(مسئولية طلاب العلوم الدينية) محاضرة للشهيد / حسين الحوثي

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
جهاز الأمن السياسي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 101
اشترك في: السبت سبتمبر 18, 2004 5:16 pm
مكان: صنعاء_الحي السياسي_ش/جيبوتي

(مسئولية طلاب العلوم الدينية) محاضرة للشهيد / حسين الحوثي

مشاركة بواسطة جهاز الأمن السياسي »

دروس من هدي القرآن الكريم
مسئولية طلاب العلوم الدينية



ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ 9/3/2002م

هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت ،وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
و حرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق.
إعداد / ضيف الله صالح أبو غيدنة


بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم أيها الاخوة ورحمة الله وبركاته

أتشرف بالجلوس معكم ،شرف عظيم لنا أن نجلس في بيت من بيوت العلم ، ومع شباب ،ومعلمين ،وطلاب علم.

ونحن كطلاب علم تحدثنا كثيرا حول هذا الموضوع ،ولكن مهما كان الحديث كثيرا فإن الحديث لا ينتهي ، الحديث حول طالب العلم ، وحول العلم ، وواجب طالب العلم ، وماذا يعني العلم ،وما دور العالم ،وكيف تكون نفسيات العالم ، وكيف تكون اهتماماته، حديث واسع جداً ، ينتهي في الأخير إلى قول الله تعالى:{الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله} هذه غاية العلم ، وغاية طالب العلم ، وغاية العالِم.

أن أتعلم ولا يتصل بمعرفتي الله سبحانه و تعالى وأنا أقول إن من بنود جدول حصصي اليومية مادة تسمى (أصول الدين) يقال عنها أنها اشرف العلوم ؛لأنها تهتم بمعرفة الله سبحانه وتعالى ، عندما أتناول معرفة الله وأجد نفسي في الأخير أخاف من ظلي وأنا أحمل علماً ، وأنا طالب علم.

والمجتمع كله ينتظر من يحمل علما، ما هي نظرته ؟. ما موقفه ؟.ما عمله؟. شيء طبيعي لدى الناس جميعا، ومعروف في عصرنا هذا أنه يقال: أن الطبقة المثقفة هي الأصل في المجتمع ، هي التي يتوقف على نشاطها تغيير وضعية المجتمع أي مجتمع كان ،وأي ثقافة كانت الطبقة المثقفة في المجتمع. ليس هناك أعلى ثقافة من ثقافة القرآن الكريم ، وليس هناك أسمى وأسنا غاية وهدفا من غايات يرسمها القرآن الكريم.

عندما أقول : أنا طالب علم وهاأنا ذا أقرأ مادة تهتم بمعرفة الله سبحانه وتعالى ،ثم أراني في الأخير أضعف نفسية، أضعف موقفا ، أضعف اهتماما من أولياء الشيطان، إن هذا في المقدمة هو إساءة إلى الله سبحانه وتعالى، إساءة إلى الله أن يبرز أولياؤه ومن يحملون عناوين مرتبطة به: (معرفة الله)، (دين الله)، (كتاب الله)، (سنة رسول الله) ،(رجا ثواب الله)، (خوف عقاب الله) ، أليست كلها عناوين ترتبط بالله في الأخير؟. ثم نجد أنفسنا لا أثر لنا في الحياة ولا بنسبة يصح أن تُعد نسبة مقارنة بما يتركه أولياء الشيطان من أثر في الحياة.. لماذا؟ هل لأن الله سبحانه وتعالى الذي نرتبط به بعناوين كهذه هو من لا يمكن لأوليائه أن يكونوا هم الأعلون ،أن يكونوا هم الأعزاء ، أن يكونوا هم الواعيين، أن يكونوا هم الأقوياء ،فأنت ارتبطت بضعيف ، ارتبطت بمن لا يعرف كيف يوجهك ،ارتبطت بمن لا يعرف كيف يهديك ،أم أن كل الخلل من عندنا نحن؟، لا يصح أن يقال في الله سبحانه وتعالى ، وهو من سمَّا نفسه سبحانه وتعالى بأنه {هو الله الذي لا اله إلا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم ، هو الله الذي لا اله إلا هو الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر سبحان الله عما يشركون} هذه أسماء الله الحسنى سمّا بها ذاته سبحانه وتعالى.

وكيف وصف الشيطان ؟. كيف الشيطان؟. مذموم، مدحور، مطرود، ملعون، ضعيف، {فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفا}، لكن لماذا نرى أن أولياء الشيطان الضعيف ،المدحور ،المذموم، الذي لا يمتلك علم غيب، ولا يمتلك جبروت ، ولا يمتلك قدسية ، ولا يمتلك إلا وسائل بسيطة جدا، هي الوسوسة إلى أوليائه من الجن والإنس.

لماذا أولياء الشيطان هم يبدون في الصورة هم كل شيء في هذه الحياة ، كل شيء بأيديهم حتى ثقافتنا نحن بأيديهم ، حتى طغى ما يقدمونه هم لنا على ما قدمه الله سبحانه وتعالى لنا؟ ، أليس هذا إساءة إلى الله ، وتصغير لما عظم الله ؟. ما السبب في ذلك؟. هو أننا فعلا لا نحاول أن نعرف الله بالشكل المطلوب؛ لذا نرى أنفسنا ضعافا لأننا لا نثق به ، لم نصل إلى درجة أن نثق بالله عز وجل. والإنسان بدون الله ضعيف ،الإنسان بدون الله وإن حمل عناوين ارتباط بالله ليس ارتباطاً حقيقياً واعياً فهو ضعيف ، حينها ينعكس ضعفي على كل شيء حتى ما أقدمه باسم الله.

فعندما اجمع مجاميع من طلاب العلم وأقدم لهم الدين والعلم، أليس هذا أقدمه باسم الله؟. فينشئون ضعافاً لا وعي لديهم ،لا اهتمام لديهم، لا شعور بمسئولية لديهم. لماذا؟. ولأنهم أصبحوا نسخة مني، نسخة أخرى ونسخ متكررة لي، ضعفي ينعكس على أقوالي ، ضعفي ينعكس على مواقفي، ضعفي ينعكس بشكل سلبيات تجعلني أجهل الكثير الكثير مما يدور حولي، وحينها ،وفي الأخير نرد اللائمة على الله سبحانه و تعالى نفسه، أنه هو الذي طبع الحياة على هذا النحو بأن جعل الضعف والمصائب والإبتلاآت الشديدة والضَّعَة والمسكنة لأهل الحق، وكما يقول البعض : (أهل الحق يكونون عادة ضعافا مساكين لا يستقيم لهم شيء، ولا تُسمع لهم كلمة، والدنيا هكذا حالها لا تسبر ولا تستقيم، والباطل ينتشر فيها).

أو يرد اللائمة على الناس ،أن الناس هم هكذا يقبلون الباطل أكثر مما يقبلون الحق، الناس هكذا بطبيعتهم لا يريدون الحق، الناس هكذا وهكذا.. قبل أن نجرب الناس، بعد أن نصحح وضعيتنا مع الله سبحانه وتعالى فنرتبط به ،ونثق به، ثم نفهم دينه ،نفهم نظرة دينه للناس، نظرة الدين للإنسان، نظرة الدين للحياة، نظرة الدين للآخرة، نظرة الدين للأحداث، لذا نرى أنفسنا في حالة غريبة جداً، بعد أن صبغنا الحياة بضعفنا، وانطلق كل شيء منا يعكس حالة الضعف في أنفسنا لا نلتفت ولو مرة التفاتة واعية إلى القرآن الكريم، هل فعلا هذا هو حصيلة القرآن الكريم؟. أم أن القرآن الكريم له وجهة نظر أخرى، وله أساليب في التربية أخرى، وله غايات أخرى، وله نموذج خاص في صياغته للإنسان.

لذا نرى أنفسنا بناء على هذه الغلطة التي نحن فيها أن كل شيء من حولنا لا نكاد نفهمه، بينما القرآن الكريم ليس فقط يوجهك أو ينذرك بأن هناك خطورة بل يضع برنامجاً كاملاً يشرح لك الخطورة في هذا الشيء ،منبع الخطورة فيه ،ثم يؤهلك كيف تكون بمستوى مواجهته، ثم يقول لك كيف ستكون الغاية أو النتيجة السيئة للطرف الآخر في واقعه عندما تواجهه، ثم يقول لك أن الله سيكون معك بل أن الحياة والأمور كلها قد تتغير بالشكل الذي يكون بشكل تجنيد لما هو جند لله سبحانه وتعالى في السموات والأرض في الاتجاه الذي تسير إليه إلى جانبك في مواجهة ذلك الخطر، الخطر على البشرية، والخطر على الدين.

افتقادنا للثقة بالله سبحانه وتعالى وافتقادنا للمسئولية التي يريد الله سبحانه وتعالى منا أن نستشعرها دائما هي وراء هذه الحالة من اللاوعي المنتشرة بين أوساطنا ،لدرجة أن البعض قد يرى بأن عليه أن ينصرف عن مثل هذه الأشياء، وأن يهتم بالقراءة، القراءة يتصورها أنها هي كل شيء.

أوَّلاً: إفهم إذا كنت طالب علم ما هو العلم الذي تطلبه؟. علم من؟. ما هي غاياته؟. وعندما تصبح إنسانا يحمل علما أن تكون فاهما ما هي مسئوليتك؟. ما هو دورك في الحياة؟. إذا لم ينطلق الإنسان على هذا الأساس فلن يكون أكثر من إضافة رقم ضعيف إلى أرقام ضعيفة تملأ الساحة ولا تصنع شيئاً.الله سبحانه وتعالى أراد منه أن يكون على مستوى عالٍ من الفهم والوعي. والإيمانُ -الذي نقرأ آيات كثيرة في كتاب الله وهي تردده بصيغ متعددة- هو من وجهة نظر القرآن هو وعي، إيمان واعٍ بصيرة {قل هذه سبيلي أدعو إلى الله على بصيرة أنا ومن اتبعني}.

الله يريد من الإنسان المسلم أن يكون واعيا، وكيف لا يكون واعيا من يمتلك القرآن الكريم؟!. أما طالب العلم، أما العالم فإنه من يُفترض فيه أن يكون على مستوى أعلى وأعلى من الوعي؛ لذا لا أحد يستطيع أن يقدر حجم الخسارة التي نحن فيها، ونحن نمتلك القرآن الكريم لأن أي أمة تمتلك القرآن الكريم وترى واقعها على النحو الذي نشاهده هي في الواقع أمة خسارتها عظيمة، خسارتها جسيمة جداً.

من العار ومن العيب -قبل أن نقول من الإثم- أن يكون بنو إسرائيل، أن يكون أولياء الشيطان هم أكثر اهتماما منا، أكثر وعيا منا، أكثر فهما منا، أقرب إلى بعضهم بعض، في اتخاذ مواقف تخدم مصالحهم منا، ونحن من نمتلك القرآن الكريم، ونحن من نمتلك الرسول أليس هذا من العيب؟. أليس هذا من العار؟. أليس هذا من الكفر بنعم الله سبحانه وتعالى بالقرآن وبالرسول ؟. الكفر بنعمة عظيمة.

القرآن الكريم هو كتاب مهم جدا جداً ،قال عنه الرسول وهو يتحدث عنه:((فيه نبأ ما قبلكم وخبر ما بعدكم)) ماذا يعني بعبارة (نبأ ما بعدكم)؟. الإنسان الذي يتابع الأحداث، ويتأمل القرآن الكريم يجد أن القرآن الكريم قد سبق إليها، لكن هل معنى السبق هو السبق الذي يتحدث عنه من يبحثون عن الإعجاز العلمي في القرآن الكريم فيقول: إن الحقيقة العلمية التي قد اكتشفت على هذا النحو القرآن قد سبق إليها؟. ليس هذا هو المقصود ،هذا شيء آخر جانب آخر، القرآن الكريم يتحدث عن أسس الأشياء -في معظم ما يتناول-، ويتحدث عن أن تلك الآيات التي سطر فيها تلك الأخبار أنها حقائق، ولذلك قال سبحانه وتعالى: {تلك آيات الله نتلوها عليك بالحق} سماها آيات أي حقائق {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون} ما هو الاهتداء؟. أليس هو الوعي؟. أليس هو الفهم الذي يدفعك إلى الالتزام والعمل وفهم الأمور، وفهم القضايا، وفهم ما تستلزمه مسيرتك العملية على منهج القرآن؟. {تلك آيات الله} حقائق ،هذا الذي أريد أن نفهمه أولاً أن آيات الله تعني حقائق، حقائق واقعية {نتلوها عليك بالحق} {كذلك يبين الله لكم آياته لعلكم تهتدون}.

إساءة إلى القرآن الكريم أن لا نهتدي به، وكفر بنعمة الله العظيمة أن لا نهتدي به، وسبب من أسباب السخط الإلهي علينا أن لا نهتدي به، وسبب من أسباب الذلة والخزي أن لا نهتدي به، لقد قال عن بني إسرائيل عندما حكى عنهم أنهم يؤمنون ببعض الكتاب ويكفرون ببعض أن عاقبتهم كما قال تعالى: {فما جزاء من يفعل ذلك منكم إلا خزي في الحياة الدنيا ويوم القيامة يردون إلى أشد العذاب} لماذا؟. هم لم يهتدوا لم يسيروا على هدي آياته التي أنزلها إليهم في كتبه، لم يسيروا على هديها فاستحقوا أن تكون عاقبتهم الخزي في الدنيا والعذاب الشديد في الآخرة، والمسألة واحدة ،من يمتلكون القرآن ولا يهتدون به.

إن الجزء الأكبر الذي لا تهتدي به هو أشبه شيء بالكفر به، فموقفي من القرآن الكريم كموقف اليهود من التوراة.. مثلا: هو لا ينكر أن تلك العبارة هي مما أنزله الله ،مما أوحاه الله إلى موسى عليه السلام كما نحن جميعا نؤمن أن هذه الآيات هي مما أوحاها الله سبحانه وتعالى إلى رسوله وأنها من عند الله، لم يكن اليهود يضعون أصفاراً على بعض مفردات كتابهم وينكرونها. لا وإنما كانوا لا يهتدون بها ولا يسيرون على هديها فسميت تلك الحالة كفر ببعض وإيمان ببعض. لو نستعرض ربما نجد نسبة الكفر لدينا بكثير من كتاب الله ربما أكثر مما حصل عند بني إسرائيل فيما يتعلق بالتوراة، والقرآن الكريم هو أعظم بكثير من التوراة ؛لذا قال الله عنه بأنه مهيمن على كل الكتب السابقة،مهيمن عليها، هو يعتبر المرجع، ويعتبر الأساس، هو أوسع، و أشمل.

فعندما نكون نرى واقعنا على هذا النحو إن ذلك يعني أننا لا نهتدي بكتاب الله ،وحينها سنستحق كلما تحدثنا عنه سابقا بما فيه الخزي في الدنيا والعذاب في الآخرة، نسأل الله سبحانه وتعالى المخرج من حالة الخزي في الدنيا والعذاب العظيم في الآخرة.

كل لقاء نجتمع فيه ينبغي لطالب العلم - ينبغي لكل مسلم في المقدمة ناهيك عن طالب العلم ومن يحمل علماً- أن يكون ما نسمع عنه من أحداث هي محط اهتمام الجميع، فعلا قد يكون هناك اهتمام لكن إذا لم نرجع إلى القرآن الكريم فسوف نهتم ثم نرى الأجواء مقفلة ثم نعود إلى وضعيتنا السابقة ونقول: (ماذا نصنع؟).

نحن ننسى أن القرآن الكريم يهدي الناس بشكل عجيب، يهدي الناس لدرجة أنك تستطيع أن تقول: أنه ليس هناك أي مجالات مقفلة إطلاقاً أمام من يهتدون بالقرآن، ليس هناك مجالات مقفلة.

أحيانا نتحدث بأننا ضعاف، ننسى ما حكاه القرآن الكريم حول من يحملون شعوراً كهذا، ننسى أننا نمتلك طاقات هائلة وجبارة يكشفها لنا القرآن الكريم ..تتلخص في ماذا؟. هو أن هناك مسيرة معينة ،هناك أشياء معينة متى ما كنت عليها كان الله معك، متى ما كنا عليها كان الله معنا، ومتى كان الله معنا فهو من لا تستطيع أي قوة أخرى أن توقف إرادته.

وضرب الأمثلة الكثيرة في القرآن الكريم على ذلك {والله غالب على أمره }. ألم يذكر لنا قصة موسى وفرعون في القرآن الكريم بشكل يتكرر كثيراً في القرآن؟. لكننا قد نقول: (هذه القصة لا نجد فيها أحكاماً شرعية)، نحن نبحث فقط عن أحكام شرعية، هكذا علمنا أصول الفقه هو (أن مهمة العلم وطلب العلم هو البحث عن أحكام شرعية، هذه مجرد قصة لا أجد فيها حكما شرعيا إذاً هي ليست من الآيات الخمسمائة التي تدون كآيات يجب أن يطلع عليها المجتهد ليجتهد وأنا أريد أن اجتهد يهمني هذه الآيات ،وتلك آيات أخرى فيها عبر ودروس فقط).

أنسى أن فيها عبر ودروس متعلقة بواقعي، متعلقة بتربيتي، متعلقة بتهذيب نفسي، متعلقة بتعزيز ثقتي بالله، متعلقة بوضع رؤية صحيحة إلى الحياة، بوضع رؤية صحيحة إلى قدرة الله وإرادته النافذة التي تجعل كل المجالات لا يمكن أن تُقفل أمام من يسيرون على هديه.

عندما أخبِر فرعون بأن زوال ملكه -كما اخبر الكهان والمنجمون- أن زوال ملكه سيكون على يد غلام من بني إسرائيل اتجه إلى اتخاذ قرار بقتل من يولد من بني إسرائيل، بقتل الأطفال، ماذا حصل؟. الله سبحانه وتعالى اتجهت إرادته إلى أن يجعل فرعون هو من يربي ذلك الغلام الذي سيكون زوال ملكه على يديه.. لاحظوا يقتل أولئك الأطفال في تلك البيوت هناك وهناك ،ويربي الطفل الذي سيكون زوال ملكه على يديه ،في قصره يغذيه بأفضل التغذية، ويحوطه بأحسن رعاية.. لماذا؟. لأن الله غالب على أمره.

نحن من نقول: (نحن مستضعفون، نحن ضعاف، لاحظوا كيف أولئك). ننسى أن الله في القرآن الكريم عرض لنا أمثلة كثيرة على أن الله غالب على أمره، ارتبِط وثق بمن هو غالب على أمره، فإذا ما ارتبطت ووثقت بمن هو غالب على أمره، بمن لا يستطيع أحد أن يهدي إلى ما يهدي إليه.

نحن قلنا في كلام بالأمس مع بعض الإخوان أنه من الأشياء العجيبة أن الله سبحانه وتعالى -وهو يحدث الناس عن أعدائهم في مجال تأهيل المؤمنين لمواجهة أعدائهم- يخبرهم بأن أولئك الأعداء على هذا النحو {لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون} هل أحد يستطيع من ضباط المخابرات الأمريكية، أو أي مخابرات أي دولة مهما كانت تمتلك أدق الأجهزة، وأكبر الخبرات في هذا المجال، هل أحد منها يستطيع أن يرفع قرارا إلى البيت الأبيض بأنه في حالة مواجهة مع إيران، أو في حالة مواجهة مع طرف ما (فإنهم لن يضروكم إلا أذى، إن أولئك المسلمين لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون). هل أحد يستطيع؟. تقاريرهم كلها احتمالات ،نحاول أن نعمل كذا، ربما يحصل كذا، لكن الله هو من يقطع، لأنك ارتبطت بمن هو عالم الغيب والشهادة، بمن هو عليم بذات الصدور، بمن هو عالم بالإنسان بخصائص نفسه، بمن بيده ملك السموات والأرض، يهيئ ويغير، كل ما في السموات والأرض بيده، أنفس الناس بيده، هو من استطاع أن يملأ قلوب المشركين رعباً في بدر.. أليس كذلك؟. هل أحد يستطيع أن يرفع قرارا كهذا؟.

لكننا نحن متى ما جهلنا عظمة إلهنا، متى ما جهلنا ماذا يعني ملك الله ،أنه الملك، ماذا يعني أنه عالم الغيب والشهادة، متى ما جهلنا معاني أسمائه الحسنى حينئذ سنبقى ضعافاً.

فنحن نقول: إن أهم مصدر لمن يريد أن يعرف الله وأشرف العلوم الذي يجب أن تهتم به في مجال معرفة الله بالذات هو القرآن الكريم، اعرف الله سبحانه وتعالى من خلال القرآن الكريم، كتب علم الكلام لا تستطيع أبدا أن تصنع لك معرفة تربطك بالله بالشكل الذي يصنعه القرآن الكريم لا يمكن أبداً.

فنحن نسيء إلى أنفسنا إذا ما اعتقدنا بأننا سنهتدي بغير القرآن أكثر مما نهتدي بالقرآن الكريم. والرسول يقول في ذلك الحديث الطويل عن القرآن :((ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله)) وأنت تَنْشُد الهدى، وأنت تبحث عن الهدى، وأنت لا تعطي أولوية للقرآن الكريم في مجال أن تهدي نفسك، وأن تهدي الآخرين فإنك ستضل، وتضل الآخرين.

ولا يعني الضلال هنا هو أنك تدخلهم في معصيةٍ مَّا من المعاصي المعروفة، بل الضلال بمعناه العام في اللغة الذي يعني الضياع، ستضيع أنت وتضيع الآخرين معك.

ولهذا يقال (ما عرِف أن متكلماً خشع) لأن المعرفة التي تقدمها كتب (علم الكلام) محدودة جداً.

وهذا هو رأي الإمام القاسم بن محمد الذي نقله عنه مؤلف شرح الأساس الكبير الشرفي بعد أن حصل حديث وخلاف حول هل يصح الاستدلال على معرفة الله بالآيات القرآنية أم لا فاختلفوا بعضهم قال بالآيات المثيرة وبعضهم قال بها مطلقا، قال: (القرآن هو أهم مصدر لمعرفة الله ،ومن لم يقل بذلك أو أنكر ذلك فقد رد قول الله تعالى {هذا بلاغ للناس وليُنذروا به وليعلموا أنما هو إله واحد وليذكر أولوا الألباب}) أليست هذه غايات أربع مهمة؟ لا تستطيع أن تحصل عليها إلا من خلال القرآن الكريم؟ وإذا ما رأيت نفسك أنك حصلت على شيء منها بالاعتماد على مصادر أخرى فإنما هي نسبة ضئيلة ربما قد يترافق معها من السلبيات ما هو أكثر من الإيجابيات؛ لهذا نقول: إن من يعرف الله سبحانه وتعالى لا بد أن يكون على وضعية تختلف عما نحن عليه.

نرجع إلى موضوع موسى وفرعون، ما الذي حصل؟. نشأ موسى عليه السلام في قصر فرعون، تربى في قصر فرعون، وموسى عليه السلام عندما نشأ كيف كان ينظر إلى نفسه وينظر إلى الآخرين؟. -وفي هذا درس يجب أن يهتم به كل طالب علم، كل من يريد العلم- نبي الله موسى عليه السلام لم يقل: الحمد لله أنني هاهنا في هذا القصر آمن والآخرون يُقتلون، كان يهتم بأمر الآخرين، كان يهتم بشأن المستضعفين، كان لا يرى كل ذلك النعيم الذي هو فيه ،وذلك الأمن الذي هو فيه ،وذلك المقام الرفيع الذي هو فيه لا يراه شيئاً أبداً مقابل ما يرى من ظلم للمستضعفين ،مقابل ما يرى من جبروت فرعون، فعندما كان على هذا النحو ،لديه اهتمام بأمر الآخرين يهمه أمر الناس ،يهمه أمر المستضعفين من عباد الله قال الله عنه :{ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين} {وكذلك نجزي المحسنين} هذه العبارة تعنى أنها سُنَّة إلهية ،أنه يمنح الحكمة والعلم من توفرت فيه هذه الصفة فكان من المحسنين.

ما هو الإحسان؟. هل هو ما يقال: (أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك). هذه العبارة (تعبد الله) عبارة واسعة ومهمة ، لكن الإحسان في القرآن الكريم قد تناوله القرآن في عدة مواضع كلها يرتبط مفهوم الإحسان بالاهتمام بأمر الآخرين ،اهتمام بأمر الدين ،والدين مرتبط بالآخرين.

{ولما بلغ أشُده واستوى آتيناه حكماً وعلماً وكذلك نجزي المحسنين} حتى تعرف أنه محسن ،وتعرف أن الله منحه حكمة ومنحه علماً لاحظ كيف أنه عندما رأى رجلين يقتتلان أحدهما من الفئة المستضعفة في المجتمع والآخر من الفئة المستكبرة هاجم هو ذلك القِبْطِي الذي هو من الفئة المستكبرة من الفراعنة {فوكزه موسى فقضى عليه} ثم هل ندم على ما صنع؟. باعتبار أنه أضر بمصالحه ،وأنه عرض نفسه للخطر ،وأنه .. وأنه ..الخ ما الذي حصل لديه؟. قال فيما بعد -عندما رأى نفسه أنه اتخذ موقفا هو الذي ينبغي لمثله أن يتخذه، أنه وقف موقف حق- عدّها نعمة كبرى من نعم الله عليه {قال رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين} موقف عظيم، ليس موقف من يبحث عن المبررات، عن التبريرات الشرعية، عن حِيَل شرعية، عن وجه شرعي للقعود للجلوس، للسكوت عما يرى، لإغماض عينيه عما يناله الآخرون من الظلم والاضطهاد. لا.. ولم يندم على ما صنع بل عدّها نعمة كبرى عليه من الله أن اهتدى إلى أن يتخذ مواقف، مواقف حق {رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيراً للمجرمين}. أصبح وليا من أولياء الله ،وهو قبل النبوة ،قال هذه العبارة قبل النبوة، -متى جاءته النبوة؟. عندما عاد من الشام وهو في طريقه عائداً إلى مصر-{رب بما أنعمت عليّ فلن أكون ظهيرا للمجرمين} عندما اتجه بعد أن أخبره أولئك الناصحون له أن يخرج من المدينة خرج وهو غير نادم أيضا على أنه اقترف عملا أدى به إلى أن يُفوت عليه نعمة كبرى ،وإلى أن يؤدي به الحال إلى أن يخرج من المدينة، خرج منها وكله شوق إلى الله، وكله حب لله، وكله ثقة بالله سبحانه وتعالى. {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل} ولأنه يحمل النفس الكبيرة ،يهتم بالآخرين، ذكر الله عنه حادثة أخرى في الطريق {ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمّة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تَذُودان} أهمه أمر المرأتين يسأل لماذا؟. لماذا هن وأغنامهن بمعزل عن الآخرين؟. لم يقف هناك ويقول: أنا تاعب لا أستطيع أن أعمل شيئا، أو لا يتساءل عن حالة تلك الفتاتين، بل اهتم بالأمر وانطلق ليسألهما عن شأنهما {ما خطبكما}؟؟. هذا شأن من يهتم هو أن يسأل، من يهمه أمر الآخرين.. بعكس ما نحن عليه، نحن لا نسأل بل نحن لا نكاد أن نفهم ،ولا نُصغي لمن يذكرنا بأمر الآخرين، أما موسى عليه السلام فإنه من سأل، وهو تاعب {ما خطبكما؟. قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير} نحن لا نزاحم مع الآخرين، وليس هناك من يقوم بهذا العمل غيرنا. لم يقل: إذاً إمسكا طابوراً حتى يخرجوا ،أنا تاعب سأرتاح لا أستطيع أن أعمل لكن شيئاً، إمسكا طابوراً حتى ينتهي الرعاة من سقي مواشيهم. ذهب هو ليسقي لهما ؛لأنه يحمل روحاً كبيرة. (محسن ،محسن) هذه العبارة المهمة.

والإحسان دائرة واسعة، يدخل ضمنها الإيثار على النفس حتى أنه في مجال النكتة نتحدث عن هذا الموضوع قلنا لبعض الشباب ونحن نتحدث معهم لاحظ متى ما وجدت عندما تقدم المائدة لطلاب علم تقدم لهم لحماً مثلا تجد هناك من يحاول أن يَقْضِم أكثر ،يضعه في يده ويلتهمه فإن هذا لا يصلح أن يحمل علما، بل هذا لا يحصل على علم، ليس محسناً، يهمه أمر نفسه فقط، هذا ليس محسن، المحسن يهتم بالآخرين حتى في ابسط الأشياء.

وقف بديلا عن ذلك الإسرائيلي المستضعف ليقتل خصمه، أليست هذه قضية كبيرة؟. ووقف بديلا عن تلك الفتاتين ليسقي لهما، له نفس يتميز بها هي نفس الإنسان المحسن.

لما عاد إلى الظل ماذا قال؟. لم يتأوه أنه أين أصبحت؟ لا أمتلك شيئا وأنا من كنت في نعيم، وكنت في مقام رفيع، وكنت .. وكنت.. ماذا قال؟. يعبر عن ثقته بالله سبحانه وتعالى {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} هنا يعبر عن أنه في حالة لا يمتلك فيها شيئاً، لكنه ليس في حالة النادم ،هو في حالة المرتاح لما هو عليه باعتباره موقف صحيح وحالة من هو مرتبط بالله ،يعلم أن ما لدى مولاه هو أكثر مما فاته لدى الآخرين ، أن يرتبط بالله هو أفضل وخير له من أن يرتبط بفرعون ومقام فرعون ونعيم فرعون، وثقته العظيمة لا ترتبط بالشكليات أمام عينيه :هناك قصور هناك نعيم، ثقته بالله وإن كان في أمس الحاجة إلى أبسط الأشياء لا يتضعضع {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}.

لاحظ ،كيف انتهى ذلك المطاف الذي قد يكون عند الآخرين يعني الضياع والابتلاء والمصائب والمشاكل، فعلا أدى بموسى عليه السلام ذلك الموقف إلى هذه الحالة، لكنه ارتبط بمن لا يضيع أولياءه، ارتبط بالله الذي لا يضيع أولياءه، ألم يصل موسى عليه السلام إلى درجة الصفر؟. {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير} يبدأ المشوار التصاعدي الذي يبرهن على أن الله لا يضيع أولياءه من بعد تلك الحادثة {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء} أليس هذا بداية المشوار؟. أن يحصل على الرعاية {قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا} انطلق {فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف} أليس هذا أول نعمة؟. وأول ما حظي به لأنه وثق بالله؟. هل فكر عندما رأى نفسه لا يمتلك شيئا أن يعود من جديد إلى فرعون ويعتذر مما صنع؟. أم أنه كان في تلك الحالة عظيم الثقة بربه فلم يضيعه الله، فبدأ مشوار الرعاية الإلهية من هنا.

تحقق له الأمن {لاتخف نجوت من القوم الظالمين} ثم ماذا؟. زوجه بإحدى بناته، وبقي عنده فترة طويلة، ثم بعد ذلك يتوجه إلى مصر بأغنامه بمواشيه مع زوجته، ثم في الطريق حتى لا يعود إلى مصر إلا وهو في أعلى مقام يمنحه الله سبحانه وتعالى، خرج من المدينة خائفا يترقب أليس كذلك؟. إنساناً عادياً فليعد نبياً يهدد جبروت وملك ذلك الطاغية، فتأتيه النبوة في الطريق، لماذا لم تأته النبوة وهو في بيت شعيب؟، أو ينتظر الموضوع حتى يصل مصر؟. في الطريق ،مشوار تصاعدي نحو الكمال الإلهي والرعاية الإلهية ،مصاديق الرعاية الإلهية ،الدلائل العظيمة على أن الله لا يضيع أولياءه، تأتيه النبوة في الطريق فيدخل مصر وهو رسول لله، رسول لله واثق بالله، يرى أن غاية تلك الرسالة قد تكون في الأخير هو أن ينتهي ذلك الجبروت وذلك الظلم، خرج خائفاً فيعود إلى مصر فيدخل قصر فرعون ويطالب فرعون بتوحيد الله وعبادته، ويطالبه أيضا بتحرير بني إسرائيل {فأرسل معنا بني إسرائيل ولا تعذبهم}.

القضية التي أهمته في البداية هاهو يعود لتحقيقها والمطالبة بها وهو في أرقى مستوى، أليس الله معه هنا؟. }أن أرسل معي بني إسرائيل ولا تعذبهم{ تأتي مسيرة النبوة في مصر.. وماذا يحصل؟. في الأخير يحكي الله عن تلك المرحلة في تلك الآية العظيمة التي هي عبرة للناس جميعا {ونريد أن نَمُنَّ على الذين استُضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين ونُمَكِّن لهم في الأرض ونُرِي فرعون وهامان وجنودهما منهم ما كانوا يحذرون} يقول هذه قبل بداية القصة {وأوحينا إلى أم موسى أن أرضعيه} ثم تكلم عن القصة. ما الذي حصل؟. ألم ينته جبروت فرعون وهامان على يد موسى عليه السلام؟. ألم ير أولئك المستضعفون فرعون وقومه في أعماق البحر؟. هذه رعاية إلهية تكون لأوليائه ،ومثل يضربه الله للسائرين على هديه.

من الذي يحتاج إلى فهم الدروس داخل هذه القصة؟. من يبحث عن ما يسمى بحكم شرعي؟. ونحن أيضاً ننسى مثلا أن هناك واجبات شرعية علينا كطلاب علم كحملة علم أمام الآخرين ،ننسى أن نُصنِّفها ضمن قائمة الأحكام الشرعية.

القصة هذه يحتاجها كل إنسان يحمل اسم إيمان، يحمل اسم تقوى، يأخذ منها الدروس العظيمة التي تعزز ثقته بالله من حيث أن الله صادق في وعده لا يضيع أولياءه، ومن حيث أن الله قادر ،قاهر ،عالم ،جبار ،غالب على أمره.

وهكذا يأتي مثل آخر في نبي الله يوسف صلوات الله عليه ونفس الكلام {ولما بلغ أشده آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين} عندما تكون محسناً ،اللهُ سبحانه وتعالى يرزقك علماً، يرزقك حكمة، إذا لم تكن محسن فما لديك من العلم قد يكون وَبالاً عليك ووبالاً على المجتمع ..كيف؟.

عندما يبرز مثلا مجموعنا أو نصفنا علماء لكننا علماء لا نهتم بشيء سنكون وَبالاً على المجتمع لأن المجتمع نفسه قد يصل به الحال إلى أن يُظلم ،ويُضطهد ،ويضيع ،وتمسخ أخلاقه ،وتفسد معتقداته ونحن صامتون ..من المسئولية عليه؟. أليست المسئولية على من يحمل علما؟. أليس واقع ذلك المسكين في المدن أو في الأرياف عامة الناس من قد يضلون من حيث لا يشعرون، قد تفسد عقائدهم، قد تفسد أخلاقهم، يظلمون يضطهدون وأنت يا من تحمل علما وترتبط بكتاب الله ليس لك أي موقف أن تهدي الآخرين، أن تبين للآخرين، أن تتبنى مواقف فيها إحسان إلى أولئك الآخرين.. ألم يَعُد الله سبحانه وتعالى الجهاد إحسانا عظيما عندما قال: {والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سُبُلنا وإن الله لمع المحسنين} .. لماذا الجهاد إحسان؟. إحسان إلى من؟. أليس إحساناً إلى الأمة؟. أنت عندما تجاهد تجاهد من أجل من؟. في سبيل الله والمستضعفين، أنت عندما تجاهد إنك تقدم أفضل وأحسن خدمة للمجتمع، تنقذهم من الظلم، من الفساد، من الضياع، تنقذهم من شرور كثيرة جداً، أليس هذا هو من الإحسان؟. الله يعِد بالهداية للمحسنين.

أنت عندما تكون طالب علم هل تريد أن تهتدي وتهدي الآخرين؟. هل أنت تَنْشُد الهداية من الله؟. أم أنني أرى أن الهداية لها برنامج خاص لا يحتاج إلى أن أسلك هذه الطريقة التي سماها الله سبحانه وتعالى (إحساناً)، أنا لا احتاج إلى الله هناك طريقة معينة، الهداية كلها مرتبطة بالله، وقد كررنا هذا الكلام أكثر من مرة لأننا نحن طلاب العلم أحوج الناس إلى أن نعرف هذه القاعدة، (أن الهداية يجب أن تنشدها من الله مع قراءتك مع مطالعاتك، مع طلبك للعلم)، يجب أن تنشد الهداية من الله بأن تسلك أسبابها حتى تحصل على العلم، وتحصل على الحكمة، ومتى ما حصل الإنسان على العلم والحكمة، متى ما كان محسنا حينئذ قد يكون علمه هدى، قد يكون في علمه ما يهدي نفسه ويهدي الآخرين فيكون عنصرا خيرا، يعمل في سبيل الله، وفي سبيل المستضعفين من عباده.

إذا لم يكن لدينا هذا الشعور، -أنا أقول- إذا لم يكن لدينا هذا الشعور فلا ينبغي أن نطب العلم.. أنت تطلب العلم من أجل ماذا؟. لو سألنا أي واحد منا هل أنت تطلب العلم من أجل ماذا؟. هل من أجل أن تصبح عالما تحظى باحترام الآخرين فقط، تحظى بإجلال الآخرين فقط؟. أم أنك تريد أن تعرف ما ينبغي أن تعرفه من هدي الله سبحانه وتعالى، أطلب العلم أي أتعرف على دين الله الذي أهتدي به وأهدي الآخرين به، الذي أسير عليه في حياتي، وأعمل على أن يسير عليه الآخرون في حياتهم، أليس هذا هو ما يجب أن يكون هدف طالب العلم؟. إذا كنت تريد هذه الغاية فاسلك السبيل التي رسمها الله في القرآن الكريم.. لا تتصور أن كل شيء هو في الفنون الأخرى ،ليس كل شيء في الفنون الأخرى، بل ربما فيها ما يعيقك عن أشياء عظيمة مهمة داخل كتاب الله سبحانه وتعالى.

إذا كان -ولا سمح الله ونعوذ بالله- هدف الإنسان من وراء أن يطلب العلم هو أن يحظى بأن يقال له عالم، أن يحظى باحترام الآخرين وإجلالهم حينئذ سيكون هو من يعرض نفسه ويعرض المجتمع لمساءلات كثيرة جداً أمام الله سبحانه وتعالى يوم يلقاه، ويعرض نفسه والمجتمع لضياع في هذه الدنيا.. إذا كنا مثلا لا نفهم ونحن طلاب علم في مرحلة كهذه أن نتحقق المسألة نتحقق القضية حتى نرسم الغاية الصحيحة التي نرى فيها إنقاذ أنفسنا وإنقاذ المجتمع فلن نكون أكثر من نسخ متكررة لمن هم لا يقدمون ولا يؤخرون، بل لا يكادون يفهمون ما يدور حولهم.

الإنسان عليه أن يعتمد على الله سبحانه وتعالى، وعليه أن يفهم أن في هدى الله ما يجعل علمه واسعا، ما يجعل وعيه عاليا، ما يجعل فهمه ثاقبا، ما يجعل روحه قوية، ما يجعل نفسه قوية، ما يجعله جديرا بأن يسمى وليا من أولياء الله، الذي هو في واقعه أضعف من أولياء الشيطان، نفسيته أضعف، علمه أضعف، قدرته أضعف، وعيه أضعف،كيف يمكن أن يقال له ولي الله؟. كيف يصح أن يقال له ولي الله؟. بل كيف يصح أن ينسب إلى الله؟. فيقال أنه (عبد الله)، فيقال أنه (ولي الله)، وأنت في واقعك أدنى وعيا، وأدنى فهما، وأقل اهتماما من أولياء الشيطان.

أليس بنو إسرائيل؟. أليس اليهود وهم يعملون على إقامة دولة إسرائيل يقال عنهم أنه كان لديهم اهتمام كبير لدرجة أنه كان أي أسرة قبل أن تقدم على الطعام بعد أن تضع المائدة تقف الأسرة كلها من حول المائدة وكلهم يقسمون أولاً قبل أن يجلسوا على الطعام يقسمون بالله أن يعملوا جادين جاهدين على إقامة وطن لليهود، وعندما تحرك اليهود وتوافدوا من مناطق متعددة نحو فلسطين كان اليهود في مختلف بقاع الدنيا من أغنى رجل إلى أفقر رجل يتعاونون في دعم إسرائيل حتى قيل: أن اليهودي الذي يشرب الدخان ،كلما يخرج حبة ليشربها ينزع حبة ليضعها في علبة أخرى لدعم إسرائيل، ثم تُجمع كل تلك السجائر لتعلب من جديد وتصدر للبيع ثم عائداتها تسلم لدعم إسرائيل فتجتمع مئات الآلاف من الدولارات ومن مختلف العمولات لدعم إسرائيل. هذا الفقير الذي لا يمتلك إلا حبة دخان ،والتاجر يدعم بما يمتلك، يدعم بالملايين لهذا استطاعوا أن يكونوا على هذا النحو حملوا اهتمام موسى عليه السلام ونحن أولى بموسى منهم، ونحن أولى بمحمد نمتلك اهتمام محمد ولدينا القرآن الذي فيه ما يربيك على الاهتمام حتى في مجال التعاون.

ألسنا نقرأ تلك الآية التي يقول الله فيها: {الذين يَلْمِزُون المطوعين من المؤمنين في الصدقات والذين لا يجدون إلا جهدهم فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} لشدة اهتمام القرآن الكريم بتربية الناس على التعاون والبذل في سبيل الله حتى بأقل قليل لديهم، عندما جاء بعض الناس بصدقة قليلة ،قليل من التمر أو قليل من الحب سخر منه رجل آخر ،ما أثر سخرية ذلك من هذا المسكين الذي لم يُقدم إلا هذا المقدار ولا يمتلك أن يقدم إلا هذا المقدار البسيط؟. إذا سخرت مني عندما أقدم شيئا بسيطا فأنا من سأتحاشى أن لا أقدم شيئاً ،والعشرات من أمثالي كذلك فتَحول بسخريتك عن توفير مبلغ كبير من المال، أو كمية كبيرة من مواد عينية في مجال الإنفاق في سبيل الله والتعاون في سبيل الله سبحانه وتعالى ،لذلك لما كانت تلك السخرية هي أسلوب من قد تحول سخريته دون الكثير الكثير من التعاون من تعاون الفقراء -والتعاون قضية مهمة- سخر الله من أولئك وهددهم فقال {فيسخرون منهم سخر الله منهم ولهم عذاب أليم} فرباناالقرآن الكريم على الاهتمام ورسول الله كان يحمل روحا عالية ، كان لديه اهتمام كبير بأمر الدين، بأمر الناس، يحمل روحا تشعر بمسئولية عالية. نبي الله موسى عليه السلام كذلك.

لكنا وجدنا أن الواقع في هذا العصر أن اليهود كانوا أكثر اهتماما منا، أكثر اهتماما من المسلمين، أكثر اهتماما من العرب، أكثر اهتماما منا نحن الشيعة، أكثر اهتماما من آل محمد أنفسهم في هذا البلد، وهذا من العيب أيضا ومن العار على آل محمد بالذات وشيعتهم أيضا أن يكون اليهود أكثر اهتماما بقضاياهم، أكثر تعاونا فيما بينهم، أكثر جداً ومثابرة على تحقيق ما يريدون تحقيقه، وهم طائفة مكروهة في كل المجتمعات فرضوا أنفسهم على كل المجتمعات، وهيمنوا على المجتمعات وهم طائفة مكروهة، يكرهها الجميع، هل نحن نتعاون في سبيل الله؟. بل هل لدينا اهتمام أولاً بشيء مرتبط بإعلاء دين الله حتى نتعاون فيه؟. ليس لدينا قضية معينة، ليس لدينا اهتمام بقضية أنه يجب أن نسعى حتى ينتشر دين الله أن تكون كلمة الله هي العليا، أن نقف في وجه المفسدين، أن نقف في وجه اليهود، أن نقف في وجه النصارى، هل لدينا هذا الاهتمام ؟. قد لا يكون لدينا هذا الاهتمام وبالتالي من الذي سيحركه اهتمام مفقود حتى يدفع شيئاً؟. إذا لم تكن تهتم بشيء لن تقدم شيئاً.

نحن لو جئنا نعمل مقارنة بين ما نقدمه للدين وبين ما نقدمه في سبيل شراء الدخان مثلا سنرى في الأخير أن الإسلام لا يساوي اهتمامنا به اهتمامنا بالتدخين هذا الذي يطير في الجو ولا نستفيد منه شيئا. تصور كم يدخن الناس، وتصور كم سيجمع اليهود من حبات دخان لدعم إسرائيل، سيطلع منها الكثير الكثير لأنهم يفهمون أهمية ما يقدمون سواء ما يقدمونه من أموالهم أو ما يقدمونه بشكل مواقف، أو ما يسطرونه بأقلامهم، يعرفون أهمية كل شيء يخدم قضيتهم.. بينما نحن يبدو لم نعرف شيئا.

الشعار مثلاً عندما نرفع شعار: الله أكبر ، الموت لأمريكا ، الموت لإسرائيل ، اللعنة على اليهود ، النصر للإسلام.

قد يقول البعض أو يتصور ماذا يعمل هذا الشعار؟. اليهودي كان يرى أن حبة الدخان ستقيم دولة، أليس هذا وعياً عالياً؟.

اليهود في إسرائيل عندما تأتي انتخابات هل يبحثون عن الرجل القوي؟. أو يبحثون عن الضعيف الذي لا يثير مشاكل؟. يبحثون عن الرجل القوي في وجه العرب، في عدة انتخابات ألم يبحثوا عن القوي ثم الأقوى ثم الأقوى؟. لديهم وفي تاريخهم في مواجهة العرب حتى وصلوا إلى شارون؟. بينما نحن نتهرب من الدعوة إلى شيء فيه قوة لنا وفيه عزة لنا، وهذا يريد مشاكل إحذروه.

في خطته القيادية في حركته السياسية، في ثقته القوية بالله سبحانه وتعالى،وماذا صنع العرب؟. وقفوا ضده ألم يقفوا ضده؟. ألم يقف اليمن نفسه ضد إيران؟ ألم يرسل كتيبة من الجيش لتحارب الثورة الإسلامية في عصر الإمام الخميني؟. ألم يحارب العرب كلهم ذلك الرجل الذي كان أشد شخص على إسرائيل؟.لأن العرب لا يحملون قضية ليس لديهم اهتمام فلم يكن ذلك الرجل بالشكل الذي يجعلهم ينشدون إليه، وهم يعلمون أنه قوي ضد إسرائيل ومنطقه ضد إسرائيل منذ أول عمل بدأه من يتتبع أقوال الإمام الخميني من قبل انتصار الثورة الإسلامية بكثير كان دائما يتكلم عن إسرائيل، ودائما يحذر من إسرائيل، ودائما ينبه على الطريقة الصحيحة للتخلص من إسرائيل، وفي سبيل مواجهتها. لكن العرب بدلا من أن يقفوا موقفه وأن يقفوا تحت لوائه وقفوا ضده، بينما اليهود هناك يبحثون عن أشد شخصية ليقفوا وراءها. يأتي في هذا الزمن مثلا كالسيد حسن نصر الله كحزب الله ونصر الله باعتباره شخص مهم ورجل قوي ولديه حنكة قيادية عالية، هل تسمع وسائل الإعلام العربي تتحدث عن حزب الله؟. أو تسمع وسائل الإعلام العربي تتحدث أو تعرض كلام نصر الله؟. يهربون من الرجل القوي بينما اليهود أولئك يبحثون عن الرجل القوي، كيف النتيجة الطبيعية لهذا؟. هو أن يكون هؤلاء ضعافا بضعف زعمائهم ضعافا بضعف نفوسهم، ضعافا لأنهم لا يحملون أي اهتمام بشيء، كيف يمكن أن تكون قويا وأنت تحمل نفسا ضعيفة لا تهتم بشيء؟. وسيضل اليهود هم الأعلون فوقهم، أليس شارون هو أشد شخص في تاريخ مواجهة إسرائيل للعرب؟. -كما يعتبرونه- من أشد الشخصيات ،ومن أكثر الزعماء الإسرائيليين إجراما ضد العرب، انتخبوه بعد أن رأوا الذين قبله لم يكونوا بالشكل المطلوب.

زعماء العرب قد يكونون مقبلون على مؤتمر، مؤتمر يقدمون فيه بنفوس ضعيفة ،يدخلون إلى صالات المؤتمر بنفوس ضعيفة، الآن مؤشرات ما سيحصل في ذلك المؤتمر هو: بحث عن التسوية في الوقت الذي ليس مناسبا الحديث عنها على الإطلاق، بعد أن حصلت هجمات من جانب الفلسطينيين قوية وأصبح الرعب ينتشر في أوساط المحتلين الإسرائيليين ، الآن يسارع زعماء العرب ليبحثوا عن تسوية تخلص إسرائيل من هذه المشكلة.

نحن نحمل نفس الشعور ،لاحظ ما نلوم الآخرين عليه، ما نراه سيئا في زعماء العرب، هو نفسه الشعور الذي نمتلكه، عندما نسمع أن أمريكيين دخلوا اليمن وسيدخلون اليمن بأعداد كبيرة.. هل يهمنا هذا؟. أم سترى أن مواقف زعماء العرب هي مواقفنا سيكون السكوت هو الحكمة، وسيكون الاهتمام بقضايا أخرى هو الحكمة ،وأن ننصرف عن هذا الموضوع أن لا نفكر في هذا الموضوع.

طالب العلم إذا لم يفكر في قضايا كهذه فإن كان لا يفهم أن في ذلك إفساداً لعباد الله، وأن في ذلك حرباً لدين الله فهذا هو أجهل الجهل، من الذي يجهل منا أن كل أعمال أمريكا وإسرائيل هي إفساد للدين وإفساد للمسلمين، وحرب للدين وحرب للمسلمين؟. ألسنا نعلم ذلك؟. ألم يقل الله عن اليهود: {ويسعون في الأرض فسادا} أنت عندما تكون طالب علم وأنت لا يهمك ولا يؤلمك أن ترى المفسدين في الأرض يتحركون ،أن ترى الإسلام يُحارب، أن ترى المسلمين يُحاربون هل يصح أن يقال لك طالب علم؟. هل يصح أن تحصل على ذرة من التقدير والاحترام ؟.

إذا كنت تحمل علماً فإن هذا من بديهيات المسئوليات على طالب العلم، وعلى من يحمل علما أن يهتم بأمر الدين الذي يتعلمه والذي يحمله، إلا إذا كان العلم هو شيء لا علاقة له بما هو حرب للدين، وبما هو إفساد للمسلمين.

هل طلب العلم يعني شيئا آخر؟.كيف أتصور نفسي طالب علم للدين وإذا بي أرى أن علم الدين هنا لا علاقة له بما يحصل على الدين وعلى من ينتمون إلى هذا الدين، أليس الناس يتعرضون لفساد أخلاقي، لفساد ثقافي، لفساد اجتماعي، لفساد أيضا سياسي كل الفساد بكل أنواعه كله يأتي من قِبَل اليهود والنصارى بشكل لا يستطيع الإنسان أن يلمس كل جوانبه في كل المجالات ، إفساد في الجانب الأخلاقي، في الجانب الثقافي، في الجانب الاقتصادي، في الجانب السياسي، ونحن نطلب علما، ونحن لم نصل بعد في وعينا إلى فهم ما يعمله الآخر من إفساد للدين، ومن إفساد للمسلمين ،حينئذ لا يصح إطلاقا أن يحظى الإنسان بأي احترام.

أقول لأولئك الذين يطلبون العلم ليروا أنفسهم في يوم من الأيام علماء أننا في مرحلة لا يجوز أن نتحاشى فيها من شيء حتى أن نلوم أي عالم... يجب على الإنسان أن يكون ممن يخشى الله ولا يخشى سواه، وأن يكون ممن يرغب في الله ولا يرغب في سواه، فإذا كنت عالما وكنت أنت عالما أو كنا طلاب علم وكنا نخاف من غير الله، وكنا نرغب في غير الله، ونبحث عن المخارج عن المبررات التي تبعدنا عما يجب علينا ،وعن المسئولية التي فرضها الله سبحانه وتعالى علينا كحملة علم إذا كنا على هذا النحو فإنه لا يصح بحال أن نكون ممن يرجون أن يكونوا من أولياء الله.

كيف قال الله عن أوليائه {ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون . الذين آمنوا وكانوا يتقون . لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة} أولياء الله سبحانه وتعالى ذكر مواصفاتهم قوله {والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض} كلمة (ولي الله) هو من يحقق التقوى في نفسه، هو من يحقق الإيمان في واقعه، هو من يصح أن يكون مؤمنا، من يسمى مؤمنا، من يسمى متقيا، هذا هو ولي الله، أما إذا كان الشخص الذي يبحث عن مبررات، وعن مخارج فيضيع نفسه ويميت القرآن الكريم، ويجهل الناس، ويميت الحياة بكلها وواقع الناس فلا يصح أن يكون وليا لله.

أن يعمل جاهدا على أن يحيي كتاب الله، على أن ينقذ عباد الله، على أن يواجه بشدة أعداء الله، يجب علينا أن نحمل هذا الشعور أيها الاخوة، يجب علينا أن يكون هذا هو همنا، ونرجع إلى الله سبحانه وتعالى ، ونتوب إليه.

أنا أشعر من خلال تأملي للقرآن الكريم ومن خلال تأملي للواقع -وقد أكون مخطئا عند الكثير- أن الزيدية تعيش حالة من الذلة أسوء من التي ضربت على بني إسرائيل علماؤنا وطلاب علمنا ومجتمعنا كله، نعيش في حالة من المسكنة والذلة أشد مما ضربها الله سبحانه وتعالى على بني إسرائيل ؛لأننا أضعنا المسئولية، ومن أعظم المسئولية التي نضيعها هو أننا ونحن نطلب العلم ونحن نحمل علما لا نعمل على إحياء كتاب الله ،ونتشبث بأشياء هي مما يضلنا ويبعدنا عن كتاب الله، نتشبث بعلوم هي مما يضلنا ويبعدنا عن هدي الله وعن حيوية كتابه كلها قد تطلعك في الأخير بالشكل الذي لا يعرف الله معرفة قوية ،وتطلع بها عالما تبحث عن المبررات عن الحِيَل فتعيش عمرك لا تقدم للإسلام خدمة ،فتعيش عمرك لا تقدم للإسلام أي شيء ،اللهم إلا أن أراك متدينا فأنت حينئذ تقدم الدين على أنه تلك السلوكيات المعينة ،فتكون أنت من يرسخ نظرة هي في واقعها إيمان ببعض القرآن وكفر ببعض ،إذا كنت أظهر نفسي مهتما بجوانب معينة ،وأصور للمجتمع أن من كان على هذا النحو هو ولي الله ،وهو العابد ،وهو الولي ،وهو التقي ،والأشياء المهمة في الدين بما فيها الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ووحدة الكلمة لا أهتم بها ،هل الزيدية كلمتهم واحدة؟ علماؤهم متعلموهم مجتمعهم هل كلمتهم واحدة؟.لا. حتى طلاب المنتدى حتى العاملون في المنتدى ليسوا متوحدين، هل يستطيع الإنسان أن يحرك طلاب المنتدى والعاملين فيه أن يخرجوا في يوم واحد مثلا للمظاهرة؟. أو أن يرفعوا شعارا في يوم واحد؟. أو أن يتخذوا موقفا معينا؟. لا كلهم مربون تربية واحدة على أن كل شخص لـه قناعاته وله وجهة نظره، ولا بد أن كذا ،ولا بد أن يقتنع ،ولا بد أن يتأمل ولا بد أن يعرف ولا أحد يرتبط بأحد.

نحن مفرقون واليهود يجتمعون ،ونحن نتفرق وبين أيدينا القرآن الكريم الذي فيه الوسائل المهمة التي هيأها الله لتؤلف بين الناس لتوحد كلمتهم، واليهود توحدوا في مواجهتنا على الرغم من أن الله قد ألقى بينهم العداوة والبغضاء ..أليس كذلك؟. ثم تمر السنين ونحن لا نضع حدا لهذه الحالة، نقول نحن تفرقنا خلال الثلاثين سنة الماضية إذاً فلنتوحد، نحن كلنا مصرون على أن نسير على هذا الروتين الممل في هذه الحياة، نسير على هذه المسيرة ،لم نلتفت إلى أنفسنا لفتة جادة أن نتوحد فيما بيننا ،ثم لا نلتفت إلى أنفسنا ونحن نرى أنفسنا في أحط مستوى مقارنة بما عليه بنو إسرائيل لا نلتفت إلى ما بين أيدينا ربما هناك خلل في ثقافتنا، ربما هناك خلل في نظرتنا للحياة.

أنا شخصيا أعتقد أن من أسوء ما ضربنا وأبعدنا عن كتاب الله وأبعدنا عن دين الله ،وعن النظرة الصحيحة للحياة وللدين ،وأبعدنا عن الله سبحانه وتعالى هو (علم أصول الفقه).

بصراحة أقولها أن (فن أصول الفقه) هو من أسوء الفنون وأن (علم الكلام) الذي جاء به المعتزلة هو من أسوء الأسباب التي أدت بنا إلى هذا الواقع السيئ ،أبعدتنا عن الله، أبعدتنا عن رسوله، عن أنبيائه.

ألم يُقدم الأنبياء في (فن علم الكلام) عند من يقرأ المقدمات المنطقية التي جاء بها المعتزلة في الاستدلال ألم تصبح تنظر إلى الأنبياء في منطقهم -الذي عرضه القرآن الكريم- منطق مرشدين مساكين موعظين، ألم يقل أولئك وهم يتناقشون (هل يصح الاستدلال بالقرآن الكريم في مجال معرفة الله أم لا ؟. طائفة تتناقش أو يحصل بينها خلاف حول هذه النقطة فترى الكثير منهم يقولون: لا ...

أليس كلنا يعتقد أن هذا يؤدي إلى الدور؟. يقولون لنا: الاستدلال بالقرآن الكريم على معرفة الله يستلزمها الدور ،ولاً يجب أن تعرف الله بطرق منطقية عقلية مقدمات عقلية هناك ثم متى عرفت الله ؛لأن صحة القرآن متوقفة على معرفة الله هكذا يقولون؟. فيبدو هذا الاستدلال منطقياً. هو استدلال مغلوط من أساسه ، فيبدو الأنبياء في القرآن الكريم في منطقهم وهم يتحدثون مع أممهم ،وهم يتحركون في إبلاغ رسالات الله في أوساط أممهم يبدون أناسا لا حكمة لديهم ولا حنكة ويبدون أناسا مجرد مرشدين وموعظين كما نقول. فنحن من لا نعرف أنبياء الله، ونحن من لا نعرف كتاب الله بالشكل المطلوب، بصراحة أقول هذه: أن الزيدية لا يُتوقع أن تنهض إلا إذا ما نظرنا نظرة موضوعية لنصحح ثقافتنا، فما كان قد وصل إلينا عن طريق السنية ،وما كان في الواقع هو من تراث السنية ،أصول الفقه هو سني ،ليس صحيحاً أنه من علم أهل البيت، دخل إلى أهل البيت، ودخل إلى الزيدية وتلقفوه.

علم الكلام جاء من عند المعتزلة، والمعتزلة سنية، (كتب الترغيب والترهيب) كثير منها ومنطق الترغيب والترهيب كثير منه من عند السنية، هذه علوم جاءتنا من عند فئة ضالة فأضلتنا أضلتنا فعلا، ونحن نشهد على أنفسنا بالضلال، هل نستطيع أن نشهد على واقعنا أنه واقع صحيح؟. وعلى أننا بالشكل المطلوب في أننا نؤدي ما أوجب الله علينا وما طلب منا وما يريد منا؟. لا . ما لسبب في ذلك؟. هل أن الدنيا هكذا؟. أم أن ثقافتنا فيها أخطاء؟. ثقافتنا فيها أخطاء ولو اُتَيح لنا في المستقبل أن ندرس كتابا في علم الكلام، وندرس كتابا في (أصول الفقه) لنبهناكم على الكثير الكثير من الأخطاء التي أثرت تأثيراً سيئاً علينا ،أبعدتنا عن القرآن، عن الاهتداء بالقرآن.

فإذا كنا لا نزال نتشبث بهذين الفنين فسنطلع ولو طلع فينا آلاف العلماء كل واحد منهم سيتحرك لحاله لا تجتمع لنا كلمة، ولا تتوحد لنا نظرة، ولا موقف، ولا صف، ولا شيء، ونظل غثاء كغثاء السيل.

لماذا كان في الماضي واحد من أهل البيت يحرك أمة بأكملها؟. عندما كانوا يتحركون بروحية القرآن ،لكننا الآن مجاميع لا نحرك شيئا، مجاميع لا نصنع شيئا، مجاميع لا نعمل شيئا، مجاميع قد نكون في يوم من الأيام لقمة سائغة لليهود، قد نتعرض لأسوء المواقف وأخطر الحالات من جانب اليهود ،ونحن لا نستطيع أن نصنع شيئا.

أختم كلمتي هذه بالتنبيه على أنه يجب أن يكون غايتنا كطلاب علم هي قول الله تعالى: {الذين يبلغون رسالات الله ويخشونه ولا يخشون أحدا إلا الله}. وأن تكون مسيرتنا ونحن نطلب العلم هي مسيرة أولئك الذين قال عنهم: {ولما بلغ أشده واستوى آتيناه حكما وعلما وكذلك نجزي المحسنين}.

وأن نعتمد على القرآن الكريم اعتمادا كبيرا نتأمله نتدبر آياته حتى نستطيع أن ننقذ أنفسنا، حتى نستطيع أن نحظى برضوان الله سبحانه وتعالى فيرضى عنا.

وأن نتوب إلى الله من هذا الواقع الذي نحن فيه، في أكثر من مجلس أطلب من الناس جميعا ومن نفسي أن نتوب إلى الله ،وقد يكون البعض يستغربها ،أنا أستطيع أن أقسم -على حسب ما أفهم من القرآن الكريم - أننا في حالة خزي في الدنيا وأن المتوقع هو العذاب العظيم في الآخرة. من خلال القرآن الكريم أن الحالة التي نحن عليها هي خزي في الدنيا وضياع لكتاب الله ولا يتوقع بعدها إلا عذاب في الآخرة. ما أدري إذا كان هنا أحد يرى أن هناك مبررات لنفسه ، من الذي يستطيع أن يصنع مبررات لنفسه؟. لا أحد يستطيع . أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا إلى ما فيه رضاه ،ونقول {ربنا أفرغ علينا صبرا وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين}، ونسأله الهداية سبحانه وتعالى أن يهدينا سواء السبيل، وأن يرزقنا ذلك النور الذي قال عنه: {قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام} وأسأله أن يرزقنا العلم العلم به سبحانه وتعالى فنعرفه معرفة كافية ،العلم بعظمة كتابه بعظمة رسوله، بعظمة دينه، بعظمة المسئولية الملقاة على كواهلنا إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

-الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل /اللعنة على اليهود /النصر للإسلام-

تم الصف والإخراج بمكتبة الوحدة
أسماء الشهداء
أسماء المعتقلين
صور تعرض لأول مرة عن دمار ومجازر صعدة
رسائل و مقابلات وغير ذلك
أرجو أن يتم نشر الموقع على أكبر نطاق :

http://www.alyamen.net/

صاحب فخ
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 56
اشترك في: الخميس إبريل 27, 2006 12:07 pm
مكان: اليمن
اتصال:

مشاركة بواسطة صاحب فخ »

شكرا اخي على وضعك المحاضره وننتظر المزيد
والسيد حسين لم يصبح شهيد بعد صدقوني
مازال حيا يرزق
لي خمسة اطفئ بهم نار الجحيم الحاطمه
المصطفى والمرتضى وابنيهما والفاطمه

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

أحسن الله إليكم اخي الفاضل ....
إخواني الكرام المشرفين والمشتركين أرجوا منكم وضع جميع محاضرات السيد / حسين بن بدر الدين في أحد المواضيع الثابتة من مواضيع المجلس الروحي لأهميتها !
حتى وإن لم تكن المحاضرات كاملة فسيتم إضافتها كل على حسب قدرته ومجهوده !!
كتب الله أجر الجميع ...آمين

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“