالي في الحديث، وأكثره في فضائل العترة عليهم السلام.
7_ المغني.
8_ كتاب في أصول الدين ذكر فيه الإيمان، لا يعرف اسمه، ذكره هو ص (61) أو لعله كتاب في من الكتب المذكورة هنا.
9_ المسفر. (ذكرهما الإمام المنصور بالله عبد الله بن حمزة في الشافي) (1).
10_ الصفي.
11_ فدك والخمس.
12_ الشهداء، وفضل أهل الفضل منهم.
13_ فصاحة أبي طالب.
14_ معاذير بني هاشم فيما نقم عليهم.
15_ أنساب الأئمة ومواليدهم.
16_ الظلامة الفاطمية (الخمسة الأخيرة ذكرها صاحب أعيان الشيعة) (1).
17- جوامع النصوص. ذكره في أول هذا الكتاب.
وقال: إن ابن النديم ذكر له مجموعة، وذكر في الحدائق الوردية أن عدد كتبه أربعة عشر كتابا.
وصنف العلماء في حياته، وبعد وفاته وجمعوا كتبا في فقهه وحديثه، فمن أولئك:
أبو عبد الله الوليد القاضي، كان يلزم مجلسه، ويعلق جميع ما سمع منه من أنواع الفوائد في فنون العلم، فجمع في ذلك كتابا سماه:
18_ ألفاظ الناصر.
19_ الباهر في الفقه، جمعه أحد علماء عصره.
20_ الحاصر لفقه الناصر، جمعه الإمام المؤيد بالله.
21_ الناظم، في فقه الناصر للسيد أبي طالب.
22_ الموجز في فقهه، للشيخ أبي القاسم البستي جعفر محمد بن يعقوب.
23_ الإبانة في فقهه، مشروحة بأربعة مجلدات كبار، للشيخ أبي جعفر الهوسمي.
شعره
لقد كان الإمام الناصر عليه السلام شاعرا رقيقا، وحماسيا، وأديبا فذا، متبحرا في علوم اللغة، مطلعا على أشعار العرب، يحفظ منها الكثير، كتب في التفسير كتابا احتج فيه بألف بيت من الشعر.
قال الشعر في مواطن عديدة، ولم يحفظ لنا التاريخ إلا القليل من شعره، إلا أنه يدل على شاعرية مطبوعة، وأدب راقٍ.
شجاعته
لا غرو من اقتحام الإمام الناصر لهوات الحرب، وميادين البطولة غير هياب ولا وجل، فتلك الشجاعة النادرة، والفروسية الباهرة، لم تأته من فراغ، فهو سليل بيت النبوة، ومعدن الرسالة، وفرسان الجهاد والبسالة، وابن صاحب ذي الفقار.
كان في الشجاعة وثبات القلب بحيث لا تهوله الجنود، ولا يفزعه العسكر المحشود، يخوض الغمرات، ويصرع الكماة، ويحطم الوشيح، ويثلم الصفائح، وكم له من مقامات مشهودة مشهورة، فاز فيها بالشرف الطائل، وكان يرد بين الصفين متقلدا مصحفه وسيفه، ويقول: قال أبي رسول الله صلى الله عليه وآله: (( إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا من بعدي، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ))، ثم يقول: فهذا كتاب الله، وأنا عترة رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن أجاب إلى هذا وإلا فهذا.
بلغ عدد القتلى في معركة من معاركه نحو عشرين ألفا.
عدله
دخل الناصر الجيل والديلم، والناس يرزحون تحت حكم آل وهشوذان، يحكمونهم بالعسف والجور والإستعباد، فأزال تلك الرسوم الجائرة، واستنقذهم مما كانوا فيه من الضيم في الأنفس والأولاد والأموال، وحكم فيهم بالعدل والقسط.
قال في آخر خطبة له: (وأنتم أيضا معاشر الرعية، فليس عليكم دوني حجاب، ولا على بابي بواب، ولا على رأسي خلق من الزبانية، ولا علي أحد من أعوان الظلمة، كبيركم أخي، وشابكم ولدي، لا آنس إلا بأهل العلم منكم، ولا أستريح إلا إلى مفاوضتكم).
روي أن بعض عماله ممن رضيه من عمال آل طاهر، حمل إليه ستمائة ألف درهم، فامتنع من أخذها، وأمر بإخراجها من البيت، فقال له الرافع: كان آل طاهر عدولا، والناس راضون بذلك فما عليك في أخذها ؟! فقال: أنا ابن رسول الله صلى الله عليه وآله لا ابن طاهر.
ونادى غلاما له يسمى جبرا ثلاث مرات فلم يجبه، فلما أطال عليه قال مجيبا: (مره) أي: لا تعش، فقال الناصر: مسكين أضجرناه.
قال أبو طالب: وكان ينظر في الأمور بنفسه وبسط العدل، ورفع رسوم الجور.
قال ابن جرير الطبري: ولم ير الناس مثل عدل الأطروش، وحسن سيرته، وإقامته للحق.
وقال ابن الأثير: وكان الحسن بن علي حَسُن السيرة، عادلا، ولم ير الناس مثله في عدله، وحسن سيرته، وإقامته للحق.
وقال ابن حزم: وكان هذا الأطروش فاضلا، حسن المذهب، عدلا في أحكامه.
فأحبه الناس لذلك حتى أنه حين عودته من القلعة، ودخوله آمل استقبله أهل البلد، صغيرهم وكبيرهم وكان على بغلة، فكاد الناس يقلعون بغلته من الأرض لازدحامهم عليه وخدمتهم له، وهو يدفع الناس عن نفسه بطرف مقرعته إذا تكابسوا عليه تمسحا به، وتقبيلا لرجله، حتى كادوا يزيلونه عن المركوب يشير بها وينحيهم عنه.
وعندما حانت وفاته استؤمر في من يقيمونه مقامه إذا حدث به قضاء الله عز وجل، وسأله بعضهم أن يعهد إلى بعض أولاده، فقال: وددت أن يكون فيهم من يصلح لذلك، ولكن لا أستحل فيما بيني وبين الله عز وجل وجل أن أولي واحدا منهم أمر المسلمين. ثم قال: الحسن بن القاسم أحق بالقيام بهذا الأمر من أولادي، وأصلح له منهم.
حكمته ومواعظه
ليس بمستنكر على رجل مثل الناصر في علمه وزهده أن تفيض الحكمة على لسانه، ويتفجر العلم من نواجذه، وهو فرع الدوحة العلوية.
رسا أصله تحت الثرى وسما به … إلى المجد فرع لا ينال طويل
وحسبنا للتدليل على تلك الحكمة مقتطفات يسيرة من حكمه ومواعظه، قال ذات مرة مخاطبا أصحابه: (أيها الناس اتقوا الله، وكونوا عليه قوامين بالقسط كما أمركم الله، وأْمُروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر، وجاهدوا رحمكم الله في الله حق جهاده، وعادوا الآباء والأبناء والإخوان في الله، فإن هذه الدار دار قلعة، ودار بلغة، ونحن سُفر، والدار التي خلقنا لها أمامنا، وكأن قد بلغنا إليها ووردناها، فتزودوا من العمل الصالح، فإن طريق الجنة خشن، وبالإجتهاد نبلغ إليها، إني لا أغر نفسي ولا أخدعها بالأماني، ولا أطمع أن أنال الجنة بغير عمل، ولا أشك في أن من أساء وظلم منا ضوعف له العذاب، وأنا ولد الرجل الذي دل على الهدى، وأشار إلى أبواب الخير، وشرع هذه الشرائع، وسن هذه السنن والأحكام، فنحن أولى الخلق باتباعه، واقتفاء أثره، واحتذاء مثاله، والإقتداء به).
وفاته
وكان من آخر ما قاله الإمام الناصر عليه السلام من الشعر قصيدة أولها:
أناف على السبعين ذا الحول رابع … ولا بد لي أني إلى الله راجع
وصرت إلى حد تقومني العصا … أَدبُّ كأني كلما قمت راكع
توفي عليه السلام بآمل، وهو ساجد ليلة الجمعة (25) شعبان سنة (304هـ) وله (74) سنة، ودفن بآمل، وقبره مشهور مزور.
أولاده
أبو الحسن علي الأديب الشاعر أمه أم علي بنت عمه.
وأبو القاسم جعفر، وأبو الحسين أحمد، أمهما نقش، وكانت نقش هذه جارية أهدتها امرأة جستان إلى الناصر.
وأم الحسن، وهي فاطمة، وأم محمد، ومبارك، وأم إبراهيم، وميمونة.
المصدر: مقدمة محقق كتاب الاحتساب الدكتور الشهيد عبدالكريم جدبان (باختصار وتصرف)
الكتب المتوفرة: