(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم)

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم)

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن
معرفة الله _ وعده ووعيده
الدرس الحادي عشر

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم)

ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ
30 / 1 / 2002 م



هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في
أشرطة كاسيت ، وقد القيت ممزوجة
بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية
العامية .
وحرصاً منا على سهولة الإستفادة منها
أخرجناها مكتوبة على هذا النحو .
والله الموفق .

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين .
ولنبدأ في الدرس ،درس حول دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده في آيات كلماتها من أرق الكلمات وألطفها ، منها يستشعر الإنسان رحمة الله الواسعة التي تتجلى في عمله على أن يهدي عباده إلى ما ينقذهم من عذابه الشديد .
قال الله سبحانه وتعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (5 بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } سورة الزمر.
هذه الآيات– كما يقال عنها–هي من أرق الآيات في القرآن الكريم وألطف العبارات ،تأتي بهذا المنطق المتلطف { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ } بالمعاصي ؛بما وقعوا فيه من ضلال ،لا يصدّكم استعراض ماضيكم وما كنت عليه فترى أن ماضيك كان مظلماً ،وأن أعمالك كانت كلها أو معظمها قبيحة فيتعزز في نفسك اليأس وتظن بأنه لا مقر لك سوى جهنم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (53) سورة الزمر لا تيئسوا. والشيطان قد يعمل على أن يصل بالإنسان إلى اليأس ، فإذا ما أتى إليك وأنت تحدث نفسك بماضيك وبمواقفك وبتقصيرك ، فترى أن أعمالك الحسنه قليلة جداً ،وأعمالك السيئة كثيرة جداً ،قد يعمل على أن يوجد لديك حالة من اليأس .. الله يقول { لا تقنطوا من رحمة الله } من بقاء رحمته من أن تحظوا برحمته ، وتحصلوا على ما يوصلكم إلى مستقر رحمته .
{إن الله يغفر الذنوب جميعاً } ما يبعد الإنسان عن رحمة الله هي الذنوب، ما قد يجعله يقنط من رحمة الله هي الذنوب ،ويقول كل الذنوب قد جعل لها توبة ، من كل الذنوب يمكن أن تتخلص { إن الله يغفر الذنوب جميعا } أي ذنب أنت فيه ، أي ذنب وقعت فيه بإمكانك أن تتخلص منه وتتوب إلى الله منه ،ليس هناك ذنب ليس له توبة { إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } هو سبحانه وتعالى يغفر لمن أناب إليه ، يتوب على من تاب إليه ،لأنه غفور رحيم ،بهذه العبارة التي تعني المبالغة-كما يقولون – أي كثير الغفران ، عظيم الرحمة .
{ وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له } أليس هنا يرشد ؟. بعد أن دعا عباده حتى أولئك – الذين الدعوة موجهة إليهم – الذين أسرفوا على أنفسهم ، أن يقول لهم : أن بإمكانهم أن يحصلوا مما هم عليه فلا ييئسوا من رحمته إنه غفور رحيم .
ثم وجههم إلى كيف يعملون ، وهذا هو في القرآن الكريم من أظهر مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ، يحذرهم ، ثم يرشدهم ،ثم يبين لهم ما يمكن أن يحصلوا عليه من جزاء عظيم برجوعهم إليه ،يتكرر هذا في القرآن الكريم كثيراً ليبين للناس كيف يعملون ليعودوا إلى إليه ،كيف يعملون ليحصلون على ثوابه ، كيف يعملون ليحصلوا على رضوانه .
{وأنيبوا إلى ربكم } الإنابة الرجوع إلى الله ،الرجوع بإخلاص،{وأسلموا له } أسلموا أنفسكم له ، أخلصوها له ،سلموها له،عبّدوها له ،سلم نفسك لله ،وأن تسلم نفسك له يعني انقطاعك إلى الله سبحانه وتعالى واستعدادك لأن تسير على هدية ،وأنيبوا أسلموا ،وأنتم ما تزالوا في فترة تقبل منكم الإنابة ويقبل منكم الإسلام ،وتنفعكم الإنابة،وينفعكم الإسلام .
{ من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } أما إذا ما جاء العذاب فإن عذاب الله لا أحد يستطيع أن يرده،عذاب الله لا أحد يستطيع أن يدفعه،عذاب الله لا تجد من ينصرك في مواجهته ليحول بينك وبينه.أن ننيب إليك أن نسلم لك قد تكون هذه حالة نفسية .. أليس كذلك؟.أستطيع أم أقول عندما أتذكر وضعيتي وأتذكر ما عملت من ذنوب أن أقول أستغفر الله العظيم وأتوب إليه بإخلاص وانقطاع إلى الله ،وما كان من الأعمال له علاقة بالآخرين أن أنوي التخلص من الآخرين .ثم أرسخ في نفسي استعدادي التام للإسلام لله .
ثم ماذا بقي إذاً ؟.هناك منهج تسير عليه ،هذه حالة نفسيه قد تحصل لديك ،لكن ليس إلى هنا وانتهى الموضوع ،انطلق ، هذه هي بداية رجوعك إلى الصراط المستقيم ،إلى الطريق الذي يوصلك إلى رضوان الله وجنته .
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } لا تتوب من ذنب ثم تعود إلى الوضعية السابقة إلى حالة فراغ ،أن توطن نفسك على الاستعداد للعودة إلى الله والإسلام لله ثم تظل في نفس الوضعية السابقة.لا.
هذه إنما هي بداية تصحيح وضعيتك للتخلص من الماضي المظلم ، يبدأ باستعداد نفسي يتمثل في التوبة ، وتوطين النفس على الاستسلام لله سبحانه وتعالى ،ثم الانطلاقة العملية ..وهي ماذا؟.الأتباع لأحسن ما أنزل إليكم من ربكم .
أنت عندما تتوب من ذنب ثم تضل في وضعيتك السابقة فارغ لا تتوجه توجهاً عملياً فأنت معرض لأن تعود إلى الذنب من جديد ، ثم لا تدري – استغفر الله العظيم وأتوب إليه - وتبقى على نفس الوضعية الأولى فستدخل في الذنب من جديد وهكذا، حتى يتغلب عليك الشيطان فيكون هو الذي يغلبك في الأخير .
التوبة هي بداية رجوع،هي الخطوة الأولى على طريق العمل الذي يتمثل في إتباع أحسن ما أنزل الله إلى عبادة ،ولأن هذا هو الذي يوفر لك أمناً من الوقوع في المعاصي من جديد على النحو الأول ،وأنت منطلق لإتباع القرآن الكريم ،إلى العمل بالقرآن الكريم بهدايته بإرشاده ،سيبعدك هذا كثيراً جداً عن معاصي الله سواء ما كان منها ذنوب تقترف أو ما كان منها بشكل تقصير وتفريط .
ألسنا عندما نرجع إلى آيات الله نكتشف تقصيراً كبيراً لدينا ؟.حتى أولئك الذين يظنون أنهم أصبحوا من أولياء الله كم يكتشف من تقصير كثير في ميدان العمل في سبيل الله ،في ميدان الجهاد في سبيل الله ، في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله وإصلاح عبادة ..ألسنا مقصرين في هذا ؟.وهذا تقصير رهيب جداً ، تقصير كبير جداً ، لا تقبل معه – ربما – أي طاعة من الطاعات الأخرى .الإسلام دين مترابط ،دين متكامل لا يقبل منك هذا وأنت تارك لهذا ورافض له ،يجب أن تتحرك في كل المجالات ،أن تتحرك بكل إمكانيتك في كل المجالات ؛لأن الله أنزل إلينا دين كاملاً فلماذا يكون تطبيقنا له منقوصاً؟.لو كان يمكن أن يقبل منا المنقوص لأنزل إلينا جزء من الدين{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فلماذا هذا الدين الكامل ننطلق في مجال تطبيقه تطبيقاً متناقصاً؟. والله ربطني بهذا الدين الكامل ،ووعده بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة مرتبط بهذا الدين الكامل .
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } كأن هذا يوحي أيضاً بأن التوبة نفسها لا يكون لها أثر إذا لم تنطلق أنت في إتباع ما أنزل الله إليك ،وهنا يقول{ما أنزل } ولم يقل ( بعض ما أنزل ) ..هل قال ( بعض ما أنزل ) ؟.ما الذي أنزل؟.تصفح آيات القرآن الكريم ستجد ماذا أنزل . في الوقت الذي أنزلت فيه الصلاة والزكاة التي نحن نعملها أنزل فيه الجهاد،أنزل فيه وحدة الكلمة ،أنزل فيه الاعتصام بحبله جميعاً ،أنزل فيه النهي عن التفرق ،أنزل فيه الأمر بالإنفاق في سبيل الله ،أنزل فيه الأمر بالنصيحة والتواصي بالحق ،أنزل فيه أشياء كثيرة أخرى هي أكثر مما نعمل .
أعتقد أن ما نضيعه من الإسلام ونتركه هو أكثر بكثير مما نطبقه ..حقيقة تعال وأعمل جدول بما تحدث عنه القرآن الكريم ودعا عباد الله إليه ثم انظر كم هي التي نطبقها وتعد واحده اثنتان ثلاث إلى سبع من مئات الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي هي تمثل الدين الكامل لله سبحانه وتعالى .
وعندما يقال في أصولنا أن التوبة يجب أن تكون توبة من كل الذنوب {إنما يقبل الله من المتقين } أن تتوب من ذنب واحد وأنت مصر على ذنوب أخرى ،فيجب أن نفهم كلما قلنا (ذنوب) أن الذنوب ليست فقط تلك التي يتبادر إلى أذهاننا اقتراف معاصي معينة ,التقصير من الذنوب الكبيرة ،القعود عن العمل في سبيل الله عن الإنفاق في سبيله عن الجهاد في سبيله عن الاعتصام بحبله ،التقصير فيها من الذنوب الكبيرة ،{ولا تكونوا كالذين تفرقوا من بعد ما جاءتهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم } يقال في أصولنا : أن الكبائر ما توعد الله عليها فهي كبيرة ..ألم يتوعد بعذاب عظيم على التفرق والاختلاف ؟ فهي معصية كبيرة .
فعندما يقولون بأن التوبة يجب أن تكون من كل المعاصي فتوبة جزئية من معصية وأنت مصر على معاصي أخرى ،وأنت في وضعية عصيان باعتبارك مقصر أيضاَ تقصيراً لا مبرر لك فيه ،فتوبتك لا تقبل حتى من الأشياء التي نحن متفقون في عرفنا على أنها معاصي .
الناس الآن أصبح لديهم عرف أن تلك الأشياء التي وجهة الله عباده إليها وألزمهم بها لا نجعل التخلي عنها معاصي ..ألسنا نصف بعضنا ببعض بأنهم مؤمنين ،ونقول عن فلان أنه من أولياء الله ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون في أعمال كبيرة جداً هي من أساس الإسلام بكله .
لا يصح أن ندعي بعضنا بعض باسم الإيمان ونحن في هذه الحالة ،لا لكبير لا لعالم ولا لجاهل ،لا يصح ..كيف أسميك مؤمنا وأنت تسميني مؤمنا ،أسميك ولياً من أولياء الله وأنت تسميني ولياً من أولياء الله ونحن جميعاً نعرف أننا مقصرون في العمل في سبيل الله ..ألسنا قد تعرفنا على نبذ الكتاب ،وقد اتفقنا على أن هذه لم تعد ذنب ولا معصية ، الناس هكذا وصلوا الآن كلنا اتفقنا على هذا وقد اتفقنا على الأشياء الباقية هي ما نسمي بعضنا بعضاً إذا كان يؤديها باسم ( إيمان ) فنقول : ( سيدي فلان من أولياء لله..الحاج فلان من أولياء الله ). لا تجد سيدي فلان ولا الحاج فلان يعملون في سبيل الله ، فلسنا من أولياءه ،ولسنا مؤمنين فعلاً .
ألم يقل الله {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}هنا سنكون صادقين إذا قلت لك :أنت مؤمن .وتقول لي أنا مؤمن ،لكن نحن كاذبون إذا كنا لا نعمل في سبيل الله ،ولا نجد في العمل في سبيل الله فتقول لي مؤمناً وأقول لك مؤمناً ،هنا قال{أولئك هم الصادقون}وحدهم هم هؤلاء الصادقون في إيمانهم ،فأنا وأنت كاذبون ،بعد أن دعا عباده إلى العودة إليه ،العودة هي هذه أن تنيبوا أن تسلموا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ،ويكرر أن الذنوب سواء ما كانت بشكل معاصي المعاصي التي نحن معترفون بها ومتفقون عليها ، أومن المعاصي التي قد تعارفنا أ،ها ليست معاصي ،يجب أن نتخلص منها ونعود إلى الله وإلا فهناك العذاب الذي كرر في الآية مرتين ، {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } .
لا حظ هنا في قول الله تعالى {وأنتم لا تشعرون} {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } الحالة التي نحن فيها ..ألسنا متفقين ومع بعضنا بعض بأننا مؤمنون ؟.قد يأتينا العذاب يوم القيامة بغتة ونحن لا نشعر ثم نتعجب! ألم نكن مؤمنين فما بالنا ؟. لأنه في اتباع القرآن يحصل هكذا من جانبنا ،وهو ما نحن عليه كباراً وصغاراً ..أليس كذلك؟.أن جزءاً كبيراً من القرآن الكريم لا نعمل به إذا فنحن نسير ونحن معصبون على أعيننا ،فقد لا تفتح عينيك إلا وترى جهنم أمامك من حيث لا تشعر.
{اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم } ولأن في توجيهات الله داخل القرآن الأحكام الشرعية الهداية من الله سبحانه وتعالى داخل القرآن الكريم مثل الجهاد في سبيل الله ،الجهاد سماه الأمام علي عليه السلام (سنام الإسلام ) .يرتبط به أشياء كثيرة فهناك حسن وأحسن داخل التشريع نفسه ،فالأحسن هو الذي يقودك إلى أن تطبق كلما هو مرتبط به ،ومتى ما انطلقت للاهتمام به ستهيئ نفسك والآخرين سيهيئون أنفسهم لأن يطبقوا كلما هو مرتبط به من هداية الله سبحانه وتعالى من الأعمال والأقوال والسلوك وغيرها .
لكن متى ما أهمل الناس هذه المبادئ المهمة الكبيرة أهملوا كلما وراءها، أو انطلقوا في الصغار بشكل لا يترك أثراُ .من يتأمل في سيرة القدامى من أئمة أهل البيت عليهم السلام يرون هكذا أن هناك في الإسلام أشياء الدين كله مرتبط بها متى ما غابت أصبح الدين كلا شيء ،وأصبحت أعمال الناس كلا شيء .
اجتمع مجموعة من كبارهم في بيت واحد من أولياء أهل البيت محمد بن منصور المرادي وكانوا يصلون فرادى وهم مجتمعون ،وليس من منطلق أنه لا أحد يثق بالآخر كلهم يقدرون بعضهم بعضاً ويحترمون بعضهم بعضاً من كبار علماء أهل البيت لكنهم يرون حتى صلاة الجماعة أصبحت لا تصح مع غياب إمام حق ،فكانوا يصلون فرادى .فطلب منهم محمد بن منصور المرادي أن يعينوا شخصاً وأن يتفقون على شخص منهم يجعلونه إماماً قال :لنتمكن من أن نصلي جماعة فتصح جمعتنا وجماعتنا .
فيرى الناس متباينة قلوبهم يستنكرها لا ألفة فيما بينهم لا أخا فيما بينهم لا صدق فيما بينهم لا وفاء ، لا اهتمام بشأن بعضهم بعض ..أليست هذه حالة نحن نلمسها في المجتمعات ..تحصل هذه إذا ما حصل تقصير .
ويدل هذا على أن تلك الأعمال التي تعملها هي لا تقبل منك ،ما يدرينا هل صلاتنا مقبولة؟.هل صيامنا يقبل ؟ ،هل زكاتنا تقبل؟ ،ربما أقصى ما يمكن إذا صحت صلاتنا وصيامنا وزكاتنا فقط لا نؤاخذ على أننا تركنا الصلاة وتركنا الزكاة وتركنا الصيام ،لكن أن تقبل منا فنعطى ثواباً وجزاءً من الله عليها هذا شيء آخر ،فقط لا نؤاخذ بأننا تاركي صلاة ،أنا أصلي لكن صلاتي لا تقبل ،في الوقت الذي لا تقبل قد يكون أكثر ما أحصل عليه من خلالها هو أنني لا أعذب بأنني تارك صلاة ،لكن أنت تحصل على الثواب الكبير من الصلاة ..ألسنا نتزاحم في المساجد جماعات ،ونقول الجماعات بخمسة عشرين صلاة؟. ، لا أعتقد بأنها قد تقبل حتى الصلاة الواحدة بالشكل المطلوب وهي أشياء كثيرة .
ألم يربط هنا التوبة نفسها وقبول التوبة بإتباع أحسن ما أنزل إليكم من ربكم؟.التوبة من هذا الذنب أو من هذا مرتبطة بالإتباع لأحسن ما أنزل إليهم من الله ،وأن ينبهنا على هذا{من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة } وهذه هي الخطورة .
نحن في مسيرتنا نرى أنفسنا كأننا نؤدي كل شيء بالشكل التام ..ألسنا نتوقع أننا قد نتعذب أليس كذلك ؟. هل سيكون العذاب بالنسبة لناس على هذا النحو عندما يرون أنفسهم أنهم قد يقعوا في العذاب هو يعتبر مفاجئاً بالنسبة لهم ..أليس يعتبر مفاجئاً بالنسبة لهم ؟.لكن المجرم .. أليس المجرم هو يتوقع أنه سيؤاخذ على أعماله ؟.إذاً لم يكن العذاب بالنسبة له مفاجئة ،السارق أو الذي يعمل معصية هل سيكون السجن له مفاجئاً ؟. لا . هو يعرف من بداية ما يدخل بين أموالك ليسرق أنه في حالة يمكن أن يسجن ولهم الحق أن يسجنوه فلن يكون السجن مفاجئاً ،سيكون مفاجئاً لك أن تكون في بيتك فيدخلون ليدعوك ويقولون جاوب فيسجنوك وأنت لا تدري لماذا .. أليس مفاجئاً ، هذه بغتة .هكذا قد نكون في وضعية متفقين مع أنفسنا أننا نمشي في طريق الجنة ،وأننا نعمل بالقرآن لكننا في الواقع كافرين أو تاركين أو رافضين لأشياء مهمة هي من أحسن ما أنزل الله ،فلا يفتح الناس أعينهم إلا على شفير جهنم ،سيكون هناك العذاب بالنسبة لهم مفاجئاً سيكون بغتة {وأنتم لا تشعرون}بأنكم كنتم تتجهون إلى طريق جهنم بأن تلك الذنوب هي قد تؤدي إلى جهنم. لا يمكن يوم القيامة أن نقول :والله لا سرقت ولا زنيت ،ولا قتلت نفساً محرمة ولا أكلت مال أحد.أليست هذه هي العبارات المعروفة لدينا ؟.لكن باقي أشياء ارجع إلى القرآن الكريم تجد أنه بقي أشياء كثيرة .
هل جاهدت في سبيل الله ؟.لا.ألم يقول الله لك {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ألم يقل هكذا؟. هل يمكن أن تضيفها بين هذه؟.فتقول: لا قتلت نفساً ، ولا أكلت مال أحد ،ولا جاهدت في سبيل الله .وفعلاً أنك لم تجاهد في سبيل الله ، مكنك أن تقول : الحمدلله أنا مصلي وصائم ومزكي وحاج بيت الله .وماذا ؟.ألم ينتهي ؟. هل هناك شيء آخر .هل يمكن أن تقول : ومنفق في سبيل الله ،ومجاهد في سبيل الله ،وآمر بالمعروف وناهي عن المنكر
،ومتعاون على البر والتقوى ،ومتوحد مع إخواني ،وأوصي الآخرين بالحق وبالصبر على الحق ، وأقول كلمة الحق ..الخ . أشياء كثيرة غائبة .
لنا أربع أو خمس نعدها من أحكام الله ونفعلها ،الأربع أو الخمس هذه –لو تفهموا- الغاية منها وهي كلها في خدمة تلك المبادئ الضائعة كلها ،الصلاة الزكاة الحج الصيام كلها في خدمة المبادئ المهمة التي ركز عليها القرآن والتي أعلاها الجهاد في سبيله والعمل على نشر دينه ،ومحاربة أعدائه.
ألم يقل في الصلاة :{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }؟. الزكاة كذلك ،أليس جزء منها في سبيل الله ،حتى أولئك الفقراء الذين يعطوا من الزكاة ،ولتهيئة المجتمع في داخلة ،أن لا يكون هناك فئة تعيش مبتعدة نفسياً عن الفئات الأخرى فالفقير يجد نفسه يأكل مع الغني من أمواله ،فليس بينه وبينه بون في داخل أعماق نفسه فهو قريب منه إذاً قريب من أن يتوحد معه ،ولهذا وجبت الزكاة في العين ،في أعيان الأموال ،لا تقبل نقداً إلا في حالات خاصة عندما يكون النقد هو الأصلح ،وإلا فالواجب في الزكاة أن تكون من العين .. لماذا ؟.
لأن الفقير الذي يرى المزارع ،يرى الأموال ،يرى بأنه سيحصل معك من هذا المال ،وسيأكل معك من هذه المزرعة ،ويخزن معك من هذا القات ، ويشرب قهوة معك من ذلك البن ،ويحصل على علف من ذلك العلف فيكون الناس في واقعهم كأنهم أسرة واحدة ،يعمل على تعزيز الروابط فيما بينهم. الفقير إذا ما أصبح يرى كل شيء ،ويرى أنه لا احد يعطيه شيئاً فالزكاة لا يعطى له شيء منها ،سيصبح في وضعية بعيدة عن الآخرين جداً فهو بعيد عنهم بنفسيته ،بل قد ينطلق ليسرق أموالهم ،ينطلق لينهب ، يحسد إذا ما رآك في نعمة فوجبت الزكاة في العين .
فأي فقير يرى الأموال وكأنها له ،يعطيه هذا وهذا ،الزكاة من عين ما رأى ،فلا يحقد ،ولا يحسد ،ولا يعادي ،ولا يتعدى ..كيف يسرق وهو يرى بأن بإمكانه أن يعطى حلالاً من ذلك القات ،كيف سيتعدى على ثمارك من الحبوب ونحوها وهو يرى بأنك ستوصل إلى بيته زكاة من هذا المال.
الزكاة نفسها تخدم أو تعزز الروابط الاجتماعية فيما بين الناس ،والعلاقات والرابط النفسية لتهيئهم لأن يكونوا مجتمعاً موحداً ،ولا يكون مجتمعاً قلقاً في داخله مشاكل كثيرة تصرفه عن القضايا الكبيرة فيكون مهيئاً لأن يكون أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعوا إلى الخير .
هكذا كل الأعمال التي نمارسها إنما هي في واقعها من غاياتها الكبرى أن تخدم القضايا المهمة في الإسلام .
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }لأن هذا يوحي بأن هناك ذنوب نحن لا نشعر بها بأنها ذنوب قد اتفقنا مع أنفسنا لا أحد يتحدث إلى الآخر بأنا مقصرين ..ألم نتفق على هذا ؟.فأصبحنا فعلاً نغش بعضنا بعضا ،تعظني،وأعظك ولا أسمع منك ولا تسمع مني كلمة ترشدني أو ترشدك إلى أن هناك شيء نحن مقصرون فيه .انتهى الأمر أصبحنا لا نشعر فأتينا العذاب ونحن لا نشعر.وإلا فالمذنب الذي يقترف الذنوب المعروفة هو يشعر أنها ذنوب وراءها عقوبة ويستحق عليها عقوبة .من هو ذلك الذي سينطلق ليعمل جريمة من هذه الجرائم وهو يرى أنه لا يستحق عقوبة؟.وأنه لو جاء أحد يريد أن يعاقبه فإن ذلك سيكون مفاجئاً له .المجرم يعرف أنه يستحق أن يعاقب ،فهذا يوحي بأن هناك ذنوب هي من هذا النوع ،التي الناس ألغوها من قائمة التذكير لبعضهم بعضاً بأنهم مقصرين ،وأنهم بتقصيرهم مقترفين لها.
ثم ماذا يمكن أن يحصل من وراء الذنوب هنا في الدنيا والتقصير هنا في الدنيا يوم القيامة سيكون يوم ندامة وحسرة للمقصرين للذين أسرفوا على أنفسهم ولم ينيبوا إلى الله ،ولم يسلموا أنفسهم له ، ولم يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم .يبدأ يتحدث ما يمكن أن يحصل بعد أن قال بالنسبة للعذاب{من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون }{من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } يذكر بحالة الندم .ولأن الندم شيء نحن نعرفه في الدنيا ..أليس الله يذكرنا بعذاب جهنم ،ألم يجعل عذاب جهنم نار نعرفها ؟.ألسنا نعرف في الدنيا النار؟.لو أن عذاب جهنم كان عذاباً آخر نحن لا نعرف ما هو ربما ما كان يفيد التذكير لنا به ،لكن جعل جهنم عذاباً نعرف جنسه ..ناراً .
فعندما يخوفنا بالنار فنحن نعرف في الدنيا هذه النار ..أليس كذلك؟.ونحن نعرف أنه لو لم تكن جهنم إلا كهذه النار لكانت كفاية وفوق الكفاية ؛ولرحمة الله الواسعة بعبادة هكذا ينطلق ،أن يكون ما يخوفهم به مما جنسه معروف لديهم في الدنيا ،خوفنا من العذاب ثم خوفنا من حالات الندم والحسرة ..أليس الإنسان في حياته تحصل له مواقف يتندم يتحسر..هل ترى نفسك أنت في أثناء الندم وأثناء تتحسر كيف تكون ؟.
يذكرنا بأنه سيكون هناك ندم شديد وحسرة شديدة ،والحسرة والندم هو في حد ذاته عذاب ،عذاب نفسي شديد ،بل أصبح العذاب النفسي – كما يقولون- من أكثر ما يستخدم في التعذيب في السجون التعذيب النفسي غير التعذيب الجسدي ،تعذيب نفسيتك بأي طريقة .
{أن تقول نفس } يقول للمؤمن من قبل أن تصل إلى {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } أليس هذا تعبير عن التحسر عندما يرى نفسه إلى أين وصل به الحال أصبح من أهل جهنم ، وجهنم أمامه يراها ،هذا الشيء المخيف أن جهنم تبرز يوم القيامة أمام الناس ويسمعون تغيظها ويسمعون زفيرها ،وهو منتظر أن يساق إلى جهنم .هو في حالة من العذاب ،عذاب التحسر {يا حسرتا على ما فرطت }على ما قصرت.{في جنب الله } في طاعته ،لا حظوا لو أنهم قالوا ( في أوامر الله ). أنا قصرت فيما له علاقة بالله ،فيما كان يمكن أن أحصل عليه من خلاله على رضي الله ،وما كان يمكن أن يقي نفسي من هذه النار التي أشاهدها.لم يكونوا في يوم القيامة ممن يعمل في هذه الدنيا على أن يتعامل مع الله فيما يتعلق بالواجب فقط ،والواجب من منظار ضيق ،الذي لامناص بالقيام به على أقل مستوى .
يود أنه تمكن في الدنيا أن يعمل أي عمل فيه رضى لله ،لم تعد لديه مقاصاة لله :سأعمل فقط تلك الأوامر الخاصة التي لا مجال منها .
رأى شدة الحسرة والندامة التي هو فيها ،،ورأى العذاب عذاب جهنم أمامه ..هل الإنسان سيظهر بمظهر من يكون حدياً جداً ،وبخيلاً في أعمال الطاعات؟.لا. : ليت أني عملت كل ما يمكن أن أعمله في جنب الله وفي طاعته وفي رضاه لأسلم من هذه .
هذه الحالة هي تحصل عند كثير من الناس هنا في الدنيا عند بعض من العلماء عند بعض من المتعلمين عند بعض من المتدينين يبحث عن الحد الأدنى من الواجب بعد أن يقولون قد أصبح واجباً ،ويذهب ليسأل هذا:هل فعلاً قد وجب.اذهب فسأل عالم عن الإنفاق في سبيل الله سيقول لك :هذه آيات منسوخة بآيات الزكاة.. أليس كذلك؟.الآن اذهب وأسأل .لكن انظر ماذا يقول الناس هنا المتحسرون والمتندمون ،تندم أنه لم يعمل كل ما كان بإمكانه أن يعمل مما فيه لله رضي في هذه الدنيا ،سواء كان واجباً أو مندوباً أو مستحباً أو كيف ما كان ،لا يقاصي،لأن جهنم فعلاً أمامه ،والإنسان يفكر كيف ينجي نفسه منها ،هي ما تفكر أن تقي نفسك بأي شيء ،ليس شيئاً بسيطاً وهيناً فتكون مقاصي جداً فيما يقيك منها..هل هذا قد أصبح لازم لنا يا سيدي فلان أو يا سيدنا فلان ،هذا قد لزم ،وقد أصبح وواجباً علينا ،أم لنا مخرج ؟.
أنت تنظر أن أمامك جهنم ..أو ليست جهنم بأن تنطلق أنت فتعمل كلما يمكن أن تعمله مما فيه نجاتك منها ؟.أليس الواحد عندما يدخل في شجار على مزرعة يأتي فيفتح الشنطة كي لا يسجنوه يعطي رشوه لهذا ولرشوة لهذا ولا يقاصي.إذا قالوا له :هات عشرة ألف وسيخرجونه من السجن.فيقول : تفضلوا. وفي البيت عندما يحتاج كل يوم بمائتي ريال لحمة،ثم يقال له هات أربعمائة فيقول:هذا كثير. قد يقاصي هنا في حالة السجن لا يبالي في عشرة ألف،ويرى بأنها سهلة عليه ،لا أحد يماري فيقول : بل سأعطيك تسعة ألف وخمس مائة .وربما ولو عاد وقال :رفضوا أن يخرج إلا باثني عشر ألف . سيعطيها .
جهنم ليس مما يقاصي فيها ،فالإنسان لا ينطلق في وقاية نفسه من جهنم من منطلق المقاصاة . ليكن سؤالك للعلماء: هل هذا فيه لله رضى .هذا هو الصحيح .هل إذا أنفقت في مجال كذا هل فيه لله رضى. من الذي سيقول لك :لا؟.هذا هو السؤال الصحيح .أما: هل يلزمني ؟. هل قد أصبح واجباً عليّ ..هل .. هل ..
تختلف أنظار العلماء في هذه ،والذي يقول لك :لا.معك من وجهة نظره ، قد لا ينفعك يوم القيامة هو . قد يكون الأمر ليس كما قال ذلك الشخص ،تكون أنت في الواقع ملزماً ،إنما أنت الذي تبحث عن مخارج وحيل .انطلق في سؤالك للعلماء –إذا كنت ترى جهنم شديدة وأنها تستدعي منك أن تبحث عن ما فيه نجاة لنفسك – فقل: هل هذا العمل وقاية من النار ؟. هل هذا العمل فيه لله رضى ؟.وستجد الجواب واحداً وهذه هو الصحيح ، ستجد الإجابة واحدة .{أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين } كنت في الدنيا من الساخرين ،وما أكثر ما يسخر بعض الناس من أشياء كثيرة هي من ما تقي الإنسان من عذاب الله ومن الحسرة والندامة يوم القيامة .بل إن حالة السخرية هي ما يبعد الإنسان عن الاهتداء.قد يكون هناك من يسخر من اجتماع كهذا ؛لأنه في نفسه في حالة شعور بسخرية هل هو سيأتي؟.لا. يذهب ويقول:اتركهم فليذهبوا إلى الجحيم.سخرية،الساخر لا يهتدي ،الساخر يحول بين نفسه وبين مصادر الهداية ،وبين مجالس الهداية. { وإن كنت لمن الساخرين } .
عرض عدة حالات من حالات الندم والتحسر {أو تقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين} ليت أن الله هداني ،حالت تمني ،ليت أن الله هداني .فأجاب الله عليه {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها} ليؤكد الله لعباده بأنه يأتي من جانبه تقصيراً أبداً ،بل ولا يخاطبهم بالحد الأدنى بل يكرر ويعمل على ترسيخ هدايته ،يوضح ،ويبين ،يكرر ،يؤكد ،يقسم. وليس فقط يحدثنا بالحد الأدنى ، أو بالشيء الذي يكفي فقط .
{ لو أن الله هداني لكنت من المتقين }.. لماذا لم يقل ( لكنت من المؤمنين ) ؟.
رأى أهوالاً شديدة قد يكون في الدنيا مؤمن بها مؤمناً بجهنم ..أليس الناس مؤمنين بها؟.لكن هل هم متقين ؟. قليل .ليتني اهتديت وأنا في الدنيا ،وليس ليت أن الله هداني ،فانطلقت لوقاية نفسي وأنا في الدنيا من أصل إلى هذه الحالة السيئة. هذه محط تأمل لنا جميعاً أن يقول ذلك الإنسان –ونعوذ بالله أن نكون ممن يقولها في يوم القيامة – {لو أن الله هداني لكنت من المتقين } أليس في ذلك المقام وهو يتندم ويفكر فيما كان يمكن أن يصنع له وقاية من جهنم ومن تلك الحالة السيئة حالة الندم .أم أنه قال(لكنت من المؤمنين )؟.ربما كان من المؤمنين بمعنى المصدقين باليوم الآخر ،وأن هناك جنة ونار ،لكن لم يصنع في الدنيا ما يقيه منها،وما أمثر هذه الحالة لدينا،ولهذا يخاطبنا الله سبحانه وتعالى بمثل{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } وهو يخاطبك لأنك مؤمن.أنت مؤمن ولكن اتق الله،يعني أنت آمنت فانطلق في أن تصنع لنفسك الوقاية مما وعد الله به المقصرين مما توعد الله به المجرمين .
نحن آمنا بالله ..أليست هذه واحدة؟.إذاً فلننطلق في أن نعمل ،لأن إيماننا بالله أنه ماذا؟. غفور رحيم وأنه شديد العقاب ..أليس كذلك؟.أن لديه جنة ولديه نار.أنت آمنت فانطلق لتقي نفسك من عذاب الله . أنت آمنت بالنار فانطلق لتقي نفسك من النار .
{أو تقول حين ترى العذاب :ولو أن لي كرة فأكون من المحسنين }أو تقول نفس الكلام عن النفس {أن تقول نفس يا حسرتا}{أو تقول لو أن الله هداني }{أو تقول حين ترى العذاب حين ترى العذاب لو أن لي كرة } أي ليت لي كرّة أي رجعة إلى الدنيا {فأكون من المحسنين }. عرف أيضاً هناك أن ما يقي من جهنم من العذاب هو أن يكون من المتقين وأن يكون من المحسنين . كانت وقايته من العذاب تتجلى في أن تكون على هذا النحو متقياً لله محسناً .
مني أن أكون متقياً{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} أليست هذه من التقوى؟.وإلا فيمكن أن تكون أنت من {يا أيها الذين آمنوا} فقط.فيأتي يوم القيامة وأنت كنت فقط من المصدقين ،لكن ليس لديك ما تقي نفسك به من عذاب الله ، كنت وأنت تحت اسم (الإيمان) تنطلق في الأعمال –سواء ما كان بشكل تقصير عن أعمال أخرى – أنت تنطلق في طريق جهنم وأنت تحمل اسم إيمان ، وتحمل اسم ( مؤمن ) ،{من المحسنين} ما ذكره الله في مواضع كثير هي مواضع عملية تتعلق بالجهاد في سبيل الله وبالإنفاق في سبيله وبالاهتمام بأمر عباده ،وبالاهتمام بصورة عام بأمر دينه{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }ألم يسم المجاهدين محسنين؟.وهنا يقول صاحبنا هذا{لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}.{سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله..}ماذا وراءها؟. {يحب المحسنين}..ألم يعرض صفات المحسنين؟.إنفاق في حالات السراء والضراء وكظم الغيظ،وعف عن الناس،وجهاد في سبيله..أليست هذه من مواصفات الناس الذين يؤهلون أنفسهم فعلاً لأن يكونوا ممن أعدت لهم الجنة وممن وقوا أنفسهم من عذاب الله ومن النار ومن هذا التحسر .
أريد أن أقول: أن ما يقوله الله عن أولئك الناس إنما يقوله بعدما تتجلى حقائق لديهم في المحشر ،فكأننا هنا في الدنيا اطلعنا على ما سيعرض في المحشر يوم القيامة.تلك الآيات التي قرأناها بالأمس كيف يتحسر هؤلاء ،كيف يلعن هؤلاء هؤلاء المضلين،كلهم يشتم المضلين ..أليس كذلك؟.تجلى لهم ألأمر بأن ما يؤدي بالإنسان إلى النار هو الضلال،وأن الضلال يأتي من أطراف أخرى..من هم؟.هذا يلعن قرينه ،وهذا يلعن الأمة الأولى التي كان يدافع عنها ويقدسها،وهذا يبحث أينهم{نجعلهم تحت أقدامنا}هذا نفس الشيء..تجلت ألأمور بشكل واضح،يوم القيامة يوم تبين فيه الحقائق .
ولم يتركنا الله ونحن في الدنيا عن أن يوضح لنا الحقائق،فعندما يقول هذا الإنسان{لو أن الله هداني لكنت من المتقين} ولم يقل ( من المؤمنين ) ولم يقل بعبارات أخرى.عرف بأن كان أكثر ما يؤدي به إلى جهنم هو وما يوصل به الأمر إلى أن يكون من أهل جهنم هو حالات تفريط تقصير،ابتعد عن أن يصنع لنفسه وقاية ،لم ينقصه تصديق بجهنم وهو في الدنيا كان يؤمن بجهنم نقصة حالة الوقاية من جهنم. {فأكون من المتقين}
أيضاً رأى الأعمال التي عرضت وأنها هي الأعمال التي يسمي صاحبها بالمحسن أي أعمال إحسان، هي نفسها التي كان لها أثر كبير في الوقاية من جهنم ،عندما رأى أولئك نجوا من جهنم وساقتهم الملائكة إلى الجنة رأى هم نوعيه أخرى ممن كانوا مجاهدين ممن كانوا منفقين ممن كانوا صابرين، ممن كانوا متقين محسنين.رأى عنده الكثير ممن سيساقون إلى جهنم أنهم كانوا وهم مؤمنون ولكن ما نفهم الإيمان اسم (إيمان) وإلا كنا مؤمنين ،بمعنى مصدقين باليوم الآخر وبالنار،لكن أولئك الذين يساقون إلى الجنة متقين محسنين ،ألم يقل الله هناك عن الجنة{أعدت للمتقين} وهو يتحدث عن صفاتهم .
{بلى}ألم يكن يتمنى {لو أن الله هداني }{لو أن لي كرة}{بلى قد جاءتك آياتي} في الدنيا آيات كثيرة في القرآن الكريم ،ليس هناك أعظم من القرآن الكريم من كل الكتب التي نزلها الله إلى عباده ، وليس هناك أعظم منه في مجال البيان للناس ،وبيان صادق لا يمكن أن تقول:هذا الحديث قد يكون موضوعاً أو هذا الحديث قد يكون معارض بأقوال، وعبارات من هذه .آيات صريحة جاءت آياتي لتبين لك كيف تكون من المتقين ،وكيف تكون من المحسنين ،وكيف تنطلق في العمل فيما يرضي الله فتكون بعيداً عن التفريط في جنب الله،وكيف تكون ممن يحرص على الهدى ،وليس ممن يتحول إلى ساخر.{قد جاءتك آياتي } لكن أنت الذي كذبت بها{فكذبت بها} .هذا التكذيب لا يلزم فيه أن تقول:كذب. هل نحن في القرآن نقول: كذب؟.لا أحد يقول كذب .أبداً ،لكن في واقعنا كالمكذبين ،أعمال مهمة تتوقف عليها نجاتنا لا نكاد نعد أنفسنا لنصغي للحديث عنها أو لأن نسمعها ،ومتى ما سمعناها نكون محاولين كيف نتخلص منها ،تعامل من هو مكذب والأصل هو العمل، وإلا فمجرد التصديق باللسان قد لا ينفع .
هل التصديق بالله والإيمان بالله بمجرد الكلام ينفع؟.ألم يقل عن أولئك أنهم كافرون به وهو حكى عنهم {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}أليسوا معترفين بالله؟.ومؤمنين بالله؟.ومصدقين بوجوده وأنه إله ؟.الإيمان كله عملي في الإسلام كله في القرآن كله ،الاعتقادات عملية ،الإيمان عملي ،أما مجرد إيمان لا يتبعه عمل تعتبر كمن ليس بمؤمن .
فإذا إيماني بالله لم ينفعني لأنني لم أنطلق في العمل على ما يقتضيه هذا الإيمان فكذلك الإيمان بآيات الله أما الإيمان بآيات الله سيكون أكثر من الإيمان بالله هو.الإيمان بآياته وأنت لا تنطلق في ميدان العمل بها ستكون كالمكذب بها .
{بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت }الإنسان يقف أمام آيات الله موقف الرافض لاعتبارات أخرى ،وموقف المستكبر الذي يأنف من أن يلتزم بها في واقعه .{وكنت من الكافرين}الكفر أساساً هو رفض ،فالذي يرفض في واقعه كالذي يرفض في منطقة كمن يقول:لا هذا ليس نبي،هذا ليس كلام الله.أليس هذا كفر؟.في الواقع العملي ما الذي يفرق بينه وبين من قال:نعم هذا نبي وهذا كتاب الله .
ولكنه لا يعمل بما جاء به النبي ولا يهتدي بهذا النبي..أليسوا في الواقع العملي مستويين ؟.
{ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسّودة – نعوذ بالله- أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} فقد يكون مما يحمل الإنسان على الكذب على الله حالة ترفع من التزام بما هدى إليه الله ، والذي في داخل المسلمين حالات كثيرة من الكذب على الله سبحانه وتعالى ،حالات كثيرة من الكذب على الله في الاعتقادات ،وفي الحديث عن الدين ،وفي الحديث عن المواقف التي يجب أن يفقها المسلمون.ونحن أيضاً في أعمالنا في مواقفنا كمن يكذب على الله..ألسنا نقول أحياناً : لو كان هذا صحيحاً لكان سيدي فلان في المقدمة..ألسنا نقول هكذا؟.أي فليس صحيحاً.. أليس هكذا؟. ما هو هذا؟. أليس تكذيباً؟.تسير إلى العالم الفلاني فتقول :هذا فلان يقول كذا، ويقول لازم نعمل كذا ،وأن القرآن قال كذا وكذا . فقد يقول لك : ما يلزمك بكله ،أو ربما هذا شيء ربما ليس فيه فائدة .
أنت قلت في نفسك قبل،أو ستقول للآخرين :لو كان العمل هذا صحيحاً لكان سيدي فلان وسيدنا فلان والعالم الفلاني والعلامة الفلاني في المقدمة ،فليس معهم إلا كذب؟ألست إذاً كذّبت بهذا ؟. أي قلت : هذا غير صحيح فكأنك قلت : هذا عمل لا قيمة له .قلت :هذا عمل ليس لله فيه رضى . هذا نفسه مظهر من مظاهر الكذب على الله ،أنت قدمت الموضوع بأنه لا علاقة بينه وبين الله ،فأنت كذبت
بهذا .
وما أكثر ما يحصل من الناس من ضعاف الإيمان هذه التساؤلات في حالة المواقف العملية . لا أحد يسأل عن الصلاة أو عن الصيام أو عن عبادات من هذه..ألسنا ننطلق في أدائها بسهولة ، ولا أحد يذهب ليسأل إذا وجد مخرجاً منها.لكن متى ما جاءت أعمال هي الأعمال المهمة التي تتوقف عليها النجاة ،هذه الأعمال التي يتمناها هؤلاء ،التقوى الإحسان {لكنت من المتقين}{فأكون من المحسنين} تبدأ التساؤلات وتبدأ التشكيكات هذه هي من الظلم للنفس ، من جهالتنا أن أنطلق على هذا النحو ..
لماذا أتهرب مما فيه نجاتي من النار؟.لماذا أتهرب مما فيه لله رضى.. هل أن الله عدو لي فأنا أريد أن لا أعمل له إلا أقل ما يمكن ،أقاصي إلى هذا الحد ،هذه حالة غير طبيعية.يمكن أن تسأل فقط لتتأكد هل هذا مشروع أم انه محرم ،لا بأس أن تريد أن تعرف هذا العمل حرام باعتباره ليس مشروعاً باعتباره مخالف لشرع الله .
خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو فقاتل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو فقاتل وتعرض للألأم ،خرج الإمام علي فقاتل ثم قتل هو وخرج الإمام الحسن فقاتل حتى خذله أعدائه ،ثم قتل هو بالسم،خرج الإمام الحسين فقاتل حتى قتل هل كان لدى أولئك نظرة إلى أنفسهم بأن الإسلام يتمثل في شخصيته فتوقف كل حركة من أجل أن لا يلحقه ألم لأنه إذا ما لحقه شيء فالإسلام ضرب بكله ،بل كانوا يرون بأن التضحية بأنفسهم هي الخدمة للإسلام وهي الحفاظ على الإسلام .
نحن مرينا بحالة من هذا كان يقال لنا أيام العمل في حزب الحق في بدايته وما زالت القضية أن الناس غير متأكدين أن الحزبية مسموحة أم لا يقولون:اتركوا ستثيرونهم على العلماء على أحد من العلماء .أصبحت النظرة أن الحفاظ على شخص العالم ليبقى حياً هي الحفاظ على الإسلام،ليس كذلك بل على العالم أن ينطلق هو ويتقدم المجاهدون في سبيل الله هو ثم ليقتل هو.هذا هو العمل للحفاظ على الإسلام ، هذا هو العمل في خدمة الإسلام .
عندما زرنا مدينة (قم) خارج المدينة جسر معترض على الخط فيه ما لا يقل عن صورة سبعين عالماً سقطوا شهداء في سبيل الله..ألم يحفظ الإسلام في إيران عندما سقط العلماء شهداء؟.
أن يأتي عالم فيظن أن الحفاظ على شخصه هو الحفاظ على الإسلام فهذه نظرة مغلوطة،أن يقول لك أو يقول لي:لا تتحرك لأنك ستؤدي بهذا العالم أو ذلك العالم إلى أن يقتل،فحافظ عليه حرام يعتبر حرام ستقضي على الإسلام .لو أنهم خرجوا وصدعوا بالحق لما وصل العامة إلى ما قد وصلوا إليه من الضلال ..
ألم ينتشر الوهابيون في كل منطقة؟.ألسنا الآن نعيش حالة التهويد للمجتمع؟.حالة الارتداد بعد الإيمان ؟.
قد يكون هناك علماء لهم عذرهم فيما بينهم وبين الله لكن أن تكون قاعدة عامه هي القعود.هي أن لا تتحرك من أجل أن لا يحصل كذا من أجل أن لا يكون كذا ،هذا هو الذي يضرب ألإسلام .
الله أكبر/ الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود / النصر للأسلام
ولأن الكذب على الله سبحانه وتعالى قد يكون أحياناً فيما هو صد عن مواقف حق ،صد عن حق هي تقوى تقي الإنسان من النار(وجوههم مسّودة ) كتلك الآية من صورة عمران ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) يحصل كذب على الله .
ومتى سيحصل لديك الرغبة في أن تدخل في قضية هي في الواقع كذب على الله إلا في مواجهة أعمال أخرى،هكذا يحصل في العادة .من الذي سينطلق تلقائياً من جهة نفسه بغير أي باعث آخر ليكذب على الله؟. لكن عندما تظهر دعوات حق عندما يظهر أعمال حق عندما يظهر مواقف حق هنا تظهر في الجانب الآخر الكذب على الله .
وقد يكون الكذب على الله بشكل فتوى، فتوى محرمة تصدر ممن يحمل اسم علم،وقد يكون كذب على الله بعبارة تنطلق من ألسنة الناس للصد عن تلك المواقف الحق فلأنهم صدوا عن مواقف حق فكأن صدهم هو مما سود وجه الحياة فتكون وجوههم مسودة .
أليس التاريخ أسود؟.أليس الواقع أسوداً ومظلماً ؟.هكذا من يعملون على أن يبقى هذا الوضع مظلماً تكون وجوههم مسودة..{أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } .
وربما قد يكون مما يدفع الإنسان إلى أن يكذب على الله في مواجهة موقف أنه في نفسه متكبراُ ليس مستعداً أن يكون مع هؤلاء أو من أتباع هؤلاء ،فيستكبر ويأنف لأنه عود نفسه أن يكون هو الكبير الذي يمشي الناس ورائه أن يمشي ورائه الآخرون من أهل الحق.لا.. إذاً هو سيكذب ، وإذا كان الكذب لا ينفق إلا باسم الدين فهذا هو الكذب على الله ، وهذا ما يحصل .
{وينجي الله الذي اتقوا بمفازتهم} التقوى هي التي تنجي الإنسان {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} بما علموه مما حقق لهم الفوز(لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) إذا فأعمل لأن تكون من هؤلاء فنعمل لنكون من هؤلاء ممن – ان شاء الله – (لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ) .
فأنطلق في عملك من قاعدة أن في هذا العمل لله رضى.. وسترى أنت أن هذا العمل مهم جداً ،وسترى كل شيء –تقريباً- واجب في الأخير ،سترى لأهمية هذا في تحقيق هذا الواجب وفي خدمة هذا الواجب سترى الدنيا كلها تصبح تقريباً واجب ،كل شيء واجب .
الذي ينطلق يفرق بين الأحكام فيقول: هذا لم يجب ،وهذا لا يلزم.قد يكون ممن ليس لديه اهتمام بقضايا كبيرة فهو ممن لا يعرف قيمة ما يخدم هذه القضايا ،لا يعرف قيمة مما يخدم إصلاح وضعية الأمة ،ما يخدم إعلاء كلمة الله فيراه لا يلزم،وهذا لا يلزم ،وهذا لا يلزم.وانتهت كلها.لكن متى ما انطلقت ستكون من أولئك المتقون الذي حكى الله عنهم في قوله(الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ).اذهب فسأل عن هذه الصفات سيقال لك :كل هذه في قائمة المندوبات في قائمة المندوبات كلها.الإنفاق في سبيل الله قالوا منسوخ بآية الزكاة.وانتهى الموضوع ،فالذين ينفقون في السراء والضراء عبارة عن تطوعات فقط يعني مندوبة يريد قليل حسنات وكظم غيظ وعفو عن الناس.بينما هي وردت هنا في أبرز صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة،وستراها أعمال مهمة جداً ثم قد تراها واجبة عليك في حالات كثيرة واجبة .
عندما تكون أنت لديك اهتمام كبير فتعرف أهمية هذا في خدمة هذا الذي نهتم به .
كيف يقول عن الجنة التي أعدت للمتقين ثم يتحدث عن مندوبات فقط ويترك الواجبات المهمة هناك لا يأتي بها إلا ليقول لك:المتقون هم أناس عمليون،هم ممن لا يفكرون في أن هذا مندوب أوهذا واجب فهم ينطلقون على هذا النحو،وانطلاقة لتحقيق هذه الأشياء الأربعة :إنفاق في حالة السراء والضراء، وكظم الغيظ ،والعفوعن الناس هي من الأسس المهمة في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله سواء سميتها مندوبات أو سميتها واجبة؛أنه لابد –وأنت في حالة العمل لأن تكون من المتقين- لابد وأنت معدود من المتقين أن تكون متحلياً بها ؛لأنه هكذا وصف المتقين بأنها صفة من صفاتهم اللازمة وليس فقط في النادر.. ألم يأت بها مصدرة بــــ(ال) ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) كصفة دائمة لديهم { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أولياءه ( الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وأن يرزقنا الرغبة في العمل بما فيه رضاه ،وأن يتقبل منا ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“