رسالة محمد المقالج الى رئيس اليمن عن أسرار حرب صعدة

أضف رد جديد
ابو مراد
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 9
اشترك في: الثلاثاء أكتوبر 13, 2009 8:26 pm

رسالة محمد المقالج الى رئيس اليمن عن أسرار حرب صعدة

مشاركة بواسطة ابو مراد »

في رسالة لم تنشر كتبها من سجن الاحتياط إبان حرب صعدة الخامسة:
محمد المقالح يخاطب الرئيس :تداعيات حروب صعدة الخطيرة على مستقبل البلاد فرضت علي أن أتنازل عن شيء من كبريائي الشخصي وان أخاطبكم بلغة لم اعتد عليها


اثناء الحرب الخامسة عام 2008م وابان وجودي في سجن الاحتياط متهما بتهمة اهانة القاضي محسن علوان في احدى جلسات محاكمة الزميل عبد الكريم الخيواني واخرين فيما عرف بخلية صنعاء الثانية قررت ان اكتب رسالة الى رئيس الجمهورية ابين فيها طبيعة حروب صعدة ومخاطرها وضرورة وقفها لما لها من نتائج وخيمة على امن واستقرار البلاد وبالفعل بدأت بكتابة الرسالة وكدت ان استكملها في السجن وابعثها الى الرئس من هناك ولكن حدث ان افرج عني بحكم قضائي جائر وما هي الا ايام وتوقفت حرب صعدة الخامسة بقرار من الرئيس في 17يوليو 2008م وبالتالي لم يكن هنالك حاجة لإرسال الرسالة رغم إنني اكملتها وطبعتها بعد خروجي مباشرة من السجن .
واليوم وبعد تجدد الحرب في صعدة واماكن اخرى من اليمن وفي لحظة تزهق فيها الارواح وتسيل فيها الدماء الزكية لمئات اليمنيين من طرفي القتال وممن لا علاقة لهم بهما ،قررت نشرالرسالة بدلا من ارسالها عبر البريد الى الاخ الرئيس لشعوري المتعاظم اليوم ان المسالة لم تعد في ان الرئيس بحاجة الى من يبين له مخاطر حرب صعدة في رسالة من هذا النوع بقدر ما هو بحاجة الى قول الحقيقة كما هي حتى ولو كانت مرة ومن يدري فقد يستفيد الأخ الرئيس ومن بيدهم قرار الحرب والسلم في البلاد من الافكار والاراء التي لا أزال اعتقد بصحتها وبإمكانية انطباق معانيها ودلالاتها على الحرب الجارية الآن ، مع ملاحظة انني لم اتدخل في تعديل هذه الرسالة منذ ان اكملت كتابتها قبل سنة تقريبا وعلى وجه التحديد نهاية يونيو2008م (محمد محمد المقالح )

نص الرسالة
بسم الله الرحمن الرحيم

الأخ رئيس الجمهورية المشير علي عبد الله صالح المحترم

تحية تقدير واحترام وبعد

إن الأوضاع الخطيرة والمأساوية التي تعيشها بلادنا الحبيبة اليمن في ظل استمرار الحرب في صعدة وأماكن أخرى من البلاد، وما خلفته وتخلفه ،من مئات القتلى، وآلاف الجرحى، وعشرات الآلاف من النازحين والمشردين والمحاصرين ، والمعطلة مصالحهم ومعاشاتهم ،ومن دمار رهيب طال القرى والمدن والمزارع والمنشئات العامة والخاصة، وما خلقته وتخلقه هذه الحرب كل يوم من تعميق للجرح الوطني ،وتمزيق لنسيج المجتمع، ومن إعلاء لشان الموت والقتل ،والجماعات المسلحة ،والإرهابية ،وأمراء الحرب على حساب مكانة الدولة والنظام الديمقراطي ومكانة المؤسسات الوطنية المختلفة وعلى رأسها مؤسسات الرئاسة والحكومة والبرلمان والسلطات المحلية ومؤسستي الجيش والأمن الوطني وغيرها، والأخطر من كل ذلك هو أن هذه الحرب المجنونة تتجه يوما بعد يوم،وبسبب ما تفرضه طبيعتها وطبيعة أطرافها،وتطوراتها على المستوى الميداني والإنساني والأخلاقي إلى أن تنحو منحى الحروب ذات الطبيعة الأهلية والمذهبية بدلا من أن تكون حرب بين الدولة والخارجين عليها كما يفترض أو كما هو مطروح إعلاميا وسياسيا الأمر الذي يجعلها حرب لا نهاية لماسيها ولا تحركها سوى غريزة الثار والانتقام ..حرب من اجل الحرب والقتل والتدمير، وكلما أوغلنا فيها أكثر، كلما ارتكبنا فيها جرائم اكبر حتى نغرق ونغرق بلادنا ومجتمعنا فيها وفي دمائها وآلامها وأحزانها العميقة،...،..الخ
...هذه وغيرها من تداعيات ونتائج الحرب الخطيرة في صعدة وأماكن أخرى من البلاد، هي التي فرضت علي كمواطن يمني بسيط ولكن يحب بلده ويخاف عليها بأن أتنازل عن شيء من كبريائي الشخصية كمعارض لسياستكم وان أتوجه إليكم كرئيس للجمهورية اليمنية وكمواطن يمني، يحب بلده ويخاف عليها، ومسئول عنها أيضا،.... أتوجه إليكم بهذه الرسالة الخاصة وغير المخصصة للنشر .... أخاطبكم فيها بلغة لم اعتد عليها من قبل اقصد أخاطبكم مناشدا وناصحا وراجيا ومتوسلا وبكل صدق وإخلاص ووضوح أن تبادر يا سيادة الرئيس إلى إيقاف هذه الحرب العبثية فورا ،وأن تعود وبأسرع وقت ممكن إلى الحل السلمي لمشكلة صعدة، على أساس من اتفاقية الدوحة نوفمبر2008م وإعلان دول الاتحاد الأوربي مايو 2008م ليس باعتبار اتفاقية الدوحة هي جزء أصيل من انجازاتكم الوطنية -جاءت لتصحيح خطأ كبير- رغم كل ما قاله ويقوله عنها مصاصي الدماء ودعاة الحرب والجريمة بقصد إضعافها في وعيكم وفي وعي الناس ،بل ولان طرفي الحرب لا يزالان متمسكان بها وببنودها المختلفة من ناحية، وباعتبار أن هذه الاتفاقية وهذا الإعلان وبقية التصايح والتنبيهات المحلية والإقليمية والدولية الداعية إلى وقف الحرب ومعالجة أثارها والإمساك بأسبابها وجذورها – من ناحية أخرى -هي صوت العقل والحكمة التي نحتاجها جميعا وتحتاجها بلادنا اليوم وقبل فوات الأوان. .

حيثيات الرسالة ودوافعها وأهدافها

الأخ الرئيس لقد ولدت فكرة هذه الرسالة في راسي وعلى الورق ،وأنا في حبس الاحتياط وحين كانت الأخبار التي تصلني من الصحف ومن أحاديث الناس عن تداعيات وتطورات الحرب على الميدان وفي وعي ووجدان اليمنيين ، تخلق في نفسي مشاعر مضطربة من الحزن والقهر والشعور بالعجز وعدم القدرة على عمل أي شيء لإيقاف هذا الدمار من ناحية، ومشاعر القلق والخوف من إمكانية استمرار الحرب وانغماس الجميع فيها وفي جرائمها دون أن يسال احدنا لماذاّ؟ والى أين!؟ من ناحية أخرى
لقد كان أكثر ما يقلقني ويثير في نفسي مشاعر الخوف على نفسي وأهلي وبلدي هو هذا الصمت المرعب من قبل الأحزاب والشخصيات الوطنية والاجتماعية التي تتعامل مع الحرب وتطوراتها الخطيرة وكأنها لا تعنيها بل إن كثير من الآراء والمواقف والتصرفات كانت توحي لي، وكأن الجميع (سلطة ومعارضة ومجتمع مدني)متواطئون ضد أنفسهم ويتنافسون في تدمير بلدهم ... وكنت ولا أزال أتساءل حائرا، "...الم يعد فينا نحن اليمنيون من رجل رشيد" ألا يوجد من يسعى مخلصا لدى الرئيس ولدى الحوثيين ولدى غيرهما من الأطراف المعنية في الدولة والمجتمع لإيقاف هذه الكارثة،التي تتدحرج فوق رؤوسنا و أكاد شخصيا،أن اصطدم بها والمسها بأصابعي الخمس !؟
وأمام هذا كله وبعد تردد طويل وتفكير عميق قررت أن أقوم بواجبي أنا كمواطن فرد تجاه هذه الحرب بدلا من البقاء منتظرا وحائرا لما يجب أن يقوم به الآخرون ،وقد رأيت أن الرسالة الخاصة وغير المخصصة للنشر هي الأنسب في مثل هذه الحالات ومن يدري فقد تكون الأقرب إلى القلب والوجدان الإنساني ، وكانت الفكرة أن ابعث بثلاث رسائل أحدها إلى الأخ رئيس الجمهورية والثانية لعبد الملك الحوثي والثالثة لأحزاب اللقاء المشترك، وفي كل واحدة منها اشرح موقفي من الحرب أولا ،وما اعتقده مسؤولية كل طرف من هذه الأطراف الثلاثة في الحرب أو في استمرارها على الأقل ثانيا، وبالنسبة للرسالة الخاصة برئيس الجمهورية فقد انطلقت فيها على أساس من العوامل والأسباب التالية :-

أولا مسئولية الرئيس وامتلاكه لقرار الحرب والسلام

- يعود السبب الأول لتوجهي بهذه الرسالة (النداء) هو اعتقادي بأن قرار الحرب والسلم في صعدة وفي غيرها من مناطق اليمن الحبيب لا يزال بيد رئيس الجمهورية ولا يزال وحدة المسئول عنها،والقادر على اتخاذ قرار سلمها الشجاع ، هذا هو رأيي وهذه هي قناعتي اليقينية في الرئيس وفي امتلاكه لقرار الحرب والسلم في صعدة ،...أقول هذا رغم أنني اعرف أيضا بان هذه الحرب القذرة قد خلفت جروحا وآلاما عميقة لدى الرئيس ولدى أركان قيادته مثل ما هوى الحال لدى بقية الأطراف ولدى المجتمع أيضا،ولكن هذا بالنسبة لي عامل إضافي يؤكد أهمية الرسالة على اعتبار أن استمرار الحرب لا يشفي الجراح أو يخفف الآلام بل يعمقها ويجعلها اقرب إلى المأساة الإنسانية منها إلى الحزن أو الألم الشخصي .
ومع التسليم بوجود تباينات داخل السلطة حول ضرورة استمرار الحرب من عدمه ،إلا أنني اعتبرها طبيعية من ناحية، وان كنت – من ناحية أخرى - لا اعتقد بأنها حاسمة في تحديد موقف الرئيس من الحرب خصوصا وان بعض الحديث عن شخصيات ترفض الحرب أو ترفض إيقافها ليست سوى إشاعات وتسريبات متعمدة يروجها البعض لتلميع نفسه ولدوره السياسي وكمحاولة منه لإخلاء مسؤوليته في الحرب والتخلص من تبعاتها ،وفي كل الأحوال فان هولاء -إن وجدوا- فلن يكونوا سوى احد صنفين ،الأول يقف متشددا من الحرب لأنه يعتقد أن الرئيس مع هذا الموقف ،وهم الغالبية العظمي من الناس المعارضين، ولو أنهم سمعوا بأن الرئيس ضد الحرب لوجدتهم من اكبر المتحمسين لوقفها ، أما الصنف الثاني فهم المؤدجلين والمذهبيين من ناحية ،وتجار الحروب ومن يستفيدون منها وعلى حساب دمائها وأشلائها داخل وخارج السلطة من ناحية أخرى ،ومن وجهة نظري فان جميع هولا وان كانوا مع الحرب ومن المبررين لمواصلتها بأي ثمن إلا أنهم لن يتجرءوا على معارضة قرار وقفها إذا ما قرر الرئيس اتخاذه بشجاعة وبوضوح وجدية ،وحتى إذا ما ركبوا رؤوسهم وقرروا أن يعارضوا السلام فلن يكون لهم تأثير كبير إذا ما اتخذ قرار السلام بجدية ومثل التوجه العام للدولة والمجتمع .
..وفي كل الأحوال فان الكثير من هولاء المتاجرون بالحروب الاهلبة والمزايدون بدماء الناس وكراماتهم ومن يدفعون إلى مزيد من المجازر والفضاعات اليوم هم أول من سيحمل الرئيس تحديدا تبعات ومسؤوليات الحرب ونتائجها إذا حانت لحظة الحساب والمساءلة فهذه هي عقيدة المزايدين والانتهازيين في كل زمان ومكان، ولعل هذه الحقائق هي احد العوامل الحاسمة في قراري لتوجيه رسالة شخصية إليكم أطالبكم فيها بإيقاف الحرب فورا وعدم الاستماع لمثل هذه الأصوات الناعقة بالخراب وهي بالمناسبة موجودة في كل الأطراف وليست حكرا على طرف دون آخر.

ثانيا طبيعة الحرب وتدحرجها نحو الحروب ذات الطابع الأهلي والمذهبي

الأخ الرئيس ... إن خطورة حروب صعدة عموما وحربها الخامسة خصوصا تأتي من كونها تكتسب كل يوم طابع الحروب الأهلية من ناحية والحروب الدينية من ناحية أخرى، الأمر الذي يجعل من الصعوبة جدا حسم الحرب ميدانيا لصالح احد الطرفين ، وإذا ما حصل فبعد وقت طويل وبتكاليف باهظة جدا مخصومة من أمن واستقرار البلاد ومن وحدة الهوية الوطنية وتماسك النسيج الاجتماعي والسلام الأهلي بين أبناء المجتمع الواحد والى درجة يتمنى الطرف "المنتصر" مجازا، انه لم يحسم المعركة ولم يفكر في دخولها أصلا نظرا لكلفتها الباهظة عليه وعلى الوطن ودولته ومؤسساته والسلام بين سكانه.
إن حرب صعدة المؤسفة يا سيادة الرئيس قد تأخذ طابع الحروب الأهلية ليس فقط بسبب أن الدولة قد شنت حربا واسعة النطاق استخدمت فيها القوات المسلحة بكافة وحداتها وأسلحتها الثقيلة بما فيها الطيران والمدفعية والدبابات والصواريخ ضد جماعة دينية أو مذهبية مسالمة ،أو ضد فئة اجتماعية أو حركة اجتماعية وسياسية لم يسبق لها إن استخدمت العنف والإرهاب ضد الدولة أو ضد المجتمع لتحقيق أهداف سياسية كما تعمل التنظيمات الأخرى ، وليس لان الحرب نفسها وبسبب تداعياتها وما تخلقه من جراح وألام عميقة طوال الأربع السنوات التي مضت هي التي ساقتنا إلى هذا المنحى الخطير ودون تخطيط مسبق لهذا النوع من الحروب ، ولكن أيضا لأسباب أخرى لم يلتفت إليها قادة الدولة والجيش وهم يتخذون قرار الحرب وهو ما يتعلق بطبيعة تكوين الجماعة الحوثية أو الطرف الآخر في الحرب تحديدا وبكونهم – شئنا أم أبينا - جزء أساسي من نسيج المجتمع وجزء من تكوينه الفكري والاجتماعي الأمر الذي يجعل الحرب ضد جماعة الحوثي حرب على الشريحة الاجتماعية والتيار الفقهي الذي تنتمي إليه الجماعة حتى وان لم يكن ذلك مخطط له من قبل طرفي الحرب . .

وللتوضيح أكثر فإن ما أصبح يعرف (بالحوثيين ) ليسوا (شرذمة صعيرة ) أو تنظيم إرهابي معزول عن المجتمع ، كما تصفه بعض وسائل الإعلام وتصريحات كبار المسئولين ، إذ لو كانت الجماعة، كما يدعي الخطاب الرسمي تنظيما إرهابيا معزولا، لامكن محاصرتها ثقافيا ،وعزلها اجتماعيا ، ولكان من السهولة بمكان القضاء على هذا التنظيم الإرهابي عسكريا وامنيا بمجرد كشف التنظيم وقتل قياداته واعتقال وملاحقة عناصره وتقديمهم إلى القضاء ، ودون أن يتسبب القضاء عليه ولو عسكريا وبواسطة الجيش أضرارا جسيمة على بنية المجتمع وعلى امن واستقرار البلاد ، لان التنظيمات العنفية والإرهابية سواء كانت أصولية دينية أو غير دينية عادة ما تكون تنظيمات "نخبوية" ومتميزة عن المجتمع وينتمي أعضائها إليها بصورة فردية وبمعزل عن أسرهم وعشائرهم ومذاهبهم بل وعلى النقيض من هذه المكونات وبقصد تغييرها في الغالب الأمر الذي يسهل على الأجهزة الأمنية وحتى القوات المسلحة اكتشاف مثل هذه التنظيمات الإرهابية،وضربها والقضاء عليها نهائيا أو إضعافها بدرجة كبيرة وبحيث يصبح إعادة بنائها من جديد أمر في غاية الصعوبة ويأخذ سنوات عديدة وهو ما لا ينطبق بتاتا على جماعة الحوثي وامتداداتها الاجتماعية (..) والمذهبية .
والحقيقية التي ما كان على الدولة المرور عليها مرور الكرام وهي تقرر الدخول في حرب من هذا النوع هي أن جماعة الحوثي – سواء قبلنا بذلك أو لم نقبل- ليست سوى جزء أساسي وطبيعي من نسيج المجتمع اليمني في صعدة وفي أماكن أخرى من اليمن وسواء كان ذلك بامتداداتها الاجتماعية أو بامتداداتها الفكرية والمذهبية
ومع أن الحوثيين قد يكونوا أحد التعبيرات العنيفة وغير الناضجة لمشاعر المظلومية الطويلة والعميقة (سياسيا ومذهبيا) التي يعاني منها الزيود وضمنهم الهاشميون المتمذهبون ( للتفريق بنهم وبين الزبدية التاريخية والجغرافية )وما يعتقدونه من وجود سياسة ممنهجة لتهميشهم وإقصائهم ومحاولة طمس الهوية والمعتقد لأتباع المذهب الزيدي في العديد من المحافظات الشمالية والوسطى وهي مشاعر حقيقية تكونت بفعل عوامل وأسباب تاريخية وسياسية لا مجال لذكرها (1) ، إلا أن هذا الوسط الاجتماعي والمذهبي والممتد من صعدة إلى صنعاء وعلى طول وعرض البلاد ،هو في الحقيقة من يمثل الحاضنة الفعلية لجماعة الحوثي وهو من يوفر لها الحماية ويمدها باالامكانات البشرية والمادية ولو بصورة غير ممنهجة حتى الآن على الأقل .
إن ما يمنح جماعة الحوثي مكانة خاصة لدى الزيود المتدينون عموما يأتي من كون الأب الروحي لهذه الجماعة وهو العلامة بدر الدين أمير الدين الحوثي ،الذي يعتبر واحد من أهم علماء الزبدية العاملين في صعدة وأماكن أخرى من اليمن وله حضور فاعل ومؤثر في معظم مديريات المحافظة وعلى وجه التحديد منطقة خولان (حيدان -و ساقين) وال شافعة ونشور وال سالم في همدان ولا أدل على ذلك هذا الزخم الشعبي المتزايد الذي يستفاد منه لتجييش مقاتلين جدد في صفوف الحوثيين واستبدال من قتلوا في الحرب بأضعافهم في كل حرب تالية وهكذا يمكن الإشارة أيضا إلى مثال آخر يؤكد مكانة الحوثي الأب وهو أن من يحضون بتزكيته في الانتخابات في دوائر صعدة عموما ومناطق خولان وهمدان خصوصا ،عادة ما يفوزون بمقاعدها حتى حين يكون المنافس لهم احد المدعومين من قبل الدولة والإصلاح والمشايخ وهذا ما حصل في كل أو اغلب الانتخابات التي جرت منذ انتخابات مجلس الشورى 1988م وحتى انتخابات مجلس النواب في 2003م ما يدل على مكانة الحوثي الأب في الوسط الاجتماعي والمذهبي في هذه المناطق ومناطق أخرى في صعدة واليمن عموما ، وهي عوامل إضافية تجعل الحرب ضده وضد أنصاره(أي ضد جماعة الحوثي) تأخذ طابع الحروب الأهلية في بعض جوانبها والحروب الدينية والمذهبية في جوانب أخرى منها

وتأسيسا على ما سبق فقد كان من الأخطاء الجسيمة أن تقوم الدولة باستخدام القوات المسلحة وكل إمكانات الدولة في شن الحرب الواسعة وبدون سبب وجيه ضد جماعة الحوثي وان تستمر متواصلة وبهذه الوتيرة المتصاعدة والخطيرة لأكثر من أربع سنوات ، ذلك أن الحرب والخطاب ألاستئصالي المرافق لها قد عمقت لديهم مشاعر المظلومية، وما يعتبرونه من سياسة التمييز والقهر والإذلال التاريخي ضدهم، ولهذا السبب وأسباب أخرى لا مجال لسردها فقد كان من غير الممكن أن تقتصر الحرب على مقاتليهم في الجبال دون أن تمتد وان بصورة غير مخطط لها إلى فئات ومكونات المجتمع ونسيج الهوية الوطنية ، وهو ما يبدو أننا اليوم وفي الجولة الخامسة من حرب صعدة تحديدا نتجه إليها وبصورة خطيرة ، حيث بدأت الإجراءات التي فرضتها تداعيات الحرب على الجبهات تطال مئات بل آلاف الناس ممن ليس لهم علاقة مباشرة بجماعة الحوثي كتنظيم أو كجماعة مقاتلة في صعدة ، ولكن من خلال أسماء عوائلهم والمناطق الجغرافية التي ينتمون إليها ، ما يعني أننا بوعي أو بدون وعي نتجه إلى خوض حرب أهلية طويلة امدى ولها نتائج وخيمة على مستقبل البلاد ،ومع أن الأمر لم يصل بعد إلى هذا المنحى الخطير في حرب صعدة ولا يزال من الممكن التحكم بمساراتها ولكن هذا ما تتجه إليه الحرب وبصورة سريعة ما لم يبادر رئيس الجمهورية إلى إيقافها ومعالجة أثارها وتداعياتها برؤية وحكمة وبأسرع وقت ممكن .
إن ما يجعلنا نبادر بهذه الرسالة إلى رئيس الجمهورية من اجل إيقاف الحرب هو أننا على يقين من أن هذا النوع من الحروب لا يمكن حسمها ميدانيا لصالح احد طرفي الصراع دون تكاليف كبيرة تخصم من وحدة وامن واستقرار البلاد ومن نسيج المجتمع اليمني الواحد
ان تاريخ الشعوب المختلفة التي خاضت هذا النوع من الحروب يقول لنا وبالفم المليان بان الحروب الأهلية ليس لها أهداف واضحة ومحددة ، وليس لها ما يبررها لا من الناحية الدستورية ولا من الناحية الأخلاقية، وما عدا القتل والدمار الذي تخلفه الحرب كل يوم فان أي من طرفي الحرب لا يعرف بالضبط ماذا يريد تحقيقه من هذه الحرب ، ولو سئلنا قادة الجيش وقيادات الحوثي ماهي الأهداف التي حققتموها منذ الحرب الأولى في منتصف2004م وحتى اليوم (منتصف 2008)لما استطاعوا جوابا ، ولوجدوا أنفسهم حائرين أمام القتل الرهيب والدمار الهائل الذي خلفته الحروب الأربعة الماضية
يا سيادة الرئيس .... هذا النوع من الحروب تحركها الغرائز ودوافع الثار والانتقام وكلما أوغلت أطرافها بالقتل والتدمير كلما وجدت نفسها بحاجة إلى مزيد من القتل والتدمير حتى يغرق الجميع بالدماء والجريمة والجروح والآلام العميقة التي تحدث شروخا لا حدود لها في النفوس وفي جدار الوحدة الوطنية والهوية الوطنية عموما يصعب بعد ذلك مداواتها
الأخ رئيس الجمهورية لقد توقفت الجولة الأولى من الحرب بمجرد مقتل زعيم الحوثيين المؤسس حسين بدر الدين الحوثي ووصول الجيش إلى جرف سليمان وسيطرته على جميع جبال مران ، فهل ستتوقف الحرب الخامسة بعد مقتل عبد الملك الحوثي ووالده بدر الدين الحوثي وجميع آل الحوثي ّ وجميع مقاتلي جماعة الحوثي، ووصول الجيش إلى ضحيان والنقعة ومطرة وجبل عزان وبقية القرى والبلدات التي يوجد فيها حوثيين أو يشتبه بوجودهم فيها سواء في صعدة او في غيرها من المحافظات ؟ ..إذا كانت هذه هي أهداف الحرب فهي الحرب الثأرية والانتقامية -ورب الكعبة- وهي ذاتها الحرب الأهلية والمذهبية حيث لا مكان فيها إلا للثأر والانتقام ومحاولة كل طرف استئصال الطرف الآخر أو كسره وإذلاله وجرح كرامته ، دون أن يعني ذلك انتهاء الحرب بل استمرارها وتأجيجها وكل حرب تلد أخرى ، ولا أدل على ذلك أن مقتل حسين الحوثي ووصول الجيش إلى مران لم ينه المشكلة ولم يمنع تجدد القتال وهاهو الجيش وبعد أربع سنوات من سيطرته الكاملة على مران يجاهد من اجل البقاء في بعض مناطقها بعد أن استرد الحوثي معظم مناطق وجبال مران في حرب جديدة خلفتها الحرب السابقة !!؟
إن الحروب الداخلية لا تنتهي إلا بالصلح والحوار ،والأفضل أن تتوقف حرب صعدة الآن بالصلح والحوار بدلا من أن تتوقف غدا وبنفس الطريقة ولكن بعد أن تكون الكلفة أكثر والدماء المسالة أغزر والجرائم المرتكبة أبشع.
في الحروب الداخلية لا يوجد منتصر ومهزوم الجميع فيها مهزوم (والمنتصر) فيها مجرم و(المهزوم) هو الضحية وكلاهما مجرمين وضحايا في نفس الوقت

"المنتصر" في مثل هذه الحروب هو من سيتحمل تكلفة الحرب أخلاقيا ووطنيا وسياسيا وهو من سيتحمل تبعات الأحقاد والثارات التي ستبقى في نفوس وممارسات المهزومين ، وهو أيضا من سيتحمل تبعات الحرب وما ارتكب فيها من جرائم وفضا عات أمام الرأي العام الداخلي والدولي ومن سيكون محلا للابتزاز لكل من يرد له ولبلاده شرا
من اجل هذا كله نناشدك يا رئيس الجمهورية أن تسارع إلى إيقاف هذه الحرب وأنا على يقين انك قادر على اتخاذ هذا القرار الشجاع ليس لأنك المسئول الأول عن الدولة بحربها وسلمها بل ولأنك المستفيد الأول من وقف نزيف الدماء في صعدة لتبدو بطلا أمام شعبك وأمام العالم لان البطولة بالمناسبة ليست دائما في القتال بل وفي السلام أيضا وهي هنا أصعب لكنها أعظم

.

الرد على من يطرحون الحرب خيارا وحيدا للدولة
--------------------
الأخ الرئيس قد يقول البعض بأن هذه الرسالة قد تأخرت وربما لم يعد لها من معنى بعد ((أن حزم الرئيس أمره وقرر خوض المعركة إلى نهايتها مهما كانت التضحيات وأصبحت الحرب بالنسبة له قرار شخصي يتعلق بكبريائه أولا وبمكانته كرئيس للدولة والمسئول الأول عن الحفاظ على مكانتها وهيبة الجيش وامن واستقرار البلاد ثانيا،خصوصا بعد أن أتاح كل فرص السلام وأبدا من التسامح والعفو تجاه جماعة الحوثي ما لم يبديه أي رئيس آخر تجاه جماعة مماثلة ، إلا أن الحوثيين فوتوا كل هذه الفرص ، وافشلوا جميع الوساطات،الداخلية والخارجية وأخرها الوساطة القطرية التي تكللت باتفاق الدوحة الأخير ، ليس هذا وحسب بل وأوغلوا في صلفهم وتعنتهم و إلى درجة أنهم نظروا إليه باعتباره ضعفا ووهنا ،وبالتالي لم يعد هناك من خيار سوى الحرب لمثل هذا النوع من الناس مهما كلفت من تضحيات وبغض النظر عن الوقت الذي ستستغرقه لإنهاء التمرد قي صعدة، وطالما والأمر يتعلق ببسط نفوذ الدولة والحفاظ على السيادة الوطنية فان العالم سيوئد موقف الدولة اليمنية تجاه مجموعة من المتمردين والارهابين، وإذا ما حدث أن اعترض أي طرف إقليمي أو دولي فهو اعتراض سياسي وتدخل في الشئون الداخلية اليمنية ولن يكون له أي تأثير، وسنضع الجميع أمام الأمر الواقع بعد القضاء على جماعة الحوثي تماما مثلما حصل مع الأطراف التي ساندت من أسموهم –ظلما- (قوى الردة والانفصال) في حرب الدفاع عن الوحدة في 19994م حين أجبرنا الجميع على التعامل مع الشرعية رغم كل الاعتراضات التي كانت تطرح أثناء الحرب ...الخ ))
تلك هي أهم الحجج والتبريرات التي تطرح اليوم من اجل جعل الحرب ضرورية وخيارا وحيدا للدولة ،ومع أن بعض هذه الحجج تبدو مبررة ووجيهة لدى البعض إلا إنها في المعنى النهائي إجرامية تسويقية تسعى إلى تبسيط مشكلة الحرب والتهوين من خطورة تداعياتها ولا تقدم في نهاية الأمر شيئا سوى الإبقاء على نزيف الدم مستمرا في حرب لا هدف لها ولا أفق واضح ومحدد لنهايتها، وهذا هو السبب الذي يجعلنا نرفض هذا المنطق ونحاول تفكيكه إلى عناوين رئيسية (يمكن الرد على ما تضمنته من حجج متهافتة وعلى النحو التالي :-
أولا أن ما نقلته أنفا من حجج وتحليلات يطرحها البعض حول ضرورة الحرب الخامسة والمضي بها إلى النهاية هي في الحقيقة حجج ومبررات سبق أن سمعتها وقرأت كثيرا منها في الصحف ومعظمها بأقلام كتاب وسياسيين كانوا منذ البداية مع الحرب ومع استمرار نزيف الدم اليمني ولم تكن تعنيهم الحجج التي يطرحونها اليوم وبأثر رجعي عن روح العفو والتسامح وفشل الوساطات الداخلية والخارجية التي لا تطرح اليوم إلا من باب محاولة إقناعنا بمشروعهم ألتدميري وخيارهم الوحيد وهو استمرار الحرب بأي ثمن وبأي صورة من الصورة ،مع ملاحظة،أن القليل فقط من هولا هم من يسوقون هذه الحجج المتهافتة بحسن نية وربما بسبب قلة الوعي بمخاطر الحرب على الأمن والاستقرار ووحدة النسيج الوطني أما الغالبية فهم من دعاة الحرب أصلا سواء وجدت هذه الحجج أو لم توجد وقد سبق ان طالبوا بخيار الحرب منذ الجولة الاولى عام 2004م وقبل كل ما يدعونه اليوم من حجج متهافتة كالقول باستنفاد الرئيس لكل الخيرات السلمية ولم يبق سوى الحم العسكري هذا اولا ...
اما ثانيا فان هذا المنطق لا يعني سوى استمرار نزيف الدم ودفعنا للإيغال في جرائم حرب لا طائل منها ولا نهاية لها، والحقيقة خلاف ذلك إذ لو كان خيار الحرب هو الحل لكانت مشكلة صعدة قد حلت في الحرب الأولى التي قتل أو اسر فيها زعيم الجماعة ،وجميع مقاتليه في مران وبعد أن سيطر الجيش على كل قرى وجبال مران وحيدان وساقين وغيرها، غير أن هذا كله لم يمنع تجدد الحرب مرة أخرى بل وتوسعها وعندما ننظر اليوم وبعد أربع سنوات نجد أن عزلة مران اليوم هي أكثر المناطق اشتعالا وأكثرها نفوذا لأتباع الحوثي ، يعزز هذا مثال اخر وهو استخدام الجيش لكل الأسلحة التقليدية في الحرب الرابعة بما فيها الصواريخ والطائرات الحربية والمروحية ورغم كل ما خلفته من قتل وتدمير إلا أن الجميع اضطروا إلى الموافقة على إيقاف الحرب والدخول في حوار أفضى إلى اتفاقية الدوحة الثانية، والمعنى انه لو كانت الحرب أو كثافة النيران ونوعية الأسلحة أو مقتل قيادات الحوثي ودخول الجيش إلى قراهم ومراكزهم قد حل مشكلتهم مع الدولة لحدث ذلك في الحرب الاولى او الثانية أو الثالثة ..الخ وبالتالي لما احتاج الداعون إلى استمرار الحرب اليوم واعتبارها الخيار الوحيد إلى التنظير بضرورتها من جديد وبعد خمس جولات منها ، الأمر الذي يعني أن من يطرحون خيار الحرب لا يقولون جديدا ولا يملكون أي دليل على أنها ستحل المشكلة وعلى العكس فان كل الدلائل تقول بان الحرب لم تحل مشكلة الحوثي بل فافمتها وستفاقمها أكثر واكثر وهذا واضح ولا يحتاج الى دليل .
ثانيا أما القول بان الحرب الخامسة أصبحت قرار شخصي للرئيس ويمثل خوضها حتى النهاية جزء من كبريائه وانه لا يمكن أن يتراجع عن خوضها حفاظا على هيبته ومكانته الشخصية بين مواطنيه.... الخ ،فانا شخصيا اربأ بالأخ رئيس الجمهورية أن يقبل بمثل هذا المنطق السخيف لان هذا المنطق يعني فيما يعني أن رئيس الجمهورية، يتحرك في حرب صعدة وفي عداوته مع جماعة الحوثي بدوافع غريزية وانتقامية وثأرية وهو أمر معيب في حق الرئيس وإذا كان لنا أن نتفهم دوافع الغريزة في قرارات الإنسان العادي إلا انه لا يجوز مطلقا ونهائيا على رئيس الجمهورية بالذات حث ينبغي أن تكون الأبعاد الوطنية والمسؤوليات الدستورية هي دوافعه الأساسية في اتخاذ القرارات المصيرية وقرارات الحرب والسلم على وجه التحديد وبعد أن يقدر ومعه مستشاروه، ما هو أفضل للبلاد والعباد من هذه الخيارات والقرارات ،وما هو الأقل كلفة بالنسبة لليمن واليمنيين، مع التأكيد أن كرامة الرئيس وكبريائه من كرامة اليمن وكبريائها وما يحقق هذا يجب أن يخضع له الرئيس ولاشك أن حماية الدماء والأعراض والكرامات هو ما يحقق كبرياء اليمن ورئيسها ومواطنيها أمام بقية الأمم، وليس العكس أما إذا لم يكبح الرئيس غرائزه ودوافعه الشخصية في القضايا المتعلقة بمصير البلد وبمستقبل الوطن فإننا نكون قد ذهبنا إلى الهاوية ويكون من ينصح بمثل هذه النصائح الجهنمية هو من لا يريد لليمن ولا لرئيسها أي مكانة أو هيبة أو كرامة حتى وان ادعى غير ذلك وعلى هولا أن يعلموا أن قرار السلم يحتاج إلى شجاعة وإرادة قوية ربما اكبر من إرادة وشجاعة قرار الحرب نفسها .

ثالثا بخصوص موضوع التسامح مع الحوثي وجماعته أود توضيح نقطة يبدو أن توضيحها غاية في الأهمية بالنسبة للسلام في صعدة واليمن ،حيث يوجد شعور لدى الكثيرين قد يرقى إلى مستوى القناعات ،بان الرئيس والسلطة عموما كانت متسامحة مع الحوثيين أكثر من أللازم وان الحوثيين لم يقدروا هذه الروح العالية بل اعتبروها ضعفا وخورا .. الخ ، والحقيقة أن هذا الكلام غير دقيق البتة فمع أن الرئيس كان وكما سبق وان أشرت إلى ذلك متسامحا في كثير من مراحل الحرب وأعلن ولمرة واحدة على الأقل العفو العام بخطاب سياسي وليس بقرار جمهوري إلا أن روح التسامح التي أبداها الرئيس في بعض مراحل الحرب تجاه الحوثيين لم تعكس ذاتها وبنفس الايجابية لدى مسئولي الدولة والجيش والأجهزة الأمنية والإدارية التي تعاملت مع الحوثيين في المستويات المختلفة، وعلى العكس تماما تم التعامل مع جماعة الحوثي بعنف وقسوة لا مثيل لها، إذ انه ومنذ اللحظة الأولى للحرب الأولى نجد أن الجيش قام بتطويق مران من جميع الجهات ولم يسمح لحسين الحوثي وأتباعه مجالا حتى للهروب أو تسليم أنفسهم للدولة مع الاحتفاظ بشيء من كرامة المواطن اليمني ، ...ويعرف قادة الجيش في صعدة أن الحوثيين لم يكن أمامهم سوى خيارين لا ثالث لهما (الموت بكرامة أو الموت أذلاء) فاختاروا الموت بكرامة وبعد أن تأكدوا بان القرار كان حاسما ونهائيا في تصفيتهم واستئصالهم ، ولعل تلك الملاحم البطولية التي سطروها في جبهات الحرب الأولى لم يكن بسبب عقيدتهم الزبدية التي تعتبر الاستسلام أو الهروب من المعركة في حالة الدفاع عن النفس والعرض والكرامة (من الكبائر)وإثما كبيرا ،بل ولأنهم يعتقدون أن قتالهم حتى الموت هو الوسيلة الوحيدة التي أبقتها لهم الدولة للموت بكرامة وإلا فهم ميتون ميتون سواء قاتلوا أو استسلموا خصوصا وهم يتابعون الخطاب الرسمي سياسيا وإعلاميا ومذهبيا والذي كان ولا يزال يدعوا إلى إبادتهم وتغيير عقائدهم وانتهاك أعراضهم ، فضلا عن خطاب التكفير والتفسيق والتخوين بل وعدم الاعتراف بجنسيتهم اليمنية ودمغهم بـ"الشيعية" كتهمة،واعتبارهم مجرد عملاء لإيران الاثنى عشرية،والفارسية حينا ولليبيا او غيرها حينا أخرا ، ليس هذا وحسب بل أنهم جربوا نتائج هذا الخطاب ألاستئصالي في ممارسات السلطة العملية تجاههم في حالة الاعتقال والأسر والفصل والنقل من الوظيفة حتى ان بعض المعلومات غير الموثقة وغير المؤكدة تشير إلى أن بعض المقاتلين تم تصفيتهم بعد أسرهم وبعض الجرحى تركوا ينزفون حتى الموت ولم يسعف من جرحاهم احد ومنهم من عذب في السجون حتى الموت ومنهم من اعتقل لفترات طويلة بدون محاكمة وبدون الحد الأدنى من المعاملة الإنسانية ...
....لقد تم معاقبة العشرات بل المئات ممن اعتقد أن لهم صلة ولو بالشبهة بالحوثي وبعضهم ضلوا في السجون منذ الحرب الأولى وحتى الآن رغم كل ما قيل أو أعلن من قرارات العفو العام ، وحتى بعد اتفاق الدوحة الأخير ورغم أن بنده الأول ينص على إطلاق سراح جميع المعتقلين خلال شهر واحد إلا أن من أطلق سراحهم فقط 130معتقلا من أصل ألف معتقل أو أكثر معظمهم ليسوا من الحوثيين بالمعني الحرفي للكلمة ، وتم تقديم العشرات منهم إلى محاكمات صورية أصدرت في بعضها أحكام قاسية ولم يسبق أن حكمت بها حتى على الإرهابيين الذين ثبت تورطهم بارتكاب جرائم قتل مباشرة ضد يمنيين أو أجانب والى درجة أن يحي الديلمي حكم عليه بالإعدام لمجرد انه طالب بإيقاف الحرب وحكم على محمد مفتاح بثمان سنوات حبس وعبد الكريم الخيواني بست سنوات حبس وكل هذا وهم لم يكن لهم أي صلة مباشرة بجماعة الحوثي اللهم إلا أنهم كانوا ضد الحرب ومعظمهم ينتمون إلى نفس المذهب الذي ينتمي إليه الحوثي وأنا اعرف شخصيا أن العشرات إذا لم اقل المئات تم فصلهم من أعمالهم وبعضهم نقلوا إلى أماكن نائية مع زوجاتهم للتدريس بل إن بعضهم نقل للتدريس في محافظة وزوجته في محافظة أخرى كجزء من عملية التنكيل والإذلال
..... لقد حمل الحوثيين من الأحقاد ودوافع الثار والانتقام ما لم يتحمله غيرهم من الجماعات المعارضة للسلطة بل إنهم حملوا كل أحقاد التاريخ اليمني المعاصر وحروب الملكيين والجمهوريين وصراعات العدنانيين والقحطانيين وكل اشكلالات التوتر الطائفي في المنطقة وتم عرضهم وبيع دمائهم وأعراضهم في سوق الحرب على الإرهاب والصراع الشيعي السني في العراق وغير ذلك مما لم يكونوا يحتملونه ولا علاقة لهم به
لقد كان مسئولوا الأجهزة الأمنية أو العسكرية أو الإعلامية يضطهدون الحوثيين ويسفهون معتقداتهم دون أن يراعوا أي حساسية لأنهم في نظرهم جماعة(من البيت ..) وبدون مطالب سياسية ولن يؤدي اضطهادهم إلى أي ردود فعل انعزالية أو طائفية كما أن الأجهزة والأدوات الإدارية والأمنية المختلفة كانت تضطهدهم وهي مرتاحة الضمير باعتبارهم يضطهدون جماعة من "الملكيين الأماميين" الذين قدم الشعب من اجل طردهم والتحرر من حكمهم قوافل من الشهداء أي المضطهد الذي تقمصته الجمهورية كان مطمئننا انه يقتل أو يعذب مجموعة من الحثالاث المعادية للوطن والثورة والجمهورية وبعضهم مارسوا ضدهم التنكيل بدوافع عنصرية قبيحة وحدث أن كتب في صحف رسمية على أنهم غير يمنيين ويحمدوا الله أنهم يعيشون فيها كضيوف منذ 1300سنة وهي اعنف أنواع القسوة حين يجرد الإنسان من مواطنته وجنسيته
وأمام هذا كله من القسوة البالغة في التعامل مع الحوثيين يجب أن لا يدعي احدهم بان السلطة كانت "متسامحة" مع الحوثيين أكثر من اللازم وأنهم لم يراعوا هذا التسامح والعفو ،فهذا المنطق نفسه لا يبرر لاستمرار نزيف الدم اليمني وحسب بل ويبرر العنصرية والكراهية ويكشف مدى القسوة والعنف الذي عومل به الحوثيين من قبل أدعياء التسامح
رابعا أما من يطرحون الحرب خيارا ضروريا للحفاظ على هيبة ومكانة الجيش فهولا في الحقيقة ليسوا صادقين في حبهم للجيش ، ولا في حرصهم على الحفاظ على هيبته ومكانته بل في سعيهم لضرب وإضعاف الجيش وزجه في حرب داخلية ليست من مهامه وجعل المجتمع ينقسم من حوله وفي الموقف منه ومن دوره الوطني وهذا ما حصل فعلا في حروب السابقة عموما، والحرب الحالية خصوصا ،كما أنهم بهذا الطرح يحاولون الإيحاء بان الجيش ضد وقف الحرب وهذا غير صحيح البتة وعلى العكس تماما لمسنا أن غالبية جنود وضباط الجيش يرغبون بإيقاف الحرب بأسرع وقت ممكن وبأي صورة من الصور لا نهم يعرفون أكثر من غيرهم بأن استمرار الحرب لم يعد يعني سوى مزيد من القتل والآلام بين صفوفهم ولدى مواطنيهم، وان المستفيد الوحيد من استمرارها هم تجار الحروب والمتآمرين على امن واستقرار البلاد
والحقيقة أن هيبة الجيش -إذا جاز أن نطرحها في سياق الحرب الداخلية- لم تسقط بسبب توقف الحرب قبل القضى على الحوثي - كما يقولون - بل بسبب زج الجيش في حرب داخلية ضد جزء من أبناء شعبه وبدون مبررات دستورية وأخلاقية كافية الأمر الذي جعل أفراد الجيش يحاربون بدون قناعة وبمعنويات منخفضة جدا على خلاف الطرف الآخر الذي قاتل وهو يعتقد بأنه كان يدافع عن النفس والعرض والعقيدة بغض النظر عن اتفاقنا أو اختلافنا مع هذا القناعات الحوثية
أن الحديث عن سقوط هيبة الجيش في حالة توقف الحرب عمل تحريضي بامتياز تمارسه أطراف سياسية وحزبية من خارج الجيش وبهدف تحقيق أهداف انقلابية ضد الرئيس تحديدا والسعي عبر هذا التحريض الخطير الى تحميل الرئيس مسئولية إخفاق الجيش في الحرب وخذلانه وإسقاط "هيبته" المدعاة في حرب لا علاقة لها (بالهيبة والنصر والهزيمة) باعتبارها حرب داخلية كلنا فيها مهزومين والهزيمة الأكبر في استمرارها
إن مكانة وهيبة الجيش في وعي ونفوس الناس لم تأت جزافا أو بسبب انتصاراته في الحروب الداخلية ضد أبناء شعبه ،بل باعتباره المؤسسة الوطنية الكبرى التي تحرس الشرعية وتحمي السيادة وتدافع عن حدوده البحرية والجوية والبرية من أي عدوان خارجي وفي مثل هذه الحالة يجب على كل أبناء المجتمع أن يقفوا إلى جانبه بل أن هذا الأمر يحدث بصورة تلقائيا من قبل عموم المجتمع وبدون ان يطلب منهم ، وعندما يتراخى الناس عن الوقوف إلى جانب جيشهم الوطني فان هذا يشير إلى خلل في بنيته وفي دوره الوطني وبالذات حين يشن حربا داخلية ينقسم حول صحتها وشرعيتها إبناء الوطن الواحد وهو بالضبط ما حصل ويحصل في حروب صعدة المتواصلة
أن ما يثير الريبة حول غيرة هولا على هيبة الجيش هو أنهم أثناء الحرب يقفون ضده ويدعون انه أداة بيد السلطة ضد شعبة، وحين يوقف الحرب ويحقق رغبة غالبية الناس في السلام يتباكون على هيبته والادعاء بهزيمته
لقد أهين الجيش بتعمد ومع سبق الإضرار والترصد أثناء احتلال الاريتريين لجزيرة حنيش 1995م وتحديدا حين رفض أمثال هولا السياسيين قرار استعادة الجزيرة بالقوة ، مع أن تحريرها هو الأمر الطبيعي وما تقره كل القوانيين الدولية لكنهم حينها استدعوا"الحكمة" و"تحكيم العقل" و قبلوا التفاوض مع المحتل قبل ان يخرج جيشه من الجزيرة وابقوا أسرانا وجثث شهدائنا في الجزيرة حتى أعيدت بعد سنوات من التفاوض منقوصة السيادة ، وأنا أتساءل كيف يعترينا الغضب ونسارع إلى تحريك الجيش في ابسط خلاف داخلي ولا يتحرج احد قادة الحرب ان يقول أمام لجنة الوساطة "نحن مستعدين إن نقدم عشرة ألف شهيد في كل تبة من تباب مران !!!" أما عندما تحتل جزرنا ومياهنا الإقليمية من قبل جيش أجنبي فان رأي هذا الشخص نفسه يكون مختلفا "ومتعقلا" مع أن المحتلين حينها كانوا عبارة عن مجموعة صغيرة من الجنود غير المسلحين جيدا تابعين لدولة حديثة الاستقلال هي اريتريا ..
والمعنى هو لماذا نجدهم في الحروب الداخلية بهذه الحدة من الوطنية بينما ينسون وطنيتهم وغيرتهم على مكانة وهيبة الجيش في الحروب من اجل السيادة ودفاعا عن حياض الوطن هذا أولا، أما ثانيا فأن هيبة الجيش لم تسقط بسبب توقف الحرب بل بسبب شن حرب داخلية غير مبررة دستوريا...
كان يمكن أن تكون الحرب مقبولة إلى حد ما لو افترضنا أن الحوثيين رفعوا في قتالهم مطلب (عودة الملكية) مثلا أو أنهم استخدموا القوة من اجل مطلبهم السياسي ،وكان يمكن أن تكون معنويات الجيش حينها عالية وهي تقاتل دفاعا عن مكتسبات وطنية كبرى ومفهومة للراي العام ، (ولكن هذا لم يحصل ولم يستطع اي من دعاة الحرب ان يثبت ت"صرحا او تلميحا" للحوثي طالب فيه بعودة الملكية او الامامة السياسية او انه يقاتل من اجلهما ).
سادسا فشل الوساطات
يطرح البعض أن السلطة قدمت كل ما يجب عليها أن تقدمه لإيقاف الحرب وشكلت من اجل ذلك العديد من لجان الوساطة الداخلية والخارجية من اجل حل المشكلة مع الحوثي سلميا لكن الحوثي رفض كل هذه الوساطات أو قام بإفشالها وعدم الاستجابة لأي مطلب من مطالبها أو شروط تسهيل مهمتها الأمر الذي يجعل الحرب خيارا وحيدا واضطراريا بعد أن سدت جميع منافذ الحل السلمي... الخ
ولكن السؤال هو هل فعلا أن الحوثيين هم من افشلوا كل هذه الوساطات الداخلية والخارجية ؟ وهل فشلت الوساطات أصلا أم أن المشكلة ليست في جهود لجان الوساطة بل في طبيعة هذه اللجان وفي تعقيدات المشكلة وتداخل أطرافها!؟
ومن دون أن ننفي أي مسئولية للحويثيين بهذا الخصوص إلا أن الفشل لا يعود بدرجة أساسية إليهم بقدر ما يعود إلى أسباب وعوامل عديدة يتعلق بعضها بعدم وجود سلطة حقيقية للجان الوساطة ، وبعضها الآخر يعود إلى أن تشكيلها لم يكن جادا بقدر ما كان محاولة للأعذار بينما كان القرار الحقيقي هو استمرار الحرب سواء وجدت الوساطة أو لم توجد ، وبعضها قامت الدولة وأجهزتها الأمنية والعسكرية بإفشالها علنا واحتجاز عدد من أعضاء الوساطة كما ان بعض فشلها يعود إلى طبيعة الحرب والصعوبات التي خلقتها المواجهات السابقة على الأرض ولدى جميع الأطراف المشاركة فيها والمتدخلة في تأجيجها أيضاوبسبب بقاء ملفاتها مفتوحة يدخل منها كل من يريد العبث والتوتير وهكذا .
وفي كل الأحوال يمكن إجمال أسباب وعوام فشل الوساطات الداخلية والخارجية على النحو التالي :-
- قبل نشوب حرب مران الأولى منتصف يوليو2004م لم يعرف ما إذا كان هنالك اتصالات بين الرئيس وحسين الحوثي وما هي طبيعتها وقبل انفجار الحرب لم نسمع عن وجود وساطات أسرية أو محلية بينهما، وكلما علمه الرأي العام بهذا الخصوص هو تشكيل لجنة وساطة بعد أيام من انفجار الحرب تشكلت من عدد من أعضاء مجلس النواب الممثلين لدوائر صعدة وجميعهم على علاقة صداقة أو قرابة بحسين الحوثي بينهم شقيقه يحي بدرالدين الحوثي بالإضافة إلى عبد الكريم جدبان وعبد السلام هشول وقد تابعت شخصيا مسار هذه الوساطة عبر تصريحات عدد من أعضائها ولمست أنهم كانوا في البداية يميلون إلى تحميل حسين الحوثي مسؤولية التعنت قبل وصولهم إليه ربما بسبب خلافاتهم المعروفة مع نهجه الجديد (ترديد الشعار) بما فيها التصريحات المنقولة على لسان يحي الحوثي نفسه ،ولكن وما إن وصل عدد من أعضاء اللجنة إلى صعدة حتى تعرضوا إلى إطلاق رصاص من قبل الجيش ومنعهم عن التواصل مع حسين الحوثي وإخبارهم على العودة إلى صنعاء والتوقف عن أي تصريح لا يدين الحوثي في مران
- في الوساطة الثانية والتي جاءت على اثر رسالة وجهتها شخصيا وعدد من الشخصيات السياسية والوطنية إلى الرئيس نطالبه فيها بإيقاف الحرب استدعى الرئيس عدد من قيادات الأحزاب وأعضاء في مجلسي النواب والشورى وشخصيات سياسية ودينية واجتماعية إلى الرئاسة وبعد مداولات كلفهم الرئيس بالنزول إلى صعدة لمحاولة حل المشكلة سلميا وقد تشكلت اللجنة برئاسة عبد الوهاب الانسي ومن أعضاءها أيضا شخصيات علمائية كبيرة بينهم محمد محمد المنصور واحمد محمد الشامي وحمود عباس المؤيد وآخرين وبعد وصولهم إلى مدينة صعدة التقوا بقيادات الجيش والسلطة المحلية وكانت الحرب على أشدها ورفض القادة العسكريين توقف الحرب خلال فترة الوساطة على الأقل لتسهيل مهمة وصولهم إلى الطرف الآخر وبعد اخذ ورد والبقاء داخل مدينة صعدة لأيام سمح لهم ببعث رسالة خطية إلى حسين الحوثي وقد قبل الحوثي كل ما طلب منه فيها وبعد أن حدد موعد ومكان معين ليلتقي فيه مع عدد من ممثل اللجنة فوجئوا بشن الطيران والمدفعية هجوما واسعا على مران وتحديدا على المنطقة التي كانت محددة للقاء الحوثي بممثلي الوساطة وهكذا تعطلت الوساطة وعاد أعضائها إلى صنعاء ولم يسمح لهم حتى بإعلان من هو الطرف المسئول عن فشل مهمتها وان كانت الصحافة قد كشفت تفاصيل ما حدث من رفض قاطع لوقف الحرب من قبل الجيش
- بعد دخول الجيش مران ومقتل حسين الحوثي وعشرات من أتباعه توقفت الحرب وتم استدعاء كل من العلامة بدر الدين الحوثي وعبد الله الرزامي إلى صنعاء وتركوا بدون حل أي قضية من القضايا التي وعدوا بها مع أنهم لم يكونوا يطلبون سوى تركهم لحالهم والسماح لهم بأداء شعائرهم وترديد شعارهم وإطلاق سراح السجناء والبحث عن المفقودين وما أن نزل الحوثي الأب إلى منطقة ال شافعة والرزامات لحضور زواج حفيدتيه اعتبر نزوله تمردا خصوصا وان البعض كان قد رتب له حوارا صحفيا مع صحيفة الوسط اعتبر ما طرحه فيه بتلقائية وعفوية دليل آخر على دعوته للملكية وشنت الحرب الثانية تحت هذا المبرر مع ان الرجل كان يتحدث عن شرط البطنيين كقضية فقهية وتاريخية وفقا للمذهب الزيدي وليس كقضية سياسية يفهم منها رفض رئاسة غير الهاشميين اليوم وعلى العكس تماما فقد شرع الرجل لهذا الموضوع بوضوح في حديثه عن ما اسماه الحسبة والتفريق بين الإمامة والرئاسة وفقا لعقيدته وقناعاته الدينية وليس السياسية .
1- بعد انتهاء الحرب الثانية بضرب وتدمير قرى الرزامات وتشريد أهلها وهروب الحوثي الأب والرزامي وآخرين إلى نقعة قامت الطائرات والمدفعية بشن غارات متواصلة إلى المناطق التي هربوا إليها ( وهي الأحداث المحدودة التي سميت بالحرب الثالثة )وما هي إلا فترة قصيرة حتى يعين العميد يحي الشامي محافظا لصعدة ويقود وساطة جديدة أسفرت عن توقف الجيش عن الجرب في فترة الانتخابات سبتمبر 2006م ( وهذا ما يؤكد بان الجيش هو الذي كان يبدأ الحرب وكان يقرر وقفها وفقا لقرار سياسي وليس كما يقول البعض أن اتفاقا سريا وقع بين الطرفين يقضي بانتخاب الرئيس مع انه لم يكن هنالك منافسا له في تلك الانتخابات بعد إقصاء المناضل مقبل من السباق الرئاسي لعام 1999م) وما إن انتهت الانتخابات بسلام ولم يحصل أثنائها أي شيء من قبل الحوثيين إلا وتنفجر الحرب من جديد ويتم نقل يحي الشامي من صعدة ويستبدل بالمصري وهكذا حتى تدخل الإخوة في قطر بوساطتهم الأولى والتي أفضت إلى اتفاقية 2007م وتم بموجبها تشكيل لجنة برلمانية للإشراف على تطبيق الاتفاق وأنجزت خطوات مهمة على طريق السلام رغم كل التعقيدات التي واجهتها فقد أنجزت خطوات مهمة على طريق تطبيق الاتفاق حيث سلم الحوثيين جميع النقاط العسكرية التي كانت بأيديهم على الطرقات وفي معظم الجبال قبل أن تتبين تعقيدات جديدة تتعلق بطبيعة الاتفاقية من ناحية ، واصرار بعض أطراف السلطة المحلية وقيادات الجيش على تسليم أسلحة الحوثيين ونزولهم من الجبال قبل تنفيذ البنود الأولى بالإضافة إلى البلاغات الكاذبة التي كانت تبلغ بها اللجنة من قبل مشايخ وقادة جيش وتدخل بعض الأطراف داخل وخارج صعدة على أثرها تم استدعاء لجنة الوساطة إلى صنعاء لتنفجر الحرب مرة أخرى وهي الأشرس انتهت باتفاق مهم في الدوحة وقطعت لجنة الوساطة المشكلة لتطبيق الاتفاق خطوات مهمة قبل أن تستدعى اللجنة إلى صنعاء ويتوقف دورها لتبدأ الحرب من جديد اقصد الحرب الجارية (الخامسة)
2- خلال كل هذه الوساطات وفي ما بينها كان رئيس الجمهورية يبعث بشخصيات هاشمية وزيدية للتواصل مع الحوثي إما بطلب من هذه الشخصيات أو بتوصية من بعض قيادات الدولة ومع احترامي لأشخاص معظم هولا إلا أنني كنت على ثقة بان كثير منهم لا صلة لهم بالحوثي وليس بينهم وبينه أي اتصالات وبعضهم لم يكن الحوثي يطمئن لهم وكان بعضهم الآخر (يطلب الله) بمثل هذه الوساطات التي يدعيها ولم تكن تسفر عن أي نتيجة .

نخلص من كل ما سبق إلى عدد من الاستخلاص والنتائج أهمها أن بعض الوساطات لم يكن لها سلطة لتفرض شروطها على المتحاربين ، وبعضها شكلت لا لتكون لجنة وساطة حقيقية بل للتغطية على قرار الحرب واستمرارها والادعاء بان الحوثي يرفض الوساطة وافشل بعضها الآخر من قبل بعض السلطة وبعض قادة الجيش كما حدث في اللجنتين الأولى والثانية كما أن الوساطات عموما قد فشلت بسبب تعقيدات بنود الاتفاق وبعضها بسبب تعقيدات الوضع على الميدان وكان يفترض توقع مثل هذه التعقيدات وتذليلها والصبر عليها ، ومع أن بعض هذه اللجان كانت قد قطعت شوطا مهما وهي على وجه التحديد تلك اللجان التي تشكلت بناء على اتفاقية الدوحة الأولى والثانية إلا أن انعدام الثقة بين طرفي الحرب وانقطاع الاتصالات نهائيا بين الحوثي ورئيس الجمهورية قد مثلت السبب الأول والرئيس للفشل
وبهذا المعنى فان المشكلة ليست في لجان الوساطة ولا في إفشال الحوثيين لها كما يطرح اليوم بل في إرادة وقف الحرب وإذا ما توفرت هذه الإرادة فاعتقد انه لا يحتاج الرئيس لأي لجنة وساطة ويكفي أن يعلن قرار الحرب ويطلق الأسرى والمعتقلين ويوقف المطاردات والمحاكمات، ويسحب الجيش من مزارع وقرى الموطنيين والبدء بتعويض المتضررين وتنمية صعدة وإشاعة السلام فيها ... وحينها لن يكون أمام جماعة الحوثي سوى خيارين لا ثالث لهما فإما أن ينزلوا من الجبال ويندمجوا بالمجتمع ويشكلون لهم كيانا حزبيا أو حركيا ضمن الشرعية الدستورية مثلهم مثل بقية الأحزاب والمنظمات المدينة أو يبقوا في الجبال ولن تمر فترة قصيرة حتى يتشرذموا وينتهي بهم الأمر إلى خلافات طاحنة لان الذي يوحدهم اليوم هي الحرب وخطاب الاستئصال وقناعتهم بأنهم مستهدفون جميعا مع العلم أن السلم بالنسبة لهم اليوم وبعد أن استمرؤوا البقاء في الجبال طويلا هو أصعب بكثير من الحرب
سابعا الدور الإقليمي في صعدة
من حسن حظ اليمن أن حرب صعدة ليست حتى الآن مصلحة إقليمية أو دولية، بمعنى أن غالبية الأطراف الدولية والإقليمية المؤثرة في تطورات الأحداث في اليمن ، لم تجعل بعد ورقة حرب صعدة ضمن سياسة الضغوط الدولية على اليمن كما يحصل لبلدان عديدة أخرى و مع أن الموقف الأوربي والأمريكي قد تطور في الحرب الخامسة لصالح وقف الحرب وحل مشكلة صعدة حلا سلميا وفقا لاتفاقية الدوحة إلا أن هذا لا يزال من باب الخوف على امن واستقرار اليمن وليس العكس على الأقل حتى هذه اللحظة مع ملاحظة وجود موقف معزول للسعودية مخالف للمواقف الإقليمية والدولية الأخرى من الحرب ويمكن إجمال مواقف الدول والأطراف الخارجية من حرب صعدة على النحو التالي:-
- في البداية سعت بعض أطراف السلطة اليمنية حثيثا من اجل زج أحداث صعدة ضمن التجاذبات الدولية والإقليمية في المنطقة والعالم أي إدخال الحرب ضد جماعة الحوثي باعتبارها حرب ضد الحرب الدولية على الإرهاب من ناحية وضمن عملية التوتر الطائفي والمذهبي بين السنة والشيعة، والصراع بين عدد من دول معسكر الاعتدال (السعودية ومصر والأردن ) مع ما يعرف بمعسكر التطرف أو الممانعة (إيران – سوريا – حزب الله وحماس) وكان هدف بعض الاطراف اليمنية من ذلك هو الحصول على مساعدات أو دور سياسي في المنطقة، وقد كانت هذه الإستراتيجية خاطئة جدا وخطيرة أيضا، لأنه في الوقت الذي استعدت اليمن دول مثل إيران وليبيا بسبب الحملات الإعلامية التي شنتها ضدهما ،فإنها لم تكسب معسكر الطرف الآخر و لم تستطع إقناعه بصحة دعاويها حول جماعة الحوثي كجماعة إرهابية أو طائفية لها أجندات إقليمية.، وكانت مواقف الإطراف عموما محايدة تجاه هذه الحرب اللهم إلا الا السعودية التي ظهرت في الحرب الأولى إلى جانب الحكومة اليمنية ولكن على خجل بينما رفضت بريطانيا ودول الاتحاد الأوربي اعلان أي موقف يبرر الحرب وظلت مواقفها محايدة طوال الجولات الأولى في المقابل بدا موقف الولايات المتحدة منحازا إلى جانب الحكومة ولكن بدون أي موافقة على دعاوي اليمن في موضوع إرهابية الحوثيين
- في الحروب التالية وحتى الحرب الخامسة بدت السعودية نفسها محايدة وغير منحازة إلى جانب السلطة وبدأت مؤشرات بسيطة على تغير موقف أمريكا فضلا عن موقف دول الاتحاد الأوربي لغير صالح استمرار الحرب ضد الحوثي ولكن بدون تدخل ضاغط على السلطة لوقفها وكانت معظم البلدان غير مقدرة لحجم الكارثة الإنسانية في صعدة ما عدا موقف بريطانيا الثابت ضد الحرب
- في الحرب الخامسة وبسبب اتساع نطاق الحرب وعنف المواجهات وما خلفته من كارثة إنسانية تغيرت مواقف غالبية البلدان الدولية والإقليمية بصورة كبيرة لغير صالح موقف السلطة من الحرب وبدأت هذه البلدان تضغط باتجاه وقف الحرب وحل مشكلة صعدة على أساس اتفاقية الدوحة وهو ما بدا وضاحا في موقف الاتحاد الأوربي الذي اصدر بيانا ينص فيه على ضرورة توقف الحرب ومعالجة كوارثها الإنسانية على أساس اتفاقية الدوحة ولأول مرة بداء موقف الولايات الأمريكية واضحا ضد حرب صعدة
في المقابل كان الموقف المغاير هو موقف السعودية التي بدت وكأنها ولأول مرة تدخل في حرب صعدة كطرف فاعل بدا من تصريح مجلس الوزراء السعودي بداية الحرب وقدوم رئيس الأركان إلى صنعاء واستعداده لتقديم مساعدات عسكرية لليمن وانتهاء بقدوم الحديثي مدير مكتب سلطان ولقائه في صنعاء بعدد من مشايخ قبائل حاشد وبكيل وحثه لهم لتشكيل جيش شعبي مستقل لمساندة الجييش في حربه ضد الحوثي وقد كان هذا خطاء كبيرا ترتكبه السعودية في حق اليمن وفي حق نفسها .
لم تكن السعودية بموقفها المنحاز في حرب صعدة تسعى إلى دعم السلطة ونصرتها ضد جماعة الحوثي كما قد يضن ولكن للأسف كان كان بعض مسئوليها بهذا الموقف الداعم للحرب يسعون الى إضعاف اليمن وهز أمنها واستقرارها من خلال إطالة أمد الحرب وجعلها أكثر دموية ،وتوسيع نطاقها اجتماعيا باتجاه الحرب الأهلية والصراع الطائفي والمذهبي وهي بذلك كمن يلعب بالنار ليس ضد اليمن بل وضد استقرار وامن السعودية نفسها خصوصا حين تستدعي الجماعات السلفية الأصولية والإرهابية للحرب في صعدة أي استدعاء خصومها إلى جنوب حدودها الجنوبية في صعدة التي بقيت طوال تاريخها محصنة من الجماعات الإرهابية والوهابية بسبب الخلفية الفكرية والمذهبية لسكان صعدة.
ان مشكلة السعودية الكبرى – هي مشكلة اليمني نفسها – والمتمثلة في غياب المؤسسات الحاكمة وتحول قرارها السياسي إلى قرار شخصي وفي كثير من الأحيان انفعالي وثائرتي من ناحية وغياب دورها الإقليمي واستقالتها من مسؤولية القيام بأي دور فاعل لصالح القضايا العربية والاكتفاء وبالذات في عهد الملك عبد الله الذي يبدوا انه قد سلم كل أوراقه لصالح بقائه في السلطة على حساب كل ثوابت السياسة الخارجية السعودية وهو ما جعل السعودية تتخبط في مواقفها وحساباتها وعلاقاتها الخارجية بما في ذلك قبول دور المؤجج الطائفي والمذهبي في المنطقة وهو ما نلاحظه في سياستها الخارجية تجاه العراق وسوريا ولبنان وإيران والتي لا تكسب منها سوى مزيد من الفشل والتخبط والى درجة أن دولة قطر أصبحت تقوم بادوار إقليمية هامة يصعب على السعودية بإمكاناتها وتاريخها السياسي ان تقوم بها وهو دليل عجز وفشل كبيرين وأخشى ان تورط اليمن في فشلها وفي استدعاء مزيد من الأعداء والأخطار الى حدودها الجنوبية .

ستكون السعودية على خطا كبير إذا اعتقدت أن تدخلها في صعدة سيصب لصالحها فضلا عن صالح امن واستقرار اليمن فبالنسبة لمصلحة امن واستقرار السعودية فان دخولها في الشأن الداخلي اليمني بصعدة يعني استدعاء التنظيمات الإرهابية القاعدية والوهابية إلى حدودها الجنوبية وجعل صعدة معبرا لتصدير السلاح والمقاتلين إلى أراضيها بعد تصفية الحوثيين هذا إذا افترضنا تصفيتهم بعد حرب أهلية طويلة المدى

إن من الأفضل لليمن أن تستجيب لنداءات الاتحاد الأوربي والمجتمع الدولي وتسارع إلى إيقاف الحرب وتطالب العالم بدعمها لان استقرار اليمن لصالح المنطقة والعالم وعليها أن تعي بان الموقف المتعاطف او المشفق على اليمن هو في طريقه إلى أن يتحول الى موقف ضاغط على السلطة اليمنية باتجاه محاسبتها على أخطائها في صعدة وعند هذه النقطة بالذات على رئيس الجمهورية ان يعي ان من يدفعونه الى مزيد من الدماء في صعدة لن يتحملون نيابة عنه تبعات هذه الدماء أمام الشعب اليمني والمجتمع الدولي بل إن هولا سيكونون أول من يتخلى عن مسؤوليتهم في هذا السبيل
وأخيرا
. الأخ الرئيس .... تساؤلات عديدة تواردت إلى ذهني وانأ اكتب الرسالة وكانت جميعها تدفعني إلى التردد حينا والإحجام حينا آخرا ومن ذلك أن البعض سيصف الرسالة "بالسذاجة" وبان صاحبها "عاطفي" أكثر من اللازم والى درجة أنه يعتقد بان قضايا كبرى ومصيرية مثل قرار الحرب والسلام في صعدة يمكن أن تؤثر فيها مثل هذا النوع من الرسائل المثالية في حين أن هذه القضايا عادة ما تدخل فيها حسابات داخلية وإقليمية ودولية معقدة وبحيث يصعب على الرئيس أو غيره اتخاذ قرار نقيض لما هو نافذ من القرارات ،حتى وان رغب في ذلك !!!

غير أنني لم أباه لمثل هذا النوع من الأوصاف والمبررات وقررت أن امضي في استكمال هذه الرسالة محاولا إقناع نفسي بان السذاجة أو السطحية والمثالية في مثل هذه الحالات هي في الحقيقة ،اقدر على ملامسة الحقيقة حتى ولو كانت مرة، واقرب إلى حب الوطن والسلام بين أبنائه من لغة التعقيد والتركيب ، وان من يحافظون على "حصافتهم" ولؤمهم لن يعملوا شيئا سوى المشاركة بالصمت والتواطؤ في حرب عبثية لا نهاية لها ولا هدف منها سوى القتل والدمار وتمزيق نسيج المجتمع اليمني الواحد ،معتقدا بأنكم لن تخذلوني وبأن قرار السلم لازال ممكنا وكلما تأخرنا أكثر كلما تدخلت أطراف جديدة وجعلتها أكثر تعقيدا
تقبلوا تحياتي والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
المواطن /محمد محمد المقالح
صنعاء نهاية يونيو2008م

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس حقوق الإنسان“