تألف القلوب.... كنز المؤمنين

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
أضف رد جديد
زيد بن علي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 120
اشترك في: السبت يوليو 22, 2006 2:58 pm

تألف القلوب.... كنز المؤمنين

مشاركة بواسطة زيد بن علي »

تآلف القلوب.. كنز المؤمنين

من النعم التي أنعم الله تعالى بها على عباده المؤمنين؛ نعمة التآلف بين قلوبهم، قال تعالى:
{وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا}. وهذه النعمة لا تقدر قيمتها بمال، فالتآلف بين القلوب يعادل بل يفوق كنوز الأرض جميعًا: {لَوْ أَنْفَقْتَ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مَا أَلَّفْتَ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ أَلَّفَ بَيْنَهُمْ} (الأنفال: 63)(3).

ولبيان أهمية الحب والألفة -والتي قد تسبق أهمية الغذاء والرزق- كانت دعوة سيدنا إبراهيم عليه السلام: {رَبَّنَا إِنِّي أَسْكَنْتُ مِنْ ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِنْدَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُمْ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ}.

وتدلنا الآيات الكريمة على أن ندعو المولى ألا يجعل في قلوبنا غلاًّ للذين أمنوا: {رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آَمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}.

ويثمر حب الله للعبد حب الناس له أيضًا، وقد ورد في الاثر عن
رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "إن الله إذا أحب عبدًا دعا جبريل فقال: إني أحب فلانًا فأحبه قال : فيحبه جبريل ، ثم ينادي في السماء
فيقول : إن الله يحب فلانًا فأحبوه فيحبه أهل السماء، ثم يوضع له القبول في الأرض. وإذا أبغض عبدًا دعا جبريل فيقول : إني أبغض فلانًا فأبغضه . فيبغضه جبريل، ثم ينادي في أهل السماء : إن الله يبغض فلانًا فأبغضوه. قال: فيبغضونه. ثم يوضع له البغضاء في الأرض".

وكان احد الصالحين يقول : "ما أقبل أحد بقلبه على الله تعالى إلا أقبل الله تعالى بقلوب أهل الإيمان إليه حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم"(2).

الحب والإيمان :
الحب والمودة هدية من مقلب القلوب وتوجد علاقة وطيدة بين الإيمان والحب؛
قال : رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : "لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا.. ألا أدلكم على شيء إذا فعلتموه تحاببتم أفشوا السلام بينكم".

فإذا استقر الإيمان في القلب أثمر إخاء وحبًّا لكل المؤمنين؛ ولذلك قال تعالى في سورة الحجرات: {إنما المؤمنون إخوة} .

فمع أن المؤمنين لهم كثير من الصفات العظيمة؛ إلا أن الأخوة هي أبرز معالم حياتهم، وهي العلم الخفاق المرفرف في أفق حياتهم، وبدونها يفقدون أهم طابع يميزهم عن غيرهم، وأعظم مظهر للإيمان في دنياهم .

وحب المسلم لأخيه المسلم درجات ومراتب أدناها أن تحب لأخيك ما تحبه لنفسك، وإن لم تتوفر هذه الدرجة لم يكتمل الإيمان، فعن أنس قال قال النبي صلى الله عليه واله وسلم قال: "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه" والمراد بالنفي كمال الإيمان .

الإيثار.. الحب الأعلى :

ولأهمية خلق الإيثار هذا؛ فقد سجله القرآن الكريم ليكون عبرة لمن يعتبر
تتلقنه الأجيال المسلمة وتتناقله ، وليتزودوا به أمام ما يواجههم من مشاكل وصعوبات، قال تعالى : {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ فِي صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}
[الحشر:9].

مقصد التشريع الإسلامي :
ويعتبر غرس الألفة والمودة بين الإنسان وأخيه الإنسان مقصد أساسي من مقاصد التشريع الإسلامي، ومن المبادئ الأساسية التي عمل الإسلام على إقامتها في المجتمعات؛ لما له من أكبر الأثر في سلوك الأفراد وتوجه المجتمعات.

كما أن الوحدة بين الدول لا يمكن أن تتم بغير عامل التآخي والتآلف والمحبة المتبادلة، والتآخي لا بد أن يكون مسبوقًا بعقيدة صافية يتم اللقاء عليها والإيمان بها، فالتآخي بين شخصين يؤمن كل منهما بفكرة أو عقيدة مخالفة للأخرى خرافة ووهم، خصوصًا إذا كانت تلك الفكرة أو العقيدة تحمل صاحبها على سلوك معين في الحياة العملية .

وإذا كنا ما نواجهه اليوم من مشاكل وأزمات لا يقدر بشيء أمام ما واجهه المسلمون الأوائل ، إلا أننا في أشد الحاجة إلى هذا الحب وهذه الألفة ، وليس أمامنا من طريق إلا أن نعود إلى ديننا الحنيف ، ونقتفي آثار السلف الصالح ونسير على دربهم، فيمنّ الله علينا كما منّ عليهم بنعمة التآلف والحب .

وتدلنا الآية الكريمة على الوسيلة التي تذيب الخلافات ، وما تتركه من آثار في نفوسنا ، قال تعالى : {ولا تستوي الحسنة ولا السيئة ادفع بالتي هي أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولي حميم} [فصلت: 34].

أي من أساء إليك فادفعه عنك بالإحسان إليه ، وتحتاج السماحة إلى قلب كبير يعطف؛ رغم قدرته على الإساءة والرد. وهذه القدرة ضرورية لتؤتي السماحة أثرها ؛ حتى لا يصور الإحسان في نفس المسيء ضعفًا، ولئن أحس أنه ضعف لم يحترمه ، ولم يكن للحسنة أثرها إطلاقًا.
صورة
السيد العلامة عبد الله بن حسين الديلمي حفظه الله

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“