الغيبة و آثارها على المجتمع

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
alimohammad
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 357
اشترك في: الأربعاء مارس 26, 2008 2:47 pm

الغيبة و آثارها على المجتمع

مشاركة بواسطة alimohammad »

بسم الله الرحمن الرحيم


قال الله العظيم في محكم كتابه الكريم:

« وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَ اتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَّحِيمٌ»[1] .


لا شيء أهم من أن يعيش الإنسان في مجتمعه آمناً على نفسه و ماله و عرضه، ذلك لأن الإنسان شخصٌ و شخصية. و إذا كانت سلامته الجسمية و المالية هي قوام شخصه و وجوده المادي، فإن سلامته المعنوية و حفظ سمعته هي قوام شخصيته المعنوية و الاجتماعية، لذلك فإن الإسلام بقدر ما يشدد على حرمة الإنسان فيما يرتبط بجسمه و ماله فإنه أكثر تشدداًً بالنسبة لما يرتبط بحرمة مكانته و جاهه و سمعته.


إن الإنسان إذا كان يعيش في مجتمع يواجه فيه اعتداء جسمياً فإنه بالتأكيد لا يحس بالأمن و الاستقرار، و كذلك لو تعرض إلى اعتداء على مكاسبه المادية كنهب منزله، أو سلب أرضه، أو سرقة أمواله فلن يحس بالأمن و الاستقرار، و كذلك الحال لو انتهكت كرامته و سمعته، بمعنى انه يتعرض للتجريح و التشهير فهذا أيضاً لا يحس بالأمن في ذلك المجتمع، و مجتمعات كهذه لا تجذب من يعيش فيها و لا ترغبهم في حبها و الانتماء إليها.


المجتمعات الغربية بالرغم من أن الفلسفة السائدة فيها هي فلسفة مادية لكنها وضعت قوانين تحفظ حقوق الناس في بعديها المادي و المعنوي، فكما أنه لا يستطيع أن يعتدي على مال الآخر لأنه سيكون تحت طائلة القانون، كذلك فإنه لا يستطيع أن يعتدي على سمعة الآخر لأنه سوف يكون تحت طائلة القانون أيضاً، و لذلك عندما ترفع دعوى على شخص ما، و يثبت بعدها أن الحق معه، فإنه يقوم برفع دعوى يطالب فيها بالتعويض و إعادة الاعتبار عن الأذى المعنوي الذي تعرض له.



الغِيبة:

تؤكد تعاليم الإسلام على هذا الجانب بصورة كبيرة، فاحترام أموال الناس و ممتلكاتهم و أعراضهم و سمعتهم على حد سواء، تقول الآية الكريمة: « و لا يغتب بعضكم بعضا» نهي صريح عن الاعتداء على شخصية الآخر بالتحدث عنه بما يسوء إليه و يشوه سمعته و هو ما يسمى بالغيبة.


من ضروريات الدين كما يتفق على ذلك جميع المسلمين حرمة الغيبة، و القول بأنها عمل محرم، و أنها من كبائر الذنوب و التي ورد التشديد على تركها، و توعد من يقوم بها و يفعلها بالنار و العذاب الشديد، فالآية الكريمة تؤكد: « ولا يغتب بعضكم بعضا» أي لا يمارس بعضكم هذا العدوان على الآخر، فالغيبة حرام في المجتمع المسلم، بل يمكن القول في المجتمع الإنساني بشكل عام، ثم تأتي الآية الكريمة بمثال يوضح بشاعة الغيبة، و هي تشبيه من يغتاب غيره بأكل لحم أخيه ميتاً، أرأيت الإنسان الذي يجلس أمام جنازة أخيه ثم يتناول منه لحماً و يأكله! هل تحس و تشعر ببشاعة هذا المنظر؟ هكذا هو حال من يذكر غيره بسوء في ظهر الغيب. و الصورة واضحة لأن أكل لحم الميت هو اعتداء على من لا يقدر الدفاع عن نفسه، و ذكر الغير بسوء في غير محضرهم حيث لا يستطيعون الدفاع عن أنفسهم، يشبه ذلك تماماً. فالغيبة – باعتبار أنها مأخوذة من الغياب – هي التحدث عن عيوب الشخص في غيابه، و هنا لن يستطيع الدفاع عن نفسه. أي كأنها حالة انتهاز غياب الغير بالتحدث عنه بما يكره دون أن يدافع عن نفسه، كانتهاز جسد الميت و أكله و هو لا يستطيع المقاومة.



الآثار السيئة للغيبة:

يعرف العلماء و الفقهاء الغيبة بتعريفات عديدة لعل أرجحها: ذكر عيوب مستورة لإنسان غائب. أحياناً يتجاهر الإنسان ببعض الصفات السيئة فذكره بها لا يعد غيبة، لأنه لم يستر عيبه. و أحياناً يكون للإنسان عيب و بالرغم من ممارسته له، إلا أنه لا يحب أن يظهره، و لا يحب أن يذكره أحد به، فإذا ما أعبته بما يكره في ظهر الغيب فقد اغتبته، و هذا لا يجوز لما يترتب على ذلك من أمور:


ـ إن هذا الأمر يعد عدواناً على سمعة و شخصية المذكور.

ـ تعود الإنسان على هذا الأمر، إذا ذكرت شخصاً ما بسوء، ستذكر آخر، و هكذا سيكون الأمر مستساغاً عندك، و كما في تشبيه الآية الكريمة، لو أكلت لحم ميت مرة، سيكون أكله مستساغاً في غيرهن من المرات، يقول أمير المؤمنين علي عليه السلام : « لا تعود نفسك على الغيبة فإن معتادها عظيم الجرم»[2] .

ـ تلويث أجواء المجتمع بما هو سلبي، و المساعدة على انتشاره، فعندما تتحدث عن عيب فلان من الناس فإن حديثك عن عيبه يرسخ العيب في أسماع الناس فيتطبعوا به، حتى تسمع عمن يغتابك، كما ورد في الحديث عن الإمام الصادق عليه السلام : « لا تَغتب فتُغتب » [3] .

ـ التسبب في رد فعل الآخر، فمن يُغتب قد يصله الكلام بشكل أو بآخر، فيسعى للانتقام، أو الدفاع عن نفسه، مما يجعل المجتمع ساحة للصراع و العداوات و انتشار البغضاء.

ـ معصية الله، و حرق الحسنات بالسيئات، و التنازل عن أعمالك الحسنة لغيرك في يوم أنت بأشد الحاجة إلى تلك الأعمال لتثقل بها ميزان أعمالك، فقد ورد حديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله يقول: «يؤتى بأحد يوم القيامة، يوقف بين يدي الله، و يُدفع إليه كتابه فلا يرى حسناته! فيقول: إلهي ليس هذا كتابي فإني لا أرى فيه طاعتي! فيُقال له: إن ربك لا يضِل و لاينسى، ذهب عملك باغتياب الناس، ثم يُؤتى بآخر و يُدفع إليه كتابه فيرى فيها طاعات كثيرة فيقول: إلهي ما هذا كتابي فإني ما عملت هذه الطاعات! فيُقال: لأن فلاناً اغتابك فدُفعت حسناته إليك»[4] . و هذا ما يهون الأمر عند المستغاب، لأن حقه محفوظ عند الله. و لذلك إذا قيل لشخص أن فلاناً من الناس قال عنك كذا و كذا فإنه إن كان شخصاً عادياً يغضب، و لربما عامل بالمثل، و لكنه إذا كان مؤمناً لا يهتم بالأمر، و لربما صفح عمن أساء إليه.


حديثهم نور:

يتعجب الإنسان من تشديد النصوص الدينية على مسألة الغيبة، و هنا يدرك اهتمام الشرع بحفظ سمعة الآخرين و مكانتهم المعنوية في المجتمع، و لذلك نجد روايات كثيرة عن النبي و أهل البيت عليهم السلام تنهى عن الغيبة و بكل شدة:


رسول الله صلى الله عليه و آله و في خطبة الوداع، و نحن نعلم ما لهذه الخطبة من أهمية حيث ركز فيها رسول الله على القضايا الأساسية التي تهم الأمة، يقول: « ألا إن دماءكم و أموالكم و أعراضكم عليكم حرام كحرمة يومكم هذا في شهركم هذا و بلدكم هذا»[5] و الأعراض تعني المكانة المعنوية للأشخاص.


و يروى عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام أنه قال: « أبغض الخلائق إلى الله المغتاب»[6] . و يروي الصحابي الجليل أبو ذر الغفاري رضوان الله عليه عن النبي صلى الله عليه و آله في وصية له أنه قال: « يا أبا ذر، إياك و الغيبة، فإن الغيبة أشد من الزنا. قلت: و لم ذاك يا رسول الله؟ قال: لأن الرجل يزني فيتوب إلى الله فيتوب الله عليه، و الغيبة لا تُغفر حتى يغفرها صاحبها»[7].


فالغيبة جريمة من بُعدين فهي معصية لله تعالى، و عدوان على شخص ما. و هناك روايات أخرى على هذا الصعيد منها: « أن الله تعالى قال لموسى عليه السلام : من مات تائباً من الغيبة فهو آخر من يدخل الجنة، و من مات مصراً عليها فهو أول من يدخل النار »[8] ، و حديث آخر عن الرسول صلى الله عليه و آله أنه قال: «ترك الغيبة أحب إلى الله من عشرة آلاف ركعة تطوعاً»[9] .



مجالس الغيبة:

ما هو واجب المؤمن عندما يحضر مجلساً يسمع فيه غيبة للآخرين؟

هناك مجالس سمتها غيبة الآخرين، كأن شغلهم الشاغل تتبع عثرات الغير، و مع الأسف أنك تجد مثل هذا الأمر في الأوساط الدينية و ذلك بسبب اختلافاتهم في الرأي، أو تضارب مصالحهم، فيقوم البعض بذكر معايب الآخرين و كأنما غاب عن بالهم أن هذا الأمر من أعظم المحرمات.

بعض المتدينين يرى في نفسه زهواً لأنه لا يشرب الخمر، و لا يزني، و لا يمارس أياً من الكبائر، و عندما يرى أو يسمع عن غيره أنه ابتلى بمثل هذه المعاصي، يحمد الله أن نجاه منها، و لكنه يذكر مساوئ الآخرين و يشبعُ غيبة لهم، و ما كأن هذا الأمر من الكبائر، و أنه لا يقل عن الذنوب الأخرى، بل كما يقول رسول الله صلى الله عليه و آله في الحديث الذي ذكرناه سابقاً: « الغيبة أشد من الزنا».



إذا حضرت مجلساً كهذا فما هو واجبك؟

قد تكون منزهاً عن ممارسة الغيبة، و لكنك الآن تعرضت لاستماع الغيبة من الغير، فما يكون موقفك؟

الفقهاء يؤكدون أن استماع الغيبة إثم كقولها، إذا استمعت إلى من يستغيب شخصاً ما، و سكت على ذلك، و لم تدافع عن أخيك المؤمن، كنت شريكاً في هذه الغيبة.

و لذا يتوجب عليك أن ترد الغيبة، و أن لا تقبل بها، البعض يتعذر بالحياء، و هو عذر غير مقبول، إذا دعيت على شرب كأس من الخمر، فهل يكون الحياء مبرراً لك لشربه؟ و إذا ما رأيت من يأكل لحم ميت و دعاك لمشاركته، فهل يكون الحياء مبرراً لك لتشاركه، أو تسكت عنه؟

البعض إذا نهيته عن ذكر الآخرين بسوء، و دفعت الغيبة التي يلهج بها، يقول لك: إن ما أقوله صحيح! و هذا ليس مبرراً للغيبة، فالغيبة ذكر الشخص بما هو فيه، في ظهر الغيب.

جاء في الحديث عن رسول الله صلى الله عليه و آله أنه قال: «من نصر أخاه بظهر الغيب نصره الله في الدنيا و الآخرة»[10] و عنه صلى الله عليه و آله قال: «إذا وُقع في الرجل و أنت في ملأ فكن للرجل ناصراً و للقوم زاجراً و قم عنهم»[11] . لا ترض لنفسك أن تجلس في مجلس الغيبة، لأنه مجلس منكر.

حكى لي بعض الأصدقاء أنه كان قبل أيام في مجلس أحد العلماء الأجلاء، فتحدث أحد الحاضرين عن عالم من العلماء بسوء، فغضب ذلك العالم، و نهره عن مثل هذا الحديث، و قال له: إذا كنت تتحمل عقاب مثل هذا الأمر فأنت حر، لكنا لا نتحمل ذلك، فلا تعد إلى مثل هذا الأمر في مجلسنا. و هذا هو الموقف الصحيح.


نسأل الله تعالى أن يجملنا بالخلق الحسن، و أن يمّن علينا باحترام حقوق الآخرين، و الحمد لله رب العالمين، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين.



الهوامش:

[1] الحجرات، آية 12.
[2] التميمي: عبدالواحد الآمدي، غرر الحكم ودرر الكلم، ج2، ص327، ط1، 1407هـ، مؤسسة الأعلمي للطباعةـ بيروت.
[3] المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج72، ص249، ط3، 1403هـ، دار احياء التراث العربي ـ بيروت.
[4] المجلسي: محمد باقر، بحار الأنوار، ج72، ص259.
[5] المصدر السابق، ج23، ص165.
[6] غرر الحكم، ج1، ص195.
[7] العاملي: محمد بن الحسن، وسائل الشيعة، ج12، ص281، ط1، 1413هـ، مؤسسة آل البيت لإحياء التراث ـ بيروت.
[8] الملا يري: اسماعيل المعزي، ج20، ص528، قم ـ إيران 1413هـ.
[9] بحار الأنوار، ج72، ص261.
[10] الري شهري: محمدي، ميزان الحكمة، ج7، ص353، إيران ـ قم 1403هـ.
[11] الهندي: علاء الدين علي المتقي، كنز العمال، ج3، ص586، ط5، مؤسسة الرسالة ـ بيروت ـ 1405هـ.

بقلم سماحة الشيخ حسن الصفار

http://www.saffar.org/?act=artc&id=1007
ماشاء الله لاقوة الا بالله، عليه توكلت و اليه انيب.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“