جميع محاضرات ودروس السيد حسين بن بدر الدين الحوثي

أحاديث، أدعية ، مواعظ .....
علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

جميع محاضرات ودروس السيد حسين بن بدر الدين الحوثي

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

بسم الله الرحمن الرحيم
إخواني الأكارم أرجوا أن يخصص هذا المكان لطرح جميع محاضرات السيد حسين بن بدر الدين الحوثي
( سواء كانت محاضرات مكتوبة أو صوتية )
أرجوا منكم التعاون معنا ! وكتب الله أجر الجميع ... آمين


ملاحظة هامة
هذه الدروس والمحاضرات نقلت من تسجيل لها على أشرطة كاسيت و قد ألقيت ممزوجة بمفردات و أساليب من اللهجة المحلية العامية و حرصاً منا على سهولة الإستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق


المحاضرات الموجودة هنا بالترتيب هي :

أولاً : سلسلة أهم المحاضرات :-
الثقافة القرآنية
لاعذر للجميع أمام الله
الصرخة في وجه المستكبرين
خطر دخول أمريكا اليمن
الإرهاب و السلام


ثانياً :سلسلة متفرقات ( القسم الأول) :-
الهوية الإيمانية
لتحذن حذو بني إسرائيل
ولن ترضى عنك اليهود و لا النصارى
مسئولية طلاب العلوم الدينية

وإذ صرفنا إليك نفراً من الجن ( مفقود )

ثالثاً : سلسلة متفرقات ( القسم الثاني ) :-
إشتروا بآيات الله ثمناً قليلا
معنى التسبيح
في ظلال مكارم الأخلاق (الجزء الأول)
في ظلال مكارم الأخلاق (الجزء الثاني)
مسئولية أهل البيت عليهم السلام

محياي ومماتي لله ( مفقود )

رابعاً : سلسلة معرفة الله ( 15 محاضرة ) :-
الدرس الأول ( مفقود )
معرفة الله - نعم الله :
الدرس الثاني
الدرس الثالث ( مفقود )
الدرس الرابع ( مفقود )
الدرس الخامس ( مفقود )

معرفة الله - عظمة الله :
الدرس السادس
الدرس السابع

الدرس الثامن ( مفقود )

معرفة الله - وعده ووعيده :
الدرس التاسع ( مفقود )
الدرس العاشر
الدرس الحادي عشر

الدرس الثاني عشر ( مفقود )
الدرس الثالث عشر
الدرس الرابع عشر


خامساً : سلسلة سورة آل عمران :-
الدرس الأول
الدرس الثاني
الدرس الثالث

الدرس الرابع ( مفقود )

سادساً : سلسلة سورة المائدة :-
الدرس: الأول
الدرس الثاني
الدرس الثالث

الدرس الرابع ( مفقود )

سابعاً : سلسلة المناسبات الدينية :-
ذكرى استشهاد الإمام علي (ع)
يوم القدس العالمي ( مفقود )
حديث الولاية
من وحي عاشوراء


ثامناً : سلسلة دروس شهر رمضان :-

للأسف لايوجد من هذه السلسلة سوى درس واحد وهو :
الدرس الثالث عشر


ملاحظة أخيرة :
إخواني لا زال العمل جارياً في إضافة المحاضرات
كما أن هنالك بعض الأخطاء الإملائية الموجودة في المحاضرات
كما يمكنكم زيارة هذا الموقع :

http://mhrm.jeeran.com


آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الثلاثاء أكتوبر 17, 2006 1:21 am، تم التعديل 5 مرات في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن


سلسلة أهم المحاضرات
الثقافة القرآنية

ألقاها السيد : حسين بن بدر الدين الحوثي بتأريخ :
4/8/2002م


ملاحظة هامة
هذه الدروس والمحاضرات نقلت من تسجيل لها على أشرطة كاسيت و قد ألقيت ممزوجة بمفردات و أساليب من اللهجة المحلية العامية و حرصاً منا على سهولة الإستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق


بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين ، الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله ، والصلاة والسلام على رسول الله ، الذي بعثه الله رحمة للعالمين ، وأنزل عليه الكتاب المبين ليعلم الأمة ، ويزكيهم ، صلى الله عليه وعلى أهل بيته الطاهرين ..
في البداية نعتذر للأخوة المعلمين وللطلاب جميعاً أننا لم نقم بزيارتهم إلى الآن ، وليس ذلك عدم تثمين لهذا العمل ، أو عدم تقدير لما يقوم به الأخوة المعلمون والطلاب ، وإنما لشواغل أخرى ، ولثقتنا ـ أيضاً ـ أن في المدرسة من الإخوة المعلمين من فيهم الكفاية في التعليم وفي التوجيه وفي الإرشاد وفي التربية ، وليس هناك حاجة بالنسبة لنا .. لكن هذه زيارة نتشرف بها لهذه المدرسة ، نتشرف بها للإخوة المعلمين وللطلاب جميعاً ، ولنتحدث معكم أيضاً لم نجعلها بشكل رسمي محاضرة ، بل جلسة عادية طبيعية ، ولنتحدث معكم ونشترك مع الإخوة المعلمين في توجيهكم بما ألهمنا الله كما يقول الناس ( نريد مما ألهمك الله ) ..
في البداية نقول هي نعمة عظيمة علينا جميعاً ، علينا كمعلمين وعليكم كطلاب أن يُتاح لنا جميعاً فرصة أن نُعلم ونتعلم ، ففي الحديث الشريف عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله (( من سلك طريقاً يطلب فيه علماً سلك الله به طريقاً إلى الجنة )) فهي نعمة ، والله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ـ على الرغم مما تمنن به على عباده من نعم مادية كثيرة ـ يعدُ نعمة الهداية ، نعمة الدين ، نعمة الإسلام يعدها أعظم النعم على البشرية ، أعظم النعم على الناس جميعاً ، لهذا نجد كيف ذكر الله سبحانه وتعالى في أكثر من آية ،قد تكون في القرآن ربما ترددت أربع مرات ، وهو يذكر للناس أنه قد مَنّ عليهم بنعمة عظيمة لقد من الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم وفي هذه الآية يقول هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .. شر الضلال والآثار السيئة للضلال تعتبر بالنسبة للإنسان أشد وأفتك وأسوء من أن تنقص عليه نعم مادية أخرى ، أسوء من الجوع ، أسوء من الفقر ، أسوء من المرض ، لأن تلك مصائب أو أضرار أو شرور قد لا يترتب عيلها آثار سيئة جداً .. أما الضلال ، أما مصيبة الضلال ، أن يعيش الإنسان في ضلال ، أن يعيش الناس في ضلال فإن آثاره سيئة جداً عليه في الدنيا وفي الآخرة ، ومن أسوء عواقب الضلال هو الخلود في جهنم ـ نعوذ بالله من جهنم ـ يمكن أن تجوع فتسُد رمقك بأي شيء ، حتى ولو من النباتات ، ولا يؤدي بك الجوع إلى جهنم ، يمكن أن تعاني في فترة من حياتك ضروف صعبة تعاني من الفقر أو مرض لا يؤدي بك هذا إلى جهنم ..
أما الضلال فأنه يؤدي بالناس إلى الخزي في الدنيا ، إلى الذلة، إلى القهر ، إلى العبودية لأولياء الشيطان ، إلى الخضوع للفساد والباطل ، وبالتالي سوء الممات سوء البعث ، سوء الحساب والخلود في جهنم ..
فالله عندما يذكّر عباده بأنه منّ عليهم برسوله صلوا ت الله عليه وعلى آله وسلم ، ومنّ عليهم بأن أنزل عليه القرآن يتلوه على الناس يُعلمهم به ، يزكيهم به ، ( يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين وآخرين منهم لما يلحقوا بهم ) .. أولئك الذين عاصروه نعمة كبيرة عليهم ومِنّة عظيمة منّ الله عليهم ، هم ومن بعدهم وآخرين منهم من الناس من الأميين ( لما يلحقوا بهم وهو العزيز الحكيم * ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) .. هذا فضل عظيم من الله أن يبعث في الأميين.
كلمة ( أميين ) تطلق على العرب باعتبار أنهم كانوا فيما يتعلق بالقراءة والكتابة، لم تكن منتشرة فيهم ، وقد تكون إسم يطلق على من سوى أهل الكتاب من الأمم ، ولا تزال تستخدم إلى الآن عند أهل الكتاب أنفسهم ذلك بأنهم قالوا ليس علينا في الأميين سبيل وكيفما كانت إذ كان العرب أمة أمّية ، ليس لها ثقافة ، ليس في أوساطها أعداد كبيرة من المثقفين من العلماء ، أمة تعيش حالة بدائية .. فأن تحصل على هذه النقلة العظيمة من مرحلة البدائية مرحلة الأمية إلى أن تمنح هذا القرآن العظيم الذي جعله الله مهيمناً على كل الكتب السماوية السابقة ، كتاب عظيم كتاب واسع ، ثقافته عالية جداً ، عالية جداً تجعل هذه الأمة ـ لو تثقفت بثقافته ـ أعظم ثقافة ، وأكثر إنجازاً ، وأعظم آثاراً في الحياة ، وأسمى أسمى روحاً ، وأسمى وضعية ، وأزكى وأطهر نفوساً من أي أمم أخرى ، إنه ليقول: يتلوا عليهم آياته ويزكيهم فتكون نفوسهم زاكية ، مجتمعهم زاكي ، حياتهم زاكية ، نظرتهم صحيحة ، رؤيتهم صحيحة ، أعمالهم كلها زاكية ويعلمهم الكتاب والحكمة الكتاب هو القرآن الكريم ، كرره مرتين في هذه الآية ، لأنه هو المهمة الرئيسية للرسول صلوات الله عليه وعلى آله هو أن يتلو الكتاب على الناس ، يعلم الناس ، بهذا الكتاب ، عمله كله يدور حول القرآن الكريم يتلو عليهم الكتاب ، يتلو عليهم آياته التي هي القرآن الكريم و يزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة الحكمة هنا ما هي ؟ عادةً يقول: بعض المفسرون السُنة. يسمونها السنة ، الكتاب والحكمة قالوا الكتاب والسنة، هذا غير صحيح ..
الحكمة أن تكون تصرفاتهم حكيمة أن تكون موافقهم حكيمة أن تكون رؤيتهم حكيمة ، الحكمة هي ماذا ؟ هي تتجسد بشكل مواقف بشكل رؤى ، بشكل أعمال ، هي تعكس وعي صحيح ، وعي راقي ، تعكس زكاء في النفس ، تعكس عظمة لدى الإنسان ، الحكمة في الأمور يعلمهم الكتاب والحكمةلأن الله قال في آية أخرى لنساء النبي وأذكرن ما يتلى في بيوتكن من آيات الله والحكمة هل معنى ذلك أنهن يقرأن أحاديث في البيوت ؟
القرآن الكريم اسم عام للقرآن الكريم ، القرآن الكريم داخله آيات ، كلمة آيات القرآن الكريم لا تعني فقط هو الفقرة من الكلام ما بين الرقم والرقم ، ما بين الدائرة والدائرة ، آياته حقائقة أعلامة ، فيما يتعلق بالحياة بصورة عامة ، فيما يتعلق بالتشريعات بصورة عامة ، فيما يتعلق بالهداية بشكل عام ،والقرآن الكريم فيه أشياء كثيرة تتجه نحو الإنسان لتمنحه الحكمة ذلك مما أوحى إليك ربك من الحكمة كما قال في سورة الإسراء بعد أن ذكر عدة وصايا ، الوصايا العشر يعددها ثم قال ذلك مما أوحى إليك ربك الحكمة كلمة حكمة في القرآن الكريم لاتعني سُنة إطلاقاً.
رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله مُهمتُه هو أن يعلم الناس هذا القرآن بما فيه من آيات أعلام حقائق في كل مجال تتناوله ويزكيهم تزكوا نفوسهم تسمو تطهر ، وعيهم يرتقي يرتفع بما فيه من الحكمة ، ولهذا جاء في أكثر من آية يصف القرآن الكريم بأنه كتاب حكيم سماه في أكثر من آية بأنه حكيم ، وأن آياته أحكمت وأن آياته محكمة إلى آخر ما في القرآن الكريم من ثناء على نفس القرآن .. إنه في الأخير يجعل كل من يسيرون على وفق توجيهاته ويتثقفون بثقافته ، يُمنحون الحكمة ، والعكس الذين لا يسيرون على ثقافة القرآن لا يهتمون بالقرآن سيفقدون الحكمة ، وسيظهر مدى حاجة الناس إلى الحكمة في المواقف المطلوبة منهم ، في القضايا التي تواجههم ..مثلاً الآن في هذا الوضع الذي نعيش فيه وتعيش فيه الأمة العربية والأمة الإسلامية ،ونحن نسمع تهديدات اليهود والنصارى ، تهديدات أمريكا وإسرائيل وسخريتها من الإسلام ومن المسلمين و علماء الإسلام ومن حكام المسلمين بشكل رهيب جداً ، تجد موقف الناس الآن موقف الناس بكل فئاتهم يتنافى مع الحكمة ، أي هم فقدوا الآن المواقف الحكيمة مما يواجهون ، الرؤية الحكيمة لما يواجهون ، النظرة الصحيحة للوضع الذي يعيشون ، فقدوا الحكمة فعادوا إلى الأُمية .. عدنا إلى الأمية من جديد ، بينما الله سبحانه وتعالى كان قد أنقذنا من تلك الأمية لما كنا عرباً بدائيين لا نعرف شيئاً .. لا ثقافة لا تعليم لا وعي ، وعي يكون بمستوى قضايا عالمية ، قضايا تهم الإنسان
كإنسان بصورة عامة ، عدنا من جديد إلى الأمية على الرغم من وجود القرآن الكريم فيما بيننا ، على الرغم من أننا نقرأ ونكتب ، ومدارس متعددة وصحف ومجلات ومكتبات في الشوارع ومكتبات عامة في الجامعات ومراكز علم كثيرة جداً ، مدارس أساسية مدارس ثانوية وجامعات ومراكز علمية ومكتبات تملأ الشوارع ، وكتب على الأرصفة أيضاً تُباع ، ومجلات كل يوم تصدر أو كل أسبوع .. لكن لا يمكن أن يُخرج العرب من الأمية إلا القرآن الكريم فتصبح أمة ثقافتها أعلى من ثقافة الآخرين ، مواقفها حكيمة ، رؤيتها حكيمة. الآن أصبح وضع رهيب جداً ، ومؤسف جداً ، الآن ليس هناك رؤية في الساحة ، ليس هناك موقف في الساحة للعرب ، هاهم مستسلمين الآن ، ونرى مع الأيام كل مرة إنجاز لأمريكا وإسرائيل في سياستهم ، كل مرة إنجاز ، كل مرة يسوقون العرب إلى شيء .. إلى تنازلات ، إلى تقديم إستسلام أكثر وأشياء من هذه ، وبقيت الأمة كلها مستسلمة .. هل هذا موقف حكيم ؟ .. ليس موقفاً حكيماً ، بل الرجل العادي من الناس يقول: ماذا دهى العرب ؟! لو أن العرب اجتمعوا ،لو أن الزعماء اجتمعوا لاستطاعوا ضرب إسرائيل. أي مُحلل عادي من الناس يشهد بأن الوضعية هذه كلها للعرب ليست من الحكمة في شيء.
إذاً فنحن عندما نتعلم يجب أن يكون همنا هو ماذا ؟ أن نتعلم القرآن الكريم ، ثقافتنا تكون قرآنية ، ثقافة قرآنية ، عنوان حركتنا ونحن نتعلم ونعلم ونحن نرشد ونحن في أي مجال من مجالات الثقافة ، أن ندور حول ثقافة القرآن الكريم.
وعندما نقول نحن نريد هؤلاء الطلاب أن يتعلموا القرآن الكريم ربما قد شوهت صورة القرآن في فهم الطالب أن معناه أن يكون له (مَعْشَر يُسَمِّعه ومعشر ثاني يوم يسمعه لما يكمل المصحف ويرجع من جديد، أي أن يقرأ القرآن ثم يعيد بالشكل المعروف سابقاً. القرآن علوم واسعة ، القرآن معارف عظيمة.
القرآن أوسع من الحياة ، أوسع مما يمكن أن يستوعبه ذهنك ، مما يمكن أن تستوعبه أنت كإنسان في مداركك ، القرآن واسع جداً وعظيم جداً ، هو ( بحر ) كما قال الإمام علي (( بحر لا يدرك قعره )) .. نحن إذا ما انطلقنا من الأساس ، عنوان ثقافتنا أن نتثقف بالقرآن الكريم سنجد القرآن الكريم هو هكذا ، عندما نتعلم يزكينا يسمو بنا ، يمنحنا الحكمة ، يمنحنا القوة ، يمنحنا كل القيم .. كل القيم التي لما ضاعت ضاعت الأمة بضياعها ، كما هو حاصل الآن في وضع المسلمين ، وفي وضع العرب بالذات.
وشرف عظيم جداً لنا ونتمنى أن نكون ، نتمنى أن نكون بمستوى أن نثقف الآخرين بالقرآن الكريم ، وأن نتثقف بثقافة القرآن الكريم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله ذو الفضل العظيم يؤتيه من يشاء فنحاول أن نكون ممن يشاء الله أن يؤتوا هذا الفضل العظيم .. لا تفكروا إطلاقاً أن العلم هو في أن ننتهي من الرصات من الكتب ، ربما رصات من الكتب توجد في نفسك جهلاً وضلالاً لا تنفع..
استعرض الآن المكاتب في الشوارع في المدن نجد رصات من الكتب رصات من الكتب في الحديث في التفسير في الفقه في فنون أخرى لكن كم تجد داخلها من ضلال .. كم تجد أنها تنسف تنسف الإنسان حتى أنه لا يبقى على فطرته .
لم يعد العرب حتى في مواقفهم من الآخرين ، لم يعودوا على فطرتهم السابقة كعرب يوم كانوا عرباً على فطرتهم كانوا يمتلكوا قيماً ، يأبى العربي أن يضام ، يأبى أن يظلم ، يتمتع بقيم مهمة .. النجدة ، الفروسية ، الشجاعة ، الكرم ، الإستبسال ، كانوا معروفين بهذا حتى في عصر قبل الإسلام ماكان أحد يستطيع أن يستعمرهم ، معظم البلاد العربية ما كان أحد يستطيع أن يستعمرهم ، وإن كان هناك بعض مناطق مثلاً في الشام كانت تستعمرها الدولة الرومانية ، وبعض مناطق في العراق يستعمرها الأكاسرة ، لكن مثلاً شبه الجزيرة واليمن كان في معظم مراحلها لا تخضع للإستعمار ، وكانوا يقاومون وكانوا يأبون.
اليهود عاشوا فترة طويلة جداً بين العرب وهم كانوا بأعداد كبيرة ، كان أهل خيبر أثناء حصار رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله بخيبر كان يقال أن عددهم نحو عشرين ألف مقاتل ، اليهود كانوا نحو عشرين ألف مقاتل .. هناك جماعات بني قريضة .. بني قينقاع .. ويهود آخرون ، هؤلاء أنفسهم لم يستطيعوا في تلك الفترة ، وهم اليهود من يمتلكون المكر ويمتلكون الطموح إلى إقامة دولة ، ويعرفون أن تاريخهم كان فيه إمبراطوريات قامت لهم وقامت لهم حظارة فكانوا ما يزالون يحنون إلى تكرير ذلك الشيء الذي فات عنهم ، ولكن لم يستطيعوا ، كانوا يحتاجون إلىأن يعيشوا في ظل حماية زعامات عربية وقُوًى عربية ، وكان اليهود كل اليهود حول المدينة معظمهم يدخلون في أخلاف مع زعماء من القبائل من قُبل المدينة وما جاورها ، أي لم يستطع اليهود فضلاً من أن يسيطروا ، لم يستطيعوا أن يستقلوا في الحفاظ على أنفسهم ، وأن يحققوا لأنفسهم أمنأً.
ماالذي أوصل العرب إلى هذا ؟ أحياناً الإنسان إذا ما تُرك على فطرته يدرك أشياء كثيرة ، لكنه أحياناً بعض الثقافات تمسخه عن الإنسانية وتحطه ، تقدم له الجبن دين ، تقدم له الخضوع للظلم دين يدين الله به ، كما روى في الأحاديث عن رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أنه قال ( سيكون بعدي أئمة لا يهتدون بهديي ولا يستنون بسنتي [نهائياً لا يقفون عند حد] قالوا ماذا تأمرنا يارسول الله؟. قال ( اسمع وأطع الأمير ، وإن قصم ظهرك وأخد مالك).
العربي يوم كان جاهلي ، يوم كان جاهلي ، يوم كان على فطرته ما كان يمكن إطلاقاً أن يقبل مثل هذا ، لكن لما قدمت له المسألة باسم دين ، لما قُدِّم -الآن .. الآن في هذا الظرف السكوت والخضوع- بأنه هو الحكمة هو السياسة ، هو الرؤية الحكيمة لفلان أو فلان ، السكوت هو من أجل أن لا تثير الآخرين علينا ، من أجل كذا ، من أجل كذا.
عندما يثقف الإنسان ثقافة مغلوطة هذه هي الضربة القاضية ،تجد بين الرصات الكثيرة من الكتب الكثير من الضلال الذي لا يبقيك حتى ولا إنسان على فطرتك على طبيعتك.
الإنسان بطيعته هو مُنح ـ كما منحت بقية الحيوانات والحيوانات كل حيوان- وسيلة للدفاع عن نفسه ،له مشاعره التي تجعله ينطلق يدافع عن نفسه ليرهب خصمه ، أنت عندما تجد ـ مثلاً الشيء الذي نعرفة كثيراً- القط عندما يلقى الكلب كيف يعمل، يحاول يرهبه ، يحاول ينتفخ ، ويعرض مخالبه وأسنانه ويصدر صوت مرعب ، يترك الكلب أحياناً يتراجع ، يبعد عنه وهو أكبر منه وأقدر منه ، لم نُترك كأي حيوان آخر لأن قضية الدفاع عن النفس ، الدفاع عن الكرامة ، الدفاع عن البلد ، الدفاع عن الثقافة القائمة لدى الناس هي فطرة هي غريزة .. ألم ينطلق العرب هم ليواجهوا الإسلام يغضبوا لآلهتهم وانطلق الملأ منهم أن امشوا واصبروا على آلهتكم أن هذا لشيء يراد .. قاتلوا من أجلها ، جاهدوا من أجلها ضحوا من أجلها ، قريش سخروا الأموال التي جاءت من أموال القافلة أيام غزوة بدر ، سخروها في تمويل جيش ضد محمد ، تمويل جيش ضد محمد صلوات الله عليه وعلى آله فكانوا في تلك الفترة يوم كانوا لا زالوا أناساً ، إنسان يغصب يثور لتقاليده لثقافته ، يغضب على من يظلمه، وهكذا نحن بالثقافة المغلوطة ، بالفتاوى المحرفة ، بالحكمة التي تُقَدِّم الخنوع والجمود.
لاحظ عندما يقول الله هنا في القرآن الكريم أن من مهام رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله أن يعلمنا الكتاب والحكمة ، ماهي الحكمة الآن في مواجهة أمريكا وإسرائيل ، ومؤامراتهم وخططهم والتي أصبحت علنيّة ومكشوفة ، وأصبحت أيضاً هجمة ليس معها ولا أي ذرة من احترام لهذه الأمة ولا حتى لزعماء هذه الأمة ، سخرية ، احتقار ، امتهان بشكل عجيب ، ربما لم يحصل مثل هذا في التاريخ .. ما هي الحكمة الآن ؟ تجد أنها الحكمة التي يرفضها القرآن التي يهدد القرآن على من تمسك بها ، ما هي الحكمة ؟ السكوت ، تسكت وتخضع ، ولا أحد يتحدث بكلمة ، لا شعار يردد و لا تتكلم في أمريكا.
العجيب أن هذه الحكمة قد تعتبر أنها هي الشيء الذي يضمن للناس سلامة ماهم عليه ، أو الذي يضمن للبلد سلامته فلا يهيمن عليه أعداء الله ، وأن هذا موقف حكيم ، أن الزعيم الفلاني يمكن من خلال هذه السياسة أن يوفر للبلاد مبالغ كبيرة من الدولارات .. ويقولون: رأيتم أنه رجل حكيم، استطاع أن يخدع الأمريكيين يدخلوا وبعدين ياستطاعنه يخرجهم ، فقط بقدر ما يأخذ منهم أمولاً، بقدر ما يأخذ.
الفلوس نفسها لم يسلموها التي وعد بها الأمريكيون ، لم يعطوا حتى إفعانسان ولم يعطوا لأحد ، وعود كاذبة ، ينطلق حتى من بعض أشخاص هم حملوا القرآن ، إن أي عمل آخر.
أي عمل تنطلق فيه هو وفق منطق القرآن الذي هو حكيم كما قال الله فيه. يقال لك: لا . هذا تصرف غلط ، وهذا يؤدي إلى القضاء على الزيدية ، ويؤدي إلى كذا ، ويؤدي .. وسكته ، ولا موقف.
أنطلقت الحكمة مغلوطة ، لم يبق للإنسان حتى تقديراته الطبيعية للأشياء ، لم يبق للإنسان أن ينطلق في الموقف الطبيعي من القضايا التي أمامه ، يجمدوا الناس ، يخذلوا الناس باسم حكمة.
وهكذا نحن إذا لم نتثقف بثقافة القرآن الكريم ، فسنفقد كل شيء ، وسنعود إلى أُمية كانت الأمية الأولى أفضل منها. الأمية التي قال الله عنها بأنها وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين .. سنعود إلى مرحلة من الضلال أسوء أسوء بكثير مما كان أولئك الذين قال عنهم وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين لأننا فقدنا أن نلتزم بديننا ، أن نتمسك بقيمه ، وفقدنا أيضاً قيمنا الإنسانية الطبيعية والتي هي للإنسان كأي حيوان آخر.
أليس الإنسان يتمتع بمشاعر الغضب أحياناً فيغضب ؟ هذا شيء فطري وغريزي ، حب الإنتقام ، حب التضحية من أجل شيء عزيز عليه ، سنصبح أُميين أسوء من الأمية التي كان عليها العرب ، حينها لا يبقى لدينا دين ولا يبقى لدينا نجدة ولا كرامة ولا شجاعة ، ولا إباء ولا فروسية ، ولا أي شيء آخر ..
إذاً فليفهم كل طالب أنه عندما نأتي إلى المدرسة ونتعلم قد تسمع أنت كلمات من هنا وهناك .. (يتعلم واحد ما أوجب الله، وماله وما عليه ،يعلم ما له وما عليه). ومطبوع في ذهنك وذهن من يحدثك (مالك وما عليك) .. أن تعرف كيف تتوضأ وكيف تصلي وكيف تصوم وكيف تزكي وتحج وانتهى الموضوع .. لا.. مالنا وما علينا هو القرآن ،باختصار هو القرآن الكريم من ألفه إلى يائه ، فعندما نتصور بأن ثقافة القرآن الكريم هي شيء زيادة على مالك وما عليك ، أنا أريد أن أقرأ هنا كتاب فقهي لأعرف من باب الطهارات إلى نهاية أبواب الفقه ، وحينئذٍ أقول قد عرفت مالي وما علي ، هذا غير صحيح ، هذا جزء تعرفه مما ينبغي أن تعرفه ، تعرف كيف تتوضأ كيف تتطهر ، كيف تصلى كيف تصوم ، كيف تزكي ، كيف تحج ، كيف تتعامل مع أفراد أسرتك مع والديك ، مع إخوانك ، كيف تتعامل مع جيرانك ، كيف تتعامل مع المجتمع من حولك.
ولكن يبقى المجال واسع جداً ، في مجالات كثيرة جداً ، هي أكثر الواجبات وهي الواجبات المهمة التي إذا لم نلحظها ونتثقف حتى نعرف كيف يمكن أن نصل إلى أدائها سنفقد أيضاً قيمة هذه العبادات التي نقول نريد نتعلمها ، تصلى تصبح الصلاة لا قيمة لها في حياتك ، لا قيمة لها فيما بينك وبين الله ، لا تفهم منه شيئاً ، تزكى تحج ، تعمل أعمال من هذه تعتبر في الواقع فاقدة لأثرها في الحياة فاقدة لما يمكن أن تصنعه في نفسك من أثر يشدك إلى الله سبحانه وتعالى.
فنحن عندما نقول نتثقف بثقافة القرآن ، وعندما نأتي ونقول نريد أن نتعلم ما أوجب الله علينا ويدري الإنسان ماله وما عليه نتجه إلى القرآن الكريم هو مالنا وهو ما علينا ، فيه ما يزكينا ، فيه ما يمنحنا الحكمة ، فيه ما يهدينا في كل شئون الحياة ، فيه ما يجعلنا نموت سعداء ونبعث سعداء ، وندخل الجنة ، ونسلم من عذاب الله ، فالقضية هذه مهمة جداً.
وأعتقد أنه يجب أن يكون أبرز عمل لنا في المراكز ، وأبرز عنوان في المراكز وفي حياتنا الثقافية بصورة عامة هي أن نحرص على أن نتثقف بثقافة القرآن الكريم ، وأن ندور حول القرآن الكريم ، ونهتم بمعارفه وعلومه ، ونوطن أنفسنا على أن نكون من النوعية الممتازة التي أثنى عليها داخله ، التي أثنى عليها داخله ( المؤمنين).
عندما يقرأ الإنسان صفات المؤمنين في القرآن الكريم يجد صفات راقية ، عندما تعود إلى المجتمع تجدها صفات مفقودة .. أليس هذا حاصل ؟ وكأن القرآن يتحدث عن نوعية من الناس ليست موجودة ؟..
إذاً فعندما أنت تقول ذلك -وهذا من الخداع للنفس ، الإنسان قد يخدع نفسه- أنا أريد أن أعرف مالي وما عليّ ، ولا أرى أن مما عليّ هو أن أكون ممن يتمتع بتلك المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه والمؤمنين من عباده في القرآن الكريم لأن الجنة أعدت لمن ؟ أعدت للمؤمنين ، أعدت للمتقين ، أعدت لأولياء الله ، العزة في الدنيا ، أعدت للمؤمنين ولله العزة ولرسوله وللؤمنين .. الرفعة الشرف ، القوة التمكين هو للمؤمنين وفي الآخرة الحساب اليسير لمن ؟ لأولياء الله ، الأمن لأولياء الله ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون الذين آمنوا ألم يقل الله هكذا ؟.. الذين آمنوا وكانوا مسلمين .
فعندما يظن الإنسان أن بإمكانه أن يقرأ كتاباً فقهياً ، وهو يعلم أنه عندما يقرأ القرآن يجد أن بينه وبين تلك المواصفات التي عرضها الله عن أوليائه عن المؤمنين عن المتقين ، أنه بينه وبينها مسافات ويرى الناس من حوله يرى زملاءه ، يرى أسرته يرى المجتمع كله من حوله بعيد عن هذه فاعرف أنك تمشى على طريق هي غير الطريق التي رسمت للؤمنين ، تؤدي بك إلى غاية هي غير الغاية التي تؤدي إليها السبيل التي رسمت للمؤمنين ، أين يسير المؤمنين؟.. أليسوا يسيرون إلى الجنة يكون حسابهم يسيراً ، يبعثون فرحين يوم القيامة آمنين ،و يساقون مكرمين إلى الجنة ، فهل تنتظر أنت وأنت تقول أنك تريد أن تعرف مالك وما عليك ، وأنت لا تحاول أن تتحلى بهذه الصفات التي ذكرها القرآن الكريم للمؤمنين .. هل تنتظر أن تحشر كالمؤمنين ، وأن تدخل الجنة كالمؤمنين؟. لا. والقضية أسوء من هذه القضية أيضاً ، من جانب آخر أسوء إذا لم يكن الإنسان الذي ينطلق للتعليم ، الذي يحمل اسم مسلم إذالم ينطلق وفقاً للمواصفات القرآنية التي أرادها الله للإنسان المسلم ، فإنه سيكون من يخدم في حياته الباطل أكثر مما يخدم الحق ، يخدم الباطل حتى وإن حمل علماً ، خاصة إذا كان باطلاً وراءه يهود.
نحن نقول أكثر من مرة ، نقول أكثر من مرة اليهود يستطيعون أن يسيروا علماء لخدمتهم ، أن يسيروا عباداً لخدمتهم ، إذا لم نعد إلى القرآن ونتثقف بثقافته بمعنى صحيح وبشكل جاد يستطيعوا أن يسيروا إنساناً يتعبد ليله يسيروه يخدمهم ، عالم يخدمهم.
قد تتعلم وتتخرج وتخدم اليهود من حيث لا تشعر ، من حيث لا تشعر ، لأنك حينئذٍ لا تتمتع بحكمة ، ليس لديك رؤية حكيمة ، لا تتمتع بالموصفات الإيمانية المواصفات التي ذكرها الله لأوليائه في القرآن الكريم ، التي تمنحهم القوة ، وتمنحهم الحكمة ، وتمنحهم زكاء النفس.
فتضل وأنت تحمل القرآن وهذا من أسوء الأشياء ، ومن أعظم الأشياء إساءة إلى القرآن وإلى الله أن تحمل القرآن الكريم ، أن تتعلم القرآن الكريم أو تُعلم القرآن الكريم ، وفي نفس الوقت تبدو إنسان هزيل ضعيف في مواقفك من أعداء الله..
القرآن الكريم كله قوة كله عزة كله شرف كله رؤى صحيحة وحلول صحيحة تعطى كل من يسيرون على نهجه أن يكونوا بمستوى أن يضربوا أعداء الله كيفما كانوا و كيفما كانت قوتهم ، فالذي يجهل القرآن الكريم ولا يتثقف بثقافته ـ وإن كان يتلوه ليله ونهاره ـ هو من سيكون في الواقع ممن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، وسترى أن الشخص الذي يحمل القرآن وتراه ضعفياً في مواقفه من أعداء الله ، ضعيفاً في رؤيته للحل الذي يهدي إليه القرآن فاعرف أنه بمعزل عن القرآن الكريم وبعيد عن القرآن الكريم ، وأنه يسيء إلى القرآن ، وأنه في نفس الوقت سيعكس وضعيته هذه المتردية وضعفه إلى الآخرين ، فيصبح قدوة للآخرين في ضعفه بدلاً من أن يكون قدوة للآخرين ـ وهو يحمل القرآن الكريم ـ في قوته ، فنحن يجب أن نتعلم القرآن الكريم ، وأن نتثقف بثقافته .
ومما يعطينا القرآن سنعرف كيف نقيّم الآخرين ، فأعرف أن هذا مواقفه قرآنية ومنسجمة من القرآن ، أن هذا ـ مهما كان شكله ، مهما كانت عبادته ، مهما كان يمتلك من كتب ـ تبدو وضعيته غير منسجمة مع القرآن الكريم ، رؤاه غير منسجمة مع القرآن الكريم ، في الوقت الذي يقول القرآن الكريم للناس يحثهم على الجهاد ،يحثهم على الوحدة على الأخوة على الإنفاق في سبيل الله ، على أن يبيعوا أنفسهم من الله على أن يأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر ، ويامرهم بأن يقاتلوا أعداء الله ، تجد كلامه ـ والمسبحة في يده ـ ( مالنا حاجة وأحسن للناس يسكتوا ، وقد يجنوا الناس على أنفسهم ) وكلام من هذا ا لنوع .. هذا لا يمكن أن يكون منسجماً مع القرآن الكريم ، سنصبح ضحايا لكثير ممن يحملوا علم إذا لم نُمنح نحن كطلاب علم كناس مسلمين نُمنح مقاييس قرآنية نستطيع من خلالها أن نعرف ما هي المواقف الصحيحة ، ومن الذي تعتبر مواقفه صحيحة وحركته قرآنية ، ومن الذي هو بعيد عن القرآن الكريم ، سيصبح الإنسان ضحية ، قد تسمع مثلاً ( يا رجل سيدي فلان أو سيدنا فلان ماذا وراءه ، ذاك عالم كبير ولا يهتم بهذه الأشياء، ولا يقول كذا ، هو يقول للناس فقط سيثيرون الآخرين على نفوسهم ، أحسن للناس يسكتوا ولا يتفوهوا بكلمة ولا .. ولا .. لسنا أحسن منه ، هل فلان أحسن منه.
أليس هكذا يتصرف الناس على هذا النحو؟. لا .. يجب أن نرجع إلى القرآن الكريم فنستفيد منه كيف نكون حكماء في رؤيتنا ، في تقييما لأنفسنا أولاً ، في تقييمنا للآخرين من حولنا ، وفي معرفتنا لما يذكره أعداؤنا ، ولمعرفتنا لما هو الحل في مواجهة أعدائنا ..
متى قدم القرآن الكريم السكوت المطلق كموقف حكيم في مواجهة أعداء الله ؟ قد يُوجّه في مرحلة معينة .. أعف وأصفح في فترة معينة ، وأنت تعمل في نفس الوقت ، تعمل لا تتوقف إطلاقاً ، لكن أجِّلْهم في الموقف هذا وهم ضعاف ، هم لا يشكلون خطورة بالغة ، لا تشتغل بهم ، وفي نفس الوقت أنت تعمل ، أنت تهيء ، أنت تجهز ، سراً وعلناً مواقف واضحة ..
يَرِد في القرآن الكريم أحياناً عبارات من هذه ( أعف عنهم وأصفح حتى يأتي الله بأمره ) ماذا يعني الله بأمره؟. وهل الرسول سيعفو ويصفح ويوقف كل شيء ، أم أنه كان ينطلق ويتحرك باستمرار ؟ ينطلق ويتحرك باستمرار ، إنما ربما المنطلق هذا الموقف من جانب هؤلاء الأعداء ، يهود معينين لازالوا مستضعفين ، موقفهم قد يكون غير خطير في ذلك الزمن ، قبيلة معينة منهم ، أتركهم لا تنشغل بهم ، لا تؤاخذهم على هذا فتغرق أنت في الإشتغال بهولاء بمفردهم.
ينطلق في العمل العام وفي بناء مجتمع قوي وفي بناء دولة وفي بناء أمة ، هناك أمر الله في الأخير يستطيع أن يضرب هؤلاء ، إذا لم يقفوا عند حدودهم ، إذا لم يهدأوا ، إذا ما ظلوا يحيكون المؤمرات ضد النبي وضد الإسلام.
لم يأت في القرآن توجيهات بالسكوت المطلق ، ومن يتبنى ثقافة غير ثقافة القرآن هو نفسه من يجهل الله سبحانه وتعالى.
من أهم الموارد من أهم المواضيع في القرآن الكريم هو تركيزه الكبير فيما يتعلق بمعرفة الله سبحانه وتعالى ، أفضل وأهم وأعظم مصدر لمعرفة الله هو القرآن الكريم ، القرآن الكريم بمنحك ثقة بالله وتدور معارفه فيما يقدمه من معرفة عن الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي يرسخ لدى الإنسان شعوراً بعظمة الله وحباً لله ، وفي نفس الوقت ثقة قوية بالله ، هذه الثقة ليست كتلك الثقة التي تحصل لدى الإنسان إذا ما أصبح في حاجة إلى شيء ، مريض أو معه مريض أو أفتقر إلى حاجة معينة ، وهو لا يملك أموالاً يصبح لديه حالة من الرجوع إلى الله ، يدعو الله بإخلاص ..هذه الحالة كانت تحصل تقريباً للمشركين في البحر إذا ما خشوا من الغرق دعوا الله مخلصين له الدين لئن أنجيتنا من هذه لنكونن من الشاكرين.
الثقة بالله تنطلق ثقة واعية ، وليست ثقة عمياء ، لأن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم ـ وهو يتحدث عن أوليائه ـ ذكر أنهم كيف كانوا ينطلقون على أساس الثقة به ، وذكر في القرآن كيف أنه كان يمنحهم الرعاية لأنهم كانوا يثقون به يا أيها الذين آمنوا اذكروانعمة الله عليكم إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم فكف أيديهم عنكم فكف أيديهم عنكم.
وكم ذكر في القرآن الكريم من أمثلة كثيرة جداً توضح للإنسان كيف أنه يرعى أولياءه الذين يثقون به ، كيف أنه يدافع عنهم ، كيف أنه يؤيدهم ، كيف أنه ينصرهم .. ألم يقل عن تلك المجموعة التي خَلُصت من الآلآف المؤلفة من بني إسرائيل ـ في قضية طالوت وجالوت ـ بعد أن شرب الكثير من النهر فبقي مجموعة بسيطة ، قال بعضهم لا طاقة لنا اليوم يجالوت وجنوده قال الذين يظنون أنهم ملاقوا الله مؤمنون واثقون بالله يعيشون حالة من سيطرة الله على مشاعرهم ، الله حي في مشاعرهم ، في نفوسهم قالوا كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله والله مع الصابرين .. ماذا حصل بعد؟ قال فهزموهم بإذن الله .
يتحدث عن قضية عصى موسى .. لاحظوا موسى الرجل الفقير الذي لا يمتلك الأسلحة التي كانت لدى فرعون ، لا يمتلك الجيش الذي كان لدى فرعون ، في يده عصا ، وهو متجه إلى مصر بزوجته وأغنامه ومواشيه ، قال الله وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ليس لها دور أكثر من هذا -فيما أرى- الله أراد أن يجعل من تلك العصا قوة ترعب فوعون وقومه .
فمن يثق بالله ، من يثقون بالله .. إذا ما بلغ الناس إلى درجة الوثوق القوي بالله سبحانه وتعالى فإنه من سيجعل الأشياء البسيطة ذات فاعلية ،ذات فاعلية كبيرة ،عصا موسى عليه السلام كانت ترهب فرعون ، كانت تتحول إلى حية ، كان تذعر آل فرعون جميعاً ، قضت على كل ذلك الإفك ، على كل ما عمله السحرة ، أوحى الله إليه أن يلقى عصاه فإذا هي تلقف ما يأفكون ، تلتهمه جميعاً وقضت على كل تلك الحبال والعصي التي كان يخيل إليهم من سحرهم أنها تسعى ، هذه العصا كانت تشكل سلاح ،عبارة عن سلاح ،وعبارة عن آية ،وعبارة عن وسيلة للفرج ، لها أدوار متعددة ، ضاعت كل قوة فرعون وجبروته وجيوشه وآلياته العسكرية وحصونه أمامها، تلك العصا التي قال عنها موسى: أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي .
وهكذا تجد في القرآن الكريم أشياء كثيرة جداً تتوجه نحو الإنسان لتخاطبه بأن عليك أن تثق بالله ، فمتى ما وثقت ثقة صحيحة ، ومن الثقة به هو أن تتأكد بأنك تسير على هديه ، وإلا فقد تدعو ، قد يجتمع صف من العلماء العباد في مسجد يدعون الله سبحانه وتعالى على أمريكا وإسرائيل ولايحصل شيء ، إذا ما رأى أولئك هو أشد غضباً عليهم مما نجد من عضب عليهم .. أليست المسألة على هذا النحو ؟ تحركوا من منطلق الثقة لأن ما يدل على أن الإنسان يعيش حالة الثقة بالله سبحانه وتعالى هو أن ينطلق هو أن يتحرك حتى في الظرف الذي يرى كل ما حوله ليس في أتجاهه ،يرى كل ما حوله بعيداً عنه ، يرى نفسه ضعيفاً ، يرى موقفه غريباً ،يرى منطقه ممقوتاً ، هذه هي اللحظة التي تدل على مدى ثقتك بالله ، إذا ما انطلقت في ظروف مثل هذه ، في مرحلة معينة.
لاحظوا لو تأتي دولة وتقول هذا كل ما لدينا تحت أيديكم .. أليس حينئذٍ سيصبح الناس أقوياء ، ويصبحوا فيما بعد يتهددوا ويتوعدوا الآخرين .. لماذا ؟ أما في ظرف كهذا والله يقول لك أن بإمكانك أن تصل مستوى أن يكون معكم ، فمتى ما كان معكم فهو من له جنود السماوات والأرض ، أعظم مما تمتلك الدولة الفلانية من أسحلة .. لماذا أراك ضعيفاً لماذا أراك مستسلماً ؟.. لماذا أراك هكذا مقهوراً ذليلاً ؟.. لماذا أراك ضعيفاً ؟.. لماذا أراك مستسلماً؟.. لماذا أراك بعيداً عن أي تفكير في أي عمل ضد أعداء الله؟. لأنك لا تعيش حالة المعرفة بالله ، ولا تعيش حالة الثقة بالله ؟ ويدلك على هذا أنه لو تأتي الدولة تقول هذه مجموعة أسلحة ومعسكرات تحت تصرفكم سنرى الناس كلهم سيصبحون أقوياء ..أليس هذ سيصبح مثلاً عند الناس ؟. لا .. أولياء الله يثقون بالله في أصعب الظروف ، وفي أشد الظروف ابتعاداً عما يقدمونه من حلول ، عما يقدمونه من تصور عملي في مواجهة أعداء الله ..
الثقة بالله هي من أهم ما زكز عليها القرآن الكريم. وتجد أنه إذا افتقد الناس الثقة بالله قد يصل الناس إلى حالة من الكفر لايشعرون بها .. كيف ؟. مثلاً تجد آيات صريحة عندما يقول لله: ولينصرن الله من ينصره إن لله لقوي عزيز إن تنصروا الله ينصركم وثبت أقدامكم فقاتلوهم يعذبهم الله بأٍيديكم ويخزهم وينصركم عليه ، لن يضروكم إلا أذى وإن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون وكم لهذه الآيات من نظائر..
نرجع إلينا .. إلى الناس .. أعداء الله يعملون كذا ، يتحركون كذا ، ما لنا لا نفعل ؟ فيقال: والله ما نستطيع ،نحن مستضعفون ، ما بأيدينا شيء ، وماذا نستطيع أن نعمل ؟.
نعم.. وتلك الوعود التي في داخل القرآن؟. ، كيف معنى ذلك أنه في الأخير أنني أقرأ تلك الآيات ، وأقرأ قوله تعالى ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز وأنا في واقعي ، ونحن في واقعنا جميعاً نحكم على الله بأنه فقط أنت تستطيع أن تنصر وأنت قوي وأنت عزيز ، لكن إذا كان هناك أعداء مثل قريش مثل أولئك الذين كانوا في مواجهة محمد ، أما أمريكا أما إسرائيل ،أما ما تمتلك من أسلحة ، هذه القوي والله ما نستطيع ، هذا واقع .. أي أننا في نظرتنا إلى الله على هذا النحو من يقول نحن أمام أمريكا لا نستطيع أن نفعل شيئاً بعد أن قال الله له: ولينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز بهذه العبارات قوي عزيز .
الله أكبر .. الموت لأمريكا .. الموت لأسرائل .. اللعنة على اليهود .. النصر للإسلام ..
معنى هذه في الأخير أنه والله صح أنت قوي ، أنت عزيز لكن أما أمام أمريكا فلا، أنت غالب على أمرك قاهر فوق عبادك لكن أما هؤلاء فلا، هكذا الواقع ، نطرة الناس هي هكذا في الواقع .. أليس هذا من الكفر الفضيع ؟ كفر فضيع في داخلنا ونحن لا نشعر.
إن سببه ماذا ؟ ضعف الثقة بالله ، ضعف الثقة بالله تجعلك ترى أن الله لا يستطيع أن يعمل شيئاً أمام أولئك وهم من هم ؟ هم أولياء الشيطان الذي قال الله عنه: فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً وكلما زاد خبثهم ازدادوا إفساداً .. أليس يعني ذلك أنهم كلما أزداد ولاؤهم للشيطان كلما أزدادوا ضعفاً ، كلما عظمت ولايتهم للشيطان كلما أرتبطوا بضعيف مذموم مدحور طرده الله ، وطبعه بهذا الطابع مذموماً مدحوراً ضعيفاً ذليلاً فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان
ضعيفاً.
قد تسأل أحد فيقول لك: نحن من أولياء الله ، ونحن مؤمنين ، لكن لماذا نراك تنظر إلى أولياء الشيطان نظرة المنبهر بهم ، المكترث بما هم عليه ، يراهم كباراً ، يراهم سداً أمام الله ، وليس فقط أمام نفسه ، أمام الله وأنت تسمي نفسك بأنك من أبناء القرآن ، وأنك من أبناء الإسلام ، وأنك من أولياء الله ، وأنك .. وأنك ..
يعني هذا حالة خطيرة إذالم تتعرف على الله من خلال القرآن فإن أي وسائل أخرى للمعرفة لا تصل بنا إلى هذه الدرجة التي سيوصلنا إليها القرآن الكريم ، وبالتالي يمكن أن تسبح وأن تصلى لله ، وأنت تقول الله أكبر وأنت تراه في واقعك أنه أعجز عن أن يعمل شيئاً أمام أولئك ، هو لا يستطيع أن ينصر من نصره وإن قال أنه قوي عزيز ، لو كنا نفهم القرآن الكريم كل من يحمل القرآن الكريم ، ونعرف الله من خلاله لما وجدنا أي شيء أبداً أمامنا كبيراً ـ مهما بدى كبيراً ـ لأن الله في القرآن يقول لنا بأنه هو يدبر الأمر ،وهو ملك السماوات والأرض ، هو الذي ترجع إليه الأمور ، بأنه هو الذي يستطيع أن يهيأ هو الذي يفتح المجالات يهيأ الفرص ، هوالذي يعمل الأشياء الكثيرة التي قد لا تتهيأ إطلاقاً ، كيف قام بالدفاع عن أوليائه حتى يستطيعوا أن يصلوا درجة معينة ، أشياء كثيرة لا نسطيع أن نستوعبها. أهم شيء في الموضوع هو أن تكون ثقة الناس بالله قوية ..
إذا فعندما تنطلق وأنت طالب علم ، أو أنا معلم أريد أن أعلم الناس ما أوجب الله عليهم حتى يعرف كل واحد ماله وما عليه ، وأنت لا تتعرض لنقاط كهذه فأنت ستنسف كل ماله وكل ما عليه ، ولن يصل إلى معرفة ماله وما عليه ، إلا جزئيات تصبح لا تنفعه في الدنيا ، ولا حتى تنفعه في الآخرة ..
لاحظوا كيف أولئك الذين كانوا يعيشون مع رسول الله صلوات الله عليه وعلى آله كانوا في قضية واحدة ، قضية أدب مع الرسول صلوات الله عليه وعلى آله لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي ولا تجهروا له بالقول كجهر بعضكم لبعض أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون .. تحبط أعمالكم ما هي أعمالهم ؟ صلاة بعد رسول الله .. أليست الصلاة بعد رسول الله أفضل من أي صلاة بعد أي شخص آخر ؟ وخضور مع رسول الله وجهاد معه في الميادين ، كل هذه الأشياء التي تبدو عظيمة قد ينسفها موقف ، تبدوا معه قليل أدب مع النبي صلى الله عليه وآله أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون .. فكيف إذا ما كنت قليل أدب مع الله ، تقدمه عاجزاً عن أن يحقق ما وعد به أولياءه ، هذا ما نحن عليه ، ولهذا أصبحنا في وضعية سيئة جداً جداً ، لا يستطيع الإنسان أن يتصورها ، كلنا علماءنا وزعماءنا وحكومات وجيوش وأفراد كلهم في الحضيض ، في أحط مستوى ، تحت من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله .
كلمة من (بوش) ترعبهم جيمعاً ، لا يستطيعون حتى أن يعلقوا عليها كما يعلق عليها الأوربيون (كلمة جيدة ومتوازنة إنما تحتاج إلى شيء من الإيضاح) كمقال عرفات ومبارك وأشباههم ، بينما هناك ينقدها الفرنسيون ينقدها الآخرون .. هكذا أصبحوا إلى درجة كلمة من (بوش) تهزهم أكثر مما يهزهم وعيد القرآن الكريم ، يبحثون عن حل من هناك ولا يلتفتوا إلى القرآن ، يمكن أن يكون لديه حل ، يمكن أن يكون لديه حل .. أبداً .. عندما تهتز ثقة الإنسان بالله نتيجة لمعرفته المغلوطة بالله أو ضعف كثير في معرفته سيصل إلى هذه الحالة بدلاً من أن يكون قوياً على أولياء الشيطان ، يصبح عبداً لأولياء الشيطان ، بدل أن يكون يتشرف بأن يهتدي بهدي الله، وتكون قوته أمتداداً لقوة الله يصبح هو من يبحث عن الحلول من عند أولياء الشيطان يقدمون له حلولاً ، وهل يمكن للشيطان أن يقدم حلاً للإنسان المؤمن ؟ لا يمكن أبداً ، إنما يدعوا حزبه ، حزبه الذين قد والوه وأطاعوه ودخلوا معه ، هل هو يريد أن يجعلهم على أرقى مستوى ويسوقهم إلى أفضل غاية ؟ لا .. إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير .. فاصبح أولئك هم الملجأ للناس للعرب للمسلمين بدلاً من الإلتجاء إلى الله.
أطعنا الله أطعنا رسوله ، أطعنا ولايته فاصبح الموضوع أنا نبحث كيف نتولى ، و يتسابق الزعماء ، يتسابق الأحزاب على من هو الذي يحضى بصداقة أمريكا أو بالقرب من أمريكا ، وبود أمريكا ، هكذا حتى داخل اليمن أصبحت الأحزاب في اليمن ـ فيما نقرأ ـ بعضهم يتهم بعض بأن مواقفه هي محاولة لأن يكون أقرب إلى أمريكا ، ويتودد إلى أمريكا لأنه ربما تأتي أمريكا وتجعله هو من يصل إلى السلطة .. وهكذا.

يتبع باقي المحاضرة
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في السبت أكتوبر 28, 2006 5:02 pm، تم التعديل 9 مرات في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

يتبع باقي المحاضرة

نحن يجب أن نفهم أنه يجب أن يكون عنواناً داخلاً في أعماق نفوسنا عنواناً أمامنا ، أينما سرنا هو أن نتثقف بثقافة القرآن ، أن نتعلم القرآن ، نتدبره ، نثق به ، نتفهم آياته ، ونتحرك في الناس على أساسه ، نتحرك في الناس على أساسه ، نقيّم الأحداث كلها من خلاله ، نقيّم الآخرين كلهم من خلاله ، نقيّم أنفسنا من خلاله ، نقيّم أنفسنا على أساس مقاييسه ، وهكذا، ما لم فلو تعلمت ستين عاماً ستخرج في الأخير أضعف بكثير من أولياء الشيطان ، ترى أولياء الشيطان فتخافهم أكثر مما تخاف الله ، تغالط الله ، ما هذا حاصل؟.
لاحظوا كيف واقعنا الآن عندما ننطلق في عمل معين، من الناس يقول: ربما يثير الدولة ضدنا ، ربما يُحَرِّش أمريكا علينا. ربما قد يُسجن شخص ، ربما يحصل كذا ربما .. هذه الاحتمالات نجعلها من الاحتمالات التي نتعامل معها بجدية ، احتمالات نتبناها بشكل مواقف في الأخير ، فنسكت ونقعد. لكن احتمالات أنه ربما إذا قعدنا ، ربما إذا سكتنا أن يغضب الله علينا ، ربما أن نكون مستحقين لسخطه وعذابه وعقابه بجهنم ، هذه الاحتمالات التي هي إلى الله لا نهتم بها.
والإنسان المسلم في الواقع إذا وقف بين احتمالين ، أمامي ربما يحصل عليّ من جانب هؤلاء البشر ضر قد ينتهي بالقتل ، وربما إذا وقفت ،وسكت ،وصبرت يحصل عليّ من جانب الله سخطه وعذابه ، فأيهما أخطر على الإنسان ؟ ومن الأولى من الاحتمالات بأن أراعي؟. أراعي جانب الله أو أراعي جانب الآخرين؟. تراعي جانب الله بكل اعتبار باعتبار أنه وليّك ، أنه المنعم عليك ، أنه كما قال  وَمَا بِكُمْ مِنْ نِعْمَةٍ فَمِنَ اللَّهِ  (النحل: من الآية53) أنه إلهك ، أنه هو الذي عذابه شديد ، لا أحد يستطيع أن ينقذك من عذابه ، أما الإنسان فأقصى ما يصل بك إليه هو أن تقتل ، عندما تقتل هل يمتلك شيء وراء ذلك ؟ لا يمتلك شيء وراء ذلك . عندما تقتل يجعلك الله تعيش حياً من جديد ، وتعيش شهيداً ، تعيش حياً ترزق ، وتكون من السعداء قبل اليوم الآخر ، من السعداء قبل دخول الجنة ، لكن إذا لم تراعِ الاحتمالات فيما يتعلق بالله ، فلا تجعل لها أهمية ستخسر فيما يتعلق بجانب الله ، فتكون ممن يستحق عذابه ، هل أحد يستطيع في الأخير أن ينقذك من يد الله ؟. لا أحد يستطيع إطلاقاً أن ينقذك من يد الله ، ستموت رغماً عنك.
عندما تَصِل مثلاً إلى عميل رقم واحد ،وعميل على مستوى عالي لأمريكا ثم عندما تمرض فأقصى ما يُقدَّم لك طائرة خاصة تنقلك إلى أرقى مستشفى في أمريكا ،يجتمع حولك أرقى الأطباء ، هناك في الأخير ستموت بين أيديهم ، يأخذك الله رغماً عنهم ،وتموت بين أيديهم ، هل يستطيعون أن يمنعوك من الموت ؟ وهو أول خطوة لليوم الآخر؟. لا يستطيعون أن يحولوا بينك وبين أن تبعث ، هل يستطيعون أن يحولوا بينك وبين سوء الحساب ؟. هل يستطيعوا أن يحولوا بينك وبين دخول جهنم ؟. لا يستطيعون أبداً ، لكن كل شيء من جانب الناس مهما طال، الاحتمالات قد تصل إلى القتل ، قد تصل إلى التمثيل فكله بسرعة ينقذك الله منه ، سواء أن لا تصل إليها ،أو أن تصل إليها فعلاً ، فأقصى ما يحصل هو أن يقتلوك وبسرعة تتحول إلى شهيد حي.
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
هذا ما يجب أن نفهمه في هذا الموضوع.
ثم عندما نتعامل مع القرآن الكريم ، نتعامل بإجلال ، باحترام ، بتعظيم ، بتقديس ، بنظرة صحيحة للقرآن أنه كتاب للحياة ،  تِبْيَاناً لِكُلِّ شَيْءٍ  (النحل: من الآية89) كما قال الله عنه  هُدىً لِلنَّاسِ  (البقرة: من الآية185) ، وعندما يقول الله لك ، عندما يقول الله لنا  هُدىً لِلنَّاسِ  فهل من المعقول أن يكون فقط هدى في القضايا البسيطة في المشاكل الصغيرة ، أما المشاكل الكبيرة التي هي أخطر علينا من تلك ،وأسوأ آثاراً علينا من تلك وعلى ديننا فإنه لا يهدي إلى حل لها ، هذا غير صحيح. فعندما يقول  هُدىً لِلنَّاسِهو هدى للناس في كل القضايا أمام كل الاحتمالات في كل الميادين ، لماذا لا تنظر إليه بأنه هدى للناس في الوقت الذي نحن أحوج ما نكون إلى من يهدينا في مواجهة أعداء يمتلكون إمكانيات هائلة.
 هُدىً لِلنَّاسِ  معناه يُعلّم الإنسان كيف يكون (طيِّباًً) وأشياء من هذه ، يصلى ويصوم ولا يتدخل في شيء ، فنقدم القرآن وكأنه لا يمتلك أي رؤية ، ولا يعطي أي حل ،ولا يهدي لأي سبيل فيما يتعلق بالمشاكل الكبيرة ، فيما يتعلق بالمخاطر العظيمة ، هو  هُدىً لِلنَّاسِ  في كل مجال ،في كل شأن ، فتكون نظرتنا للقرآن الكريم نظرة صحيحة ، هذا هو كتاب حي ، كتاب يتحرك بحركة الحياة ، بل يستطيع فعلاً - لأنه أوسع من الحياة - يستطيع -إذا ما أُعْطِيت فهمه ، إذا ما كنت تعيش معه ، وفق نظرة صحيحة- أن يُقيّم لك الأحداث فتكون أدق من أي محلل سياسي آخر ، أدق من أي صحفي آخر ، أدق من أي مهندس لسياسة أمريكا وغيرها في تقديرك للأحداث.
ولأنه يمنح الإنسان ثوابت ، تعتبر مقاييس ثابتة ، يربيه على أن تكون لديه رؤية تمنحه المبادرة في المواقف ، هو لا يجعلك بالشكل الذي تنتظر ماذا سيعمل بك العدو لتفكر بعد ماذا تصنع ، هو من يربيك على أن تعرف كيف تضرب العدو ومن البداية ، وهو من قد قدم لك من البداية الشرح الطويل والإيجاز لتعرف كيف عدوك ، وكيف واقعه ، كآية  لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ أليس هذا تقريراً إلهياً عن الأعداء؟. لا يستطيع أي شخص مهما كان أن يعطي تقريراً عن عدوه بأنه سيكون هكذا ، لا تستطيع أمريكا أن تعطي تقريراً عن العراق الآن بأنها إذا ما توجهت لضرب العراق فإنه لا يضرها إلا أذى وإن يقاتلها سيوليها الأدبار ثم لا يُنصر . لا تستطيع أمريكا بمخابراتها بأقمارها بأجهزتها الدقيقة ، لا تستطيع إطلاقاً. لكن الله لأنه عالم الغيب والشهادة هو من استطاع أن يكشف لأوليائه كيف ستكون نفسية أعدائه.
و يتجلى ذلك بشكل عجيب، ومن ذلك ما تجلى في الأيام هذه عندما قال الله عن اليهود بأنهم  لا يُقَاتِلُونَكُمْ جَمِيعاً إِلَّا فِي قُرىً مُحَصَّنَةٍ أَوْ مِنْ وَرَاءِ جُدُرٍ بَأْسُهُمْ بَيْنَهُمْ شَدِيدٌ تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى(الحشر: من الآية14) تجلت هذه في إسرائيل أمام مقاومة الفلسطينيين ، مقاومة بسيطة لا تمتلك شيئاً بقدر ما تمتلكه إسرائيل ، نجد الآية هذه يظهر مصداقها واضحاً فتبني إسرائيل الأسوار ، وشاهدوا أنتم في التلفزيون الأسوار جُدُر، ونفس المستوطنات قرى محصنة ، المستوطنات التي تقام لليهود هي قرى محصنة، فهم هكذا على الرغم من أنها دولة قوية تُرعِب بقية الدول الأخرى في المنطقة ، لكنها في ميدان المواجهة ، إذا ما كانت مواجهة لها جذور تمتد من الولاء لله ولرسوله ولأهل بيته ، مثل ما قالوا هم عن حماس ،قالوا (حماس هي تلميذة حزب الله).
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
قالوا عنها هي تلميذة حزب الله ، وتراهم يبنوا جُدُراً وقرى محصنة ، أليس هذا الشيء الذي لا يمكن لأي طرف آخر أن يعطيه للمسلمين؟. لا يمكن لأي طرف آخر مهما بلغت قوته أن يكتشف أعداءه على هذا النحو ، فيكشف واقعهم .. لا يمكن أبداً إلا الله ؛ ولهذا عندما يقول في القرآن الكريم بأنه  قَوِيٌّ عَزِيزٌ هو يقول للناس بأنه بالمستوى الذي ينبغي أن يتولوه ،فهو قوي عزيز ، وهو غالب على أمره ، وهو قاهر فوق عباده ، وهو يعلم السر والنجوى ، يعلم الغيب والشهادة ، يستطيع أن يكشف لك واقع عدوك ، يستطيع أن يملأ قلب عدوك رعباً ، فتكون إمكانياتك البسيطة هي من ترعبه ، ويرى أن ما لديه من إمكانيات وما لديه من قوًى لا يحقق له الأمن ، كما حصل في إسرائيل أصبح القادة العسكريون في إسرائيل في الأخير يعترفون بأن الحرب لم تحقق لهم الأمن بل أصبحوا يقولون بأنه (كلما انتقمنا حصل ردود فعل أكثر ، ثم انتقام في انتقام وفي الأخير لن يحقق لنا أمناً ،ولن يحقق لنا استقراراً ،ولن يحقق لنا إلا إنهاكاً لاقتصادنا). هكذا يقول الإسرائيليون أنفسهم.
نحن يجب أن تكون نظرتنا للقرآن صحيحة ، عندما تنظر للقرآن ، عندما تتعلم القرآن تتعلمه وأنت تَعُد نفسك واحداً من جنود الله ، وإلا فستكون من تلك النوعية التي تتقافز على الآيات  كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ  (الصف: من الآية14) كونوا أنتم. فيقول أنا مالي دخل) ،  وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ  (آل عمران: من الآية104)( أنا مالي دخل) وهكذا تتقافز على الآيات فتكون أنت من تضع أمامك حجباً عن الاهتداء بالقرآن الكريم ، وبالتالي ستكون أنت من تقدم القرآن الكريم للآخرين ضعيفاً هزيلاً.
نحن قلنا: يجب على الإنسان الذي يُعلّم القرآن أن يعلم القرآن كما لو كان في مواجهة مع العدو وفي الجبهة الأولى في مواجهة العدو ، تعطيه حيوية ، عندما يتحدث عن الجهاد ، عندما يتحدث عن وعوده للمؤمنين ، عندما يتحدث عن أعدائه ، عندما يتحدث عن الأشياء التي يجب أن تكون الأمة عليها في تأهيل نفسها لتصل إلى مستوى أن تكون من أنصار الله ، ومن أنصار دينه ، يجب أن تتحدث وإن كنت أنت في واقعك ترى بأن الوضع لا يصح منه شيء ، والناس لن ينفعوا بشيء ، والدنيا كلها قد انتهت ، ولا يوجد بأيدي الناس شيء ، لا تعكس هذه على آيات القرآن أبداً ،لا يجوز ؛ لأن القرآن يجب أن يكون أرقى من أن نعطفه على أنفسنا ،أو نرده هو فنجعل ما لدينا من مشاعر من ضعف هو المقياس الذي على أساسه نقدمه للآخرين ، هو الشيء الذي نصبغ القرآن به عندما نقدمه للآخرين ، هذا سيقتل القرآن ، هذا سيميت القرآن.
كيف تعمل؟. قدمه على أصله ؛ لأن القرآن لو أُخضِع لمشاعرنا ،لتقديرات الضعف التي تسيطر علينا ، على هذا وعلى ذاك ، فبالتالي سيقدم القرآن ميتاً جيلاً بعد جيل ، هذا بالنسبة للمُعلّم، بالنسبة لطالب العلم كذلك عندما نقرأ القرآن ، عندما نتدبر آيات القرآن ، عندما تُذّكر بآيات القرآن يجب أن تتعامل مع القرآن بجدية ، أنك تريد أن تكون فعلاً كما ذكر الله عن أوليائه في القرآن ، وأن تكون ممن يصل على أساس تعرف مالك وما عليك ، أن تصل إلى من قال عنهم  كُونُوا أَنْصَارَ اللَّهِ  ، أن تكون من ضمن هؤلاء ، أن تكون ممن قال عنهم وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  (آل عمران: من الآية104) وهكذا في بقية الأشياء ، أن تكون مع الآخرين من المؤمنين تواليهم صفاً واحداً ،وحدة حقيقية عندما تسمع الله يقول عن المؤمنين وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ  (التوبة: من الآية71). إذا تعاملت مع القرآن وأنت طالب علم على هذا النحو تنظر إليه ككتاب من الله ، أنه كلام الله فستهتدي بالقرآن وسيزكي نفسك ،وستصل إلى فهم كثير من آياته.
والقرآن في ظاهره يعطي أشياء كثيرة جداً على الرغم من أنه كما قال الإمام علي  ( بحر لا يُدرك قعره) ، لكن هذه من خصوصيات القرآن التي أمتاز بها عن أي كلام آخر أنه يعطي الناس الكثير الكثير من المعارف بظاهره وإن كان لا زال بحراً لا يُدرك قعره ، فالخَواص يعرفون منه الكثير الكثير الذي لا تستطيع أعمارهم أن تستوعبه ، ( بحر لا يدرك قعره ).
فعندما نتعامل مع القرآن لا نتعامل معه بابتذال وكأن كل شخص يستطيع أن يفسره هو بمفرده ،بل يكون همك هو أن تتدبر أنت وتتذكر أنت، تقرأ القرآن للناس كما قال الله عن رسوله وَأَنْ أَتْلُوَ الْقُرْآنَ  (النمل: من الآية92) القرآن بظاهره يعطي الكثير للناس، ولأن الناس قد تأثرت نظرتهم للقرآن سلباً أعط تعليقات كمقدمات بسيطة حول الموضوع ثم تأتي بالآيات القرآنية. لا تنطلق كمفسر. مَنْ انطلقوا كمفسرين لم يقدموا القرآن بالشكل الصحيح ، عندما تقرأ (الكشاف) للزمخشري ، أو تقرأ (تفسير الطبري) ، أو تقرأ تفاسير أخرى تراهم يُغفلون الحديث عن آيات مهمة جداً ، نحن أحوج ما نكون إلى فهمها اليوم ،فهي مرتبطة بواقع الناس ،مرتبطة بحياة الناس ، مهمة جداً ، يقفز عليها وانتهى الموضوع ، ينطلق ليفسر مفرداته ،وإذا كان هناك حكم معين يستنبطه أو قصة معينة يتحدث حولها باختصار وانتهى الموضوع.
لكن التدبر للقرآن الذي دعى الله الناس إليه حتى الكافرين أَفَلَمْ يَدَّبَّرُوا الْقَوْلَ (المؤمنون: من الآية68)  كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (صّ:29) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍر (القمر:17) على هذا النحو تقرأ الآيات القرآنية ، عندما تمر بآيات الوعد والوعيد تسمع الحديث عن جهنم أو تقرأ الآيات التي تتحدث عن جهنم ، عن الحساب العسير ، فالقرآن يعرض في هذا الموضوع حتى الحالة النفسية السيئة ، حالة الخوف والرعب والفزع واليأس الذي يسيطر على أعداء الله في ساحة القيامة ، وفي جهنم يعرضها القرآن الكريم ،نفس الشيء يعرض العذاب الشديد بتفاصيله ، يتحدث عن شدة العذاب ،وقود العذاب كما قال  وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ  (البقرة: من الآية24) وكذلك يتحدث عما يقوله أهل النار في النار عندما يطلبوا  أَفِيضُوا عَلَيْنَا مِنَ الْمَاءِ أَوْ مِمَّا رَزَقَكُمُ اللَّهُ  (الأعراف: من الآية50) هكذا يريدون شربة ماء ليست بارد ة ، شربة ماء طبيعية عادية فلا يحصلون عليها. أنت عندما تقرأه تجد أنه من المحتمل أن تكون أنت واحد من أولئك ، لا تقرأ آيات الوعيد وكأنه يقصد أناساً آخرين لا تعرفهم ؛ لأنه من المحتمل أن تكون واحداً من الذين قال عنهم وَهُمْ يَصْطَرِخُونَ فِيهَا  (فاطر: من الآية37) حينئذٍ يجب أن تلحظ أنه كيف أعمل حتى أقي نفسي من عذاب الله.
فالآيات في الوعد والوعيد آيات الوعيد صريحة، تفكر هنا عندما يقول يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ  (التحريم:6) عندما تقرؤها تذكر هَولها ،تذكر هنا أنه مصير سيئ ، الله يدعونا هنا عندما يقول لنا ونحن هنا يعني أن هذه هي الفرصة الوحيدة ،العمر في هذه الدنيا هو الفرصة الوحيدة للإنسان أن يبحث عما يقي نفسه من جهنم ،أن تتفكر في هذه الآية ما هو معناها؟. أن تنطلق بجدية وتفكير واهتمام حول ما يقي نفسك من عذاب الله ، أليس هذا ممكن أن يتذكر الإنسان بمثل هذه الآية؟. كذلك آيات أخرى كثيرة ، عندما تجد أيضاً الحديث عما وعد الله به المؤمنين في الجنة كذلك أقرأ ما وعد الله به المؤمنين في الجنة ثم أقرأ ما قاله عن المؤمنين أصحاب الجنة ،عما قاله عن المتقين أصحاب الجنة الذين وعدوا بالجنة ،عما قاله عن أوليائه حينئذٍ تذكر. يجب أن أتَنَبَّه إذا كنتُ أريد أن أكون ممن يحظى بذلك النعيم العظيم ، هذه الجنة فيها ما هو فوق الإدراك ، المشروبات الجيدة فيها ليست فقط معلبة أو مخبأ معك في (كَوّة) أوفي قارورة بل أنهار ، أنهار من عسل مصفى.
إذا كان للواحد منا قارورة عسل فإنه يخبأها ، ويأخذ منها قليلاً صباحاً ،ويعتبر نفسه أنه في حالة جيدة ، أما هناك أنهار من عسل ، أنهار من لبن لم يتغير طعمه ، مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ  (محمد: من الآية15) ووصفها بأوصاف عظيمة جداً ، هنا لا تقول بأن هذه غاية يمكن للواحد منا أن يمشي إليها مشياً فتبحث لك عن مشوار سيارة يوصلك الجنة . لا. بل أنظر ما قاله عن أهل الجنة ،عندما قال عن الجنة وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ  (آل عمران:133) الذي هو وصف واحد من أوصاف المتقين وكم وصفهم.  الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (134) وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلَّا اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ(135) (آل عمران) وهناك يقول  إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ (التوبة: من الآية111) لا تقرأ آيات الجنة وتقول والله نعيم عظيم ، هذا مكان راقي ، بل ارجع إلى نفسك وارجع إلى الآيات التي تصف أصحاب الجنة حينئذٍ إذا كنت تريد الجنة حاول أن تتحلى بتلك الصفات ،ثم تعلم من خلال الحديث عن الجنة وعن النار أن ليس معنى ذلك أن قضية الجنة هي قضية اختيارية لمن أراد أن يدخل الجنة ممكن يدخل الجنة ، لكن إذا ما أراد ممكن يجلس في الصحراء خارج هناك ، لا جنة ولا نار، لا. إما أن تكون من أصحاب الجنة أو أن تكون من أصحاب النار، هكذا قسّم الله الناس عندما تحدث عن المحشر  فَمِنْهُمْ شَقِيٌّ وَسَعِيدٌ (هود: من الآية105) شقي وسعيد لا يوجد طرف آخر ، لا يوجد مكان آخر أو عودة إلى الدنيا من جديد، لا. إما جنة أو نار.
التذكر بآيات القرآن ممكن لأي إنسان قد أصبح يميز ويدرك ، أصبح يميز ويدرك يستطيع أن يتذكر وليكن تذكره على هذا النحو وهو يقرأ القرآن في سوره كلها من أوله إلى آخره ، فالله قد يسر القرآن على هذا النحو للذكر، وأنت حينئذٍ ستجد نفسك قريباً بعد أن تذكرت بمثل آية  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  وأمثالها فأنت ستعيش حالة من اليقظة ، حالة من الاهتمام ، تصبح أنت قريباً من الأعمال التي تعتبر وقاية لنفسك من النار ، تُدعَى إلى عمل صالح في مواجهة أعداء الله تكون أنت قريباً من هذا لأنك يَقِظ ، ولهذا وصف الله المتقين بحالة اليقظة عندما يحكي عنهم بأنهم ينفقون في السراء والضراء ويكظمون الغيظ ويعفون عن الناس ، إذاً يحملون اهتماماً بقضايا كبيرة ، هذه القضايا يعرف أنه لا بد من أجل خدمتها أن يكون هناك إنفاق فهو ينفق في السراء والضراء لا يبالي.
ارجع إلى واقعنا من جديد تجد أننا لا نعيش حالة التقوى ولا نعيش مشاعر المتقين ، تجدنا لم نستطع أن نصل في خدمة الإسلام إلى أن يكون كأبسط خصلة من الكماليات اليومية ، نحن نقول للناس: نحن بعد لم يصل اهتمامنا في مجال الإنفاق في سبيل الله إلى اهتمامنا بالخضرة (بالفجل) الذي نشتريه كل يوم ، لم يصل إلى درجة أن يهتم الواحد منا بالإسلام كحبة دخان بما يساوى حبة دخان ، فيبذل في يومه قيمة حبة دخان، لو يبذل آلاف من الناس ما يساوي حبة دخان في اليوم الواحد لاستطاعوا أن يعملوا أعمالاً عظيمة جداً للإسلام.
المتقون وصفهم هنا بأنهم ينفقون حتى في أصعب الحالات في السراء وفي الضراء ،فهل يمكن أن يكون أولئك الذين لا يعتبر الإسلام ولا مايساوي هامش من كماليات حياتهم غير الضرورية ، ليسوا متقين ، لا يمكن أن يكونوا متقين،تمر الإعمال التي تعتبر أبواباً من أبواب الخير لك تشكل وقاية لنفسك من جهنم لو انطلقت فيها، تمر ولا تبالي بها.
الإمام علي  قال: (إن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه) ، قد تمر مرحلة يمكن أن يكون لك أثر فيها ، أمامك سلاح معين يمكن أن تستخدمه فيها فيكون مؤثراً على عدوك، يكون فيه نصر لدينك ، يكون فيه وقاية من كثير من الشرور لأمتك ، ولأنك لا تحمل اهتماماً لا ترى لهذا الشيء قيمته ،لا يلتفت ذهنك إليه ، بل قد تعتبره لاشيء ، فتمر الأبواب التي تُفتح لخاصة أولياء الله تُفتح وتمر أنت من عند الباب فلا تلتفت ، لا تعرف أهو مفتوح أم مغلق. عندما قال الإمام علي  ( أما بعد فإن الجهاد باب من أبواب الجنة فتحه الله لخاصة أوليائه). وهكذا قال القرآن الكريم: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (المائدة:54) ألم يجعله فضلاً ؟. تمر الأشياء التي تعتبر فضل عظيم ولا تعلم بها ، تمر الفرص المهمة التي يمكنك أثناءها أن تقدم خدمة لدينك ، وكل عمل لدينك هو وقاية لنفسك من جهنم ، فلا تعبأ به ، أي لو تذكرنا حول آية واحدة في القرآن الكريم هي هذه هي  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  لكانت كافية وكفيلة بأن تجعل كل إنسان يقظاً ، وتجعل كل إنسان يدرك أن هذه فرصة ، أن هذا عمل مهم ، أن هذا باب من أبواب الخير فُتح له ، أن هذا فضل عُرض عليه ، وبالتالي سيكون الناس قريبين جداً من أن ينطلقوا في أعمال تقي أنفسهم من جهنم ، لكن حتى الآية هذه في صريح عبارتها لا نهتم بها ،نقرؤها  قُوا أَنْفُسَكُمْ  لكن كأنه يحدث آخرين ، هنا شغّل ذهنك في الموضوع ، يجب أن تكون هناك وقاية ، هذا خطاب من الله يدل على أن وقاية الإنسان من جهنم ليست مسألة هي موكولة إلى الله ، مثلاً أنه يخلق ناس هكذا ثم قد يترك هذا يدخل الجنة ، ويصرفه عن جهنم ، يقول لك أنت أيها الإنسان وسيلة وقايتك من جهنم هي بيدك ، هي بيدك يقول للناس أن وقاية أنفسهم من النار هي بأيديهم.
ما معنى بأيديهم ؟ أي أن ينطلقوا وفق ما يهديهم الله إليه ،وفق ما يريد الله منهم ،ويدعوه ويرجوه ويعملوا في سبيله ويستغفروه ويتوبوا إليه ، فهو في الأخير من سيدخلهم الجنة ، لكن هم من صنعوا الوقاية لأنفسهم من النار بمجموعة أشياء انطلقوا فيها ،أعمال، وثقة بالله، ورجاء لله، وتوبة إلى الله .. هكذا. لا يعني ذلك أن المسألة مفصولة عن الله تماماً ، أن تكون وقايتي من جهنم معناه يقوم الإنسان فيحاول أن يخترع شيئاً من اللباس يقيه من حرارة النار .لا . وقايتك من جهنم هو أن تنطلق وفق ما يريد الله منك وعلى أساس ما هداك إليه ، فعندما يقول  قُوا أَنْفُسَكُمْ  أليس ذلك يعني بأن سبب وقاية أنفسكم من جهنم هي بأيديكم؟.
ثم يتحدث عن جهنم هذه ويجعل جهنم من جنس عذابٍ نحن نراه  نَاراً أليست النار معروفة لدينا ؟ لو كانت جهنم عذاباً من جنس آخر نحن لا نعرف ما هو ، ربما قد لا يكون له أثر في نفوسنا لأننا لا نعرف ما جنس هذا العذاب حتى نخافه ، الله جعل جهنم من جنس شيء نحن نراه في الدنيا ، النار هذه النار التي تصل درجة حرارتها إلى آلاف مؤلفة،آلاف من درجات الحرارة. الإنسان حتى وهوا يشاهد هذه النار يتذكر عندما يسمع الله يقول هناك  قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً  كلمة  نَاراً لا يتساءل الإنسان ما هي ناراً ، شيء لا ندري ما هو ، أنت تراها في بيتكم على طول ، بل ربطت حياة الإنسان في الدنيا بالنار ، تظل دائماً تذكره بجهنم ، يتذكر بما هو في بيتهم كل ساعة، نريد قهوة فلا بد من نار ، نريد أكل لا بد من نار ، نشتري حطباً ، نشتري غاز لا بد من تنور حطب أو غاز بالنار. فالنار توقد في بيتك دائماً ، وتوقد بجوار أي مطعم أنت قد تأكل فيه ، في أي مدينة من المدن.
إذاً فهذه النار عندما يقول  نَاراً هي معروفة لكنها تزداد وتفوق حرارتها بشكل كبير هذه النار وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ  ملائكة لا يمكن أن يرِقّ لك قلبه عندما تقول  يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ  (الزخرف: من الآية77) أو أُدعُ لنا ربك يخرجنا من هذه النار ، أو أي تضرع آخر، أبداً غلاظ شداد ، لا يستطيع أهل النار أن يشكلوا ثورة فيقتحموا أبواب جهنم فيخرجوا .. لا . أبواب مؤصدة ، أعمدة من وراء الأبواب ، لا يستطيعون أبداً ، كلما اقترب أهل جهنم من الأبواب يُقمعون بمقامع من حديد ، فلا أهل النار يستطيعون أن يشكلوا ثورة فيفتحوا هذا السجن كما يفعل الناس في الدنيا ، أحياناً بعض السجون قد يجتمع السجناء فيقتحموا السجن ويقتلوا الحراس أو يفكوا الأبواب ويخرجوا ، أما جهنم فلا ، ليس هناك إمكانية للخروج منها ، وليس هناك عليهم رقابة ممن يمكن أن يعطيهم واحد رشوة أو أي شيء ويخرجوه منها ،  غِلاظٌ شِدَادٌ لا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ .
يتذكر الإنسان دائماً بالقرآن ، ويكون همه أن يتذكر عندما تقدمه للناس قدمه على هذا النحو ، تذكرهم به ، وليس بأسلوب المفسر ، تنطلق وكأنك مفسر للقرآن ، قد تخطئ ،أو أن تغوص في أعماق القرآن قد تخطئ ، يكفيك ظاهر القرآن أن تتذكر به وأن تذكر الآخرين به ، أن تدَّبره وأن تدعو الآخرين لكي يَدَّبروه ، هو شيء واسع جداً.
هذا ما أريد أن أقوله فيما يتعلق بالتعامل مع القرآن ، نحن لا نريد أن يكون مبتذلاً ، فكل واحد ينطلق ويرى أنه يستطيع أن يفسر ،ويستطيع أن يحلل ،ويستطيع أن يغوص في أعماق هذه الآية أو تلك ،أو يستوحي من هذه الآية أو تلك ، انطلق مع ظاهر القرآن الذي هو ميسر  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ  (القمر: من الآية17).
حتى قضية استنباط أحكام شرعية لا تكون هي القضية التي تشغل بالك ، إنه كيف بالنسبة للوضوء بالنسبة للصلاة فهي جاءت في آيات مقتضبة مختصرة  إِذَا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ وَأَيْدِيَكُمْ إِلَى الْمَرَافِقِ وَامْسَحُوا بِرُؤُوسِكُمْ وَأَرْجُلَكُمْ إِلَى الْكَعْبَيْنِ  (المائدة: من الآية6) لكن في المجالات الأخرى المهمة يتكرر الحديث حولها في القرآن كثيراً ، يتحدث كثيراً جداً ويعرض القصص والأمثال وتتعدد في القرآن. كذلك المواريث جاء بها في آيات محصورة بينة.
البعض قد يقول: إذا انطلقنا إلى القرآن فمعني ذلك أن كل واحد من عنده يستنبط أحكام ويخرج قضايا و ..و. أقول: لا نحن نريد أن ندعو أنفسنا ، وندعو الناس إلى أنه يجب أن نتعامل مع القرآن وفق ما دعانا الله إليه في القرآن عندما قال  وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (القمر:17)  كِتَابٌ أَنْزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُولُو الْأَلْبَابِ (صّ:29) وأن القرآن يعطي الكثير الكثير في هذا المجال ، هذا الذي نريد. لا نريد أن تكون مثل الوهابيين عندما قدموا السُّنة مبتَذَلة ، فكانوا محط انتقاد للآخرين ، كما نقدهم الغزالي في كتاب (السنة بين أهل الفقه وأهل الحديث) يجمع كتب الحديث وفي نظره أن السنة كلها بين يديه ، ويبدأ من طرف يأخذ الحديث ولا يدري أنه قد يمكن أن يكون هذا الحديث ضعيفاً، قد يكون هذا الحديث باطلاً ، قد يكون هذا الحديث مخصوصاً ، قد يكون كذا .. إلى آخره .
في مقام التذكر أنت لن تصل إلى الآيات التي تسمى مخصوصة أو منسوخة و أشياء من هذه ، بل هو ميدان واسع جداً. عندما ندعو الناس إلى القرآن فيقولون هناك آيات ناسخة ومنسوخة ، النسخ في القرآن قليل جداً ، وأكثر النسخ الذي قُدِّم هو نسخ من قِبَل مجتهدين ضربوا آيات قرآنية مهمة تحت عنوان النسخ ، نحن في مقام التذكر الآيات الكثيرة القضايا الكثيرة هي مما ليست مورداً للنسخ ولا علاقة للنسخ بها. التدبر كذلك التدبر والتذكر معناه متقارب ، فلا نغلط كما غلط الوهابيون ، فتنطلق أنت من فوق القرآن ، وتريد أن تتعامل معه كما تعامل أولئك مع الحديث فيقولون (شيخ الإسلام) ولم يدرس إلا أربعين يوماً. (شيخ الإسلام أبو الحسن) ، (شيخ الإسلام أبو محمد أبو معاذ) ، وينطلق شيخ ويسرد على الناس أحاديث في المحاريب وهكذا.
نتلو القرآن ، نعلق تعليقاً بسيطاً بحيث نهيئ ذهنية الناس إلى الآيات التي نقرؤها حتى تكون أذهانهم مؤهلة لأن يتذكروا بما يُقدم إليهم من القرآن.
القرآن يمتاز بأسلوب لا يستطيع أحد أن يجعل منطقه مغنياً عنه ، أن يجعل الناس يستغنون بمنطقه عن القرآن ، لا يمكن إطلاقاً مهما بلغ الإنسان في قدرته البيانية في قدرته على فهم القرآن ، لا تزال الأمة بحاجة إلى أن تسمع القرآن ؛ لأن القرآن نفسه هو خطاب من نوع خاص ،في الوقت الذي يخاطب الإنسان صريحاً هو خطاب لوجدان الإنسان ، لمشاعره الداخلية بشكل لا يستطيع أحد أن يصل تعبيره إلى خطاب ذلك الوجدان كما يخاطبه النص القرآني ، فلا يمكن لشخص أن يجعل منطقه فوق منطق القرآن إطلاقاً ، أو أن يدعي فيقول للناس ادرسوا القرآن الكريم دراسة سطحية ونحن سنعطيكم. نحن بحاجة جميعاً إلى أن نسمع النص القرآني الذي يخاطب وجدان كل شخص فينا ، فالخاصة لا يمكن أن يعطوا العامة ما يمكن أن يعطيهم الخطاب القرآني ، وقد يفهمُ الخاصة مالا يصل ولا يرتقي إليه فهم العامة من خلال القرآن ، وكل ما يقدمه الخاصة حول القرآن هو ينعكس بأن يرتقي بمستوى ذهن العامة إلى فهم القرآن أيضاً أكثر ، فالقرآن لا غنى للناس عنه.
فليس صحيحاً عندما يأتي أحد ليرهب علينا .. القرآن لا تقربه ،لا تتناوله أولاً ابدأ أقرأ أصول الفقه ، أبدأ اقرأ كذا وكذا. القرآن هو عربي قُرْآناً عَرَبِيّاً  (الزمر: من الآية28)  بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ (الشعراء:195) نزل بلغتنا ونحن لا نزال عرباً، لا تزال أساليب الخطاب العربي أكثرها ما تزال قائمة ، وإن اختلفت المفردات ، التعبير بالمفردات لا تزال مشاعر وأجواء الخطاب قائمة بين الناس ، بل ربما عند غير العرب ، الإنسان كإنسان له أسلوب في تخاطبه مع أبناء جنسه ، قد يكون متقارباً ، قد يكون شبه واحد في مختلف اللغات وإن اختلفت المفردات.
فنحن سنهتم باللغة العربية ، نهتم باللغة العربية ، وعندما نهتم باللغة العربية نتعرف على أصل اللغة نفسها، نتعرف على أساليب العرب بشكل أكبر ، نتعرف تَذَوق العرب للكلام، ما هو الكلام الذي كانوا يعتبرونه راقياً ، حتى نعرف لغة القرآن ، وعندما نعرف لغة القرآن ستكون معرفتنا للقرآن أكثر واستفادتنا منه أكبر.
ليس صحيحاً بأنه متوقف على فنون أخرى كأصول الفقه. أصول الفقه هو فنٌ يضرب القرآن ضربة قاضية ، يضرب القرآن ضربة شديدة، يضرب فطرتك، يضرب توجهك نحو القرآن ، يضع مقاييس غير صحيحة تدخل إلى القرآن والقرآن بشكل آخر ؛ولهذا نجد أنفسنا كيف أن القرآن لم يعمل عمله فينا، لم يستطع القرآن لأننا وضعنا عوائق أمام فهمنا لـه ، أمام اهتدائنا به ، أشياء كثيرة حالت بيننا وبين أن نفهمه ، وبالتالي قتلناه ، وأصبحنا أمة ميتة ، أصبحنا أمة ميتة ، أسأنا إلى أنفسنا ، وأسأنا إلى القرآن الذي هو أعظم نعمة من الله علينا.
أذكر الإمام الخميني لـه كلمة قال : ( إن الإنسان لو يجلس طول عمره ساجداً لله شكراً على هذا القرآن لما وفى بحق شكر الله على هذه النعمة العظيمة).
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
هذا شرف عظيم جداً لنا ، أن يكون توجهنا قرآنياً ،ومهم جداً في هذه المرحلة بالذات لأن أعداء الله يتوجهون أساساً إلى ضرب القرآن في نفوس الناس ، إلى إقصاء الناس عن القرآن ، إلى تغييب القرآن مهما أمكن ، إلى خلق ثقافات تشكك حتى في القرآن الكريم ، حرب شديدة ضد القرآن الكريم ، لكنهم لا يستطيعون أن يمسوا نص القرآن بسوء، سيمسونا نحن بالسوء ، سيفصلوننا عنه ، سيبعدوننا عنه ، سيشغلون أذهاننا بأشياء تصرفنا عنه، وبالتالي يصبح القرآن بمعزل عن حياتنا ، عن التفاتاتنا أمام أي إشكالية نعاني منها.
وفي الأخير فعلاً القرآن قد يتعرض إلى التغييب ، التغييب لاحظوا حتى في المدارس ، ألم يُشتت القرآن بشكل غير طبيعي ، شُتِّتَ القرآن سنين بعد سنين حتى تنتهي من معرفة القرآن وحفظ القرآن الكريم ، بينما كنا سابقاً كان في سنة أو سنتين يستطيع الناس أن ينتهوا من تعلم القرآن الكريم ، قد يغيبون القرآن كما غيبوه في الاتحاد السوفيتي سابقاً ، قد يشغلوا الناس بأشياء كثيرة ، أفلام خليعة ، ثقافات خليعة ، رموز خليعين ، رموز فن ورياضة وغيرها ، وبالتالي يكون واقع الناس أسوأ بكثير كلما ابتعدوا عن القرآن ، هذا هو الواقع الذي نتصوره سيئ جداً ، ربما بقي هناك احتمالات لأشياء أكثر.
وكلما كان واقع الناس أسوأ في الدنيا سيكون أيضاً واقعهم أسوأ في الآخرة ، لأن معنى السوء هنا ناتج عن ماذا؟ ناتج عن تقصيرنا ، وكلما قصر الناس في مرحلة تضاعفت المسئوليات عليهم من جهة ، لأنه كلما انتشر الفساد كلما أقترن معه بحكم الخطاب القرآني للناس مسئوليات ، منكر واحد أنت لم تنهَ عنه.جاء منكر آخر، تفرع عنه منكرات ، ألم يتكرر عليك الواجب مع كل منكر؟. تتعاظم عليك المسئولية مع كل فساد ينتشر فيكون كلما انتشر الفساد كلما تعاظمت المسئولية علينا ، وكلما رأينا السوء في حياتنا ، وكلما رأينا أنفسنا لا نستطيع أن نؤدي شيئاً. في الأخير إما أن نرى المهام الصعبة صعبة جداً فلا يصل إليها إلا البعض ، قد لا يؤديها إلا البعض ، قد لا يرتقي إلى أدائها إلا البعض ، وتكون معظم الأمة هالكة ،يهلك الناس في الدنيا ويقدمون على الله هالكين يوم القيامة ، يهلكون بدخول جهنم ، نعوذ بالله من دخول جهنم.
فالقرآن الكريم هو في هذه المرحلة معرض لحرب شديدة ، ونحن معرضون لثقافات متعددة ، عندما تنـزل (ملزمة من وزارة الأوقاف) تثقف الناس حول طاعة ولي الأمر ، تجمع كل تلك الأحاديث التي لا يقبلها حتى ولا الأمريكيون ، لا يقبلها حتى ولا الأوربيون ، بوجوب طاعة الحاكم وإن كان ظالماً ، وإن كان غشوماً ، وإن كان لا يهتدي بهدي ولا يستن بسنة ، وإن أخذ أموال الناس ، وإن أستبد بخيرات البلاد له ولأسرته ، يجب أن تسمع وتطيع وتصبر وتسأل الله مالك وأَدِّ ما عليك ، أدّ زكاتك ، وأدّ ضريبتك ،وعندما تقول نريد كذا ؟. لا. إسأل الله، ولا تعترض ،ولا تنقد إلا إذا تمكنت أن تأخذ بيد الحاكم وتحادثه وتشاوره سراً ، أما أن تنقد أما أن تعترض ، أما أن تهاجمه. فلا ، هذا يعتبر تشهيراً بالسلطان ، بمن هو ظل الله في أرضه وهكذا.
ملزمة تنـزل وتعمم ، ويُراد منها أن يتثقف بها الخطباء والمرشدون ؛ ليخاطبوا المجتمع بها ، هذا شيء مما يُعد حرباً للقرآن نفسه ، وتمهيداً لأن يسيطر علينا عملاء أمريكا ، وتمهيداً لأن يحكمنا حتى اليهود أنفسهم.
من العجيب أن هذه الملزمة نفسها في آخرها لم يكتفِ بمسألة أن تسمع وتطيع للحاكم الظالم ، بل وحتى وإن كان هناك كفراً وهيمنة كفر ، أنت يمكن أن تعيش في ظله ، عندما ترى نفسك ،عندما يرى الناس أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يزيلوا هذا الكفر، إذاً فليعيشوا وبس ، فيكذبون على الناس كذبه رهيبة جداً ، وقد يُخدَع الناس بشكل كبير عندما لا يفهمون.
قالوا (رسول الله عاش في ظل الكفر ثلاثة عشر سنة في مكة). أليست هذه من تقديم حياة الرسول الجهادية ، حياة وهو يصدع بما يؤمر ، حياة وهو يباين أقاربه ،ويباين قومه ، حياة وهو يُعذَّب أصحابُه ، وهو يلصق به أسوأ التهم ، تارة يقولون شاعر ،وتارة يقولون مفتري ،كذاب ،ساحر ، ويقولون عن القرآن الذي جاء به أساطير الأولين ، وهو يتصارع مع أولئك تفسر في الأخير أنها ماذا ؟ أنها عيش في ظل نظام الكفر ، فكما عاش ثلاثة عشر عاماً ـ وهو النبي ـ إذاً ممكن كلنا نعيش في ظل الكفر. ماذا يعني هذا ؟.
هذا يعني خطوة أولى تمهيداً لهيمنة اليهود علينا ، فيكون لدى الناس قابلية لهيمنة اليهود ؛لأنه الآن هناك نظرة قائمة إكبار لأمريكا وإسرائيل ، حينها أي واحد سيقول: نحن لا نستطيع أن نعمل شيئاً. أما إذا قد قُدِّمت على هذا النحو إذاً فبالإمكان أن تعيش ولا مسئولية عليك في ظلهم ، أما إذا قالوا لك رسول الله هو كان هكذا ، إذاً فالجنة مفتحة لك أبوابها، وإن كان الشر هو الذي يحكمك.
هذا شيء سيئ جداً ، وسيئ جداً أن ينـزل من إدارة هي معنية بالوعظ والإرشاد في عموم الجمهورية كلها ، وأن تنـزل نزولاً ليس تلقائياً إلى المكتبات ، بل نزولاً في دورات تأهيلية تدريبية لمرشدين وخطباء لينطلقوا ليثقفوا الناس هم بهذه الثقافة ، أليس هذا إبعاد للناس عن روح القرآن ؟ الذي يأمر الناس بمواجهة أعداء الله ، بمواجهة الكافرين، الظالمين، الفاسقين، أهل الكتاب، أن يكونوا عمليين مجاهدين قَاتِلُوا الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ (التوبة:29) يعطونها وهم معترفين بأن أيديكم فوق أيديهم ، يعترفون بصغارهم تحت هيمنتكم ،  حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ .
عندما تخرج من قراءة تلك الملزمة ، وعادةً القارئ يكون أقرب شيء ملاصقة لذهنه آخر ما يخرج به من كتاب معين من ملزمة معينة ، فكان آخر ما تخرج به من تلك الملزمة هو ماذا ؟ كلام (للفوزان وللألباني) الذي كان عالم السنة قبل فترة ، وعالم معتمد في تصحيح الأحاديث وتضعيفها ـ عندهم ـ أنه قال هو بالحرف الواحد (أنه لا يجوز الخروج على الكافر المقطوع بكفره إطلاقاً) ـ بالعبارة هذه ـ عندما يكون الناس في وضعية يرون أنفسهم أنهم لا يستطيعون أن يزيلوا الكفر،،
نعم.. كان ممكن أن تترك الكلام إلى هذه الدرجة ، أما أن تقول فقد عاش رسول الله في ظل هيمنة الكفر ونظام الكفر ثلاثة عشر عاماً ، هذا مسخ للحقيقة ، وهذا إساءة للرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، القرآن يتحدث عن معاناة رسول الله وهو في مكة ، عما كان يعاني من صراع مع الكافرين ، وهو مباين للكافرين ، كيف يقال بأنه عاش في ظل نظام الكفر وهو يدعوهم بالحرف الواحد إلى أن يطيعوه؟!. هو رسول الله إذاً يجب عليهم أن يطيعوه ،يجب أن يتخلوا عما هم عليه ، لدرجة أنه لم يقبل منهم أن يكون مجرد حاكم عليهم على ما هم عليه. ألم يعرضوا عليه أن يحكمهم إذا أراد أن يكون ملكاً ؟. المسألة أرقى من أن يكون ملكاً ، فكيف يقول هذا بأنه عاش في ظل هيمنتهم ، وهم قد بلغ بهم الحال ، وأوصلهم هو إلى درجة أن يعرضوا عليه أن يكون ملكاً عليهم؟!. المسألة أرقى من هذه ، هي أن يطيعوه نبياً يأتمروا بأمره ، يهتدون بهديه ، يتخلوا عما هم عليه. أليس هذا قمّة الصراع.
مسألة أنه لم يدخل معهم في قتال ميداني لأنه لم يتوفر له جنود ، لم يتوفر له أنصار ، وإلا فكان يفكر وكان يعرض نفسه على القبائل من الذي سينصره ، ما معني (سينصره) ؟ أن يقف في وجه الكافرين فيضربهم فعلاً ، ثم يقال عنه في الأخير: كان يعيش في ظل هيمنة الكفر. وهي عبارة ستخدع الناس لأن كثيراً من الناس لا يعرفون سيرة رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
عاش في مكة ثلاثة عشر سنة لأنه كان رسولاً إلى الكفار في مكة ، كل نبي يبعث في وسطٍ كافر ، هل يمكن أن نقول : إذاً فالكفر هو قضية يمكن العيش في ظلها لأن كل الأنبياء كانوا يبعثون في ظل وسط كافر ، وفي مجتمع كافر؟. ماذا كان يعمل النبي ؟. ألم يكن النبي عبارة عن ثورة على هذا المجتمع ؟ عبارة عن خروج على واقع هذا المجتمع؟.يصرِّح ،يصدع بما يؤمر ،يجاهد ،يتحداهم  فاجمعوا أمركم وشركاءكم ثم كيدوني فلا تنظرون هذا منطق الأنبياء. ثم يقال في الأخير هذا يعتبر مبرر شرعي لأي إنسان مسلم يعيش في ظل الكفر!!.
هيمنة أمريكية الناس مقبلون عليها لليهود ، هذا من التمهيد لها سواء شعر الذين كتبوها ووزعوها أو لم يشعروا ، لأنه في الأخير ماذا؟، إذا كنت أنا وأنت أو أي إنسان سمع هذا الخطيب الذي قرأ هذه الملزمة وتأثر بها، أنه يمكن أن يعيش في ظل الكفر.
معلوم أن اليهود والنصارى درجة ثانية عند أهل السنة هم لا يصنِّفونهم كمشركين كما نصنِّفُهم ، يعتبرون أنهم فوق الكافرين ، لا زالوا أحسن من الكفار ، ويعتبر اليهود والنصارى عند كثير من المسلمين لا يزالوا أحسن من الكفار ، أهل الكتاب وضعية أحسن ، فإذا كان قد جَوَّزَتْ وسوَّغَتْ لي تلك الملزمة أن أعيش في ظل الكفر الصريح فبالأولى في ظل اليهودي فسيحكمنا اليهودي ونحن لا نشعر بحرج، أقول: لماذا يحكمنا؟. قالوا: نحن لا نستطيع أن نعمل ضده شيئاً. هذا ما قلناه سابقاً أنه لا يجوز ولا يجوز بحال أن نتعامل مع القرآن من منطلق مشاعرنا وتقييمنا نحن للوضع بالشكل المغلوط ، فينعكس ضعفنا على القرآن ؛ لأنه هكذا صنعت هذه النفسية بالشخص الذي قدم لنا مثل تلك الملزمة ، ضعيف قدم للناس ما يبرر حالة الضعف ، فما يبرر حالة الضعف هو يعطي ماذا؟ يعطي تمهيداً للكفر ،للشرك ،للفساد ،لليهودية ،للنصرانية أن تهيمن ؛ ولهذا قلنا أنه يجب أن نتعامل مع القرآن بروحية عالية ، نتعامل معه وفق منطقه ، نتركه هو يعلمنا ويزكينا، لا أن نأتي إليه فنُميته ونُجمِّد آياته ونقدمه للآخرين ميتاً ، هكذا سيكون الإنسان الذي يحمل علماً ،في الأخير كل ضعفه كل تقديراته ، كل ثقافته المغلوطة ، في الأخير يخدم ماذا ؟ يخدم أعداء الله.
أليس من يثقف الناس بهذه الثقافة سيصنع لديهم ذهنيةً تجعلهم قابلين لهيمنة اليهود ، لأن كل واحد من الناس يقول: نحن والله ما نستطيع أن نعمل شيئاً ، ليس لدينا قنابل ذرية. فكل شخص يكتفي بأنه ينظر فيقارن بينه وبين أمريكا وإسرائيل ، أمريكا تمتلك قنابل نووية ، نحن لا نمتلك هذه ، إذاً فلنعيش في ظلهم ، وليس علينا أي حرج أمام الله.
ستكون القنبلة الذرية هي نفسها أقوى من القرآن الكريم ، تمنحك شرعية أن تعيش في ظل الكفر ولا تنفع القنابل القرآنية ، ولا تنفع الآيات القرآنية أن تشدك إلى العمل في مواجهة الكفر.
لاحظوا كيف تُقدم المسألة في الأخير ، فيكون اهتمام هؤلاء بالثقافة التي تهيئ المجتمع الإسلامي -من حيث يشعر أولئك أو لا يشعرون - لقابلية هيمنة اليهود ، وهي المرحلة في الواقع التي يفترض القرآن أن يكون عملَ العالِم ، عمل المرشد الخطيب كل إنسان مسلم أن يحرك الآخرين ويدعو الآخرين ويوعيهم توعية جهادية ، تربية جهادية ، لأن يحملوا مشاعر التصدي لأولئك فيكونوا مستعدين أن يقفوا في وجوههم ، هذه هي المرحلة التي يجب أن تكون الثقافة فيها والتوعية فيها على هذا النحو.
لسنا بحاجة إلى ثقافة تضفي شرعية على أن نتقبل الكفر ونتقبل هيمنة الكافرين ، يجب أن نحذر من مثل هذا المنطق ، وأن نعرف أنه إذا لم نثقف أنفسنا بثقافة القرآن فسنكون ضحية للآخرين ، ضحية لثقافات أخرى.
هذه الملزمة لم يستطع أن يأتي فيها من القرآن إلا بآية واحدة في أولها  أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  (النساء: من الآية59) التي دائماً يقلبونها مع كل زعيم ، وكل شعب علماؤه مرشدوه يسخرونهم لزعيمهم ، ففي اليمن لعلي عبد الله وفي مصر لحسني مبارك ، وفي السعودية لفهد ، وفي الأردن للملك عبد الله، و هكذا تلاعبوا بهذه الآية.
ونسوا نسوا قضية أنه حتى لو فرضنا أن الآية هذه على ما زعموا فأين هم أولئك الحكام الذين يصح أن يقال عنهم (منكم)؟  وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  وجدنا هؤلاء أولي الأمر لم يعودوا منا ، أصبحوا أكثر انسجاماً مع أمريكا ، مع سياسة أمريكا ، معظمهم على هذا النحو ،يرى شعبه يتظاهر يطالب بأن تُقاطع أمريكا وإسرائيل ، يطالب حكومته بأن تقاطع مقاطعة سياسية ، بأن تقاطع مقاطعة اقتصادية ، بأن يوقفوا تصدير البترول ، بأن يفتحوا أبواب الجهاد ، بأن يعملوا كل شيء. أليست الأمة هي تنادي بهذا؟. وأولئك ما هو موقفهم؟. موقفهم بالشكل الذي تريده أمريكا ، فهل أصبح صادقاً عليهم مسألة (منكم)؟. لو كانوا منا لكانوا مستجيبين لما نطلب.
وإذا كانوا يقولون: هم خائفون علينا. فنحن نقول نحن الشعب ، نحن نطالب بالجهاد لأولئك ، نحن من نستطيع أن نتحمل أي وضعية اقتصادية. عندما نقول قاطعوا.ـ وكانت المظاهرات هكذا تطالب الحكومات بأن تقاطع اقتصادياً ـ وليكن ما كان سنتحمل ، باستطاعة أي زعيم أن يقول: لا بأس أنا مستعد ما دمتم مستعدون أن تتحملوا المضاعفات والآثار للمقاطعة الاقتصادية والدبلوماسية والسياسية ، وقطع تصدير النفط وغيره ، وأنتم مستعدون أن تجاهدوا مهما كان الأمر ، ومهما كانت إمكانياتكم ضعيفة لا بأس. لو أنزلوا مسألة مواجهة إسرائيل في استفتاء شعبي ، كيف سيكون الناس ، سيصوتون تقريباً بنسبة 0 9 % لمواجهة أمريكا وإسرائيل.
فنحن نقول لمن يستخدموا آية  أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ  أين هم الزعماء الذين تصدق عليهم كلمة (منكم)؟. ونحن نراهم أقرب إلى أمريكا منا ، وأقرب إلى سياسة أمريكا منا ، وأقرب إلى طاعة أمريكا من الاستجابة لشعوبهم ، لم يعد وقت الآية بكلها ، كان يمكن أن تقرأ هذه الآية في أيام الخلفاء الأمويين والعباسيين ، لأنه مازال (منكم ) ، مازال حاكم عربي ، مازالت تعتبر قراراته من داخل ، لا يوجد دولة أخرى تفرض عليه إملاءات ، ومع هذا كان الناس يقولون: لا . هؤلاء هم ليسوا من أولي الأمر الذين أمر الله بطاعتهم ، أما هذا فإنه يأمرنا بطاعة شخص هو مغلوب على أمره ، هو لم يعد يستطيع ولا يتمكن أن يحقق أنه لا زال من الأمة ، بل بعضهم ثقافته ، نمط حياته في بيته غربية ، بيته ،شكله ،نمط حياته ،ثقافته ، الأشياء التي يتابعها كلها تجعله شخصاً غربياً ، لم يعد يصدق على الكثير منهم معنى  مِنْكُمْ  حتى لو كانت الآية على ما يريدون فما بقي ( منكم ) ؟ بقي لأمريكا تريد أن تعين ولاة فهم منها وليسوا منا.
[ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لأن نفهم كتابه ، ونهتدي بكتابه ، وأن يتقبل منا ، إنه على كل شيء قدير ، وأن يعينكم على طلب العلم ، وأن يرزقكم الفهم والحفظ والإخلاص ؛ إنه على كل شيء قدير.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في السبت أكتوبر 28, 2006 5:21 pm، تم التعديل 6 مرات في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن الكريم

سلسلة أهم المحاضرات
لاعذر للجميع أمام الله

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ :
21/12/1422ه‍
اليمن ـ صعدة


ملاحظة هامة
هذه الدروس نقلت من تسجيل لها على أشرطة كاسيت و قد ألقيت ممزوجة بمفردات و أساليب من اللهجة العامية و حرصاً منا على الإستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق


بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله.
إكمالاً للموضوع الذي تحدثنا عنه بعد العصر، وعلى ضوء المحاضرة التي سمعناها من الأستاذ زيد علي مصلح.
أحب أن أقول: قد يكون طرح مثل هذه المواضيع عند الكثير من الناس شيئاً غير مألوف وشيئاً جديد وشيئاً قد يبدوا اختيارياً إذا ما أراد أحد أن يعمله أو أراد أن لا يعمله، قد يرى نفسه مختاراً أن لا يعمله، والمشكلة أننا أصبحنا نعتبر أن الإسلام أن الدين كله هو هذه المجموعة من الأحكام والمفاهيم والتوجيهات التي ألفناها ونشأنا عليها وكأنه ليس هناك أشياء أخرى كثيرة يريدها الله منا ، والحقيقة أن الشيء الذي يجب أن نهتدي به هو القرآن الكريم القرآن الكريم الذي قال الله فيه {إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ }(الإسراء: من الآية9) وسماه بأنه هدى للناس هدى للعالمين. العودة للقرآن الكريم للاهتداء به هو الطريق الصحيح ،هو الأسلوب الصحيح ،لا أن نظل على ما نحن عليه ونفهمه أنه كل شيء وكل ما يطلب منا من جهة الله سبحانه وتعالى.
الشيء الغريب ليس هو طرح المواضيع هذه، الغريب هو أن تكون غريبةً في أنظارنا ،وغريبةً لدى الكثير منا ، هذا هو الشيء الغريب ،وما أكثر الأشياء الغريبة في واقعنا، أصبحنا كما روي عن الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) أنه قال في حديث ((كيف بكم إذا رأيتم المنكر معروفاً والمعروف منكراً )).
نحن نرى الآخرين اليهود والنصارى هم من يتحركون في البحار ، في مختلف بقاع الدنيا مقاتلين يحملون أسلحتهم طائراتهم دباباتهم قواعدهم العسكرية برية وبحرية ،فرقاً من الجنود من أمريكا ومن ألمانيا ومن فرنسا وأسبانيا وكندا و مختلف بلدان العالم الغربي هم من ينطلقون فاتحين ،هم من يتحركون يحملون أسلحتهم في مختلف بقاع الدنيا، وهذه الأمة الإسلامية أمة القرآن ،القرآن الذي أراد أن تتربى على أن تحمل روحاً جهادية أن تحمل مسئولية كبرى ،هي مسئولية أن تعمم دين الله في الأرض كلها ،حتى يظهر هذا الدين دينه الحق على الدين كله حتى يصل نوره إلى كل بقاع الدنيا.
هذه الأمة التي قال الله عنها مذكراً بالمسئولية{ كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ} للعالم كله { تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: من الآية110) أصبح الآن الحديث عن الجهاد ،الحديث عن المواقف القرآنية العملية في مواجهة أعداء الله ،الحديث عن نصر دين الله، الحديث عن بذل المال عن بذل النفس عن العمل أصبح غريباً ،أصبح منطقاً نادراً لا نسمعه من وسائل الإعلام في مختلف البلدان العربية إلا في النادر ،ولا نسمعه من المرشدين والعلماء والمعلمين إلا في النادر ولا ذكر له في مناهجنا الدراسية، ولا في ما يكتب في صحفنا، أصبح غريباً أن يتحدث الإنسان عن أنه يجب أن نتخذ موقفاً من أعداء الله.
ولو نظر كل واحد منا إلى شاشة التلفزيون ، أو استمع إلى الأخبار لسمع بأذنيه أن هناك فرقاًَ من مختلف الدول الغربية من اليهود والنصارى مقاتلين، مجاهدين - على حسب ما يقولون هم عن أنفسهم - في البحر الأحمر وفي البحر العربي وفي الخليج وفي البحر الأبيض المتوسط وفي مختلف بقاع الدنيا في البر والبحر ،هؤلاء هم من كانت مسئوليتنا التي أراد الله لنا أن نقاتلهم حتى يكونوا أذلاء صاغرين ،من نصل بهم إلى درجة أن لا يفكروا أن يعملوا شيئاً ضد الإسلام والمسلمين.
هذا خزي للمسلمين في الحقيقة ،خزي وتقصير عظيم أمام الله سبحانه وتعالى ،ونبذ لكتابه نبذ للقرآن خلف ظهورنا. ثم إذا ما جاء من يتحدث عن هذه الأشياء الغريبة فعلاً لا نستغربها، لا نستغرب أن نسمع أن في أفغانستان يأتي كل فترة إنزال مجاميع من الجنود كنديين أو أسبانيين أو أمريكيين أو فرنسيين أو غيرهم، لا نستغرب أن نسمع أن هناك سفناً أمريكية وهناك فرقاً لسفن أمريكية وفرنسية وألمانية وغيرها في البحر الأحمر وأن هناك جنوداً يدخلون اليمن وجنوداً يدخلون الجزيرة ،وجنوداً في العراق وجنوداً في مختلف بقاع الدنيا داخل بلاد المسلمين كأن هذا شيء طبيعي .
وعندما يأتي من يتحدث ليوقظنا ويذكرنا بمسئوليتنا، نستغرب ما يقول، وإذا ما اتضح الأمر أكثر قد يتساءل الكثير: (لماذا الآخرون أيضاً لم يتحدثوا ، هناك علماء آخرون لم يتحدثوا؟). إذا لم يتحدث أحد العلماء قالوا: العلماء لم يتحدثوا. وإذا ما تحدث البعض قالوا: الباقون أيضاً لازم أن يتحدثوا جميعاً. إذا لم يتحدث الكل إذاً فالقضية غير ضرورية.
الواقع أن الناس فيما بينهم يتهادنون - إن صحت العبارة - العلماء هم يرون أنفسهم معذورين ؛لأن الناس لا يتجاوبون ،والناس قد يرون أنفسهم ليس هناك ما يجب أن يعملوه لأن العلماء لم يقولوا شيئاً . ألسنا متهادنين في ما بيننا؟. لكن يوم القيامة قد يكشف الواقع فلا نعذر لا نحن ولا علماؤنا ، قد لا نعذر أمام الله سبحانه وتعالى.
العلماء قد يكونون كثيرين في أي عصر، ومن يتوقع أن يتحرك العلماء جميعاً فإنه ينتظر المستحيل والتاريخ يشهد بهذا والحاضر يشهد بهذا . كانت إيران بلد مليئة بالحوزات العلمية ومليئة بالعلماء ،تحرك واحد منهم وتحرك معه من تحرك أيضاً من العلماء وقعد كبار من العلماء ،وقعد كثير من العلماء. في الماضي كانت هجر العلم في اليمن مليئة بالعلماء ،وكان ـ أحيانا ـ واحد منهم يتحرك.
إذا ما تحرك أحد الناس وذكرنا بشيء يجب علينا أن نعمله هل يكون عذراً لنا أمام الله سبحانه وتعالى أن الآخرين لم يتحدثوا بعد؟. لا. عندما قاللنرجع إلى القرآن الكريم، القرآن الكريم يتحدث عن قصة نبي الله موسى لقومه{يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ} ذكر الله سبحانه وتعالى(المائدة:21) عندما رفض بنو إسرائيل أمر نبي الله موسى أيضاً كلام رجلين من بني إسرائيل {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:23) ألم يذكر الله كلام الرجلين ويسطِّره في القرآن الكريم ككلام نبيه ؟. رجلان فقط.موسى
ألم يكن فيها علماء وفيهاتلك الأمة التي كانت مع موسى عبّاد؟. هل تتصور نبياً من الأنبياء يعيش فترة مع أمته ثم لا يكون فيها علماء وعبّاد؟ ثم لا يكون فيها وُجهاء وشخصيات كبيرة ،وفيها مختلف فئات المجتمع تكون متواجدة، لكن موقف أولئك وإن كانوا علماء وإن كانوا وجهاء وإن كان فيهم عبّاد يعتبره الله سبحانه موقفاً لا قيمة له، يعتبره عصياناً له ولنبيه ،لكن رجلين منهم قال:{ قَالَ رَجُلانِ } ولم يقل قال عالمان أو قال عابدان أو قال شيخان أو قال رئيسان .
لأن الله سبحانه وتعالى ينظر إلى ما يقول الإنسان إن كان كلام هداية وتذكير بهداية فإنه المطلوب ،ومن يذكر الناس بما يجب عليهم هو المطلوب، لا عذر لهم أن يقولوا: الآخرون لم يتحدثوا معنا . هل كان عذراً لبني إسرائيل الذين قعدوا أن الآخرين منهم أيضاً - من علمائهم وعبّادهم - لم يقولوا كما قال الرجلان؟. الله ذكر كلام الرجلين {قَالَ رَجُلانِ مِنَ الَّذِينَ يَخَافُونَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيهِمَا ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ وَعَلَى اللَّهِ فَتَوَكَّلُوا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ} (المائدة:23) ألم يرشدوا الناس إلى خطة عمليّة ينفذون بها الأمر الإلهي بدخول الأرض المقدسة ،و يحققون بها الاستجابة لنبيهم والطاعة لله ولرسوله ،ألم يُوجِّهوا إلى خطة عمليَّة ؟. هذان الرجلان سطّر الله كلامهما مع نبيه.
كذلك قال عن مؤمن آل فرعون يسطر كلامه في صفحة كاملة في سورة غافر ذلك الكلام الجميل الذي قاله مؤمن آل فرعون .ويذكره كما ذكر كلام نبي الله موسى
إذا ما جاء أحد يتحدث معنا ويذكرنا بخطورة وضعية نحن نعيشها يذكرنا بعمل يجب علينا أن نعمله ثم نأتي لنبحث عن المخارج ومبررات القعود من هنا أو من هناك ،هذا من الأخطاء الكبيرة.
أن تعرض ما سمعته منا على الآخرين باعتبار هل مثل هذا عمل يرضي الله سبحانه وتعالى؟ أعتقد لا أحد يمكن أن يقول لك من العلماء بأن هذا عمل لا يرضي الله: أن تهتف بشعار [ الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل / اللعنة على اليهود / النصر للإسلام] وأن تجند نفسك لمواجهة أعداء الله لا أحد من العلماء يستطيع أن يقول لك أنه عمل لا يرضي الله. والإنسان المسلم الحقيقي هو مَن همُّه أن يعمل ما يحقق له رضِى الله سبحانه وتعالى.
لكن أن تسأل: هل يجب علينا؟. هل هناك ما يوجب علينا أن نقول كذا؟. قد يقول لك: لا. وتقول: ”ها شفتوا مابلا فلان، هوذا العالم الفلاني قال ماهو واجب علينا ”.
هناك من العلماء من لا يتابع الأحداث، هناك من العلماء من يتمسك بقواعد يعتبر نفسه معذوراً أمام الله باعتباره غير متمكن أن يعمل شيئاً، وهناك من العلماء وهم كثير من إذا ما انطلق الناس في أعمال أيدوهم ودعوا لهم. ونحن جربنا هذا ،في الماضي كان كثير من علمائنا بما فيهم سيدي إبراهيم الشهاري وسيدي محمد حسين شريف وغيرهم من العلماء رحمة الله عليهم ممن قد ماتوا وممن لا زالوا موجودين كانوا يدعون لنا ،ويؤيدونا ، ويدعمونا بأموال أيام كنا نتحرك عام 1993م وأيام أعمال (حزب الحق) وهم كانوا يرون أن حركتنا تعتبر حركة ترضي الله سبحانه وتعالى، وأن تأييدهم لأعمالنا يعتبر مما يرفع عنهم العهدة أمام الله، أي أنهم أصبحوا يدعمون عملاً هو أمر بمعروف ونهي عن منكر، وهو عمل لإعلاء كلمة الله، عمل يرضي الله سبحانه وتعالى؛ لأن أي عالم زيدي مرتبط بالقرآن وبأهل البيت عليهم السلام يجد في نفسه كثيراً من الاحراجات الداخلية أنه لا يأمر بمعروف لا ينهى عن منكر لا يجاهد.
هو يعود إلى مسألة أن هناك عذر له أمام الله، هو أن الناس لا يستجيبون، الناس لا يقبلون، أن الناس لا يتحركون، فماذا يعمل، إذاً سيبقى في بيته، لكن متى ما رأى من يتحرك ارتاح هو، وانطلق هو لدعم من يتحرك من أجل أن يشارك ولو بتأييده، أن يشارك في عمل يرضي الله سبحانه وتعالى. ويعتبره من الأعمال التي يرى في نفسه حرجاً أنه لا يقوم بها. فعندما يقوم بعمل كهذا ،أو يؤيد أناساً يعملون أعمالاً كهذه يعتبر نفسه يؤدي ما يريد الله منه.
نحن نريد أن نقول للناس: يمكن أن تسأل عالم أو علماء آخرين: (هل يجب علينا أن نقول كذا؟). قد يقول لك: لا. لكن ارجع إلى القرآن الكريم أو اسأل بطريقة صحيحة: قل (نحن نريد أن نحارب أمريكا وإسرائيل ، نحن نريد أن نواجه أعداء الله، نحن نراهم يتحركون داخل البلاد الإسلامية ووصلوا إلى بلادنا وإلى سواحل بلادنا ، نريد أن يكون لنا موقف ضدهم، هل هو عمل يرضي الله؟). فمن من العلماء يمكن أن يقول لك: (لا)؟. اسأل على هذا النحو وستجد الإجابة الصحيحة . أما أن تسأل فتقول (هل يجب أن نرفع شعار كذا، وأن نقاطع البضائع الأمريكية والإسرائيلية، أو..أو..؟) قد يقال لك: لا يجب. وربما لو تأمل هو وتفهم القضية أكثر لأفتاك بأنه يجب. وخلاصة المسألة هو: أننا : (متى أعترض الريبكمسلمين يجب أن نقارن بين أنفسنا - وهذا كما قال الإمام علي فيَّ حتى صِرت أُقْرَن بهذه النظائر) - نحن الآن يجب أن نقارن أنفسنا باليهود، فإذا ما وجدنا أن اليهود هم أكثر اهتماماً بقضاياهم ، أكثر اهتماماً بشؤونهم ، أكثر اهتماماً بديانتهم فإن هذا سيكشف بأننا أسوء من اليهود.
ولنعرف بأننا في واقعنا في واقع مظلم أسوء من واقع اليهود أننا نرى أن اليهود والنصارى هم من يستذلوننا ، أليس كذلك؟. أليس المسلمون الآن أليس العرب الآن تحت أقدام اليهود والنصارى حكومات وشعوب؟. ألم يقل الله عن اليهود والنصارى أنه قد ضرب عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله؟. هل رفعت الذلة والمسكنة عنهم؟.لا لم تُرفع، ما يزالون كذلك، لكنا نحن من أصبحنا أذلّ منهم، من ضُربت علينا ذلة ومسكنة أسوء مما ضربت على بني إسرائيل. هل تفهموا هذا؟.
لماذا؟ لأننا أضعنا مسئولية كبرى؛ لأننا نبذنا كتاب الله خلف ظهورنا ؛ لأننا لم نعد نهتم بشيء من أمر ديننا على الإطلاق؛ ولم نعد نحمل لا غضباً لله، لا إباءً وشهامةً عربيه.
فعندما ترى أن الأمة العربية أن الأمة الإسلامية أصبحت تحت أقدام اليهود والنصارى، وأن اليهود والنصارى حكى الله عنهم بأنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة وأنهم قد باءوا بغضب منه ،وترانا نحن المسلمين نحن العرب تحت رحمة اليهود والنصارى ،أليس كذلك؟.ماذا يعني هذا؟. يعني هذا أننا في واقعنا في تقصير ٍأمام الله أسوء من اليهود والنصارى،أن تقصيرنا أمام الله أشد مما يعمله اليهود والنصارى. لماذا؟ ؛لأن الله بعث رسولاً عربياً منا ، وكان تكريماً عظيماً لنا، ومِنَّة عظيمةً على العرب أن بعث منهم رسولاً جعله سيد الرسل وخاتم الرسل {لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْ أَنْفُسِهِمْ ْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ} (آل عمران: الآية164) { هُوَ الَّذِي بَعَثَ فِي الْأُمِّيِّينَ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِنْ كَانُوا مِنْ قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُبِينٍ } (الجمعة: الآية2) هؤلاء الأميين الذين لم يكونوا شيئاً ،لم يكونوا رقماً - كما يقول البعض - لم يكونوا يشكلون أي رقم في الساحة العالمية، بعث الله منهم رسولاً عربياً تكريماً لهم ونعمةً عليهم وتشريفاً لهم ، أنزل أفضل كتبه وأعظم كتبه بلغتهم القرآن الكريم ، كتاباً جعله أفضل كتبه ومهيمناً على كل كتبه السماوية السابقة، ألم يقل هكذا عن القرآن الكريم؟. بلغتهم نزل القرآن الكريم، أراد لهم أن يكونوا خير أمة، تتحرك هي تحت لواء هذه الرسالة، وتحمل هذه الرسالة فتصل بنورها إلى كل بقاع الدنيا فيكونوا هم سادة هذا العالم ،يكونوا هم الأمة المهيمنة على هذا العالم بكتابه المهيمن ،برسوله المهيمن ، بموقعهم الجغرافي المهيمن، حتى الموقع الجغرافي للأمة العربية هو الموقع المهم في الدنيا كلها، والخيرات البترول تواجده في البلاد العربية أكثر من أي منطقة أخرى. العرب ضيعوا كل هذا فكان ما يحصل في الدنيا هذه من فسادٍ العربُ مسئولون عنه، ما يحصل في الدنيا من فساد على أيدي اليهود والنصارى
لو استجبنا وعرفنا الشرف الذي منحنا إياه ،الوسام العظيم الذي قلدنا به{كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ}(آل عمران: من الآية110) لو تحركنا على هذا الأساس - لكان العرب هم الأمة المهيمنة على الأمم كلها، ولاستطاعوا أن يصلوا بنور الإسلام إلى الدنيا كلها؛ لأنه أين بَعث الله محمداً(صلى الله عليه وعلى آله وسلم)؟. ألم يبعث في مكة في قرية داخل البلاد العربية؟. وهو رسول لمن؟.أليس رسولاً للعالمين جميعاً للبشرية كلها؟. إذاً فمن هو المكلف بأن يحمل رسالته للآخرين؟. أليس هم العرب؟ القرآن أين نزل؟ نزل في مكة وفي المدينة داخل البلاد العربية. وهو يقول عنه أنه للناس جميعاً ،كتاب للناس جميعاً، إذاً فالعرب هم من كان يُراد منهم أن يتحملوا مسئوليتهم التي هي شرف عظيم لهم كما قال الله في القرآن الكريم:{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ}شرف عظيم لك و لقومك { وَسَوْفَ تُسْأَلونَ} (الزخرف:44) سوف تسألون عن هذا الشرف الذي قلدناكم إياه ثم أضعتموه. عندما أضاع العرب مسئوليتهم تمكن اليهود. هل تفهموا هذا؟.
الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ضرب اليهود في كل الأماكن التي كانوا متواجدين فيها في الجزيرة العربية بنو قريظه، بنو النضير، وقينقاع، وخيبر، وغيرها من المناطق، منهم من طردهم ومنهم من قتلهم ،قضى على اليهود، وتحدث القرآن عن خطورة اليهود وأنهم يسعون في الأرض فساداً ،وأنهم يصدون عن دين الله ،وأنهم يريدون أن يضلوا الناس ،وأنهم يريدون أن يحولوا الناس إلى كفار ،وأنهم وأنهم ..الخ. إذاً فمن الذي يتحمل مسئولية يوقف اليهود عند حدودهم حتى لا يملئوا الأرض بالفساد؟. هم المسلمون هم العرب ، العرب بالذات هم الذين كان يُراد منهم أن لا يفسحوا المجال أمام اليهود ليفسدوا البشرية كلها ،أن يسبقوا هم بنور الإسلام إلى بقاع الدنيا قبل أن يسبق اليهود بفسادهم في الدنيا كلها، إذاً فكل فساد جاء من قِبَل اليهود في الدنيا كلها العرب شركاء معهم فيه؛ لأنهم قصروا ،وهم مَن أفسحوا المجال بتفريطهم في مسئوليتهم بالنهوض بدين الله حتى تمكن اليهود من أن يسيطروا في العالم ويفسدوا العالم ،ثم يهيمنوا على المسلمين، ثم يستذلون المسلمين يستذلون العرب. وهكذا وجدنا أنفسنا نحن المسلمين نحن العرب ـ وللأسف الشديد ـ تحت أقدام اليهود والنصارى.
الكثير الذين لا يعرفون وضعيتنا هذه ،ولا يعرفون أين موقعنا أمام الله سبحانه وتعالى، إنه موقع تحت موقع اليهود والنصارى ،إن كنتم تفهموا هذه،تحت اليهود والنصارى؛ لأننا أضعنا، والزيدية بالذات تقع المسئولية عليهم أكثر من غيرهم ،هؤلاء الذين نتحدث معهم ثم يستغربوا كل ما نقول، الذين نتحدث معهم ثم يروننا نتحدث عن شيء لا أساس له؛ لأننا أصبحنا الآن نعيش في حالة التّيه كما عاش بنو إسرائيل ، بنو إسرائيل عاشوا بعد أن قال لهم نبيهم موسى :{ يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ}(المائدة:21) فرفضوا، قالوا في الأخير{فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ}(المائدة: من الآية24) {قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ} (المائدة:26) عندما ترى نفسك أنك لا تتعقل ما يقال لك ،أنك لا تهتم بما يُطرح أمامك، أنه لا تثيرك الأشياء هذه التي تشاهدها في الساحة العالمية فاعلم بأنك تائه، أنت واحد من التائهين ،أنت واحد ممن ضربت عليهم الذلة والمسكنة.
الله عندما ضرب الذلة والمسكنة على بني إسرائيل،بنو إسرائيل هم اختارهم الله ألم يخترهم هو، ألم يصطفهم هو ؟ ألم يقل { وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى لهم: { وَآتَاكُمْ مَا لَمْالْعَالَمِينَ}(البقرة: من الآية47) ؟ ألم يقل موسى يُؤْتِ أَحَداً مِنَ الْعَالَمِينَ}(المائدة: من الآية20) ألم يقل الله عنهم:{وَلَقَدِ اخْتَرْنَاهُمْ عَلَى عِلْمٍ عَلَى الْعَالَمِينَ} (الدخان:32) ألم يقل هكذا ؟ ثم لماذا ضرب عليهم الذلة والمسكنة؟ { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(البقرة: من الآية61) كانوا يقتلون الأنبياء يكذبون بآيات الله فقال: { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ} فمَن عصى مَن اعتدى ستضرب عليه الذلة والمسكنة، من فرط في المسئولية. نحن عندما فرطنا في مسئوليتنا كعرب ،ونحن عندما فرطنا في مسئوليتنا كزيود أصبحت جريمتنا أكبر من جريمة اليهود والنصارى. باعتبار آثارها وتداعياتها ،وإن اختلفت في شكلها. ومن العجيب أن الكثير منا يظنون أننا نتجه إلى الجنة وليس صحيحاً ،ليس صحيحاً أننا نتجه إلى الجنة. العالم منا يقول: ” هي دنيا وهي أيام وإن شاء الله نموت وندخل الجنة ”. لا أعتقد ونحن على هذه الحالة.
يجب على الناس أن يلتفتوا بجدية إلى واقعهم ،وأن ينظروا إلى ما حكاه الله عن بني إسرائيل، بنو إسرائيل اختارهم الله، واصطفاهم، وفضلهم، ولكنهم عندما فرطوا في المسئولية وعندما قصروا وتوانوا ،وعندما انطلق منهم العصيان والاعتداء ضرب عليهم الذلة والمسكنة.
وعندما يقول الله سبحانه وتعالى لـك في الـقرآن الكـريم: { ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}هو يقول لك وللآخرين بأنك وأنت إذا ما عصيت واعتديت، إذا ما قصرت في مسئوليتك، ستُعَرض نفسك لأن تضرب عليك الذلة والمسكنة ،وأن تَـتِيه كما تاه بنو إسرائيل من قبلك.
الشيء الواضح أمامنا جميعاً هو أن إسرائيل مهيمنة على العرب، أليس كذلك؟. هو أن اليهود والنصارى يستذلون المسلمين، أليس كذلك؟. أليس واضحاً؟. نرجع إلى القرآن الكريم، ألم يقل الله عن اليهود والنصارى بأنه {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ}(آل عمران: من الآية112) ؟. ألم يقل هكذا عنهم في آيتين في القرآن الكريم أنه ضرب عليهم الذلة والمسكنة، إذاً فلماذا نحن أذلاء تحت من ضُربت عليهم الذلة ،ونحن مساكين تحت من ضُربت عليهم المسكنة؟‍!. ونحن أيضاً تحت رحمتهم في غذائنا في كل شؤوننا تحت رحمة من قد باءوا بغضب من الله.
ما السبب في ذلك؟. هو أننا فرطنا تفريطاً خطيراً ،وقصرنا تقصيراً كبيراً ،وإلا لما كان اليهود يمتلكون هذه الهيمنة ،ولما كانوا قد ملئوا الدنيا فساداً. ألم يملأ اليهود الدنيا فساداً؟. ألم يصل فسادهم إلى داخل كل البلاد الإسلامية إلى كل قرية إلى كل بيت تقريباً؟. فسادهم الثقافي ،فسادهم الأخلاقي ،فسادهم السياسي ،فسادهم الاقتصادي.
الربا أليس من المعروف أن بني إسرائيل هم كانوا المشهورين بالتعامل بالربا؟. التعامل بالربا الآن أصبح طبيعياً وأصبح تعاملاً اقتصادياً طبيعياً داخل البلدان العربية كلها ،البنوك في البلدان العربية تتعامل بالربا بالمكشوف، و الشركات تتعامل بالربا بالمكشوف. ألم يُفسِد بنو إسرائيل حتى العربَ أنفسَهم؟ وحتى جعلوا الربا الذي قال الله في القرآن الكريم وهو يحذر منه: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ، فَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ } (البقرة الآية 278 ـ 279) يتهدد بحرب من جهته ومن جهة رسوله لمن يتعاملون بالربا ، ثم يصبح الربا شيئاً طبيعياً.
السفور والتبرج، تجد بعض النساء في القاهرة وفي معظم العواصم العربية ،وبدأ في صنعاء أيضاً بشكل متدرج كل سنه أسوء من السنة الماضية ،أصبح شيئاً طبيعياً ،لا تفرق بين المرأة المسلمة والمرأة اليهودية، لا تفرق بينهن شكلهن واحد ،ثقافتهن واحدة ،زيهن واحد ،أليس هذا من إفساد اليهود؟.
ثم إذا وجدنا أنفسنا على هذا النحو فإن معنى ذلك بأن مَن هم في الدنيا أذلاء تحت من باءوا بغضب من الله أنه ربما قد غضب على هؤلاء أكثر مما غضب على أولئك.
فإذا كان هؤلاء ينتظرون الجنة وهم من غضب الله عليهم في الدنيا ،والغضب من الله لا يأتي هكذا حالة لا أحد يعلمها ،أثارها تظهر ،الغضب من الله ،السخط على عباده على أحد من عباده تظهر آثاره في حياته تظهر آثاره بشكل ملموس ،إن الله قال: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكاً وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} (طـه:124) أليس وضع الأمة العربية وضعاً سيئاً جداً في حياتهم المعيشية، في كل شئونهم؟. أصبح العربي لا يفتخر بأنه عربي، من هو ذلك الذي يفتخر بأنه عربي؟. هل أحد أصبح إلى درجة أن يفتخر بأنه عربي؟. أصبح العربي الذي يتجنس بجنسية أمريكية أو بريطانية يفتخر بأنه استطاع أن يتجنس أن يأخذ الجنسية الأمريكية أنه عربي أمريكي، لكن العربي الأصيل العربي الذي لا يزال عربياً أصبح لا يرى بأن هناك بين يديه ولا في واقع حياته ما يجعله يفتخر بأنه عربي ؛ لأنهم ابتعدوا عن الشرف الذي قال الله{وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَكَ وَلِقَوْمِكَ} يقول المفسرون في معناها: وإنه لشرف لك وشرف لقومك أن يكونوا هم من يتحملون هذه الرسالة العظيمة. أي أن الله أعطى العرب أعظم مما أعطى بني إسرائيل، أن الله منح العرب من النعمة ومنحهم من المقام أعظم مما منح بني إسرائيل في تاريخهم ،ولكن العرب أضاعوه سريعاً . ومن بعد ما مات الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)بدأت إضاعتهم لهذه الرسالة التي هي شرف عظيم لهم.
ثم نحن هكذا جيلاً بعد جيل إلى الآن، وفي هذا الزمن تجلى بشكل كبير تجلى بشكل واضح آثار تقصيرنا مع الله سبحانه وتعالى ،آثار إهمالنا في ديننا ،آثار عدم استشعارنا للمسئولية أمام الله، ظهرت آثاره على هذا الشكل المؤسف الذي أصبحنا إلى درجة لا نكاد نعي ما يقال لنا، ولا كيف نواجه الخطر الذي يتهددنا.
ارجع إلى القرآن الكريم ثم ارجع إلى الأخبار فانظر أين موقعك؟. من الذي احتل موقعك في العالم؟. هم الألمان والفرنسيون والأمريكيون والبريطانيون والكنديون والأسبانيون وغيرهم ، هم من ملئوا البحر من حولك ، وملئوا الخليج من حولك، هم من أخذوا مواقع داخل بلادك، هم من أخذوا قواعد عسكرية في أرض الحجاز وفي غيرها ، هذه هي مواقعك أنت أيها العربي، أين مواقعك هناك، أنت الذي كان يجب أن تملأ البحار قواعدك ،وأن تملأ البر في أوروبا وأمريكا بقواعدك العسكرية لو كنت متمسكاً بدينك ،لو كنت تعرف الشرف العظيم الذي وهبك الله إياه. فلما فرطنا أصبحنا على هذا الحال.
أريد أن أقول هذا وأنا على ثقة أن هذا هو الواقع الذي نحن عليه ؛ليفهم أولئك الذين يرون أنه ليس هناك أي شيء ،وأنه ليس هناك وضعية خطيرة. نحن في وضعية خطيرة مع الله، نحن في وضعية خطيرة جداً مع الله ،ونحن في وضعية خطيرة جداً أمام أعدائنا، ونحن في وضعية خطيرة في تفكيرنا وثقافتنا، نحن تحت الصفر ،ولا أدلّ على ذلك من أننا نرى أنفسنا جميعاً - بما فينا الزعماء - لا أحد منهم يجرؤ على أن يقول كلمة قوية في مواجهة اليهود.
الزعماء هؤلاء الكبار الذين يبدون كباراً أمامنا ،ويبدون جبارين علينا ،ويبدون عظماء أمامنا ،ألست أنت تراهم صغاراً جداً أمام إسرائيل؟. تراهم صغاراً جداً في مؤتمرات القمة عندما يجتمعون؟. ترى كيف أن الآخرين يستصغرونهم ويحتقرونهم ،رئيس أمريكا أي مسئول في بريطانيا أو فرنسا، رئيس وزراء إسرائيل عندما يجتمع زعماء المسلمين جميعاً ـ إذا كان أحد منكم يتابع اجتماع زعماء المسلمين في (الدوحة)، اجتماع (القمة الإسلامية) في الدوحة ـ واليهود يضربون الفلسطينيين لم يتوقفوا ولم يخافوا ، اليهود يضربون كما يضربونهم أمس وقبل أمس وبكل برودة أعصاب، ولا يفكرون في هؤلاء الذين يجتمعون في الدوحة.
الآن في هذه الأيام قد تحصل قمة في بيروت لزعماء العرب الضعف بارز عليها من الآن ،ويتحدثون عنها من الآن كيف قد تكون ،والإسرائيليون ما زالوا شغالين يضربون الفلسطينيين، وأمريكا وبريطانيا وألمانيا وفرنسا وكل هذه الدول ما زالت تتحرك بقطعها العسكرية ، وكل مرة يوصلون جنوداً في أفغانستان أوهناك أو هنا وفي جمهوريات الاتحاد السوفيتي سابقاً باعتبارها بلداناً إسلامية ،أي أنهم يحتقروننا جميعاً ،يستذلوننا حتى الزعماء منا،هؤلاء الذين يبدون عظماء ،ويبدون جبارين ،ويبدون كباراً وصورهم تملأ الشوارع هم لا يساوون عند أولئك شيئاً.
فنحن نريد أن نفهم من هذا أننا إذا لم نتدارك أنفسنا مع الله أولاً ،أنه غير صحيح أننا نسير في طريق الجنة ، وإن كنت تتركّع في اليوم والليلة ألف ركعة ، هذه الصلاة إذا لم تكن صلاة تدفعك إلى أن ترتبط بالله أكثر وأكثر وأن تنطلق للاستجابة لله في كل المواقع التي أمرك بأن تتحرك فيها فإنها لا تنفع.
الدين دين متكامل دين مترابط ،الله ذكر عن بني إسرائيل هكذا أنهم كانوا على ما نحن عليه يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض، والتوراة بين أظهرهم ،والتوراة يقرؤونها ويكتبونها، هل اليهودي كفر بشيء من التوراة بأنه ليس من التوراة ؟. التوراة كلها هم مؤمنون بأنها كتاب الله ،التوراة شأنها عندهم كالقرآن عندنا ، عندما يقول الله فيهم{أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاءُ مَنْ يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنْكُمْ إِلَّا خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ}(البقرة: من الآية85) أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض لا يعني أنهم قالوا: هذا النص أو ذاك من التوراة نحن كافرون به، إنما لأنهم يتركون العمل به ويرفضون العمل به مع الالتزام بأشياء فيها ،الأمر الذي نحن في واقعنا عليه بالنسبة للقرآن الكريم ،نترك العمل بل نرفض، واقع الرفض ليس فقط واقع من يجهل ثم إذا ما علم التزم وعمل ،بل واقع الرافض الذي لا يريد أن يعمل ولا يفكر في أن يعمل ،هذا هو من معاني الكفر في القرآن كما قال الله تعالى: { وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ}(آل عمران: من الآية97) أي من رفض وهو مستطيع فلم يحج رفض لم يهتم بالموضوع ،ليس مستعداً أن يحج، وكما قال تعالى :{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} إذ كان ذلك هو(المائدة:67) أي الرافضين لما أمرت بإبلاغه يرفضون ولاية الإمام علي وغيره ،الذي أمره الله بإبلاغه في هذه الآية كما نص على ذلك الإمام الهادي يرفضون ما تبلغهم به يا محمد ليسوا مستعدين أن يقبلوه ،هذا هو كفر ؛لأن الكفر كله ـ وإن إختلف حكمه ـ إنما هو الرفض، لم يكن العربي الكافر بالله ،ذلك الذي يعبد الصنم لم يكن كافراً بالله بمعنى أنه غير مؤمن بوجود الله كانوا مؤمنين بوجود الله والقرآن تحدث عنهم {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَهُمْ لَيَقُولُنَّ اللَّهُ }(الزخرف: من الآية87) {وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَّ خَلَقَهُنَّ الْعَزِيزُ الْعَلِيمُ} (الزخرف:9) أليس هذا في القرآن؟. لكنهم كانوا رافضين الإيمان برسول الله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) رافضين الإيمان بوحدانية الله سبحانه وتعالى فسماهم كافرين.الكفر هو الرفض ،هو أن لا تكون مستعداً أن تلتزم وتعمل ،هذا هو كفر، وإن كان حكمه يختلف.
وكما حكى عن بني إسرائيل أنهم يؤمنون ببعض ويكفرون ببعض هذا هو واقعنا نحن نلتزم بأجزاء من الدين وأجزاء أخرى لا نلتزم بها ؛لأننا لم نعرفها ،أو لم نتعود عليها ،أو لم نسمعها أو لأنها تبدوا بالشكل الذي تقول معه : ”والله أما هذه قد تكون مثيره ،وقد تكون شاقه وقد تكون مخيفة ”. نبحث عن السهل في الدين الذي لا يثير حتى ولا قِطّ علينا ، الذي لا يُثِير أحداً علينا، ونريد أن نصل بهذا إلى الجنة ،والله يقول عن من يبلِّغون دينه باعتبار أن في دينه ما قد يثير الآخرين ضدك ،في دينه ما قد يخشى الكثير من الناس أن يبلغوه ويتكلموا عنه {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلا يَخْشَوْنَ أَحَداً إِلَّا اللَّهَ}(الأحزاب: من الآية39) ماذا تعني هذه الآية؟. أن في رسالات الله ،أن في دين الله ما يثير الآخرين ،وما قد يجعل كثيراً من الناس يخشون أن يبلغوه. لماذا؟. لو كان الدين كله على هذا النمط الذي نحن عليه ليس مما يثير لما قال عن من يبلغون رسالات الله أنهم يخشونه ولا يخشون أحداً إلا الله. هذا يدل على أن هناك في دينه ما يكون تبليغه مما يثير الآخرين ضدك ، مما قد يُدخلك في مواجهة مع الآخرين. مَن هم الآخرون؟. أهل الباطل أهل الكفر أهل النفاق يهود أو نصارى أو كيف ما كانوا ، هؤلاء هم من قد يواجهونك.
فلأن في دين الله، وهذه هي قيمة الدين ،هي عظمة الدين، لو كان الدين على هذا النحو الذي نحن عليه لما كان له قيمة؛ لأنه دين لا أثر له في الحياة، ولا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً، دين ليس لـه موقف من الباطل، أليس هذا هو ديننا الذي نحن عليه ،أو الجزء من الدين الذي نحن عليه؟. لو كان الإسلام على هذا النحو الذي نحن عليه لما كانت له قيمة، ولما كان له ذوق ولا طعم ؛لأنه إسلام لا ينكر منكراً ولا يعرف معروفاً ولا يحق حقاً ولا يبطل باطلاً ولا يواجه مبطلاً ولا يواجه كافراً ولا يواجه منافقاً ولا يواجه مفسداً، إسلام لا يبذل صاحبه من أجل الله ديناراً واحداً.
ألم يقل الله عن إرساله للرسل وإنزاله للكتب أن المهمة تتمثل في:{وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولاً أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ}(النحل: من الآية36) واجتنبوا الطاغوت، فلتفهم أن ما نحن عليه ليس هو الإسلام الصحيح، عندما ترى نفسك أنه لا ينطلق منك مواقف تثير أهل الباطل ولا تثير أهل الكفر ولا تثير المنافقين أنك لست على شيء، وإذا كنت ترى أنك على الإسلام كله فأنت تكذب على نفسك وتكذب على دينك.
إن الإسلام هو الذي حرك محمداً (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لماذا هذا الإسلام لا يحرك الآخرين ؟ لماذا كان محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والإمام وآخرون كانوا يتحركون؟. هل كان ذلك الإسلام والإمام الحسين  والإمام الحسن علي الذي كانوا عليه موديلاً قديماً؟ كان يدفعهم أن يتحركوا من أجله؟ أما إسلام هذا العصر فهو إسلام مسالم لأعداء الله لا يريد منك أن تتحرك ضد أحد؟!. ولا أن تثير ضدك أحداً؟، ولا أن تجرح مشاعر أحد، حتى الأمريكيين ،لا تريد أن تجرح مشاعرهم أن تقول: (الموت لأمريكا) قد يجرح مشاعرهم ومشاعر أوليائهم، وهذا شيء قد يثيرهم علينا ،أو قد يؤثر على علاقتنا أو صداقتنا معهم، أو قد يؤثر على مساعدة تأتي من قبلهم، لا نريد أن نجرح مشاعرهم.
هذا الإسلام الذي فقدنا محتواه وحرفنا مفاهيمه أصبح مختلفاً عن إسلام محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ،أن الذي حرك رسول الله في بدر وأحد في كل مواقفه هووحنين والأحزاب وتبوك وغيرها هو القرآن، الذي حرك الإمام علي القرآن، وأنت تقول وتدعو الله أن يحشرك في زمرة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) ألسنا نقول هكذا؟. ندعو الله أن يحشرنا في زمرة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)؟. تحرك بحركة محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) تحرك بحركة الإمام علي لم يكن لديهم أكثر من القرآن ، هلمحمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والإمام علي تفهموا هذا؟. لم يكن لديهم أكثر من القرآن.
ألم يقل الله لرسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم){اتَّبِعْ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ }(الأنعام: من الآية106) {إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ} (الاحقاف: من الآية9) أي أني وأنا أتحرك في بدر و في أحد و في حنين وفي كل المواقع { إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ}.
لماذا نحن إذا ما اتبعنا القرآن فإنه لا يحركنا؟. هل نحن نتبع ما أنزل الله إلينا ولكنه لا يحركنا؟ لا يمكن ، ولكنا نحن غير متبعين للقرآن وغير متبعين لرسول الله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
ونحن لا نزال تمر السنين علينا سنة بعد سنه، تنبت لحيتك، ثم يبدأ الشيب فيها، ثم تصفى شيباً، ثم تتعصى ثم تموت، وسنة بعد سنة ونحن لا نفكر من جديد في تصحيح وضعيتنا مع الله سبحانه وتعالى، وفي أن نلتفت التفاته واعية إلى القرآن وإلى واقعنا, ما بالنا لم نتساءل حتى ونحن نقرأ القرآن عندما نصل إلى قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً} بعد أن تحدث عن المسلمين كيف يجب أن يكونوا حتى يصلوا إلى درجة أن يضربوا الآخرين فيصبحوا فيما إذا تحركوا هم ضدك لن تكون حركتهم أكثر من مجرد أذية طنين ذباب لا أثر له {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذىً وَإِنْ يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الْأَدْبَارَ ثُمَّ لا يُنْصَرُونَ} (آل عمران:111) {ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَ مَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ وَبَاءُوا بِغَضَبٍ مِنَ اللَّهِ وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَانُوا يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ الْأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ}(آل عمران:112) ألسنا نقرأ هذه الآية ،ثم لا ننظر إلى أنفسنا؟. إذاً فما بال هؤلاء الذين قد ضُربت عليهم الذلة والمسكنة هم من يهيمنون علينا؟. هل أحد منا يتساءل هذا السؤال عندما يصل في سورة آل عمران إلى هذه الآية؟. هل أحد يتساءل :هؤلاء قوم ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة وباءوا بغضب من الله ونراهم مهيمنين علينا إذاً ما بالنا؟!. ما السبب؟. هل أحد يتساءل؟؟. لا نتساءل.
لا نتساءل جميعاً لا نحن ولا علماؤنا ولا كبارنا ولا صغارنا، نتلو القرآن هكذا بغير تأمل أشبه شيء بالطنين في شهر رمضان وفي غير رمضان، لا نتساءل، لا نتدبر، لا نتأمل، لا نقيّم الوضع الذي نعيشه.
ثم في نفس الوقت لا ننظر من جهة أخرى إلى أنه هل بالإمكان أن نصل إلى الجنة؟. هل نحن في طريق الجنة أو أن طريق الجنة طريق أخرى؟. طريق الجنة هي طريق أولئك الذين قال عنهم في هذه السورة بالذات {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَنْ يَرْتَدَّ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} (المائدة:من الآية54) ليسوا من النوعية التي تقول: ما نشتي مشاكل عندما تحدثهم بما يعمل أعداء الله وتذكر لهم الجهاد في سبيل الله، أليست هذه كلمة معروفة عندنا: ”والله فلان يشتي يقلب علينا بمشاكل”، القرآن يلغي هذه ، ومن يقولون هذه الكلمة أبداً لا يمكن أن يكونوا في طريق الجنة لأن الله يقول {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ} (آل عمران:142) ولا يمكن أن يكونوا ممن يعتزون في الدنيا والآخرة.
هو يقول عن تلك النوعية { أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} ألسنا أقوياء على بعضنا بعض في الخصومات؟. وكل واحد منا يتوجه بكل ما يملك ضد صاحبه على (مَشْرَب) أو على أرضيه أو على أي شيء وأذلاء أمام الكافرين ،أمام أهل الباطل ،أمام اليهود والنصارى أذلاء.
يذل الكبير فينا ونحن نذل بذله، يخاف الرئيس أو الملك فيقول: أسكتوا لا أحد يتحدث. ونحن نقول: تمام. ولا نتحدث ونسكت، يخاف فنخاف بخوفه إلى هذه الدرجة حتى أصبحنا أذلة أمام اليهود والنصارى ،أذلة أمام أهل الباطل والله يقول عن تلك النخبة{ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ}.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
{يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}،ينطلقون هم ؛لأنهم قوم كما قال عنهم {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}ليسوا حتى بحاجة إلى كلام كثير يزحزحهم ويدفعهم فينطلقون متثاقلين. هم من ينطلقون بوعي كامل وبرغبة كاملة لأنهم يحبون الله {يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ}. ومن يحب الله لا يبحث عن المخارج والممالص من عند سيدي فلان أو سيدنا فلان.
هم قوم يبحثون عن العمل الذي فيه رضى الله ؛لأنهم يحبون الله والله يحبهم . { يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ} لم يقل حتى، ولا يخافون قتل قاتل ،أولا يخافون القتل. أساساً هم منطلقون للجهاد هم من يريدون أن يستبسلوا ويبذلوا أنفسهم في سبيل الله، فأن تخوفوه بالقتل هذا شيء غريب هذا شيء لا يثيره ولا يخيفه لأنه يجاهد. ماذا بقي أن تعمل؟. أن تلومه. قد يأتي اللوم مثلاً يقول: (لماذا أنت تقوم فتتحرك؟ هذا سيدي فلان لم يتحرك. لماذا أنتم يا آل فلان تتحركون أما آل فلان لم يتحركوا؟. هل أنت أحسن من فلان؟. وهل فلان أحسن من فلان). أليس هذا اللوم يحصل؟. هم واعون ولا يخافون لومة لائم ،عارفون لطريقهم وعارفون لنهجهم وعلى بصيرة من أمرهم، لا يمكن لأحد أن يؤثر فيهم فيما إذا لامهم.
{ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٌ } أما أن يخاف المشاكل أو يخاف القتل فهذا الشيء الذي لا تستطيع أن تخيفه به لأنه منطلق مجاهد ، أن تنطلق إلى مجاهد لتخوفه بالقتل هذا شيء غير صحيح ،هو لن يتأثر. أن تخوف الإمام في بدر بالقتل هل سيخاف؟. لا يمكن أن يخاف وهو في ميدان الجهاد ،وهو انطلقعلي مجاهد مستبسل يبذل نفسه في سبيل الله.
أولئك الناس المسلمين منا الذين يجعلون عذاب الناس أعظم من عذاب الله وعذاب الناس أشد من عذاب الله،
نريد إسلاماً ليس فيه مشاكل. أليس هذا هو الصحيح؟. نريد إسلاماً لا نبذل فيه شيئاً من أموالنا ولا نقف فيه موقفاً قوياً، ولا يثير علينا مديراً ولا محافظاً ولا رئيساً ولا يهودياً ولا نصرانياً ،إسلام سهل.
كأننا نريد ما لم يحظ به رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)، هل تعرفون هذا؟. كأننا نجعل أنفسنا فوق رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)،كأننا نجعل أنفسنا عند الله أعظم من محمد(صلى الله عليه وعلى آله . هل هذا صحيح؟. هذا تفكير المغفلين. لو كانت المسألة على هذا النحو لماوسلم) وعلي ولما جاهدتعب محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) لما جاهد ولما جاهد الإمام علي الآخرون. نحن نريد من الله أن يحشرنا في زمرة محمد ولا يكون بيننا وبينه محط أصبع من الحوض ،ونحنفي الجنة ،أن يحشرنا الله في زمرة محمد وأن يسقينا بيد الإمام علي في نفس الوقت غير مستعدين أن نتحمل أي مشقة من أجل ديننا ،ولا أن نبذل أي ريال في سبيل ديننا ،ونريد من الله أن يدخلنا الجنة، أي كأننا نريد ما لم يحصل لرسول الله محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
ألم يقل الله لرسوله محمد (صلى الله عليه وعلى آله وسلم){فَقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لا تُكَلَّفُ إِلَّا نَفْسَكَ}(النساء: من الآية84) في الأخير إذا لم تجد من يقاتل في سبيل الله إلا أنت فقاتل أنت.
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
وعندما بنى مسجده (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)لم يبنه كـ(مَكْسَلة) ، كما هو الحال في نظرتنا إلى مساجدنا الآن أصبحت (مَكَاسِل).كان مسجده قاعدة ينطلق منها للجهاد ،قاعدة يتحرك منها روح الجهاد يزرع فيها روح الجهاد والتضحية في نفوس المسلمين .كان مسجده قلعة عسكرية. أما نحن فإننا من يقول بعضنا لبعض من العُـبَّاد” أترك ..مالك حاجه، والهَمَ الله في شغلك وعملك وأموالك ،ومن بيتك إلى مسجدك، احمد الله ذا معك مسجد قريب ، ومعك بَرْكَة فيها ماء كثير توضأ وصل واترك الآخرين، لست أحسن من سيدي فلان ولست أحسن من فلان”.
أصبحت مساجدنا مكاسل، وأصبحت الصلاة لا تحرك فينا شيئاً ،لا تشدنا إلى الله ولا تلفتنا إلى شيء ،مع أن الصلاة هامة جداً ولها إيْمَاءَاتُها الكثيرة ومعانيها الكثيرة وإشاراتها الكثيرة، والمساجد لها قيمتها العظيمة في الإسلام لكن إذا ما كانت مساجد متفرعة من مسجد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)وليس من مسجد الضرار الذي احرقه رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم)إذا كانت المساجد متفرعة ،من مسجد رسول الله فهي مساجد لله بما تعنيه الكلمة، والصلاة فيها لها فضلها ولها عظمتها أما إذا كانت المساجد هكذا ونضع فيها المصاحف، فلا الصلاة، ولا المصحف، ولا المسجد، بقي له معناه الحقيقي في نفوسنا، فنحن إذاً نصنع للإسلام مخزناً نضع القرآن فيه ونقول له: ” اجلس مكانك هنا ،لا تزعجنا ”.
ونحن نصلي ونقرأ القرآن أحياناً ولكن لا نتأمل في الصلاة ، أليس هناك محاريب في المساجد يتقدم فيها واحد يصلي ؟ أي أن يلتفّ الناس حول قيادة واحدة صف واحد{إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفّاً كَأَنَّهُمْ بُنْيَانٌ مَرْصُوصٌ} (الصف:4) الصلاة تعلمنا كيف يجب أن نقف صفاً واحداً تحت قيادة واحدة في الاتجاه على صراط الله وفي الاتجاه في طريق الله سبحانه وتعالى وفي سبيله، وكم للصلاة من معاني. ولكن لا نستفيد منها شيئاً ،كل العبادات ذابت معانيها في نفوسنا، الإسلام أصبحنا نشوهه، الإسلام لم يعد له طعم في نفوسنا ،الإسلام لم يعد يحرك لدينا شيئاً لا في نفوسنا ولا في واقع حياتنا.
أريد أن أقول هذا القول لنا جميعاً نحن الذين لا نفهم أين موقعنا أمام الله، ربما قد نكون -والله أعلم والعياذ بالله إذا لم نصح ولم نرجع إلى الله - ممن يقول فيما بعد: {أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ}(الزمر: من الآية56) تظهر لنا أشياء كثيرة كنا نفرط فيها وكنا نقصر فيها وكنا نتغافل عنها وكنا لا نبالي بها وإذا بنا نرى أنفسنا في أعظم حسرة، ونحن من كنا نقول: ” ماهي إلا دنيا وإن شاء الله الآخرة وندخل الجنة ”. أليست الجنة مقاماً عالياً مقاماً عظيماً؟. الجنة مقام تكريم { أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ ، الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ }(آل عمران: 133 ـ 134) أعدت للمتقين المجاهدين {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ}(التوبة: من الآية111).
مقاماً عظيماً ونحن قد يتثاقل البعض منا أن يقول : الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل. والمفروض أنك تقول الموت لأمريكا وبريطانيا وفرنسا وإسرائيل وكندا وأسبانيا وكم نعدد قل مع إسرائيل واحدة منها ـ أمريكا - وهي (الشيطان الأكبر) وهي من تحرك الآخرين.
[ الله أكبر / الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
إذا كنت غير مستعد أن تقول هذه الكلمة فانظر إلى البحر تأمل قليلاً في البحر تجد الأمريكيين والفرنسيين والبريطانيين والألمان حولك وداخلين إلى بلادك إلى البلاد العربية، ليس ليقولوا ( الموت لك ) سيميتونك فعلاً وليس فقط مجرد أن يقولوا قولاً. سيميتونك ويميتون شرفك وكرامتك وعزتك ودينك و روحيتك وسموك، وسيفسدون أبناءك وبناتك، وسترى نفسك في أحط مستوى.
واليمن في رأس القائمة اليمن والعراق وسوريا وإيران وأرض الحجاز ،لو نقول لكم الآن أن إسرائيل أن اليهود والنصارى يخططون للاستيلاء على الحج فقد تقولون: مستحيل. مع أن الإمام الخميني قال من قبل عشرين سنه: أن أمريكا وإسرائيل تخططان للاستيلاء على الحرمين. هم قد عرفوا أنه عندما استولوا على القدس صرخنا على القدس وتكلمنا عن القدس دون موقف جاد إلى أن أصبح كلامنا لا يخيفهم ، وهو ثالث الحرمين عرفوا بأن بإمكانهم أن يأخذوا ثاني الحرمين وأول الحرمين ثم يكون الكلام هو الكلام من قِبَلنا ويكون الموقف هو الموقف. لماذا قد يخططون للاستيلاء على الحرمين؟.
ألسنا نعرف جميعاً أن السعودية هي دولة صديقة لأمريكا؟. أليس كل الناس يعرفون هذا؟. السعودية دولة صديقة لأمريكا ، لكن لماذا تُواجَه السعودية بحملة دعائية شديدة من جانب أمريكا ودول الغرب، الإعلام في الغرب الصحف والكتب والقنوات التلفزيونية والإذاعات وغيرها تتحدث عن السعودية أنها دولة إرهابية وتدعم الإرهاب وأنها وأنها …الخ . السعوديون لمسنا عنهم بأنهم اختلفت وضعيتهم الآن يشعرون بخوف شديد، يتحدثون: نحن لسنا إرهابيين، لماذا يقولون نحن إرهابيين، ماذا عملنا؟. لم يعملوا شيئاً ضد أمريكا ،لكن أولئك يريدون الاستيلاء على الحرمين فعلاً.
لماذا يستولون على الحرمين؟.
لأن الحج هذا الحج الذي لا نفهمه نحن عندما نحج من اليمن ومن السعودية ومن مصر نحن العرب الأغبياء عندما نحج، اليهود يفهمون قيمة الحج أكثر مما نفهمه ، اليهود يعرفون خطورة الحج وأهمية الحج أكثر مما نفهمه نحن . ما أكثر من يحجون ولا يفهمون قيمة الحج.
الحج له أثره المهم ،له أثره الكبير في خدمة وحدة الأمة الإسلامية، ألم يجزءوا البلاد الإسلامية إلى دويلات خمسين دولة أو أكثر؟. وجزءوا البلاد العربية إلى عدة دويلات، لكن بقي الحج مشكلة يلتقي فيه المسلمون من كل منطقة، إذاًما زال الحج رمزاً لوحدة المسلمين ويلتقي حوله المسلمون ويحمل معانٍ كثيرة لو جاء من يذكر المسلمين بها ستشكل خطورة بالغة عليهم على الغربيين على اليهود والنصارى.
ولهم نصوص نحن نقرأها نصوص من وزراء منهم ومفكرين منهم يتحدثون عن خطورة الحج وأنه يجب أن يستولوا على الحج ،وأنهم يجب أن يهيمنوا على هذه البقعة.
الآن تحرك إعلامهم وعادة - كما يقال - (الحرب أولها كلام) أليس هذا معروفاً؟. أولاً، يتحدثون عن الإرهاب وأن السعودية تدعم الإرهاب. ماذا عملت السعودية؟. كلها خدمة لأمريكا، قدمت كل الخدمات لأمريكا عملت كل شيء لأمريكا ،لماذا أصبحت الآن لا فضل لها ولا جميل يُرعَى لها ولا شيء يُحسب لها، ويقال عنها: دولة إرهابية؟. لأنهم يريدون أن يمهدوا بذلك ،بعد أن عرفوا أننا نحن العرب أصبحنا جميعاً إذا ما قالت أمريكا: هذه دولة إرهابية انفصل عنها الآخرون، إذا ما قالت أمريكا: هذا الشخص إرهابي. انفصل عنه الآخرون وابتعدوا، عرفوا بأن بإمكانهم أن يضربوا في الحجاز كما ضربوا في أفغانستان وأن يضربوا في العراق كما ضربوا في أفغانستان وأن يضربوا في اليمن. لا أحد من الدول يمكن أن يعترض على ما تعمله أمريكا ضد ذلك الشعب أو ذاك؛لأنه قد اتفقنا جميعاً على أن نكافح الإرهاب وهذه الدولة إرهابية، السعودية إرهابية، تدعم الإرهاب، أسامه من السعودية وتجارهم يدعمون الدُعاة .
هؤلاء هم من دعموهم تحت توجيهات أمريكا فانقلبت المسألة فأصبح عملهم في خدمة أمريكا إدانةً ضدهم من أمريكا نفسها ، وأصبحوا يقولون عنهم أنهم يدعمون الوهابيين بأموالهم فهم يدعمون الإرهاب إ ذاً.
السعودية الآن في حالة سيئه أضطرهم الأمر إلى أن يلجئوا إلى إيران وأن يتصالحوا مع إيران ،وأن يحسنوا علاقتهم مع إيران ، وفعلاً الإيرانيون حجوا هذه السنة كثيراً حوالي خمسه وثمانين ألفاً، واستطاعوا أن ينشروا كتباً كثيرة ،وبياناً للسيد الخامنائي انتشر بأعداد كبيرة، وتسهيلات كبيرة لهم.
بدءوا يخافون جداً أن هناك عمل مرتب ضدهم ،اليهود يريدون أن يسيطروا على الحج..لماذا ؟. ليحولوا دون أن يستخدم الحج من قِبَل أي فئة من المسلمين لديها وعي إسلامي صحيح فيعمم في أوساط المسلمين في هذا المؤتمر الإسلامي الهام الحج ،الذي يحضره المسلمون من كل بقعه.
لاحظوا عندما اتجه الإيرانيون لتوزيع هذا البيان وتوزيع هذه الكتب وهذه الأشرطة و(سيد يهات) الكمبيوتر، أليست تصل إلى أكثر بقاع الدنيا؟ هكذا يرى اليهود والنصارى أن الحج يشكل خطورة بالغة عليهم.
ولأن الحج مهم في مجال مواجهة اليهود والنصارى، جاءت الآيات القرآنية في الحديث عن الحج متوسطة لآيات الحديث عن اليهود والنصارى في كل من سورة البقرة وسورة آل عمران والنساء ،ثلاث سور أذكرها من السور الطوال. كما جاء الحديث عن ولاية داخل الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل ،كما جاء الحديث عن الوحدةالإمام علي والاعتصام بحبل الله جميعاً ضمن الحديث عن بني إسرائيل لأن بني إسرائيل هم المشكلة الكبرى في هذا العالم ضد هذه الأمة وضد هذا الدين ،هم العدو التاريخي للمسلمين من ذلك اليوم إلى آخر أيام الدنيا . هم العدو التاريخي.
فهم ـ فعلاً ـ يخططوا للاستيلاء عليه، وإذا ما استولوا عليه فهم قد عرفوا أننا أصبحنا نصدق كل شيء من عندهم ،وأننا أصبحنا أبواقاً للإعلام نردد أي تبرير يأتي من قبلهم، عندما يقولون: نحن جئنا إلى اليمن من أجل أن نساعد الدولة اليمنية على مكافحة الإرهاب. يصدق البعض بهذا ويرددها ويخدمهم في أن تُعمم على أكبر قطاع من الناس، ليفهمهم أنهم إنما جاءوا لمكافحة الإرهاب، وسيدخلون الحجاز من أجل مكافحة الإرهاب ،ومن أجل مكافحة الإرهاب يحرقون القرآن، ومن أجل مكافحة الإرهاب يهدمون الكعبة ، ومن أجل مكافحة الإرهاب يمنعون الحج ،ومن أجل مكافحة الإرهاب يدوسون العرب بأقدامهم ونحن نصدق كل تبرير يقولونه.
لقد وثقوا بأن كل كلمة يقولونها تبرر أعمالهم ضدنا أصبحت مقبولة لدينا وأصبحت وسائل إعلامنا ترددها ، وأصبحنا نحن نستسيغها ونقبلها ونغمض أعيننا عن الواقع الملموس ،نؤمن بالخدعة ولا نلتفت إلى الواقع الملموس الذي باستطاعتك أن تلمس من خلاله شرَّهم وخطرهم، تغمض عينيك وتكف يديك وتصدق التبرير الذي يعلنونه.
عندما يصل الأمر إلى هذه الدرجة يخططون للاستيلاء على الحرمين الشريفين،يخططون للاستيلاء على اليمن، لكنْ استعمارٌ حديث، احتلال حديث لم يعد بالشكل الأول أن يجعلون زعيماً أمريكياً يحكم، لا لن يجعلوه أمريكياً، سيجعلونه يهودياً سواء يهودي من أصل إسرائيلي، أو يهودياً يمنياً من أصل يمني أو كيفما كان، المهم يهودياً سواء يحمل هوية إسلامية أو يهودياً حقيقياً يكون بالشكل الذي ينسجم معهم.
إذا كانوا يعملون هذه الأعمال ثم أنت لم تؤمن بعد ولم تستيقظ بعد، ولم تصدق بعد بأن هناك ما يجب أن يحرك مشاعرك ولو درجة واحدة، ماذا يعني هذا؟. غفلة شديدة، تَيه رهيب، ذلة إلهية رهيبة. هل يستثيرنا هذا عندما نقول أننا فعلاً نلمس أنهم بدءوا يتحركون من أجل الهيمنة على الحرمين الشريفين وليس فقط القدس؟.
العرب يرددون الآن ضمن أقوالهم : (من أجل إقامة دولة فلسطينية وعاصمتها القدس). هل إسرائيل تلتفت إلى هذا الكلام . هي ليست حول أن تسلم القدس هي تبحث عن الحرمين الآخرين ، إن الحرمين الآخرين هما اللذان يشكلان خطورة عليها وليس القدس ، ارتباطهم بالقدس هو ارتباط تاريخي فقط ،ليس لأن القدس منطقة ذات أهمية عند المسلمين أوتشكل خطورة بالغة عليهم. لا، وإنما باعتبارها مدينة يقولون بأنه كان هناك هيكل سليمان وأنها هي المدينة التي كتب الله لهم أن يدخلوها ،وعبارات من هذه، ارتباط هوية دينيه وتاريخية، أما الحرمين فهم الذين يشكلون خطورة بالغة عليهم على مستقبلهم ، وأكد لهم ذلك تأملهم للقرآن ـ القرآن الذي لا نفهمه نحن ـ وأكد لهم ذلك أنهم وجدوا أن الحج يستخدم من قبل أي حركه إسلامية لتوعية الآخرين. وهكذا أراد الله للحج أن يكون ملتقى إسلامياً ،يذكر الناس فيه بعضهم بعضاَ بما يجب عليهم أن يعملوه من أجل دينهم وفي سبيل مواجهة أعدائهم.
الإمام الخميني الذي عرف الحج بمعناه القرآني، هو من عرف كيف يتعامل مع الحج فوجه الإيرانيين إلى أن يرفعوا شعار البراءة من أمريكا البراءة من المشركين البراءة من إسرائيل، ونحن هنا كنا نقول: لماذا يعمل هؤلاء، ولم ندرِ ـبأن أول عَمَلٍ لتحويل الحج إلى حج إسلامي تَصَدَّر ببراءة ٍقرأها الإمام علي إمامُنا ـ العشر الآيات الأولى من سورة براءة هي بداية تحويل الحج إلى حج إسلامي {وَأَذَانٌ مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ أَنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ}(التوبة: من الآية3) ورسوله .بريء من المشركين وقرأ البراءة من المشركين الإمام علي بن أبي طالب
ونحن كنا :ما بال هؤلاء يرفعون (الموت لأمريكا / الموتنقول هنا ونحن شيعة الإمام علي لإسرائيل) البراءة من المشركين هذا حج؟ ”حج يا حاج”. وحجنا نحن اليمنيين نردد: ” حج يا حاج ” عجالين ونحن نطوف ونسعى ونرمي الجمار نردد:”حج يا حاج ” على عجلة.
فالإمام الخميني عندما أمرهم أن يرفعوا البراءة من المشركين في الحج أنه هكذا بداية تحويل الحج أن يُصبَغ بالصبغة الإسلامية تَصدَّر بإعلان البراءة قرأها وهي براءة من الله ورسوله ،هذا هو الحج.الإمام علي حتى البراءة التي يعلنها الإيرانيون أو يعلنها أي قرأ، الإمام علي أحد من الناس هي ما تزال أقل من البراءة التي قرأها الإمام علي براءة من نوع أكثر مما يرفعه الإيرانيون في الحج ،براءة من المشركين وإعلان الحرب عليهم ،وإعلان بأنه لا يجوز أن يعودوا أبداً إلى هذه المواقع المقدسة. وكان فينا من يقول: لا، نحج وبس، هذه عبادة ”ماهو وقت أمريكا وإسرائيل”.
هكذا نقول لأننا لا نفهم شيئاً، هذه مشكلتنا لا نفهم إلا السطحيات، الحج عبادة مهمة ، لها علاقتها الكبيرة بوحدة الأمة ،لها علاقتها الكبيرة بتأهيل الأمة لمواجهة أعدائها من اليهود والنصارى.
عبادة مهمة إنما عطلها آل سعود، وعطلها اليهود والنصارى ولم يكتفوا بما يعمله آل سعود، القضية عندهم خطيرة جداً إذا كانت القضية كبيرة جداً عندهم هم لا يثقون بعملائهم ولا بأصدقائهم ،مهما كنت صديقاً ربما يظهر أحد فيحصل كما حصل في إيران، ربما يظهر أحد يسيطر على المنطقة هذه ثم تفلت من أيدينا ،يَرون أن عليهم أن يسيطروا مباشرة ،لم يعودوا يثقون بعملائهم أبداً ،هم يتنكرون لعملائهم ويضربونهم في الأخير متى ما اقتضت سياستهم أن يتخذوا موقفاً منهم يعملون تبريرات كثيرة وكلاماً كثيراً ضدك وأنت كنت صديقهم ، هكذا سيصبح الحال لدينا في اليمن ، حتى تصبح إنساناً يستعجل الناسُ أن تُضرَب، هكذا يعمل اليهود استطاعوا في أعمالهم معنا نحن المسلمين يعملون دعاية على أي أحد منا دعاية دعاية قالوا بيحركوا سفنهم من هناك حتى أصبحنا عجالين أكثر منهم على أن يضرب هذا البلد أو ذاك.
الآن لو يقولون أنهم يريدون أن يضربوا العراق فنحن سنبقى قلقين نريد أن يضربوا العراق، استطاعوا أن يروضونا حتى أننا نصبح أعجل منهم على ضربهم لبعضنا.
يوم قالوا يريدون أن يضربوا أفغانستان قالوا لا زالت سفنهم هناك وحركتهم بطيه فكلنا عجالين نريد أن يضربوا أفغانستان من أجل أن نتفرج وبس هكذا قد يصبح الحال لدينا في اليمن.
نحن نحمل نفوساً قد ضاعت وظلت ،قد خُذلنا - والله أعلم - من قِبل الله،لم يعد تفكيرنا مستقيم ،لم تعد آراؤنا صحيحة، لم يعد فهمنا للدين صحيح، لم يعد شيئاً لدينا صحيح. - أقول هذا حقيقة لكم - أصبحت الأمور لدينا غريبة جداً ،وأصبح من يصنع الرأي العام لدينا من يصنع ثقافتنا من نردد كلامهم هم اليهود. عندما أقول لك عن وجود الأمريكيين: هم دخلوا بجنود وأسلحة إلى اليمن ،هم ماذا يريدون أن يعملوا؟. هم يشكلون خطورة على اليمن فتقول لي: لا.هم جاءوا من أجل أن يحاربوا الإرهاب و يساعدوا الدولة اليمنية في محاربة الإرهاب. ألست هنا تقبل كلام اليهود أكثر مما تقبل كلامي ، وأنت تسمع أنهم دخلوا بشكل عساكر ومعهم أسلحة وسفن حربيه قريبة من الساحل ،أهكذا يعمل الناس الذين يقدمون خدمة؟ وهل تَعَوَّد الأمريكيون على أن يقدموا خدمة لأي أحد من الناس؟!.
إذا كانوا يريدون أن يقدموا خدمة لماذا لا يقدمون خدمة للفلسطينيين فيفكوا عنهم هذا الظلم الرهيب الذي تمارسه إسرائيل ضدهم؟. لماذا لا نقول هكذا لأنفسنا؟. أنتم أيها الأمريكيون تريدون أن تقدموا لنا خدمة مما يدلنا على أنكم كاذبون أنكم لو كنتم تريدون أن تقدموا خدمة لأحد لقدمتم خدمة للفلسطينيين المساكين الذين يُذبحون كل يوم على أيدي الإسرائيليين وتدمر بيوتهم وتدمر مزارعهم. أم أنهم يحبون اليمنيين أكثر؟. هل هم يحبونا، هل هم ـ فعلاً ـ همهم أن يقدموا لنا خدمة؟ وأنه أزعجهم جداً أن هناك ثلاثة إرهابيين أزعجهم جداً هذا لأن الرئيس قال: (ونحن عانينا من الإرهاب). فقالوا: ابشر بنا نحن سنأتي لنساعدك على أساس أن لا تعاني لا أنت ولا الأحباب في اليمن، نحن نحبكم والله يقول:{هَا أَنْتُمْ أُولاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ}(آل عمران: من الآية119) {مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ}(البقرة: من الآية105) {لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا}(المائدة: من الآية82) هكذا يقول الله عنهم أنهم أعداء وأنهم لا يحبوننا وأنهم يعضوا أناملهم من الغيظ حنقاً وحقداً علينا ثم نعتقد بغبائنا أنهم جاءوا ليقدموا خدمة لنا.!
وعندما تتحدث مع الناس عن الحقيقة تجد أن التبرير الذي قدموه هم مقبول عند البعض أكثر من كلام أي شخص من علمائنا. يقال: لا، هم قالوا جاءوا ليكافحوا الإرهاب، من أجل أن لا نعاني من الإرهاب، وهم دخلوا بأسلحتهم.
إذاً لا بأس بهذا افترض أنك لم تفهم إذاً افترض كم سيبقون وهم يريدون أن يكافحوا الإرهاب؟. أحسب لهم سنه على أطول شيء أحسب لهم سنه. أليس في خلال سنة يمكنهم أن يكافحوا الإرهاب ثم يعودوا؟. إذاً انتظروا بعد سنه هل سيرحلون؟. هل سيغادرون؟. أم أنكم سترون أشياء أخرى، وسترون إرهاباً آخر . هم سيصنعون إرهاباً ،هم سيفجرون على أنفسهم ويفجرون على أشياء قريبه من حولهم ، وحتى إذا ما أرادوا أن يضربوك سيجعلون أحداً من أفراد القاعدة يزور منطقتك ثم يقولون: إذاً عندك واحد من القاعدة أنتم في بلادكم واحد من القاعدة ، أكيد إذاً أنتم تدعمون الإرهاب.
القاعدة الذين قالوا أنهم ضربوها في أفغانستان اتضح أنهم لم يضربوهم وأنهم ما زالوا بخير ؛لأنهم بحاجة إليهم ليوزعوهم فيما بعد.تكلم الرئيس ذات مرة كلاماً مضحكاً عندما سألوه عن أسامه كيف إذا جاء إلى اليمن؟. قال :” أنتم حاولوا أن لا يجيء ،حاولوا وأنتم عدة دول أن تمسكوه لايخرج ، تستطيعوا ”.هو خائف أنهم سيوصلون أسامة إلى اليمن هم، سيحاولون أن يوصلوا أسامة إلى اليمن ثم يقولون :هاه أسامه ،إذاً له علاقة باليمن هذا اليمن منبع الإرهاب. ثم يضربونهم.
منطقة معيَّنة أنت تقول: لسنا إرهابيين ونحن لا نفعل شيئاً، ولم نتكلم ـ والله - بكلمة. فيقال: هم معهم أفراد من القاعدة . أفراد القاعدة قد توزعوا على خمسين دوله. أين هم الذين قتلوهم من طالبان والقاعدة؟. لم يقتلوهم لأنهم بحاجة إليهم يحاجه إلى أسامه وهم أصدقاء ،هم أحرص على حياة أسامه منا جميعاً ، هم بحاجة إلى أسامه ، لو أمكن أن يطبعوا على أسامه نسخ كثيرة لو أمكن أن يطبعوا على أسامه الكثير لعملوا ، لأنهم سيحتاجونه فيما بعد، هم قالوا لعلي عبد الله: هناك أفراد من القاعدة،
قالت بعض الصحف بأنهم قتلوا يمني في أمريكا لأن في أوراقه اسم القاعدة ـ تلك المدينة اليمنية المعروفة ـ وأنهم يستجْوِبُون يمنيين في أمريكا لأن في وثائقهم (من مواليد القاعدة) وأنهم كانوا في القاعدة. يعني هم من قاعدة ابن لادن من أصحاب ابن لادن هكذا يخادعون ،هكذا يضللون ونحن بعد لم نفهم شيئاً ،ومن فهم يعتبر القضية عادية.
نحن نقول للناس يجب علينا يجب علينا أن يكون لنا مواقف أولاً لنفك عن أنفسنا الذلة والسخط الإلهي ،هناك ذله إلهية هناك ذلة إلهيه ـ فيما أعتقد ـ قد ضربت علينا نحن وعلماؤنا ،نحن زعمائنا الكل قد ضربت عليهم الذلة. يجب أن يكون لنا موقف في مواجهة هؤلاء حتى نرضي الله سبحانه وتعالى عنا ، وأقل موقف هو أن تردد هذا الشعار بعد صلاة الجمعة حتى يعرف الأمريكيون أن هناك من يكرههم وهناك من يسخط عليهم ،
[الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام]
وحتى لا تكون لا شيء في الحياة ،حتى لا تكون ميت الأحياء يتحرك اليهود والنصارى فيملئون بحر الدنيا وبرها وأنت المسلم لا ترفع حتى ولا كلمة ضدهم وأنت من كان يجب أن تحتل تلك المواقع التي هم فيها.
إذا لم نردد هذا الشعار واللهُ في القرآن الكريم قد أمرحتى بما هو أقل من هذا لإرهاب أعدائه وأعدائنا، وهو (رباط الخيل) في قوله تعالى {وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِنْ دُونِهِمْ لا تَعْلَمُونَهُمُ اللَّهُ يَعْلَمُهُمْ }(الأنفال: من الآية60) هل نزلت هذه الآية وكان المسلمون قد أصبح لهم حدود يرابطون عليها مع مناطق أخرى؟. بل معناه اعملوا على أن تُظهروا أنفسكم أمام أعداءكم برباط الخيل عند بيوتكم أن هناك خيل لديكم أي أنكم مستعدون للقتال فعندما يأتي أحد المشركين فيرى عند بيت هذا خيلاً ويرى عند بيت الآخر خيلاً ،سيرى أن هذه أمة مجاهدة معدين أنفسهم، وهذا يرهبهم .
إذا لم يكن لديك تفكير بأن تبحث عما ترهب به أعداء الله أو أن يقال لك هذا شئ بالتأكيد يرهب أعداء الله ثم لا تعمله وهو شيء سهل جداً أن تقوله ثم لا تقوله فاعلم بأنه لم يعد لديك ذرة من إيمان ولا ذرة من إباء، وأنك تائه كما تاه بنو إسرائيل من قبلك.
هذا ما أريد أن أقوله لنا جميعاً - سواء عملنا أو لم نعمل - من خلال ما فهمناه ونحن نتابع الأحداث، ومن خلال ما فهمناه ونحن نتأمل كتاب الله سبحانه وتعالى أنه إذا لم يكن لدي ولا لديك اهتمام بأن نقاتلهم وليس فقط بأن نرفع:هذا الشعار، ولكن إذا لم أرفع الآن هذا الشعار، [ الله أكبر/ الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود / النصر للإسلام] وهو الشيء الذي أستطيعه وأنت تستطيعه. وأنا أؤكد لك أنه شيء أثره بمثابة ضرب الرصاص عليهم ،أنه شيء بالتأكيد أثره بمثابة ضرب الرصاص إلى صدورهم إذا ما انتشر في أوساط الناس،
إذا لم نرفعه الآن فماذا يتوقع مني ومنك بعد وأي اهتمام بقي لدينا.
أنا قلت لكم في العصر بأن هناك خبراً أن البيت الأبيض انزعج جداً عندما رفع تقرير عن استبيان داخل عشره آلاف شخص في سبع دول عربية أن هناك سخط ضد أمريكا انزعجت أمريكا ،هم ليسوا أغبياء مثلنا ،يريد أن يضربك وأعصابك باردة لا تفكر بأن تعد ضده أي شيء ،لكن أن يستثيرك يعني ذلك أنه سيجعلك تفكر كيف تمتلك وتبحث عن قوة لتواجهه بها وتضربه ،أليس كذلك؟. هو يريد أن يضربك بهدوء من أجل أن لا يخسر أكثر في مواجهتك.
وليس كمثلنا نحن إذا حصل مشاجرة بين شخصين حاول أن يخرج كل ما في الشمطة في رأس صاحبه، الأمريكي لا يريد هذا ،إنه يريد أن يضربك بأقل تكلفة ممكنة ،يحسب ألف حساب للدولار الواحد فيضربك بأقل تكلفة. وإذا ما اضطرته الظروف أن يضربك بصاروخ إلى بلدك فاعرف أنه لن يخسر في هذا الصاروخ إلا كواحد من بقية العرب إذا ما ضربك بصاروخ إلى داخل بلدك.
ألم يضربوا العراق بصواريخ؟. ألم يضربوا ليبيا بصواريخ؟. عندما ضربوا العراق بمختلف الصواريخ ومختلف الأسلحة ما كانت خسارة الأمريكي إلا أقل من خسارة العربي في قيمة هذا الصاروخ ،هم ليسوا أغبياء، إنهم يحسبون حساب الاقتصاد حساب المال.
بعض الناس قد يقول: إذا رفعنا شعار (الموت لأمريكا / الموت لإسرائيل) سيضربوننا بصاروخ. هم لا يضربونك، كم يكلف الصاروخ؟. هل تعتقد أنهم مثلنا إذا حقد على الآخر فسيفجر كل شيء في رأسه، لا. أليس لديهم أسلحه نووية؟ أليسوا يخافون من إيران ويكرهون إيران جداً؟ لماذا لا يضربون إيران؟. بتفكيرنا قد نقول : لماذا لا يضربون بقنابل على إيران ويسحقونها؟.
هم حكماء وليسوا بُلَداء، يعرف أنه أَن أَضرِب دون أن أكون قد مهدت الأجواء حتى أجعل الآخرين أعجل مني على ضرب صاحبهم إذاً سأخسر، لن أضربك إلا بعد أن أرى الناس من حولك قد أصبحوا مشتاقين أن يروك تُضرب، وسيدفعون ويساهمون في قيمة الصاروخ إذا رأوك تُضرَب.
هكذا في أفغانستان عملوا هذا الشيء، أمريكا لم تتحرك لضرب أفغانستان إلا بعد أن عملت وثائق فيما بينها وبين الآخرين تحالف دولي تحالف عالمي بقيادة أمريكا، ومَن أيَّدَ هذا التحالف؟. الدول العربية كلها ،وليس تأييداً فقط بل وتدفع معهم. أنت إذا لم تدفع إذا لم تؤيد إذا لم تشارك أنت إذاً لا بد أنك تدعم الإرهاب. فضربوا في أفغانستان وبأموال الناس جميعاً.
ثم بعد قاموا يمتنون على الأفغانيين بأنهم يريدون أن يعمروا أفغانستان. من الذي يعمر أفغانستان؟. يجب على السعودية واليابان ودول أخرى، حالة رهيبة وغريبة.
أنا قلت: أن هذا من المصاديق التي تؤكد أننا فعلاً طبقنا ما يقول اليهود ،اليهود يقولون: بأنهم شعب الله المختار، وأنهم هم الناس الحقيقيون وأن الآخرين من البشر ليسوا أناس حقيقيين. هكذا يقولون، قالوا: نحن لسنا بشراً حقيقيين نحن خلقنا الله لخدمتهم وإنما خلقنا في صورة بشر من أجل أن ننسجم معهم ونؤدي خدمتهم على شكل أفضل. هكذا يقولون.
فعلاً أصبح هذا شيء نحن نؤكده في واقعنا كأننا لسنا أناساً وإلا لما جاء اليهود يضربونا بأموالنا وندفع تكاليف الحرب، ثم نحن بعد أن يغادروا نحن من نكلف بأن نبني ما دمروا، هذا ما حصل في أفغانستان. إيران عليها أن تدفع والسعودية عليها أن تدفع ربع الدمار الذي في أفغانستان، والإمارات عليها أن تدفع ودول أخرى عليها أن تدفع.اليهود يدمرون ثم هم يقدمون أنفسهم بأنهم من عملوا الجميل مع الأفغانيين فهم من جعلوا الآخرين يبنون، إذاً فتحركوا أنتم أيها المسلمون تحركوا فابنوا ما دمرنا والفضل لنا، سخرية رهيبة أصبحنا لا ندركها ولا نفهمها.
أسأل الله سبحانه أن يوفقنا إلى أن نستبصر وأن نفهم ،أن نفهم ماذا ينبغي أن نعمل ،أن يبصرنا رشدنا ، أن يفهمنا ما يجب علينا ،أن يفك عنا هذا التّـيْه الذي نحن فيه، وأن يوفقنا لأن نكون من المجاهدين في سبيله ممن يواجهون أعداءه، وهذا هو الفضل العظيم كما قال الله عن أولئك { ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ}(المائدة: من الآية 54 )
وصلى الله على محمد وعلى آله
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في السبت أكتوبر 28, 2006 5:37 pm، تم التعديل 4 مرات في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن

سلسلة أهم المحاضرات
خطر دخول أمريكا اليمن

ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي


ملاحظة هامة
هذه الدروس نقلت من تسجيل لها على أشرطة كاسيت و قد ألقيت ممزوجة بمفردات و أساليب من اللهجة العامية و حرصاً منا على الإستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
الله الموفق




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين و صلى الله و سلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.
من الأخبار التي ينبغي أن نتحدث حولها هو ما ذكر لنا بعض الأخوان الذين سمعوا من إذاعة إيران و يبدو من إذاعة أخرى قد تكون الكويت ، أنه قد وصل إلى اليمن جنود أمريكيون ، و احتلوا ، أو توزعوا على مواقع عسكرية متعددة ، و لم ندر ِ بالتحديد في أي منطقة ، و نحن قبـل أسبوع تقريبا ، ربما من شهر رمضان لما بدأ الحديث حول هذه المواضيع قد يكون الكثير يستبعدون ما نطرح ، يستبعدون ما نحذر منه باعتبار أن الدنيا سلامات ، و لا به شيء . و نحن نقول دائما : أن هذه هي صفة من الصفات السيئة في العرب. فينا نحن العرب الخصلة السيئة { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ }( 12سورة السجدة) . لا نعرف الخطر و لا ندرك ما يعمل الأعـداء إلا عندما يضربوننا بعدها نتأكد صح ، و الله صح ، و لكن نعيد الكلام من جديد قد يقول البعض و الله صح و لكن ما جهدنا فلنسكت ، و إذا هي سكته من قبـل أن تأتينا و من بعدما جئتنا كما قال بنو إسرائيل .
نقول للجميع : إذن وصل الأمريكيون اليمن هل سنصبر و نسمع ؟ هل أبصرنا و سمعنا أم لا ؟ وعندما يأتي الأمريكيون اليمن هل جاءوا ليطلعوا على الأوضاع ؟ ينظروا ما هي المشاريع أو الخدمات التي نحتاج إليها ؟ أو جاءوا ليحرثوا الأراضي البيضاء ! هل جاءوا ليعملوا مزارع نحل ؟ لأنهم عندهم مزارع نحل ، وعندهم مزارع قمح ، هل جاءوا يشتغلوا معنا ؟ و إلا جاءوا من أجل ماذا ؟؟
الإمام الخميني رحمة الله عليه سمى أمريكا بأنها (الشيطان الأكبر ) ، و أنها هي وراء كل شر ، لأن من يحكم أمريكا و يهيمن على أمريكا هم اليهود ، و اليهود كما حكى الله عنهم في القرآن الكريم في آيات كثيرة أنهم يسعون في الأرض فساداً ، و أنهم يودون لو يضلوا الناس ، و أنهم يريدون أن يضلوا الناس ، و أنهم لا يودون للمؤمنين أي خير ، و أنهم يعضون عليكم الأنامـل من الغيظ ، و كم ذكر في القرآن الكريم مما يدل على عدائهم الشديد للمسلمين و الإسلام .
عندما تكون هذه القضية حقيقة يكون المسؤول الأول هو من ؟ الدولة ، الجيش ، المعسكرات المليئة بالجنود الذين يثقلون كاهل الشعب ، ثم لا يعملون شيئاً ، ودولة لا تعمل شيئاً ، لماذا يسمحون للأمريكيين أن يدخلوا ؟ و ما الذي يحوج الناس إلى أن يدخل الأمريكيون اليمن ؟ هل أن اليمنيين قليـل ؟ أو أن اليمن يتعرض لخطورة من أي جهة أخرى غير أمريكا ؟ فهم يأتون ليساعدوا اليمنيين ؟!!
الشيء المتوقع ـ و الله أعلم ـ و الذي قد لمسنا شواهد كثيرة له ، و بدأت المقابلة الصحفية التي سمعناها قبل يومين مع الرئيس أسئلة حول السفينة (كول) و حول الذين كانوا يذهبون إلى أفغانستان ، يريدون أن يحملوه المسئولية هو.
السؤال الذي يوحي بأنهم يريدون أن يحملوه المسؤولية ، حول المجاهدين الذين ساروا إلى أفغانستان من الشباب اليمنيين فبدأ يتنصل و يقول : كانوا يسافرون بطريقة غير شرعية و لا نعرف عنهم شيئاً.
إن كل من وقفوا ضد الثورة الإسلامية في إيران في أيام الإمام الخميني رأيناهم دولة بعد دولة يذوقون وبال ما عملوا ، من وقفوا مع العراق ضد الجمهورية الإسلامية ، و التي كانت و لا تزال من أشد الأعداء للأمريكيين و الإسرائيليين ، حيث كان الإمام الخميني رحمة الله عليه يحرص على أن يحرر العرب ، و يحرر المسلمين ، من هيمنة أمريكا و دول الغرب ، ويتجه للقضاء على إسرائيل ، لكن الجميع وقفوا في وجهه ، ورأينا كل من وقفوا في وجهه كيف أنهم ضُربوا من قـِبـَل من أعانوهم و من كانت أعمالهم في صالحهم ، الكويت ضُـرب و العراق ضـُرب ، أليس كذلك ؟ و السعودية ضُـربت من قـِبـَل العراق ، وضـُربت أيضا ً اقتصاديا أثقل كاهلها من قـِبـَل الأمريكيين ، اليمن نفسه شارك بأعداد كبيرة من الجيش ذهبوا ليحاربوا الإيرانيين ، ليحاربوا الثورة الإسلامية في إيران .
الإمام الخميني كان إماما عادلاً ، كان إماماً تقياً ، و الإمام العادل لا ترد دعوته كما ورد في الحديث .
من المتوقع أن الرئيس و أن الجيش اليمني لا بد أن يناله عقوبة ما عمل

الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام .

إذن نقول جميعاً كيمنيين لكل أولئك الذين يظنون أنه لا خطر يحدق ، الذين لا يفهمون الأشياء ، لا يفهمون الخطر إلا بعد أن يدهمهم ، نقول للجميع سواءً أكانوا كباراً أو صغاراً : الآن ماذا ستعملون ؟ الآن يجب أن تعملوا كل شيء ، العلماء أنفسهم يجب أن يتحركوا ، و المواطنون كلهم يجب أن يتحركوا ، و أن يرفعوا جميعاً أصواتهم بالصرخة ضد أمريكا و ضد إسرائيل ، و أن يعلنوا عن سخطهم لتواجد الأمريكيين في اليمن ، الدولة نفسها ، الرئيس نفسه يجب أن يحذر ، ما جرى على عرفات ، ما جرى على صدام ، ما جرى على آخرين يحتمل أن يجري عليه هو ، إن الخطر عليه هو من أولئك ، الخطر عليه هو من الأمريكيين ، الخطر عليه هو من اليهود ، على الحكومات و على الشعوب ، على الزعماء.
و حتى من يظنون أنهم قد أطمأنوا بصداقتهم لأمريكا عليهم أن يحذروا ، لأن أولئك ليسوا أوفياء أبداً ، الله ذكر عنهم في القرآن الكريم أنهم نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم ، ومن نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم و اشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً سينبذون كل عهد و كل اتفاقية، و كل مواثيق مع الآخرين ، أم أن المواثيق ستكون لديهم أهم من كتاب الله الذي نبذوه ، سينبذونه والله حكى عنهم هذه الصفة {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُواْ عَهْداً نَّبَذَهُ فَرِيقٌ مِّنْهُم بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ}(100 سورة البقرة).
إذن فلنتأكد جميعاً بأنه آن ـ فعلاً ـ أن نرفع صوتنا و أن يُعد الجميع أنفسهم لأن لا يدوسهم الأمريكيون بأقدامهم ، و هم كعادتهم في كل بلد يخادعون ، يخادعون ، و العرب بسطاء في تفكيرهم ، العرب سطحيون في نظرتهم ، وأول من عرف هذا الإمام علي عليه السلام نفسه . سنقول لأنفسنا بدون تحاشي أن العرب سطحيون جداً ، و أن اليمنيين أكثر العرب سطحية ، سيكون اليمنيون أكثر من يمكن أن يخدعوا.
أثناء التحكيم في صفين الإمام علي عليه السلام أختار ابن عباس و عبد الله بن عباس رجل ذكي و مؤمن تقي و عالم وفاهم، لكن أولئك الذين أرغموا الإمام علي عليه السلام على التحكيم قالوا : لا . و فرضوا عليه أبا موسى الأشعري . و أبو موسى الأشعري هو من تهامة اليمن ، فقال عليه السلام: ( إني أخشى أن يخدع يمانيكم ).
كان أسلوب أهل البيت مع اليمنيين أسلوباً جيد ، التذكير المتتابع و العمل المتتابع و الإرشاد المتتابع .
ألم يدخل الوهابيون إلى اليمن واستطاعوا أن يؤثروا ؟استطاعوا أن يؤثروا حتى في أفراد من بيوت علم ، استطاعوا أن يؤثروا فيهم . النصارى استطاعوا أن يؤثروا وأوجدوا نصارى في جبلة.
إذن نقول لأنفسنا يجب أن نكون يقظين ، يقظين ننتبه جيداً ، لا نخدع .
في البداية قد تنكر الدولة أن هناك وجوداً للأمريكيين ، ثم بعد فتره يضعوا مبرراً لوجود الأمريكيين ، ثم يتحرك الأمريكيون و المبررات المصطنعة دائماً أمامهم لخداعنا ، كما عملوا في أفغانستان ، و نحن بطبيعتنا نحن اليمنيين نشتغـل بالمجان إعلامياً في نشر تلك المبررات الواهية و الركون إليها . فتنقـل التبرير بالمجان و تعممه على أوساط الناس ، و كل واحد ينقل الخبر إلى الآخر إلى أن يترك أثره .
إسرائيل مع العرب استخدمت هذا الأسلوب ، إسلوب الخداع ، هدنه ، مصالحه ، حتى تتمكن أكثر و تستقوي أكثر ، ثم تضرب ، فإذا ما تحاربوا قليلاً جاء وسيط من هنا أو هناك و قال: صلح ، و تصالحوا , أو هدنة ، و قبلوا ، وهكذا حتى رأوا أنفسهم أن وصل بهم الأمر إلى أن إسرائيل لم تعد تقبل لا صلح و لا هدنة و لا مسالمة و لا شيئاً كما نشاهده اليوم.
كان الإمام الخميني رحمة الله عليه يحذر الشيعة من هذا النوع من الخداع قال: يكفي الشيعة ما حدث في صفين أن ينشق آلاف من جيش الإمام علي الذين أصبح بعضهم فيما بعد يسمون بالخوارج ، خـُدعوا عندما رفع معاوية و عمرو بن العاص المصاحف و قالوا: ( بيننا و بينكم كتاب الله ) عندما أحسوا بالهزيمة.

الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و كان الإمام الخميني رحمة الله عليه يحذر الشيعة دائماً من الخدعة ، أن لا ينخدعوا مرة ثانية .
وهل تعتقد أنه يمكن أن يصل الأمريكيون إلى اليمن أو يقوم أحد بعمل يخدم الأمريكيين ثم لا يضع تبريرات مسبقة يقدمها و تسمعها من التلفزيون ، وتراها في الصحف ، و تسمعها من الإذاعة ، ويتداولها الناس فيما بينهم بالمجان ، هذه من السيئات .
لا يجوز لك أن تنقل أي تبرير أبداً ، أي تبرير تسمعه و لو من رئيس الجمهورية يبرر وجود أمريكيين أو يبرر بعمل هو خدمة للأمريكيين من أي جهة كان ، لا يجوز أن يتداول الناس مثل هذه التبريرات ، هذه أول قضية يجب أن نحذر منها . لأن طبيعة الفضول التي فينا طبيعة الكلام الكثير و الهذر الكثير يجعلنا نتحدث بأشياء و لا ندري بأنها تخدم أعدائنا ، هذه طبيعتنا ، و هي طبيعة غريبة في العرب بصورة عامة و فينا نحن اليمنيين خاصة.
لاحظ بعد أن يقال : أن الأمريكيين وصلوا ، كيف ستنطلق التحليلات المتنوعة و الغريبة ، وكيف سيقول الناس ، أناس سيقولون : نحن سنجمع البر ، و أناس يقولون كذا و كذا، يتخوفون من حصار مطبق . و نحن نقول الآن : قضية الحصار قد جربوا الحصار ضد العراق و جربوا الحصار ضد إيران و لم يعمل شيئاً ، الدنيا مفتوحة من كل الجهات ، و يحصل حتى تهريب دوري ، أليس العراق في حصار ، قبل سنة كنا في العراق و رأينا كل شيء في العراق متوفر ، أسواق كثيرة مليئة بالمواد الغذائية ، الصيدليات مليئة بالأدوية ، كل شيء في العراق متوفر أكثر من الأردن وأرخص بكثير من الأردن ، إنما بالنسبة للعراقيين أنفسهم العُملة هبطت قيمتها جداً، القدرة الشرائية هي التي فيها صعوبة لديهم ، و حتى منتجاتهم المحلية كانوا يتمكنون من توريدها عن طريق تركيا ، مثل التمور ، و عن طريق جهات أخرى . و بضائع كثيرة تدخل عن طريق الأردن . ما كنا نلمس في العراق أن هناك حصاراً . إيران كذلك حوصر و لفترة طويلة . الدنيا الآن مليئة بالمنافذ و الدول الكبرى تتسابق ، أي شعب تحاول أمريكا أن تفرض عليه الحصار تحاول الصين أو فرنسا و غيرها أن تتودد إليه و تتقرب
له .
لا تعتقد أن أمريكا تستطيع أن تقفل عليك داخل غرفة فلا يدخل إليك لقمة من الطعام ، ولا حبة دواء ، و لا أي شيء .
هناك دول أخرى ستتسابق هي إلى أن تحل منتجاتها ، أو يحل التعامـل معها مع اليمنيين بدل التعامل من قـِبَل الأمريكيين أو الدول التي لها علاقة بهم .
المـفروض أن الناس يكون لهم موقف واحد ، هو أن يغضبوا لماذا دخل الأمريكيون اليمن ، إلى هنا انتهى الموضوع ، تحليلات ، تبريرات كلها لا داعي لها ، تخوفات و قلق قد يدفعنا إلى الصمت ، كلها يجب أن نبتعد عنها . الموقف الصحيح و الذي يحل حتى كل التساؤلات الأخرى التي تقلقك ، هو أنه : لماذا دخل الأمريكيون اليمن ؟ و يجب على اليمنيين ألا يرضوا بهذا و أن يغضبوا ، و أن يخرجوهم ، تحت أي مبرر كان دخولهم ! أليس في هذا ما يكفي ؟
فليكن كلامنا مع بعضنا البعض أنه لماذا دخلوا بلادنا ؟ و من الذي سمح لهم أن يدخلوا بلادنا ؟ هل دخلوا كتجار ؟ هناك شركات أمريكية تعمل و هي التي تستولي عل نسبة كبيرة من بترول اليمن ، لكن أن يدخل جنود أمريكيون و يحتلوا مواقع ، يصيح الناس جميعاً : أين هي الدولة ؟ من الذي سمح لهم ؟أين هو الجيش الذي ينهك اقتصاد هذا الشعب بنفقاته الباهظة ؟
ثم الناس لا يسمحوا أبدا ً لأنفسهم أن يقولوا : هذه القضية تخص الدولة ، أو تعني الدولة ، الدولة نفسها ليس لها مبرر أن تسمح ، و لا الدستور نفسه يسمح لمسئول أن يسمح بدخول الأمريكيين إلى اليمن ، و اليمنيون يستطيعون هم إذا ما كان هناك اعتداء من شخص ـ إعتداء بمعنى الكلمة ـ ضد أمريكيين أو ضد مصالح أمريكية مشروعة فالقضاء اليمني هو صاحب الكلمة في هذا و لا حاجة لدخول الأمريكيين إطلاقاً
و إذا ما دخلوا... لاحظ كيف كان دخولهم إلى أفغانستان ، دخلوا إلى أفغانستان و أوهموا الأفغانيين أنهم يريدون أن يضعوا أو أن يصنعوا حكومة حديثة و عصرية و تستقر في ظلها أوضاع البلد ، وبالتأكيد لن يدعوا البلاد تستقر ، بدأ الخلاف ، بدأ الحرب بين الفصائل و سمعنا أن تلك الحكومة لا تستطيع أن تحكم أكثر من داخل (كابول) . لا يتجاوز نفوذها إلى خارج مدينة (كابول) . و ما تزال الأعداد من الجنود من أسبانيا و من دول أخرى يتوافدون إلى أفغانستان من أجل أن يحافظوا على السلام، و أن يحافظوا على استقرار المنطقة ـ هكذا يقولون ـ يعملوا قلاقل دائماً لتبرر لهم تواجدهم بصورة مستمرة .
إذا دخلوا اليمن و كما قال الله { إِنَّ الْمُلُوكَ إِذَا دَخَلُوا قَرْيَةً أَفْسَدُوهَا وَجَعَلُوا أَعِزَّةَ أَهْلِهَا أَذِلَّةً وَكَذَلِكَ يَفْعَلُونَ}( 34 سورة النمل) . لا تدخل الشركات الأمريكية بلداً إلّا و تستنزف ثرواته ، إلّا و تستذل أهله ، لا يدخل الأمريكيون بلداً إلّا و يستذلون أهله ، لكن بأي طريقة ؟ عن طريق الخداع لحكوماتهم ، لشعوبهم ، تبريرات يصنعونها و نصدقها بسرعة ، ونوصلها إلى بعضنا البعض ، نوصلها بشكل من يريد أن يقبل منه الآخر ما يقول ، أي نحاول أن نقنع الآخرين بهذا المبرر ، هذا ما يحصل ، تتحرك أنت لتقنع الآخر بالتبرير ، لكن من حيث المبدأ ليس هناك أي مبرر لوجودهم ، أليس هذا هو الأصل ؟ فكل مبررات هي فرع على أصل فاسد ، إذا كان في الواقع ليس هناك أي مبرر لوجودهم فأي مبرر لأي عمل يعملونه أو يصطنعونه لوجودهم فهو فرع على أصل فاسد ، نحن على يقين منه.
ومن هو اليمني ؟ من اليمنيين ؟ أي مواطن يرى أو يعتقد أنه من الممكن أن يكون هناك مبرر لتواجد الأمريكيين ؟ هل نحن شعب صغير كالبحرين مثلاً ؟ أم أن اليمن نحو ستة عشر مليوناً. و ليس اليمن في حرب مع دولة أخرى فيأتي الأمريكيون ليساعدونا بناءً على اتفاقيات بين الدولتين ، إذاً جاءوا ليستذلوا اليمنيين ، جاءوا ليضربوا اليمنيين ، جاءوا ليقولوا : ( هذا إرهابي ، وهذه المدرسة إرهابية ، و هذا المسجد إرهابي ، و هذا الشخص إرهابي و تلك المنارة إرهابية ، و تلك العجوز إرهابية ) . و هكذا لا تتوقف كلمة إرهاب .
لاحظوا كيف الخداع واضح، ( القاعدة ) ـ التي يسمونها القاعدة ـ تنظيم أسامة بن لادن ، ألست الآن ـ من خلال ما تسمع ـ يصورون لك أن القاعدة هذه أنتشرت من أفغانستان ، وأصبحت تصل إلى كل منطقة ، قالوا : إيران فيها ناس من القاعدة ، و الصومال فيها ناس من تنظيم القاعدة ، و اليمن احتمال أن فيه ناس من تنظيم القاعدة ، والسعودية فيها ناس من تنظيم القاعدة، و هكذا ، من أين يمكن أن يصل هؤلاء؟ أليس الأمريكيون مهيمنون على أفغانستان ؟ و عن أي طريق يمكن أن يصلوا إلى اليمن أو يصلوا إلى السعودية أو إلى أي مناطق أخرى دون علم الأمريكيين ؟
هذا كما يقال ( قميص عثمان ) أنتم في قريتكم واحد من القاعدة ، تربى في بيتكم واحد من تنظيم القاعدة ، و هكذا . و قالوا إيران فيها تسعة عشر شخص هم من تنظيم القاعدة ، إذن إيران تدعم الإرهاب . قد يكونوا هم يعملوا على ترحيل أشخاص و تمويلهم ليسافروا إلى أي منطقة ليصنعوا مبرراً من خلال وجودهم فيها ، أن هناك في بلادكم من تنظيم القاعدة ، إذن أنتم إرهابيون على قاعدة { و من يتولهم منكم فانه منهم }فما دام في بلادك واحد من تنظيم القاعدة فإذن كلكم إرهابيون . أليس هذا خداع ؟ وأليس هذا خداع أن تتناوله أيضاً وسائل الإعلام ، الصحفيون ، الإخباريون ، محطات التلفزيون التي تتسابق و تتسارع إلى أي خبر دون أن تفكر في أنه قد يكون خدعة ، هي تعمل على نشره .
الأخبار قضية مهمة ، الله أمر المسلمين أن يكونوا حكماء في أخبارهم و في نقل أخبارهم ووبّخهم و اعتبرها خصلة سيئة فيهم {وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ }( 83 سورة النساء) . أذاعوا أخبار ، قالوا يريدون قالوا .. قالوا .. { وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ } (83 سورة النساء).

الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

إذاً يجب أن يكون للمواطنين موقف باعتبارهم مسلمين ، وأولئك يهود و نصارى دخلوا بلادهم ، و أن يكون للعلماء موقف ، و أن يكون للدولة موقف ، و أن يكون للجميع موقف ، هو ما يمليه عليهم دينهم ووطنيتهم .
وأولئك الذين يقولون : ماذا يعني أن ترفعوا هذا الشعار :

الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

قل : إذاً وصل الأمريكيون ، إذن أرنا ماذا تعمل أنت ؟ ألم يأن لك أن ترفع هذا الشعار ؟ و إذا كنت ستلزم الحكمة التي تراها أنت ، السكوت الذي هو من ذهب ، فمتى سيتكلم الناس ؟ و متى سيصرخ الناس ؟ و متى سيقف الناس ؟ هل بعد أن يستذلهم و أن يضرب الله عليهم أيضاً من عنده الذلة و المسكنة حينها يرى كل يمني ما يؤلمه و لا يستطيع أن يقول شيئاً .
إذاً نحن ـ والذي كنت ألمسه عندما أتحدث مع الناس مع أنكم فعلاً من أكثر الناس وعياً و أكثر الناس فهماً ـ لكن كنت ألمس أن الناس بعد لم ينظروا للقضية بأنها فعلاً قضية واقعية و خطيرة فعلاً ، و أنه يجب أن يكون لهم موقف ، ما استطعت أن ألمس إلى الدرجة التي أطمئن إليها فعلاً ، يبدوا لي و كأن القضية هي تعاطف من جهة ، و صداقة من جهة ، و احترام من جهة ، و تصديق أيضاً من جهة ، لكن في الداخل لا ألمس بأنه فعلاً أصبح مستقراً في قرارة أنفسنا أننا نواجه خطراً و أن مواجهة الخطر هي أن تعمل ضده ، لا أن تسكت ، وتدس رأسك في التراب كالنعامة .
إذاً نحن بعد هذا الخبر ـ أعني خبر دخول الأمريكيين اليمن ـ هل استطعنا أن نفهم ؟ هل فهمنا الآن ؟ هل تيقنا ؟ هل تأكدنا ؟ إذاً هذا هو المطلوب { ربنا أبصرنا و سمعنا }.

الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و على الرغم من هذا تجد أن أولئك الذي هم قد يكونون في واقعهم جبناء لكنهم يصبغون جبنهم بالحكمة سيكونون هم من يقولون للناس اسكتوا ، لا تكلّفوا علينا ). و عندما نقول : هم الآن وصلوا اليمن يقول لك أيضاً : لأنهم في اليمن اسكت ، سيصنع المبرر كما يقول المثل العربي (لا تَعدَم الخرقاء علّة ) يستطيع أن يأتي بعلة ، يستطيع أن يأتي بعذر .
نقول : إذا سكتنا ـ و هذه الكلمة التي أقولها دائماً ـ إذا سكتنا هل هم ساكتون ؟ هل هم نائمون ؟ أم
أن سكوتنا سيهيئ لهم الساحة أن يعملوا ما يريدون . أم أن سكوتنا يعني أن يطمئنوا من جانبنا أننا أصبحنا لا نشكل عليهم أي شيء يزعجهم و يقلقهم ، إذاً فهم سيحترموننا ؟ أم ماذا سيعملون ؟ هل سيحترموننا لأننا سكتنا ؟ هل عدوك يحترمك إذا ما سكت ؟ أبداً لا .إذاً نقول لأولئك الذين يقولون أو سيقولون كما قالوا في الماضي : اسكتوا . أو يقولوا : لا مبرر لهذا . أو لماذا تتفاعلوا هكذا ؟ نقول : أنتم برروا لنا سكوتكم من أي منطق هو ؟ هل أنه على أساس من كتاب الله سبحانه و تعالى ؟؟ فأنتم تخاطبوننا باسم القرآن ؟! أن القرآن فهمتم منه أن نسكت فهاتوا برهانكم إن كنتم صادقين .
أم أنكم تريدون أن نسكت لأن السكوت سيكون فيه سلامتنا أمام أعدائنا ؟ إذاً سنسكت و لكن أنتم انطلقوا و أخرجوهم من اليمن ، جربوا أنفسكم ، جربوا السكوت ، جربوا الحكمة ، هل تستطيعون بسكوتكم أن تعملوا على إخراجهم من اليمن ؟ لا . إذاً فعندما تقولون لنا : أن نسكت ، نحن لا نرى أي مبرر للسكوت أبداُ إلّا قولكم أننا قد نثيرهم علينا . هم أساساً مستثارون من يوم هم أطفال في مدنهم و قراهم ، ثقافتهم ، تربيتهم ، كلها قائمة ضدنا نحن المسلمين ، ضد العرب ، فهو من أصله بثقافته ، بتربيته ، هو مستثار ضدك لا أحتاج إلى أن أستثيره من جديد .
هل اليمنيون أثاروا الأمريكيين أن يأتوا ؟ ماذا عمل اليمنيون ؟ هل عملوا شيئاً يستثير الأمريكيين أن يأتوا ؟ أم أن اليمنيين هم من قدموا الجميل للأمريكيين يوم انطلقوا استجابة لدعوة ( الزنداني ) و أمثاله ، الذين خدعوا كثيراً من شباب اليمن ، أن ينطلقوا للجهاد في سبيل الله في أفغانستان لجهاد الشيوعية و الرئيس قالها : ( أن ذلك كان بأمر من أمريكا ) أليس يعني أن ذلك كان خدمة لأمريكا ؟ إذاً لماذا أمريكا تعتبر تلك الخدمة أنها عمل إرهابي ، أنه إذا ً أنتم منكم إرهابيون ، و أنتم كنتم تَدَعون الإرهابيين يتحركون . هم من أمروا و عملاؤهم من نفذوا ، وأولئك الشباب المسكين هم من خُـُدِعوا، وقد يكون بعضهم انطلق على أساس ـ فعلاً ـ الجهاد في سبيل الله في أفغانستان ، و أفغانستان في مواجهة الشيوعية ، نقول لهم : لكن انظروا اتضحت الأمور فيما بعد أن ذلك كان بتوجيه من الأمريكيين ، إذاً فهو خدمة للأمريكيين من جهة ، أليس كذلك ؟ فما بال الأمريكيين الآن يعدون تلك الخدمة ، يعدونها إساءة ، يعدون ذلك الجميل إساءة ؟! ماذا يعني هذا ؟ ألم يظهروا هنا أسوأ من الشيطان ؟ و فعلاً عندما قال الإمام الخميني : أن أمريكا هي ( الشيطان الأكبر ) فعلاً مواقفها مواقف الشيطان تماماً ، الشيطان بعد أن يضل الناس في الدنيا ، و هم في الدنيا يتحركون كما يريد ، أليس كذلك ؟ ماذا سيقول يوم القيامة ؟ {وَقَالَ الشَّيْطَانُ لَمَّا قُضِيَ الأَمْرُ إِنَّ اللّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدتُّكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُم مِّن سُلْطَانٍ إِلاَّ أَن دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلاَ تَلُومُونِي وَلُومُواْ أَنفُسَكُم مَّا أَنَاْ بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَآ أَشْرَكْتُمُونِ مِن قَبْلُ } (22 سورة إبراهيم) . ألم يكفر الأمريكيون الآن بالجميل الذي قدمه الشباب اليمني عندما انطلقوا للجهاد ضد الشيوعية ، التي كان من أهم الأشياء لدى أمريكا أن تخرج من أفغانستان ، و كان يهمها أن تخرج من أفغانستان ، إذاً كفرت بما أشركوها من قبل .
و هكذا حتى السعودية تواجـَه بهذا الموقف ، السعودية من كانت تدعم ، سواء دعم وزاري ، أو دعم من تجار ، يدعمون الوهابيين في مختلف المناطق ، أليس ذلك معروفاً ؟؟ الآن أصبحت السعودية يقال لها أنها ارتكبت جريمة ، هي أنها تدعم الإرهاب ، من كانوا يقولون لهم ادعموهم فيدعمونهم موافقة ً لهم و طبقاً لتوجيهاتهم ، يصبح ذلك الدعم نفسه و تنفيذ تلك التوجيهات نفسها هو دعم للإرهاب .
هكذا ( الشيطان الأكبر ) . يعمل الإمام الخميني عندما قال هذه الكلمة ضدها لم يقلها مجرد كلمة ، يفهم أنه اسم على مسمى ، و أن تصرفاتها هي تصرفات الشيطان تماماً .. الشيطان يحزب الناس معه .. أليس كذلك ؟ و عندما يحزبهم معه هل ذلك على أساس أن يقودهم معه ـ بشكل معارضة ـ إلى الحرية و الديمقراطية و إلى التطور و التقدم و إلى ما فيه كرامتهم و عزتهم في الدنيا و الآخرة ؟ أم أنه يريد ماذا ؟ الله قال عنه : { إِنَّمَا يَدْعُو حِزْبَهُ لِيَكُونُوا مِنْ أَصْحَابِ السَّعِيرِ} (6 سورة فاطر). و هكذا أمريكا تعمل ، تجمع الناس حولها ، ثم حزبها تدعوهم ليكونوا من أصحاب السعير ، بل هي نفسها تذيقهم السعير في الدنيا .

الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

إذاً فإذا كنا نقول في الماضي أنه لا ينبغي أن نسكت أمام أي جهة تقول لنا أن نسكت يصبح الآن الموضوع أكثر أهمية .
و من جهة أخرى نطمئن إلى أن عملنا قد كان ـ إن شاء الله ـ بتوفيق الله ، أن عملنا هو بتوفيق الله ، و أن عملنا هو العمل الذي تتطلبه الظروف ، ظروف الأمة ، وظروف اليمن ، ظروفنا كمسلمين ، وواقع ديننا ، و واقع أمتنا ، أليس هذا هو ما يمكن أن نكتشفه ؟ فهل اكتشفنا أننا أخطأنا ـ كما يقول الآخرون ـ أم اكتشفنا أننا بحمد الله على صواب و نحن نعمل هذا
العمل ؟
إذاً هذا هو مما يزيدنا يقيناً ، و هذا ـ فيما أعتقد ـ هي من البشارات التي قال الله فيها عن أولياءه {لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَياةِ الدُّنْيَا وَفِي الآخِرَةِ } (64 سورة يونس ). البشارات تأتي ـ أحياناًـ بشكل طمأنة لك في أعمالك أنها أعمال صحيحة ، و أنها أعمال مستقيمة ، و أنها الأعمال التي تتطلبها المشكلة ، و يتطلبها الزمن ، و يتطلبها الواقع .
هل أحد من البشر يرتاح إذا أكتشف أنه مصيب ، إذا أكتشف نفسه أنه محق ؟ الإنسان يرتاح ، كما يتألم إذا أكتشف نفسه أنه أخطأ ، مع أن الأخطاء في مجال الأعمال الدينية أشد خطورة من الأخطاء في مجال أعمال الدنيا ، عندما تكتشف نفسك أنك ذريت الذرة قبل وقتها فأكلتها الطير ، أليس الإنسان يتألم أنه يخطئ ؟ أو أنك قطفت قاتك و ليس السوق مربحاً ، أليس الإنسان يتأسف ؟
و إذا ما صادف أن أحدنا قطف قاته و صادف سوقاً مربحاً و حصل على مبالغ كبيرة ، أليس يفرح ؟
في أعمال الدين ، في الأعمال التي هي لله رضى أنت تنطلق فيها على أساس رضى الله سبحانه و تعالى أن تحظى برضاه تفرح كثيراً عندما ترى بأن عملك صواباً ، و أن تحركك في موقعه ، وفي وقته ، و أنه على أساس من هدي الله سبحانه و تعالى { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } (58 سورة يونس) و قال أيضاً {الم غُلِبَتِ الرُّومُ فِي أَدْنَى الْأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ فِي بِضْعِ سِنِينَ لِلَّهِ الْأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ يَنصُرُ مَن يَشَاء } (1-5 سورة الروم) . هو يتحدث عن المؤمنين بأنهم يفرحون متى ما حققوا شيئاً فيه لله رضى ، و يفرحون متى ما اكتشفوا أنفسهم أنهم يسيرون على طريق هي طريق الله ، ويفرحون عندما يكتشفون أنفسهم أنهم استطاعوا أن يغلبوا أعداء ، هكذا المؤمنون يفرحون.
إذا كنت لا تفرح بأي إنجاز تعمله من الأعمال الصالحة و أنت في ميدان المواجهة مع أعداء الله فإن ذلك يعني أن العمل الذي تتحرك فيه ليس ذو أهمية لديك ، فنتائجه ليست مهمة بالشكل الذي يجعلك تفرح و ترتاح { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ بِنَصْرِ اللَّهِ } { قُلْ بِفَضْلِ اللّهِ وَبِرَحْمَتِهِ فَبِذَلِكَ فَلْيَفْرَحُواْ } . الشيء السيئ هو أن يكتشف الناس أنفسهم كل فترة أنهم فعلاً قصروا
وأنهم فعلاً فاتتهم الفرصة ، و أنهم فعلاً أخطئوا ، و أنهم ...و أنهم...
أن يعيش الناس أعمارهم حسرات هذا هو الشيء الذي ينافي الإيمان ، هذا هو الشيء الذي هو من نتائج الإهمال و التقصير ، هو الشيء الذي يجنيه المقصرون فيقولون : أبو فلان و الله لو كان ...لو كان ...لو أن ..ألم يعرض الله عبارة ( لو أن ) هي عبارة حسرة و ندم يقولها المقصرون { لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤُواْ مِنَّا } (167 سورة البقرة) . { لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ} (58 سورة الزمر) . لو ... لو ...تكررت كثيراً في القرآن ، منطق من ؟ منطق المقصرين ، لكن من يعملون و يتجهون في سبيل الله بأعمالهم هم حتى و لو افترض الأمر أنه أخطئوا في موقف معين ، أو في يوم معين ، أو في حركة معينة ، فإنهم أيضاً من سيستفيدون من أخطائهم ، لكن أولئك المقصرين هم عادة لا يستفيدون من أخطائهم ، لأن المقصر هو من يضيع الفرص ، و ( إضاعة الفرصة غصة ) كما قال الإمام علي عليه السلام و ( الفرصة تمر مر السحاب ) كما قاله هو أيضاً . المهملون ، المتخاذلون ، المقصرون ، هم عادة يفوتهم أن يتداركوا تقصيرهم في كثير من الحالات ، لكن من ينطلقون في الأعمال سيكتشفون أنهم أصابوا فيفرحوا ، و قد يكتشفون أنهم أخطئوا في موقف معين أو في قرار معين هم أيضاً من سيستفيدون من خطأهم ، ما هي أسبابه ؟ منشئوه ؟ نتائجه ؟ فيصححون وضعيتهم من جديد ، يستفيدون من أخطائهم و هكذا المؤمنون يستفيدون حتى أيضاً من أعدائهم .
من عظمة الإسلام أنك عندما تتحرك له تجد كل شيء يخدمك حتى أعداؤك . لماذا ؟ لأنك عندما يكون موقفك حق ، و منطقك حق ، أوليس موقف الحق و منطق الحق هو الذي ينسجم مع فطرة الإنسان و كرامته ؟ الطرف الآخر الذي هو عدوك هو بالطبع عدو مبطل ، كل ما يأتي من جانبه باطل ، وكل ما يقوله ضدك هو بالطبع يكون باطلاً ، و كل موقف أو تحرك من جانبه يحصل ضدك هو أيضاً باطل ، و من كله باطل تستطيع أن تغذي حركتك ، تستطيع أن تزيد الناس من حولك بصيرة لتقول لهم : انظروا ماذا يعملون ، انظروا ماذا قالوا : و كيف تؤدي أعمالهم ، أو تؤدي أقوالهم إلى نتائج هكذا .
منطق القرآن أليس على هذا النحو ؟ أليس هو في سورة التوبة مَن أوضح لنا باطل أهل الكتاب ، ليزيدنا بصيرة من خلال فهمنا لواقعهم و ما هم عليه من باطل ، وكيف ستكون نتائج باطلهم فيما إذا سادوا في هذه الدنيا ، و فيما إذا استحكمت قبضتهم على أي أمة أو أي مجتمع ، فيزداد الناس بصيرة .
وإذا كنت تنطلق في ميادين العمل أنت أيضا من ستعرف المتغيرات , و تعرف الأحداث ، و تعرف الأمور فتلمس فيها كل ما يعتبر فرصة لك لتعمل ، لتتحرك ، لتقول ، لكن من يتخاذلون ، لا يستفيدون من عدو ، بل لا يستفيدون من هدي الله الذي هو القرآن الكريم ، و تمر الأحداث و تَدَاولُ الأيام فلا يفهمون شيئاً ، لا يعرف أن هذا الحدث في صالحهم لو كان من العاملين ، وأنه لو كان هناك حركة لاستطاعت أن تستغل هذا الحدث فيكون استغلاله هو ما يخدم أهدافها و ما يعزز من قوتها ، لهذا تجد المتخاذل عمره متخاذل ، تمر أربعون سنة و هو على وضعية واحدة ، و الدنيا أمامه مقفلة ، لأنه ساكت ، لأنه جامد ، لأنه معرض بذهنيته ، فمتى يمكن أن يعرف أن هذه الحركة أو هذا الحدث أو هذا الأمر الطارئ هو مما سيكون أيضاً من العون لأهل الحق في ضرب أهل الباطل ، لا يفهم شيئاً من هذا .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و أنا أقول دائماً و أكرر : المؤمنون هم من قال الله عنهم {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُواْ لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ} (173 سورة آل عمران) . زادهم إيماناً ، و كلمة ( زادهم إيماناً ) تعني الكثير من صور الحدث التي تعزز الإيمان في نفسك .
قد يكون ذلك الحدث الذي يخوفك به الآخرون هو ما زادك إيماناً من جهة أنك اكتشفت أن تحركك و إن عملك كان في محله ، أوليس هذا من زيادة الإيمان ؟ فتكون واثقاً من نفسك ، واثقاً من عملك ، تزداد إيماناً .
أيضاً عندما تعرف أن عدوك تحرك ، لماذا تحرك ؟ هو أنه أصبح ينظر إليك أنك أصبحت رقماً كبيراً ، و أنك أصبحت تشكل خطراً بالغاً عليه ، أوليس هذا ما يسعد الإنسان المؤمن أن يعلم من نفسه أن عمله له أثره البالغ في نفوس الأعداء ؟ فعندما يتحرك الآخرون ضدك فاعرف أن عملك ذلك كان أيضاً عملاً له أثره الكبير ، و أن تحركك في مواجهة أعداء الله يُحسب له ألف حساب ، سيكون ذلك من جانبهم شهادة لك بأن موقفك حق ، لأن عملك ضدهم هو منطلق حق ، أليس كذلك ؟ أي أن هذا الحق حرك الباطل هناك ، فلو كان موقفي باطل لكان منسجماً مع ذلك الباطل ، أليس كذلك ؟ لأن الحق ضد الباطل ، و الباطل ضد الحق ، لا ينسجمان .
و لهذا كان يقول الإمام الخميني رحمة الله عليه : ( نفخر أن يكون أعدائنا كأمريكا ، و هذا مما يزيدنا بصيرة ) . و كان يقول ـ معنى عبارته ـ ( لو أنني رأيت أمريكا تنظر إليّ كصديق لشككت في نفسي ) .
إذاً فصحّت موقفك ـ و أنت تتحرك على أساس من الحق ـ يشهد له تحرك أعدائك ضدك ، أليس هذا مما يزيد المؤمن إيماناً؟
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و من جانب آخر ، الإنسان و هو في ميدان العمل يكون مطلوب منه أن يزداد ثقة بالله و التجاء ً إليه ، و توكلاً عليه ، و اعتماداً عليه ، أليس هذا هو ما يوصي به الله أولياءه و المجاهدين في سبيله في القرآن الكريم ؟ . { وَعَلَى اللّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ}( 122 سورة آل عمران) . أنت إذا لم تكن في مواجهة عدو يشكل خطورة عليك سيكون التجاؤك إلى الله ضعيفاً أو عادياً ، لكن و
أنت تواجَه من هذا ، و تواجَه من هنا ، و أنت بإيمانك القوي بالله سبحانه و تعالى ماذا سيحصل ؟ ستزداد ‘اعتمادا على الله ، و تقوى ثقتك بالله ، و تكون أكثر شعوراً بالحاجة الماسة إلى الالتجاء إلى الله ، أوليس هذا من زيادة الإيمان ؟ حينئذ ستكون ممن يؤهل نفسه لأن يكون الله معه ، و لهذا قال { و قالوا حسبنا الله } أليست هذه عبارة التجاء إلى الله ؟ نحن من الله ، و في سبيل الله ، و إلى الله ، و ولينا هو الله ، إذاً الله سيكفينا { حسبنا الله } هو كافينا { حسبنا الله و نعم الوكيل } أليست هذه عبارة توحي بعمق في الإيمان ؟ { فَزَادَهُمْ إِيمَاناً وَقَالُواْ حَسْبُنَا اللّهُ وَنِعْمَ الْوَكِيلُ فَانقَلَبُواْ بِنِعْمَةٍ مِّنَ اللّهِ وَفَضْلٍ لَّمْ يَمْسَسْهُمْ سُوءٌ } (سورة آل عمران من الآيتان 173 و 174) لاحظوا قالوا حسبنا الله و ازدادوا إيماناً . و طبعاً الإنسان الذي يزداد إيمانه ، أليس هو من يزداد ثباتاً و استقامة في مواقفه ؟ لا تتصور أن زيادة إيمانك تكون نتيجتها أن يضعف موقفك ، و أن تهتز قدماك من الموقع الذي أنت فيه أبداً ، لا تضعف نفسية الإنسان ، و لا يرتجف فؤاده ، و لا تزل قدماه ، و لا يفقد الاستقامة ، إلا إذا ضعف إيمانه ، فأنت إذا ما ارتبكت أمام الأحداث فإنك أيضاً من يهيئ نفسه لأن يبتعد عن الله فيبتعد الله عنه ، فأنت حينئذ من تساعد عدوك على نفسك لأنه إذا ما ابتعد الناس عن الله فإنهم يضعفون و بالتالي فهم من يهيئون أنفسهم ليصبحوا لقمة سائغة لأعدائهم . لكن من يزداد إيمانهم في مواجهة الأحداث هم من يؤهلون أنفسهم لأن يكون الله معهم ، و متى كان الله معهم فإنه هو سبحانه من يجعلهم ينقلبون بنعمة من الله و فضل لم يمسسهم سوء و اتبعوا رضوان الله .
هكذا يوجهنا القرآن . و الله سبحانه و تعالى هو الذي وجه التوجيهات العجيبة التي لا مجال للضعف معها ، لا مجال للخوف معها ، يسد عليك منافذ الخوف ، يسد عليك منافذ الضعف .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

{ الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم }أليست هذه الكلمة يقولها كثير من ضعفاء النفوس ، و ضعفاء الإيمان { إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } كأنه لا يعد نفسه من الناس ، و فعلاً المنافق هو غير محسوب و غير معدود من الناس ، هو ليس من الناس لا من الكافرين و لا من المؤمنين ، هو ليس بشيء ، هو أسوأ الناس {مُّذَبْذَبِينَ بَيْنَ ذَلِكَ لاَ إِلَى هَؤُلاء وَلاَ إِلَى هَؤُلاء} (143 سورة النساء). هم من انقطعوا إلى الشيطان ، و هم من أصبحوا أولياء للشيطان أكثر من ولاء اليهود و النصارى و الكافرين له .
{ إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم } ضعيف الإيمان كما أسلفنا هو من يرتبك ، عندما ترتبك وأنت مؤمن ، و أنت مصدق بالقرآن ، ما الذي يدعوك إلى أن ترتبك أو أن تقلق أو أن تخشى ؟!! هل أنك لم تجد في كتاب الله ما يشد من عزيمتك ؟ ما يرفع معنوياتك؟ هل القرآن أهمل هذا الجانب ؟ لم يهمله و ما أكثر ما تحدث عنه داخل الآيات التي تحث الناس على الجهاد ، على المواجهة ، على البذل ،على الاستبسال ، يؤكد أنه مع الناس ، مع أولياءه.
هو من بلغ الأمر فيه إلى درجة أن يفضح أمامك واقع أعدائك أكثر مما يمكن أن تصل إليه بجهازك الأمني ، بمخابراتك.
ما هي مهمة المخابرات ؟ أليس من مهامها أن تتعرف على العدو ؟ وتتعرف نقاط الضعف فيه ؟ و تتعرف على الفرص المواتيه لضربه ؟ لتعرف أنه بإمكان هذه الجهة أن تضرب تلك الجهة ؟ الله قد كشف لك الموضوع كاملاً بطريقة مؤكدة ، قد تكون تقارير المخابرات غير حقيقية ، قد يكون فيها نوع من المبالغة ، قد يكون فيها أخطاء ، و هي تعمل على أن تكشف لك ضعف جانب عدوك لتضربه ، أما الله فإنه هو الذي أكد بالشكل الذي يجعل عدوك مفضوحاً أمامك في واقعه ، مهما كان لديه من قوة ، مهما كان لديه من إمكانيات ، مهما كان لديه من وسائل يُرهب بها ، إذا ما كنت أنت من أعد نفسه الإعداد الجيد في إيمانك ، في ثقتك بالله ، و في إعداد ما يمكنك أن تعده أيضاً ، حينها الله قال لك عن عدونا من الكافرين ، عن عدونا من اليهود و النصارى {لَن يَضُرُّوكُمْ إِلاَّ أَذًى وَإِن يُقَاتِلُوكُمْ يُوَلُّوكُمُ الأَدُبَارَ ثُمَّ لاَ يُنصَرُونَ} (111) سورة آل عمران .
أي جهاز مخابرات يستطيع أن يؤكد لك بأنك إذا دخلت في معركة مع هذا العدو فإنه سيوليك دبره ، أنه يسفر من أمامك ، هل هناك أحد في الدنيا يمتلك مخابرات تؤكد له هذا ؟ لا أمريكا نفسها ، و لا روسيا ، و لاغيرها ، كلها تقارير ، احتمالات ، يحتمل أننا إذا ما اتخذنا ضدهم كذا ربما تكون النتيجة كذا ، و هكذا احتمالات ، أما الله فهو من أكد بعبارة ( لن ) { لن يضروكم إلا أذى و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } و يقول كذلك عن الكافرين {وَلَوْ قَاتَلَكُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوَلَّوُا الْأَدْبَارَ } (22) سورة الفتح.
إن الله يقول للناس اهتموا جداً بإصلاح أنفسكم ، بإعداد أنفسكم ، بتهيئة ما يمكنكم إعداده ، و لتكن ثقتكم بالله كبيرة ، و هو من سيكون معكم ، و هو من سيتولى أن يزرع الرعب في قلوب أعدائكم ، و هو من يعمل لكم الكثير إلى درجة أن يكشف لكم واقع عدوكم . ألم يوفر الله على أولياءه الكثير الكثير من العناء ؟ ألم يصنع الكثير الكثير مما يطمئنهم ؟ ألم يعمل الكثير الكثير مما يؤيدهم و يشد من أزرهم ؟ بلى ، لكننا نحن متى ما انفردنا بأنفسنا و ابتعدنا عن الله سنجد كل شيء مخيف ، و نجد كل شيء مقلق ، و نجد الآفاق مظلمة ، و الأجواء قاتمة ، و تجد قلبك يمتلئ رعباً متى ما انفردت بنفسك ، لكن عد إلى الله ، و عد إلى كتابه ستجد ما يجعل كل هذه الأشياء لا وجود لها في نفسك . فالإنسان الذي يقلق أو يرتبك أو يضعف ليعرف أنه في تلك الحالة و هو يرتبك أنه يجلس مع نفسه ، و هو كإنسان ضعيف ، لكن اجلس مع الله ستجد نفسك قوياً. فعندما ترى نفسك ضعيفاً لا تعتقد أن تلك هي الحقيقة ، و أن ذلك الحدث هو فعلا ً إلى الدرجة التي تجعلني ضعيفاً في واقعي ، لا ، ليست تلك حقيقة ، ذلك هو فقط نتيجة جلوسك مع نفسك و ابتعادك عن الله فرأيت كل شيء مرعباً ، و كل شيء مخيفاً ، و كل شيء ترى نفسك أمامه ضعيفاً ، و قدراتك كلها تراها لا تجدي شيئاً ، و كلامك تراه كله لا ينفع بشيء ، فتصبح أنت من ترى عدوك ، ذلك العدو الذي قال عنه { لن يضروكم إلا أذى و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } أنت من ستجده كتلا ً من الصلب و الحديد .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و حينها ستجد قلبك و علائق قلبك أوهى من بيت العنكبوت ، و يصبح صدرك خواء . الله قال عن نوعية من هذه داخل صف المسلمين في غزوة الأحزاب ، ذكر حالة الهلع التي ملأت صدورهم { وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا} (10) سورة الأحزاب. لماذا زاغت الأبصار ؟ و لماذا بلغت قلوبهم الحناجر من شدة الرعب و الخوف ؟ لماذا ؟ كان هناك ظنون سيئة بالله ، أولئك أناس جلسوا مع أنفسهم ، لم يكونوا من تلك النوعية التي قال عنهم{ فزادهم إيماناً و قالوا حسبنا الله ونعم الوكيل } أولئك لما ابتعدوا عن الله امتلأت قلوبهم رعباً و زاغت أبصارهم ، ثم أيضاً ظنوا بالله ظنوناً سيئة ، هكذا يجني الإنسان على نفسه إذا ابتعد عن الله ، لكن عد الله ، عد إلى كتابه ، تجد أولئك الذين قال الله عنهم {وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا} (22) سورة الأحزاب . يزداد المؤمنون إيماناً أمام أي موقف ، سواءً موقف تشاهده تحرك لعدوك أو تسمع عنه أو يقوله المرجفون لك .
إن الله أراد لأوليائه أن يكونوا بالشكل الذي يعي الآخرون تماماً، لا مرجفون يؤثرون ، و لا منافقون يؤثرون ، و لا عدواً يستطيع أن يُرهبني ، و لا شيء في هذه الدنيا يمكن أن يخيفني ، هكذا يريد الله أن يكون أولياؤه ، و هكذا قامت تربية القرآن الكريم أن تصنع المؤمنين على هذا النحو ، تربية عظيمة جداً ، و هي تربطك بمن يستطيع أن يجعل نفسك على هذا النحو ، و أن يجعل الواقع أيضاً أمامك على هذا النحو ، يبدوا ضعيفاً أمامك و فعلاً يكون ضعيفاً { فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء . ألم يقل كل شيء عن أعدائنا ؟ أعداؤنا هم أولياء الشيطان على اختلاف أنواعهم و أصنافهم ، أليسوا أولياء الشيطان بصورة عامة ؟ { فَقَاتِلُواْ أَوْلِيَاء الشَّيْطَانِ إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا} (76) سورة النساء .
و يأتي إلى تصنيفهم يهود و نصارى و كافرين فيقول عنهم ما أسلفنا من قوله تعالى { و لو قاتلكم الذين كفروا لولوا الأدبار } { و إن يقاتلوكم يولوكم الأدبار ثم لا ينصرون } هكذا يقول عن اليهود و النصارى هل هناك عدواً آخر غير هؤلاء ؟ هل هناك عدو للحق ، هل هناك عدو للإسلام إلا و هو داخل ضمن أولياء الشيطان . إذاً فهم أولياء الشيطان ، و كيد الشيطان كان ضعيفاً ، لأنهم يستمدون قوتهم من الشيطان ، و أنت إذا ما استمديت قوتك من الله فلا يمكن إطلاقاً أن يساوي مكر الشيطان و كيده ذرة واحدة من قوة الله و تأييده لك ، هكذا يريد الله لأوليائه أن يكونوا .
و نحن إذا لم نصل إلى هذه الحالة من التربية فنحن من سنخاف أمام كل شيء نسمعه ، و نحن من سيزعجنا كلمة ينقلها أحد الناس سواء كانت صحيحة أم غير صحيحة ، و نحن حينئذ من سيُنسَف كل وعي لدينا و لو على مدى عام بأكمله أو سنتين بأكملها .
الإنسان إذا لم يربي نفسه على ضوء ما يسمع مما هو من هدي الله سبحانه و تعالى ، و إذا لم يستفد أيضاً من المواقف ما يعزز رسوخ تلك التربية في نفسه فهو من سيأتي الحدث الواحد فينسف كل ما قد جمعه في داخله ، بل هو من سينقلب على كل ما كان قد تجمع في نفسه ، أولئك الذين ارتعدت فرائصهم في يوم الأحزاب ألم يقل الله عنهم { و تظنون بالله الظنونا} ؟ ماذا يعني ؟ أليس هذا انقلاباً على كل ما سمعوه من وعود من جانب الله ؟ أليس هذا انقلاباً على كل ما سمعوه من كتاب الله و من فَـم ِرسوله صلى الله عليه و آله وسلم من توعية ، و بصيرة ، و شد عزيمة ، و تربية إيمانية قوية ، ألم ينقلبوا عليها في لحظة؟ و ماذا يحل محلها ؟ الظنون السيئة بالله .
هكذا تأتي الآثار السيئة لضعف الإنسان في مواقفه ، هو من ينقلب على كل المعاني العظيمة التي قد ترسخت في نفسه ، وهو من سينقلب على كل وعي إيماني أيضاً ترسخ في نفسه فيحل محلها الوهن و الشك و الارتياب و الظن السيئ بالله و كتابه .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و هو من سيرى في الأخير الشيطان أكبر في عينه من الله ، و هو من سيرى في الأخير أولياء الشيطان بالشكل الذي يرعبه حتى أشكالهم ، حتى حركاتهم ، حتى صوت آلياتهم ترعبه . بعض الناس قد يكفيه أن يسمع صوت طائرة صوتاً مزعجاً فتنسف كل ما لديه من قيم إيمانية . هكذا يصبح كل شيء حتى الشكليات ، حتى نبرات أصواتهم تصبح ترعبك ، حتى شكلهم ، حتى حركاتهم ، حتى حركات آلياتهم ، و هو الأمر الذي كان الله سبحانه و تعالى ـ وهو من قال في كتابه الكريم ـ يريده منك أنت أن تصبح بالشكل الذي يرعب أعدائك كل شيء من جانبك ، ألم يقل {وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ } (60) سورة الأنفال . حتى رباط خيلك ، و شكل خيلك العربية ، جياد الخيل ، يراها العدو أو يسمع بها فترهبه ، لكن أنت إذا ما أصبحت في موقع عدوك أنت ، أصبحت من أولياء الشيطان ، فأنت من سيرعبك كل شيء من جانبهم .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

أوليسوا هم من يحاولون أن تكون لهم أشكال متعددة تبدوا أمام الآخرين بالشكل الذي يخلق رعباً و شعوراً بالإحباط و اليأس في نفوسهم ، هم من يعملون على هذه ، وهذا كان في أيام بريطانيا التي كانت هي الدولة الكبرى في العالم ، و كانت تقوم حركات من هنا و هناك مناهضة لها ، و كان يبرز أشخاص أقوياء ، و كانت مظاهر لندن ـ كعاصمة لدولة متقدمة ـ مظاهر العمران ، مظاهر الحضارة ، بالشكل الجذاب ، أو بالشكل الذي يصرف ذهن الإنسان عن أشياء كثيرة أخرى فيرى في لندن وجه دولة عظمى يرى في نفسه أنه لا يستطيع أن يعمل أمامها شيئاً ، فكان البريطانيون يحاولون بأي طريقة أن ينجذب أولئك الثوار لزيارة لندن ، و كان جمال الدين الأفغاني ممن عرف هذا ، حاولوا فيه أيضاً أن يزور لندن و قال عنها ( هي مقبرة الثوار ) أو بعبارة تشبه هذه ، كان بعضهم يزور لندن ، فإذا ما زار و رأى العمارات الشامخة و رأى الحركة و رأى المظاهر الجميلة فيقول : من يستطيع أن يقاوم هؤلاء !! و رجع و قد بردت أعصابه كلها و تلاشت كل ثوريته و تلاشى حماسه ، بل بعضهم يعود داعية ً لأن تبقى بريطانيا مستعمرة لشعبه ، و قد يعود بعضهم أيضاً داعية ً إلى أن يتثقف أبناء شعبه بثقافة تلك الدولة ، كما صنع ( رفاعة الطهطاوي) أحد العلماء المصريين عندما زار باريس .
هكذا يصبح الحال أمام من لا يفهمون كتاب الله بالشكل الذي يجعل كل شيء أمامهم ضعيفاً أمام قوة الله و جبروته و عزته و قهره ، و إذا لم نكن على هذا النحو سترى الآخرين ـ كما أسلفت ـ كلهم أكبر من أولياء الله ، و وليهم أكبر من الله ، و كل ما لديهم أكبر من إيماننا فتكون الأشياء كلها مما يعزز اليأس في نفسك ، و متى ما تعزز اليأس في نفوس الناس تلاشت كل القيم أمامهم ، و أصبحوا هم يسخرون ممن يحاول أن يحركهم، أصبحوا ممن يرون الأشياء كلها مستحيلة ، و لهذا لما كان الإنسان كإنسان ضعيفاً كما قال الله {وَخُلِقَ الإِنسَانُ ضَعِيفًا} (2 سورة النساء . إذا لم يشتد بإلهه ، إذا لم يعتمد على إلهه فإنه سيكون ضعيفاً ، و هاهو ضعيف حتى أمام خصومه من الحيوانات ، أوليس الثعبان يقتله ، و النملة تؤلمه ؟ و وخزة الشوك تؤلمه و تقعده ؟ لكنك إذا ما اعتمدت على الله تحول كل ضعفك إلى قوة ، و لأن الإنسان هكذا جاء العمل على أن يصنع الإنسان على هذا النحو في القرآن الكريم مكرراً و مؤكداً و كثيراً جداً ، و مرفقاً حتى بالقسم الإلهي ، يقسم الله ، من أجل أن يطمئن ، من أجل أن يرفعنا من ضعفنا ، أن يشدنا إلى حيث قوته و عرته و منعته { وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ } (40) سورة الحـج . هكذا كلام مؤكد ، مؤكد باللام ( الموطّئة للقسم ) ، العبارة تساوي ( و الله لينصرن الله من ينصره إن الله لقوي عزيز ) .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و عندما يقول الله لك ، و يقول لأوليائه أنه سينصرهم لا تستطيع أن تقول : ( هذا وعد يوم كان الأعداء لا يمتلكون وسائل كهذه ، يوم كانوا لا يمتلكون صواريخ ، و لا طائرات ، و لا قنابل ذرية و لا ...إلى آخره ، أما الآن فهم قد أصبحوا كذا وكذا ) . عد إلى الله فأعرف من هو الذي وعدك ؟ إنه من يعلم ما سيصل إليه أعداؤك ، هو من يعلم بكل ما سيحدث في هذه الدنيا ، هو عالم الغيب و الشهادة .
أتظن أنه أقسم ذلك اليوم و لم يعلم أن الأعداء سيمتلكون قوة كهذه ؟ إنه من أقسم لأوليائه في كل زمان ، أمام أعدائه في كل زمان ، و على الرغم مما يمتلكون ، أنه إذا ما انطلق أولياؤه لنصره فإنه سينصرهم كيف ما كان عدوهم .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

لكن الناس هم من يجب عليهم أن يتسببوا للنصر ، و من يعملوا بكل وسيلة دون أن تستحكم قبضة عدوهم عليهم .
لقد ظهر في الزمان أن من الأشياء التي تؤدي إلى استحكام قبضة الأعداء على الشعوب المسلمة هو أن حكوماتهم تـُخْـدَع من قبل الآخرين فيخدعوننا هم ، و نحن نتربّى على أن نقبل ما جاء من حكوماتنا ، و قد يقول البعض : الدولة هي المعنية بهذه القضية و هي مسئولة عن هذا الأمر ، و هي التي تهتم بمصلحة الشعب ، لكنهم أشخاص كمثلنا ، يمكن أن يُخْـدَع ، يمكن أن يجهل أشياء كثيرة ، يمكن أن يجهل مصلحة الشعب الحقيقية ، يمكن أنه لا يعود إلى القران ليهتدي به ، و ليعرف من خلاله ما هو الموقف الصحيح الذي هو مصلحة الشعب ، فقد يُخْـدَعون و نحن نُخْـدَع ثم نكون الضحية نحن وهم .
لاحظ ، قد يقولوا للرئيس : نحن نريد كذا من أجل كذا و من أجل أن نقف مع الحكومة في مساعدتها ضد الإرهابيين ، لأنه حتى الحكومة هي تعاني من الإرهابيين كما يقول الرئيس و نحن عانينا من الإرهاب كثيراً ) ، أليست هذه عبارة كان يقولها ؟ ‘إذاً نحن سنساعدك يا حبيبنا ـ هكذا يقولون ـ نساعدك ضد الإرهابيين الذين أزعجوك كثيراً والذين عانيت منهم كثيراً ، و قد يرى ذلك جميلاً منهم .ثم هم قد يصنعون أحداثاً إرهابية في اليمن ـ و هذا متوقع ـ يصنعون هم أحداثاً إرهابية في اليمن قريباً من مواقع مرتبطة بمصالحهم أو منشئات تابعة لهم أو يعملون أعمالاً تُرهب الدولة نفسها و يقولون : أرأيتم أنكم بحاجة إلينا ، هاتوا كتائب أخرى ، فتسمع أنت أنه قد وصل مائتا جندي ، وصل أربعمائة جندي ثم ستمائة جندي و هكذا ، و يظل الرئيس متشكر لهم و لدعمهم ، و نحن نشكرهم أيضاً و أنهم يساعدونا على مكافحة الإرهابيين .
الرئيس نفسه ، الدولة نفسها تستطيع أن لا يتكلف شيئاً أمام أولئك الإرهابيين ، تترك الناس هم يتعاملون معهم ، فلا يحتاجون إلى أمريكا و لا يحتاجون حتى إلى الجيش و لا يحتاجون حتى إلى الدولة بكلها .
كنا نقول أمام الوهابيين من زمان : نريد من الدولة أن تتخلى عنا و عنهم على الرغم من ضعفنا ، كان زمان قبل فترة إذا ما حصل حصل خصومة في مسجد بين وهابيين و زيود كان يظهر من أقسام الشرطة و من القادة و من الجنود و من الدولة تعاطف مع الوهابيين ضدنا فيزجون بعالم من علمائنا أو بمجاميع من شبابنا في السجون ، و ترى الوهابي أيضاً إذا ما سُجن يخرج في اليوم الثاني ، ترى الوهابي يستطيع أن يتصل مباشرة بعلي محسن و يستطيع هو أن يتدخل في قضيته ، و حصل مثل هذا في رازح ، حصل خصومة في ( شهارة ) كان الوهابيون يستطيعون أن يتصلوا مباشرة بعلي محسن ، و الزيود لا يستطيع أن يتجاوب معهم و لا المحافظ و لا مدير الناحية . كنا نقول ـ أوليسوا هم الذين يقولون عنهم الآن أنهم إرهابيون ـ كنا نقول : يكفينا أن تتخلوا عنا و عنهم ، دعونا نتصارع نحن و هم ، إما أن يقهرونا و إما أن نقهرهم ، نحن في مواجهة دينية معهم ، هم من يعتدون علينا فدعونا نحن نقف في وجوههم ، لكنا كنا كلما تحركنا ضدهم قالوا : إذاً معكم إمام .
في ( المحابشة )كان القاضي صلاح و مجموعة من الشباب في مواجهة كلامية مع وهابيين قبل سنوات ـ قبل الوحدة ـ ثم يُـتهم هذا الشخص بأنه يريد الإمامة ، و أنه يريد أن يعمل إمامة ، كان يواجهون الناس بها في كل موقف . هؤلاء الذين أنتم تقولون أنهم إرهابيون و لم تتركونا نواجههم و كنتم أنتم من تقفون معهم ، و كنتم أنتم من تشجعونهم ، هاأنتم أيضاً تقبلون أن يدخل الأمريكيون اليمن بحجة مطاردتهم ، نقول من جديد : دعوا الشعب هو يتعامل مع الإرهابيين الحقيقيين ، هو الذي يستطيع أن يوقفهم عند حدهم . و فعلاً لو كانوا يتركوننا من زمان لما استقوى الوهابيون ، ثم لما تحولوا ـ كما يقال عنهم ـ إلى إرهابيين ـ تصبح أعمالهم من وجهة نظر الدولة مبرراً لدخول الأمريكيين بلادنا ، أما كان هناك ما يغنينا عن هذا كله ؟ لكننا دائماً نُخـدَع نحن حكومات و شعوب ، مسئولون و مواطنون نُـخـدَع من قـِبَل أعدائنا .
و لنفترض أن يكون دخول الأمريكيين تحت مبرر مساعدة الدولة في مكافحة الإرهاب ، الذي سيقال لنا بأننا عانينا منه كثيراً ، فيتجمع الأجانب في بلادنا ، و بلدنا موقعه مهم ، و بلدنا لا تزال ثرواته مخزونة في باطن الأرض ، هو لا يزال شعباً بكراً لهذا ، و هذا هو ما اهتمت به أمريكا في محاولة دخولها أفغانستان أنه بلد فيه كثير من الثروات التي لم تـُستغل بعد ، و حينئذ سينهبون ثرواتنا ، و حينئذ سيهينوننا ، و حينئذ سيستذلوننا ، و حينها ستصبح دولتنا تحت رحمتهم ، و يصبح علي عبد الله كعرفات أيضاً.
أم أن هذه أشياء افتراضية ليس عليها شواهد من الواقع ؟ أليس السعوديون الآن يعجزون عن إخراج أمريكا من بلادهم ، يوم دخلوا بحجة الحفاظ على أمن و استقرار المملكة في مواجهة العدو اللدود ـ كما يقال ـ العراق و صدام ، و ملئوا بلدان الخليج العربي و السعودية بوجودهم و تواجدهم العسكري و قواعدهم الكثيرة و قطعهم البحرية ، تحت حجة حماية هذه الدولة من الخطر العظيم ضدهم ( إيران ) ثم عرفوا أخيراً بأن إيران هي من يمكن أن تحميهم .
هم الآن هل يستطيعون أن يخرجوهم من بلادهم ، و إذا ما حاولوا أن يخرجوهم من بلادهم أليسوا سيضطرون إلى أعمال مرهقة ، و أعمال منهكة ، و أعمال ثقيلة ؟
هم في البداية من شكروهم على دخولهم ، و هم من سيبكون لوجودهم داخل بلادهم ، هكذا يخدعون الشعوب ، و هكذا يخدعون الحكومات ، و لقد أخبرنا الله عنهم كثيراً بأنهم يخادعون ، و أنهم يلبـِسون الحق بالباطل ، فيقدم لك مَـكره و عداءه و كيده ضدك بصورة النصح والحرص على المصلحة و الخدمة و الصداقة ، لبس للحق بالباطل ، و هم قادرون على صنعه ، و هم ماهرون في هذا من زمان .
و لنفترض أن الدولة عجزت في الأخير ، حينئذ من سيكون الضحية ؟ أليس هو الشعب ؟ الشعب الذي خـُدع أيضاً و هو ينظر نظر دولته التي خـُدعت أيضاً .
نقول لأنفسنا ، و نقول للدولة ، و نقول للكبار والصغار : أن في كل ما نشاهد في البلاد العربية و الإسلامية شواهد كثيرة يجب أن نأخذ منها العبرة قبل أن نكون نحن عبرة للآخرين ، يجب أن نأخذ منها ما يكشف لنا واقع أعدائنا ، أوليسوا يقولون الآن : أن أمريكا كشفت عن وجهها ؟هي تكشف عن وجهها ثم أنت قابل لأن تـُخدع بها !!.
ثم إذا كان هناك مسئول في الدولة هذه أو تلك الدولة ، شأن الأمة العربية هو شأن واحد ، إذا كان هناك مسئول يرى نفسه مضطر و هو ينظر إلى مصالحه ، ينظر إلى نفسه أنه قد ثقل بممتلكاته ، بقصوره ، بأرصدته في البنوك ، بعهود ، بمواثيق بينه و بين أولئك ، فيرى نفسه أنه مضطر إلى شيء من هذا ، وهو يعرف في قرارة نفسه أن فيه ضرراً على شعبه فلا يحاول أن يفرض ضعفه على الآخرين .
نحن نقول هذه حالة سيئة حتى من يحملون اسم الدين ، أنه إذا كنت تطلب العلم و أنت ترى نفسك أنك تحمل نفسية ضعيفة فلا تقترب من العلم ، لا تتعلم لتصبح في نظر الآخرين حامل علم يـُقتـَدى بك ، لأنك حينئذ من سيصبغ دينه بضعفه ، من سينعكس ضعفه على مواقفه الدينية ، لا يجوز هذا حتى في العمل لله .
الذين يحملون رسالة الله هم نوعية خاصة ممن قال الله عنهم {الَّذِينَ يُبَلِّغُونَ رِسَالَاتِ اللَّهِ وَيَخْشَوْنَهُ وَلَا يَخْشَوْنَ أَحَدًا إِلَّا اللَّهَ } (39) سورة الأحزاب .
و كم عانت الأمة قديماً و حديثاً ممن حملوا اسم الدين و حملوا العلم ، علم الدين ، و لكنهم بأنفسهم الضعيفة انعكس ضعفهم كله على الدين فأضعفوا الدين كله في نظر الأمة ، و اضعفوا الدين في واقع الحياة ، و اضعفوا الأمة أيضاً بضعف نفوسهم ، و كل ذلك بسبب ماذا ؟ بسبب أن نفوسهم ضعيفة .
بل نحن نقول أحياناً أنه لا ينبغي لك أن تجامع زوجتك في فترة يحتمل أن تعلق منك و أنت في حالة تحس أن نفسيتك ضعيفة وهزيلة ، ستنجب مولوداً ضعيفاً و هزيلاً في نفسيته و روحيته ، فسينشأ نسخة منك . الضعف يترك أثره في كل شيء ، و الله أراد لأوليائه أن يكونوا أقوياء ، حينئذ ستكون مواقفهم قوية ، سيكون أولادهم أقوياء ، ينجبون أقوياء و يقفون مواقف قوية ، و يقومون بدور الأقوياء ، و يتحركون بقوة في كل مواقفهم ، لأنهم لماذا ؟ لأنهم أولياء للقوي العزيز ، و كيف يكون الضعيف ولياً للقوي و يبقى على ضعفه !
أوليس أي شخص منا إذا ما رأى نفسه أنه أصبح مقرباً عند شخص قوي ، مثلاً عند محافظ أو عند وزير أو عند رئيس ، أنه يرى نفسه قوياً ، يرى نفسه أنه أصبح ولياً مقرباً من رجل قوي .
الضعيف لا يصْـدق عليه أنه من أوليا ء الله ، هذا هو شاهد واقع الحياة ، لو كنت ولياً لله فإنك لا تضعف أبداً لأنك ولي للقوي العزيز ، و لهذا قال في هذه الآية {وَلَيَنصُرَنَّ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ} (40) سورة الحـج . و أنتم تسمون أنفسكم أولياء للقوي العزيز ، و أنتم تستمدون قوتكم من القوي العزيز . عندما تضعف فإنك فعلاً بعيد عن الله سبحانه و تعالى . لاحظ نفسك و جرب نفسك أنك أنت من ضعفت و أنت تدعي أنك من أولياء الله . لو جاء رئيس الجمهورية ، لو جاء رئيس الوزراء ، لو جاء حتى قائد أو محافظ محافظة يقول لك : نحن معك ، تحرك و لا تخف شيئاً نحن سنقف معك بكل ما نملك ، ألست ترى نفسك حينئذ قوياً و تنطلق بقوة و تتحدى الآخرين ، لأنك هنا وثقت بشخص تراه قوياً ، لو كانت ثقتك بالله على هذا النحو لكنت قوياً و عندما تكون قوياً ستكون مواقفك قوية ، سيكون قولك قوي ، ستكون رؤيتك قوية ، سيكون تحركك كله مصبوغاً بالقوة ، بل ستنجب أولاداً أقوياء لأنك تحمل روحية قوية ، تحمل نفساً قوية .
أما الضعيف فإنه سيصبغ الحياة كلها بضعفه ، و يصبح كل شيء تلمس فيه آثار ضعفه ، منطقه ضعيف ، مواقفه ضعيفة ، اسهاماته ضعيفة ، مشاركته ضعيفة ، و كلما يخرج منه ضعيف .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام

و حينما نـُخدع و تـُخدع الدولة و يـُخدع الكبار كما خـُدع الآخرون سنرى أنفسنا في وضع محرج ، و حينئذ نرى أنفسنا لا نستطيع أن نعمل شيئاً ، و إذا ما أردنا أن نعمل شيئاً نكون قد كشفنا واقعنا للآخرين ضعافاً و يكون هم من رأوا أنفسهم بأنهم قد غزونا إلى عقر دورنا ( و ما غُزي قوم في عقر ديارهم إلا ذلوا) ما الذي يمكن أن ينفع الناس حينئذ ؟ لا شيء . ثم من الذي يمكن أن يقف معك حينئذ ؟ لا أحد .
إن المواقف هي من بدايتها ، و الناس يفهمون هذا ، لو أننا نتصرف مع أعدائنا الكبار كما يتصرف الواحد منا مع عدوه من أسرته أو من أصحابه ترى كيف التصرفات هنا تكون مبنية على المبادرة و الحذر ، و الاحتمالات كلها لها أثر ، أليس الواحد منا إذا ما دخل في خصومات مع صاحبه يحاول أن يريه وجهه قوياً ، و صفعته قوية من أول يوم ؟ لماذا ؟ قال : ( لو أضعف أمامه و يرى أن كلامي رطيب ، و يرى أني أداريه سيكون قوياً عليّ فلا يخاف مني من بعد ) ، أليس الناس يقولون هكذا : من أول يوم أقلب وجهك له ليراك قوياً ، اجعله يعرف أنه لا يستطيع أن يقهرك ، أليس هذا هو التفكير عند كل واحد منا في مواجهة خصمه على ( مَشرَب) ماء أو قطعة أرض أو على أي قضية من القضايا البسيطة ؟ لكننا في مواجهة أعدائنا الكبار نـُقبـِل وراء الاحتمالات التي تجعلنا نغمض أعيننا ، و تنهال التبريرات الواهية من هنا وهناك ، و نركن إليها لأننا لا نحب أن نعمل شيئاً ، و التبرير الذي يعزز قعودي هو المقبول .
لكن لا حظ أنك ستصل إلى حالة تتحسر فيها ، سيصل الشعب إلى حالة يتحسر فيها ، و حسرة النادم هي حسرة من ضيع نفسه ضياعاً أصبح يرى نفسه أنه لا يستطيع أن يتلافى ما فرط .لكن إذا ما انطلق الناس ليعملوا فكما قلت سابقاً العمل هو الضمان الحقيقي ، هو الضمان لأمن الناس ، هو الضمان لسلامة الناس . و لا يترك الناس أنفسهم حتى يصل الوضع إلى أن يصبحوا كالفلسطينيين يستجدون السلام من هنا وهناك ، هم يتأسفون أن العرب لم يعملوا شيئاً ، و أمريكا تنكرت لهم ، ألم يجدوا العالم كله تنكر لهم ؟ ألم يجدوا أنفسهم في وضع لم يستطيعوا أن يأمنوا على أنفسهم ، و لم يستطيعوا أن يحافظوا على دُوَيْـلَة صغيرة كانوا قد فرحوا بها ؟
الناس إذا لم يتحركوا سيصلون إلى أوضاع كهذه ، تكون كلها حسرة ، و سترى أنه لا أحد يقف معك ، ثم ترى أنت أنك أصبحت لا تستطيع أن تقف مع أخيك ، أن تقف معه بشكل مجاميع ، أولسنا نرى فلسطين الآن بشكل أفراد ؟ يتحرك فرد واحد فقط و بسرية بالغة من أجل أن يعمل عملا ً ما ، هم ضيعوا الفرص التي هي مواتية لإن يتحركوا كمجاميع كبيرة ، حينها سيرى الناس أنفسهم لا يستطيعوا أن يتحركوا إلا أفراداً قليلين و بأعمال تبدو منهكة بالنسبة لهم ، و ضعيفة النكاية في أعدائهم . هكذا يجب أن نحذر من الحسرة .
القرآن الكر يم ربّـانا على أن لا نكون من أولئك الذين يسمحون لأنفسهم و هم يفرطون و يتوانون أن يكونوا ممن يقولون : { لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً } ألم يأت ِ هذا في القرآن الكريم يتحدث عن مواقف المتحسرين النادمين ؟ و حتى قد يصل لديهم وعي على درجة عالية { رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحًا إِنَّا مُوقِنُونَ } (12) سورة السجدة . حينها حتى الوعي العالي لا ينفع ، قد تصبح وضعيتك لا يمكن أن تعمل فيها شيئا.
فرعون ألم يؤمن ؟ لكنه آمن في عمق البحر ، داخل أمواج البحر المظلمة ، ألم يحصل لديه وعي عالي { آمَنتُ أَنَّهُ لا إِلِهَ إِلاَّ الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ } (90) سورة يونس. ألم يقل هكذا ؟ حصل لديه وعي و إيمان لكن في غير وقته . هكذا القرآن الكريم يعلمنا أنه من يضيع العمل في وقته ، أنه من لا يعِيَ في الوقت الذي ينفع فيه الوعي ، أنه من لا يفهم في الوقت الذي يـُجدِي فيه الفهم سيصل به الحال إلى أن يرى نفسه يَعِيَ و يؤمن و يفهم في الوقت الذي لا ينفع فيه شيء لا إيمانه و لا فهمه و لا وعيه .
يجب أن نفهم الأمور ، و أن نقول لكل شخص يريد أن يقول اسكتوا : هذه الشواهد من داخل بلادنا و من خارجها ماثلة أمامكم يا من يقولون اسكتوا ، إن واجبكم أن تنطلقوا أنتم ، إن واجب الناس الآن أن يتحركوا و أن لا يـُخدعوا .
أكرر : أن لا يصبح الناس كثيري التحليلات . التحليلات يجب أن نتركها كلها ، تحليلاً واحداً فقط هو : أن الأمريكيين دخلوا بلادنا فمن الذي سمح لهم أن يدخلوا ؟ و أننا نرفض أن يدخلوا ، و أننا سنقاوم وجودهم هنا ، يجب أن نقول هذا .
الله أكبر . الموت لأمريكا . الموت لإسرائيل . اللعنة على اليهود . النصر للإسلام .
و كل تبرير لوجودهم مرفوض سواء أتى من عالم ، أو من رئيس ، أو من قائد ، أو من كبير ، أو من صغير ، لأن الله تعالى علمنا في القرآن الكريم كل شيء ، و هو من يعلم السر في السماوات و الأرض و هو العليم بذات الصدور ، أما هؤلاء فإنهم من يخدعونا دائماً ، هم من يخدعونا دائماً ، فنحن لا يجوز أن نـُخدع ، و لا أن نكون أبواق دعاية للتبريرات التي تنطلق منهم فيقول واحد منا ألم تر التلفزيون أمس و هل رأيت الأمريكيين و هم مشاركين مع جنود يمنيين اقتحموا بيت فلان و هو وهابي ملعون) . قد نقول هكذا و نفرح ، ( ألم أقل لك أنهم جاءوا من أجل أن يساعدونا ) .
كل عمل يبرر تواجدهم كن أنت من يقف ضده ، كن أنت من يفضحه أمام الناس ، كن أنت من يقول أنه خداع .
هذا هو الكلام الذي أريد أن أقوله هذه الليلة .
و ربما أن اليهود ـ و الله أعلم ـ قد يكون لديهم أشياء أخرى ، أمارات أخرى ، في هذا الزمن بالذات يركزون على ما يتعلق بالشيعة ، و يركزون أيضاً على ما يتعلق بالحرمين الشريفين ، قد يكون لديهم ملاحم أو لديهم أخبار و أشياء من هذه ، يعني يتصرفون كتصرف فرعون ، يحاولون أن يحولوا دون ما يريد الله أن ينفذ ، و الله غالب على أمره ، فتحركهم قبل هذه المرحلة و من قبل فترة كنا نعتقد أنه تحرك يوحي بأنهم يعرفون شيئاً ، كما كان تحرك أولئك اليهود الذين عرفوا أن محمداً سيبعث في حينه ، و صرخوا في مكة ، وصرخوا في المدينة بعضهم قال : (طلع نجم محمد ) هم من عرفوا بأنه سيبعث ، و أحد علمائهم قال لسلمان الفارسي : أنه قد أضلك زمان سيبعث فيه نبي و أعطاه علاماته ، هم من يعرفون ربما أن الأمة أصبحت في وضعية يمكن أن تشكل خطورة عليهم ، و أن الشيعة هم من يشكلون خطورة بالغة عليهم ، فهم من يسارعون كما سارع فرعون لكن الله سبحانه و تعالى هو الذي قال عن نفسه { وَاللّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ } (21) سورة يوسف . و يجب أن نثق بهذا أن الله الذي نريد أن نصدق معه و أن نجعله ولينا و أن نتولاه و أن نكون من أوليائه هو القوي العزيز و هو الغالب على أمره و لكن أكثر الناس لا يعلمون.
نسأل الله تعالى أن يصرف عنا كيد أعدائنا و أن يزيدنا قوة و إيماناً كلما أزداد أعداؤنا مكراً و كيداً و حقداً و إرهاباً إنه على كل شيء قدير .
و السلام عليكم و رحمة الله .
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في السبت أكتوبر 28, 2006 5:54 pm، تم التعديل 4 مرات في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن


سلسلة أهم المحاضرات
الإرهاب و السلام


ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ:
8/3/2002م
اليمن-صعدة


ملاحظة هامة :
هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.
وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.
والله الموفق.



-كلمة سيدي العلامة المجاهد /بدر الدين بن أمير الدين الحوثي-

الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وآله الطاهرين.

وبعد أوصيكم بتقوى الله ربنا ،وامتثال أمره ،واجتناب ما نهى عنه ،والتمسك بطاعته في كل أعمالنا ؛فإنا عن قليل راحلون من هذه الدنيا ،ومنتقلون إلى الآخرة حيث لا ينفع مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم ،فعلينا أن نتقي الله وأن نُعد لذلك اليوم العظيم الذي وصفه الله وصفاً شديداً في القرآن كما قال }إنا نخاف من ربنا يوماً عبوساً قمطريراً{ دَاهية دَهْياء ،يوم عظيم جداً ،عندما تكون السعادة لمن جاء يوم القيامة آمناً ،يوم الفزع الأكبر ،فعلينا أن لا نشتغل بهذه الدنيا حتى نؤثرها على طاعة الله في شيء من الأشياء ،وأهمها أن نتقي الله في الصبر على الجهاد ،على نصر الحق ،ومدافعة الباطل ،وأن نجتهد ونُجِد في دفع الباطل ،ونصرة الإسلام ؛لأن الله تعالى يقول: }يا أيها الذين آمنوا إن تنصروا الله ينصركم ويثبت أقدامكم{ وقال تعالى: }ولَيَنصرنّ الله من ينصره إن الله لقوي عزيز{ فإذا نصرنا الله بنصر دينه –أما الله سبحانه فهو غني عنا- إذا نَصَرْنا دين الله نَصَرَنا وأعزنا ،وإذا خذلناه خذلنا وأذلنا ،هذا في العاجل في الدنيا أن من نصر الله نصره ،ومن خذل الله خذله.

وفي هذا الزمان استقوى الكفار ،وتسلطوا على المسلمين ،وحاولوا إبطال الإسلام ،وإضاعته ،وتمييعه ،وحاولوا أن لا يبقى منه إلا جسد بلا روح فعلينا أن ندافع عنه بقدر ما نستطيع ؛لينصرنا الله ويعزنا ؛ولنقوم بالواجب علينا قبل أن نرجع إلى الله يوم القيامة ويسألنا ونكون قد فرطنا في حماية الدين ،وقصرنا في الجهاد، وهو قد أمرنا في القرآن أمراً بأن ننصر دينه وندافع عنه ونحميه ،فإذا لم ننصره لم تقبل الطاعات لا صلاة ولا صيام ولا حج ولا زكاة ولا شيء إذا لم نقم بالدين كله بصدق ،إذا تساهلنا في دين الله وتركنا الكفار يتمكنوا ،ويضيعوا الإسلام ،وإذا لم ننصر الإسلام ،ولم نعادِ أعداء الله فالدين لا يقبل منا ؛لأن الدين مترابط لا يقبل بعضه إلا بالبعض الآخر ؛لأن الله تعالى قال }إنما يتقبل الله من المتقين{.

وفقني الله وإياكم ،وأعاننا وإياكم على ما يرضيه ،وجمع القلوب على رضاه وتقواه، وصلى الله وسلم على محمد وعلى آله. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

- وهذه كلمة لسيدي العلامة /أحمد بن صلاح الهادي-
الحمد لله رب العالمين ،نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك لـه، وأشهد أن سيدنا وحبيبنا محمداً عبد الله ورسوله صلى الله وسلم عليه وعلى أهل بيته الأخيار الأبرار الصادقين الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً.
أما بعد فقد جئنا إلى هنا كزيارة واستضافة عند الأخوان فنقول :كثر الله خيركم ،وأهلاً بكم لقدومكم من الحج. وأنا كنت أريد أن أحول الموضوع كله ،ولم أكن أريد أن أتكلم لأن لدينا ضيف كبير ونريد أن نسمع منه وهو الأستاذ الفاضل العلامة /الحسين بن بدر الدين الحوثي حفظه الله فأحب أن أترك المجال لـه ليكلمنا. لكن أقول :لنتواصى جميعاً بتقوى الله سبحانه وتعالى ،وأن نكون مخلصين مع الله سبحانه وتعالى ،والإخلاص درجة عالية لا ينالها إلا من أزال من قلبه الأمراض كلها ،أسأل الله سبحانه وتعالى أن يزيل عنا المرض مرض القلوب الذي لا يزال يُصَدِّيها ،ولا يزال يبخس علينا الأعمال والله يقول: }يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولاً سديداً{ إذا رجعنا إلى قول الله سبحانه وتعالى }وقولوا قولاً سديداً{ ربما أن هذا علاج للقلوب ،القول السديد ربما أنه يعيننا على قلوبنا، انظروا كيف قال في نهاية الآية }يصلح لكم أعمالكم{ أعمالنا قد تكون أعمال ضعيفة قليلة لكن قد يصلحها الله لنا ؛لأنه ينظر إلى القلوب ،ولا ينظر إلى العمل بدون طهارة القلب ،فالعمل إذا كان من صميم القلب خالص لله سبحانه وتعالى فهو كبير عند الله إلى مستوى عظيم ،ألا ترون أن أمير المؤمنين كرم الله وجهه تصدق بخاتم فن‍زلت فيه آية تتلى إلى يوم القيامة لأنه تصدق بخاتم.
إذاً فلنقل قولاً سديد والله سيصلح لنا أعمالنا }يصلح لكم أعمالكم{ كما أصلح لعلي بن أبي طالب عليه السلام عمله ،وصار له مِنَّة على كل مؤمن وكل مسلم فهو مشارك له في عمله ،انظروا على عظمة حازها. فنحن إذا قلنا قولاً سديداً أصلح الله لنا أعمالنا }يصلح لكم أعمالكم ويغفر لكم ذنوبكم ومن يطع الله ورسوله فقد فاز فوزاً عظيماً{ نرجو أن نكون من الفائزين أما هذه الحياة فهي منتهية ،وعما قليل ننتهي ،وكم قد عرفنا من أناس ،وكم قد مضى ،وهذه الدنيا ليست إلا كظل زائل.وهذا الشعار: الله أكبر، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود ،النصر للإسلام ،فهانحن نقول من هنا ،وهذا تعبير بقول إنشاء الله سديد يصلح لنا ربي به العمل ،فنقول: الله أكبر ، الموت لأمريكا، الموت لإسرائيل، اللعنة على اليهود ،النصر للإسلام

- الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود /النصر للإسلام-
يا الله تقبل منا هذا.
فسنقول القول السديد وإنشاء الله أن الله سيصلح لنا العمل ،وإذا رجعنا إلى الله سيصلح لنا أعمالنا إنشاء الله ،ويتقبل منا ،ويعيننا على نفوسنا فإن نفوسنا مريضة وهي محتاجة إلى العلاج ،ولكن ليس لنا من يعالجها إلا مثل هؤلاء الأشخاص مثل سيدي بدر الدين والحسين و الأستاذ عبد الله عيضة. وسيدي بدر الدين يشفي هذا المرض من القرآن ،أمانة إنه يعطينا كلام من الشفاء ،وإننا نرجو الله أن يبقيه لنا ،وأن ما يعطيه هدية من الله فلنستغل حياته ، ألقى لنا خطاباً في يوم (عيد الغدير) يشفي وعلاج. ونحن أمراض أيها الأخوة ،ولا توجد مستشفيات إلا القرآن ومَن يعبر عنه.
وفقني الله وإياكم ، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

- ثم السيد /حسين بدر الدين الحوثي-
بسم الله الرحمن الرحيم

}الحمد لله رب العالمين . الرحمن الرحيم . ملك يوم الدين . إياك نعبد وإياك نستعين . اهدنا الصراط المستقيم . صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين{.
اللهم صلِّ وسلم على عبدك ورسولك الذي بعثته رحمة للعالمين ،الذي بعثته شرفاً لهذه الأمة ،وعزاً لهذه الأمة ،ورحمة لهذه الأمة ،بعثته بكلمة التوحيد وتوحيد الكلمة ،مجاهداً في سبيلك ،محارباً للطغاة والجبابرة من أولياء الشيطان الذي طردته من سمائك فأخرجته مذموماً مدحوراً ، ليخرج كل الطغاة من عالم الإنسانية مدحورين أذلاء ،يُلبسهم الخزي والعار والذلة.
أيها الأخوة الأعزاء شرف عظيم لنا أن نزوركم ، شرف عظيم أن نقف أمام هذه الوجوه النَّيِّرة ،أمام أبناء همدان ،وأبناء علي عليه السلام.
إنني بحق أقول لكم: كلما جئنا همدان ،وكلما التقينا بكم أنتم يا أبناء همدان تذكرونا بالإمام علي عليه السلام. أصبحتم تذكروننا بعلي ابن أبي طالب صلوات الله عليه ، إذا كان أبناء محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم يُذكرون بمحمد فإنكم أنتم تذكرونا بعلي عليه السلام.
الإمام علي الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((علي مني وأنا من علي)) قرين القرآن الذي قال فيه الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم ((علي مع القرآن والقرآن مع علي)).
علي، بطلُ بدر وأحد والأحزاب وحُنين وخَيْبَر ،بطل صفين والجمل والنهروان ، علي الذي كان رمزاً للتضحية والبطولة في ميادين الجهاد وكان أيضاً عَلَماً ينير الدروب بكلماته المباركة ،بتوجيهاته النيِّرة ، ببلاغته الخارقة. إنه ربيب رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وحليف وقرين القرآن.
فإذا كنتم أصبحتم تذكرونا بعلي صلوات الله عليه فإنما لأنه ما يزال فيكم أنتم بركة الإمام علي عليه السلام ، فيكم بركة دعاء الإمام علي عليه السلام ودعاء الأئمة من بعده.
كلما وقفنا بين أظهركم ،كلما انتقلنا إلى منطقتكم نرى أنفسنا وكأننا نسافر إلى عمق التاريخ.
ما من إمام من أئمة أهل البيت إلا ووقفت معه همدان إلا وبهرته بصدقها ووفائها ،إلا وانطلق شاهداً تاريخياً على ذلك الوفاء ،على ذلك الصدق على تلك الشجاعة ، فكان ما يمتلكه الأئمة من تعبير عن ذلك كله هو أن يُخلدوا دعاء يقرؤه كل من يتصفح صفحات التاريخ ، يتردد على الشفاه كلما ترددت الأعين تتصفح صفحات التاريخ ،أولم يقل الإمام علي عليه السلام :

فلو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
إنها عبارة من بهره وفاء همدان ،وشجاعة همدان ،وصدقهم وإخلاصهم:

فلو كنت بواباً على باب جنة لقلت لهمدان ادخلوا بسلام
كلما وقفنا أمامكم أيها الاخوة لنتذكر مسئوليتنا جميعاً أمام الله في أن نكون من أنصار دينه ،فنردد أحياناً عبارات التواصي فيما بيننا بالحفاظ على مذهبنا الزيدي نقول لهمدان :إنكم أنتم لكم المِنّة أكثر من غيركم في ترسيخ قواعد هذا المذهب. أنتم من كنتم أنصار هذا المذهب ،وأنتم في واقعكم لا تحتاجون إلى من يذكركم بأن تكونوا من أنصار هذا المذهب ،أنتم من وقفتم مع أئمته ،من وقفتم مع أعلامه حتى ترسخت قواعده وانتشر نوره في هذه البلاد وغيرها.

إنه اجتماع مبارك ،وإن أي اجتماع في ظروف كهذه اجتماع كهذا أو أقل أو أكثر من هذا لا يناقش فيه الناس هذه الأوضاع التي تعاني منها الأمة المسلمة ،لا يتواصى فيه الناس بالحق ينظرون إلى الحق ليس فقط ليغيب عن الساحة ليغيب عن الأفكار ليغيب عن النفوس ليغيب عن كل شئون الحياة وإنما ليحل محله الباطل والظلام والشر ، كل اجتماع لا يناقش فيه ما يجعلنا نرى الحق ،ونرى أمة الحق ،ونرى أعلام الحق ،وآثار الحق بالشكل الذي يحزن ويقرح القلوب ويبكي العيون.

إذا ما وقفنا جميعاُ لنتأمل سنجد كيف أصبحنا في واقعنا نشاهد الأمور وهي تتبدل ،وتنعكس القضايا ، الله سبحانه وتعالى يقول في كتابه الكريم }كنتم خير أمة أخرجت للناس{ هذا القرآن العربي يخاطب العرب ،وشرف للعرب –ونحن وأنتم من صميم العرب والله يقول عن كتابه }قرآناً عربياً لقوم يعقلون{ }بلسان عربي مبين{-، يقول }كنتم{ أنتم أيها العرب }خير أمة أُخْرِجت للناس{ للناس جميعاً للبشرية جمعاء ، تحملون هذه الرسالة العالمية ،تحملون هذا النور للعالمين جميعاً }تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله{. ما الذي يحدث الآن؟.

هذه الأمة التي يقول عنها الله سبحانه وتعالى أنه حملها رسالة لتخرج بها إلى الناس جميعاً هاهي اليوم يُطلب منها أن تقعد في بيوتها كما تقعد النساء ،بل يُطلب منها أن تصمت فلا تتفوه بكلمة الحق ، ولا تهتف بلعن من هتف الله بلعنهم في كتابه وخلده على لسان أنبياءه }لُعِنَ الذي كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون{.

- الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود /النصر للإسلام-
ما نشاهده اليوم أن هذه الأمة التي كان المطلوب أن تكون هي من تَجُوب البحار طولاً وعرضاً فتقف في سواحل أوروبا وفي سواحل أمريكا هي الأمة التي تُؤْمَر هي وزعماؤها بالقعود قعود الذلة ،قعود الخزي ،قعود الخنوع والاستسلام ،ونرى أولئك الذين لُعِنوا على لسان الأنبياء هم من يَجُوبون البحار طولاً وعرضاً فرقاً عسكرية تمتلك أفتك الأسلحة ، أليس هذا من تقليب الموازين؟. أليست هذه من القضايا المقلوبة؟. والحقائق المعكوسة؟. في البحار الفرنسيون والبريطانيون والأمريكيون والأسبان وغيرهم هم من يتحركون يحملون الأسلحة ،هم من يتحركون في داخل وأعماق البلاد الإسلامية والمسلمون كلهم لا يجوز لأحد أن يتحرك قيد أنملة.

إن الله أراد لهذه الأمة هكذا أن تكون أمة تتحرك في العالم كله }أُخْرِجت للناس{ لتأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر ،فهاهي تقعد وأولئك يتحركون. ولماذا يتحركون؟. هل ليأمروا بالمعروف وينهوا عن المنكر أم لينشروا الباطل والفساد والقهر والظلم والذلة والخزي لكل أبناء البشرية وللعرب خاصة؟.

هذه أشياء مؤسفة ،هذه حقائق نحن نشاهدها. في الحج يوم أن بدأ المسلمون يهتفون بالبراءة من المشركين ،يوم أن بدءوا يعملون على أن يعود الحج إلى أصالته الإسلامية ؛لأن الحج في أول عملية لإعادته إلى حج إسلامي إنما كان يوم أرسل الرسول صلى الله عليه وعلى آله وسلم الإمام علي ابن أبي طالب صلوات الله عليه ليعلن البراءة من المشركين بتلك العشر الآيات الأولى من سورة براءة ؛ليعلن البراءة من المشركين ،بل ليعلن الحرب على المشركين وليس فقط البراءة منهم ، كانت تلك هي أول عملية لتحويل الحج إلى حج إسلامي وصبغه بصبغة توحي بالأهداف المقصودة من وراء تلك العبادة العظيمة التي هي الحج ، فعندما بدأ المسلمون يهتفون بـ(الموت لأمريكا والموت لإسرائيل) في الحج بأمر من ابن علي عليه السلام الذي هتف ببراءة فقال سبحانه وتعالى حاكياً تلك البراءة }وأذان من الله ورسوله إلى الناس يوم الحج الأكبر أن الله بريء من المشركين ورسوله{ براءة من الله ،وبراءة من رسوله صلى الله عليه وعلى آله وسلم ،وبراءة من علي عليه السلام ،قرأها علي عليه السلام كلها براءة من المشركين.

يوم أن تحرك ابن علي عليه السلام الإمام الخميني رضوان الله عليه ليعيد الحج إلى أصالته عرف أولئك الذين لا يريدون للعرب أن يتحركوا قيد أنملة لأداء الواجب الملقى على عواتقهم من الله سبحانه وتعالى في مثل هذه الآية }كنتم خير أمة أخرجت للناس{ صدر المنع وحدث ما حدث في الحيلولة دون أن يتردد ذلك الشعار.

ونحن العرب لا نفهم ،وهذه هي بساطتنا ،وهذا هو ما جعلنا ضحية لليهود، نحن دائماً من نعمل حداً لأعمال المفسدين ،ونضع حداً للفساد أنه إنما سيصل إلى هنا فقط ،ولا نعلم بأن الفساد لا ينتهي ،أن الفساد لا حد له ،أن الفساد لا يتوقف عند نقطة معينة ،أن الظلم والباطل لا يتوقف عند نقطة معينة. من الذي كان يتصور أن بالإمكان أن تصل بنا الحال إلى أن نُمْنَع في مساجدنا من ترديد مثل هذا الشعار؟. أوليس الأمر قد وصل إلى ذلك؟. لقد عُمم هنا في اليمن على المساجد أن لا يتحدث الناس فيها عن أمريكا ،وكنا لا نتصور إلا أنه فقط مُنع في الحج.

- الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود /النصر للإسلام-
عندما جاء المنع في الحج تجاوب المسلمون ولم يكونوا يهتموا بأن عليهم أن يقفوا موقفاً يجعل أولئك ييأسون من أن باستطاعتهم أن يوقفونا عن أداء الواجب الإلهي الملقى على عواتقنا نحن العرب في مثل قوله تعالى }كنتم خير أمة أخرجت للناس{ لكنا هكذا قلنا لا بأس بذلك في الحج. بعد الحج ما الذي حصل؟. منع في المساجد ،فقلنا :لا بأس فالمساجد هي للعبادة ،كما قال أولئك: (الحج هو عبادة ،وأنت عليك أن تذكر الله فقط ولا تتعرض لشيء). سنقول نفس الشيء : (هذه مساجد وما دخل المساجد بـ(الموت لأمريكا والموت لإسرائيل واللعنة على اليهود) ونحوها). هل المساجد أعظم من القرآن الكريم؟. القرآن الكريم مليء بتلك الآيات التي تلعن الظالمين وتلعن الفاسقين وتلعن اليهود والنصارى لما كانوا عليه من عصيان واعتداء في مثل هذه الآية }لُعِنَ الذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم ذلك بما عصوا وكانوا يعتدون{. ونحن نقول : (لا بأس المساجد ليست لهذا هي للصلاة) ؛لأننا أصبحنا لا نفهم دور المساجد ،ولا دور الصلاة.

ثم بعد ذلك سيقولون لنا: (أيضاً في منازلكم لا تتحدثوا عن أمريكا. أيضاً بأقلامكم لا تصدروا كلمة فيها إساءة إلى مشاعر أمريكا). وهكذا سنرى أنفسنا نطارد نطارد ونحشر إلى زاوية ضيقة.

ما الذي انقلب في هذا الموضوع؟ هم يحشرونا إلى زاوية ضيقة مظلمة لا نرى فيها النور ،ولا نتحدث عن النور ،ولا نصل بالنور إلى قيد أنملة في هذا العالم ،وهم من يتحركون. وبدل أن نتحدث عن الجهاد يتحدثون هم عن (الإرهاب).

وإنني أقول :إن علينا أن نتحدث عن كلمة (الجهاد) ؛لأن كلمة (الجهاد) هي الآن محارَبة بعينها ،يُوضع ويرسخ بدلاً منها كلمة (إرهاب) ،فإذا كان الله أراد من الجهاد أن تكون كلمة شرَّف بها ذلك الصراع الذي كان العرب يتعودون عليه ،ألم يكن العرب متعودين فيما بينهم على القتال والتناحر؟. سمَا بالعرب لأن الإسلام جاء شرف للعرب }وإنه لذكر لك وقومك{ حتى الصراع الذي كان يدور بينهم عمل على أن يتحول إلى صراع مقدس فأضاف إليه اسماً مقدساً فسماه (جهاداً) ،إذاً فبدلاً من أن تتقاتلوا فيما بينكم وتتناحرون فيما بينكم تعالوا إلى حيث يكون صراعكم ويكون قتالكم سمواً وشرفاً ورفعة ،ونشراً للحق ،ونشراً للنور إلى كل أقطار الدنيا فسماه جهاداً في سبيله سماه (جهاداً) وجعله سنام دينه ،وجعله مفتاح جنته ،وجعله ركناً من أركان دينه ، بل جعله علماً لقمة الذوبان في محبته سبحانه وتعالى ،أولم يقل الله عن أوليائه }يا أيها الذين آمنوا من يرتدَّ منكم عن دينه فسوف يأتِ الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم{.

يوم كان العرب فيما بينهم يثور بعضهم على بعض ،يتناحرون فيما بينهم ،يغزوا بعضهم بعضاً هاهو يعطيهم صراعاً من نوع آخر يسميه (جهاداً في سبيله) ،يجعله علماً على الذوبان في محبته }يحبهم ويحبونه{ هذا الجهاد المقدس ،هذا المصطلح القرآني الهام ،هذا المبدأ الذي ترتبط به عزة الأمة وكرامتها ،وترتبط به حيوية القرآن والإسلام ،يرتبط به وجود الأمة كلها وهويتها هاهو يتعرض لأن يُبدّل ،كما بُدّلنا نحن في واقعنا ،قعدنا وهم من يتحركون في البحار ،وهاهم يحولون الجهاد إلى كلمة تصبح سُبَّة نحن نرددها ،ويجعلونها كلمة أمريكية تضفي الشرعية على أي ضربة أمريكية لأي جهة. تُبدل كلمة (جهاد) بكلمة (إرهاب) فمن هو مجاهد فهو إرهابي ،ومعنى أنه إرهابي أنه من قد وقع من جانبه ما يعطي أمريكا شرعية أن تضربه ،ما يعطي عميلاً من عملاء أمريكا شرعية أن يضربه ، ونحن من نبارك تلك الضربة ،سنقول: (هو إرهابي فليضرب ،من الذي قال له أن يهتف بهذا الشعار في هذا الجامع؟، هو إرهابي فليضرب، من الذي قال له أن يتحدث عن الجهاد؟، هو إرهابي فليضرب، من الذي قال له أن يفتح مدرسة هنا يربي الشباب فيها على روح القرآن؟ والذي روحه الجهاد إذاً هو إرهابي فليضرب).

أليست الأمور تتغير وتنعكس؟. فالمصطلحات تتغير ،ونحن نتغير فعلينا أن نقعد وهم الذين يتحركون في البر والبحر ،وجهادنا عليه أن يُمسخ وتوضع بدلاً عنه كلمة (إرهاب) ؛لننظر إلى الجهاد أنه سبة ،وأنه عملية تعطي الشرعية لأولئك أن يضربوا المسلمين بدل أن يكون هو مبدأ يعطي الشرعية للمسلمين أن يضربوا أولئك المجرمين الذين هم إرهابيون حقيقيون. ألم يقل الله سبحانه وتعالى }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر{ لمن هو هذا الخطاب؟. أليس للعرب والمسلمين؟. }قاتلوا{ ما هو القتال في سبيل الله؟. أليس هو الجهاد؟ ،هاهو يقول للمسلمين إن الجهاد هو هكذا }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون{ هذا هو الجهاد ، الجهاد شرعية لنا نتحرك على أساسه في ضرب أولئك المفسدين الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر، وهم في واقعهم لا يحرمون ما حرم الله ورسوله وهم لا يدينون دين الحق ،إن من واجب الأمة أن تحاربهم أن تقاتلهم أي أن تجاهدهم –والجهاد شرعية لهم هنا- حتى يعطي أولئك الجزية عن يدٍ وهم صاغرون. أليس الواقع يتغير الآن؟.

إن كلمة (الجهاد) تتحول الآن إلى كلمة (إرهاب) فالمجاهد هو إرهابي ،وكلمة (جهاد) هي كلمة (إرهاب).

إذاً فإذا ما سمحنا نحن المسلمين للأمور أن تتغير من حولنا ،فإنه المكر ،المكر في كل شيء ،المكر في واقع حياتنا ،المكر حتى لمفردات لغتنا العربية ، كلمة (جهاد) هي كلمة عربية ،وحتى كلمة (إرهاب) هي كلمة عربية ،أولسنا نسمع زعماء العرب هم من يطالبون الرئيس الأمريكي -وهو إنجليزي في لغته- يطالبونه بأن يفتح قاموس لغته ليفسر للعرب مفردة عربية هي كلمة (إرهاب)؟. كلمة (إرهاب) هي كلمة داخل كتاب عربي ،عندما يقول الله سبحانه وتعالى }وأعدوا لهم ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم{ ،أصبحنا في واقعنا لا نعرف معاني مفرداتنا العربية ،يطالب زعماء العرب الرئيس الأمريكي وهو ليس عربي أن تفسر سماحته وفضيلته مفردة عربية هي كلمة (إرهاب)، (قولوا لنا ماذا تريدون بكلمة (إرهاب)؟)، أليس هذا هو السؤال الذي يتردد؟. لماذا لا نرجع نحن إلى القرآن وإلى لغتنا لنعرف ما هي كلمة (إرهاب)؟ وما علاقتنا بها؟ وأمام من يجب أن يكون الناس إرهابيين؟ وما هو الإرهاب المشروع؟ وما هو الإرهاب الذي ليس بمشروع؟. حتى نحن كلنا مثقفونا وزعماءنا لم نجرؤ على أن نقاوم ذلك الانحراف في معنى هذه الكلمة أن نقاومه وأن نرسخ معناه القرآني.

} ترهبون به عدو الله وعدوكم{ كلمة (إرهاب) في القرآن الكريم تعني أن على المسلمين أن يعدوا القوة بكل ما يستطيعون ،بل وأن يلحظوا حتى الشكليات وأن يلحظوا حتى (المرابط) التي هي في الأخير ستزرع الهزيمة في نفس العدو }ترهبون به عدو الله وعدوكم{ إن عليكم أيها المسلمون – هكذا يقول القرآن الكريم- إن عليكم أيها المؤمنون أن تعملوا بكل ما تستطيعون على أن ترهبوا أعداء الله، هذا هو الإرهاب المشروع، لكننا بدل أن نتحدث عن الإرهاب المشروع نحن من نسمع في وسائل الإعلام والزعماء ،ونسمح بأن تتردد كلمة (إرهاب) بمعناها الأمريكي وليس بمعناها القرآني. أليس هذا من الغبا؟. أليس هذا من مظاهر تغير الأمور وتعكيس الحقائق؟.

إن علينا أيها الأخوة أن نتحدث دائماً عن الجهاد ،حتى أولئك الذين ليس لديهم أي روح جهادية عليهم أن يتحدثوا عن كلمة (جهاد) ؛لأن كلمة (جهاد) في نفسها ،كلمة (جهاد) في معناها هي تتعرض لحرب ،أصبحنا نحن نُحارب كأشخاص ،وتُحارب أرضنا كأرض ،وتُحارب أفكارنا كأفكار، بل أصبحت الحرب تصل إلى مفرداتنا ،أصبحت ألفاظنا حتى هي تُحارب ،كل شيء من قِبَل أعداءنا يتوجه إلى حربنا في كل شيء في ساحتنا ،إلينا شخصياً ،إلى اقتصادنا، إلى ثقافتنا ،إلى أخلاقنا ،إلى قِيَمِنا ،إلى لغتنا ،إلى مصطلحاتنا القرآنية ،إلى مصطلحاتنا العربية. أن لا نسمح أن تتغير الأمور وأن تنعكس الحقائق إلى هذا الحد ،فتغيب كلمة (جهاد) القرآنية ،وتغيب كلمة (إرهاب) بمعناها القرآني ليحل محلها كلمة (إرهاب) الأمريكية.وهذه الكلمة (إرهاب) تعني أن كل من يتحرك بل كل من يصيح تحت وطأة أقدام اليهود سيسمى (إرهابي) ،أن كل من يصيح غضباً لله ولدينه ،غضباً لكتابه ،غضباً للمستضعفين من عباده الكل سيسمون (إرهابيين) ،ومتى ما قيل عنك: أنك إرهابي فإن هناك من يتحرك لينفذ ليعمل ضدك على أساس هذه الشرعية الأمريكية التي قد وُضِعَت من جديد.

نحن نختلف عن أولئك ،نحن نمتلك شرعية إلهية قرآنية ،ونقعد عن التحرك في سبيل أداءها ،وفي التحرك على أساسها ،ونرى كيف أن أولئك يحتاجون إلى أن يؤصِّلوا من جديد ،ويعملوا على أن يخلقوا شرعية من جديد ،ثم متى ما وُجِدت هذه الشرعية فإنهم لا يقعدون كما نقعد إنهم يتحركون ،أوليس هذا هو ما نشاهد؟. لقد تبدل كل شيء ،لقد تغير كل شيء فنحن من نقعد والشرعية الإلهية موجودة ،وهم من يتحركون على غير أساسٍ من شرعية فيُشَرِّعُون ويُؤصِّلُون ثم يتحركون ولا يقعدون.

إن علينا أيها الاخوة أن نتحدث دائماً حتى لا نترك كلمة (إرهاب) بمعناها الأمريكي أن تترسخ في بلادنا ،أن تسيطر على أذهان الناس في بلادنا أو أن تسبق إلى أذهان الناس ، علينا أن نحارب أن تترسخ هذه الكلمة ،لأن وراء ترسخها ماذا؟. وراء ترسخها تضحية بالدين وتضحية بالكرامة وبالعزة وبكل شيء ،حينئذٍ سيُضرب أي عالم من علماءنا سيقاد علماؤنا بأقدامهم إلى أعماق السجون ،ثم يعذبون على أيدي خبراء يهود ،الذين يمتلكون أفتك وسائل التعذيب على أساس ماذا؟. (أنه إرهابي). فيكون الناس جميعاً هم من أصبحوا يسلمون أن كلمة (إرهابي) هي كلمة مَن أُطلقت عليه –بحق أو بغير حق- هو من يصبح أهلاً لأن يُنَفذ بحقه العقاب، ومن هو المنفذ المسلمون أم الأمريكيون؟. الأمريكيون أو عملاؤهم ينفذون ما يريدون عمله فيعذبون علماءنا. وكل من يصرخ ليعيد الناس إلى العمل بكتاب الله هو أيضاً عندهم إرهابي ،وكل من يدرس الناس في مدرسة علوم القران هو أيضاً عندهم إرهابي، وأي كتاب يتحدث عن أن الأمة هذه عليها أن تعود إلى واجبها وأن تستشعر مسئوليتها هو أيضاً عندهم إرهابي.

أولم نسمع جميعاً –أيها الأخوة- أنه عندما جاء المبعوث الأمريكي إلى اليمن دار الحديث بينه وبين الرئيس حول (ضرورة التعاون على مكافحة الإرهاب، وجذور الإرهاب، ومنابع الإرهاب). هل تركوا مصطلحاً آخر لم يصلوا إليه؟. منابع الإرهاب، وجذور الإرهاب هو القرآن الكريم بالمعنى الأمريكي لكلمة (إرهاب) هو إرهابي. هل نسمح بكلمة (جذور إرهاب، ومنابع الإرهاب) أن يكون معناها القرآن الكريم وعلماء الإسلام ومن يتحركون على أساس القرآن؟.

إن الحقيقة أن منابع الإرهاب وجذور الإرهاب هي أمريكا، إن منابع الإرهاب وجذور الإرهاب الإجرامي هم أولئك الذين قال الله عنهم }ويسعون في الأرض فساداً{ ،هم أولئك الذين لفسادهم لاعتدائهم لعصيانهم لبغيهم جعل منهم القردة والخنازير. أليسوا هم منابع الإرهاب وجذور الإرهاب؟. أليسوا هم من يصنعون الإرهاب في هذا العالم؟.

من هو الإرهابي؟ هل هو أنا وأنت الذي لا يملك صاروخاً ولا يمتلك قذيفة ولا يمتلك مصنعاً للأسلحة ولا يمتلك شيئاً أم أولئك الذي يصنعون أفتك الأسلحة؟.

من هو الإرهابي أنا وأنت أم أولئك الذين يستطيعون أن يثيروا الحروب والمشاكل في كل بقعة من بقاع العالم؟. من هو الإرهابي أنا وأنت أم أولئك الذين يستطيعون أن يفرضوا على أي شعب من الشعوب المسلمة المسكينة أي عميل من عملاءهم ليدوسها بقدمه ولينفذ فيها ما تريد أمريكا تنفيذه؟. إنهم هم الإرهابيون ،إنهم منابع الإرهاب وهم جذور الإرهاب. إنهم كما قال عنهم الإمام خميني رحمة الله عليه -وهو شخص لم يكن يتكلم كلاماً أجوفاً- قال عن أمريكا إنها (الشيطان الأكبر) والله تحدث عن الشيطان أن عمله كله فساد ،عمله كله ضر بالناس ،كله شر ،كله باطل وبغي ،لم يكتفِ بأن يوقع بالناس الشر في هذه الدنيا بل إنه كما قال عنه سبحانه وتعالى }إنما يدعوا حزبه ليكونوا من أصحاب السعير{. إنهم هم الإرهابيون ،ومن هناك مِن عندهم منابع الإرهاب ،وبلدانهم جذور الإرهاب، وثقافتهم هي الإرهاب ،وهي من تخرج الإرهابيين.

أليست الثقافة القرآنية هي من تنشئ جيلاً صالحاً؟ ،من ترسخ في الإنسان القيم الفاضلة والمبادئ الفاضلة؟ ؛كي يتحرك في هذه الدنيا عنصراً خيِّراً يدعوا إلى الخير ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر وينصح للآخرين؟. يهتم بمصالح الآخرين؟. لا ينطلق الشر لا على يده ولا من لسانه؟. أليس هذا هو ما يصنعه القرآن؟.

أنت لا حظهم أليست ثقافة الغربيين هي من تعمل على مسخ الفضائل؟ ،هي من تعمل على مسخ القيم القرآنية والأخلاق الكريمة من ديننا ومن عروبتنا؟ أليس هذا ما تتركه ثقافتهم في الناس؟. فإذا كانت ثقافة القرآن هكذا شأنها وثقافتهم هكذا شأنها فإن ثقافتهم هم هي التي تصنع الإرهاب الإجرامي. لكنهم يريدون أن يقولوا لنا وأن يرسخوا في مشاعرنا أن ثقافتنا -التي هي الثقافة القرآنية- هي من تصنع الإرهاب. إذاً سيقولون لنا: الكتاب الفلاني من كتب أهل البيت ،من كتبكم أنتم الزيدية ،هذا الركام من كتبكم أنتم الزيدية كلها كتب تصنع إرهابيين إذاً هي جذور إرهاب. ولكننا نرى في واقع الحياة من الذي يمكن أن يتحرك عنصراً خيراً في هذه الحياة؟. يصنع الخير للناس ويدعوا الناس إلى الخير هل هو من يتخرج على أساس ثقافتهم أم من يتخرج على أساس ثقافة القرآن؟.

نحن إذاً نواجه بحرب في كل الميادين ،حرب على مفاهيم مفرداتنا العربية، إذا لم نتحرك نحن قبل أن تترسخ هذه المفاهيم المغلوطة بمعانيها الأمريكية بمعانيها الصهيونية والذي سيكون من وراءها الشر إذا لم نتحرك ستكون تضحيات الناس كبيرة ، ستكون خسارة الناس كبيرة.

عندما نسمع كلمة (أنهم يريدون أن يتحركوا لمحاربة الإرهاب وجذور الإرهاب ،ومنابع الإرهاب) فإن علينا دائماً أن نبادر إلى الحديث عن الإرهاب ماهو؟. ونربطه بأمريكا ،أمريكا هي التي تصنع الإرهاب للناس جميعاً ،وأن اليهود هم من يسعون في الأرض فساداً ،وأن من يسعى في الأرض فساداً هو من يصح أن يقال عنه أنه إرهابي إرهاباً غير مشروع.

وأننا لا نسمح أبداً أن تتحول كلمة (إرهاب) القرآنية إلى سُبَّةٍ وإلى كلمة لا يجوز لأحد أن ينطق بها. فلنقل دائماً أن كلمة (إرهاب) كلمة قرآنية مطلوب من المسلمين أن يصلوا إلى مستواها ، إن الله يقول }وأعدوا لهم –أي لأعداء الإسلام لأعداءكم لأعداء الله- ما استطعتم من قوة ومن رباط الخيل ترهبون به عدو الله وعدوكم{ هنا كلمة } ترهبون{ يريد الأمريكيون أن تكون كلمة لا يجوز لأحد أن يتحدث عنها؛ لأن معناها قد تغير فكلمة } ترهبون{ قد فسرها الأمريكيون تفسيراً آخر ، فمن انطلق على أساس هذه الكلمة القرآنية فإنه قد أُعْطِيَ للأمريكيين شرعية أن يضربوه ،والله يقول } ترهبون به عدو الله وعدوكم{. وإذا ما سمعنا عن كلمة (جذور إرهاب ومنابع إرهاب) فإن علينا أن نتحدث دائماً عن اليهود والنصارى كما تحدث الله عنهم في القرآن الكريم من أنهم منابع الشر ،ومنابع الفساد من لديهم ،وأنهم هم من يسعون في الأرض فساداً.

- الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود /النصر للإسلام-
وحينئذٍ سننتصر ،وإنه لنصر كبير إذا ما خُضْنَا معركة المصطلحات ،فنحن الآن في معركة مصطلحات ،إذا سمحنا لهم أن ينتصروا فيها فإننا سنكون من نُضرب ليس في معركة المصطلحات بل في معركة النار ،إذا ما سمحنا لهم أن تنتصر مفاهيمهم ،وتنتصر معانيهم لتترسخ في أوساط الناس.

فعندما نردد هذا الشعار ،وعندما يقول البعض ما قيمة مثل هذا الشعار؟. نقول له :هذا الشعار لا بد منه في تحقيق النصر في هذه المعركة على الأقل، لا بد منه في تحقيق النصر في هذه المعركة معركة أن يسبقنا الأمريكيون إلى أفكارنا وإلى أفكار أبناء هذا الشعب ،وإلى أفكار أبناء المسلمين وبين أن نسبقهم نحن. أن نرسخ في أذهان المسلمين :أن أمريكا هي الإرهاب الإجرامي، أن أمريكا هي الشر ،أن اليهود والنصارى هم الشر حتى لا يسبقونا إلى أن يفهم الناس هذه المصطلحات بالمعاني الأمريكية.

فعندما نرفع هذا الشعار أيها الاخوة نحن نرفعه ونجد أن لـه الأثر الكبير في نفوسنا ، وفي نفوس من يسمعون هذا الشعار، حتى من لا يرددون هذا الشعار فإننا بترديدنا للشعار من حولهم سنترك أثراً في نفوسهم ،هذا الأثر هو أن اليهود ملعونين ،ونذكر مثل هذا الشخص الذي لا يرفع هذا الشعار بتلك الآيات القرآنية ،وعندما يسمع الشعار ونحن نهتف به ويعود ليقرأ سورة البقرة وسورة آل عمران وسورة النساء وغيرها من السور التي تحدث الله فيها عن اليهود والنصارى سيفهمها بشكل آخر ،سيفهمها أكثر من قبل أن يسمع هذا الشعار يتردد من حوله.

وعندما نهتف بهذا الشعار يترافق معه توعية كاملة ، كلها تقوم على أساس أن منابع الشر وجذور الشر ،الفساد في الأرض ،الإرهاب لعباد الله ،الظلم لعباد الله، القهر للبشرية كلها هم أولئك الذين لعنهم الله في القرآن الكريم ،هم اليهود ،هم أمريكا وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا وكل من يدور في فلكهم.

لا بد أن نكون واعين ،أن نكون فاهمين ،علينا أن نتحمل المسئولية القرآنية بوعي، أما إذا أصبحنا إلى درجة لا نعي ولا نفهم ما يدبر الآخرون، ولا نعي ولا نفهم خطورة ما يدور من حولنا فإن ذلك يعني أننا سنعيش في حالة أسوء مما نحن فيه. أوليس كل واحد منا يعرف ما في هذا العالم من أحداث كلها تدور على رؤوس المسلمين ،وكلها حرب للإسلام والمسلمين؟ أليس هذا شيء مفهوم لنا جميعاً؟. من هم المسلمون؟. هم نحن ،وما هو الإسلام؟. هو دين الله الذي ارتضاه لعباده ،هو هذا الدين الذي ندين به. إذا أصبحنا لا نفهم ما يعملون ،ومما يعملون هو أنهم يعملون جاهدين على ترسيخ هذه المفاهيم المغلوطة.

على كل واحد منا أن يتحرك ،وعندما يتحرك سيجد أنه باستطاعته أن يعمل الشيء الكثير في مواجهة أولئك. أم أننا سننظر إلى هذه الأحداث تلك النظرة التي سار عليها العرب وزعماؤهم فترة طويلة في هذه المرحلة المتأخرة من هذه الفترة الزمنية التي نحن فيها.

لاحِظوا، اليهود يتحركون، الأمريكيون يتحركون، كل أولئك يتحركون بكل ما يستطيعون في مواجهة المسلمين ،في سبيل إذلال المسلمين ،في سبيل تحطيم اقتصادهم ،في سبيل مسخ ثقافتهم ،في سبيل إفساد أخلاقهم ،ثم أيضاً حرب مسلحة ضد مختلف المسلمين في مختلف بقاع البلاد الإسلامية ،أليس هذا ما نشاهده؟. ما هو الموقف الذي نسمعه دائماً يتردد على أفواه زعماء العرب؟. وعلى شفاه زعماء المسلمين كلهم؟. أليس هؤلاء هم من يقابلون الحرب بكلمة سلام فيقولون: (نحن نريد السلام ،ونحن نسعى للسلام ،ونحن نطالب بالسلام)؟. أليس عرفات ظل يهتف بهذه الكلمة وبحرصه على السلام وبأنه حريص على عملية السلام أن تبقى سليمة بعد أن ضُربت دولته وضربت طائراته ،وضربت مباني حكومته ،وضربت قوات أمنه وشرطته ومع ذلك لا زال يردد كلمة سلام.

أذكر كلمة جميلة يوم أن اجتمع زعماء المسلمين في (الدوحة) قال الرئيس السوداني : (نحن في مواثيق (منظمة المؤتمر الإسلامي) كنا قد ألغينا كلمة (جهاد) وقلنا نريد أن نعيش مع الآخرين في سلام ،ونحن دعاة سلام، ونحن نريد سلاماً، فلم نجد سلاماً من أولئك ،ولا قبلت هذه الكلمة) ثم قال (إن علينا أن نعود إلى الجهاد ،أن نعود إلى القرآن). (لقد ألغينا من مواثيق منظمة المؤتمر الإسلامي كلمة (جهاد) كشف هو أن زعماء المسلمين في مواثيقهم كـ(منظمة المؤتمر الإسلامي) كانوا قد ألغوا هذه الكلمة على أساس أننا في عصر يجب أن تعيش الشعوب مع بعضها بعض تعايشاً سلمياً ومصالح متبادلة ،وحقوق جوار متبادلة ،ونحن دعاة سلام ،ونحن نريد السلام. وهكذا تتردد هذه الكلمة كثيراً.

نحن من نشاهد تلك الأحداث ألسنا نسخر من هذه الكلمة في الأخير؟. ألسنا أصبحنا نفهم أنها كلمة لا أحد من أولئك يسمعها؟. هل إسرائيل تسمع العرب عندما يقولون نريد السلام؟. أم أنها تتحرك هي فتضرب وتقتل وتدمر؟. هل إسرائيل تجيب العرب عندما يقولون نريد السلام؟. هل الأمريكيون يجيبون العرب عندما يقولون نريد السلام؟. لقد أصبحنا جميعاً نعلم أن كلمة (سلام) كلمة لا قبول لها عند أولئك. وأن كلمة (سلام) كلمة ظل يتمسك بها زعماء العرب بعد أن أصبحوا على يقين من أنها كلمة لا أحد يستجيب لها من أولئك.

ونحن إذا ما نظرنا لهذه الأحداث على هذا الأساس فإنما نحن أيضاً انعكاس آخر لأولئك الزعماء الذين ظلوا يهتفون بهذه الكلمة أمام كل حدث يكون ضحيته تدمير منازل وإزهاق أرواح وإحراق مزارع. عندما بدأت هذه الأحداث كلنا لمس أن هناك تحرك من نوع آخر ،تحرك مكشوف ،تحرك ترافقه عبارة صريحة تنبئ عن نوايا سيئة ،تنبئ عن أهداف شريرة ضد المسلمين في كل بلد ،ومع ذلك يبدوا أن تلك الكلمة بدأت تتسرب إلى مشاعرنا نحن كلمة (سلام) بذلك المعنى الذي تردد كثيراً ولم يستجب له أحد.

هانحن نسمع أن اليمن نفسه يواجَه بحملة دعائية أنه دولة إرهابية وأنه بلد خصب للإرهاب. ونسمع أيضاً بأن هناك محاولة بل هناك فعلاً دخول للأمريكيين إلى اليمن ،الأمريكيين قد دخلوا كجنود بالمئات إلى اليمن، وإذا جاء أحد يتحدث مع الناس: أن علينا أن نستيقظ أمام ما نشاهد ،وأمام ما نسمع ،إن العواقب ستكون سيئة ،إن المصيبة كبيرة ،إن نوايا أولئك سيئة إن علينا أن نستيقظ ،إن علينا أن نعِد أنفسنا حتى لا نكون من يسمح لأولئك أن يعملوا ما يريدون فنرى أنفسنا في يوم من الأيام ضحية في الوقت الذي لا نستطيع أن نعمل فيه شيئاً. هناك من قد يرى أن السكوت هو أسلم ،وأنه يجب أن نطالب بالسلام ونحافظ على السلام.

نحن ننسى أمام كل حدث ،أمام كل حرب نواجهها –وهذه هي من المشاكل الكبيرة علينا- نحن ننسى أن نعود إلى القرآن الكريم ،نحن ننسى أننا عبيد الله والله هو رحيم بنا ،وأن الله هو (السلام) من سمانا (مسلمين) ،وهو من سمى حتى جنته (دار السلام). أليس السلام هو من أسماء الله الحسنى؟. أوليس ديننا هو الإسلام؟. أوليست الجنة هي (دار السلام)؟. أولم يقل الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم }قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام{. ننسى أن من أسماء الله الحسنى (السلام) ،وننسى أننا نحمل اسم كلمة (إسلام) ،وننسى بأننا نسعى لأن نحظى بأن نكون من أهل (دار السلام)، وننسى أيضاً بأن كتابنا القرآن الكريم يهدي إلى سبل السلام. فلماذا لا نعود إلى القرآن لنعرف ما هو هذا السلام الذي هو اسم من أسماء الله الحسنى. ما هو ذلك السلام؟. وأين هي سبل السلام التي يهدي إليها القرآن الكريم؟. إذا كنا نبحث عن السلام.

إذا كان زعماء العرب يبحثون عن السلام فإن عليهم أن لا يبحثوا عن السلام من أمريكا أو من إسرائيل أو من بلدان أوروبا، أوليس هذا هو ما يحصل؟. عرفات عندما أصبح سجيناً في بيته يوجه خطابه إلى أمريكا يناشدها بالسلام ،والزعماء كلهم على طول البلاد العربية وعرضها يناشدون أمريكا بالسلام. هل نسيتم أيها العرب أن ربكم هو السلام؟. هل نسيتم أن اسمكم مشتق من السلام؟. }هو سماكم المسلمين{ ونحن نحمل اسم (مسلمين). هل نسيتم أن الله سبحانه وتعالى قال }قد جاءكم من الله نور وكتاب مبين يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام{ لماذا لا نعود إلى القرآن إذا كنا ننشد السلام لنعرف السبل التي يهدي إليها؟. أليس هذا هو الحل؟.

فكل واحد منا أيها الأخوة أمام أي حدث يسمعه عليه أن يعود إلى القرآن قبل أن يفكر هو فيخرج بأفكار قد تجعله يتخذ قرارات يظن أن من ورائها السلامة وهي في الواقع إنما تكون عاقبتها الندامة. إذا كنا نريد السلام فلنعد إلى القرآن ليهدينا هو إلى السلام ،ولنسر على هديه ليتحقق لنا السلام. فلا أحد منا ينبغي أن يعود إلى نفسه عندما يسمع أي حدث. عندما نسمع أن هناك اتفاق على أساس أن اليمن فيه إرهابيون ،وأن هناك اتفاق على أن يكون هناك حرب للإرهاب ومنابع الإرهاب وجذور الإرهاب بالمعنى الأمريكي -أليس هذا حدث يخيف؟- فالكثير قد يفكر :إذاً فإذا كانت كلمة (الموت لأمريكا) قد تثير الآخرين علينا فإن السلام أن لا نتحدث بها. أليس هذا الشعور قد يحصل عند أي واحد منا؟.

دخول الأمريكيين إلى اليمن نحن نعلم أنه بداية شر في هذا البلد الميمون ،ثم نرى بأن علينا أن نسكت لأن لا نثيرهم فيدخلوا من جنودهم أكثر مما قد وصل ،حينئذٍ سيرى كل واحد منا أن السلام سيتحقق من خلال السكوت ،وأن السكوت ،وأن الصمت ،وأن الجمود هو وسيلة السلام. لا .لا. إن هذا ليس منطق القرآن أبداً.

ومن هو الذي يمكن أن نسمي قراره بأنه قرار صحيح من يتخذ قراراً من عند نفسه ويقول لنا بأن السلامة في ذلك القرار الذي اتخذه والحكمة التي وضعها أم من يعود إلى القرآن الكريم ليبحث عن سبل السلام التي يهدي إليها؟. الآية صريحة }يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام{، فلنرجع إلى القرآن الكريم ،هل طلب الله من عباده أن يصمتوا أمام الظالمين أمام الكافرين أمام اليهود والنصارى أم أوجب عليهم أن يتكلموا؟. أوجب عليهم أن ينفقوا ،أن يجاهدوا؟. أوجب عليهم أن ينفقوا في سبيل الله وجاء الأمر في ذلك بعبارة صريحة }وأنفقوا في سبيل الله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة{. ألم يقل هنا أنك إذا كنت تريد السلام فإن عليك أن تنفق في سبيل الله، إذا كنتم تريدون السلام فإن عليكم أن تتوحدوا فيما بينكم ،أن تعتصموا بحبل الله جميعاً وأن لا تتفرقوا ،أن تنفقوا في سبيل الله ،أن تتحركوا ،أن تعدوا ما تستطيعون من قوة. أليس هذا منطق القرآن؟.

إنه بكل هذا يهدي إلى السلام ،وإذا كنا نحن لا نفهم منطق القرآن فإن الأمريكيين يفهمون ذلك ، لديهم مثل يقول (إذا كنت تريد السلام فاحمل السلاح).

- الله أكبر/ الموت لأمريكا/ الموت لإسرائيل/ اللعنة على اليهود /النصر للإسلام-
عندما يقول القرآن الكريم }إنما المؤمنون اخوة{ }والمؤمنون المؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر{ عندما يقول }ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر{ عندما يقول أيضاً }قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون{ عندما يقول }وأنفقوا في سبيل الله والله ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة{ عندما يقول }واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا{ إنه بكل ذلك يهدينا إلى السلام ،يهدينا إلى سبل السلام، فكل من ينشد السلام كل من يريد السلام ،كل من يعرف أن ربه هو السلام أن عليه أن يتحرك على أساس القرآن.

ولنرى مصداق ذلك ماثلاً أمام أعيننا ،(حزب الله) في لبنان أليس الآن يعيش في سلام؟، (حزب الله) في لبنان هل التزم الصمت والسكوت؟. أم أنه مجاميع من المؤمنين تشبعوا بروح القرآن الكريم التي كلها عمل وجهاد ،كلها وحدة ،كلها أخوة ،كلها إنفاق ،كلها بذل؟. هاهم الآن – على الرغم من أن إسرائيل وأمريكا يعلمان أنهم هم الإرهاب بعينه – وفق مفاهيم أمريكا وإسرائيل هاهم الآن يعيشون في سلام. والإسرائيليون والأمريكيون هاهم يضربون الفلسطينيين ويضربون أينما شاءوا ، هاهم يذلون زعماء تلك الملايين ،زعماء يمتلكون مئات الآلاف من الجيوش المسلحة بأحدث الأسلحة ،وذلك الحزب يعيش رافعاً رأسه، مجاميع من المؤمنين تعيش رافعة رأسها، تتحدث بكل ما تريد ضد إسرائيل ، تمتلك قناة فضائية تسخرها كلها ضد إسرائيل حتى فواصلها ضد إسرائيل ،وهاهي إسرائيل لا تجرؤ أن تضربهم بطلقة واحدة ،أليس هذا هو السلام؟.

هاهي إيران – وأمريكا وإسرائيل تعلمان أن إيران هي الإرهاب بكله ،هي الإرهاب بعينه – على حد تعريفهم للإرهاب- وأنها ليست فقط دولة إرهابية بل تصدر الإرهاب كما يقولون- هاهي دولة عندما وُوجهت بتهديد أمريكي تجريبي –لأن الأمريكيين قد عرفوا الإيرانيين وعرفوا الثورة الإسلامية وعرفوا قادتها ،لكن هذا الرئيس الأمريكي جاء ليعمل تهديداً تجريبياً لينظر ماذا ستكون ردة الفعل- والإيرانيين يفهمون كيف يقابلون الأحداث وكيف تكون ردود الفعل الصحيح ، خرجوا بزعيمهم وقائدهم وكل مسئوليهم والشعب كله خرج في مسيرات صاخبة تتحدى أمريكا. ما الذي حصل بعد ذلك؟. هل تحركت أمريكا أو كررت شيئاً من عباراتها الجارحة لمشاعر الإيرانيين؟. أم أن الرئيس الأمريكي نفسه وُوجه بكلام قاس من أعضاء (الكونجرس) الأمريكي نفسه فقالوا لـه :إنك تثير الآخرين ضد مصالح أمريكا. ألم يتحقق بتلك المواقف العملية السلام للإيرانيين.

مَن الشعب الذي يعيش الآن يتلقى الضربات الموجعة من إسرائيل هل هم حزب الله أم الشعب الفلسطيني؟. لأن الشعب الفلسطيني كانوا كمثلنا يتوافد اليهود بأعداد كبيرة من كل بلد إلى فلسطين ولا يهتمون بذلك ولا يتدبرون عواقب ذلك. كانوا كمثلنا وما أكثر من يرى هذه الرؤية ولا يأخذ الدروس من الأحداث التي قد وقعت. كان الفلسطيني يبيع من‍زله من اليهود بمبالغ كبيرة ويراه مكسباً ،كما يبيع الناس هنا في بلدنا الكتب من تراثنا ،يبيعون كتباً من تلك الكتب الزيدية المخطوطات القديمة يبيعها بمبلغ كبير من الدولارات. أليس الناس هنا مستعدون أن يبيعوا منازلهم بمبالغ كبيرة؟. لا نتدبر العواقب، الفلسطينيون كانوا يبيعون منازلهم ويبيعون أراضيهم. كان اليهود يتوافدون إلى بلدهم ولا يحسبون لذلك حساباً كما يتوافد الأمريكيون الآن إلى اليمن ولا نحسب لذلك حسابه ولا نفكر في عاقبته ،الحال واحدة. فما الذي حصل؟. تحول اليهود إلى عصابات وضربوا الفلسطينيين.

وعندما يواجه الناس أيضاً إن كل من لا يرى أن عليه أن يتخذ موقفاً في بدايات الأمور فإنه قد لا يتخذ موقفاً حتى وإن أصبحت الأمور بالشكل الواضح ،لو أصبح هناك ضرب من الأمريكيين لليمن أو لمناطق في اليمن تحت مسمى أنهم يحاربون الإرهاب فسنجد أن هناك من يقول: (لا ينبغي لأي شخص أن يتحرك عندما تتحرك ستثيرهم أكثر). تبريرات لا تنتهي.

لكن ماذا كان عاقبتها في فلسطين؟. عندما توافد اليهود بأعداد كبيرة من كل بلد وكان الفلسطينيون صامتين وكانوا هكذا يسيرون على هذه الحكمة التي تقول أنه (إذا كان الكلام من فضة فإن السكوت من ذهب) أن السكوت حكمة ، سكت الفلسطينيون فإذا بهم يرون أنفسهم ضحايا لعصابات اليهود ،وإذا بهم يرون أنفسهم مواطنين غرباء تحت ظل دولة يهودية ،وإذا بهم في الأخير يرون أنفسهم كما نراهم اليوم على شاشات التلفزيون. أليس هؤلاء يضربون كل يوم؟. هل تظن أن الفلسطينيين أنفسهم ليس فيهم من يقاتل؟. فيهم الكثير ممن يمكن أن يقاتل ،فيهم الكثير ممن يمتلكون أسلحة ،(منظمة التحرير الفلسطينية) تمتلك أسلحة وتمتلك جيشاً ,وتمتلك خبرات قتالية ،كانت بعض الحركات في البلاد العربية تتدرب على أيدي الفلسطينيين لكنهم يمسكون بهذه الحكمة (السكوت من ذهب) ،والجمود هو الحل، والسكوت هو الحل ،والمطالبة بالسلام من أمريكا هو الشيء الذي سيحقق لنا السلام. هؤلاء يضربون يوماً بعد يوم.

لو تحرك هؤلاء كما تحرك (حزب الله) في لبنان لو انطلقوا - وهم الآلاف وفيهم الشباب وفيهم من يعرف كيف يستخدم الأسلحة- لو انطلقوا كما انطلق (حزب الله) في لبنان لحققوا لأنفسهم السلام كما حققه حزب الله لبلده ولشبابه ولمواطني جنوب لبنان. أليس هذا هو ما نشاهده ماثلاً أمامنا؟.

نحن علينا أن نأخذ الدروس ونحن في بداية الأحداث ،لا يجوز بحال أن نسكت ونحن نسمع أن الأمريكيين يدخلون إلى اليمن. لماذا جاءوا؟. وماذا يريدون أن يعملوا؟.

نحن أيضاً من نردد كلمات التبرير لدخولهم فنقول: (إنما جاءوا ليدربوا الجيش اليمني). هل أن اليمن إنما تحول إلى دولة ،وإنما كان له جيش من هذه السنة أم أن لديه جيش تكون منذ سنين ،وتدرب الكثير منه في بلدان أخرى، ولديه هنا مراكز للتدريب!؟. هل الجيش اليمني بحاجة إلى الأمريكيين أن يأتوا إليه ليدربوه؟. ومن أجل من يتدربون؟. والرئيس يقول: (هناك فقط ثلاثة إرهابيين ادعى الأمريكيون أنهم في اليمن). هل مواجهة ثلاثة إرهابيين تحتاج إلى كتائب من الجيش الأمريكي وخبراء أمريكيين يدخلون اليمن؟‍‍!!. وهل ثلاثة إرهابيين في اليمن –كما يقولون- تحتاج إلى أن ترسوا السفن الحربية في سواحل اليمن أم أن هناك نوايا أخرى؟؟!.

ونحن -لأننا قد اتخذنا قرار الصمت والجمود وإغماض الأعين- من ستسكتنا ،من سترضينا ،من سنتشبث بكلمة مثل هذه. لا يمكن أن تكون واقعية.

ثلاثة إرهابيين في اليمن نحتاج إلى جيش أمريكي يأتي ليدرب الجيش اليمني على مواجهة ثلاثة إرهابيين!!. ألم يدخل اليمن في حرب عام 1994م حرب شمال اليمن وجنوبه ،ألم تكن حرب شديدة ؟. هل احتاج اليمنيون للأمريكيين أن يدربوهم؟. لم نحتاج إلى ذلك.

إن دخول الأمريكيين إلى اليمن هو بداية شر ،يريدون أن يعملوا قواعد عسكرية في هذا البلد وإذا ما عملوا قواعد عسكرية في هذا البلد فإنه سيكون قرار البلد بأيديهم أكثر مما هو حاصل الآن ،سيحكمك الأمريكيون مباشرة ، يضعوا من يشاءوا يؤتون الملك هنا من يشاءوا وين‍زعونه ممن يشاءون – إن صح التعبير- ،يسيرون الأمور في اليمن كما يشاءون.

وهل نحن نظن بالأمريكيين خيراً؟. هل يمكن أن نقول أن أولئك الذين قال الله عنهم أنهم ما يودون لنا أي خير ،وأنهم لا يحبوننا ،وأنهم أعداء لنا ،فهل أنهم سيأتون من أجل الخير لنا؟. ومن أجل مصلحتنا؟. إنهم لا يمكن أن يتحركوا إلا ضدنا وضد مصالحنا ،وإفسادنا وإفساد نفوسنا ،وإفساد شبابنا ،وإفساد كل شئون حياتنا.

فإذا كنا نصمت ونحن نراهم ،إذا كنا نسمع أن هناك من يجعل من نفسه جندياً يعمل على أنه متى ما قالوا فلان إرهابي أن يتحرك لأن يلقي القبض عليه ويضربه ثم نسكت ،فإن العواقب ستكون وخيمة وسنرى أنفسنا أبداً لا يمكن أن يتحقق لنا سلام ،ولا تبقى لنا كرامة ولا عزة ،وسنرى قرآننا يُحارب ،سنرى مدارسنا تغلق ،سنرى علماءنا يسجنون ، سنرى شبابنا يُقَتَّلُون ،سنرى مساجدنا تغلق ،سنرى أنفسنا غرباء في بلدنا ،نرى ديننا يُحارب. وفي نفس الوقت أيضاً لا يكون لنا عذرنا أمام الله سبحانه وتعالى فنكون في الأخير من قد أوقعنا أنفسنا في خزي في الدنيا ،ونكون من قد جعلنا أنفسنا ممن يكون لهم العذاب العظيم في الآخرة.
علينا أيها الاخوة أن نفكر دائماً في أن كل من يقول أنه يريد السلامة وأنه لا يريد أن تكون الأمور بالشكل الذي يتطور أكثر فأكثر عليه أن يبحث عن السلام وفق منطق القرآن الذي قال الله فيه }يهدي به الله من اتبع رضوانه سُبُل السلام{. وأن منطق القرآن كله عمل ،كله جهاد ووحدة ،وأخوة ،وصدق ووفاء.
فإذا كنتم أنتم أيها الاخوة تفهمون ذلك فإنه شيء يجب علينا أن نسير عليه من الآن ؛لأن المرحلة طويلة كما قال أولئك أنفسهم ،عندما تحركت القطع البحرية بعد حادث (نيويورك وواشنطن) قال الرئيس الأمريكي: (إن المرحلة ستكون طويلة ،وأن هذه عملية ستتطلب زمناً طويلاً). خلال هذا الزمن الطويل - وهو الزمن الذي قد رسموه لأن يوصلونا إلى أحط مستوى- فإما أن نكون من يستغل تلك المرحلة الطويلة لأن يعودوا فينقلبوا على أدبارهم خاسرين ،ونكون نحن من حققنا السلامة لأنفسنا ولديننا ،ونكون نحن من حافظنا على ديننا وكرامتنا ومصالح بلادنا، فإذا كانت المرحلة طويلة فإنها مرحلة إما أن نرى أنفسنا في الأخير أعزاء كرماء شرفاء رؤوسنا مرفوعة وديننا مرفوعة رايته وإما أن نرى أنفسنا أسوء مما نرى في الفلسطينيين ،فإذا كنا نسمع أولئك يقولون: (إنها مرحلة طويلة) فإننا من الآن يجب أن نحسب حساب ماذا يجب أن نعمل خلال تلك المرحلة الطويلة التي جعلوها الزمن الكافي لضربنا تحت غطاء قيادة أمريكا لمكافحة الإرهاب ،وتحت غطاء كلمة (إرهاب).

وأن أول ما يجب أن نعمله -وهو أقل ما نعمله- هو: أن نردد هذا الشعار. وأن يتحرك خطباؤنا أيضاً في مساجدنا ليتحدثوا دائماً عن اليهود والنصارى وفق ما تحدث الله عنهم في القرآن الكريم. وأن نتحدث دائماً عن هذه الأحداث المؤسفة حتى نخلق وعياً لدى المسلمين ،ونخلق وعياً في نفوسنا.

وأن يكون عملنا كله قائماً على أساس أن تتوحد كلمتنا ،أن يتوحد قرارنا ،أن تتوحد رؤيتنا للأحداث، لا يجوز أن نكون على هذا النحو هذا يرى أن السلامة في السكوت والجمود والصمت ،وهذا يرى أن السلامة في العمل والجهاد والحركة والأخوة والوحدة ؛لأن هذا الذي يرى أن الصمت والسكوت هو الوسيلة هو سيتحرك مثلك في الساحة يدعو الآخرين إلى الصمت ،عليه أن يفهم ،وعليه أيضاً أن يجلس مع الآخرين إذا كان هو لا يفهم أن الصمت وأن السكوت في هذه المرحلة بالذات - ربما قد يكون الصمت في حادثة معينة ،ربما قد يكون الصمت أمام قضية معينة ،ربما قد يكون السكوت في حالة استثنائية له قيمته العملية -لكن الصمت في مرحلة كهذه لا قيمة له ،لا قيمة له إلا الخسارة في الأخير ،لا قيمة له إلا التضحية بالدين والكرامة والعزة ،لا قيمة له إلا الإهانة.

ثم نرشد أنفسنا جميعاً إلى أن نبحث عن سبل السلام من خلال القرآن الكريم ،الذي لا مجال ولا مكان للصمت والجمود بين صدور آياته الكريمة ،وحينئذٍ حينما نتحرك على هذا الأساس فنرفع هذا الشعار ونتحدث دائماً ،ونوعي أنفسنا بل أئمة مساجدنا عليهم أن يرددوا الآيات القرآنية في الصلاة تلك الآيات التي تتحدث عن اليهود والنصارى ،نذكر أنفسنا من جديد بخطورتهم.

إن القرآن الكريم يؤكد أنهم هم الأعداء التاريخيون لهذه الأمة من ذلك الزمن وربما إلى آخر أيام الدنيا ،وقد أعطانا الكثير الكثير من الهدى في سبيل معرفة كيف نواجههم ،وأعطانا ما يجعلنا حكماء في مواجهتهم ،وأعطانا ما يجعلنا أيضاً قادرين على أن نحول كيدهم وخبثهم إلى شيء لا أساس له ولا أثر له ،وأعطانا ما يجعلنا قادرين على أن نحوله إلى هباء منثور }فقاتلوا أولياء الشيطان إن كيد الشيطان كان ضعيفاً{.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يُبَصِّرنا وأن يُفهِّمنا ،أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوحد كلمتنا ،وأن يؤلف بين قلوبنا ،ونقول: }ربنا أفرغ علينا صبراً وثبت أقدامنا وانصرنا على القوم الكافرين{.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في السبت أكتوبر 28, 2006 6:00 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

يتبع ....
{ والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ولنأتِ إلى الصفة الأولى التي تمثل علاقة الإمام علي عليه السلام بالله وهي { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } الصلاة أليست خير الأعمال ؟. الصلاة فيما تعطيه من آثارها المهمة في العلاقة بالله سبحانه وتعالى وفي ميدان العمل في الحياة بكلها ، تعتبر فعلا خير الأعمال لأثرها الكبير ، أثرها المهم فيما تحتويه من دلالات مهمة ، فيما تعطيه من إشارات مهمة ، فيما تترك من آثار مهمة ، ألسنا ننادي للصلاة بــ( حي على الفلاح ، حي على خير العمل ) هل هناك عبادة أخرى ينادى لها بهذا النداء عدا الصلاة ؟. ( حي على الفلاح ، حي على خير العمل ) والصلاة متى ما أُدِّيَتْ قَيِّمَةً ذات قيمة { يُقِيمُونَ الصَّلاةَ } ليست ركوعاً وسجوداً أجوفاً بل ركوعاً وسجوداً باتجاهٍ إلى الله ، بإقبالٍ ، بخشوع ، بفهم لمعاني الصلاة لآثار الصلاة لأهمية الصلاة التي نحن ننادي بأنها خير الأعمال ، ووصفها الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في حديث صحيح عنه ( خير أعمالكم الصلاة ) . أليس المصلون كثيرين ؟ . لكن ما أقل من يقيمون الصلاة .

كيف نعرف بأننا لا نقيم الصلاة ؟ . أننا نصلي والكثيرون يصلون ولو التفت التفاتة خفيفة إلى ما تعنيه تلك الأذكار في الصلاة وتلك السور التي يجب قراءتها في الصلاة ، وذلك القيام ، وذلك الركوع ، وذلك الاصطفاف صفاً واحداً ، خلف إمام واحد ، وفي مكان واحد ، واتجاه واحد ، لو حصلت التفاتة خفيفة منا ــ ونحن نصلي كل يوم خمس مرات ــ لتركت أثرها الكبير في نفوسنا ، ولكانت مفتاحاً لكثير من أبواب الهداية أمام قلوبنا .

{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } الزكاة : تعني هنا الصدقة . الزكاة في القرآن الكريم تُستعمل بمعنى الصدقة النافلة . وتستعمل الصدقة أيضاً بمعنى الزكاة التي أصبحت عَلَماً على النسبة المحددة من المال المفروضة المرتبطة بعين المال ، وإلا فكلها تسمى زكاة باعتبار أن الصدقة من حيث هي زكاة للنفوس وزكاة للمال .

{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } أدى الزكاة أي تصدق بماله أثناء ركوعه ، فتقدمه بما هو أهم من أن يذكر باسمه في مقام ترسيخ النظرة إليه كإنسان كامل نرتبط به ، وهذا هو الذي افتقده السنية عندما لم يرتبطوا بعلي عليه السلام لماذا ؟ . لأنهم اعتبروا أن الآخر هو أكمل منه ، ألم يقولوا بأن أبا بكر أفضل من علي ؟ . فهم ارتبطوا بأبي بكر بعد أن جعلوه الأفضل ، لما لم ينظروا إلى علي عليه السلام ويلحظوا كماله ويؤمنوا بكماله لم يفدهم اسم ( علي ) ، هل أفادهم اسم ( علي ) ، لما فقدوا الارتباط بعلي عليه السلام باعتبار كماله فقدوا ما كان سيعطيهم الارتباط بكماله فلم يعد اسمه ينفعهم ، بل جعلوه رابعهم قدموا عليه أبا بكر ، قدموا عليه عمر ، قدموا عليه عثمان ؛ لأنه أصبح في نظرهم ( علي ) الرجل العادي المجرد عن الكمال فكان كذلك في نفوسهم ، نزلوه أول مرة والثانية والثالثة ، وربما لولا أن الآخرين حالوا دون أن ينزل مرة رابعة لفعلوا حتى تصل إليه الخلافة في أي درجة وبأي طريقة .

أليس اسم ( علي ) معروف لدينا ولديهم ؟ . إذاً ما الفارق بيننا وبينهم ؟ . هو أننا نظرنا إلى علي عليه السلام كرجل كامل ، هو أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هو أكمل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، هو من رباه القرآن ومحمد صلى الله عليه وآله وسلم وكان جديراً بتلقي بتلقي تلك التربية المهمة ، نحن ننظر إليه كإنسان كامل هذا هو الفارق ، أم أننا فقط الذي عرفنا اسم ( علي ) والآخرون لم يعرفوا اسم ( علي ) ؟ . هم يعرفون اسم ( علي ) أليسوا يقولون : أبو بكر وعمر وعثمان وعلي ؟ . لكن ما الذي جعلنا نختلف عنهم وفرق بيننا وبينهم ؟ . هو أنهم لم ينظروا إلى علي عليه السلام كرجل كامل ، كشخص كامل اختاره الله ليكون علماً للأمة بعد نبيه ، فمن هنا فعلاً يظهر لنا أثر النظرة لهذا الشخص الذي نرتبط به باعتبار كماله ، أما إذا لم تعتبره كاملاً فسيصبح لديك مجرد اسم على جسد كما يقال حبر على ورق .

كنت أتصفح كتاب لمحمد حسين فضل الله فاستفدت منه فائدة مهمة في هذا الموضوع قال : أن يتصدّق علي عليه السلام بخاتمه وهو يصلي تدلنا نحن على جدارته بأن يقود الأمة ؛ لأنه هو من يهتم بها ، من يؤلمه فقير واحد منها فينصرف وهو في مقام التوجه نحو الله سبحانه وتعالى ، ولم يقل ليس وقت السائل ، لا ينصرف بعيداً عن ذلك الفقير بل تهمه قضيته ويعالج مشكلته كفقير يسأل فيتصدق بخاتمه وهو يصلي ، هذا هو من يهمه أمر الأمة ، هذا من هو حريص على الأمة رحيم بها وشفيق بها ، هذا هو الجدير بأن يتزعم الأمة ويقودها .

ما أكثر من يقولون في مثل هذا الموقف : ( ليس وقتك أيها الفقير الآن نحن في عباده ، والعبادة أفضل العبادة أحسن ) . علي عليه السلام أليس ممن يقيم الصلاة ؟ ، لكن وهو يصلي يفهم أن الدين أعمال متكاملة وتوجه نحو الله سبحانه وتعالى له علاقته المهمة في نظرتي الحسنة واهتمامي بالآخرين ، ومن أبرز من يهمني أمرهم الضعفاء والمساكين وفقراء الأمة ، فهو هنا لم يقل : ( أنا في عبادة وهي من خير الأعمال ، اذهب أيها الفقير ، ليس وقتك ) . بل يهمه أمره ، ويقلقه وهو داخل صلاته ، ويلحظ أن أحداً لم يعطه شيئاً فيؤشر له بخاتمه وهو أثناء ركوعه فيأتي الفقير هذا ويأخذ الخاتم من يده .

لاحظوا كيف قدم لنا القرآن أعماق الإمام علي عليه السلام ، ألم يقدم لنا أعماق نفسية الإمام علي عليه السلام أنه الشخص الذي يهمه أمر كل شخص في هذه الأمة فكان هذا من أبرز كماله أن يقدم لنا الإمام علي عليه السلام باعتباره كاملاً ، والانشداد نحو الكمال هو سنة يسير عليها الناس حتى في أعمالهم الخاصة ، أنت عندما تريد عاملاًً فأقول لك : فلان . ألست يطلع في رأسك صفات كمال أو عدمها ، له خبرة هو جدير بالعمل أم لا ؟ . أليس هذا هو الذي سيحصل ؟ . عندما يقال : جاء محافظ جديد . هل سيهمني اسمه أم يهمني أن أتسائل عن كماله ؟ . فأقول : أرجو أن يكون رجلاً جيداً ، وأن يكون مهتماً بأمر الناس ويعطينا كذا . أليس هكذا يحصل ؟ .

كذلك عندما يقال أنه قد جاء مدير ناحية جديد ، نفس الشيء هل يهمك اسمه أم يهمك أن تعرف الكمال الذي هو عليه وما لديه من مقومات تجعله أهلاً لأن يَلِيَ أمرنا ويدير منطقتنا ، أليس هذا هو الذي يحصل ؟ . عندما يأتي حاكم محكمة جديد نفس الشيء . عندما تكون في مشاجرة وتحاكمتم إلى القاضي فيقال لك : فلان وكّلْه في قضيتك . ما الذي ستتذكر ؟ . هل أنه جدير بهذه المهمة ولديه خبرة ولديه معرفة و . . و . . الخ ، أليس هذا الذي يحصل ؟ . وكذلك عندما يذكر لك عامل يعمل في أموالك ماذا تتذكر ؟ . هل يهمك اسمه أم يهمك أنه ناصح ويعمل بجد ، ولديه خبرة في العمل ؟ . أم أنه يهمك اسمه فقط ؟ . هذه سنة من سنن الحياة إذا فهمناها نحن نعملها ، ونحن ننظر إلى الكمال في كل شخص حتى وأنت تبحث لك عن زوجة ، هل يهمك اسم الزوجة فتقول أريد أن يكون اسمها ( مريم ) لا ( صفية ) ، بل يهمك أن تعرف صفاتها فتقول : أرجو أن تكون ممتازة ، أن تكون طبيعتها جيدة ، لا أريد أن تكون كذا . أليس الإنسان يبحث عن صفات كمال ؟ . هكذا يرسخ الله هذا المبدأ الذي هو مبدأ مهم .

فعندما يربطنا بالإمام علي عليه السلام فهو يربطنا بعلي عليه السلام من باب تقديم علي كرجل كامل جدير بأن نرتبط به ، وهو من يصلح أن نتولاه هو ــ إذا كنا ناصحين لأنفسنا ــ الجدير بأن نتولاه ، وأن يكون هو باب مدينة علم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو الباب الذي ندخل منه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .

ومع هذا يأتي من يقول : ( لماذا لم تذكر الآية اسم ( علي ) حتى يكون النص صريحاً ؟ . هذه هي من سلبيات ( أصول الفقه ) التي دائماً نصيح منها ، من سلبيات ( أصول الفقه ) الرهيبة ، التي تصرفك عن النظر إلى الأشياء من منظار الهداية . فتقول : ( أريد أن يقول لي فلان حتى يكون نصاً صريحاً يلزمني ) . يا أخي القرآن كتاب هداية ، الدين كله هداية ، أعماله كلها هداية حتى عندما نصب لك محمداً صلى الله عليه وآله وسلم رسولاً هو هداية ، والقرآن هداية ، وعلي عليه السلام هداية ، وكل شيء في هذا الكون هو يخاطبك بمنطق الهداية ، ولكنهم يريدون نصاً صريحاً فيقول ( علياً ) .

أن يرتبط الناس فقط بمجرد اسم تأتي إشكاليات أخرى فينسوا الكمال ، وهذا هو الذي ضربنا وضرب أهل السنة،وضربنا الآن كلنا ، أننا لم نعد نلحظ ضرورة أن يكون من يَلي أمرنا رجلاً كاملاً .

وعندما ننظر إلى كماله ننظر بالمعيار الديني بالمعيار الإلهي { والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } أليس هذا تقديم لهم بمقامات دينية وصفات دينية ؟ . ( تصدق ) كلمة دينية ، لماذا لم يقل ( والذين آمنوا الذي سيقدم لك مشاريع ويعمل لك مشاريع ويعمل لك إزفلت ويعلم لك كهرباء ) هل قال هكذا ؟ . من تتوفر في الصفات الدينية باعتبار الدين هو هدى للناس ، من يهمه أمر فقير هو من سيهمه أمر الأمة كلها فيعمل على أن يوفر لها ويؤثرها على نفسه في جميع شئون حياتها ، على يد مثل هذا يتحقق بناء الأمة ، تأتي المشاريع ، تأتي الخدمات على أرقى ما تكون عليه ، والواقع يشهد بهذا . الإمام الخميني عندما جاء ــ وهو رجل من هذا النوع ( يقيم الصلاة ) ، رجل كماله كمالاً دينياً ، كمالاً على وفق هدى الله سبحانه وتعالى ــ ما الذي حصل في إيران ؟ . كان في أيام ملك إيران الذي يسمى ( شاه إيران ) الذي حكم إيران فترة طويلة ، وفي أثناء فترة حكمه ــ وكانت إيران تنتج نحو خمسة ملايين برميل في اليوم الواحد ــ كانت ما تزال أحياء كثيرة في العاصمة ( طهران ) ما تزال بغير ماء ولا كهرباء ولا نظافة ولا أي خدمات أخرى .

الخطوط في إيران لم تكن أكثر من أربعة عشر ألف كيلو ، بعد الثورة الإسلامية ماذا حصل ؟ . وتحت قيادة هذا الرجل الديني ــ الذي يفهم الدين أيضاً وليس رجل دين ممن يفهم الدين فهماً قاصراً بعيداً عن الحياة ــ ما الذي عمل في خلال سنوات محدودة ؟ . أربعين ألف كيلو متر من الخطوط في فترة قصيرة ، مقابل أربعة عشر ألف كيلو في زمن الشاه ، وهكذا في بقية الشئون يبني مستشفيات ، يبني جسوراً ، يبني سدوداً ، يبني مصانع ، يبني المدارس المزارع الكهرباء التلفون .

ونحن نزور في إيران متجهين إلى منطقة في شمال إيران اسمها ( آمل ) ومعنا أشخاص إيرانيين ونحن نرى الكهرباء وكل الخدمات للقرى ، ألسنا هنا نطالب لمنطقة بأكملها ويعطونا مشروعاً واحداً فقط بعد ست سنين أو سبع سنين من المتابعة ، هناك هم ينزلون بأنفسهم إلى القرى ليوفروا لكل قرية الخدمات التي تحتاجها : صحة وكهرباء ومياه ومدارس وطرق كلها متوفرة ، واهتمام بالمزارعين .

قالوا : نريد أن يتوفر لأهل الأرياف كما يتوفر لأهل المدن فيظلوا في بيوتهم متوفر لهم كل أسباب الحياة ، فيهتمون بالزراعة ويهتمون بكل شيء ويعيشون كما يعيش الآخرون ؛ لأننا بهذا العمل نواجه خطة خبيثة لليهود فهم يحاولون فقط أن تنهض المدن من أجل أن يتجه الناس إليها ويتركوا الأرياف ــ وهذا هو ما يحصل بالنسبة لنا ، قارن بين صنعاء قبل عشر سنوات وصنعاء الآن ترى أحياء كثيرة تُبنى بطريقة عشوائية ، والسكان من مناطق متفرقة هذا من ( أرحب ) وهذا من ( ريمة ) وهذا من ( صعدة ) وهذا من ( تعز ) وهذا من ( حجة ) مهاجرين من الأرياف إليها ــ قالوا : أن هذه خطة مقصودة من خطط اليهود ــ وهذا هو ما يحصل بالنسبة لنا ، قارن بين صنعاء قبل عشر سنوات وصنعاء الآن ترى أحياء كثيرة تُبنى بطريقة عشوائية ، والسكان من مناطق متفرقة هذا من ( أرحب ) وهذا من ( ريمة ) وهذا من ( صعدة ) وهذا من ( تعز ) وهذا من ( حجة ) مهاجرين من الأرياف إليها ــ قالوا : أن هذه خطة مقصودة من خطط اليهود الغربيين من أجل أن يزدحم الناس في المدن ، وازدحام الناس في المدن سيعطل الأرياف ، وهي المساحات الكبرى في الشعوب فتتعطل الزراعة ويتعطل كل شيء .

ثم عندما يتجهون إلى المدن بحثاً عن الكهرباء والتلفون وقرب المستشفى ، أليس هكذا تحصل على الخدمات ؟ . ما الذي يحصل في المدن ؟ . في المدن يتجمع الناس بأعداد كبيرة ولا يكون بينهم أي علاقات ولا روابط ، بيت عند بيت ولا أحد يلتفت إلى أحد ، ولا أحد يسأل عن أحد ، بل في داخل البيت الواحد شقة فيها أناس وشقة هنا فيها أناس لا يتعارفون في الغالب ، ولا يدري هذا من أين هذا ، ولا لهذا علاقة بهذا ، فيتجمع الناس تجمعات تتفكك بينهم كل العلاقات الأخوية والإسلامية ، ثم يبدأ الفساد ينتشر داخل المدن فيأتي علي هذه الأعداد الهائلة التي تتوافد من أماكن مختلفة بدون تنظيم وبدون رعاية وبدون اهتمام فيظهر الفساد الكبيرة داخل المدن ، فساد في الحياة العامة ، فساد في الأخلاق ، فساد في كل شيء يعيش هناك يبحث عن كيف يدخل الأموال ، لأن المدينة تتطلب حياة أخرى فهو يريد مالاً كثيراً ، يبحث له عن وظيفة بأي طريقة ، ومتى ما توظف أصبح مختلساً لأنه يريد أموالاً كثيرة ، أليس هو هنا يضحي بأخلاقه ، ويضحي بدينه من أجل إشباع متطلبات الحياة في المدينة ؟ . لكن يوم كان في الريف كانت له مزرعة ، وعنده كثير من الخضراوات التي يزرعها ، وله بقر وله دجاج وله أغنام وأشياء أخرى تتوفر له فيبقى محافظاً على نزاهته ، وعلى دينه ، وعلى أمانته ، وعلى قيمه . ولكن في المدينة يفقد هذه كلها ويصبح همه المال ، والمدينة كما يقولون ( صنعاء شمسها بفلوس ) .

إذا وُفرت الخدمات في الأرياف تفادينا كل هذا . ولكن في شعوبنا هذه لم توفر الخدمات حتى في المدن دع عنك الأرياف .

هناك في إيران أبدوا اهتماماً كبيراً ورعاية كبيرة للناس في كل منطقة ؛ لأنه من يحمل هذه الروحية فيهمه أمر فقير وهو أثناء الصلاة سيهتم بالأمة جميعاً وسيكون حريصاً عليها ، يهتم بفقير أثناء الصلاة ، وهي خير الأعمال ولم يقل : ( أنا مشغول بتسبيح الله داخل الصلاة ، والصلاة أثوب ) . لا ، وهذا الفقير لابد أن تهتم به أيضاً لأن الصلاة هي من أجل هذا الفقير وأمثاله من المستضعفين من عباد الله . فمن يهمه فقير ، من يهمه مستضعف ، من يهمه أمر المواطنين أبناء أمته ودينه ماذا سيعمل سواء كان فقيراً في المدينة أو في الريف أو في أي منطقة ؟ . سيوفر له خدمات وعلى يديه سيوفر له الخدمات في أي منطقة كان .

الإمام الخميني الذي كان لا يملك سواء رداءه ( الدجلة ) الذي كانت ممتلكاته قليلة قدم للفقراء ما جعلهم يعيشون عيشة أرءف من حياته فعلاً . اقرءوا كتاب ( مدافع آيات الله ) لكاتب مصري ( محمد حسنين هيكل ) وهو يتحدث عن بيت الإمام الخميني الذي دخله يتحدث عن مطبخه وعن ثلاجته وعن أكله وعن ممتلكاته كانت عادية بالنسبة له لكنه قدم خدمات للآخرين بشكل رهيب ؛ لأنه كروحية الإمام علي صلوات الله عليه الذي كان يأكل ما تسهل له ، وهمه أمر الفقراء ، وأوصى ولاة أمور المسلمين أن عليهم أن يقيسوا أنفسهم بفقراء الناس ، أن تعيش كما يعيش فقراء الناس ، حاول أن ترفع الفقراء إلى مستواك أو تعيش بعيشتهم ، لا تَلِي أمرهم ثم تعيش في ترف ، في قصور فخمة ، وممتلكات فخمة والناس الفقراء المساكين هناك يعانون من شظف الحياة وصعوبة الحياة لا يتوفر لهم جزء مما يتوفر لك ؛ حتى ( لا يَتَبَيَّغَ بالفقير فقره ) الفقير يتألم عندما يرى الكبير ولي أمره ، عندما يرى مسئولاً ، عندما يرى رئيساً فيرى أين حياته ويرى أين هو ، أرى أولاده في العيد وأرى أولادي في العيد ، أرى زوجتي وهي تتجه إلى أسواق البالة تشتري ملابس لأولادي في العيد وهو يرسل بنته أو زوجته أو خادم خادم زوجته إلى أرفع وأرقى معارض الأزياء ليشتري الفساتين الفخمة والأحذية الفخمة . هكذا حاصروا الناس ، أسواق ( البالة ) منتشرة في صنعاء وفي كل مكان ، أصبحنا شعب نتلقى ( البالة ) في كل شيء ، سيارات تأتي من كوريا ( بالة ) إطارات السيارات ( بالة ) أحذية ( بالة ) ملابس ( بالة ) كل شيء أصبح ( بالة ) ، وهناك معارض للأزياء الفخمة ، وهناك معارض للسيارات الفخمة . إلى أين تتجه هذه ؟ . وإلى أين تتجه تلك ؟ . ، وهناك معارض للسيارات الفخمة . إلى أين تتجه هذه ؟ . وإلى أين تتجه تلك ؟ . انظر إلى الأسواق ، أدخل تلك المعارض الفخمة ، ثم ادخل معارض ( البالة ) تعرف من يرتادها ، هنا يحس الفقير بوطأة الفقر ، يحس بالألم ، وذلك لا يبالي ، ولا يهتم ، ولا يفكر ، ينسى أن في الدنيا أناساً .

الإمام الخميني الذي كان لا يمتلك إلا ممتلكات قليلة جداً كوّن جيشاً بأكمله سماه ( جيش جهاد البناء ) هناك جيش مجاهدين يحملون البنادق والبوازيك وفي الدبابات وفي الطائرات وكوّن جيشاً يحمل المطارق والفِرَس والكُرَيْكات ومفاتيح الهندسة ويقود الحراثات ويقود مختلف الآلات الثقيلة لعمل الجسور ، وعمل السدود ، وبناء المصانع ، وبناء المدن ، جيشاً بأكمله سماه ( جيش جهاد البناء )

هنا نقول حققنا قفزة كبيرة أصبح يقال : ( مجالس محلية ) ، وسيوكل لهذا المجلس المحلي أن يوكل بخدمات ويهتم بحاجات المنطقة ،. ثم نرى كيف واقعنا مجلس محلي لا يمتلك ما يُؤثِّث به مكاتبه ، ثم يقال للناس : نحن قد جعلنا صلاحية مطلقة للمجالس المحلية ، وأوكلنا إليها الاهتمام بخدمات الناس وحل مشاكلهم و . . و . . الخ . مهام جميلة لكن ما الذي أعطيتم المجالس المحلية حتى تكون قادرة على أن تنهض بهذه المسئولية ؟ . أين هي المقاييس الإلهية التي وضعتوها في الأشخاص الذي لا بد أن يكونوا هم من يصلون إلى المجالس المحلية حتى يكونوا جديرين بتوفير الخدمات للناس ؟ . لا شيء من هذا .

لنعرف كيف أن الله سبحانه وتعالى عرض الصفات المهمة التي على يدي أصحابها تسعد الأمة ، على يدي أصحابها تسعد الأمة ، على يدي أصحابها تزكو النفوس وتزكو الحياة بأكملها .

كما قلنا في هذا العصر تقريباً لا تتحدث عن شيء إلا وتجد الشواهد عليه في مختلف المجالات شواهد نعرفها جميعاً . عندما يأتي المرشحون سواء لرئاسة الجمهورية أو لعضوية مجلس النواب أو للمجالس المحلية أليس المرشحون كلٌ منهم يحاول أن يخاطبنا بأنه سيفعل ، وسيعمل لكم كذا ونفعل لكم كذا مدارس ومستشفيات وخطوط وأشياء من هذه ؟ . أليسوا كلهم يتحدثون بهذا المنطق ؟ ، هذه هي مطالب الحياة لكن نحن نريد على يد من ستتحقق مثل هذه المطالب بصدق ؟ . على من يد تتحقق ؟ . على يد من يهمه أمرنا ، ونحن مسلمون فمن الذي يهمه أمرنا ؟ . هو من يمتلك مقومات إلهية مثل تلك ، من يمتلك مبادئ مترسخة في أعماق روحه وفي أعماق نفسيته فتجعله مهتماً بأمر المسلمين ، مهتماً بضعفاء المسلمين مهتماً بالأمة بأكملها .

لكنا نُخدع لأنهم يخاطبوننا كما يخاطب الصياد السمك ، ما الذي يعمل الصياد للسمكة ؟ . يقدم لها قطعة طعام ويرسل الشبكة إلى هناك فتلتف حول السمك ، ألم يقل للسمك : أنا أعطيكم طعاماً ، أنا أعطيكم لحماً أفضل من أن تبحث عن عشب من أعشاب البحر لتأكله ؟ نحن سنعطيك لحمة هي هذه ، فتلتف السمك حوله فمن وقع في شراكه يأكله هو ، هذا الذي يحصل ، تقع في شراك هؤلاء فيؤكلوك ، ولكن بأساليب متعددة .

ما الدليل على أنه يأكلني ؟ . أنه عندما يطلع أراه بعد فترة لديه سيارات فخمة ، وقصور فخمة ، وممتلكات كثيرة وكان جندياً مسكيناً ثم يتحول إلى تاجر صاحب رأس مال كبير فعرفت أنه هو قد أصبح كذلك الصياد الذي قد سَمُنَ وأصبح جسمه كبيراً من خلال ماذا ؟ . من خال أكله لتلك الأسماك التي تتجه نحو الشراك التي فيها قطعة لحم من عجل تبدوا للسمك جميلة ولذيذة لأنها لا تعرف مثلها في البحر ، وهذه قضية مأساوية أن الناس يُخدعون بمثل هذه الأشياء .

الإمام الخميني جاء بكلمة مهمة قال : ( يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية ) هي هذه المعايير الإلهية التي قُدِّمَت هنا في هذه الآية { والَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } شخص يهمه أمركم ، حتى أمر الواحد منكم وإن كان داخل أهم عبادة من العبادات لا ينشغل عنكم ، لأن ما يُقدم لنا في الانتخابات وفي تنميق الآخرين لأنفسهم لدينا ما هي ؟ . هي معايير ليست إلهية معايير مادية ، هي ليست أكثر من تقديم قطعة لحم لسمك لتُؤكل هي بنفسها ، ثم نرى في الأخير أنه لم يحقق حتى ولا وعد واحد من الوعود التي وعد بها يقول : إنشاء الله في عام 1986 م ستكون صعدة كلها شبكة واحدة من الكهرباء كما قال علي عبد الله صالح عندما زار صعدة ، ثم جاءت سنة 87 و 89 و90 و91 ولم يحدث شيء ، ونحن مكثنا نراجع سبع سنوات في كهرباء لمنطقة واحدة .

يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية ، هذه في حد ذاتها تستدعي لها وقتاً طويلاً لنتفهم جميعاً كيف يجب علينا أن تكون معاييرنا إلهية في مختلف الأشياء حتى لا نخدع ؛ لأن فرعون إنما خدع قومه في مواجهة نبي الله موسى عليه السلام بمعايير مادية { أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ وَهَذِهِ الْأَنْهَارُ تَجْرِي مِنْ تَحْتِي أَفَلا تُبْصِرُونَ . أَمْ أَنَا خَيْرٌ مِنْ هَذَا الَّذِي هُوَ مَهِينٌ وَلا يَكَادُ يُبِينُ . فَلَوْلا أُلْقِيَ عَلَيْهِ أَسْوِرَةٌ مِنْ ذَهَبٍ أَوْ جَاءَ مَعَهُ الْمَلائِكَةُ مُقْتَرِنِينَ } ، أليست هذه كلها مظاهر مادية أن يكون له حاشية وخدم ؟ . يقول فرعون : ليس موكب مثلما معي ولا ملك ولا شيء . يصور لقومه أنه لا بد أن يكون له موكب من الملائكة وأساور من ذهب وأشياء من هذه ، هكذا يُخدع الناس دائماً بالمعايير المادية ، وهي لا تُعطى إلا القليل منها على أيدي من يخدعون الناس بها أو ينمقون أنفسهم أمامنا بالحديث عنها .

متى ما صارت المعايير التي نتعامل مع الآخرين بها معايير إلهية سيتحقق الكثير من الرخاء على يد من لديهم مبادئ إلهية مترسخة في أعماق نفوسهم ، تجعل نفوسهم محطاً لأن يهتموا بالآخرين وإن لم يكن يعرفون الآخرين ولا يعرف الآخرون أسماءهم ولا أشكالهم . لاحظوا ، الإمام علي عليه السلام هو آتى الزكاة وهو راكع ، هل هو سيتأمل في الفقير ويعرف من هو ؟ . والفقير نفسه هل سيعرف من هو هذا الذي أعطاه ؟ . أليست هذه في حد ذاتها تبين لنا ميزة مهمة في الإمام علي عليه السلام ؟ . لأنه أحياناً قد يقدم لك هذا خدمة لأنه يعرفك وتعرفه معرفة يستحي معها أن يعرفك ثم لا يعطيك شيئاً ، علي عليه السلام أعطى وهو أثناء الركوع وهذه ميزة أكثر من لو أعطاه وهو أثناء القيام ، لو تعرّض له الفقير وهو أثناء القيام في الصلاة ربما لاتجه الفقير إليه لأنه عرف ملامحه أنه ربما يكون لديه شيء ، أو ربما أن الإمام علي عليه السلام رأى حالته الرثّة فأشفق عليه فأشار إليه بخاتمه ، لكنه كان في حالة الركوع وعادة لا يبصر الراكع إلا الأرض ، وإنما سمع بفقير يسأل ، هذا الفقير لا يرى الإمام علي عليه السلام والإمام علي عليه السلام لا يرى الفقير فأشار بيده ليأخذ خاتمه . هكذا يكون من نلحظ فيهم أن تكون نظرتنا إليهم من منطلق المعايير الإلهية والتكامل الإلهي من خلال ما ترسخ في نفوسهم من قيم الإسلام ومبادئه ، فهم من سيهتمون من لا يعرفهم ولا يعرفونه .

ألسنا نقول دائماً : أبحث لك عن وساطة ؟ . الوساطة هذه تعني شخص يعرف فلاناً وفلان يعرفه ، أليست هكذا ؟ . ربما من خلال هذه الوساطة أن تحصل على كذا ، يمكن أن يسهل لك معاملة في المشروع الفلاني ، ابحث لك عن وسيط . أليس معنى ( وَسِيط ) شخصاً يعرف هذا المسئول وهذا يعرفه ؟ . هذه هي الوساطة .

الإمام الخميني اهتم بمن لا يعرفهم ، وبمن لا يعرفون ربما إلا صوره بعدما صعد ، اهتم بهم فملأ إيران بالمشاريع في مختلف المجالات ، وأصبحت إيران تكاد أن تشرف على أن تكون دولة صناعية ، أصبحت تنتج إلى مختلف البلدان إنتاجاً كثيراً تصدر حتى السيارات ، ترى شوارع ( طهران ) كلها سيارات من صناعة محلية لا ترى سيارات يابانية ولا كورية إلا نادراً ، ترى كل ذلك السيل الذي يظهر أمامك في الشوارع كله سيارات إيرانية ، ونحن كنا نحرث أيام زمان على ثورين وكان يقدم هذا المظهر مظهراً متخلفاً أمام الحراثة ثم نقص ثور ثم غاب الثور واستبدل بحمار .

{ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } ثم لاحظوا ، متى ما كانت قيادة الناس من هذا النوع فهم من يعرفون كيف يبنون الأمة لتصبح أمة قوية فعلاً . ما الذي يحصل في البلدان العربية ؟ . أليس الزعماء يقدمون أنفسهم –فقط-أمامنا كأقوياء ، لكن لم يقدمونا كأمة قوية أمام الآخرين فلا يعملون أي عمل يسهم في أن نكون أمة قوية في مواجهة الآخرين .

بينما إيران فتحت المعسكرات للتدريب رجالاً ونساء ، اهتمت ببناء الاقتصاد في مختلف مجالاته ، التعليم في مختلف مجالاته ، احتاجوا ثورة علمية من جديد ، ثورة من جديد بعدما انتصرت الثورة الإسلامية ليعيدوا المناهج ويجعلوها بالشكل الذي يفيد .

نحن لا نجد في واقعنا أي شيء يؤهلنا لأن نكون أمة قوية في مواجهة الآخرين ، أي نحن لا نجد من يبنينا بناءً قوياً لنكون حزب الله ، لأنه من يمكن أن يبني أمة لتكون حزب الله التي تقهر الآخرين من أعداءها ، إذا لم يكن هو ممن يمثل رقم واحد داخل ولاية الله ورسوله ، ممن يمثل رقم واحد داخل حزب الله ، أعضاء حزب الشيطان لا يمكن أن يبنوا أعضاءً في حزب الله ، لا يبني حزب الله إلا من هو يحمل الأرقام الأولى في بطاقات حزب الله .

في ( بغداد ) ترى في منعطف الطريق هنا وهناك في الصحراء صورة كبيرة ( للسيد الرئيس ) صورة كبيرة جداً ، ومحاطة بهالة ، وماطور كهرباء خاص ، وفوقها كشافات وهي هناك في الصحراء .

صاحب تلك الصفات والمعايير الإلهية هو الشخص الذي يمكن أن تُبنى على يديه الأمة بناء عظيماً ، وهكذا من يكون على هذا النحو صاحب تلك المميزات التي ذكرها الله هو من يمكن أن يبني الأمم العظيمة ، وأين إيران الآن عن إيران قبل الثورة الإسلامية مع أن الفارق الزمني قليل هو أقل من عمر ملك واحد ممن حكموها قبل الثورة الإسلامية ، أليس هؤلاء هم من يبنون الحياة ويبنون الرجال ويبنون الأمم ، لأنه يهمهم أمر الحياة بالنسبة للناس أكثر مما تهمهم أنفسهم ، هم من يهمهم أن يجعلوا الأمة قوية وعزيزة فيبنوا الأمة حتى تصبح أمة قوية تمثل في بناءها حزب الله .

ارجع للتأكد من هذا إلى الأمثلة الكثيرة في واقع الحياة أمامك هنا وهناك فعلاً أن { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا } أليس هذا هو الرقم الثالث { وَالَّذِينَ آمَنُوا } هو بداية التولي الحقيقي لرسول الله ثم لله تعالى على نحو تصاعدي ، التولي للذين آمنوا تولياً صادقاً يجعلك فعلاً بالشكل الذي أنت فيه متولٍ للرسول صلى الله عليه وآله وسلم والرسول صلى الله عليه وآله وسلم عن هذه القناة يجعلك بالشكل الصحيح الذي تكون معه صادق الولاء لله سبحانه وتعالى .

{ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } يقول المفسرون الآخرون في تفسير { وَهُمْ رَاكِعُونَ } : أي ( وهم خاشعون ) ، لكن تعال فقرأها وأنت ممن يدين بولاية الإمام علي عليه السلام كم ترى فيها من أبواب الهداية من آية واحدة ، لكن إذا لم يكن أمامك إلا أبا بكر فلا يعطيك القرآن بكله شيئاً بل تخرج منه وأنت ضال ، تجعل القرآن حرباً لله سبحانه وتعالى ، تخرج وأنت تعتقد أن الله سبحانه وتعالى مصدر كل فاحشة وكل ظلم بقضائه وقدره ، تخرج منه وهو يوجب عليك طاعة أي ظالم يحكمك أو أي مجرم كيفما كان ما لم يظهر كفراً بواحاً لأنه قال { أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ } وهاهو ذا ولي الأمر ، هكذا يعطي تولي الآخرين ضربة للأمة من ذلك اليوم إلى الآن .

ومن هنا نعرف عندما يقول الإمام الهادي رحمة الله عليه : ( إنه يجب على كل مسلم أن يتولى علي بن أبي طالب ) على كل مسلم ؛ لأن ولاية الإمام علي عليه السلام تعتبر حصناً مهماً بالنسبة لك ، هل هذا لمجرد اسم ( علي ) ؟ . لا ولكن لأن ولايتك للإمام علي عليه السلام ستفتح أمامك أفاقاً واسعة في مجال الهداية ، تفتح أمامك أبواب الهداية فتهتدي بالقرآن وتهتدي بالرسول صلى الله عليه وآله وسلم لأن ( علياً مع القرآن والقرآن مع علي ) . ومن هنا نعرف كيف كان مهماً فعلاً ــ باعتبار أن الإسلام هو دين يربي الناس ، هو دين هداية للناس ــ أن المهم هنا جداً جداً أن يُقدم الإمام علي عليه السلام بمواصفاته ، بتلك الصفات التي تبين لنا أعماق نفسه ، وتبين لنا كيف اهتماماته وكيف نظرته للدين وللأمة . ثم يأتي من يقول : ( لماذا لم يذكر علياً باسمه ؟ . لو كان هو المراد لقال علياً ) . هذه نظرة قاصرة جداً تعتبر من الأخطاء التي هي نتاج أخطاء ثقافية تجمعت من هنا وهناك .

الشيء الثاني مما يمكن أن نستفيده من هذه الآية { وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } هو أن الأمة تحتاج إلى أعلام ترتبط بهم –هؤلاء الأعلام- هدايتها في دينها ودنياها ، ولا بد أن يكون الله سبحانه وتعالى هو من يحدد ، هو من يبين لنا منهم الأعلام من بعد نبيه صلى الله عليه وآله وسلم لنرتبط بهم فمن خلالهم نهتدي ، وعلى أيديهم نهتدي ، لأن المسألة ليست مسألة مفتوحة بل إذا لم يضع هو سبحانه وتعالى الآخرون سيضعون ، بل وضعوا على الرغم من أنه قد وضع ، سيضع أهل الباطل أعلاماً لأن الباطل يحتاج إلى أعلام ، هل تعرفون هذا ؟ . عندما تقارن بين أساليب الحق والباطل في هذا تجد الأساليب ــ من حيث هي ــ تجد الأساليب تقريباً واحدة ، الباطل يحتاج إلى أعلام فلهذا يحتاج أهل الباطل إلى أن يركزوا أمامك شخصيات أو مجاميع من الشخصيات فيكبرونها وينمقونها ، وينفضون التراب عن خدودها لتبدوا أمامك براقة لتنفق بضاعتهم فينفق الباطل فينفق الظلال من خلالهم .

لا بد للإنسان من أعلام ومتى ما حاولت أن تنصرف عن علي عليه السلام فإنك ستنصرف إلى عَلَمٍَ آخر لا محاله ، عندما تقول : ( لا أريد هذا ولا هذا ) فأنت في الأخير ستنصرف إلى الشيطان لأنه آخر واحد . وإذا تهربت من الكل فتقول : ( لا أريد لا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا علي ) ، ألست هنا رفض علياً عليه السلام رفضت حقاً فماذا بعد الحق إلا الضلال ، إذا كنت لم ترضى بالضالين الصغار فإنك سترتبط بالضالين الكبار ، وليس معنى قولك ذلك إلا أنك تريد الضالين الكبار ترتبط بهم فقط ليس إلا هذا فقط ، عندما تقول : ( لا أريد معاوية ولا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان ولا غيرهم ) . فكأنك تقول : أنا لا أريد أن أتعامل مع هؤلاء الضالين الصغار أنا سأتعامل مع الكبير ستقع في حضن الكبير بكله وهو الشيطان ، الشيطان هو هناك في الأخير في المضيق ، تهرب كيفما شئت فلا يعجبك هذا ولا هذا فأنت في طريق الشيطان لأنه في المضيق سترى أنه ليس لك إلا هو ، ليس بالإمكان أن يبقى الإنسان بدون أعلام يرتبط بهم .

نجد الآيات هذه تشهد بأنه لا يمكن أن تهتدي الأمة إلا على أيدي أعلام حتى تصبح في مستوى أن تكون حزب الله ، أو أي مجموعة أخرى ولهذا جاءت العبارة بلفظ { وَمَنْ يَتَوَلَّ } من يتولّ سواء الأمة بكلها أو مجاميع من الأمة تتولى تولياً صادقاً على هذا النحو العملي فسيجعلون أنفسهم حزب الله فعلاً.

إنهم بحاجة إلى أن يكونوا حزب الله ويكونوا غالبين لا بد أن يرتبطوا بأعلام فالهداية التي هي في واقع النفوس فتسلم النفوس من أن ترتد بعد إيمانها ، من أن توالي أعداءها لا بد لها من الارتباط بأعلام تتولاهم ، وهي تهتدي في ميدان المواجهة للآخرين لا بد أن ترتبط بأولئك الأعلام الذين وضعهم الله سبحانه وتعالى ووضعهم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لنا من بعده أن نرتبط بهم حتى نهتدي في ميدان المواجهة ؛ ولهذا قال هنا { وَمَنْ يَتَوَلَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } فمن هنا نعرف كطلاب علم ، ونعرف كمسلمين بصورة عامة أنه لا يمكن أن تتصور أن بإستطاعتك أنت شخصياً أن ترسم لك منهج وتسميه هداية من جهة نفسك وتنطلق عليه وتظن أنك ستهتدي إذا لم ترتبط بأعلام للهدى ، لا بد من الارتباط بأعلام للهدى تتولاهم وتذوب في شخصياتهم .

وهم بالطبع من يضعهم الله أعلام لأمته فإنما يضعهم كاملين { وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ } هو الذي يختار وليس لنا نحن أن نختار ، هو الذي إذا آمنا بهذا المبدأ ــ مبدأ الكمال فارتبطنا بالله الكامل الكمال المطلق وارتبطنا برسوله الذي اصطفاه واختاره فأصبح كاملاً وارتبطنا على وفق هذا النهج بالكامل ــ فالله سبحانه وتعالى هو الذي سيقدم لنا الكامل بدأ من علي عليه السلام .

حتى مقاييس الكمال هي دقيقة جداً جداً ، ليس لي حتى صلاحية أن أحدد مقاييس الكمال فأقول : الكمال هو كذا وكذا ، سيأتي آخرون ويقولون : ليس كذلك بل الكمال هو كذا وكذا الخ ، نثق بالله ونثق برسوله ثم نمشي على ما يهدينا إليه ، والله سبحانه وتعالى هو من سيضع لأمته أعلاماً يختارهم ويؤهلهم ليكونوا جديرين بهداية الأمة وجديرين بقيادتها ، ألم يكن الإمام علي عليه السلام هو الرمز الواحد من بين كل تلك المجاميع الكثيرة التي كانت تقف أمام النبي صلى الله عليه وآله وسلم فبرز هو علماً حتى أصبح كل شخص من أولئك ملزماً بأن يتمسك بذلك العَلَم ويتولاه ويهتدي بهديه ويسير على نهجه .

هذه المسألة الارتباط بمبدأ الكمال هو وحده الذي يعطي الضمانة بالنسبة لنا أن تبقى المسألة بيد الله سبحانه وتعالى ، أن تبقى مسألة من هو الجدير بأن يهدينا ، من هو الجدير بأن يَليَ أمرنا مرتبطة بالله سبحانه وتعالى كما قال الإمام الهادي عليه السلام : ( أن الله هو الذي يختار ، هو الذي يؤهل ) .

مراعاة الارتباط بهذا المبدأ العظيم الذي عمل القرآن الكريم على ترسيخه في أذهاننا فسيُقدم لنا أشخاص كثيرون ، ويُقدم رموز وهميُّون كثيرون لا يعتبرون كاملين ممن أختارهم الله سبحانه وتعالى ، وليسوا جديرين باختياره .

عندما يتحدث أهل البيت،عندما تتحدث الزيدية في كتبها عن شروط الإمامة أليسوا يضعوا شروط كمال ؟ . فيقولون : أن يكون عالماً وأن يكون مدبراً وأن يكون سليماً وأن يكون شجاعاً يكون تقياً ورعاً زاهداً رحيماً بالأمة وعادلاً . . إلخ ، ألم يضعوا شروط كمال ؟ . لماذا الكمال ؟ . ومن أين مصدر الكمال ؟ .لأن الكمال يأتي من قبل الله سبحانه وتعالى هو الذي يختار وهو الذي يصطفي { ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } الاصطفاء الإلهي يأتي دائماً في كل مقام يرتبط به سبحانه وتعالى بالنسبة لعباده ، فإذا أصبحت المسألة لدينا على هذا النحو فمعنى ذلك أن هذا هو الضمان الذي يجعل القضية بيد الله سبحانه وتعالى ، هو الذي يؤهل ، هو الذي يكمل ، هو الذي يختار ، فإذا ما نسفنا مبدأ الكمال هذا بكله ظهر على السطح الكثيرون جداً .

لاحظوا في قضية الإمامة ، عندما يحاربون الإمامة فهل تظنون بأنهم يحاربون اسم ( إمامة ) هذا واحد من مقاصد الصهيونية من محاربة العناوين والمفردات ــ معنى أن كلمة إمام أطلقت في القرآن الكريم على البر والفاجر { وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ } وفي موضع آخر { وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا } ــ وهم حاربوا مبدأ كمال أن لا يترسخ في ذهنية الناس ، لماذا ؟ . لأنه متى ما نسفنا هذا الكمال الذي لا بد منه فسنصل إلى أن نحكم الناس ، سأصل أنا إلى أن أحكم الناس متى ما نسفت شروط الكمال ، أليس هذا هو الذي حصل ؟ . وهو الذي يقدم في كل الدساتير في البلدان الإسلامية ، لا يُشترط في زعيم البلد الفلاني إلا أن يكون من نفس الوطن ، وأن يكون عمره كذا ، وأن لا يكون قد صدر في حقه حكم شرعي يخل بالشرف ما لم يُرد إليه اعتباره . هذه هي الشروط فقط أليس الكثير سيكون على هذا النحو وإن كان من الشارع ، وإن كان ممن لا يهمه إلا مصلحة نفسه ، وإن كان ممن لا يعرف كيف يدير شئون أمة ، بل ممن لا يعرف كيف يدير شئون أسرة .

أليست الدساتير فتحت المجال أمامهم ؟ ، وعن أي طريق ؟ . عن طريق نسف الكمال الذي لا بد منه ، عندما يقولون يجب أن يكون كذا وأن يكون كذا وأن يكون .

أليست هذه معايير دينية معايير إلهية ؟ . لماذا تجعل المعايير إلهية ؟ . لنربط المسألة بالله سبحانه وتعالى وهو الذي سيصنع وهو الذي سيؤهل ، هو الذي سيكمل هو الذي سيختار كما نص على ذلك الإمام الهادي عليه السلام .

بل تأثرت الزيدية نفسها عندما غابت عن المعايير التي وضعها الإمام الهادي عليه السلام باعتبارها معايير إلهية في بداية كتاب ( الأحكام ) فظهر لنا أئمة حتى داخل الزيدية ليسوا جديرين بأن يحكموا الأمة ، وصدروا في تاريخنا كأئمة من أهل البيت وليسوا كاملين ولا مؤهلين ،فعلاً وهم لا زالوا ولا يزال كثيرين في سلسلة أئمة الزيدية في كتبنا لأنهم جاءوا فيما بعد فجعلوا المقاييس مغلوطة للكمال هذا نفسه مثل أن يكون عالماً ، ويعني ذلك أن يكون مجتهداً ، ومعنى أن يكون مجتهداً أن يكون قد قرأ كذا كذا كذا إلخ .

ألم تصبح المقاييس مادية في الأخير ؟ ، بينما الإمام الهادي عليه السلام قدم نحو صفحة وهو يتحدث عن مواصفات من هو الأولى في ولاية أمر المسلمين قدم صفحة كاملة ، وقال في الأخير فيما معنى كلامه أن الله هو الذي يؤهل ، إذا ما ارتبط الناس بالله على هذا النحو هو الذي سيؤهل . لكن جئنا فيما بعد وقدمنا معايير مادية لنسف المعايير الإلهية فانحططنا فظهر لنا أئمة كانوا فعلاً ممن رسخ مبادئ الاختلاف داخل هذه الطائفة نفسها وبدلاً من أن يقدموا لنا علوم أهل البيت وحدها أضافوا لنا ركاماً من علوم الطوائف التي هي طوائف ضلالة فشغلوا أوقاتنا ،وشغلوا بيوتنا بركام الكتب من هذا القبيل بدل أن يحفظوا لنا علوم القرآن الكريم وعلوم العترة الطاهرة ، ركام من أقوال الآخرين تضيع عليك سنين من عمرك ، تضيع عليك حياتك تضيع وقتك تضيع الكثير من أعمالك .

ولنعرف أن المسألة هامة فعلاً أنها إما أن تكون ضمانة تجعل القضية بيد الله سبحانه وتعالى أو يكون نسفها يُهيئ الواقع لتكون في متناول كل من هب ودب ، لأنه ما الذي يحصل ؟ . حتى لو قلنا ليس شرطاً أن يكون من يلي أمر الأمة من أهل البيت تعالوا إلى الشروط الأخرى فضعوها في الدستور لتكون هي شروط في من يلي أمر الأمة ، لن يقبلوا هذا ، أتظنون أن المسألة فقط هو محاربة لأن يكون الشخص الذي يلي أمر الأمر من أهل البيت ليس هذا فقط بل يحاربوا أن يكون كاملاً كمالاً إلهياً وفق معايير إلهية ، عندما تقول يجب أن يكون من يلي أمرنا عالماً بالدين ، عالماً بالله ، متقياً لله ، رحيماً بالأمة ، تقياً ، ورعاً ، زاهداً ، أليست هذه معايير قرآنية ؟ . حاول أن تضعها في قاعة مجلس النواب لأن تكون ضمن النص الدستوري في مواصفات من يلي أمر هذا البلد أو ذلك البلد لن تقبل بل ستحارب .

أولئك الذي يحاربون الأمة باعتبار إمامة أهل البيت نقول : إذا كنتم ترون أن المشكلة هي مشكلة أهل البيت لكن قدموا للأمة أنه يجب أن يكون من يلي أمرها متوفرة فيه المعايير الإلهية الأخرى . لن تقبل ، هم مشغولون بأن يحاربوا مسألة أهل البيت وهم في نفس الوقت يؤمنون ببقية الشروط فلماذا لا تقدم الشروط الأخرى وإن سكتم عن أهل البيت ، لأنكم تعرفون أن الآخرين لن يسمحوا إطلاقاً أن تكون هذه ضمن الشروط التي لا بد منها في من يلي أمر الأمة ، لماذا ؟ . لأنها معايير إلهية ، لا تتوفر إلا على يد الله سبحانه وتعالى ونحن لا نريد أن نربط المسألة بهذا ، نحن نريد أن نحكم ، أنا أريد أن يكون المجال أمامي مفتوحاً لأحكم بدون شرط ولا قيد ، عندما يقال لا بد أن يكون عالماً وأنا لست عالم إذا فكيف أحكم ، أليس هذا شرطاً جديداً علي إذاً سنلغيه ، هكذا هذا الذي يحصل .

ولهذا نفس الآية هذه عندما تعرض معايير إلهية في المؤمن الذي تتولاه { ومَن يَتَولىَ اللهَ وََرسوله وَالَّذِينَ آمَنُوا}ثم قال { الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } وعادة ما يعرض القرآن الكريم صفتين أو ثلاثة هي نموذج يدل على ما وراءها ؛ لأنه عرض مجمل نواحي شخصيته في صفتين تدلك على ما بعدها من صفات الكمال والمعايير الإلهية .

وأين أتت هذه الآية ؟ . ألم تأت في إطار الحديث عن خطورة بني إسرائيل ، وأن خطورة بني إسرائيل تتمثل في اتجاههم نحو إفساد القلوب والنفوس لصنع ولاءات ، لصنع أعلام ، لصنع ثقافات ، أليس هذا مما عمله بنو إسرائيل والله تعالى قال في القرآن الكريم بأنهم يمتلكون قدرة رهيبة في مجال لبس الحق بالباطل { يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تَلْبِسُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ وَتَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ } إذاً إذا لم نلتزم نحن بأن نسبق الآخرين إلى قلوبنا نسبق نحن الآخرين إلى قلوبنا إلى مشاعرنا لنملأها بالولاء الصحيح وفق المعايير الإلهية فإنهم هم سيأتون ليضعون لنا أعلاماً آخرين يصلوا بهم إلى أعماق نفوسنا فتكون أعلام للباطل ، أعلام للضلال أعلام لا تقدم ولا تأخر ، ليست أكثر من تزييف لعقولنا ، وتزييف لمشاعرنا ، وصرفاً لاهتماماتنا عن المحل الذي يمكن أن يكون لها جدوى إذا ما اتجهت إليه ، ألم يركزوا أسامة بن لادن وتصيح منه أمريكا ، إنه . . وإنه ، ألم يكبروه جداً أمام الناس ؟ .

إذاً كان من المحتمل لو كانت المسألة على هذا النحو يشكل خطورة بالغة عليهم وكان قائد إسلامي صحيحاً مخلصاً للأمة ويحمل رؤية صحيحة في مواجهة أعداء الله لكان تعاملهم معه تعاملاً آخر ، ولما احتاجوا إلى أن يحركوا قطعة واحدة من أسلحتهم فالمخابرات الأمريكية واسعة جداً تستطيع أن تضربه أينما كان . تعرض السعودية في التلفزيون عن الوزير السوداني بأن ( كلنتن ) رفض عرضاً بتسليم أسامة بن لادن .

ألم يقل الأمريكيون لطالبان في أفغانستان أنها لا بد أن تسلمه وإلا فسيضربون أفغانستان ؟ . وهم رفضوا عرضاً في أيام الرئيس الأمريكي الأسبق ( كلنتن ) الذي تولى قبل الرئيس هذا ( بوش ) وأمريكا من زمان ترمز أسامة هذا ، وهو رفض عرضاً بتسليم أسامة يعني أنه كان بالإمكان أن يسلموا أسامة لأمريكا ولكنه رفض ، لا نريد أن نقض على أسامة نحن نريد أن نرمزه فنجعله علماً نخدع به هؤلاء المساكين المسلمين ، أليس هذا لبس للحق بالباطل ، أليس هذا صنع ولاءات يجعلك تتولى أشخاصاً وهميين أشخاصاً لا يشكلون أي خطورة على أعداءك ، أشخاص يكون ولاءك لهم ولاء لا يسمن ولا يغني من جوع ، يكون اهتمامك بهم اهتماماً ليس في محله ، اهتمام يتبخر في الأخير ، حتى ولو قتلت بين يديه لا يصبح لدمك أي قيمة ، حتى لو بذلت أموالك إليه لا يصبح لمالك أي قيمة في الأخير ، إنه خداع رهيب ، وتزييف رهيب ، يجعل كل شيء لا قيمة له ، حماسك بكله يوجهونه إلى حيث يتبخر فلا يصل إليهم حتى ولا رذاذ من ذلك البخار . هنا تبدوا القضية مهمة إذا لم نتولى علياً عليه السلام ثم نمشي في الخط المرسوم لنا أن نتولّ أعلامه سنصبح عرضة لأن يصنع لنا الآخرون أعلاماً وهمية لنتولاها ، أعلاماً للباطل وتساند الباطل وتضع الباطل وتصرف عن الحق فنتولاها .

أنت تقول : فلان عالم ، الله يقول { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّ كَثِيراً مِنَ الْأَحْبَارِ وَالرُّهْبَانِ لَيَأْكُلُونَ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ وَيَصُدُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ } هذا يبين أن المسألة حتى غير متروكة لك فتتأثر بهذا أو بهذا دون مقاييس إلهية وأنت تتولى الأعلام الذين اختارهم الله وعينهم وحددهم تتولاهم فتسلم من أن تكون عرضة لزيف الولاءات وصنع أعلام هي في الواقع تضر القضية التي أنت تتولاه من أجلها ، نضر بالقضية نفسها التي أنت تتولاه من أجلها ، أما هنا فالتولي صحيح حيث تكون الولاية للأعلام الذين رسمهم الله للأمة ونصبهم للأمة فإن الولاية تعطي ثمرتها ، ألم يقل هنا { فَإِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ } طالبان ماذا عملوا ؟ . ألم ينسحبوا من المدن ويتبخروا ؟ . ولم ندر أين ذهبوا ؟ . هل غلبُوا أم غُلبُوا ؟ . لقد غُلبُوا أو تَغَالبوا لأن القضية هي كلها خداع ووهم ، كلها تزييف وتضليل ، حتى لا يبقى للآخرين منفذ لأن يضعوا هنا أو هنا من جانبهم شخصاً آخر وهمياً عالماً من أعلام الباطل ( ؟ ؟ ؟ ) لأن الآخرين شغالين حتى وإن كان الله قد وضع أعلاماً فهم يحاولون أن ينصبوا ، ألم يختر علياً عليه السلام علماً للأمة فنصبوا لنا آخرين ؟ . ألم يختر الزهراء لتكون علماً بالنسبة للنساء وقدوة للنساء وجعلها سيدة نساء العالمين فنصبوا أخرى ؟ . هكذا يعمل بدو أهل الضلال دع عنك الخبثاء والمحنكين والدهاة منهم . إذاً فالمسألة مهمة .

وهذه الآيات يجب أن ننظر إليها نظرة جادة فعلاً ، قد تقدم مقاييس معينة هي في الواقع مغلوطة لكن القرآن الكريم هو نفسه إذا ما اهتديت به وسرت على ولاء صحيح لمن نصبهم لك من أعلام الهدى لتهتدي بهم فهو الكفيل بأن يفضح أمامك الآخرين ، الله هو الكفيل بأن يعرفك من خلال القرآن وبتوفيقه فيكشف ويفضح لك الآخرين الذين هم أعلام وهميين عندما تراهم ينتصبون هنا أو هناك تصيح منهم جهة هنا وهناك ، القرآن الكريم لم يغفل أي شيء ، في الوقت الذي هو يوجهك هو يبين لك أيضاً كيف تكون طريق الباطل ، ألم يقل الله سبحانه وتعالى { وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ } ؟ . يعني وضح لك وبين لك كيف طريق الحق ثم بين لك أيضاً كيف طريق الباطل .

أحياناً يتبين لك من خلال الأشياء التي لا بد منها في جانب من هو عَلَم من أعلام الحق يتبين لك عكسها في الآخر الذي يُرفع أمامك كعَلَم ، لتقول هو خالي من هذه إذاً لا يصح أن يكون علَماً .

نأتي إلى عمر ، ألم يُقدم عمر وكأنه أزكى شخص بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم أما أبو بكر فإنما قدموه هكذا باعتبار سُلَّم الخلافة لأن عمر قدمه وإلا فالولاء الحقيقي عندهم هو لعمر ، في هذه الآية ألم يعرض لنا القرآن نفسية الإمام علي عليه السلام في اهتمامه بالأمة في حرصه على الأمة فيهمه أمر فقير لا يراه والفقير لا يعرف الإمام علي عليه السلام وإنما يسمع صوته فيتصدق بخاتمه وهو أثناء الركوع ، أليس هذا إنسان رحيم بالأمة ؟ . حريص على الأمة ؟ . يهمه أمر الأمة ؟ . أليس هي مواصفات الرسول صلى الله عليه وآله وسلم الذي قال الله عنه { لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } وهو الذي ربى علياً عليه السلام ليكون هكذا تتجسد فيه هذه الأخلاق ، هذه هي المعايير الإلهية .

قالوا عمر عمل وقالوا فعل كذا . . إلخ . نحن نعرف أن القرآن الكريم فيما يركز عليه على أن يكشف لك في الأعماق لأنه يرى أن الأشياء هي من داخل وليست من الخارج ، ألم يكشف لنا نفسية محمد صلى الله عليه وآله وسلم { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } أين موضع الإشفاق على الأمة والحرص والرأفة والرحمة أين هي ؟ . فوق العمامة أو فوق الغترة أم أنها داخل في النفس ؟ . هل قدم لنا محمد صلى الله عليه وآله وسلم بأنه كان يَتَرَكَّعُ كثيراً ؟ . أو أنه يسبح كثيراً ؟ أو أنه كان يقرأ القرآن كله في سجدة ؟ أو أشياء من هذا القبيل ، هل قدمه بهذا الشكل ؟ . هذه شكليات سطحية يمكن أن أنمق شخصاً آخر هو خبيث فأقول هو كان كذا وكان كذا في الشكليات هذه .

من الذي يعرف أعماق النفوس ؟ أليس هو الله سبحانه وتعالى ؟ هنا كشف لنا نفسية علي عليه السلام التي الأمة بحاجة إليها . لأنه ماذا يريد فيمن يتولّ أمرنا ؟ نحن نريد أن يكون شخصاً يعز عليه أي مشقة أو مصيبة تحصل لنا { عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ } يعني يؤلمه جداً ويعز عليه أي مشقة تحصل عليكم ، أي ألم يصيبكم أي شيء يتألم له كما يتألم عندما يرى واحداً من أطفاله في مشقة أو واحد من أهل بيته من أسرته { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } ألم يقدم هذه الأشياء التي تظهر نفسية محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، هل فيها أنه كان يصلي مائة ركعة ؟ . هل فيها أنه كان يقرأ القرآن في ركعة ؟ . هذه شكليات ، النفس إذا صلحت فهي المهم بالنسبة للأمة ، ومن يكون على هذا النحو هو الذي ينفع الأمة ، وهو في نفس الوقت إنما يكون من منطلق علاقته القوية بالله سبحانه وتعالى التي تجعل حتى لتلك الصلوات المحدودة قيمتها في نفسه وقيمتها عند الله سبحانه وتعالى .

وهؤلاء يقولون عن أعلامهم أنه كان يصلي ألف ركعة . الليل لا يتسع ، ينسوا أن الليل محدود . ويقولون : كان يقرأ القرآن في سجدة . ليكن صلى ألف ركعة في ثلاثة أيام وتكون كلها صلاة ، أين الألف ركعة من ثلاث ركعات من نفسية كنفسية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في انشدادها القوي نحو الله سبحانه وتعالى وفي ما تتركه الصلاة من أثر في نفسه ، تبدو الألف ركعة لا قيمة لها لا عند الله ولا في نفس هذا الشخص ولا في واقع الأمة .

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كان يتعبد لله لكن العبادة التي لها قيمة العبادة التي لها قيمة فيما تتركه في نفسه وفيما يكون لها من أثر في واقع الأمة .

وعندما نأتي إلى الإمام علي عليه السلام { يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ } فكشف لنا ما كشف عن واقعه في نفسه مما لا بد منه بالنسبة لنا ونحن في أمس الحاجة إلى أن يكون من يلي أمرنا على هذا النحو ، ويأتي من قبل الله ما يدلنا ويرشدنا إلى أنه على هذا النحو ، وتتجلى الأشياء أحياناً بمظاهر معينة صادقة حيث قد لا تكون عادة مظاهر جذابة كما حصل من علي وفاطمة عليهما السلام في إطعامهم المسكين واليتيم والأسير . ألم يكشف هناك أيضاً كيف أنهم يؤثرون الآخرين وكيف أنهم ينطلقون في إطعام الآخرين والاهتمام بهم وإيثارهم على أنفسهم من منطلق ابتغاء وجه الله ، وإن كان هذا الشيء الذي أعطوه وقدموه هم في أمس الحاجة إليه ، ولأنهم أعطوا من ؟ . مسكين ويتيم وأسير ، هل هذه مظاهر جذابة ؟ . لو قيل لك أن فلان أطعم مسكيناً فلن تتأثر من هذه .

لاحظوا لما أصبحت القضية حتى عندما من يحاولوا أن يلمعوا الآخرين في أذهاننا كيف يعملون ؟ . يظن أنه لو قال أن أبا بكر أطعم مسكيناً أو آثره بقرص فليست فضيلة في نظره ، لأنه يريد آلاف من المساكين فيقول أطعم ألف مسكين أو صلى ألف ركعة ، يريد كبار من هذه . لكن المسألة ليس المقاييس فيها هي الشكليات أن هذا أطعم ألف مسكين وهذا أطعم مسكيناً واحداً فقط ، أن هذا أعطى في غزوة ثلاثين ألفاً وهذا أطعم مسكيناً واحداً ، القرآن يهتم أن يركز على المظاهر وإن كانت صغيرة التي لها دلالاتها المهمة بالنسبة لأعماق النفوس ليكشف لك نفسية هذا ، هذا هو يهم .

{ وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً } لا حظوا حتى القليل في العبارة هنا مسكيناً واحد أول ليلة ويتيماً واحد ثاني ليلة أسير واحد ثالث ليلة أليس معنى ذلك أنهم أطعموا ثلاثة أشخاص .

المفروض بعقلية من يراعون الشكليات أي يقال أعطى مئات الناس ، لكن عطاء مئات الناس أحياناً لا يكون له قيمة بل يشطب عليه عند الله سبحانه وتعالى ، وليس له قيمة حتى عند الإنسان الذي بذله ، لأن العطاء إذا لم يكن من داخل ، وتبتغي به وجه الله ، وإن كان لفرد واحد ، العطاء إذا لم يكن على هذا النحو تبتغي به وجه الله ومن أعماق نفسك يكون له أثره في تزكية نفسك أنت ، لكن ما أعطيت مرائات لو تعطي مليوناً لن يصنع في نفسك أثراً أبداً ولن يزكي نفسك مهما عملته مرائات أو لأي غرض آخر ليس على هذا النحو { إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلا شُكُوراً } ولا نريد من الآخرين أن يثنوا علينا ، لأنه بالطبع من سيثني علينا أنا أطعمنا يتيماً ، يتيماً واحداً لا يكون الحديث عنه جذاباً ، لكن ألف شخص يعمل لهم وليمة يكون الحديث عنه جذاباً ، أليس كذلك ؟ . القضية ليست على هذا النحو بل يكشف لنا أعماق نفسيات هؤلاء الذين يشدنا إليهم كأعلام .

أطعم مسكيناً ويتيماً وأسيراً ، فقط ثلاثة ، ليس المهم هو العدد المهم هو أجواء العطاء والنفوس التي انبعث منها ذلك العطاء والدوافع نحو العطاء هي التي أردنا أن نكشفها لك ، فتعرف منهم هؤلاء ، والذين يعطون على هذا النحو سيعطون الأمة كلها كلما يملكون ، أليس هذا هو المهم ؟ .

إذاً فلنرجع إلى ( أمير المؤمنين عمر ) ــ كما يقولون ــ لتكتشف في قضية واحدة هم يعرفونها وينقلونها ويرونها هم ويعرفون بها : أثناء مرض النبي صلى الله عليه وآله وسلم أليس النبي هو الشخص الذي يجب أن يحترمه الناس ويجلوه ويقدروه وتكون قلوبهم مملوءة بالرحمة والرأفة والعطف عليه أثناء مرضه ــ أليس مرضه في تلك المرحلة وبعد تلك المؤشرات التي تدل على أنه يوشك أن ينتقل إلى ربه مما يترك الخوف والرعب والإشفاق في نفوس الناس وتكبر لديهم المسألة فيكون إنشدادهم إليه أكثر وعطفهم عليه أكثر أن يرونه مرة واحدة يركزون بأنظارهم على وجهه ليتمتعوا بما يمكن أن يروه من وجهه في بقية أيامه ، يطلب مطلباً أي مطلب كان لينفذوه .

ولكن ماذا حصل ؟ . ولأنه صلى الله عليه وآله وسلم كما وصفه الله { حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَحِيمٌ } يهمه أمر الأمة من بعده لا تضل لا تختلف لا تتمزق لا تتفرق ، لا يبرز أشخاص يضلوها يدمروها يهلكوها ، وعلى الرغم مما قد عمل يوم الغدير وغيره يقول : ( هَلُمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ) يقول هذا والحمى تذهب جسمه ، لكنه ما يزال يحمل اهتماماً بأمر المسلمين بأمر الأمة يريد أن يعمل ما يمكن أن يعمله حتى في اللحظات الأخيرة من حياته ، أليس هذا يهمه أمر الأمة ؟ ، حريص عليها مشفق عليها ؟ ، كان في مجلسه عمر ومجموعة كبيرة ، فيقول عمر : حسبنا كتاب الله ويثير ضجة وآخرون يلتفون حول عمر يفهمون ماذا يريد عمر ويفهمون ماذا يمكن أن يقول الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في ذلك الوقت فهم عارفين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يركز حول علي عليه السلام يرمز علياً عليه السلام ويشد الناس نحو علي عليه السلام إذاً هو سيكتبها لعلي ، لا . لا ، حسبنا كتاب الله ، دعوا الرجل فقد غلب الوجع ، دعوا الرجل فإنه يهجر .

آخرين يقولون هاتوا قلماً ودواة ليكتب لنا رسول الله هذا الكتاب الذي لا نضل من بعده . فيقول عمر وبإصرار : لا . لا . ألم يسمع أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول عن الكتاب ( لا تضلوا من بعده ) ؟ . إن كان يهمه أمر الامة فسيكون حريص جداً جداً على كلمة واحدة فيها أمان للأمة من الضلال ، والسلامة للأمة من الضلال لأنه يعلم أن الذي تكلم بهذه العبارة هو رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لكن لا ، هو يعلم ماذا سيصنع النبي صلى الله عليه وآله وسلم وسيعارضه لأن له أهداف ، له آمال أخرى ، هو لا يهمه أمر الأمة تضل أو لا تضل فيحول بين الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وبين كتابة هذا الكتاب بعد أن سمع من الرسول ( أكتب لكم كتاباً لا تضلوا بعده ) ألم يكشف لنا هنا نفسية عمر أنه إنسان لا يهمه أمر الأمة ، أنه إنسان لا يتألم فيما إذا ضلت الأمة ، أنه إنسان يحول دون كتابة كلام يحول دون ضلال الأمة ، هل هذا إنسان يهمه في أعماق نفسه أمر الأمة وأمر الدين ؟ . لا . إذاً فهذه النوعية هي التي لا تصلح إطلاقاً أن تحمل لها ذرة ولاء وإن نُمِّقَتْ أمامك وادعوا لها الآلاف من الفضائل من هذه الشكليات مثل ألف ركعة ، وأنه قرأ القرآن في سجدة ، وأنه يتبخر من فهمه رائحة الشَّواء من خوف الله وعناوين من هذه .

رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الذي هو إنسان قرآني يتحرك بحركة القرآن ويعرف قدرة القرآن على كشف الآخرين ، يكشف للناس في آخر أيامه نفسية عمر ، ويكفينا أن يكشف لنا نفسية عمر لأن عمر أصبح عَلماً للخط الآخر ، عمر هو مهندس كل تلك المتغيرات من الصعود بأبي بكر ، والإمام علي عليه السلام كشف المسألة أيضاً فقال لعمر ( إحلب حلباً لك شطره ، شدها له اليوم يردها عليك غداً ) . وعمر هو الذي قال لأبي بكر : ( أمدد يدك لأبايعك ) ألم يرفع أبا بكر بين الضجة ؟ . هو الذي هندس للخلافة أن تصل إلى عثمان ، هو الذي هندس ورتب أوضاع معاوية أن يكون في الشام هو الشخص الذي يمكن أن يكون مؤهلاً لأن يضرب علياً متى ما تحرك هو أو أحد من أهل بيته في أي فترة ، هو الذي رفع بني أمية بعد أن وضعهم الإسلام ، وأصبحوا مجتمعاً منحطاً في نظر الأمة ، هو الذي رفعهم من جديد فأصبحوا يمتلكون الأموال الهائلة ، وأصبح لهم علاقات واسعة في أوساط كثير من زعماء العشائر في هذه الأمة .

إذاً من خلال أن يكشف عمر وكل من يدور في فلك عمر أنهم ليسوا جديرين بأن يلوا أمر الأمة ولا أنهم يهتمون بأمر الأمة ، أليس هذا هو الذي حصل ؟ . وبعد ذلك فليقولوا ما يقولون : فاروق ، صديق وأشياء من هذه لو يقولوا ما يقولون . كلمة ( فاروق ) أليست كلمة كبيرة ، فيظهر لك عمر يرتفع إلى هناك ، لكن تعال إلى القضية التي رواها البخاري وغيره ورووها هم مؤلفين ومحدثين أنه عارض أن يكتب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً لا تضل الأمة من بعده ، ألم يشهد عمر هو على نفسه أنه لو كان لديه احتمال بأن رسول الله سيكتب شيئاً يتعلق به وبصاحبه وأنه قد يرفعهم لقدم برميلاً من المداد وليس دواة ولحاول أن يُقدم أي شيء يكتب به النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليكتب المكتوب إذا كان سيكتب شيئاً يعلق بأبي بكر أو عمر يجعلهم أعلاماً للأمة ، لكن هو يعرف أنه لن يكتب شيئاً إلا وهو يقصي الأمة عنهما ، أنه سيكتب ما يقصي الأمة عن أبي بكر وعمر إذاً فسيكتب لهم ورطة أخرى كما فعل يوم الغدير . يوم الغدير صعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هو وعلي عليه السلام فوق أقتاب الإبل ورفع يد علي عليه السلام وقال ( من كنت مولاه فهذا علي مولاه اللهم وال من والاه وعاد من عاداه وانصر من نصره واخذل من خذله ) تكفي هذه الورطة ويريد الرسول أن يعمل لنا ورطة أخرى إضافة إلى هذه .

يمكن أن نتناول كلمة ( مولاه ) التي جاءت في حديث الغدير فربما تعني أو أنها تعني ، والمكتوب الذي كان يريد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم أن يكتبه ألم يعمل عمر دعاية تضرب المكتوب ، وهذا الذي جعل النبي صلى الله عليه وآله وسلم يتوقف ويقول أخرجوا إنه لا ينبغي عند نبي تنازع ، واصبح غالب من في مجلس الرسول هم يدورون في مجلس عمر عندما قال حسبنا كتاب الله ، دعوا الرجل فقد غلبه الوجع ، إنه يَهْجُر .

لكن لو كتب النبي صلى الله عليه وآله وسلم كتاباً فعمر قد عمل الدعاية ضد ذلك الكتاب سيقول هذا الكتاب لا ينفع لأنه كتبه وهو في حالة مرض لا يعرف ما يتكلم فلا يعمل به ، لم يكتبه في حالة الصحة والاختيار شرعاً ، فيضرب المكتوب ، لكن النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هذا الموقف المهم كشف لنا عمر بشكل رهيب ، بل هو بين لنا بياناً لا يضل الناس بعده إن فهموا حتى وإن لم يكتب في الأوراق فقد كتب في أعماق الكون وفي التاريخ وكتب في القلوب إن كانت تفهم أني كشفت لكم عمر أنه لا يهمه أمركم أن تضلوا فإذا كان لا يهمه أمركم أن تضلوا فعمر وكل من يدور في فلكه ليسوا أمناء على الأمة ، ولا يمكن أن يكونوا هم الأعلام الذين تقتدي بهم الأمة ، ولا يمكن أن يؤيد الإسلام ولا كتابه ولا رسوله صلى الله عليه وآله وسلم أن تلتف الأمة حول عمر ويكون علماً لها كما يصنع الآخرون ، ألم يكشف الرسول هذا كما كشف القرآن نفسية علي عليه السلام ؟ . ومن خلال نفسية علي عليه السلام هنا تعرف نفسية عمر هناك .

وهذا ما يجعلنا فعلاً نثق بأنه متى ما سلمنا قلوبنا ، متى ما سلمنا مشاعرنا لله سبحانه وتعالى وانطلقنا بثقة عالية إلى القرآن نتثقف به فسنعرف كل شيء فالقرآن تفصيل لكل شيء ، وستكون إنساناً لا يمكن أن تُضل ، إنساناً لا تُخدع ، إنساناً تفهم الأحداث ، تفهم أهمية الأحداث ما كان منها حقاً وما كان منها باطلاً ، تفهم خطورة الأحداث التي قد تكون صغيرة من الآخرين ، يجب أن نلتف حول القرآن وأن نكون صادقين في ولائنا للإمام علي عليه السلام وأن نعرف أهمية التولي للإمام عليه السلام وإن كنا نرى أن بيننا وبينه ألف وأربع مائة سنة .

لن نكون من حزب الله الغالبين ما لم نكن على هذا النحو من الولاء لعلي عليه السلام الولاء الصادق الولاء العملي الذي يجعلنا نستلهم من علي عليه السلام كيف نتحلى بأخلاق علي ، كيف نتحلى بنظرة علي عليه السلام وباهتمامات علي عليه السلام ، وسنرى كيف سنكون في مواقفنا في اعتقاداتنا في نظراتنا في توجهنا منسجمين مع القرآن لأن ( علياً مع القرآن ، والقرآن مع علي ) .

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا ممن يتولى علياً عليه السلام تولياً صادقاً ، وأن يثقفنا بالقرآن ، ويفقهنا بالقرآن ، ويفهمنا القرآن .

وصلى الله على محمد وعلى آله الطاهرين .
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 4:54 pm، تم التعديل مرة واحدة.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن الكريم
سورة المائدة

الدرس الثالث

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ :

21/12/2002م
اليمن ـ صعدة

هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.


بسم الله الرحمن الرحيم

نحن بعد لم نستكمل الآيات من سورة المائدة، وصلنا عند قول الله سبحانه و تعالى } إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاَةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ رَاكِعُونَ { (55) سورة المائدة وقد تحدثنا حول الآية وذكرنا أيضاً مما ذكره السيد / محمد حسين فضل الله حول الآية أيضاً.
وقد يبدو للكثير منا بأن الموضوع قد استُكمل ، أوقد يبدو للبعض أيضاً تساؤل من نوع آخر.

والذي أريد أن أقول بأن هذا الزمن ،هذا العصر لا نعلم بأنه مر في هذه الدنيا عصر أزهى منه، ولا أكثر تضليلاً وضلالاً مما يحدث فيه ،ضلال بشكل رهيب ،وبشكل دقيق، وبانتشار كثير على نطاق واسع، وبشكل أوسع من انتشار الضلال ربما في أي زمن من الأزمنة الماضية ، الضلال ينتشر في هذه الدنيا من أقصاها إلى أقصاها في لحظة واحدة وفي ساعة واحدة ، بينما كانت الكلمة الباطلة ،الكلمة المضلة ، أو الموقف الضال في العصور الماضية لا تنتشر في منطقة كالجزيرة العربية إلا في أشهر حتى تصل من أقصى الجزيرة إلى أقصى الجزيرة.

وعندما تصل لا تصل إلى كل قرية ، وعندما تصل لا تصل إلى كل بيت ،في هذا الزمن يصل الضلال ،التضليل ،الخداع ،التزييف إلى داخل –تقريباً- كل بيت ، وفي لحظة واحدة ، وبسرعة هائلة ، حتى إلى داخل المساجد أنفسها ، زمن رهيب جداً.

نعود إلى أنفسنا نحن الزيدية هذا الشيء الذي يزعجنا جداً ربما نحن الطائفة الوحيدة في هذه الدنيا ، وفي هذا العصر الرهيب ، الطائفة المعرضة للتضليل بشكل رهيب جداً أكثر من غيرها ، لأن كلما نتلقاه ليس على أيدينا، حتى أبناءنا في مدارسنا لا يتثقفون على أيدينا ،أليس كذلك؟.

الصوت الذي نسمعه ليس منا ، الصوت أو الموقف الذي نراه أيضاً ليس من داخلنا، الصحيفة التي نقرأها ليست من داخلنا، ليس لنا أعلام واضحة، ليس لنا هداة نلتزم بهم، ليس لنا مدارس قائمه هي التي تتولى إخراج مرشدين يتحركون في أوساط مجتمعنا، ليس لدينا شيء ،فكلما يدور في داخل بيوتنا ،في داخل مساجدنا، في داخل مدارسنا ،في داخل ساحتنا هو ليس منا ولا على أيدينا.

ونحن في نفس الوقت مُفَتَّحِين كل واحد منا له (أريل) أو اثنين يستقبل من كل الجهات يعني ذلك بأنا قد نكون نحن الضحية ،الضحية الكبيرة للتضليل في هذا الزمن . طوائف أخرى لديها ضوابط ، مازال لديها ضوابط معينة ،لديهم عالم يمثل مرجعيتهم الكبرى أو العليا، وسائل إعلامهم من داخلهم، مناهجهم في المدارس هي على أساس مذهبهم وعقائدهم وتاريخهم، الصحيفة هي من داخلهم ، السلطة هي سلطتهم، المرشدين هم منهم، الكُتَّاب هم منهم ، المكاتب مملوءة بكتبهم ،أليس كذلك؟.

لكن نحن الزيدية ماذا نملك؟ اذهب إلى أي مكتبة من المكتبات في صنعاء أو حتى في صعده كم تجد؟ ربما أقل من 1% من الكتب التي أمامك، كلها 99% كتب أخرى، من كتب الآخرين.. أليس هذا مما نراه؟. مكتبات عريضة طويلة أدخل تجد 99% منها كتباً ليست زيدية ،ليس لدينا شيء، لا ثقافة هي تمثل ثقافتنا التي تسود في الساحة، ولا ثوابت داخل أنفسنا تقينا من أي ضلال يأتي من هنا أو من هنا أو من هناك.

لولا أن الآخرين من الطوائف الأخرى أو الكثير من الطوائف الأخرى لولا أنهم على ضلال فيما بين أيديهم لما تعرضوا للتضليل، ولما كانوا ضحية للضلال ،لولا أن ما بين أيديهم ضلال ، لأن ما بين أيديهم هو يُفعَّل، أليس كذلك ؟ تراثهم هو الذي يُفعَّل هو الذي يملأ المكتبات ، هو الذي يرفع في المسجد، هو الذي يدرس في المدرسة ، هو الذي يُكتب في الصحيفة إذا كان هناك صفحات في صحف عن قضايا إسلامية هو الذي يكتب في الصحيفة ، هو الذي يتحرك لولا أنه من أصله لا يقوم على أسس صحيحة لما تعرضوا للتضليل والإضلال ، ولمَا أصبحوا على ما هم عليه ؛لأنه لا ينقصهم شيء، هم أساساً لا ينقصهم شيء بالنسبة لما هم معتقدون لـه ومؤمنون به ،ويثقفون أنفسهم به إسلامياً، هل ينقصهم شيء ؟ لا.

ألا يعني هذا بأننا نحن الزيدية في هذا الزمن الرهيب قد نكون نحن الضحية الكبرى للتضليل ، نحن من نرى أبناءنا هذا يسير كذا وهذا يسير كذا ،أبناء الطائفة هذه ، هذا أصبح وهابي وهذا أثني عشري ،وهذا أصبح لا ديني ونرى أبناءنا من داخل مدارسنا يتخرجون على نحو آخر، ألا يعني هذا بأننا نحن بحاجة إلى وعي إلى فهم ؟ بحاجة إلى مزيد من المعرفة ، بحاجة إلى مزيد من المعرفة بالثوابت التي نقف عليها ، ونتحرك على أساسها ،أم أنه لا تعنينا أنفسنا ولا يهمك أن تصبح ضحية للضلال، أو لا يهمنا أمر ديننا لا يهمنا ،لسنا مسئولين أمام الله.

تحدثنا في كلام سابق بأن المسئولية على الزيدية تبدو أكبر من المسئولية على أي طائفة أخرى، أكبر من المسئولية على أي طائفة أخرى؛ لأننا -في نفس الوقت- نقول: نحن أهل الحق ، ونحن من بين أيدينا مبادئ الإسلام وقيمه بشكل صافٍ ونقي لم نتعرض في تاريخنا إلى أن نحمل عقائد باطلة ندين لله بها ،فنحن أهل الحق. إذاً فأنت أنت المسئول الأول عن هذا الحق أن تعلي كلمته ، أن تعلي صوته، أن توسع دائرته في هذه الأرض.

ثم مع هذا نبدو أكثر الناس مللاً وأقصر الناس نظرة ، -وتقريباً- أضيق الناس صدراً ،لا نريد أن نسمع كثيراً ،لا نريد أن نفهم كثيراً ، متى ما تحدث أحدنا عن الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام مرتين أو ثلاث قلنا ( يكفي يكفي) وإن تحدث عن أهل البيت قلنا :(يكفي). إذا تحدث عن قضايا المسئولية وإشعارنا بمسئوليتنا قلنا: (يكفي) .ملل وضيق أفق.

ألسنا نرى الآخرين لا يملون من أن يسمعوا ما هو حديث عن معتقداتهم ؟ وأحياناً حتى داخل مدارسنا العلمية التي لا تزال ناشئة نسمع أن في داخلها من يقول: (يكفي يكفي). أنت أول من تَملْ وأنت من يراد منك أن تخرج داعية للأمة ، مرشداً للمجتمع ، مرشداً للناس فإذا كنت أول من يمل ، أول من يقول: (يكفي) فلن تتحدث مع الآخرين حتى يقولوا:(يكفي). مثلما قلت أنت . ألا يعني هذا بأنه يجب أن نُفَتّح أكثر وأن تفهم أكثر ،حتى لا تكون تحت أقدام من هم تحت أقدام من هم تحت أقدام من ضرب الله عليهم الذلة والمسكنة، حتى لا نبوء بغضبٍ من الله ، حتى لا نتعرض لعقوبة الله في الدنيا قبل الآخرة.

وغير صحيح غير صحيح أن تقول :نحن فعلاً نعيش مستضعفين أذلاء لكن إنشاء الله يوم القيامة ندخل الجنة، ونعيش أعزاء، ونعيش سعداء ،ونرى الآخرين وهم في قعر جهنم- ليس صحيحاً هذا- إذا لم تكن أنت من تعمل هنا في الدنيا لأن الجنة هي كما قال الله }ولنعم أجر العاملين{ مجرد خداع فقط نخادع أنفسنا.

إذاً فلنعي ولنفهم ولنحاول أن نسمع أكثر، ولكن من أين؟ نحن نسمع كثيراً وتسمع أحياناً بغير إرادة منك، أليس الكلام في هذه الدنيا كثيراً؟. تسمع حتى على غير إرادة منك وتشاهد رغماً عنك ، تسمع رغماً عنك ، وتشاهد رغماً عنك، أنت تمشي في الشارع وذلك الميكرفون في الجامع فيه إنسان مضل يتحدث فتمشي أنت في السوق رغماً عنك وأنت تسمع كلامه.. أليس كذلك ؟ يتحرك وراءك بعربية الأشرطة أو سيارة فتسمع رغماً عنك ، تلتفت إلى الأرض ترى قطعة صحيفة ، قطعة كتاب تقرؤها رغماً عنك ،لافتة هنا أو هناك تقرأها رغماً عنك ،أليس كذلك ؟ حتى يصبح الإنسان يتعرض لبعض الأشياء رغماً عنه فيضل رغماً عنه.

عندما نقول: نفتح نسمع أكثر. نسمع من قناة واحدة ، لا يعني بأن نسمع من هنا ونسمع من هناك ، كل شيء حاصل من هنا وهناك وهو الذي عانينا منه، إذن فالزمن بكله والمرحلة بكلها هي نفسها ما سماه الرسول : (فتن كقطع الليل المظلم يمسي المرء مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً) ما المخرج؟.

هل المخرج كما يقال (أن تتثقف أكثر) فتنظر هذا ،وتسمع هذا ،وتذهب إلى ذاك وتسير عند ذاك ،وترجع إلى هذا ،وتنظر عند هذا فيقال توسع ثقافتك على أساس أن يكون لديك معرفة ويكون لديك رؤية وأن يكون لديك خبرة، وتطور معلوماتك ، وكلام من هذا القبيل.. هل هذا هو الحل؟. لا.

سيكون هذا مفيداً متى ما بدأت تمشي في طريق واحدة وتثقف نفسك أولاً من قناة واحدة فتصبح لديك ثوابت صحيحة ، يصبح لديك رؤية صحيحة مقاييس صحيحة ، معايير صحيحه، ثم حينها انطلق في هذه الدنيا ، اقرأ أي شيء ،اسمع ولو كل قنوات العالم هذا –تسمعها- أو محطات الإذاعات كلها فيما بعد ستفيدك فعلاً خبرة وبصيرة ، سترى كم هي ضالة ، سترى كم فيها ما يشهد بصحة ما أنت عليه ، حينها لا تكون عرضة إطلاقاً لأن تضل.

بعد أن أخبر الرسول بأنه سيأتي بعده فتن كقطع الليل المظلم على هذا النحو هل سكت؟. هو من هو حريص على هذه الأمة أن يرشدها أن يبصرها حتى وإن كان في آخر أيامه ، والمرض ينهك جسمه، والموت يدب في أعضائه، ما يزال يحمل حرصاً على هداية أمته ، من خلاله سنعرف ما هي هذه القناة ، ومن خلال القرآن أيضاً.

وأولاً نعرف ما هي هذه القناة التي نعطيها أهمية كبرى أولاً ، الله قال في القرآن الكريم يتحدث عنه بأنه هدي } إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم { هدى للناس } يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام { سبل السلام ، سلام من ماذا .؟ السلام من الضلال السلام من الهلاك ،السلام من الذلة، السلام من الخزي ، السلام من العار، السلام من جهنم.

}وأن هذا صراطي مستقيماً فأتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيله{ في أكثر من آية يذكر الله سبحانه وتعالى أن هذا القرآن هو هدى }هدى للمتقين{ } هدى للناس{ ،إنه الهدى الذي قال عنه }فإما يأتينكم مني هدى فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى{.

أثناء الفتن وعند تراكم الفتن هذه التي كقطع الليل المظلم ما الذي يحدث؟. ليست الخطورة في أنه كم قتلى يحصل هنا، وكم دمار يحصل هناك لأنه قال فيها ، يبين وجه الخطورة فيها على أمته ((يمسي المرء مؤمناً ويصبح كافراً ويصبح مؤمناً ويمسي كافراً)) الخطورة فيها خطورة تضليل رهيب والتباس في الأمور ،وضلال رهيب ، وضلال دقيق ، ويأتونك من بين يديك ،ومن خلفك وعن يمينك ، وعن شمالك }فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى { }ومن أعرض عن ذكري{ ألم يقل الله بأن هذا ذكر؟ } ومن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى{ لماذا يحشر أعمى؟. لأنه كان ضالاً عندما أعرض . أعرض فضل. } قال رب لِمَ حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً . قال كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى . وكذلك نجزي من أسرف ولم يؤمن بآيات ربه{ هكذا يكون جزاؤه أن يحشر يوم القيامة أعمى ، وأن يعيش في الدنيا عيشة ضنكا.

الرسول في حديث رويَ عن علي بن أبي طالب عليه السلام قال سمعت رسول الله يقول: ( ألا إنها ستكون فتنة. فقلت ما المخرج منها يا رسول الله؟. قال: (كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم ،وخبر ما بعدكم).

قلنا أكثر من مرة بأن القرآن الكريم يستطيع أن يكشف لكل أمة واقعها ، يستطيع أن يكشف لك الواقع. (فيه خبر ما بعدكم) خبر ما سيأتي بعدكم ، لكن ليس على سبيل الإخبار التاريخي بأنه سيأتي في عام كذا وكذا يحصل كذا وكذا . لا. بطريقة أخرى بطريقة أخرى لا يستطيع أحد أن يعلمها.

( ألا إنها ستكون فتنة. فقلت: ما المخرج منها يا رسول الله؟. قال :كتاب الله فيه نبأ ما قبلكم) ونبأ ما قبلنا فيه عبرة ودروس لنا في مقام الهداية } لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب{.

(وخبر ما بعدكم ،وحكم ما بينكم ، هو الفصل ليس بالهزل) يجب أن نتعامل مع القرآن بجدية، هو فصل في كل القضايا، فصل في مقام الهداية يرشد للتي هي أقوم.

(ليس بالهزل) هو كتاب عملي كتاب عملي، كتاب للحياة ،كتاب للنفوس ،كتاب للهداية، ليس فيه مفردة واحدة لا تعطي هداية، ليس فيه آية واحدة لا تعطي هداية، حتى تلك التي يقول عنها أصحاب الناسخ والمنسوخ أو أصحاب (قواعد أصول الفقه) : هذه الآية منسوخة.ما الحكمة من بقائها؟. قال :لمجرد التعبد بتلاوتها . ليس من هذا القبيل كتاب الله ،كل مفردة فيه فيها هداية كبرى ،كل آية تهدي هداية ،أحياناً تفتح كثير من الآيات أبواباً واسعة من أبواب الهداية.

(من تركه من جبار قصمه الله)حتى وهو جبار متى ما ترك القرآن يتعرض لأن يقصمه الله، فكيف بأولئك المستضعفين الذين ليس لديهم ما يحميهم إذا ما تركوا القرآن سيُقصمون سريعاً على أيدي الجبارين ، هذا هو جبار يمتلك قدره أن يحمي نفسه بل هو من يتسلط على الآخرين متى ما ترك القرآن فإنه يتعرض هو لأن يقصمه الله. ولكن هناك سنن ثابتة في القرآن الكريم في قصم الجبارين .

(ومن ابتغى الهدى من غيره أضله الله) حتى عندما تعرف الواقع الذي أنت تعيش فيه، وتعرف المرحلة السيئة التي أنت تعيش فيها ، والضلال الذي ينتشر من يمينك وشمالك ، وأنت هناك من يهتم بنفسه فتبحث عن الهدى ،وإن كان لديك حرص كبير على أن تهتدي فإنك عندما تبحث عن الهدى في غير القرآن ،وعن غير القرآن تضل ،بل يضلك الله ،وكلمة (ابتغي) يعني طلب الهدى ..من الذي يطلب الهدى؟؟.من يشعر بحاجة إلى الهدى ،حتى من يشعر بحاجة إلى الهدى متى ما انطلق ليهتدي من هنا أو من هناك سيضل.

(وهو حبل الله المتين ،وهو الذكر الحكيم ،وهو الصراط المستقيم، هو الذي لا تزيغ به الأهواء، ولا تلتبس به الألسن ولا يشبع منه العلماء). متى ما اختلفت الألسن وهي تتلوه ، متى ما اختلفت الألسن وهي تعبر عنه لا يؤثر عليه }إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون{ وما أكثر ما حصل من التباس الألسنة حول القرآن الكريم ، التباس رهيب على أيدي المفسرين، على أيدي أصحاب فنون كثيرة من الفنون التي يقال بأنها تخدم القرآن الكريم ،التباس كثير حصل ،ولكن القرآن ما يزال هو هو لا يمكن أن يمسه أحد بسوء ، ولا يزال هو هو يرفض كلما يلصق به مما لا ينسجم معه.

(ولا يشبع منه العلماء) لأن فيه المعرفة الواسعة، هو بحر لا يدرك قعره .

لكن أصبحنا في موقف عجيب ،الشخص منا متى ما كان فقيراً يقول للآخرين :ما معي إلا الله. أليس هكذا يقال للشخص الذي يتعلم القرآن :أنت تقرأ ؟ أنت تتعلم؟ يقول: نعم. في ماذا ؟. يقول: في القرآن ،أتعلم حصة في القرآن. وماذا غيره؟. أليس الواحد يقول : وماذا هل معك شيء آخر ،لم يعد هنا شعور بأن القرآن يكفي إلى درجة أنه لا يشبع منه العلماء. ومن العلماء ؟. العلماء الذين يغوصون في أعماق أعماقه، لا يزالون مهما عُمِّرُوا لا يشبعون منه. أي هو بحر علوم.

(لا يَـخْلَقُ على كثرة الرّد) مهما تردد الحياة تتردد من حولك وتتغير ،وتحدث أحداث متعددة والقرآن كلما ترجع إليه يفيدك يعطيك هدى ، يكشف لك شيئاً في كل يوم ترجع إليه. أليست الحياة هكذا تتحرك ؟ الحياة كلها تتحرك متغيرات تطرأ ، أحداث تطرأ ، القرآن يكشف لك الكثير الكثير عنها ، وكيف تنظر إليها ، وكيف تتعامل معها.

(ولا تنقضي عجائبه) حكم عجيبة يعطيها ،أمور عجيبة يكشفها ، سبل عجيبة يهدي إليها قيم عجيبة .

أيضاً (هو الذي لم تنـته الجن حين سمعته حتى قالوا } إنا سمعنا قرآناً عجباً يهدي إلى الرشد {) هؤلاء جن متجهين في استقامة. }فلما حضروه قالوا أنصتوا فلما قضي ولو إلى قومهم منذرين . قالوا يا قومنا إنا سمعنا كتاباً أنزل من بعد موسى يهدي إلى الحق وإلى صراط مستقيم{ كذلك قالوا }إنا سمعنا قرآناً عجباً{ عجيب فيه العجائب ،} يهدي إلى الرشد{ .

حاولوا أن تربطوا أنفسكم في عملكم هذا بالقرآن وأنت ترشد حاول أن تدور حول القرآن وتنـزل القرآن للناس وتعرض آياته للناس وتذكرهم به إنك هنا لن تقع في باطل، لن تقع في باطل إذا كنت تقول به، وليس تتقوّل عليه. هناك من يرجع إلى القرآن ولكنه يتقوّل على القرآن من منطلق عقائد فاسده لديه ، أو قواعد باطلة ينظر من خلالها إلى القرآن الكريم فيصبح مُتَقَوِّلاً عليه ، لكن لا.

(من قال به صدق ، ومن عمل به أُجِر، ومن حَكَم به عدل) يعني أن هذه ضمانات مادمت تتحرك في إطار القرآن فكل شيء يأتي من عندك سيكون صح ، عندما تقول به تصدق، تعمل به تريد الأجر من الله يحصل لك أجر، تحكم به تعدل.

(ومن دعا إليه فقد هُدي إلى صراط مستقيم) ألسنا بحاجة إلى أن نهتدي إلى الصراط المستقيم؟. إذاً فالقرآن الكريم هو فعلاً القناة التي يجب أن نتلقى منها البينات التي يجب أن نهتدي بها في هذا العصر. في هذا العصر الذي تحدثنا عن واقعه وعن وضيعيتنا فيه، نحن قلنا مما نعاني منه الملل أو تساؤلات بالمقلوب.

تحدثنا بالأمس حول ولاية الإمام علي عليه السلام من خلال الآيات الكريمة } إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون { وتناولنا الآخرين أيضاً بكلام من خلال المقارنة عمر وأبو بكر وعثمان وأضرابهم.

العادة في طرح كهذا لأنه أصبح غير مألوف ،أصبح غير مألوف عند الكثير ،وغير مسموع عند الكثير أن يتحدث الإنسان بشدة حول أبي بكر وعمر وعثمان وتلك المجموعة التي لا نزال نعاني من آثار مخالفتها لله ولرسوله قد يبدوا بعض الناس يتساءل أنه لماذا ولاية علي عليه السلام بالذات ممكن أن نتولى علياً و أبا بكر وعمر وعثمان والكل ونرضِّى عليهم جميعاً وكلهم ممتازين ، ألم نتولّ علياً ضمن هذه الموالاة ؟ وهل هناك ما يمنع أن نتولى الآخرين معه؟ وبذلك سنبدو سمحين ونبدو قريبين من الآخرين ونبدو ونبدو .. الخ.

مثل هذا يحصل كثيراً حتى في أوساط علماء ومتعلمين ، وقد يكون -ربما والله أعلم- من أوساط العامة أنفسهم ممن تراه لا يتسامح في شبر واحد من (مَشْرَب) للماء أو قطعة أرض ، أو قطعة (مَحْجَر) مع صاحبه أو مع أخيه من أمه وأبيه ولكنه سيبدو متسامحاً مع أبي بكر وعمر وعثمان ، وقضية عادية في نظره لو أخذوا علينا ثلثين الدين.

لكن بالعودة إلى القرآن الكريم سنعرف بأننا بحاجة إلى أن نتحدث بهذا الأسلوب وبهذا المنطق ،وإلا فنحن لسنا ممن طبائعهم حمقى أو ضيقة أو شديدي اللهجة على أي إنسان أو يتطاولون بألسنتهم على أي إنسان.. ليس هذا من طبعنا. ولكن هي الحاجة الماسة التي جعلتنا نتحدث حتى على الرغم من أننا نعلم أننا سنجرح مشاعر كثير من المسلمين بهذا الكلام.

لكننا نقول إننا نحن أمة مجروحة يجب أن تبحث عن العلاج وعن سبب المرض ، وعن السبب الذي جعل هذا الجرح ينـزف دماً ولا نجد هناك من يلتئم الجرح على يديه. ليس عصر مجاملة، ليس عصر مداهنة، ليس زمن تغطية وتلبيس ،زمن يجب أن تُكشف فيه الحقائق على أرقى مستوى ، وأن يتبين فيها -بدأ من هناك من مفترق الطرق بعد رسول الله - من هو السبب في كل ما نحن نعاني منه؟. حتى وإن كان علياً عليه السلام ، حتى وإن كان عماراً، حتى وإن كانت فاطمة ناهيك عن أبي بكر وعمر واضرابهم.

ليست المسألة مسألة تحامل على الآخرين إنما هي شيء يجب أن نصل إليه من خلال ثقتنا بأن هذا القرآن هو وحده الذي يهدي ،من خلال اعتماد القرآن الكريم بأنه هدى الله الذي يهدي إلى التي هي أقوم ، وبروحية القرآن نتحدث عن الآخرين ، وبأسلوب القرآن نتحدث عن الآخرين أيضاً ، إذاً فليس هناك مجالاً لأن تبدوا أكثر تسامحاً من الله ، أو أكثر رحمة بالآخرين من الله ، أو أكثر حرصاً على وحدة الأمة -فتقول من أجل الأمة تتوحد- من الله ، إن الله سبحانه وتعالى هو الذي يراعي مشاعر أولئك الذين يقول الكثير: لا بد أن نراعي مشاعرهم ، بل خاطبهم بلهجة قاسية في قضية تبدوا عادية للبسطاء تبدوا عاديه {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ} (2) سورة الحجرات سننسف أعمالكم.

أليست هذا منطق شديد أم لا؟. يقال :كانوا وكانوا مع رسول الله وكانوا يجاهدوا وكان ممتاز وكان ..وكان.. الله الذي يعلم الأعمال ويكون للأعمال قيمتها عنده، يقول } لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ كَجَهْرِ بَعْضِكُمْ لِبَعْضٍ { عندما تخاطبوه : يا محمد. بعبارات نحو هذه.

} أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ { سنحبط أعمالكم. ماذا وراء إحباط الأعمال ماذا؟ أليس وراءها جهنم أن تحبط أعمالك الصالحة الإنسان لا يبقى صفر لا سيئات ولا حسنات معناه سترتكب خطيئة وجريمة تحبط كل حسناتك ، وتملأ كل ذلك الفراغ سيئات. الإنسان لا يعيش في لحظة لا حسنة ولا سيئه ،لا أحد يعيش صفراً من هنا ومن هنا.

} أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون { قالوا هذه الآية نزلت في أبي بكر وعمر ودعاها تنـزل في الصحابة كلهم.. أليس هذا منطق ولهجة شديدة؟.

ألا تدري لماذا؟. لأن في رفع صوتهم فوق صوت النبي ما يخل بالأدب في مجلسه ومحضره ما يكشف عن عدم إجلال واحترام وتقدير له بالشكل الذي يليق به ، فإذا كان محمد رسول الله ليس له المكانة العظيمة في نفسك التي تجعلك تتأدب في مجلسه إذاً فلن يكون لكلامه وتوجيهاته أهميتها في نفسك ، ولن تقع موقعها في نفسك ، وبالتالي فسيكون من السهل أن تخالفها ، من السهل أن تتملص عنها ، من السهل أن تؤولها ، من السهل تبتكر من عندك ما تعتقده بديلاً عنها وتقدمه بديلاً عنها ،وهنا مَكْمَن الخطورة.

فكيف بمن رفعوا أصواتهم فوق صوت النبي ، وخالفوا النبي ، ورفعوا صوتهم فوق صوته وهو في حالة المرض وفي قضية مهمة.

}أن تحبط أعمالكم وأنتم لا تشعرون{ ارجع إلى القرآن الكريم تجد أسلوبه يقوم على هذا النحو، يلعن الكافرين ، يلعن الفاسقين ، يلعن الظالمين ، يلعن المؤذين لله ولرسوله ، أليس هذا موجود في القرآن ؟. أم أنه فقط كتاب أخلاق وتساهل ،وليست مشكلة وإن كان ظالم لا عليك منه ،وفاسق تتمشَّى معه، وكافر اتركه لوحده، وكلٌ سيدخل قبره وحده. هل هذا منطق القرآن ؟ أم أن منطقه صرامة وشدة مواقف. والقرآن كتاب عملي ، ليس للترانيم كتاب عملي للحياة وللنفوس تهتدي ، وتتحرك على أساسه ، كل شيء فيه مهم ، فهو يوجه حتى بأساليبه.

الله الذي يسمي نفسه بأنه أرحم الراحمين ، رحيم بعباده يلعن هذا ، ويحبط عمل هذا ، ويضرب هذا. المسألة ليست مسألة رحمه كما نتصورها نحن ، أو تسامح مع كل الأطراف كما نتصورها نحن .لا . له منهج واحد }ورحمتي وسعت كل شيء فسأكتبها للذين يتقون{ أليس كذلك ؟ له هدي واحد: } فمن اتبع هداي فلا يضل ولا يشقى وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى {(124) سورة طـه من أي الأوساط كان ، وفي أي مرتبة كان حتى وإن كان نبياً من الأنبياء فإنه يقول له }قل إني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم{ ليس هناك مداهنة إطلاقاً من قبل أرحم الراحمين.

أنت قد تتجنى يا من يبدوا في منطقه أو في تفكيره أكثر تسامحاً ، عندما نسمع منطق شديد اللهجة غير مألوف ولو على مسامعنا ،نحن أصبحنا كما قلت سابقاً لا نتثقف بثقافتنا، وإلا فهذا منطق ليس جديداًَ هو منطق السابقين من أئمة أهل البيت عليهم السلام ، وهو منطق فاطمة الزهراء عليها السلام التي أوصت أن لا يحضر جنازتها ولا الصلاة عليها أبو بكر ولا عمر ، حتى خرج الإمام علي عليه السلام مع عمار ومجموعة خاصة من أوليائه ليدفنوها في الليل ويعملون عدة قبور ليعمّوا حتى قبرها عنهم ، أليس هذا شدة من فاطمة عليها السلام؟.

فاطمة عليها السلام هي كما قال الرسول (هي سيدة نساء العالمين) (فاطمة بضعة مني يُرِيـبُني ما رابها ،يؤذيني ما يؤذيها، يغضبني ما يغضبها ، من أذاها فقد أذاني، ومن أغضبها فقد أغضبني) على اختلاف ألفاظ الحديث أو تعدد رواياته.

قد تتجنى على حكمة الله سبحانه وتعالى ،فتبدوا وكأنك أكثر حكمةً من الله ، الله الذي قال {أن تحبط أعمالكم}، أعمالاً صالحة. وأنت تريد أن تتغاضى عن أعمال سيئة وترفعها إلى مقام الأعمال الصالحة ، كم هو الفارق؟ كبير‍. الله قال سيحبط أعمالاً وإن كانت أعمالاً صالحة فعلاً ، وإن كان فيها جهاد وعبادة وإنفاق، سيحبطها إذا رفعتم صوتكم فوق صوت النبي ، فكيف إذا رفعت خطاً ومنهجاً بأكمله خلاف منهج النبي فتجعل حركة النبي وما بذله من جهد كبير أيام حياته تجعله لا شيء في الأخير.

وهو الذي ساد في هذه الأمة من ذلك الزمن إلى الآن ، أليس أبو بكر وعمر ومن ورائهم هم الذين سادوا المجتمع المسلم؟. أليسوا هم أغلبية الأمة؟.

قل: إذاً أولئك لم يرفعوا فقط أصواتهم فوق صوته بل رفعوا أشياء أخرى خلاف ما جاء به ، رفعوا أمة أخرى غير الأمة التي كان يريد أن تكون هي التي ترتفع ، رفعوا أمة. هذه الأمة التي كان يريدها النبي أن تكون هكذا على مستوى عال ، على مستوى عال في واقع حياتها ، في تفكيرها ، في هديها، في زكاء نفوسها أصبحت أمة دُنِّسَت بالعقائد الباطلة ، تحت أقدام الجبارين من الخلفاء في مختلف العصور ، على يد من حصل هذا؟.

يُظلم أول من يُظلم أهل بيته عليهم السلام الإمام علي وفاطمة والإمام الحسن والإمام الحسين أول من ظلم في هذه الأمة ، على يد من حصل هذا ؟ على يد أبي بكر وعمر.

يصل معاوية إلى حكم الأمة ، ويصل يزيد إلى حكم الأمة ، ويصل من كانوا يسبحون في أحواض الخمر فيشرب حتى الثَّمَالة وهو أمير المؤمنين ، على يد من حصل هذا؟. وبسبب من حصل هذا؟.

القرآن الذي جاء به محمد كان هكذا يريد أن يكون من يلي أمر أمته التي هو حريص عليها أن يكون من هذا النوع } الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون{ فكان هناك من لا يصلي، من يسبح في أحواض من الخمر، من يسهر في السهرات الحمراء الراقصة -كما يقولون في زماننا هذا- على يد من حصل هذا؟. بسبب من حصل هذا؟.

رفعت أشياء رهيبة جداً جداً خلاف ما كان يريد القرآن ورسول الله أن يرتفع في الأمة، أليس هذا أعظم من رفع الصوت فوق صوت النبي؟. أليس هذا يؤلم النبي أكثر من أن يرفعوا أصواتهم فوق صوته ؟.

بل هو كان سمحاً في أخلاقه وإن حصل في مجلسه مالا يليق من ناحية الأدب معه كان يستحي أن يتحدث. كان يجلس في مجلسه ناس فيستحي أن يخرج من عندهم إنما يأتي الله يقول لهم: يا جماعه خففوا على النبي ، خففوا على نبيكم. ألم يحصل هذا من قِبَل الله هو الذي أنقذه.

لم يكن يتكلم هو، يرفعوا أصواتهم فوق صوته فيتحمل ، يجلس في حجرته الشخص منهم أو الأشخاص فترة طويلة فيستحي أن يقول لهم اخرجوا ، يستحي أن يخرج من عندهم. كانت أخلاقه عالية وكريمة وصدره فسيح ، لكن القضايا هذه ليست عاديه فقال الله سبحانه وتعالى هو لعباده يحذرهم ويؤدبهم.

فأيهما أشد عند رسول الله وعلى مشاعره ، وعلى نفسه أن يرفع صوت فوق صوته في مجلسه أو أن يرفع شخص آخر غير من رفعه هو ورفع يده فوق أقتاب الإبل يوم الغدير؟؟. أيهما أشد عليه مخالفته في قضية كهذه أو أن يرفع أحد صوتاً فوق صوته؟. معلوم أن مخالفته في قضايا كهذه مهمة هي التي تؤلمه جداً.

قد تبدوا متسامحاً أكثر من الله. الله لا يتسامح مع الذين يَتَجَـنَّون على عباده ، ويظلمون عباده ، ويحرفون دينه.

هل تسامح مع آدم ؟ أول رجل في هذه الأمة أخرجه هو وزوجته من الجنة التي كان قد أعدها لهم في هذه الدنيا ليقيموا فيها فترة حتى يتكاثر نسلهم ، عندما أكل الشجرة، ما هي هذه الشجرة ؟ هل هو شراب خمرا؟ لا. شجرة.. قال المفسرون : شجرة حنطة، أو أنها الشعير أو أنها التينة، أو أنها الكَرْمة ،شجرة عادية من هذه التي نأكلها ،لكنه خالف فشقي } فأكلا منها فبدت لهما سوءاتهما{ أُخرجا من الجنة ،أُهبطا منها ، ونُزِع عنه وعن زوجته لباسهما فخرجا عاريين ، نُزِعت ملابسهما من فوقهما } وَطَفِقَا يَخْصِفَان عليهما من ورق الجنة{.

شقي آدم بسبب مخالفته ليعطي دروساً لبني آدم من بعده أن مخالفته لا يمكن أن تكون كطاعته.

وتأتي أنت تسوي بين من خالف أمره في أمور مهمة جداً وبين من يطيعه وهو يقول }أفمن كان مؤمناً كمن كان فاسقاً لا يستوون{ }لا يستوي أصحاب النار وأصحاب الجنة أصحاب الجنة هم الفائزون{ يجب أن نهتدي بهدي الله ، وأن نقف مواقف القرآن وأن ننطق بأساليب القرآن و أن نكون أقوياء بقوة القرآن ، وإلا فسنكون نحن من يَتَجَنّى على حكمة الله وعدله ورحمته فيـبدوا وكأنه أكثر حلماً من الله ، أكثر رحمة من الله ، أعظم حكمة من الله ، أوسع علماً من الله ،ستبدو هكذا فتسيء أنت إلى إلهك ، وتسيء إلى نفسك إساءة بالغة، إساءة بالغة.

كيف تريد أن تتسامح مع أشخاص هم ضربوا هذه الأمة ؟. ‍ بل لا مخرج لهذه الأمة إلا عندما تصحح وقفتها معهم ونظرتها إليهم من جديد. والله هو الذي يقول لنبيه سيد المرسلين } قل أني أخاف إن عصيت ربي عذاب يوم عظيم{ هل هناك أحد أرفع في هذه الأمة من محمد وهو الذي يقول: لو عصيت لعذبني ، أخاف إن عصيت أن يعذبني. لو عصى رسول الله سنقول: طبيعي، هو نبي هو كذا. حتى هذا أليس منطقاً رفيعاً ؟ هل هو مقبول عند الله ؟. لا.

تنـزل إلى شخص آخر ما كان ربما يدري من هو الذي يخاطبه ، مقام الذي يخاطبه، عظمة الذي يخاطبه ، جلال الذي يخاطبه فيرفع صوته فوق صوته ويعارضه في من‍زله في داخل بيته أثناء مرضه في قضية تهمه جداً ، هل تريد أن تمنحه ما لم يمُنح لمحمد من قِبَل الله ؟. فتأمّنه مما لم يأمن منه محمد إن عصى ربه؟!!. تبدوا أنت ترتكب جريمة أخرى، تبدوا أنت من يغطي على منابع الفساد في هذه الأمة.

ثم نأتي إلى من يقول: يمكن أن نتولى علياً وأبا بكر وعمر وعثمان والصحابة جميعاً ونرضى عليهم فنبدو أكثر تسامحاً ،ويمكن أن نتوحد مع الآخرين ..الخ.

هل هذا صحيح ؟. هل هذا ممكن ؟. لو كان ممكناً ، لو كان يبرّئ الذمة ، لو كان فيه الحل، لو كان هو هدى الله ما الذي يمنعنا من ذلك، هل هناك ما يمنعنا ؟. يمكن أن نصلي عليهم وليس فقط نرضي عليهم ،لو كانت القضية هكذا ممكنة ، لكن ارجع إلى الآيات هذه نفسها ، أليست تتحدث عن قضية مهمة جداً بالغة الخطورة علينا في إسلامنا ، في أنفسنا في إيماننا في أنفسنا؟. وفي واقع حياتنا؟. قضية أهل الكتاب مواجهة اليهود والنصارى ،ما يحصل من جانبهم، أليست القضية خطيرة؟. تضربنا في إيماننا فنكون قد ارتكبنا جريمتين أضعنا إسلامنا وأضعنا مسئوليتنا، ألم تذكرنا آيات آل عمران بأن القضية هي على هذا النحو محافظة على إسلامكم ، وتأهيل لأنفسكم لتكونوا في مستوى أداء مسئوليتكم. ما هي المسئولية هذه ؟ مسئولية كبرى .{كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمـنــون بالله{ مسئولية كبرى ،أن تكون ممن قال عنه } فسوف يأتِ الله بقوم يحبهم ويحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين يجاهدون في سبيل الله ولا يخافون لومة لائم ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء والله واسع عليم{ ففي هذه الآية أرشد إلى تولي من نوع خاص ولطرف خاص } إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون{ إن المراد هنا أن تتولى جهة ،تولي تنظر إليها أنها هي الجهة التي تعتبر ولي أمرك ولاية أمر منها تتلقى الهداية ،منها تتلقى التوجيهات ، بها تقتدي بها تهتدي ، إن المقام مقام يتطلب هذا فعلاً ،ولهذا قال بعدها } ومن يتولى الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون{ هو يفترض أننا يجب أن نكون في مقام تأهيل أنفسنا لنكون حزب الله ولنغلب، إذاً ماذا يعني هذا؟ هو أنك تبحث عن من تتولاه به تهتدي ، به تقتدي ،له تطيع ، له تَأْتَمِر ، له تتبع ، منه تقتبس، به تتأسى. قيادة ،ولاية أمر ،هذه تختلف عن الولاية فيما بين المؤمنين أنفسهم } والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض{ معنى أن يكونوا مع بعضهم أولياء بعض أن يكونوا صفاً واحداً وموقفاً واحداً متعاونين متكاتـفين كالجسد الواحد فيما بينهم، يَهُمّ بعضهم أمر بعض ، تسودهم حالة من الألفة، من الأخوة، من المحبة.

لكن هنا يرشد إلى جانب الجهة التي تتولاها لتتلقى منها الهداية، تتلقى منها التوجيهات ؛لأنك عندما تريد أن تكون كما قال الله سبحانه وتعالى تريد أن تكون من حزبه أليس هذا يعني أنك تريد أن تكون جندياً من جنوده في مواجهة طائفة خبيثة من خلقه هم أهل الكتاب اليهود والنصارى .. إذاً كيف جندي بدون قياده؟. كيف جندي لا يتلقى أوامر وتوجيهات من طرف معين؟. كيف يوجهك إلى أن تكون جندياً من جنوده فتكون واحداً من أفراد حزب يسمى (حزب الله) هو الحزب الموعود بالغلبة ثم لا يتحدث لك عن قيادته من هي ؟. وكيف يجب أن تكون قيادته ؟ هل هذا ممكن؟. لا يمكن لا يمكن؛ ولهذا قال هنا } فإن حزب الله هم الغالبون{ . حزب الله ماذا يعني ؟ جنوده أليسوا جنود الله جنود الله يسمون حزبه في ميدان المواجهة ،في ميدان الصراع، في ميدان الكفاح بمختلف الوسائل .. كيف جنود بغير قياده ؟ هل هذا ممكن ؟ هل ممكن لأي ملك من ملوك الدنيا أو زعيم من زعماء هذا العصر أن يرسل كتيـبة إلى منطقة بغير قائد ، هل يحصل هذا ؟. يضعون قائداً حتى للطقم الواحد ،سيارة واحدة يضعوا لها قائداً، أليس هذا معروفاً؟.

هذا الذي قال عنه القرآن الكريم } هدى للمتقين{ }يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام{ }يهدي للتي هي أقوم{ هو يهدينا إلى كيف نكون جنوداً في مقام مواجهة عليا ،مواجهة على مستوى راقٍ ، ثم لا يتحدث عن الجهة التي تتلقى منها التوجيهات ،عن الجهة التي تقودونا ،عن الجهة التي بها نقتدي ، عن الجهة التي لها نطيع ونأتمر، هل هذا ممكن؟. لا يمكن لا يمكن.

ولهذا تجد أنه في الآيات في سورة آل عمران في مقام الحديث عن أهل الكتاب كيف وجهنا إلى نقطة مهمة هي أن نكون متوحدين توحداً يقوم على الاعتصام بحبله، أليس التوحد مهم داخل من يجب أن يكونوا حزب الله؟. ثم هنا يتحدث عن القيادة.

والقيادة هي تبدأ من عند ولي العباد هو الله سبحانه وتعالى ، قلنا في جلسة سابقه بأنه يبدوا لمن يتأمل هذه الآيات التي تتحدث عن بني إسرائيل ، وعن ما يراد للأمة في مواجهتها ، وعن خطورة هذه القضية يبدوا وكأن الله سبحانه وتعالى هو من يقود هو من يتصدر لقيادة المهمة فعلاً ، ماذا يعني؟. وكأن القضية تولى رسم معالمها وتولى تبينها بشكل يعني هو تولي - كما يقولون- تولى قيادة (غرفة العمليات) تولى هو القيادة لخطورة القضية.

فكيف لا يوجهه؟ ، {إنما وليكم الله} تهتدون بهديه ، تسيرون على تعليماته وخططه في هذه المواجهة ، أنتم يا من تريدون أن تكونوا حزبه لتغلبوا ، وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام ، فتولي الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام هو تولى قدوة ، تولى ولي أمر ، تولى هادي للأمة من بعد نبيها . لم يرض عمر ، قال: (لا يجتمع سيفان في غِمْدٍ واحد) أو بهذا المعنى ،هو نفسه لا يرضى؛ لأن معنى أن ترفع أبا بكر وعمر وعثمان في نفس المقام الواحد لتعطيهم هذه الولاية التي لا تصح إلا لعلم واحد.. هل هناك أكثر من قائد واحد لكتيبة واحدة؟. أكثر من قائد لشعب واحد؟. أكثر من قائد لأمة واحدة؟ ، أليس هذا يوجد خللاً؟.

عمر نفسه رفض عندما قال الأنصار: (منا أمير ومنكم أمير). قال: لا. وأنت تريد أن تضيف عمر وهو يرفض من حيث المبدأ ما تريد أن تعمله له ، تضيفه إلى علي u والذين آمنوا ، علي وأبو بكر وعمر وعثمان وهكذا . لا.

المسألة هي مسألة ولاية هدى ، ولاية اهتداء واقتداء من جهة عُليا، منها تتلقى الهداية، أنت يا من أنت جندي في ميدان المواجهة ، من أنت تسمي نفسك أو تريد أن تكون من حزب الله ، يجب أن تتلقى من هذه الجهة ، وأنت تتولاها ولاية اهتداء واقتداء ، ولاية طاعة ،ولاية أمر ، إذاً فلا مجال لسحبها على الآخرين.

إننا هنا نخاطَب بخطاب يختلف نوعاً ما عن قول الله تعالى:{والمؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض}.

نعود إلى ما تحدثنا عنه بالأمس وهو أن البعض قد يقول: لماذا لم يقل ملككم أو رئيسكم أو زعيمكم: الله ورسوله وعلي، أو حتى يقول والذين آمنوا بعد ما يقول زعيمكم. لماذا قال (وليكم)؟.

يجب أن نفهم كيف يجب أن تكون العلاقة، وكيف هي العلاقة فعلاً من وجهة نظر القرآن ، وعلى وفق رؤية الإسلام ، كيف هي العلاقة بين الله ملكنا وبيننا نحن عبيده وشعبه - إن صح التعبير - ليست العلاقة بيننا وبين الله ، ولا بيننا وبين رسوله ، ولا بيننا وبين الإمام علي عليه السلام على نمط العلاقة بيننا وبين الرئيس أو الملك أو الزعيم الفلاني ، هل تفهمون هذه؟.

العلاقة بيننا وبين الله هي علاقة أسمى وأرفع، بيننا وبين رسول الله علاقة أسمى وأرفع ، بيننا وبين الإمام علي عليه السلام كذلك علاقة أسمى وأرفع ، بيننا وبين أئمة أهل البيت عليهم السلام كذلك علاقة أسمى وأرفع من هذه.

ماذا يعني هذا ؟. هي أنك خليفته في أرضه ،أنت في واقعك خليفة له في أرضه ، أن في مسئولياتك الكثيرة في مهامك الكثيرة في الحياة ،أنت طرف تنطلق أنت من جهة نفسك لتبحث عن كيف تتلقى التوجيهات ،عن كيف تتلقى الهداية ،عن كيف تكون خطط عملك ، عن كيف تهتدي وبمن تقتدي. تتلقى التوجيهات من فوق ؛ولهذا جاءت بلفظ (ولي).

كمثال لنفهم المسألة أكثر: أنت هنا علاقتك بعلي عبد الله كعلاقة المحافظ بعلي عبد الله ؟ لا. لكننا تحت اسم واحد (رئيس) تحت هذا الاسم الواحد ، لكن علاقة المحافظ به ما هي ؟. أليست علاقة طرف يتحمل مسئولية، مَنُوطة به مسئوليات ومهام؟.

لاحظ كيف يبدو المحافظ مع الرئيس أليس يبدو أكثر اهتماماً في متابعة أخباره ،والبحث عن كيف يتلقى التوجيهات منه ،وعلى علاقة دائمة به واتصال مستمر به. أليس هذا الذي يحصل؟. أنت كيف علاقتك بهذا الشخص لا شيء، مع أنك في ذهنيتك غافل عنه ،فقط عندما يأتي أمر ممكن تقابل، أليس كذلك؟.

إذا نحن المسلمين في واقعنا في ما يتعلق بالعلاقة فيما بيننا وبين الله في هذا الجانب في كونه ملكنا وإلهنا ورسول الله هو ولي أمرنا وعلي عليه السلام هو ولي أمرنا ، هي من هذا القبيل ، أنت في موقع المحافظ، مسئولياتك كبرى ،مهام كبرى ، فأنت أنت من جهة نفسك من ينطلق ليبحث وهو في ميدان تنفيذ المهام وأداء المسئوليات والمواجهة مع أطراف متعددة ، يتلقى التوجيهات من الجهة العلياء هذه. هل تفهم الفارق بين دورك أنت ودور المحافظ؟. أنت في دور المحافظ ؛لهذا تجد القرآن الكريم عندما ترجع إليه يعبر عن ولاية الله سبحانه وتعالى لعباده بمختلف الأساليب، فهو وليهم يتلقون منه الهداية }الله ولي الذين آمنوا يخرجهم من الظلمات إلى النور{ وهو وليهم يتلقون منه التأييد بالنصر }والله يؤيد بنصره من يشاء{ هو وليهم وهو يدبر شئونهم ، هو وليهم وهو يرعاهم.

تجد كلمة (ولي) في القرآن استخدمت بشكل كبير في مجال العلاقة فيما بين الله وبين الإنسان وبين عباده بالذات المسلمين لتعبر عن أن مصاديقها متعددة. وليست معانيها متعددة –كما يقول البعض- (مولى) بمعنى كذا وبمعنى كذا. كلمة (مولى) هي كلمة واسعة مصاديقها متعددة ، مصاديقها متعددة في ميدان الهداية هو وليك يهديك ، في ميدان المواجهة هو وليك يؤيدك ويـنصرك. هكذا يعمل المحافظ مع الرئيس ،أليس كذلك؟ في ميدان المواجهة يبقى على اتصال مستمر يتصل به تلفونياً: ماذا نعمل، كيف نتحرك. أليس كذلك؟. في ميدان الثقافة في ميادين أخرى على اتصال مستمر به ، هو وليه يستمد منه كذا ، ويتلقى منه كذا ، ويتحرك على وفق ما يرشده إليه. وليست فقط كما نتصورها كنظرة الشخص منا للعلاقة التي بينه وبين الرئيس. القضية الآن معروفة؟.

فلهذا نفهم كم هي قيمة كلمة (ولي) هو من يتولى مختلف الشئون ، الشئون المتعلقة بك في إطار المهمة الكبرى المنوطة بك في مختلف مجالات الحياة وأنت تتحرك.

هي نفسها ما أعطاه الرسول للإمام علي عليه السلام يوم الغدير عندما قال: ((فمن كنت مولاه فهذا علي مولاه)). فيأتي بعد من لا يفهم فيقول: لماذا لم يقول (خليفتي). نفهم السلطة ،نفهم العلاقة على أضيق نطاق ، نفهمها ضيقة جداً ، نفهمها من خلال ما فهّمنا الخلفاء الجبابرة والسلاطين الجبابرة عن العلاقة التي بيننا وبينهم. ومن خلال ما فُهِمنا من داخل كتب (علم الكلام) ،ومن داخل كتب (علم أصول الفقه)، تجعل علاقتي بالله كعلاقة أي واحد منا بعلي عبد الله.

انحططنا بشكل رهيب، أضعنا مسئوليتنا فلم نعد نعرف ما هي العلاقة بيننا وبين الله فنرى كم هي متشعبة ، ثم نرى كم هي واسعة ،ثم نرى كم شئونها متعددة، أم أن الرسول لم يكن يفهم لم يكن يعرف كلمة (خليفة) وكلمة (سلطان) وكلمة (ملك) ، ولم يكن يسمع هذه ولا يعرفها؟. هو يعرف ،لكنه يريد أن يقول: أنت أيها الإنسان أنت أيها الإنسان خليفة لربك في هذه الأرض ، أنت أيها المسلم ،أنت أيها العربي المسلم مَنُوطٌ بك مهمة كبرى: }كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر{ أليس هذا إطار واسع جداً جداً الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؟. يشمل كل مجالات الحياة ، يشمل كل المجالات: ونحن نتجه إلى الإنسان لنبنيه ،كيف نربيه ، كيف نثقفه ، كيف نعلمه ، كيف نصنعه. ويشمل كل مجالات الحياة ، ونحن نبنيها.

} تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر وتؤمنون بالله { المسألة ليست مسألة تسلط بل مسألة هداية ، الله يصف نفسه بهذا. أليس الله سبحانه وتعالى وهو يهدينا ويرشدنا داخل كتابه الكريم ، يصف نفسه بالرحمة ؟. أم أنه يقول أنه يسطر إرشاداته بشكل قوانين بشكل مرسوم ملكي ،أو قرار عن رئاسة الجمهورية: (مادة اثنين يعمل به من تاريخ صدوره ، وينشر في الجريدة الرسمية). أهكذا يصدر؟. أم أنه يقول: {بسم الله الرحمن الرحيم . حم. تن‍زيل الكتاب من الله العزيز العليم} {تن‍زيل من الرحمن الرحيم}. }هدى للناس{ }يهدي به الله من اتبع رضوانه سبل السلام { }وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين{ هذا منطق من؟. منطق ولي، لا ينظر إليك نظرة تسلط وتجبر وهيمنة على النحو الذي تفهمه أنت من خلال علاقتك برئيس أو ملك من زعماء الدنيا ، ليس على هذا النحو.

أليس الله هو من يعرض كيف يحسن إلينا }وما بكم من نعمة فمن الله{ }وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة {؟. أليس هو من يدلنا ويسير بنا على نحو معين لننطلق في السير على صراطه المستقيم وهو يلفنا برحمة ورأفة ولين ،هَلُمّ إلى هنا إلى الصراط المستقيم ، تكاد – وأنت تتأمل - أن تنسى أن الله يتعامل معك كملك على النحو الذي أنت تفهم من خلال تعامل زعماء الدنيا معك.

(ولي) يرعاك ،يدبر أمرك ،يهتم بأمرك ،يحرص عليك ،يرحمك ،يرفق بك ، لا يريد أن تضل ، لا يريد أن تشقى }وما الله يريد ظلماً للعالمين { وهكذا كان رسوله وهكذا العلاقة مع رسوله ،وهكذا العلاقة مع الإمام علي ابن أبي طالب عليه السلام.

إذاً فالإمام علي عليه السلام ولايتنا لـه ننظر إليه كولي أمرنا.. ما هو أمرنا ؟ مهامنا في الحياة ،مهامنا ونحن نربي أنفسنا ونرشدها لنـزكيها.

وليس كما يقال: الإمامة رئاسة عامة يعني إقامة الحدود، نقتل هذا ونقطع يد هذا. أوامر فقط.الأمر الذي هو وليك فيه هو الأمر الواسع ،هي المهام الواسعة في مقام تزكية نفسك ،في مقام أداء مسئولياتك في الحياة، هذه الأمور كما قال رسول الله (من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم) ماذا تعني هنا كلمة (أمر)؟ هل تعني من لم يهتم بأن يأمر المسلمين فإذا لم ينفذوا ضربهم. هل هي هكذا؟.

بأمر المسلمين بأمورهم التي يجب أن تكون محط اهتمامه ،أمورهم تلك المتعلقة بنفوسهم لتزكو ، تلك المتعلقة بحياتهم لتبنى وتعمر على الصلاح والعزة ، تلك الأمور التي يجب أن تتهيأ لهذه الأمة وتجتمع عليها لتكون أمة عزيزة قوية. ألم تأتِ هنا (من لم يهتم بأمر المسلمين) كما نقول: (ولي أمر المسلمين).

} النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم{ ماذا تعني }أولى بهم من أنفسهم{؟. هل أنك دائماً تتعامل مع نفسك بالأوامر ، كيف يتعامل الواحد منا مع نفسه ؟. هل أصدرت مرة أمراً على نفسك ؟ اخرج يا فلان وتكلم نفسك - أخرج يا حسين مثلاً – اعمل ؟. سيقال له مجنون من يتعامل مع نفسه على هذا النحو.

لكن نفسك هذه ما هي؟. ماذا يُراد لها ؟. يُراد لها أن تتعلم وأن تزكو ، وأن تنطلق قائمة بالقصد ، أن تكون عضواً في حزب الله ، أن تكون فرداً وأن تكون جندياً من أنصار الله. أليست هذه نفسك ؟ من الذي سيـبنيها على هذا النحو ؟. دع النبي يبـنيها على هذا النحو فهو أولى بك من نفسك ؛ لأنك أنت لن تستطيع ،لا تملك أيضاً أن تجعل من نفسك هذا الإنسان على هذا النحو. }لقد مَنّ الله على المؤمنين إذ بعث فيهم رسولاً من أنفسهم{ وقال تعالى }يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم{ يعلمهم ويزكيهم ، أليست هذه تكررت في أكثر من آية: }يعلمهم الكتاب والحكمة ويزكيهم { يعلم نفسك ،يزكي نفسك ،يأهل نفسك ، يبني نفسك يثقفها ينورها.

فالنبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم على هذا النحو ، هو الذي يتولى بنايتها ، وبالطبع أنت إذا لم تدع النبي يتولى هو أن يبني نفسك ،ويتولى شئون نفسك ليجعل منك عنصراً صالحاً في هذه الدنيا ، فستصبح عنصراً باطلاً ،عنصراً ضالاً ،عنصراً مخرباً ،تكون خبيثاً .. أين مكان الخبيث ؟ جهنم ، أليس كذلك؟. في يوم القيامة يميز الله الخبيث من الطبيب ، ويجعل الخبيث بعضه على بعض فيركمه جميعاً ، ثم يجعله في جهنم ، أليس كذلك؟.

أنت في هذه الدنيا إذا لم تجعل وليك هو الله ورسوله والذين آمنوا ، ووليّك بمعنى تسلم له نفسك هو الذي يعلمها وهو الذي يزكيها ، هو الذي يؤهلها لتكون من حزب الله لتكون من أنصار الله }ألا إن حزب الله هم الغالبون{ }يا أيها الذين آمنوا كونوا أنصار الله{ }يا أيها الذين آمنوا كونوا قوّامين بالقسط{ فتكون ممن يقومون بالقسط ، هو يؤدبك ،هو يربيك ، هو يثقفك ، إذا لم تسلم نفسك له وتشعر بأنه أولى بنفسك منك ، أو أولى بك من نفسك - التعبير متقارب - فستصبح شيطاناً وضالاً وفي الأخير تتحول إلى خبيث ، وفي الأخير يكون مصيرك جهنم.

من هنا نعرف الفرق بين أن نفهم أن الحياة - كما يقول البعض وكما نُفَهّم - مطبوعة بالمعاصي وطاعات ، وكأنك مخير ،أنت في الوسط إما تمشي هناك أو تمشي هناك ، أليس يبدو الكلام هكذا؟. ونعرف هكذا؟ ،خاصة طلاب العلم عندما نقرأ (أصول الفقه) أو نقرأ كتب (علم الكلام).

الحياة ليست مطبوعة بالمعاصي ، ليست مطبوعة ، إنما أنت من سينطلق أنت من سينطلق ، وحتى عندما يقول }وهديناه النّجدين { هي هداية تتجه في قناة واحدة هي أنه إذا لم تكن على هذا النحو فستصبح على هذا النحو ، أليس كذلك؟.

} النبي أولى بالمؤمنين من أنفسهم{ فإذا لم تدع النبي هو الذي يتولى شئون نفسك وأمر نفسك. ماذا يريد النبي هل سيقول لك: لا بد أن تعمل مزارعه ، وتعمل له أعماله ، أم ماذا يريد منك النبي ؟. ما هو دوره ؟. دوره يعلم الناس ،ويزكيهم ،وينورهم ،ويخرجهم من الظلمات إلى النور ، ويجعل منهم أفراداً صالحين ، يجعل منهم أعزة على الكافرين ، يجعل منهم أمة قوية ، أمة متوحدة ، أمة تنطلق في ميادين الحياة لتأمر الأمم الأخرى بالمعروف وتنهى عن المنكر. إذا لم تدعه هو فستصبح تلقائياً في جانب الشر وفي جانب الخبث ، فتصبح خبيثاً.

إذاً فلتأتِ إلى الآخرين (أبي بكر وعمر) ،بل الكل من الصحابة أنفسهم ليس لأحد هذا المقام ، وحتى فيما يتعلق بهذه الأمة ، ليس فقط موقفاً من أبي بكر وعمر فقط ، بل ومن الكل أنهم هم ملزمون بأن يتولوا الإمام علي عليه السلام ؛ لأن أول مهمة - هذه المهمة الكبرى – هي من بعد أن تفارق روح رسول الله الحياة الدنيا ، ستكون للإمام علي عليه السلام.

إذاً فنحن حتى عندما نتولى عمار بن ياسر أليس تولينا لعمار يختلف عن تولينا للإمام علي عليه السلام؟.

أليس عمار هو نفسه يتولى الإمام علي عليه السلام كما نتولاه نحن؟. بل أعظم مما نتولاه نحن ، فيعد نفسه جندياً من أخلص جنود الإمام علي عليه السلام، وعمار من السابقين في الإسلام ، وهو من قال فيه الرسول (أنه مُلأ إيماناً من قمة رأسه إلى أخْمُص قدميه). إذاً فكيف تريد مني أن أمنح هذه الولاية التي لم أمنحها لعمار أن أمنحها لمن خالف الرسول فيها، من خالفه فيها: أبا بكر وعمر وعثمان وآخرين. أليس هذا من الأشياء العجيبة ؟ تريد مني أن أتولاهم كما أتولى الإمام علي u وأنا لم أتولّ عماراً بعد كما أتولى الإمام علي عليه السلام ، وعمار هو نفسه يتولى الإمام علي عليه السلام بأعظم مما نتولاه نحن.

إذاً فهمنا بأن مسألة الولاية هنا الذي نحن متوجهون إليها في هذا المقام المهم ، في مقام أن تكون الأمة ،أن يكون المجتمع الفلاني من حزب الله الذي سيغلب في ميدان المواجهة ، ألم نفهم بعد بأنها لا تعني أولئك ولا علاقة لهم بها ،لا أبا بكر ولا عمر ولا عثمان؟. إذاً فالمقام ليس مقام أنه يصح لنا أن نتولى الإمام علي عليه السلام وأبا بكر وعمر وعثمان ،وأنت تريد أن تنسحب هذه الآية عليهم جميعاً.

لهذا جاء المفسرون ليسحبوها على المؤمنين جميعاً ، أي {الذين يقيمون الصلاة} يعني يؤدونها ، {ويؤتون الزكاة وهم راكعون} أي وهم خاشعون لله. حتى أنك لا تدري من يريدون البَتّة ، كل المؤمنين وهم كما قلنا - في كلام سابق ([1])- من هم معرضون لأن يرتدوا بعد أيمانهم كافرين ،ألم يُخاطبوا بمخاطبة إيمان (يا أيها الذين آمنوا)؟ ،هم الذي خُوطبوا
} يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء { -وكما قلنا سابقاً ([2])- ستصبح المسألة (يا أيها الذين آمنوا تولوا الذين آمنوا) وهذا منطق غير مقبول.

قد يقول البعض: إن الله قال: }والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا و لإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غِلاً للذين آمنوا ربنا إنك رؤف رحيم { إذاً لا أحد يتكلم في أحد ممن قد سبقوا بل استغفر لهم. أليست هكذا ؟ لأنهم سبقونا. السبق ليس السبق الزمني ، ليس المقصود هنا مجرد السبق الزمني ،إنما السبق بالإيمان ، إذاً نستغفر لهم ونحبهم وندعو لمن سبقونا بالإيمان فعلاً ، لكن من سبقونا إلى مخالفة النبي والضرب بجهوده عرض الحائط وضرب أمته ، هل هذا هو الذي نستغفر له ؟ هل سبقنا بإيمان أم سبقنا بمخالفة؟.

القرآن حكيم قال: {والذين جاءوا من بعدهم يقولون ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا..} يعني كانوا قبلنا بزمن أم سبقونا بإيمان؟ بإيمان. من كان يؤمن بالإمام علي عليه السلام ،بولاية الإمام علي عليه السلام هذا هو سبقني بإيمان فعلاً ، لكن من كان لا يؤمن بهذا بل انطلق ليخالف الإمام علي عليه السلام ، وليظلم الإمام علي وفاطمة والإمام الحسن والإمام الحسين عليهم السلام ،ويظلم الأمة كلها ،هل هذا سبقني بالإيمان أم سبقني بمعصية وبمخالفة؟. أليس كذلك ؟.

من هم إخواننا الذين سبقونا بالإيمان ؟ نحن في واقعنا مع الصحابة جملة ألسنا مخاطبين بخطاب واحدا {إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا} هل هذا الخطاب لمن بعد القرن الأول فقط؟ أم خطاب من بعد ما نزلة الآية لكل من كان موجوداً من المسلمين من ذلك العصر إلى آخر أيام الدنيا.. أليس خطاباً لهم جميعاً؟.

نعم ، من يتولى الله ويتولى رسوله ويتولى (الذين آمنوا) - الذي هو الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام - أليس هذا أمر موجه إلى الصحابة وإلينا جميعاً؟ إذاً فهم ملزمون بما نحن ملزمون به، بل بطريق الأولى؛ لأن موقفهم هناك موقف من يـبني أو يهدم ؛ولهذا جاء في الآية {الذين سبقونا بالإيمان} ، أليس الإيمان هو الذي يبني الحياة ويبني النفوس؟. من كان منهم يؤمن ،ونحن وهم شأننا واحد نؤمن جميعاً بما هو مطلوب منا أن نؤمن به فهم إخواننا، أليس كذلك؟. هم إخواننا نستغفر لهم ،ندعو الله لهم ،نحبهم ،نتولاهم باعتبار أن المؤمنين بعضهم أولياء بعض ،هم سلسلة واحدة متواصلة عبر الأجيال وتوالي السنين. لكن من سبقونا بالمخالفة لا علاقة لنا بهم بل هم من يتحملون مسئولية معاناة الأمة ،وما انتشر في الأمة من ضلال بسبب مخالفتهم.

أين الأولى أن نبارك جهود من يهدم أو أن نصيح في وجهه ؟. هل أن نرفع يده عن الهدم أم أن نصفق له؟. كيف هو الموقف الصحيح ؟. أليس أن نرفع يده؟ ،أليس أن نلقي به من فوق الجدار الذي انطلق ليهدمه؟. أليس هذا هو ما يعمل الناس؟. أليس هذا هو الموقف الطبيعي من الناس ؟. أمام من يبني ويهدم. من يبني يشدون أزره ويعطوه اللبنات ليبنيها واحدةً بعد واحدة، ومن يهدم يلقون به من فوق الجدار، هذا هو الموقف الذي لابد منه ،والحقائق لابد أن ننطلق لنتعرف عليها ؛لأن لها علاقة بواقعنا كما أن للإمام علي u علاقة بواقعنا - وهو الذي تحدثنا عنه أكثر من مرة- أن ولايته -على الرغم أنه قد قتل واستشهد رحمة الله عليه وبيننا وبينه أكثر من ألف وأربعمائة عام تقريباً- مازال واقعنا مرتبطاً به ، مازال الحل مرتبطاً بتوليه.

إذاً ، إذا كان يُقدم لك في الساحة أطرافاً أخرى لتتولاهم بديلا عنه فالإشكالية ما تزال قائمة ،والحل ما زال ضائعاً.ونحن الزيدية من يجب أن نعي نحن الزيدية من يجب أن نفهم قبل غيرنا ،نحن الذين يجب أن ألاَّ نسمح لقلوبنا أن يتخلل إليها ذرةٍ من ولاءٍ لأولئك الذين يُقَدَّمون للأمة وهم من هدموا صرح هذه الأمة.

ثم ننطلق في الآية هذه ،لنعرف كيف أن توسط الحديث عن قيادة الأمة عن هداية الأمة لتجعل من نفسها حزب الله الغالب يأتي في إطار الحديث عن بني إسرائيل }يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزئا ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء{ هذه جاءت بعد قول الله تعالى } ومن يتولّ الله ورسوله والذين آمنوا فإن حزب الله هم الغالبون{، يرجع بك من جديد للموضوع المهم {لا تتخذوا الذين اتخذوا دينكم هزئا ولعباً من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم والكفار أولياء واتقوا الله إن كنتم مؤمنين} ما هذا المنطق المهم ،و العبارات المهمة ،والخطاب الشديد اللهجة }واتقوا الله إن كنتم مؤمنين{.

كيف تتولون قوماً هم هكذا كما عرضناهم لكم في أكثر من آية: حُسّاد لكم ، يعضون أناملهم من الغيظ..

أليست هذه هي ضائعة أيضاً؟. فعلاً هي ضائعة . من الذي يغضب لدين الله؟. هم القليل، من الذي يؤلمه أن يجد من يسخر من دين الله من يسخر من أعلام دين الله؟. من يسخر من هداة عباد الله؟. أليس القليل؟. والكثير هو من يغضب لنفسه ،هو من يغضب لأبيه أو أمه ولا يغضب لأعلام دينه ،ولا يغضب لهداة عباد الله ،ولا يغضب لهداة الأمة إلى الحق، ولا يغضب للدين أن يصبح ديناً يُسخر منه فيقال: هو (دين التخلف) هو (أفْيُون الشعوب). أليست هذه العبارات تأتي من قبل أهل الكتاب اليهود والنصارى؟. على أيدي من ؟.على ألسنة من يثقفون على أيديهم.

} وإذا ناديتم إلى الصلاة اتخذوها هزئا ولعباً ذلك بأنهم قوم لا يعقلون { الصلاة التي هي خير الأعمال ،الصلاة هذه التي أنتم تتسابقون إليها في كل يوم خمس مرات تؤدونها من منطلق أنكم تشعرون بأنها هي خير الأعمال ،وأنها أبرز العبادة التي تجسد العلاقة فيما بينكم ،أو تشكل همزة وصل فيما بينكم وبين الله ، علاقة روحيةً فيما بينكم وبين الله هل يغضبكم فيدفعكم هذا الغضب إلى أن تنفصلوا عمن يتخذون النداء إلى صلاتكم هزئاً ولعباً، أي هل بقي من الدين ما يمكن أن يثيركم ويثير حميتكم فيجعلكم على أقل تقدير تفكرون في كيف تحملون العداء ،وكيف تكونون بعيدين جداً عن أن تتخذوا هؤلاء الذين اتخذوا دينكم هزئاً ولعباً؟. ويسخرون منكم إذا ناديتم إلى الصلاة أن تتخذوهم أولياء؟.

لاحظ ،في هذه الآيات المهمة حول الحديث عن بني إسرائيل كيف يذكرنا بالمسئولية ،كيف يذكرونا بعظم الخطورة، كيف يدفعنا بأي وسيلة إلى أن ننفصل عنهم.

لماذا لماذا هذا الاهتمام الكبير؟ ؛لأن اليهود والنصارى وخاصة اليهود الإسرائيليين خطيرين جداً على الأمة ،هذه الحملة الرهيبة داخل القرآن الكريم التي تعمل على إبعادك بأي وسيلة وبأي طريقة عنهم، وعن أن تتأثر بهم تدل على أنه يمكن أن تكون ضحية لهم بسهولة وأنت تحمل اسم الإيمان وأنت تنطلق لتصلي وأنت تسمي نفسك باسم هذا الدين، يمكن أن تكون ضحية لهم فتصبح في واقعك يهودياً أو نصرانياً أو كافراً بأساليب خبيثة بأساليب ملتوية. هذا الأسلوب جاء في سورة آل عمران وجاء في سورة البقرة وفي سورة المائدة وفي سورة النساء في كثير من سور القرآن.

ثم لماذا من جديد لتعرف أن القضية على هذا النحو ؛ أنه يمكن أن تقع ضحية من حيث لا تشعر فتقدم على الله وأنت في واقعك يهودياً أو نصرانياً أو كافراً، وأنت تظن أنك ستقدم عليه وتدخل الجنة مع أوليائه؛ أنه يتحدث معنا على هذا النحو الرهيب ،على هذا النحو العجيب الشديد ،الذي يدل على اهتمام بالغ وإشعار بخطورة هذه القضية ،مع أننا نعرف اليهود ونعرف النصارى، ونعرف الكافرين ونحن نلعنهم، أليس كذلك ؟ ألسنا نلعنهم؟.

يعني هل يتوقع من نفسك أن تقول أنت يهودي وتتيهود؟. فهو فقط يريد منك أن تصل إلى درجة أن تكون يهودياً فعلاً فتصبح يهودياً (بزنانير) وتطلق على نفسك اسم يهودي، هل هذا سيحصل من أحد؟. لا. حتى اليهود لا يدعونا إلى هذا.

أو تصبح كافراً على النحو الذي يقولون : (إلا أن تروا كفراً بوَاحاً). لاحظوا حتى في كلمة (بَوَاحاً) ليست من قِبَل رسول الله لأنه هنا يحذرك من كفر قد يحصل في أعماق الأعماق ؛ولذا قال :(أن تطيعوهم إلا أن تروا كفراً بواحاً) من الذي سيعمل كفراً بواحاً!! ،أليس الله يقول } إن تطيعوا فريقاً من الذين أوتوا الكتاب يردوكم بعد إيمانكم كافرين{ ثم يقول هناك } وأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم { إن كانت القضايا هي فقط موجهة إلينا على أساس أن لا نصل فقط إلى مرحلة التصريح بالكفر إلى مرحلة التصريح بأن فلان يهودياً ،بأن فلان نصرانياً أنه تحول ويعلن عن نفسه ،فهذا لا يحصل إلا في النادر النادر ، هل هذا يحصل؟. من الذي أعلن عن نفسه بأنه يعبد الشيطان إلا النادر من البشر الحمقى الذين يلعنهم الناس كما يلعنون الشيطان ؟ أوليس الكل ممن يعبد الشيطان في واقعهم ؟. } ألم أعهد إليكم يا بني آدم أن لا تعبدوا الشيطان { يا بني آدم.. يحذر أهل المحشر {أن لا تعبدوا الشيطان إنه لكم عدوٌ مبين} عبدوه عبادة.

لو كانت على هذا النحو أنه فقط الخطورة هي أن تصل إلى درجة التصريح فتصل فعلاً إلى أن تكون كافراً صريحاً منهم ؛لما كان هناك ما يوجب ألم أن يأتي بمعشار ما أتى من آيات عن بني إسرائيل من التوجيهات الشديدة اللهجة والدقيقة لهذه الأمة فيما يتعلق بمواجهتهم ، هل تفهمون هذا؟. من يفهم القرآن الكريم سيقطع بهذا أنه ما كان هناك حاجة ولا حتى إلى آية واحدة ؛لأنه اطمأن نحن لن نعلن عن يهوديتنا ،ونحن لن نعلن عن نصرانيتنا، ونحن لن نعلن عن كفرنا، أليس هذا مما يطمئن؟. حتى من يذهب إلى بلدانهم ويرجع ، أليس يرجع وجوازه فيه مكتوب (مسلم)؟ ويرجع وهو مسلم، هل هو يعلن بأنه كافر؟. لا. بينما هو في داخله قد صُبِغَ صبغةً أخرى ،وصِيْغَ صياغةً أخرى.

فلنفهم أن هذه القضية بالغة الخطورة وحسَّاسة جداً ، وأن من الضمانات - وكما قلنا أكثر من مرة - هو أن نتولى الإمام علي عليه السلام على هذا النحو الذي فهمناه من خلال هذا الكلام تولياً صادقاً ،تولياً عملياً ،تولياً صادقاً تولياً عملياً ،نتولى الله تولياً صادقاً تولياً عملياً نحب الله ،ونخاف من الله ،ونحرص على رضى الله ،ونتولى رسوله تولياً صادقاً نحبه ونعظمه ونجلّه ،يكون له في نفوسنا وَقْعٌ ، يكون له في نفوسنا مكانة عظيمة ،وكذلك الإمام علي عليه السلام. ثم نعرف خطورة المسألة.

وإنشاء الله سنكون ممن يحصنون أنفسهم ،وسيكون بتوليهم لله ولرسوله والذين آمنوا من حزبه الغالبون ،وأن نبتعد عن كل أسباب التضليل ،عن كل مصادر التضليل سواء عن وسائل التضليل من قِبَل اليهود والنصارى مباشرة أو من طريق أولياءهم.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا وأن يهدينا وأن يبصرنا وأن يلهمنا رشدنا إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته


تم الصف والإخراج بمركز الوحدة
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 4:57 pm، تم التعديل مرة واحدة.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

يتبع..........
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يونيو 15, 2006 9:42 am، تم التعديل مرة واحدة.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

يتبع

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

( سلسلة معرفة الله )
دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله
الدرس الثاني
ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتاريخ:

19/1/2002م
اليمن ـ صعدة


هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة



الدرس الثاني

بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

ما يزال الموضوع هو حول الآية الكريمة {وَمَن يَتَوَلَّ اللّهَ وَرَسُولَهُ وَالَّذِينَ آمَنُواْ فَإِنَّ حِزْبَ اللّهِ هُمُ الْغَالِبُونَ }المائدة56 وقلنا من المهم جداً أن نعرف من هم أولياء الله ، وأن نعرف كيف نتولى الله ، والشيء المؤكد أن معرفة الله سبحانه وتعالى المعرفة الكافية معرفه واسعة لا بد منها في تحقيق أن يكون الإنسان من أولياء الله ، لأن من أبرز صفات أولياء الله سبحانه وتعالى أنهم عظيموا الثقة بالله ، ثقتهم بالله قوية .

والثقة بالله إنما تحصل من خلال معرفته ، ولا نقصد بمعرفته سبحانه وتعالى ما هو متصالح عليه في كتب علم الكلام ، بل معرفته الواسعة من خلال القرآن الكريم معرفه كاملة ، معرفة ما أسبغ على عباده من نعمه ، معرفة مظاهر قدرته ودلائل حكمته ومظاهر رحمته ، أيضاً معرفة شدة بطشه ، معرفة ما أعده لأوليائه وما أعده لأعدائه ، معرفة ما يحصى به أولياءه من الرعاية منه سبحانه وتعالى ، معرفة أنه غالب على أمره ، هذه المعرفة الواسعة .

بالمس كان الموضوع حول إلوهية الله سبحانه وتعالى ، ماذا تعني بالنسبة لنا أن نعرف أنه لا إله إلا الله ، وكما قال تعالى لرسوله صلوات الله عليه وعلى آله (فاعلم أنه لا إله إلا الله واستغفر لذنبك وللمؤمنين ) ومتى ما تحققت أو متى لدينا-بإذن الله وبتوفيقه وبتنويره-معرفة كافية بمعنى (لا إله إلا الله ) معرفة كاملة بمعنى إلوهيته أنه إلهنا ونحن عبيده فإن هذه تعتبر من أهم الفوائد وأعظم المكاسب التي لو قطع الإنسان عمره الطويل في ترسيخ معانيها في نفسه لكانت من أعظم النعم التي يحصل عليها طول عمره .

الله سبحانه وتعالى هو إلهنا ونحن عبيده ، ومعنى أنه وحده الذي له الحق أن يكون له الأمر فينا والحكم فينا ، هو من له الحق أن يشرع لنا ، ويهدينا ويرشدنا ، هو من له الحق أن يحكم فينا ، هو من له الحق أن يدبر شئوننا لأننا عبيده ، هو من له الحق أن لا يتدخل في شأن من شؤننا يخالف ما يريده –سبحانه وتعالى – لنا ومنا ، هو وحده الذي له الحق أن نطيعه ونطيع من طاعته من طاعته .

هذه القاعدة المهمة والقاعدة الواسعة هي التي تفصلك عن كل آله في الأرض سواء تمثل في هواك ، أو تمثل في إنسان ، أو تمثل في أي شيء من هذا العالم فمتى ما فصلت نفسك عن كل ما سوى الله أن يكون إله لك تحقق لك معنى (لا إله إلا الله ) ، ومنحت من عزته من وحدته ، من قوة من وحدته ، من حكمه من وحدته ، من علم من وحده ، كما قال الله سبحانه وتعالى في نبي الله يوسف ونبي الله موسى عليهما السلام {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آتَيْنَاهُ حُكْماً وَعِلْماً وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ }القصص14.

لو تقرأ ما قرأت طول عمرك ، ورصات الكتب بين يديك مجلداً بعد مجلد وأنت لا تحضى برعاية من الله سبحانه وتعالى أن يعلمك هو أن يرشدك ، هو أن يهديك ، أن يفهمك ، فإن غاية ما تحصل عليه قليل من العلم ، وكثير من الجهل ..

كم سمعنا عن أشخاص في تاريخ الإسلام ، كم تركوا من تراث الكتب ؟ وكيف عرفت حياتهم حتى قيل عن بعضهم أن كراريس علمه بلغت أكثر من أيام عمره ، أكثر من شخص قيل في هذا ، ولكن لو تستعرض ما تركه تجد أنه كان بحاجة ماسة في حاجة ماسة إلى أن يهتدي بالقرآن الكريم ، وأن يستأنف حياته من جديد مع القرآن الكريم .

إن كل خلل يحصل سببه نقص في معنى (لا إله إلا الله ) في نفسه .

فترى الركام الذي تركه هذا ، والركام الذي تركه ذلك ، وتلك العبارات المنمقة عند هذا ، والعبارات المنمقة عند ذاك ، تراها وكأنها هي الحكمة ، وكأنها هي الهدى وكأنها هي الصواب ، وترى وكأن القرآن الكريم والذي عايشته وأنت صغير وقرأته وأنت ما تزال طفل ما يزال فهمك محدود ما يزال إدراكك للمعاني ضعيف ، تتعامل معه وكأنه هو ذلك الكتاب الذي عايشته في الصغر فتنفرد بعد هذا وبعد ذلك وبعد تلك العبارات المنمقة ، وبعد تلك المجلدات الطويلة العريضة ، وكأن هنالك الهدى وكأن هناك الحكمة وكأن هناك العلم .

وفي الحديث –كما أسلفت –نحن نعرف أشخاص كابن تيمية مثلاً من العلماء الذين عرفوا بغزارة العلم-بالمعنى المتعارف عليه-أي كثرة المقروءات والكتابة والحديث هنا وهنا في هذه المسألة ، لكنه كان يفتقد إلى أسس ، إلى أسس ينطلق منها ، أسس يرشد إليها القرآن الكريم ، لينطلق منها هو وغيره من أمثاله ممن يمكن أن تلمس لديهم عقائد باطلة ، أقوال غريبة ، وجهة نظرة شاذة .

سبب ذلك كله هو أنه لم يحصل اعتماد-بالشكل المطلوب-على القرآن الكريم ، وأنه لم يحصل اعتماد بالشكل المطلوب على القرآن الكريم ، سببه تأثر بثقافة معينة وضعف في تحقيق معنى (لا إله إلا الله ) ، لأن مما أكد لله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم وهو يؤكد إلوهيته أنه هو من له الحق أن يهدي عباده ، وأنه من سيتولى هدايتهم ، وعندما يتولى الله هدايتك فما أوسع هداية الله ، إنه عالم الغيب والشهادة ، إنه الذي يعلم إنه الذي يعلم السر في السماوات والأرض ، إنه العليم بذات الصدور .

فعندما يهديك هو يهديك للمعرفة الصحيحة الواسعة ، يهديك إلى أبواب من الهدي تفتح أمامك أبواباً وأبواباً.

مهم جداً أن تترسخ لدينا معاني {لا إله إلا الله } ، والتي من أبرزها أن نمنح أنفسنا لله فنفتح قلوبنا لهديه ، فندعه الذي يهدينا ؛ لأنه هو الذي قال { إن علينا للهدى } ، يقول هذا عليّ ، هذا هو من مسئوليتي ، وهذا أنا سأتكفل به لمن فتح قلبه لي { إن علينا للهدى }{قل إن هدى الله هو الهدى }{إن يتبعون إلا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى } ..

فنحن عندما ننطلق لنتعرف على إلهنا يجب أن نعتمد على القرآن الكريم ، وأن نتوجه إلى الغوص في بحور معرفته.. معرفته الواسعة .

عندما نأتي إلى كتب علم الكلام تتحدث عن قضايا محدودة وبأسلوب محدود ومناقشات طويلة عريشه حول قضايا أفعال الإنسان هل هي منه أم هي من الله ، حول قضايا من هذا النوع سببها أن الجميع ابتعدوا عن القرآن الكريم فلم يكن لله في نفوسهم العظمة ، العظمة التي تجعل كل مسلم ينزه الله تلقائياً عن أن يقضي بالباطل ، أو يقدر المعاصي ، أو يريد الظلم ، أو يريد القبائح ، أو يخلقها أو يقدرها أو يسير إليها .

القرآن الكريم تكفل بكل هذا تلقائياً ..بينما الغوص في خضم تلك القواعد تخرج منها وفي رأسك من الإشكالات ما يجعلك تتأوه وتتأسف على ما فاتك من فطرتك السليمة ، ومعرفتك البديهية التي كان بالإمكان لو بقيت سليمة ، وقدمت أمام القرآن الكريم لكان ما يحصل من خلال القرآن الكريم هو ما ينسجم معها ، ويخلق الطمأنينة ويزكي النفس ، ويطهر القلب ، ويوسع المعرفة ويخلق الخشية والعظمة والخوف والتقى والإيمان وغير ذلك من المعارف .

لذلك كان من المعروف أن المتكلمين هم من عرفوا بالخشونة حتى قال القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه-لا أدري حكاية من غيره أو قالها عن نفسه-(أنه لم يعرف أن متكلماً خشع) ، أي أحد من علماء الكلام أولئك الذين ينشغلون بتلك العبارات ، ولكن معظمها مصبوغة بمنطق الفلاسفة ومتأثرة بأساليب الفلاسفة من الإمامين وغيرهم ، وتلحظ أن هناك تقبل المعرفة من نافذة واحدة وبشكل محدود ، معرفة الله تحت عنوان هو تحصيل قائد صحيحة فيما يتعلق بالأفعال بالذات والصفات-كما يقولون-فيما يتعلق بأفعال الله وأفعال العباد.

لكن القرآن الكريم يأتي الإنسان من كل الجهات وهو يعرفه بإلهه ، وهو يرسخ في قلبه المعرفة ، تلك المعرفة التي تخلق في نفسه خشية وخوفاً وثقة عظيمة بالله ، وتوكلاً عليه وحباً له ، ورغبة في الحصول على رضاه ..

لم يعرض المتكلمون مسألة النعم الكثيرة التي أسبغها الله على عباده كأسلوب من أساليب معرفته سبحانه وتعالى .

من يقدم الحديث عن شدة بطشه ، وعن سعة رحمته فيما يعد لأوليائه ، لم تقدم كأسلوب من أساليب المعرفة نوقشت هناك لحالها وبمفردها عن واقع الإنسان بالنسبة لها . هل هناك شفاعة لأهل الكبائر ، أم ليس هناك شفاعة فيما يتعلق بقضايا اليوم الآخر ، نوقشت هذه فيما يتعلق بالأبحاث حول اليوم الآخر وكأنها لا علاقة لها بالله إلا من منظار واحد هو ارتباطها بمجرد عدله أنه ليس من العدل أن يقدر عليك المعصية أو يخلقها فيك أو يجبرك عليها ثم يعذبك ، لكن أثره الوجداني . أثر الحديث عن الوعد والوعيد في وجدان الإنسان وما يتركه من أثر له علاقته الكبيرة بمعرفة الله سبحانه وتعالى ، لما يقدم على هذا النحو ، لهذا رأينا كيف أنهم في الأخير رأوا أن نسبة كبيرة من آيات القرآن الكريم ليست مما يحتاج إليه في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى .

لم تقدم تلك الآيات التي يقرر الله فيها حقيقة أنه غالب على أمره ، وعرضت سوراً من واقع الحياة من الأحداث التي ترافقت في مسيرة البشرية ، وفي تاريخ النبوات كما حصل في قصة يوسف ، وكما حصل في قصة إبراهيم ، وكما حصل في قصة موسى ، لم تقدم أيضاً كأسلوب من أساليب معرفة الله سبحانه وتعالى . ليست مثيرة للعقول إذاً فهي هناك فقط لمجرد التعبد بتلاوتها ، وتعطي مقابل كل حرف عشر حسنات ، هي هناك لإنتاج الحسنات فقط .

لهذا كان يأتي الواحد منهم ممن قضى معظم عمره في هذه الأبحاث من هذا القبيل داخل علم الكلام فتراه في نفس الوقت يدين بالطاعة لحاكم ظالم..هل هذا عرف الله ؟

تراه في نفس الوقت يعتقد عقائد تتنافى ، مع عظمة الله ، مع حكمته ، مع جلاله ، مع عدله ، مع رحمته ، مع حكمته في أفعاله ..هل هذا عرف الله ؟؟ تراه في الأخير كما قيل عنهم لا يخشع .. قلب قاس .. هل هذا عرف الله ؟ وهو من قال سبحانه وتعالى في كتابه الكريم {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} هم من يخشونه .

لكن لما أصبح لدينا مسمى العلم أو المقاييس التي من خلالها على هذا عالم أو هذا تسمية عالم ، أصبحت هي تقاس بمقدار ما يقرأ من كتب كيفما كانت سميناه عالماً وهو ليس في قلبه خشية من الله .

إذاً فأما أن تكون الآية المباركة { إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} والتي قدمت كحقيقة إما أن تكون هي غير واقعة أو يكون قلب ذلك الرجل هو غير الحقيقي فيما داخله مما سميناه علماً .. ليس علماً ، هو علم باعتباره اطلاع على قواعد ، العلم يطلق على العلم النفسي ، ويطلق أيضاً على مجرد القواعد ..يقال علم الفقة ، علم الكلام علم كذا .

لا بأس هو عالم بهذا المسمى ، لكن من كان عالماً على هذا النحو وليس بالشكل الذي سمته به الآية الكريمة{ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء} فأنه ما يزال جاهلاً ، ما يزال جاهلاً لأنه في نفس الوقت لم يأخذ العلم من مصادره لم يأخذ الحكمة ممن يؤتيها ، الله قال لنبيه صلوات الله عليه وآله { وقل ربي زدني علماً } رب زدني علماً..لم يقل له تعلم ، انظر الآخرين ما لديهم وتعلم .. لا .. رب أنت زدني علماً ، أهدني أنت أرزقني من علمك الواسع ، آتني حكمتك الواسعة {يُؤتِي الْحِكْمَةَ مَن يَشَاءُ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْراً كَثِيراً }البقرة269.

وعالم يكون على هذا النحو ، عالم قرأ فنون يسمى علم كذا ، ويسمى هذا الفن علم كذا ، أو يسمى هذا الفن علم كذا ، هو عالم على هذا المصطلح هو عالم ، لكن إذا لم يعلم –فينفس الوقت – ذلك العلم الذي يجعله يخشى الله يخشى الله سيصبح علمه يشكل خطراً بالغاً على الإسلام والمسلمين ، يشكل خطراً بالغاً على البشرية يرسخ جهالات متراكمة ، وإن صدر كتابه بعبارات كريمة مثل ( بسم الله الرحمن الرحيم ، الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه )..إله آخره .

ثم يذكر لك ما الذي دفعه إلى تأليف هذا الكتاب ، ثم عن الأبواب التي تناولها ، ثم تقسيمه إلى كذا فصول إلى آخره ، ثم يقول ( مبتغياً بذلك وجه الله ، وأن يسهم في إثراء المكتبة الإسلامية وأن يتناول ما رأى بأن الآخرين بحاجة الى معرفته ليقدم خدمة للإسلام والمسلمين ، راجياً من الله بذلك أن يتقبل وأن يكتبه ويجعله في رصيد حسناته يوم يلقاه )..هكذا تأتي الأشياء بحسن نية..

القرآن الكريم علمنا بأن حسن النية لا تكفي .. أنه حتى الإخلاص لا يكفي إذا لم تعتمد على القرآن الكريم لتعرف من خلاله ما هو العلم ، ثم تمشي من خلال ما يرشدك اليه في آفاق الحياة ، وآفاق المعارف الأخرى فتزداد معارف حقيقية .. كل شيء في الأخير يعطيك معرفه ، يرسخ لديك معاني كمال الله سبحانه وتعالى ،

كل هذا العالم ليس فيه لا يشهد بكمال الله سبحانه وتعالى ، يقال في ( علم الكلام ) بأنه أشرف العلوم لأن موضوعه هو معرفة الله سبحانه وتعالى ، ومعرفة الله هي أعلى شيء ، فالفن الذي يتناولها هو أشرف العلوم ، لذلك يبادرون به وبكتيبات صغيره للأطفال من سن البلوغ يكون قد بدأ بمعرفة الله لأنها أهم شيء ..

لكن هكذا ننظر للأشياء وننطلق فيها بحسن نية وإخلاص وكأن القضية متروكة إلينا نحن ، أن نرسم الأشياء على ما نرى وعلى ما نلمس بأن فيه رضي الله وفق رؤية انطلقت من داخلنا دون اعتماد كبير على القرآن الكريم ، بأنه كتاب شامل يعطي مناهج للمعرفة أيضا ، ومناهج للتربية ومناهج للعمل في مختلف شئون الحياة ..

{وقل ربي زدني علماً }هذه وحدها تكفي لمن يتأمل لأننا نقول أن الله سبحانه وتعالى هو العالم هو العليم ، (عالم الغيب والشهادة}{وسع كرسيه السماوات والأرض }{ يعلم السر في السماوات والأرض } ، إذاً هو العالم ..أليس كذلك ؟والعالم واسع العلم ، هو من أحاط بكل شيء علماً ، فهو من يجب أن نلتف نحوه ليعلمنا ، وليس فقط أن ندعوه أن يرزقنا العلم ، وننطلق من مصادر أخرى نبحث عن العلم .

{وقل ربي زدني علماً }..زدني أنت علماً ، حتى العلوم الأخرى هذه الاختراعات وعلوم الصناعة يقال أن كثير من المخترعين أثناء تجاربهم يلمسون وكأن هناك شبه توفيق إلهي أو تدخل إلهي في المسألة ، فيرشدهم إلى شيء معين فيبتكر شيئاً من خلاله تجاربه المتعددة .

يلمس البعض منا يداً غيبية تتدخل في القضية فيبرز الشيء من الوجود من الاختراعات العظيمة ، وأثناء تجاربه يبرز شيء آخر غير ذلك الشيء الذي كان متجهاً نحوه .

واسع العلم من وسع كرسيه السماوات والأرض ، من أحاط بكل شيء علماً ..أليس هو الذي ينبغي أن نعرفه من خلال ما يهدينا إليه هو ، من خلال كتابه الكريم ؛ لأنه هو من خلقنا ، هو من يريد أن نعرفه تلك المعرفة التي تترك أثراً في نفوسنا ، وليست معرفة بمجرد المعرفة ، أو علماً بمجرد العلم ، فنقول كم قرأت في كتب الكلام التي سميت فيما بعد (كتب أصول الدين) كتاب كذا وكتاب كذا وكتاب كذا إلى آخرة ..ما شاء الله نقول هكذا .

عالم ..عالم لمجرد العلم ، وعقائد لمجرد العقائد ، علم محدود ، عقائد أتعامل معها بشكل أحكام أصدرها ، وليس هناك أثر لها في النفس .

أما القرآن الكريم فهو كتاب عملي ، كتاب علمي تترك أثراً في النفوس ، تترك هذه النفوس أثراً في الحياة ، معرفة تزكو بها النفوس ، فينعكس أثر هذه النفوس صلاحاً في هذه الحياة ، والله سبحانه وتعالى هو الذي خلق الإنسان ، وهو يعلم من أين يأتي له ، وكم هي المداخل ليعرف إلهه المعرفة العلمية ..ألسنا نرى في القرآن الكريم في مكانة كيف الكافرين بجهنم ، هذا على طريقة المعتزلة ونحوهم غير منطقي لأنه تهدد الكافر بجهنم ، وهو بعد لم يؤمن بمحمد ولا بالقرآن ، لم يؤمن بهما حتى تهدده بجهنم ، وجهنم إنما جاء الخبر عنها من قبل القرآن الكريم ومن قبل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم .. إذاً فهذا غير منطقي ، سيكون كثير من القرآن غير منطقي .

لكن من يدري أن الله سبحانه وتعالى وهو الذي يعلم أن هذا الإنسان – وإن كان ما يزال جاحداً-أن أسلوب القرآن الكريم وأسلوب النبي صلى الله عليه وآله وسلم هو ذلك الأسلوب الذي ينفذ إلى أعماقهم رغماً عنهم ، ينفذ إلى أعماق نفوسهم رغماً عنهم .

فيسمع التهديد والإنذار بأنه إذا ما كانوا قد يحيق بهم ما حاق بالأمم السابقة ، قوم صالح .. وقوم ألم يتهدد في القرآن الكريم تهديداً للكافرين ، كيف تهددهم وهم بعد لم يؤمنوا بالقرآن الكريم ولم يؤمنوا بمحمد صلوات الله عليه وعلى آله ؟لكم آل محمد وشخصية محمد ، وكماله والمعجزات التي تظهر على يديه هنا وهناك هي مما يترك أثرها في النفس ، حتى وإن كان صاحب هذه النفس ما يزال معلناً لكفره وجاحداً ، عندما يسمع التهديد لا بد أن يترك أثراً في النفس ، ولو في لحظة من لحظات يومه أو ليلته ، ولو قبيل نومه وهو فوق فراشه مسجى بلحافه ، وهي اللحظة التي يفكر الإنسان فيها كثير.

هذه المعرفة معرفه علمية تدفعك لتغوص إلى أعماق نفسك ، ثم تدفعك علمياً إما أن تكون ممن ينطلقون على وفق الهدي والإيمان ، أو تتجلى هناك ، تتجلى خبيثاً منافقاً أو كافراً ..

ما الذي حصل في تاريخنا نحن ؟

عالم بعد عالم لم يظهر لك مؤمن بشكل صحيح أو منافق بشكل واضح أو كافر واضح ، صفوف علماء من هذه الطائفة ، وصفوف داخل هذه الطائفة ، وصفوف هنا وصفوف هناك ، لم تتجل الأشياء ؛ لأن ما قدم لأن ما في داخلهم ليس من النوع الذي يجلي بشكل كامل بشكل كامل .

على أن الجميع يصبغون ما يقدمونه بصبغة إيمانية ، فهو لا يرى نفسه بالتأكيد أنه مصيب أو أنه مخطي ، أنه مؤمن أو أنه منافق ، أنه محق أو أنه مبطل ، أنه مهتدي ، وأنه أنه ضال ، ولهذا . وجدنا في الساحة أشياء كثيرة من الضلال وأصحابها يقدمونها على أنها من دين الله ، ويتعبدون الله بأنهم يقدمونه لعباده ..ضلال كثير نزل .

لكن القرآن الكريم هو وحده –إذا ما حاولت أن تهتدي به – ستعرف نفسك من خلاله ، كتاب علمي ، تعرف نفسك من خلاله ، وتعرف الآخرين أيضاً من خلاله ، وتعرف الفنون الأخرى من خلاله ، وتعرف الحياة كلها من خلاله ، وتعرف إلهك بالشكل الذي يليق بك كعبد له أن تعرفه به ، تتجلى لك الأمور تتجلى لك المواقف .

فنحن عندما نتحدث عن معرفة الله سبحانه وتعالى نتناول أشياء تثيره من خلال القرآن الكريم مما قد يرى البعض بأنها تدل على جهل أن نتناولها ، تدل على جهل أن نتناولها ونحن في إطار الحديث عن معرفة الله من أجل أن نعرف كيف نتولاه فنكون من أولياءه بتوفيقه .

الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى مهم جداً في القرآن الكريم ..آيات كثيرة تناولت كرم الله سبحانه وتعالى وإحسانه العظيم إلى عباده في ما أسبغ عليهم من النعم الظاهرة والباطنة ..ولتأتي لأكثر من هدف أو لأكثر من غاية ، فدلائل على قدرته سبحانه وتعالى على حكمته ، على رعايته ، على حسن تدبيره ، على عظم إحسانه إلى عباده ليحبوه ليعظموه ليجلوه ، ليخلق في نفوسهم ذلك الثر الذي تجد في نفسك أمام أي نعمة تسدى إليك من الآخرين .

هذه المشاعر مهمة جداً عندما تشعر عظم إحسان الله إلينا عظم إنعامه علينا بنعم كثيرة جداً.. نعمة الهداية ، نعم مادية كثير ، نعمة كبيرة فيما أعطانا من هذه الكيفية التي قال بأنها أحسن تقويم {لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم } .

تلك المشاعر التي تتركها هذه ، نظرتك إليها إلى من أسداها إليك ، تلك المشاعر مهمة جداً في ربطك بالله في ثقتك بالله ، في انطلاقك في طاعته ، في ابتعادك عن معصيته ، في خوفك منه ، في إجلالك له ، في حيائك منه ، في حرصك على رضاه ..

فتصبح في حالة لست بحاجة إلى من يأتي يحلل لك المسألة..أنه لماذا وجبت الطاعات ، منأين وجبت علينا ، أليس هذا من منطق المتكلمين ؟ كيف عمل الواجب حتى وجب ؟ ومن أين وجب حتى وجب ؟ ومن أين ؟ وكيف عمل ؟ وكأنه هذا هو يعتبر منطقياً وشيئاً منطقياً يسوغ أن يكون هذا الواجب واجب ، واجب الواجب حتى أصبح واجباً؟!.

لستم بحاجة إلى هذا التحليل بكله ، بكله الذي يجعلك هناك والله هناك ، وكأنه لا علاقة بينك وبينه ، معرفته الواسعة التي تسيطر على مشاعرك ، هي التي تدفعك ، هي التي تجعلك تقر بعبوديتك لله سبحانه وتعالى ، فلا تحتاج إلى من يأتي ليشعرك بأنه واجب عليك ، وبأنك ملزم بكذا وكذا ، أنت ترى المسألة فوق مجرد واجب وفوق مجرد إلزام .

أنت أصبحت تسير تلقائياً نحو الله سبحانه وتعالى .. قلبك ملئ بحبه .. نفسك كلها سلمتها له في حالة كهذه مت يكن أن يجول بخاطرك تساؤل من أين وجب الواجب حتى وجب ؟ ..هذا السائل في الأخير يجعلك تتساءل من أين لزم اللازم حتى لزم . إذاً لا بأس هذا لزمني لكن مجاملة .. لا بأس لزم لكن يمكن يكون لك حيل شرعية لأجل ولأن لا يلزم ، ثم تنطق في طريق التهريب من أن يلزم من ان يجب لأنه هو مقدار العلاقة فيما بينك وبين الله فأنت مكره كما قيل في المثل (مكره أخاك لا بطل ) كما يقولون .. وجب ، يقال واجب وغصباً عنا ، وإن كنا لم نعرف بعد لماذا وجب ، لزم وإن كنا لم نعرف بعد إذا لزم ؟ لكن لزم ؛ لأن الصيغة جاءت بعبارة ( افعل ) أو نحوها فتأتي القواعد التي تفتح الأبواب أمامك ، فتجعل هذا ما يلزم ، فتتعلم كيف تتهرب من أن يلزم ما يلزم ، كيف تتهرب من أن يجب الواجل بالنسبة لك .. ثم نقول عالم ، وهذا الشيء لم يلزمنا ، وما قد وجب علينا ..وهكذا .

هل هذا ممن يمكن أن نقول فيه {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء}..لو أن قلبه مليء بخشية الله ، لو أن قلبه مملوءة بمعرفة الله الصحيحة ، لو أن قلبه مليء بحب الله لما كان على هذا النحو ، فيسير في طريق التهرب من الأعمال التي فيها رضا الله ، حتى وإن كانت واجبة يتمسك بقواعد معينة تعفيه عن ان تكون قد وجبت عليه من وجهة نظر تلك القاعدة .

إذاً لا بد أن نعود إلى القرآن الكريم ؛ لنعرف من خلاله أنفسنا كعبيد لله سبحانه وتعالى ، نعرف من خلاله المعرفة الواسعة لكمال الله سبحانه وتعالى ..إلهنا ..وربنا ..وسيدنا ..ومالكنا..والمنعم علينا .

وحينئذ ستبدو وسيبدو الحديث عن النعم في القرآن الكريم له أهمية كبيرة فيما يتعلق بنفسيتك ، وفي تعاملك مع الله ، وفي نظرتك نحو الله سبحانه وتعالى ..

ما يدلك على أهمية هذا أن يقرن الحديث عن نعمه بإرشاد إلى عباده والأمر لهم بعبادته فيقول سبحانه وتعالى (يا أيها الناس اعبدوا ربكم الذي خلقكم والذين من قبلكم لعلكم تتقون الذي جعل لك الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أنداداً وأنتم تعلمون ) ألم يتحدث هنا عن كيف يرعانا ؟ الأرض بالنسبة لنا فراش والسماء بالنسبة لنا سقف ، فان مجموع الأرض من السماء بالنسبة لنا بناء نقيم فيه ، وأنزل من السماء ماء .. وهذا الماء ينزل بسهولة لا يكلفنا شيء لا نحتاج إلى مضخات ، ولا نحتاج إلى بقر (نسني)عليها ولا نحتاج إلى شيء ، ينزل المطر ، وفي دقائق معدودة ترى الأرض مملوءة بالماء في دقائق معدودة ، هذا الماء هو الذي يرتبط به ، كل حاجات الإنسان كل حاجات الإنسان مرتبطة به .( فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون ) وأنتم تعلمون بهذا ,, أنه الذي خلق الأرض وخلق السماء ، وأنه هو الذي ينزل الماء من السماء ، وأن هذه الثمرات الذي أخرجها بما أنزل من الماء .. أليس الحديث عن نعم الله هنا له علاقة بتوحيده ؟ {فلا تجعلوا لله أندادا وأنتم تعلمون } أليس للحديث عن نعمه أثر كبير في الدفع نحو عبادته ، هو يقول {اعبدوا ربكم } أليس عن نعمه أثره كبير في ترسيخ حالة التقوى في النفس {لعلكم تتقون} .

يبدو الحديث وكأنه حديث عاطفي ، وفعلاً كلمة القرآن الكريم هذا الجانب هذا الشيء أو هذا الأسلوب يأخذ مساحة واسعة في القرآن الكريم ، الحديث الذي يبدو حديث عاطفي ، استعطاف { اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ 21 الذي جعل لكم الأرض فراشاً والسماء بناء وأنزل من السماء ماء } ..أليس يذكرنا بما عمل لنا ؟ أم أنه يقول :- اعبدوا ربكم وإلا فسوف نحرقكم ..هل قال هكذا ؟ قال هذا ممكن أن نقول هكذا ؟وهي حقيقة إن لم تعبد ربك سيعذبك بعد أن يكون قد أرسل من يبلغك من ينذرك ، من يعرفك بعبادتك له كيف تعبده ، لكن لا .. هذا وإن كان شيء حقيقي ، وقد يبدو في بعض الآيات لكن يأتي في مقام التهديد بعد أن يكون الإنسان قد عرف الكثير وطرق مسامعه الكثير من الآيات التي تأتي على هذا الأسلوب .. الاستعطاف .

فما أجمل العبارة التي قالها الإمام زيد عليه السلام – وهو يتحدث عن أقسام القرآن أو مجالات القرآن –قال ( وقسم منه استعطاف لعباده أو تعطف منه ) – ما أذكر بالتحديد هل ( تعطف أو استعطاف – ماذا يعني استعطاف ؟ أي يخاطب وجدانك ، يخاطبك أنت كإنسان ترعى الجميل ، وتقدر الإحسان ، وتشكر النعمة ، وتعترف بالفضل لمن أسدى إليك النعمة ليشدك نحوه .

وهذا شيء معروف في حياتنا معروف في تعاملنا مع بعضنا البعض ، الواحد منا متى ما تحدث عن ابنه عندما تقول له : ابنك ماذا حدث بينك وبينه ، ولماذا بينكم شحناء ، لماذا أنتم كذا ، فيقول : علمت له كذا ، وربيته ، تعبت عليه ، وزوجته ، واشتريت له سيارة ، وعملت كل شيء ، وأعطيته رأس مال ، ولكن بعد هذا رفض طاعتي .. قد تقول هذا لا بنك بعبارات من هذا القبيل ، استعطاف تذكره بما أديت إليه قد تقول أنت لشخص آخر في مقابلة شخص آخر أصبح له موقف معين غير طبيعي منه وأنت تعرف أياديه العظيمة عليه .. يا رجل تذكر .. هو الذي أدى لك كذا .. وتعاون منك في كذا ما ينبغي ، ما يصح ، ما يليق بك أن تعامله بهذا الأسلوب وهو الذي كذا ....إلى آخره .

أليس هذا استعطاف ؟ أنت تخاطب وجدانه وخطاب الوجدان خطاب المشاعر في أعماق النفس تترك أثرها الكبير ، ولهذا وجه عباده إليه في قوله تعالى {وَلَا تَسْتَوِي الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ }فصلت34 .

الكلمة الحسنة التي تبدر منك ترد بها إساءته ، أنت هنا تخاطب وجدانه .. أليس كذلك ؟ هي تنفذ إلى أعماق وجانه رغماً ، وتتجاوز مظاهر وحواجز الغضب والانفعال ، فتقتحم هذه الحواجز وتغوص إلى أعماق وجانه فتنعكس لتملئ كيانه كله عاطفة نحوك فيتحول إلى ولي حميم ، بكلمة إحسان بكلمة لينة ..فكيف لا تلين قلوبنا إلى من يحسن إلينا هذا الإحسان الكثير والإحسان الكبير ، أحسان بالكلمة وهو يهدينا ، إحسان بالنعمة وهو يسبغها فيها في أجسادكم وفي معيشتكم إلا وهي من الله .. يبدو هنا الثر المهم لخطاب الوجدان ، واستعطاف المشاعر الداخلية ، ما تترك من اثر من اجل ما تترك من اثر في كيان الإنسان وفي تصرفاته وفي توجهه ، وفي نظرته .

فنحن بحاجة إلى ان نعرف الله سبحانه وتعالى في توحيدنا له كإله ، أن نتعرف على كماله نتعرف عليه سبحانه وتعالى ، المعرفة العلمية بالتركيز كما نركز على توحيده نركز على التعرف على ما أسدى إلينا من نعم ، وعلى تقييمها وتقديرها ، أن نشد أنفسنا نحوه ، أن تمتلئ قلوبنا بحبه ، أن تمتلئ قلوبنا خشية منه ..

هكذا يأتينا القرآن الكريم وهو يتحدث { الله الذي خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك تجري بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمس والقمر دائبين}–باستمرار وما تحتاج من قبلكم أي وقود ، ولا أي شيء ، ولا تتوقف ولا تنطفئ – وسخر الليل والنهار وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار

هذا المنطلق أيضا حديث عن نعم .. أليس كذلك ؟ هو أيضاً من هذا القبيل استعطاف لعباده.. واستعطافه لعباده هو تكريم في غاية التكريم للإنسان ، مظهر من أعظم مظاهر رحمته بعباده ، دليل من أعظم الأدلة على صحة الثقة به ، لأن من ينعم عليك هذه النعم لا يمكن أن يورك ، لا يمكن أن يغشك ، أن يكذب عليك ، لا يمكن أن يتركك ويهملك وأنت تسير في طريقه ، هي من أعظم الوسائل لتعزيز الثقة به ..

ونحن نرى في الدنيا مع بعضنا بعض شخص تراه يهتم بك ، يراك في حاجة يحاول يقدم لك مساعدته ، يراك في موقف يبادر معك ن يعيش معك همك ، يشاركك في كل شئون حياتك ..

ألست أنت من تتجه إليه لينصحك ؟ ألا يبدو لديك من أعظم الأشخاص وأعزهم ؟ تبدو معه واثقاً به أعظم ثقة من أي شخص آخر ؟ تكون الثقة به .. تقول :يا أخي كيف لا أثق به ، و هو الذي كذا ، لا يأتي موقف إلا وهو معي ، لا يلمس أني بحاجة إلا وبذل معروفه إلىّ ، وهو الذي عمل لي كذا وكذا ، وعندما سافرت عمل لي كذا وكذا ، وأعطى أبني كذا وكذا ، وبحث لأبني لعمال يسرحوا يشتغلوا ، من هنا يمتلئ قلبك حباً له وثقة به .. والثقة بالله مهمة جداً .

تأتي المواقف الأخرى التي تعكس مدى ثقتك بالله ، أو ضعف ثقتك به ، المواقف الصعبة التي تبدو وكأنها صعبة عليك فتطلب منك بذل مال ، بذل جهد ، تطلب منك تعاون معين في مواقف قد تكون صعب عليك نوعاً ما .. فهو يرشدك إليها متى ما كنت عظيم الثقة بالله سبحانه وتعالى ستنطلق فيها . تقول ما يمكن أن يورطني أبداً ولا يمكن أن يتخلى عني أبدا . بل أننا نثق في الدنيا بأشخاص هم كثيروا الإحسان إلينا بمجرد أن ينصحني نصيحة ، وهو لا يعلم السر في السماوات والأرض ، وهو أيضاً قد لا يكون معي فيصحبني وأنا أتحرك وفق نصيحته ، بل قد لا يستطيع أن يعمل لي شيئاً في الخير . وأنا أتحرك حتى على نصيحته ومن منطلق ثقتي به أنطلق على ما وجهني إليه .. أليس هذا ما يحصل في الدنيا ؟ فكيف لا تكون عظيم الثقة بالله سبحانه وتعالى ! وهو من نعمه عظيمة عليك ، وهو من يرشدك ، ويقول: وأنا معك ، وعندما يقول ( وأنا معك ) هو من هو العزيز القهار ، هو من هو صادق في وعده ، هو من هو قادر على أن ينجز ما وعدك به .. أليس هذا من يجب أن تكون ثقتك به من أعظم من ثقتك بأي شيء في الدنيا حتى أعظم من ثقتك بنفسك .

لخلق الثقة في النفس أشياء كثيرة في القرآن الكريم منها هذا الجانب ، ولهذا قال الله { وعلى الله فليتوكل المؤمنون }هكذا أنبياؤه { إني توكلت على ربي وربكم }.. أليس ليصلح الإنسان المؤمن بالله عظيم الثقة بالله ؛ لأنه عرف الله على هذا النحو ، عرف الله من خلال ما هداه إليه من معرفته في كتبه ، وعلى ألسنة أنبيائه ..

أليس من يظنون تلك الكتب التي تخلق جفاء فيما بينك وبين الله حتى تكون متسائل من أين وجب علينا أن نطيعه ؟ متسائل لماذا أباح ذبح هذا ؟.. إذاً يدفع حقها لازم يدفع عوضاً ، وهكذا يبدو الإنسان هناك ويبدو الله هناك ، كما تتعامل مع أبعد الناس عنك تقريباً ..

ليتحدث عن تسخير العالم للإنسان ، لنا نحن كأفراد .. أفراد الإنسان ، ولماذا سخر ، هل غصباً عنه لأنه يخافنا ؟ أو من منطلق الرغبة في أن يكثر في ملكه ؟ ليعتز بنا أو لينتصر بنا على إله آخر ؟..لا .

ليعتز بنا أو لينتصر بنا على إله آخر . لا .

يمكن أن يستغني عنا ببعوض ، فعلاً يمكن أن يستغني عنا بفيروسات مما لا ترى إلا بمكبرات ألف وأكثر منها ، يمكن أن يستغني عنك بهبة ريح . رحمة منه تعالى بنا ، كرمه الواسع ، حكمته سخر كل شيء .

(أنزل من السماء ماء فخرج به من الثمرات رزقاً لكم ) ونحن نرى كيف تكون حالتنا متى ما قلت الأمطار تجف النفوس ، تغلظ الطباع داخل الأسرة الواحدة ، الجيوب نفسها والخزائن تتعطل وتجف ، لدرجة أن تصبح زوجتك منتظره للكلمة القاسية منك متى ما قالت نحن بحاجة لكذا وكذا .. تكثر الهموم ، وتذبل حتى الأبدان وتهزل لأنه لا يوجد تغذية ،الكماليات الأشياء الكثيرة من كماليات الحياة التي تبدو في مراحل معينة متى ما كان عند الناس فلوس وكأنها ضرورية تلغيها واحدة ، ما عدى ذلك الشيء الضروري ويصبح هو نفسه مازال يشكل عبئاً كبيراً عليك ، متى ما حصل مرض تعتبر مصيبة تحتاج لأن تبحث عمن يسلفك فلوس حق مشوار سيارة ، وحق علاج ، وحق أشياء من هذه .

تقسوا القلوب بل أحياناً يصل الحال إلى أن تحصل جفاً بين الناس مع بعضهم بعض فلا أحد يعطف على أد وكل واحد همه أن يبقى ما بقي لديه لحاجاته الضرورية ولا هم له بالآخرين .

أما عندما تأتي تكلمه في ظروف كهذه عن واجبات أخرى جهاد في سبيل الله ، إنفاق في سبيل الله ، وتعظه قد يلتفت إليك ذهنه مشغول بحاجاته الخاصة .فترى كيف يؤثر الجفاف ونقص الأمطار يؤثر عليك في كل شيء حتى فيما يتعلق بأخلاقك ودينك ، قد يؤثر حتى فيما يتعلق بكرامتك ،قد ينطلق كثير من الأسر يتسولون ..أليس كذلك ؟.قد يصل الحال إلى أن – وأنت تبحث عن سلفه من الفلوس لحاجاتك الضرورية –أنت تعطي (مشهداً)سند بيع على جربه على مكان هو من اعز الأماكن لديك ومن أحسن ممتلكاتك ، التي لا تزال بحوزتك ..ألم يحصل كهذا ؟.حصل كهذا.

نرى كيف نحتاج أحياناً ويحتاج الناس في كثير من المناطق فيصل قيمة الخزان الماء إلى نحو ثلاثة آلاف ريال وخمسة آلاف ريال ، خزان صغير ، قد لا يكون فيه أكثر من متر بخمسة آلاف ريال. ثم تبقى ثيابنا متسخة،ونتوضأ لا نسبغ الوضوء ،علاقاتنا داخل البيوت .

ثم انظر عندما يأتي المطر ، وكم يبقى المطر ؟. أحياناً دقيقة خمسة عشر دقيقة ثلاثين دقيقة ، ساعة على الأكثر وترى خلال بضع الساعة هذه على منطقة واسعة كم يترك بالأثر ،الناس يتطلعون من السطوح ومن نوافذ المنازل يفرحون بالرعود ،وكما قال الله في آية أخرى قال سبحانه: {اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الروم48 كيف الاستبشار عندنا عبارات الاستبشار في بلادنا؟.. (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) كل واحد تغير ..تغير البرنامج ،وتغير حركة الشريط في ذهنه من هموم هم بعد هم وهو يواجه متطلبات الحياة واحدة بعد واحدة (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ) أصبح يرى بأنه إنشاء الله سيحصل لنا كذا سينتج القات ،أصبح يحسب حساب كم سيربح من القات ، كم ستكون جنوة البن؟. كم سيحصل من الحب؟.كل بلد على حسب ما عندها من الثمار. فيسدد دينه ،وسيشتري إنشاء الله سيارة لأبنه ، وسوف ..وسوف..والأسرة داخل البيت نفوسهم تتحول إلى طيبه وسليمة وتعامل حسن ، والناس كذلك يتحولون في تعاملهم مع بعضهم البعض إلى تعامل بلطف ، وينتهي ذلك الجفا الذي كان سببه الجفاف وكثرة الهموم (إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ). ثم حاول أن تنظر إلى ما يتوفر للناس من خلال المطر الذي أنزله الله في ربع ساعة أو نصف ساعة كم سيكون؟.ملايين..عندما يأتي مطر على منطقة مثل هذه المنطقة وفيها قات كثير ،وكل واحد انطلق يقطف فيكون الناتج أن فلاناً باع بمائة ألف ،وآخر بمائتين ألف ، وآخر بخمسين ألف فلان كذا وكذا ..اجمع كم سيبيع أصحاب تلك المزارع؟.ستكون ملايين ، من ساعة واحدة أو من نصف ساعة من المطر الذي أنزله الله من السماء ..أليست هذه نعمة كبيرة؟.

لو أتى شخص ودخل السوق ومعه كيس من الورق فيه خمسمائة ألف وفي حالة شدة الناس فيها ،وبدأ يوزع الفلوس وينثرها فوق رؤوسهم ،سيعتبرونه إنساناً كريماً ،إنساناً عظيماً،فيكون نصيب هذا مائتين ألف ريال ، وهذا ثلاثمائة ألف ريال وهذا خطف له خمسمائة ريال ،وهذا قد مائة وهو والآخر متنافيان لها،ونعتبره إنسان كريم .

الله سبحانه وتعالى هو الذي أنزل المطر في ساعة واحدة فحصدنا من خلال نعمة من نعمة العظيمة التي انزلها علينا ملايين الملايين ، ثم ترى كثيراً من الناس لا يتذكر هذه النعمة ولا يقدرها مت ما جمع فلوس رجع للقرآن قال (الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً)هو يخاطبك فافهم ،يقول لك ذلك عندما تكون الفلوس في الشنطة ارجع إلى الآية اللَّهُ الَّذِي يُرْسِلُ الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَاباً فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاء كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفاً فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ فَإِذَا أَصَابَ بِهِ مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ إِذَا هُمْ يَسْتَبْشِرُونَ }الروم48 لماذا الآن قد تغير وجهك؟.ألست تستبشر ، والآن يقول لك :هات ،انفق في سبيلي هات قرضه {من ذا الذي يقرض الله قرضاً حسناً}اخرج الزكاة.فتراه يتثاقل ,ويقلب وجهه ,ولم يعد يريد أن يحضر مجلس إرشاد ،أو يسمع شريط يتحدث عن هذه الأشياء..ألم يتغير وجهه الذي كان مستبشراً عندما نزل المطر .

هو يرى بأنه جاءه هذا من قبل الله سبحانه وتعالى،ولم يقل بأنه هو الذي انزل المطر..وأنا الذي نصبت سلماً إلى السماء درجاته حوالي ستة آلاف درجة وصعدت فثقبت السحابة بالماصورة وخرج لي ماء.فأين حق المسلم؟.وأين حق كذا؟.هل الناس يعلمون هكذا حتى يقول الواحد :لن أعطي شيئاً..أعط القليل في سبيل من أعطاك هذا الكثير ،وهو نفسه سيرجع إليك لاحظ كرم الله ورحمة الله ينزل من السماء ماء فتستبشر وترى جيوبك تمتلئ بالأموال وشمطتك وبيتك فيه مصاريف،ثم يقول لك انفق في سبيله وما ستنفقه هو سيخلفه عليك. ولكن لم نعد نثق بالله. ومن أين هذا الذي في يدك إلا منه؟.ثم ما ستنفقه في سبيله هو سيعود على مصلحتك أنت وعلى مصلحة العباد الذين مصلحتك جزء من مصلحتهم. ثم على الرغم من هذا يضاعف لك الأجر العظيم {مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ }البقرة261 رحمة واسعة ،يعطينا شيء بسهولة ،ويطلب منا اقل قليل ،ويعدنا بأنه سيخلف علينا بأكثر مما سنعطي ، ويعدنا بأنه سيعطينا الأجر العظيم عليه، ويعدنا بأن ما أنفقنا في سبيله هو أيضاً في مصلحتنا نحن، أليست هذه من مظاهر رحمته الواسعة؟.أنه في الواقع حتى ولو لم يعط حسنة واحدة لكان الإنسان يحكم من باب المروءة والمعروف ،بأنه يجب عليه أن يعطي أكثر مما سأله إلهه في مجال طلب منه أن ينفق فيه ،لو لم يعط بعدها حسنة واحدة وحتى ولو لم يخلف بشيء ،أما هو فقد وعد بأنه سيخلف عليك أكثر مما أعطيته ،ثم يكتب لك أجراً مضاعفاً على ما أعطيت ..أليس هذا تفضلاً؟أليس هذا كرماً؟.

عندما نتأمل فعلاً الإنسان يخجل أمام الله ، لو تتأمل هذه الآيات بصدق ، وتعرف في خلال حياتك الأزمات التي تمر بها عندما تقل الأمطار ، ثم تعرف من خلال هذه الآيات عظم نعمة الله عليك وعلى كثير من أمثالك من الناس كيف ستندفع إلى الخشية منه والحياء منه والتعظيم له والإجلال له والحب له.. ولكن كما قال تعالى { إن الإنسان لظلوم كفار } ظلوم لا يقابل الإحسان بالإحسان ، كفار لا يشكر نعمه ،ولا يقدر نعمة تأتيه من إلهه .

(فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون وان كانوا من قبل-أي ولقد كانوا-أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين ) كانوا آيسين ،واجمين ،قلقين ،تصل الحال أحياناً إلى أن يعتقد الناس أنه ربما لن ينزل مطر ، فقد يبست حتى عروق الزيل والقات والبن قد تساقطت أوراقه.. فأحياناً في نفس اليوم وفي ساعة آخر ساعات ذلك اليوم يأتي مطر غزير في لحظة (وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين )متحسرين مازالوا متحسرين متضجرين ويائسين. (فانظر إلى أثر رحمة الله كيف يحي الأرض بعد موتها إن ذلك لمحي الموتى وهو على كل شيء قدير ).

وهكذا يأتي الحديث عن نعمة هدايةً للإنسان في أكثر من مجال بما فيها إظهار أن من يقدر على أن يحي الأرض بعد موتها بقطرات الماء هو نفسه من يقدر على إحياء الإنسان بعد موته ، فتأتي هذه من الدلائل على إمكان البعث والحياة بعد الموت .

يقول تعالى {أَلَمْ تَرَوْا أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً }لقمان20 ألم تعلموا؟.فا بالكم هكذا ؟ما بالكم هكذا كل واحد منكم ظلوم كفار؟.ما بالكم ليس في قلوبكم ذرة من خشية الله ؟.ليس في نفوسكم ولا في ضمائركم تقدير لنعم الله ، وشكر لهذه النعم ؟., وتقدير له سبحانه وتعالى على ما وهبكم إياه ؟..( أَلَمْ تَرَوْا) تأتي عبارة(أَلَمْ تَرَوْا) كثير في القرآن بمعنى (ألم تعلموا ) وغالباً ما تكون في الأشياء التي الكثير منها من المشاهدات ..( أَلَمْ تَرَوْا) يعني ألم تعلموا وأنتم ترون { أَنَّ اللَّهَ سَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً} أسبغ: أنعم نعم كاملة كافية . وليس فقط يعطي قليلاً ،أولا يعطي الحاجة إلا بتعب كبير وتردد حتى يعطيك هذا الشيء البسيط. (وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً) ما أنتم تلمسونه ونعم باطنه كثيرة .ويقول اله سبحانه وتعالى:(الله الذي سخر لكم البحر لتجري الفلك فيه بأمره) لا حظ كيف تأتي هذه العبارات في هذه الآيات مصدرة بقوله تعالى: (الله)(الله الذي خلق السماوات والأرض)(الله الذي يرسل الرياح فتثير سحاباً..)(ألم تروا أن الله سخر لكم }{اللَّهُ الَّذِي سخَّرَ لَكُمُ الْبَحْرَ لِتَجْرِيَ الْفُلْكُ فِيهِ بِأَمْرِهِ وَلِتَبْتَغُوا مِن فَضْلِهِ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ 12 وسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جميعاً منه} جميعاً جميع ما في السماوات وما في الأرض سخرها لكم {إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} آيات لقوم يتفكرون فيعلمون من خلال تفكرهم عظم نعم الله سبحانه وتعالى عليهم فتلين قلوبهم له ،تخشع قلوبهم له ، يحبونه ،يستحون من أن يسيروا في معصيته ، يتفكرون أيضاً فيما سخر لهم داخل هذا العالم لتتوسع معرفتهم بالله سبحانه وتعالى ، وليصلوا من خلال تفكرهم ودراستهم لكل ظواهر هذه الحياة وكل ما أودع في هذا العالم يتوصلون إلى معارف كثيرة في مجال العلوم فيبدعوا ،ويخترعوا ،ويصنعوا ، ويكتشفوا الأشياء الكثيرة.. وهذا فعلاً من الآيات التي ترشد المسلمين لو ساروا عليها ،وفهموا ماذا تعني في قوله تعالى (لقوم يتفكرون) التي جاءت بعد قوله (وسخر لكم ) .

الأوربيون والأمريكيون واليابانيون هؤلاء الذين هم يبدعون ، ويصنعون، ويخترعون،من أين جاءت هذه الأشياء؟.أليست من خلال التفكر لظواهر هذا الكون ،ودراستها؟.دراسة ،وتجارب،وتفكر داخلها حتى وصلوا إلى ما وصلوا إليه ،لكنا نحن ضربنا من قبل الآخرين الذين حولوا كل عبارات التفكر هنا إلى المجال العقائدي فقط الذي يتخلص في الأخير إلى إصدار أحكام حتى ولا يترك أثره في الوجدان ،والذين حولوا هذه العبارات (يتفكرون)إلى أن معناها ينظرون فأخذوا منها إضفاء الشرعية على النظر وأنه هو الواجب في ميدان التشريع ، وتركوا ميدان الحياة..فما الذي حصل؟. لا نفوس صلحت ، ولا أمة بقيت متوحدة كل ينظر في أصول الدين وفي فروعه فتظهر العقائد المتعددة وتظهر الأفكار الشاذة، وتظهر العبارات القليلة الحياء مع الله تعالى ،وفي ميدان التشريع في مجال الأحكام الشرعية تظهر الأحكام المتعددة ، والمذاهب المتعددة ، والأقوال لا يقدم ولا يؤخر ،نرى أنفسنا في مثل هذا العصر منحطين في أسفل درك في عالم الصناعة ،في عالم الاختراع ،في عالم إبداع فنصبح نحن المسلمون جاهلين حتى استخدام الآليات التي ينتجها الآخرون ،فنرى أنفسنا في الخير كيف خضعنا لهم ،بل كيف انبهرنا بهم ،بل كيف تنكرنا لديننا وحملناه مسؤولية تخلفنا..والواقع نحن الذين ظلمنا ديننا من البداية ،نحن لم ننطلق على هداه ،فظلمناه في البداية،وظلمنا أنفسنا حتى عندما وحينما رأينا الآثار السيئة بالمسيرة المغلوطة التي سرنا عليها نأتي من جديد لنحمل ديننا المسؤولية ،نأتي من جديد لنقبل ما يقول الآخرون في ديننا: (دين متخلف) ، (افيون شعوب) لازم أن تلحقوا بركاب الحضارة الغربية ،ونرحب بركاب الآخرين فنتثقف بثقافتهم ،القرآن لم يعطنا شيئاً ،الدين لم يعطنا شيئاً فننطلق وراء الآخرين ..فأصبحنا فعلاً هيأنا أنفسنا وهيأنا أولئك الذين صرفوا الآيات هذه إلى المجال الذي ليس من مسئوليتهم ،إلى المجال الذي قد تكفل الله به(إن علينا للهدى). قد تكفل به(إن الحكم إلا لله)تكفل هو أن يعرفنا بنفسه، أن يعرفنا بكماله من خلال كتبه وأنبيائه،تكفل هو بأن يشرع لنا من خلال كتبه وأنبيائه وورثة كتبه..إذا هذا الميدان مضمون ، أنطلق أنت في ميادين الحياة على وفق ما يرشدك إليه هذا الدين .

عندما تنكرنا لديننا أصبحنا بيئة صالحة لتقبل الدعاة ضد الدين ،بل أصبح الواحد منا يرى نفسه متحضراً بمقدار ما يتحلل من قيم دينيه، بمقدار ما يتنكر لدينه وإلهه،فالقرآن لا شيء ولهذا أصبح في المجتمع الإسلامي علمانيون كثيرون، علمانيون يتنكرون للدين ،ويسخرون من المرأة عندما تلبس الحجاب الإسلامي ويرون فيه مظهراً للتخلف ،نقول لهم: لا تحملوا الدين المسئولية حملوا أولئك الذي نقلوا لكم الدين بشكل مغلوط ،ارجعوا إلى القرآن أنتم. والآخرون الذين أنتم منبهرون بهم هم من شهدوا لهذا القرآن ،هم من تجلى على أيديهم من خلال ما أبدعوا إعجاز هذا القرآن .

ارجعوا انتم إلى أولئك الذين قدموا لكم الدين بشكل مغلوط ،وشغلوا تفكيركم في المجال الذي قد ضمن لهم، وصرفوا عن المجال الذي أريد أن يتحركوا فيه ،أو أريد لهم من خلال دينهم هو ان يتحركوا فيه ،ارجعوا إليهم فتنكروا لما قدموه لكم ،وعودوا إلى القرآن من جديد لتعرفوا القرآن كان باستطاعتنا لو مشينا على هديه ،وعلى إرشاده أن نكون نحن الأمة السباقة حتى في مجال التصنيع،والاختراع ،والإبداع في مختلف الفنون.

(لقوم يتفكرون) يعني ينظرون، ينظر في ماذا؟.ينظر في مجال معرفة الله، هذا محدث ولكل محدث إذاً محدث ،كلمة مفروغ منها ،تعرفها حتى الحيوانات ،والنتيجة ما هي؟.النتيجة إصدار حكم فأصدرنا حكماً بأن الفاعل لهذا الفعل المحكم يسمى حكيماً فقلنا حكيم.

أليس هذا إصدار حكم؟.حتى لم نحصل على أثر وجداني للمعرفة،وتحصل معرفة خفيفة جداً ونحو هذه المعرفة المحدودة في ذاتها،وعديمة الأثر فيما تتركه في النفوس نسخر كل آيات التفكر والنظر نحوها، بينما ستحصل المعرفة الواسعة والكاملة من خلال القرآن وهو يرشدنا في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى أيضاً أن كل شيء في هذا العالم يتحرك بالشهادة على كمال الله، وهو يرشدنا إلى كيف نتفكر فيما سخر لنا من خلال تفكرنا ،ودراستنا للأشياء ،وإبداعنا فيها ،واختراعنا ،وتصنيعنا،..أليس سيظهر الكثير من الأشياء التي تشهد بعظمة حكمة الله ،وسعة علمه،ولطفه،ورحمته،وتدبيره لشئون خلقه،وعلمه بالغيب والشهادة،وعلمه بالسر في السموات والأرض؟؟.سيترافق الشيئان .

وهذا هو ما يمكن أن نقول فعلاً أن القرآن الكريم عمل على أن يدفع بالمسلمين نحو أن يسبقوا الأمم الأخرى في مجال الإبداع ،والاختراع ،والتصنيع من منطلق عقائدي قبل دافع الحاجة التي انطلق على أساسها الغربيون ، الحاجة والفضول هذا شيء،لكن القرآن أراد أن ننطلق باعتبار هذا عباده ،بدافع عبادي (تفكروا) و(تفكروا).. والتفكر ما هو؟. دراسة الأشياء ،فهمها، متى ما فهمنا هذه العناصر في هذه الأرض فطابع الفضول الموجود لدى الإنسان سنحاول أن نجرب كيف سيكون إذا أضفنا هذا إلى هذا ، بعد أن عرفنا طبيعة هذا العنصر وطبيعة هذا العنصر ،كيف إذا أضفنا هذا إلى هذا بنسب معينة زايد نسبة من هذا ماذا سيحصل؟..

قد يحصل كذا وتأتي التجارب ،بل سعة حياة الإنسان وسعة حاجاته أيضاً ستعمل الحاجة ،ستضيف أيضاً أثرها في الموضوع فيتجلى الكثير من الأشياء التي تفيد في المجالين: تفيد في معرفتنا بالله سبحانه وتعالى معرفة متجددة واسعة ،فنحن في كل فترة ، وفي كل لحظة يتجلى على أيدينا شواهد كثيرة جداً تعمق في أنفسنا المعرفة الواسعة بحكمة الله ،وعلمه،وإلوهيته،وتدبيره،ووحدانيته، وكماله فنزداد خشية ،ونزداد معرفة فيما ننتج في واقع الحياة..فما الذي حصل ؟.ستعمر الحياة حينئذ على أرقى ما يمكن أن يصل إليه الإنسان ، وفي المجال الذي يخدم الإنسان حقيقةً،تعمر بالصلاح للنفوس وهي تزداد خشية من الله ،وهي تعمق فيها معرفته من خلال ما تكتشفه حينا بعد حين ،وهي تنطلق بعد قوله: (لقوم يتفكرون) برجال يتفكرون ،عبارة (قوم) هنا تعطي معنى لمن هم جديرون ،لمن هم رجال يتفكرون.وليس للناس ينصرفون ببساطة عن هذه الأشياء فيرون هذه الآيات لا فائدة لها، فتعمر النفوس بالصلاح والتقوى ،ثم تعمر الحياة،لأن نفس الإنسان هي الأساس في أن يتجه عمله في واقع الحياة بالشكل الذي يكون صلاحاً ،بالشكل الذي يكون عمارة للحياة, بما يصلح هذه على أساس صلاح.

حتى في مجال البيئة ربما كان باستطاعة المسلمون أن يتوصلوا إلى أكثر مما توصل إليه الغربيون فينتجوا الأشياء الكثيرة التي هي نفسها لا تؤثر على البيئة، أولو كان فيها ما يؤثر على البيئة لدفعهم تقواهم وصلاحهم وخشيتهم من الله إلى أن يحترموا هذا الإنسان ،فيحاولوا أن يعدلوا إلى المواد الأخرى التي هي أكبر حفاظاً على سلامة البيئة وإن كانت التي تلوث البيئة أقل تكلفة ،لأنه هنا سيقال أنني في مقام مسئولية لا أريد أن أضر بعباد الله ،ولكن ما الذي حصل على أيدي الغربيين ؟.أليسوا هم من لوثوا البيئة ؟.أليسوا هم من يحدثنا بأن البيئة قد تلوثت بشكل رهيب؟.على أيدي من؟ على أيديهم هم لأنهم انطلقوا عندما هم اخترعوا فسبقونا ،سبقونا فأصبحوا هم القوم الذين يتفكرون لكن نفوسهم لم تكن صالحة..فما الذي حصل؟. لوثوا البيئة ، ولم يرعوا حرمة الإنسان ،ولم يحافظوا على سلامة الإنسان ، المهم أن ينتج بأقل تكلفة ،فتأتي النفايات النووية ،وتأتي نفايات أخرى كثيرة جداً ،فلا يتحدثون عنها وهي تهدد العالم ..لكن ماذا سيحصل لو أن من بأيديهم هذه الأشياء ،هذه الآليات ومنهم سادة الإنتاج ،لو كانوا مؤمنين لكانوا يراعون سلامة الإنسان, ولحافظوا على البيئة فيعدلون الأشياء التي فيها سلامة البيئة وإن كانت أكثر تكلفة.

كيف كانت سنن هذه الحياة كلها قائمة على الحفاظ على البيئة ترى مثلاً في مخلفات الحيوانات ،أليست هي مما يساعد على تخصب التربة؟.تتلاشى تلقائياً ثم تتحول من جديد إلى فوائد للتربة،لكن حاول أن تغير زيت سيارة عند مزرعة ما الذي سيحصل ؟.تكسب هنا الزيوت أليست نفايات السيارات ستترك أثرها فتحرق المزرعة وتتلفها؟.لأن المؤمنين حينها سينطلقون ليتخلقوا بأخلاق الله سبحانه وتعالى ،سيكونون حريصين على أن يحافظوا على البيئة ،فهم من كان سيعمروا الحياة، ويعمروا النفوس، ويتجلى على أيديهم المعرفة الواسعة لله تعالى ،فما الذي حصل؟.

عندما أصبح الإنتاج بأيدي الآخرين ،وكان الآخرون هم المبدعين ،وهم المخترعين،وهم من طوروا علوم الصناعات ،وطوروا الصناعات وغيرها ،فما الذي حصل ؟.جاء اليهود ليستخدموا الثروة الصناعية فاستغلوها في الجانب الثقافي أن يقدموا للمسلمين لأن عليكم أن تتخلوا عن دينكم حتى تكونوا مثلنا كمثلنا فتلحقوا بركابنا، استغلوها أيضاً في الجانب الاقتصادي فمثلوا الدنيا ربا ،استغلوا الاقتصاد السياسي في الهيمنة على الشعوب واستنزاف ثرواتها،أليس اليهود هم الذين استفادوا من الثورة الصناعية؟. أليس هم مسخ وجه العالم؟.لو كان المؤمنون هم من سبقوا لقدم العالم بشكل آخر،لكن مشكلتهم أنهم تخلوا عن أول رجل بعد رسول الله صلى الله عليه وآله ألف باب من العلم كل باب يفتح ألف باب) ، من كان يقول: ( سلوني قبل أن تفقدوني)،وتولوا آخرين لأن ذاك يتركع ألف سجدة,أو لأنه يقرأ القرآن في سجدة, أو انه شرى للنبي صلى الله عليه وآله وسلم؟.هو مراعاة للجمل الذي شراه أبو بكر أن يقلده قيادة الأمة هذه ،وهي هذه الأمة التي أراد القرآن أن تكون على هذا النحو. ما هو العلم الذي يحمله؟.حتى يمكن أن يكون جديراً بقيادة الأمة.

الأمة ضاعت من أول يوم بعد موت الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ،وهكذا تعززت عوامل الضياع ،وتعززت عن طريق ما قدمه الآخرون لنا من ثقافات مغلوطة تحولت الآيات القرآنية إلى غير المجال، أو تحول توجهنا نحن من خلال تأويل الآيات القرآنية إلى غير ما يراد منا في واقع الحياة،لو كانت المسألة هي فقط أن نعرف الخلاصة التي قال من أجلها عرفنا من خلال المحدثات أن هناك محدث،وأن هناك صانع ،لو انطلقنا هذا المنطلق لكان يكفي الناس واحد من ألف أو أقل من هذه النسبة ممن في هذا العالم من أصناف،لأن شجرة واحدة ممكن أن تقوم بهذه المهمة ،شجرة واحدة محدثة ، أليس لها محدث؟.نعم.. هذه الشجرة نراها ورقها وسيقانها وزهورها محكمة، أليس تدل على أن هناك قادر وحكيم؟. تقضي على أن فاعلها عالم ،وتدل على انه حي؟.شجرة واحدة أمكن أن تقوم بالمهمة التي انشغل حولها المعتزلة.فالأصناف الهائلة هذه كلها من اجل تحصيل العقائد الصحيحة كما يقولون على النحو الذي قدموه لنا، الذي كان يكفي لها شجرة واحدة، أو نعجة واحدة, أو حيوان واحد، أي صنف كان.

والله سبحانه وتعالى يقول : { سخر لكم البحر لتجري الفلك بأمره } منهم سادة البحار الآن؟.اليهود والنصارى ..أليس كذلك؟متى ما أردنا نشتري غواصة منهم بكم تكلف؟ ملايين مئات الملايين ، وقيمتها المادية قد لا تكون بعشر ثمنها ،قليلة التكلفة.

{ولتبتغوا من فضله}أصبحنا فعلاً في هذا العالم متعلقين نركب معهم في البحار ، نركب معهم في البر، متعلقين مثل الأطفال إذا أنت ماشي في الخط جاء واحد يتعلق في السيارة حقك. أليس كذلك؟.نحن الآن المسلمون عبارة عن ركاب فقط، نركب مع اليابانيين ،مع الكوريين،مع الأمريكيين ،مع البريطانيين،ومع الفرنسيين، والإيطاليين ،وهكذا ركاب متعلقين في البر والبحر ، وفي الجو أيضاً.

{وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنه} ولاحظ ربما هم قالوا فيما يتعلق بصناعة الطيران كانت الطيور مما يوحي الفكرة حتى فيما يتعلق بالنسر عندما يفتح جناحه أطراف ريشة الكبيرة، عندما يكون متجهاُ إلى الهبوط ، كنا نحن العرب عندما نشاهد النسور وهي تنزل ،هم الواحد منا ان يقول:هذا لي ،وآخر يقول:هذاك له,وننظر من الذي سيغلب الآخر عندما يتنافروا. أم أن الطيور لم تأت إلا من بعد ما صنع الغربيون الطائرة.بل الطيور من زمان.

{ولتبتغوا من فضله} تجارة،من هم سادة التجار الآن؟.أليسوا هم الغربيين؟. { ولعلكم تشكرون} فعلاً لو كان المؤمنون هم من انطلقوا فأصبحوا سادة هذه الأشياء ،هم بإيمانهم سيزدادون خشية ،ثم يكونوا أكثر شكراً لله،فتكون هي من بواعث الشكر إذا فنعرف الزهد الذي يعني ترك هذه البر والبحر،الزهد الذي يعطل هذه الأشياء التي تعتبر مهمة في خلق مشاعر داخلية في نفس الإنسان، هي شكر لله سبحانه وتعالى،وإجلال ، وتعظيم لله، هل يمكن أن يكون هذا الزهد الذي يقوم هو من دين الله؟.وهو هنا يقول: {سخر لكم البحر لتجري الفلك بأمره ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون} غاية من غاياتها أنها يمكن أن تشكل عامل مهم في مجال خلق مشاعر شكر وإجلال وتعظيم من قبلنا لله سبحانه وتعالى .

{وسخر لكم ما في السماوات والأرض جميعاً} من اجل ماذا؟ أن ننظر لنعرف من خلالها كيف نصدر حكماً ونسميه عقائداً ،عقائد هي بمثابات مقدمات منطقية ينتج عنها إصدار أحكام فقط. {وسخر لكم مافي السماوات وما في الأرض} إذا تأمل الإنسان سيرى ما أكثر الأصناف، أصناف النباتات ،أصناف الحيوانات، أصناف التربة ،أصناف الصخور ،أصناف متعددة من كل جنس متعدد ،أصناف المعادن سخرها.{إن في ذلك لآيات لقوم يتفكرون} فهي تهدية إلى كيف ينتج ، وكيف يصنع، وهي تهديه إلى كيف يزداد خشية وتقوى من الله ,تزيده الخشية من الله ، سينطلق إنساناً صالحاً شاكراً يعمر الحياة على أرقى ما يمكن أن تصل إليه بالصلاح ،وعلى أساس التقوى ،والشكر ،والعبادة لله سبحانه وتعالى .

ثم لاحظ القوم الذين تفكروا ألم يكتشفوا أن في أعماق الأرض وعلى بعد مئات الأمتار ما حرك العالم كله، ما حرك العالم كله وهو البترول؟. الله قال:{وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض} فيما كان هناك حتى في أعماق الأرض هو مسخر للإنسان ، ولاحظ إذا اكتشفنا فعلاً بأن هناك في أعماق الأرض وعلى بعد مئات الأمتار مما أكد القرآن بأنه مسخر لنا، هل معنى مسخر لنا على النحو الذي يقول الآخرون لنعرف من خلاله عندما نشاهده عقيدة صحيحة نعرف أن الله سبحانه وتعالى ؟.أليس في باطن الأرض مئات السنين آلاف السنين وهو ما يزال في باطن الأرض؟.فما معنى تسخيره للإنسان وما معنى أن يسخر له؟.إلا ليتفكر ،ليتفكر فيصل إليه وعندما يصل إليه ترى كيف يصنع الحياة فيحرك ظاهر العالم؟.ما الذي حرك المصانع وحرك الآليات؟.أليس هو البترول؟.البترول أليس في أعماق الأرض؟.

{سخر لكم ما في السماوات }نحن نفهم قيمة التسخير أنه فعلاً لو بنظرة واحدة الشمس سخرها لنا من اجل أن ندفئ فيها ،من أجل أنه لا يكون هناك برد،هذه واحد مما تعطيه الشمس ،الماء نشربه،ونقول:الحمد يا الله . ثم نفهم أن كل شيء هو على النحو نعرف من خلاله ما يفيدنا تلقائياً ،فكأنه هذا كل ما يعطيه ،هو ما يمكن أن نستفيد منه استفادة أولية..لكن لماذا لا نفهم من قوله:{وسخر لكم ما في السماوات وما في الأرض} أليس(في) تعني ما كان في ظاهرها وفي باطنها؟.أن التفكر هو يرشد إلى الإنسان المؤمن مطلوب منه اعتقادنا وديننا أن ينطلق في أعماق هذا الكون ،وهو يتفكر وسيصل إلى أعماق الكون وبعد مئات الأمتار وسيرى أن هناك شيء مسخر له .مسخر له لماذا ؟.ليعرف من خلاله أنه محدث وأن له محدثاً . هذا ستعرفه من شجرة واحدة..هذا ما قدم لنا بأن كل ما في الدنيا هو عبارة فقط عن أدلة على الله سبحانه وتعالى على هذا النحو الضيق الذي قدمه أصحاب علم الكلام على هذا النحو الضيق ،فعلاً كل شيء مظهر من مظاهر قدرة الله، وحكمة الله ،وعلمه ،ولطفه،ورحمته،ورعايته،وتكريمه للإنسان ،لكن لينطلق الإنسان.

فنحن عندما نتفكر جهلنا كل شيء ، ثم رأينا من تفكروا كيف غاصوا إلى أعماق الكون ،وكيف حركوا ظاهرة ,كيف حركوا المصانع,وحركوا المركبات ،وأصبحنا نحن من تنزل القرآن الكريم علينا وبلغتنا متعلقين معهم فقط،ركاب في البر والبحر وفي الجو.ألسنا في جهالة؟.

لتعرف من خلال هذا كيف يمكن أن يكون الأثر السيئ للأخطاء الثقافية ، وقد تضرب أمة بأكملها ،وتجعلها تحت الأقدام وهي امة كان أراد لها أن تكون فوق هامات العالم(كنتم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر) لكن هذا الشيء الذي يؤسف الإنسان فعلاً يؤسف الإنسان فعلاً.نحن ضربنا على أيدي من حملوا اسم علم ،ضربنا على أيدي المعتزلة والأشعرية وأضاربهم،والمعتزلة هم من كانوا يرون أنفسهم علماء أجلاء إلى درجة أنهم-كما يحكي الشرفي في شرح الأساس-أنهم كان البعض منهم يسخرون بأئمة أهل البيت فينظرون نظرة بأنهم بسطاء،وتفكيرهم بسيط،ومتخلفين ثقافياً، يرون أنفسهم هناك مثقفين ثقافة رفيعة ..هذه آثار ثقافتهم ،آثار ثقافتهم المغلوطة..المعتزلة، الأشعرية العقائد الباطلة من هنا وهناك، وعندما ساد الناس أيضاً حكام جاهلون،همه أن يبحث عن العالم الذي يدجن المجتمع له دينياً ،فيتلوث خلفه بعد خليفة ،وملك بعد ملك،ورئيس بعد رئيس،على أكتاف هذه الأمة وهي تعيش في ضلال الجهل والتخلف..ثم المأساة تأتي في الخير أن نأتي نحن نتنكر لديننا فنعتقد أنه هو أفيون الشعوب،ألم يصبح كثير في أوساط المسلمين علمانيين؟.كثير من المسلمين علمانيين نتنكر للدين بكله ولا شأن للدين بالحياة الذين اعتبرهم علماء المسلمين قدموا الإسلام على هذا النحو فعلاً هذا التقديم يخلق هذه النظرة أن هذا الدين لا يصلح لا سياسياً ولا اقتصادياً ولا ثقافياً ،وأنه يحول بين الأمة وبين أن تنهض على قدميها ،وبين أن تصبح أمة قادرة على أن تبدع،وتخترع،وتنتج،لكن ظلمنا الدين نفسه ،ولهذا كان الإمام الخميني يقول:(إن الثقلين ظُلمَا)الأمة ظلمة الثقلين يعني القرآن والعترة،ظلموهم من أول الزمان من بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم وعلى طول التاريخ،وظلموهم في هذا الزمان حين تنكروا لهم وأصبح الحديث عن العودة إليهم تخلفاً..يعتبر أولئك الحكام الذين حكموا الأمة على طول تاريخهم هم المتخلفون ،هم الذين أورثوها التخلف ،أولئك العلماء الجهلة الكثير منهم ممن حركوا ثقافة الأمة من حيث يشعرون أو لا يشعرون ،هم من ضرب الأمة ،هم من ظلم الأمة، وليس الثقلين القرآن والعترة.

بل نحن الزيدية من نتمسك بأهل البيت أنفسهم هم من عانوا من هذا ،كما يقول علي عبد الله : نحن عانينا من الإرهاب .نحن عانينا من الأخطاء الثقافية التي جاءتنا من قبل السنية،من قبل المعتزلة ،من قبل الطوائف الأخرى ، عانينا ممن تأثروا في داخلنا بهم فعلاً فأصبحنا نحن شركاء في ظلم الثقلين الكتاب والعترة ،وأصبحنا وأصبحنا كلنا قوم لا نتفكر إلا حيث لا يطلب منا أن نتفكر على النحو الذي نفهم معنى الثقلين الكتاب والنظر ،سلطنا التفكر والنظر في مجال معرفة الله على هذا النحو القاصر ، كما كررت- وفي مجال التشريع ،أو في مجال الهداية الكاملة ،وهبي التي قد تكفل الله بها(لقوم يتفكرون)فيقول لك :هذه الآية تدل على وجوب النظر .فأصبح النظر واجباً عقلاً وشرعاً على النحو الذي يقدمونه هم .

نعود إلى أصل الموضوع..ملاحظة أو إضافة على الموضوع: ساعد على هذا أننا لم نجعل الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى من القواعد المهمة في تحقيق داخل كتبنا التي نسميها أصول الدين هذا واحد.

الثاني:نظرنا إلى الحياة عن طريق أصحاب كتب الترغيب والترهيب ومعظمهم أيضاً من السنية،نظرنا إلى الدنيا هذه بكلها ،هذه الدنيا التي تحدث الله عنها ،وذكر بأنها نعمة عظيمة علينا بأنها لا تساوي جناح بعوضة ، وأنها ليست بشيء ،وعلى الإنسان أن ينصرف عنها ،وإذا كان سيطلبها فيطلب فقط القوت الضروري منها، والكفاية منها،وينطلق ،يتركوها الناس،يرفضوها الناس هذا هو التدين،هذا هو عزز الفكرة..المرشدون داخل مساجدنا يسيرون في هذا الاتجاه ،وكتاب وهم يكتبون وفي أشرف علومنا يسيرون في هذا الاتجاه، والمفسرون أيضاً يسيرون في هذا الاتجاه ،وهكذا تراكمت الأشياء فأصبحنا نحن أبناء هذا العصر الضحية،وليس فقط هذا الجيل بل أجيال نحو ما لا يقل عن أربعمائة سنة ،اعتبرها أربعمائة سنة على أقل تقدير هي الحال الذي ظهرت فيها النتائج السيئة لكل الأشياء التي سبقت.

{الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً} الله الذي يستعطفنا بما يحدثنا من نعمه والتي يذكرنا بقيمة نعمة ، كيف يتمنن علينا بما لا قيمة له عنده؟!. إذا كانت الدنيا لا تساوي عند الله جناح بعوضة إذا لا قيمة لما يتمنن به علينا ،إذا كان يعطي مما لا قيمة له عنده ، مالا قيمة له لديه ، ولا نعني بالقيمة أنها مسألة حاجة وفعلاً هو ليس محتاجاً لكن الحكيم ينظر إلى الأشياء المهمة ذات قيمة فيما تعطيه، فإذا كانت الأشياء كلها لا قيمة لها لديه فلا حاجة لشكرها، ولا حاجة للتمنن بها علينا لماذا يتمنن علينا بما لا قيمة لها عنده؟.

{وخلق كل شيء فقدره تقديراً} وهذه الآية تتحدث عن أهمية ما أعطى عن أن نتذكر فضله وعظم ما أعطى ، وما أسبغ من هذه النعم . {الله الذي جعل لكم الليل لتسكنوا فيه والنهار مبصراً إن الله لذو فضل على الناس وكلن أكثر الناس لا يشكرون}{ذلكم الله ربكم لا إله إلا هو فأنا تؤفكون} لاحظ كيف يربط بين الحديث عن نعمة وبين وحدانيته وإلى توحيده وعبادته{كذلك يؤفك الذين كانوا بآيات الله يجحدون}{الله الذي جعل لكم الأرض قراراً والسماء بناء وصوركم فأحسن صوركم ورزقكم من الطيبات ذلكم الله ربكم فتبارك الله رب العالمين هو الحي لا إله إلا هو فادعوه مخلصين له الدين الحمد لله رب العالمين}.

الحمد لله رب العالمين ،وصلى الله على محمد وآله ،نسأل الله أن يوفقنا إلى أن نكون ممن يشكر نعمه, وممن يرعى نعمه،وممن يتفكر في ما سخره في هذا العالم لعباده، وأن يهدينا إلى معرفته التي تملأ قلوبنا حباً له ، وخشية منه ،وإجلالاً له ،وتعظيماً له، إنه على كل شيء قدير ..

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تم الصف والإخراج

بمركز الشهيد والوحدة للكمبيوتر
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 5:02 pm، تم التعديل مرة واحدة.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

( سلسلة معرفة الله )

دروس من هدي القرآن الكريم


معرفة الله
الدرس السادس


ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي


بتاريخ:

23/1/2002م
اليمن ـ صعدة



هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة





بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ،وصلى وسلم الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.

الكلام من بدايته يتجه نحو محاولة في أنفسنا كيف نـثق بالله سبحانه وتعالى ، كيف تعظم ثقتنا بالله؟. كيف تكون ثقتنا بالله قوية؟.

وقلنا بالأمس بأن الحديث عن نعم الله سبحانه وتعالى يتسع للحديث عنها في مجالاتٍ أخرى وبشكلٍ آخر من حيث كونها مظاهر من مظاهر حكمته وقدرته وعلمه وتدبيره ورعايته وملكوته وألوهيته وربوبيته إلى غير ذلك. وشيء آخر مما يساعد على أن نعرف الله سبحانه وتعالى بالشكل الذي نحصل من ورائه على تعزيز لثقتنا به سبحانه وتعالى هو حديثه في القرآن الكريم عن ذاته سبحانه وتعالى في الثناء على ذاته ،وعن ما ذكره من مخلوقاته الكثيرة باعتبارها مظاهر من مظاهر ملكوته ،وأنه هو من له الملك ،هو رب العالمين ،هو من له الملك ،ونفاذ الأمر في العالمين.

منها ما ذكره سبحانه وتعالى في أول سورة الحديد:

{بسم الله الرحمن الرحيم. سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ }الحديد1. سبح لله: نزهه وشهد بن‍زاهته وقدسيته ،نزاهته عن كل ما لا يليق به ،نزاهته عن كل عيب ونقص ،نزاهته عما لا يليق بكماله ،فكل ما في السماوات والأرض يشهد بنزاهة الله سواءً من كان ينطق بذلك، أو من كان في نفسه شاهداً على ذلك ،هو العزيز: المَنِيع الذي لا يُقهر ،لا يُغلَب ولا يُغالَب ،هو غالب على أمره ،هو العزيز الذي يَمنح مِن عزته من اعتزّ به ، يمنح مِن عزَّتِه أولياءَه فيصبحون كما قال عنهم }أذٍِِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ{ .

الحكيم في ما يصدر منه ،الحكيم في تدبيره ، الحكيم في هدايته، الحكيم في تشريعه ،الحكيم في تدبيره لشئون خلقه. {له مُلْكُ السماوات والأرضِ} ،هو مَلِك السموات والأرض ،مَلِكُها ومَالِكُها. قد يكون الإنسان في هذه الدنيا ملكاً فيَحدُث انقلاب فيصبح مطروداً منفياً فيَملِك غيرُه ،أمَّا الله سبحانه وتعالى فهو الملك ،هو المالك،وهو الملك ،ذو المُلك الدائم في سلطانه ،{يحيي ويميت وهو على كل شيء قدير} ،كل شيء يريده هو قادرٌ عليه ،(هو على كل شيء قدير) ،ليس هناك أشمل من هذه العبارة ،ولا أوضح منها ؛في أنه لا أحد يستطيع أن يحول بينه وبين ما يريد أن ينفذه ،فهو قادر وهو قاهر في نفس الوقت.

{هُوَ الْأَوَّلُ وَالْآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ }الحديد3 ، ثَناءٌ على الله ،وبيان لكماله المطلق سبحانه وتعالى.

{هو الأول} ،عبارة (الأول) تعني لا شيء قبله ،لا أولَ لأوَّلِيَّته ،ليس هناك شيء سبقه أبداً في الوجود ،وهذه العبارة أفضل بكثير من عبارة (المتكلمين) التي يرددونها (القديم) فيسمون الله قديماً ،وهذا - في ما أعتقد - لم تَرِد في القرآن الكريم ولا مرة واحدة ،أن يصف نفسه وأن يجعلها من أسمائه (القديم) ؛لأن كلمة (قديم) ليست مما يصح أن يُمدَح الله بها سبحانه وتعالى لما فيها من إيهام وهو أنها تُوهِم العمق الزمني، قد توهم العمق الزمني كلمة (قديم) ،وهي في نفس الوقت إنما تعني ماذا؟ أنه لم يسبقه عدم ،(قديم) لم يسبقه عدم ، بينما كلمة {الأول} هي أهم بكثير فهي لا تُوهِمُ هذا الإيهَام ،وهي تتجه إلى نفس المطلوب بِدَايةً دون ترتيب مُقَدِّمات ، الله هو [وحده] الأول فلا شيء قبله ،وهذا هو المطلوب أن نـثبت أن كل من سواه هو مخلوق له سبحانه وتعالى ،{و}هو {الآخر} بعد فناء الأشياء.

{و}هو {الظاهر}، الظاهر لعباده ،الظاهر لمخلوقاته ،ليس غائباً كما يقول (المتكلمون) فيقولون: (قياساً للغائب على الشاهد)، يعرف هذا من قرأ في كتب (علم الكلام) هذه العبارة قاصرة ،التي ترسخ غياب الله في ذهنية الإنسان، وفعلاً الإنسان الذي يتأمل سيجد كم كان لهذه من آثار سيئة جداً ترسيخ في شعور الإنسان غياب الله بهذه العبارات (من باب قياس الغائب على الشاهد) وهكذا يكررونها ؛ولهذا لما جعلوا الله غائباً اتجهوا ليـبحثوا عن وجوده هو ، عن هل هو موجود أو لا ؟ ،فيأتوا إلى ترتيب مقدمات معينة تبدأ بالحديث عن أن هذه الأشياء وجدناها مُحدَثة لكونها ملازمة لعلامات الحدوث إذاً فهي مُحدَثة ،إذاً هناك من هو مُحْدِثٌ لها ،إذاً هناك مُحدِث ،وعلى هذا النحو يتحركون فيجعلون الله سبحانه وتعالى بالنسبة لنا بحاجة إلى أن نستدل على وجوده بأي شيء من مخلوقاته ،بينما هو يصف نفسه سبحانه وتعالى بأنه {الظاهر} ،هو أظهر من مخلوقاته ،هو من غَرَزَ في نفوس عباده معرفته، المعرفة الجملية ، لم يغب اسمه عن ذهنية البشرية.

والقرآن الكريم أكد هذه ، وهو يذكر لنا كيف كان الأنبياء يدعون أممهم إلى الله ،وكيف كانت تلك الأمم إنما تنازع في ما يتعلق بالوحدانية أنها غير مستعدة أن تتخلى عن الآلهة الأخرى لينفرد الله هو وحده بعبادتهم له، وينازعوا الأنبياء في أنه بعد أن يثبت لديهم أو أنهم يريدون أن يثبت لديهم بأنهم رسلاً من الله ،ليس هناك إشكالية حول وجود الله حتى ولا عند الكافرين }ولئن سألتهم من خلق السموات والأرض؟ ليقولن خلقهن العزيز العليم{ }ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله{ ولئن سألتَ مَن؟. سألت الكافرين. بل يقول الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم صلوات الله عليه في كتاب (الهجرة والوصية): (أن الله غرَزَ معرفته في نفوس عباده من الملائكة والإنس والجن) حتى قال أيضاً :(بل والطير والحيوانات الأخرى كلها تعرف الله). كل ما تشاهده أنت في واقعك يشهد بسبق خالقة ،بسبق صانعه في فطرتك قبل أن تنطلق لترتب مقدمات كلامية منطقية نحو: ( هذا مُحْدَث فلا بد له من مُحْدِث فثبت أن له مُحْدِث). من أين قلت : (مُحدَث)؟ وبعد أن شهدتَ بأنه فيه علامات التدبير والخلق؟ إذاً أنت تشهد أولاً في فطرتك بوجود الخالق ،وتشهد بسبق الخالق وإلا لما عرفتَ أن هذا فعل ،ولما انطلقت لترتب هذه المقدمة.

الله سبحانه وتعالى هو أظهر من كل مخلوقاته؛ ولهذا -في ما أفهم والله أعلم- لم أجد في القرآن الكريم آية واحدة -على الرغم مما ذكره الله سبحانه وتعالى من مظاهر قدرته ونعمته وحكمته و.. إلى آخره- أن ذكر شيئاً منها بعبارة (أليس ذلك يدل على أنني كذا) ،لا تجد هذه في القرآن الكريم ،ليس هناك آية تقول: (أليس ذلك دليل على أني قادر ،أليس ذلك دليل على أني حي ،أليس ذلك دليل على أني حكيم ،أليس ذلك يدل على أن لها خالق)، لم ترد هذه إطلاقاً ؛لأنه هو {الظاهر} ،هو الذي فطر النفوس على معرفته.

بل لم يأتِ أحد ليسمي صنماً باسمه أو يسمى بشراً باسمه ، أو يسمي شيئاً باسمه، الذي هو اسم لذاته سبحانه وتعالى المقدسة (الله)، }هل تعلمُ له سَمِياً{ كان المشركون يسمون الآلهه (هُبَل اللاَّت العُزَّي ،وُد ،وسُواع ،يَغُوث ،يَعُوق) .

الله معروف لدى البشر أنه (الله) ، هو الإله هو الذي خلق السموات والأرض ،هو الذي خلقهم ، يعرفون هذا لم يأتوا ليسموا صنماً آخر باسمه أبداً ، هو إله ،بل هو إله مقدس لدى البشر في كل مراحل البشرية. بل يقول أحد الكتاب أيضاً: بأنه في هذا العصر –في استبيان- ظهر بعد أن اُكتشِفت ،مناطق بدائية ،قُبَّل بدائية، وعرف أن الله معروف لديها ، قُبَّل بدائية في مجاهل أفريقيا وفي مناطق أخرى في هذا العالم ،و ما يزال بعضهم شبه عُراة ،والله معروف لديهم.

هو {الظاهر} لهذا كان هناك تأثير سلبي وسيئ جداً لترتيبات المتكلمين المنطقية لمقدماتهم المنطقية حيث جعلونا نحتاج نحن حتى نعرفه أن نستدل عليه بأي شيء من هذا لنعرف وجوده من حيث المبدأ ، أن هناك إله موجود أن هناك (الله) .

كيف وهو الذي قال سبحانه وتعالى }ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها{ فكيف يلهمها فجورها وتقواها ولا يلهمها معرفته ، ولا يفطرها على معرفته وهي من أهم ما يمكن أن تسير بالنفس نحو الهدى ، وتصرفها عن الفجور،معرفة سبحانه وتعالى هل مجرد أن تهتدي إلى ما هو تقوى وإلى ما هو فجور أهم من معرفته سبحانه وتعالى؟. فقال } فألهمها فجورها وتقواها{ فكيف لا يلهمها ما هو الأساس في أن تنطلق في التقوى وتبتعد عن الفجور وهو معرفته سبحانه وتعالى؟.

،فالمعرفة الجملية لدى البشر قائمة ومترسخة في ذهنيتهم بما فطر نفوسهم عليه ،وبواسطة رسله المتعاقبين جيلاً بعد جيل ،وكتبه التي أنزلها إليهم فلم يغب ذكره عن ذهن البشرية ولا عن مسامعها ؛وهو الظاهر يجب أن نلغي تماماً استخدام عبارات المتكلمين (الغائب ..الغائب .. قياساً للغائب على الشاهد) ،وأشياء من هذه.

وأول ما يرسخون في نفسيتك أنك تقوم تبحث عن من هو الذي أسدى إليّ هذه النعمة، نبحث هنا وهنا نجد أن هذه النعم لها محدث ،إذاً لها محدث ،تمام اتفقنا ،إذن مَن هو ؟. بقي الإشكال مَن هو؟. لم يستطيعوا أن يجيبوا عليه من هو؟. لأن غاية ما يمكن أن تحصل عليه من خلال تلك المقدمات هو أن لها صانع لا بأس لها ،صانع لكن مَن هو؟.

وأي دليل نظري ترتبه على هذا النحو يمكن أن يوصلك إلى الله؟. لا تجد. لا يوصلك إلى الله إلا فطرتك ،وإلا أنبياؤه وكتبه، ولهذا نجد (وهو الله) ، يقولون هكذا :(فدل على أن لها محدث وهو الله تعالى) القفزة ،ليست نتيجة منطقية لترتيب المقدمات هذه أبداً ،نتيجةٌ منطقية هو أن لها محدث لكن قولك (وهو الله) من أين أتيت بها؟. إنما من خلال أنبيائه من خلال كتبه ،من خلال ما فطر النفوس عليه ،لأن (وهو الله) هو يأتي بعد سؤال: إذاً فمن هو هذا المحدث؟. من هو؟. رتب لي مقدمات توصلني إلى أنه هو الله. لأن (الله) هو اسم للذات المقدسة عَلَم للذات المقدسة ، (الله) سبحانه وتعالى وهو الأساس لبقية أسمائه تأتي بقية أسمائه في مقام الثناء بعد أن يكون الأساس الذي تضاف إليه وتستند عليه هو اسمه سبحانه وتعالى (الله).

فأي متكلم يستطيع أن يوصل بتسلسل استدلالاته المنطقية إلى الإجابة على من هو؟. ثم ليقول لي (هو الله) ، فالله إنما أتى من خلال الفطرة التي فطر النفوس عليها، ومن خلال أنبيائه ورسله ،وليس عندما تقرأ في العلم الكبير أو تقرأ في الأساس أو تقرأ في كتب أخرى من كتب المتكلمين المصبوغة بأساليب المعتزلة وعباراتهم فيقول لك: وهو الله ..وهو الله .. الخ.

نَعم (هو الله) لكن ليس على هذا الاستدلال الذي ذكرته، هذا الاستدلال يجعل الله بحاجة إلى ابسط مخلوقاته في أن يدل عليه، ونحن -كما قلنا سابقاً- لم نجد في القرآن الكريم آية واحدة بعد أن يذكر الله كثيراً من مظاهر خلقه ومفردات هذا الكون فيقول (أليس ذلك دليل على أني موجود ،أو أني حي ،أو على أني قادر)؟. أبداً يقول لك }أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى{ أي أليس مَن صنع هذا بقادر على أن يصنع هذا؟.. لاحظوا ،حتى في سورة الحج لم يفرق بين الموضوع إلا حرف واحد هو حرف (الباء) في قوله تعالى }ذلك بأن الله هو الحق وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير{ بعد أن ذكر في بيان الأدلة التي تقمع كل ذلك الريب لدى المشركين في ما يتعلق بالبعث ، (ذلك بأن الله هو الحق) ،لم يقل فدل على أن الله هو الحق) فتوهم العبارة أنه استدل على أنه حق بهذه الأشياء فهي دلت على أنه حق، ذلك بسبب أنه هو الحق ، كانت على هذا النحو {وأنه يحيي الموتى وأنه على كل شيء قدير} ، أي ولأنه يحيى الموتى ولأنه على كل شيء قدير.

في آخر سورة القيامة قال تعالى }أيحسب الإنسان أن يترك سدى .ألم يَكُ نطفة من مني تُمْنَى ثم كان علقة فخلق فسوى فجعل منه الزوجين الذكر والأنثى أليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟{. هل تستطيع أن تقول أن ذلك هو إشارة إلى الله؟..لا. أليس هذا دليل على أن من قدر عليه هو قادر على أن يحيى الموتى ،فتوجه الاستدلال إلى الفعل وليس إلى الدلالة عليه هو ،من قدر على هذا قادرٌ على هذا ، من صنع هذا قادر على صنع هذا وهكذا تأتي.

وتجد أيضاً في سورة (الغاشية) نفس الأسلوب بحيث لو لم تحمله على نفس الطريقة ستقول الاستدلال هذا غير منطقي عندما قال تعالى وهو يبين قدرته سبحانه وتعالى على البعث }هل أتاك حديث الغاشية{ القيامة ..إلى أن قال: }أفلا ينظرون إلى الإبل كيف خلقت ،وإلى السماء كيف رفعت؟. وإلى الجبال كيف نصبت؟. وإلى الأرض كيف سطحت؟{ في مقام الاستدلال على أن هناك بعث ، لا بد من البعث.

ما العلاقة بين الجمل والجبل والسماء ،منطقياً؟. -كترتيب مقدمات منطقية-، وبين البعث، ما العلاقة بين قامة الجمل وارتفاعه وطول قوائمه وبين البعث؟. هل هناك علاقة إلا من هذا القبيل أن من قدر على هذا وظهر في هذا حكمته وقدرته على كل شيء ،هو قادر على هذا الشيء الآخر ،فلهذا كان الجمل دليلاً على البعث من حيث أن من قدر على صنع هذا الجمل وعلى خلق هذا الجبل وعلى رفع هذه السماء بما فيها من وضوح على أن هناك قدرة لا حد لها، لا يعجزها شيء ..إذاً فالبعث ممكن ،فهو قادر على أن يحيي الموتى ، قادر على أن يبعث الناس من جديد.

ترسخ هذا الأسلوب حتى لا نستطيع أن نخلص أنفسنا منه ،ونحن نتحدث ، ونحن نَعِظ ، ونحن نرشد، نقول: (فدل على أنه الله سبحانه وتعالى على كل شيء قدير ، دل على أن الله كذا) ، نحن نستخدم هذه ،ترسخت فينا بشكل رهيب ،لكن هي خلاف أسلوب القرآن الكريم الذي يوجه نظرك إلى المقارنة بين الأفعال ،والذي يدل على أن من قدر عليه قادر على كذا فالمطلوب إنما هو إثبات أن ذلك الشيء مَقدور له . ولا يأتي على هذا النحو: فدل على أنه قادر ،فدل على أنه حكيم.

فعلاً بأسلوبنا القاصر ممكن أن نستخدمها ،ولكن لأن الله هو الظاهر الذي حكم بأنه ظاهر لا يحتاج إلى شيء يُسْتدَل به عليه ،هو أظهر من كل شيء ،فلم يأتِ هو سبحانه وتعالى ليستخدم الأسلوب الذي نستخدمه نحن: (فدل على أني على كل شيء قدير) ،(فدل على أني حكيم)، تأملوا هذه ،هل تجدوها في القرآن؟. لا أعتقد.

وهي قضية مهمة قضية مهمة جداً تذَكُّر حضور الله ، وتذَكُّر شهادته هي الغاية المهمة من وراء كثير من الأذكار التي شرعت :التسبيح ،التهليل ،التكبير ،التحميد ،تذكر النعم ،أن لا تنساه، أشياء كثيرة جداً كلها تصب في هذه الغاية، هو استشعار حضور الله سبحانه وتعالى وشهادته ،فكيف نأتي في الكتب التي موضوعها هو معرفة الله فنقدمه غائباً! ، ما الذي حصل؟.

بعد أن فهمناه غائباً وترسخ في مشاعرنا غائباً انطلقنا نحن لنحكم أنه في الواقع غابت أعلام الهدى فكل واحد منا فليقم ينظر هو من جديد يبحث عن خالقه ،كل واحد يقوم ينظر ويجتهد يبحث عن ما هي الأحكام التي يدين الله بها ،لأنه قدم في الصورة أن الله غاب من يوم مات نبيه وانقطع الوحي فغاب.

بينما هو يذكرنا بأنه لم يغب في قصة عجيبة في القرآن الكريم قصة الغنم التي رعت الزرع في أيام سليمان عليه السلام عندما قال تعالى }وداود وسليمان إذ يحكمان في الحرث إذ نَفَشَت فيه غنم القوم وكنا لحكمهم شاهدين{ لا حظوا العبارة هذه }وكنا لحكمهم شاهدين ففهمناها سليمان وكلاً آتينا حكماً وعلماً{ ،فيأتي الآن مجتهدون وعلى طول تاريخ الإسلام ويتعاملون مع القضايا وكأن الله غائب ،وكأنه ارتفع عن هذا العالم وانقطع بانقطاع الوحي الاتصال به ولذا تراهم لا يلحظون قضية (التفهيم الإلهي) عندما يتحدثون عن مؤهلات الاجتهاد وشروط المجتهد، بأن يقولوا مثلاً (وأن يكون مظنة التوفيق الإلهي في فهم الحكم) أو نحو هذا.

هو تعالى يذكر أن قضية بسيطة قضية غنم رعت قليل زرع، داود وسليمان داود نبي وسليمان ابنه قبل أن يكون نبي لكن المصطفين الأخيار ليسوا ممن يجول في أذهانهم أو يتراددوا الكلام كيف يحكمون فيها على النحو الذي يقوم به المجتهد. الله قال }وكنا لحكمهم شاهدين{ بالطبع بعد أن ترفع القضية إلى داود وسليمان بالطبع أن الذي يجول في خاطره هو ما هو الحكم فيها؟. حتى وإن كان في قرارة نفسه مُربىّ على أن ينتظر الوحي هذا بالطبع يجول في نفسه يتساءل كيف يكون الحكم فيها؟. هو نبي عن طريق الوحي يوحى إليه ،وابنه سليمان من ورثة الكتاب هو ممن اصطُفي ليكون من ورثة الكتاب }ففهمناها سليمان{ ألم يقل الله: أنه تدخل هنا لأنه شاهد؟. تدخل في الحكم في قضية زرع رعته أغنام لشخص أخر على شخص آخرين ؟. فَهَّم الحكم في هذه القضية سليمان ،هو يوحي إلى داود وهو أيضاً ُيفهم سليمان فهو يوحي إلى أنبيائه وهو ُيفهم أعلام دينه.

وهذا هو ما قاله الإمام الناصر الأطروش فيما حكى عنه شارح الأساس أنه يقول : أن الاجتهاد في القضايا هو من اختصاص أئمة أهل البيت عليهم السلام. ولكن وفق الثقافة التي قُدمت في مجال معرفة الله قُدم غائباً ،وارتفع عن هذا العالم ،فعلى الإنسان أن يبحث حتى عن الله ، كل واحد ينظر ويبحث ..الخ.

هل يمكن في قضية زرع بسيطة أن يقول الله بأنه كان شاهداً }وكنا لحكمهم شاهدين{ هو لا يغيب ،وأن يتدخل فيها ففهمها سليمان وهناك أبوه داود نبي ،ولم يَترك المسألة للاجتهاد من قِبل هذا أو هذا ،على الرغم من أنهم كما قال }وكلاً آتينا حكماً وعلماً{أليس هذا بلغوا درجة الإجتهاد وزيادة }وكلاً آتينا حكماً وعلماً {لكن هو من يتدخل،ثم يهمل هذه الأمة وهي ستواجه قضايا كبرى ومستجدات كثيرة جداً وأحداثاً رهيبة وأحداثاً كبيرة يتركها وهي آخر الأمم ،ويبعث إليها نبياً واحداً ثم يقول هذا خاتم الأنبياء ،وكتاباً واحداً ثم يقول هذا آخر الكتب ، ثم يقفل الملف وينطلق الناس كل واحد يبحث عن إلهه وعن ما يتعبد به .. يهمل الأمة وهو لم يهمل واحد فلسطيني، رعت زرعه أغنام آخرين فتدخل هو في القضية ،وقال أنه هو شاهد على حكمهم ،وأنه فهم سليمان كيف يكون الحكم ،لأنه تعالى شاهد، وهي قضية فرعية ،والتي يمكن أن يقال فيها :يا أخي مسموح أو يقل: فيها أحد الناس أعطه قليلاً من حب بدل الحب الذي كان سيحصل منها ،أو بعبارات من هذه.

هو سبحانه شاهد ،}أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد{ الله في القرآن الكريم يؤكد لنا بأنه شاهد على كل شيء وحاضر على كل شيء ،ولو أنه ترسخ في ذهنيتنا ما رسخه القرآن الكريم لتفادينا كثيراً من الإشكالات وكثيراً من هذا الانحطاط الذي وصلنا فيه ؛ لأنه بسبب أننا لم نثق بالله ؛لأن الله لم يعد له حضور في نفوسنا ،لم يترسخ في أنفسنا شهادته وحضوره ،وهو يقول في آيات كثيرة،يرسخ أنه على كل شيء شهيد }أولم يكف بربك أنه على كل شيء شهيد{.

وهو سبحانه وتعالى {الباطن} فيما يتعلق بذاته فلا تدركه الحواس، ولا يمكن أن تقف الأذهان منه على كيفية ،ولا يمكن أن يُرى ، ولا يمكن أن يُحس ،ولا يُجَس ، ولا يُمس {وهو بكل شيء عليم}، هو باطن لكن لا يعني ذلك بأنه غائب عن الأشياء ، بل هو كما قال تعالى بعدها {وهو بكل شيء عليم}هو إذاً باطن فيما يتعلق بذاته سبحانه وتعالى لا يمكن أن نتخيل له كيفية ، ولا أن نقول بأن بإمكاننا أن نراه أبداً بأبصارنا }لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير{{وهو بكل شيء عليم}.

{هو الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش} خلق السماوات والأرض ،هذا العالم الكبير المترامي الأطراف داخل هذا العالم كما يقولون في هذا العصر وهم يقدرون المسافات فيما بين الكواكب بملايين الأميال ،والمسافاتُ ما بين الكواكب داخل هذا العالم الواسع.

{في ستة أيام} فيما يقدر بستة أيام من أيامنا وإلا فليس هناك زمن، الزمن بالنسبة لنا في الأرض هو حركة الأرض التي يتألف معها الليل والنهار ، حركة الليل والنهار ، وحركة الأرض هذا هو الزمن ، فهو قادر على كل شيء ،من خلق السموات والأرض في ستة أيام هو قادر على كل شيء أفلا يكون قادراً على أن ينجز لأوليائه ما وعدهم به في الدنيا ، لكن من الذي يثق؟. من يثق من يعيش حضور الله في ذهنيته وشهادته على كل شيء ،من يكرر تدبره في القرآن الكريم وتأمله في القرآن الكريم ، ويلغي عبارات الآخرين القاصرة في مجال معرفته ،اللهم إلا من كان أسلوبه يدور حول أسلوب القرآن الكريم مثل أئمة أهل البيت القدامى الذين لم يتأثروا بالمعتزلة ولا بغيرهم ،كالإمام الهادي والإمام القاسم بن إبراهيم ، وفي ما نجد في نهج البلاغة من فقرات جميلة جداً في الحديث في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى هؤلاء هم من يدورون حول القرآن.

{ثم استوى على العرش} الآيات من أولها هي تتحدث عن ماذا؟. عن عظمة الله سبحانه وتعالى ،عن مظاهر قدرته العجيبة ، هو خلق السماوات والأرض تحدث عن خلقها عن تكوينها ، أليست هذه آية عظيمة على قدرته؟. على حكمته؟. وأنه وحده الذي له ملك السماوات والأرض؟.

{ثم استوى على العرش} نأتي إلى الحديث عن كلمة (استوى على العرش) بالمعنى الذي يقول الآخرون ، أي هناك عرش واستوى عليه استواءً يليق بجلاله، انظر كيف ستهبط الآية إلى أحط مستوى؟. ما قيمة أن يقول الله لنا سبحانه وتعالى بأن هناك عرش هو يستوي عليه؟. ما قيمته بالنسبة لنا في مقام الدلالة على قدرته سبحانه وتعالى على تدبيره ،على حكمته ،على عظمته وجلاله !،هل يمكن لأي شخص منا أن يتحدث بأن له سرير نوم يرقد عليه في بيته ما قيمة هذا؟. أن أقول: فلان عظيم وهو من أولياء الله وهو كذا وهو كذا ومعه أيضاً سرير في غرفته ينام عليه. هل لهذا قيمة ؟. أو له كرسي في صالته يستوي عليه. القرآن الكريم كل مفردة داخله لها أهميتها }كتاب أحكمت آياته{ يتحدث عن خلق السماوات والأرض ويقول ولـه أيضاً عرش يجلس عليه. ما قيمة هذا في مجال حكمته؟. في مجال قدرته؟. بل قد تستوحي منها على هذا النحو :بأنه ثم تعب ورجع يستريح قليلاً على كرسيه كما نقول نحن : عملتُ إلى بعد العصر وعدت إلى البيت لأستريح فألقيت نفسي على الكرسي . أليس الإنسان يقول هذا؟. حينئذٍ يكون كلامك عن الكرسي في مكانه لكن في الدلالة على ماذا؟. على التعب ،أنك قد تعبت.

{ثم استوى على العرش} عندما يقولون: هناك عرش يعني سرير أو كرسي الله استوى عليه. ولكن قالوا: كيف استوى عليه هل جلس كذا أو كذا؟. استواء يليق به ، لكن ما الذي قد ثبت في الصورة؟. هو أن هناك عرش والله جاء فوقه لكن ما عرفنا كيف يكون استواءه فوقه؟.. أليس هذا الذي يحصل في الذهنية؟. هناك عرش وهناك جلس فوقه -على حد عبارة من يقولوا استواء يليق به - كلمة استوى على العرش تبين لك أن الله من حيث المبدأ خلق السماوات والأرض كوّنها لكن السماوات والأرض شؤونها واسعة ،مملكة عظيمة ،مملكة واسعة، شئونها كثيرة جداً }كل يوم هو في شأن{. }يدبر الأمر من السماء إلى الأرض ثم يعرج إليه في يوم كان مقداره ألف سنة{ شئون مملكته في اليوم الواحد ينجز فيها ما لا ينجز إلا في ألف سنة مما نعد ، فهذا الكون الذي خلقه لم يخلقه ثم يرمي به هناك ، خلقه ثم اتجه إلى تدبيره ،اتجه إلى تدبير شئونه تدبير شئون هذا العالم الفسيح، وهذا هو ما يعبر عنه (بالعرش) الذي يعني السلطان والمملكة ،الاستواء على العرش معناه: ثم اتجه نحو تدبير شئونه هو خلقه ثم دبره ،وجاء صريحاً هذا في أول سورة يونس -ومعظم ما تأتي عبارة استوى على العرش تأتي في مقام عرض مظاهر قدرته سبحانه وتعالى- في أول سورة يونس يقول تعالى : }إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش يدبر الأمر{.

وهم يقولون: استواء يليق به ،وفي الأثر :استواء يليق ،وأينما وُجدت كلمة (استوى على العرش) يقولون: استواء يليق به ،فهم مغلوط للقرآن ،بل حط لعظمة القرآن وحكمته. أي أنه خلق وعندما خلق هذا الكون الفسيح ذو الشئون الكثيرة لم يتخلّ عنه، هو وليه،هو ملكه ، هو من يدبر أمره ، هو حكيم لا يخلق شيئاً هناك ثم يرم به ولا دخل له في شئونه.

اتجه إلى تدبير شئونه وهذا ما يعني في اللغة العربية العرب يعبرون عن المُلك والسلطان ولاية الأمر بالعرش ،عرش المملكة ، هو أساساً مأخوذ في لغة العرب وفيما ما هو معروف من الأشياء عند الملوك هو أن يكون للملك عرش يجلس عليه لا يجلس عليه إلا الملك ،حتى ولي العهد يكون له مقام آخر ، هذا العرش الذي هو أصله كرسي مزخرف كبير يظفي على الملك هبية أيضاً. عرش تكرر في الذهنية استخدام (عرش .. عرش..) ثم أصبح في الذهنية يعني المملكة والملك، والقرآن الكريم هو قرآن عربي بلسان العرب وبأساليب العرب يتحدث ،فقال: هو خلق هذا العالم السماوات والأرض ثم اتجه نحو تدبير شئونها لأنه ملكها ، عبر عن المسألة بالعبارة المعروفة لدى العرب (الاستواء على العرش).

أذكر أنه في الأردن قبل فترة طبع دينار أردني مكتوب فيه: (بمناسبة مرور خمسة وعشرين عام من الاستواء على العرش). أو بعبارة تشبه هذه في الدينار الأردني طبعوها.

معروف إلى الآن ونحن نقول أن المسئول همه الكرسي، ماذا تعني عبارة (كرسي)؟. المنصب المقام ، الرتبة التي هو فيها، لا تزال الكلمة معروفة لدينا إلى الآن تستعمل ،التعبير عن الملك عن المنصب عن المقام بما هو عادة يكون متوفراً لدى الملوك ولدى المسئولين ، فنقول الرئيس ما همه إلا الكرسي رئيس الوزراء همه الكرسي ، وزير الخارجية همه الكرسي، ألسنا نقول هكذا؟.

الذي يسمعك تقول ما همه إلا الكرسي هل ممكن أن يقول لك يا أخي نحن سنبحث له عن كرسي ونوصله إلى بيته من غير أن يزعجنا، هل أحد سيقول كذا؟. لا أحد يقول لك هذا ،هو فاهم أنه يعني همه المنصب همه الملك ،همه الزعامة.

تأمل أن قولـه تعالى في سورة يونس }إن ربكم الله الذي خلق السماوات والأرض في ستة أيام ثم استوى على العرش{ مثل هذه الآية التي مرت من سورة الحديد ، وأن قولـه في سورة يونس } ثم استوى على العرش يدبر الأمر ما من شفيع إلا من بعد إذنه ذلكم الله ربكم فاعبدوه أفلا تذكرون{ شبيه في معناه بقوله هنا في سورة الحديد{يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها} أليس هذا هو تصرف الملك؟. هذا معنى (يدبر الأمر).

{وهو معكم أينما كنتم والله بما تعملون بصير} هو معنا.

عندما يحاول المتكلمون دائماً أن يعملوا التعريفات لكل شيء فلا يدعوا الموضوع للمعرفة الفطرية الجُمْلِيَّة تحدث إشكالات أقل ما يحدث فيها هو تضييق المفهوم الذي فيما لو تركت المفردة تتجه نحو الوجدان سيكون بالشكل الذي أيضاً لا يكون فيه ما يتنافى مع توحيد الله سبحانه وتعالى ما لا يكون فيه ما هو تشبيه لله. {وهو معكم أينما كنتم} لا يغيب عنكم ،رقيب عليكم ،عليم بكم ،يحصي عليكم كل شيء ،قادر على أن يرعاكم ،يعلم كل الحالات والظروف التي تمرون بها ،و عليم بذات الصدور ، {والله بما تعملون بصير} لا يخفى عليه شيء من أعمالكم ، هو يعلمها ويعلم ملابساتها ، ويعلم دوافعها ،ويعلم غاياتها.

{له ملك السموات والأرض وإلى الله ترجع الأمور} هذه الآيات هي تختلف عن الآيات التي يعدد فيها النعم ،أليس كذلك؟. في نفس الأسلوب يتحدث عن ذاته سبحانه وتعالى باعتباره هو ذو الكمال المطلق ،وهو الملك لهذا العالم ،وهو رب العالمين ،وهو ملكهم.

{له ملك السماوات والأرض} له وحده ملكها ،أليس هذا هو الدليل الكافي على أنه لا يجوز لأحد أن ينطلق نحو التحكم في شئون عباد الله دون أن يكون له شرعية من عند الله؟. إذا كانوا يقولون: يجوز هذا، إذاً فيجوز لأي شخص أن ينطلق إلى مركز المحافظة فيتحكم فيها ،إلى مركز المديرية فيأخذ المبني ويتحكم فيه دون إذن من رئيس ، ودون إذن من ملك ،ودون إذن من رئيس وزراء ولا غيره، هل هذا مقبول في عالمنا؟. ليس مقبولاً. لماذا نقبله بالنسبة لله سبحانه وتعالى؟ نحن في أعمالنا نشهد على أنفسنا بأننا نجوِّز على الله سبحانه وتعالى ،وفيما يتعلق بشأنه ،وفيما هو من اختصاصه ما لا نجوزه ولا نسوغه في ما يتعلق بعالمنا ، وفي أنفسنا ،هو له ملك السماوات والأرض ما معنى ملكها؟ من فيها هو الذي له الحق في أن يلي أمرهم ،أن يدبر شأنهم أن يشرع لهم ،أن يرسم هدايتهم ، أن يوجههم.

هو عندما يقول بأن له ملك السماوات والأرض ليس ملك كأي ملك من الملوك الآخرين هو ملك رحمن رحيم رؤوف رحيم، يعرض القرآن الكريم في آيات أخرى كيف تدبير الله لشئون خلقه ،ما هو الأساس الذي يقوم عليه تشريعه لعباده ورعايته لشئونهم ،وهدايته لهم، من منطلق رحمته بهم ،هو رحمن رحيم. له ملك السماوات والأرض ،إذاً فلا شرعية لأي شخص يتحكم على رقاب الناس ،أوَليس الناسُ هم ممن داخل السماوات والأرض؟. أو أنهم هم العنصر الأساسي داخل السماوات والأرض ، هم من استخلفوا على هذه الأرض فسخرت لهم السماوات والأرض ، وما فيها حتى كثير من الملائكة أعمالهم مرتبطة فيما يتعلق بالناس فيما يتعلق بالأرض }ويستغفرون لمن في الأرض{ كثير من شئون الأرض مرتبطة بهم ، تأتي من جهتهم ممن اصطفاه الله من داخلهم يقوم بإبلاغ وحيه بإنزال كتبه ،ومع عباده حفظة ،ومع عباده كُتَّاب ، الكل حول الإنسان.

ثم إذا انتزعنا ملك الله من هذا الإنسان وقلنا لا حاجة إلى أخذ شرعية من جهة الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بالحكم لهذا الإنسان ،والهيمنة عليه والتحكم في شئونه ،فماذا بقي لله؟. تركنا لله الأشياء الباقية!. تركنا له الأشياء الباقية!. ثم نأتي إلى المخلوق الرئيسي الذي هو خليفة لله في هذه الأرض وسخر له الأرض والسماوات وما فيهما فننتزع سلطان الله منه ،ونأتي نحن ولا نربط أنفسنا بالله بل نأتي لنقول السلطة ملك للشعب يمنحها من يشاء ، هكذا في دساتيرنا العربية عبارات كهذه بالتصريح أو ما يُفهم معناها وهو الذي يقول }قل اللهم مالك الملك تؤتِ الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء{ لا.. السلطة ملك للشعب هكذا نقول ، هذه العبارة ليست سهلة ،هذه عبارة خطيرة جداً على الأمة ،أن تدين بها دولة ،وأن يدين بها شعب عبارة خطيرة.

{له ملك السموات والأرض} إذن فهو هو من له الحق أن يدبر شأنهم ولا شرعية لمن لا يعتبر في حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى الله الذي هو ملك السماوات والأرض.

ولا يجوز أن ندين بشرعية أي شخص تحت أي مسمى كان حتى ولو كان تحت اسم (إمام) لا يكون حكمه امتداداً لشرعية الله سبحانه وتعالى.

{وإلى الله ترجع الأمور} هو ملكها ، ما أكثر الملوك في هذه الدنيا والرؤساء ،لكن أليست الأمور تخرج عن أيديهم في كثير من أحوالهم ، وفي كثير من أحوال شعوبهم؟. تخرج الأمور عن أيديهم ، ملك القاصر ،ملك الناقصين ، ملك من لا يعلم سر السماوات والأرض ، ملك من لا يعلم بعضهم بكثير مما يخص شعبه ،فكثير من الأمور تجري على خلاف ما يريدون ،والزعماء العرب الآن هل الأمور تمشي على ما يريدون؟، هكذا تمشي الأمور ويتغير الزمن من حيث لا يشعرون ،فهو لا يدري إلا وقد أصبح ينادي بالديمقراطية ، وهو من كان لا يريدها ،وأصبح ينادي مثلاً بضرورة أن يكون هناك مجلس شورى وهو ممن كان لا يريد أن يكون هناك أي شخص آخر يحتاج إلى أن يشاوره في الأمور ،تُفرض الأمور من هنا إلى هنا ،أما الله سبحانه وتعالى فهو وحده الذي إليه ترجع الأمور ،وهو الذي يستطيع أن يخلق ويهيئ المتغيرات. وفي الدنيا-عندما تتأمل- أحداثٌ تحصل ،متغيرات عجيبة ،تحولات بنسبة مائة في المائة في بعض الأمور ،الله هو سبحانه وتعالى من هو غالب على أمره ،من هو قادر على كل شيء.

فكل عبارة من هذه تأتي في القرآن الكريم مثل {وإلى الله ترجع الأمور} {إليه يرجع الأمر كله} هو يقول لعباده يقول للمؤمنين :ثقوا بي، انطلقوا في عبادتي ،انطلقوا في نصري ، وفي العمل لإعلاء كلمتي ،وأنا من إليّ ترجع الأمور فلا أدع المجال يقفل أمامكم ،هو من سيهيئ ، من سيخلق المتغيرات ،من سيهيئ الظروف. {وإلى الله ترجع الأمور} حتى وإن كان الناس هنا في الدنيا يتصرفون بعيدين عن الله سبحانه وتعالى ،فهذا يتزعم على هذا الشعب ،وهذا يتملك على ذلك الشعب ، وهذا يقفز على هذا الشعب وهكذا هم ما زالوا في داخل محيط قدرته سبحانه وتعالى }وهو القاهر فوق عباده{.

بل كثير من الأمور تفرض عليهم بتهيئة من الله ، من حيث لا يشعرون.

ولو تأملنا لوجدنا أنه حتى أعداء الإسلام أنفسهم الذين يحاولون أن يقفلوا كل شيء بالنسبة للمسلمين ينطلقون في مجال ولا يدرون بأنهم يهيئون أجواء عظيمة جداً للمؤمنين من خلال ما يتحركون فيه ؛لأن الله غالبٌ على أمره .. جاءوا بالديمقراطية لتكون بديلاً عن نُظُم الإسلام ، وعن نظام الإسلام ، ولنكون نحن المسلمين من يمسح من ذهنيتنا أن هناك في الإسلام نظام ، هناك ولاية أمر ،هناك دولة فيأتوا بالديمقراطية ، الديمقراطية نفسها ما الذي حصل يُفرض داخلها حرية رأي ،حرية التعبير، حرية الكلمة ، حرية التحزب ، حرية التجمع ، حرية القول ،أليس هذا هو ما يحصل؟. فكم أعطوا الناس من متنفس عظيم ، من أين جاء هذا؟. هل نقول أنهم جاءوا بالديمقراطية رحمةً بنا؟. من أجل أن لا يكون هناك كَبْت ولا قهر؟.. لا. لهم أهداف أخرى وغايات أخرى ،لكن الله يهيئ حتى من خلال ما يفرضونه هم ، وهم يتجهون نحو طمس معالم الإسلام حتى يغيب عن الذهنيه اتصاله بأي شأن من شؤون الحياة بما فيها شأن ولاية الأمر ،فلا يدرون بأنهم يمنحوا من حيث يشعروا أو لا يشعروا أن الله يهيئ من خلال ما أرادوا أن يفرضوه أن يكون هناك متنفس لأوليائه ، وما أكثر -لو تأمل الإنسان- ما أكثر الإنفراجات التي تأتي ،ما أكثر الإنفراجات التي تحصل ،لكن من لا يهيئ نفسه لأي عمل في سبيل الله تمر الأشياء ولا قيمة لها عنده ،ولا يبالي.

{يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل وهو عليم بذات الصدور} هو من يدبر كل شيء ،الليل والنهار هو الذي يدبره فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ، يتعاقبان ويتداخلان فينقص هذا حيناً ويطول هذا حيناً آخر ، في حركةٍ مستمرة منظمة ومدبرة بأمر الله سبحانه وتعالى ، هذا مظهر من مظاهر ملكه أن له ملك السموات والأرض هو خلقها ثم تحدث عن استواءه على العرش ليدبر شئونها ، ثم ها هو يتحث كيف يدبر شئونها ،وكيف علاقته بها كملك للسماوات والأرض وما بينهن وما فيهن.

{وهو عليم بذات الصدور} هذا الليل الذي يُجِنُّ هذا العالم أو قطعة من هذه الأرض بظلامه فيبدوا أمام الأنظار وكأنه أصبح يمكن أن يخفي أشياء كثيرة عن الله ،يقول الله }إنه عليم بذات الصدور{ تلك الصدور التي هي ظلمة في داخلها ،تجويف الصدر في داخله مظلم ،وداخله ماذا؟. داخله هواجس من النفس أشياء داخل النفس، الله يعلم بذات الصدور نفسها ،فلا يمكن لليل أن يخفي شيئاً من ما يحصل من عباده ،ولا أن يخفي أي شيء من أشياء هذا العالم عنه.

من هذه الآية قوله تعالى:{يولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل} ما نفهم منه بأن النهار والليل موجودان مع بعض ،ويحصل بينهما تداخل ،فنشهد بأن الحركة حركة مستمرة الليل والنهار وبشكل دائري ،كما اكتشف أخيراً وأصبحت الأشياء واضحة فعلاً ، قد تتصل بشخص إلى منطقة أخرى في العالم فيكون الوقت عندك نهاراً وعنده ليل أو العكس ،اتصل بأمريكا تجد الوقت هناك ما يزال نهاراً وأنت في الليل ،فأولئك الذين كانوا يقولون أن الأرض لها تكوير معين وأنها فوق قرن ثور وأشياء من هذه هي خرافات ،بينما في القرآن ما يرشد فعلاً أو ما يشير إلى أن الأرض بهذا الشكل الذي اكتشفت أخيراً وصورت من بُعْد ،أنها كروية الشكل أوبيضاوية الشكل ،وأنها تتحرك بصورة مستمرة ،ولها حركة حول نفسها ،وحركة حول الشمس .والليلُ والنهارُ في هذا العالم متعاقب على هذا النحو.

{آمنوا بالله ورسوله} بعدما تحدث أو بعدما قررت الآيات الأولى في ما يتعلق بكمال الله سبحانه وتعالى ثم خلقه للسماوات والأرض ثم ملكه للسموات والأرض ، وما فيهما .. إذاً آمنوا به من هو ذلك الذي يمكن أن يكون له هذا الكمال ،أن يكون له هذا الملك فتروا أنفسكم ملزمين بأن تؤمنوا به ،أو تروا أن عليكم حقاً أن تؤمنوا به من هو هذا غير الله سبحانه وتعالى؟.

ثم من هو الذي يمكن أن تخافوه من ملوك الأرض من رؤساء الأرض ،وهم من هم .. من هم بالنسبة لملك الله سبحانه وتعالى؟. من هم بالنسبة لكمال الله سبحانه وتعالى؟.

من هو منهم يستطيع أن يغالب الله سبحانه وتعالى؟. من هو منهم يستطيع أن يخرج عن دائرة قدرته وجبروته وقهره لعباده؟. فكيف تخافونهم أكثر مما تخافوا الله؟.

كل حديث أو كل آية من هذه الآيات كلها تتجه نحو نفسية الإنسان لتعزز داخلها الإيمان والثقة المطلقة بالله سبحانه وتعالى.

{آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه ،فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير} لاحظ ، تحدثت بداية الآيات عن تدبيره لشئون مخلوقاته فيما يتعلق بحركة الكون {يعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها وما ينزل من السماء وما يعرج فيها}،الليل والنهار في حركتهما المتعاقبة ، هو نفسه الذي يحرك الليل والنهار فيولج الليل في النهار ويولج النهار في الليل ..أليس هذا جانب من شئون مخلوقاته؟. ثم يتجه إلى الجانب الآخر وهو الجانب التشريعي جانب الهداية بالنسبة للإنسان ليقول لنا بأنه من اختصاصه هو ،هذا كله هو من اختصاصه هو سبحانه وتعالى ،لأنه هو الملك فهو من له الحق أن يشرع لعباده ،من له الحق أن يأمرهم حتى فيما يتعلق بأغلى الأشياء لديهم وهو المال {وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} هو من له الحق أن يصطفي من عباده رسولاً لعباده فيبلغ شريعته وهديه إليهم {آمنوا بالله ورسوله وأنفقوا مما جعلكم مستخلفين فيه} بعد أن قرر لكم بأنه هو الذي خلق السماوات والأرض وأن له ملك السماوات والأرض ،إذاً فما أنتم إلا عبارة عن مستخلفين فيما بين أيديكم من أموال هو المالك الحقيقي هو الخالق لها وهو المالك الحقيقي لها.

من يحاولوا أن يفصلوا سلطان الله عن عباده فيما يتعلق بالتشريع والهداية وتدبير شئونهم وولاية أمرهم يسيئون إساءة كبيرة إلى الله سبحانه وتعالى ،فكأنهم إنما يعتبرون الله -وسبحان الله أن يقول الإنسان عبارة كهذه مهما كانت لكن الحاجة إليها- أصبح الله شغالاً لديهم ،يولج الليل في النهار ،ينزل مطر ،وشغال لديهم ،وهم الذين يتحكمون في شئون عباده كما يشاءون ، فهم الملوك وهو عامل لديهم سبحانه وتعالى ،هذه إساءة عظيمة إساءة بالغة إلى الله.

فِعلاً كما يقول بعض العلماء :أن هذا شرك، فكيف لا يكون شركاً وهو يقول للمؤمنين في ما يتعلق بالميتة عندما كان يجادلهم الكفار حول الميتة كانوا يأكلون الميتة فجاء الإسلام يقول: لا يجوز أكل الميتة ،فكانوا يجادلونهم ويقولون :كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله. }وإن الشياطين ليوحون إلى أولياءهم ليجادلوكم وإن أطعتموهم إنكم لمشركون{ أن تطيعوهم في شئون مخلوقٍ واحد من مخلوقاته إنكم إذاً لمشركون ،لأنكم قبلتم حينئذٍ ما قرروه هم فيما يتعلق بالميتة من أنه لا مانع من أكلها بناءً على أنه (كيف نأكل ما قتلنا ولا نأكل ما قتل الله) ،أليسوا بقولهم هذا قد قرروا حكماً فيها؟. لكن لا. من هو الذي له الحق أن يقرر في شئون عباده ويحكم فيهم بما يريد؟ من هو؟. الله سبحانه وتعالى إذا أطعتموهم في شأن ميتة ،نعجة ميتة أو أي حيوان من الأنعام تطيعوهم فتقبلوا حكمهم ،ولا تقبلوا حكم الله تكونوا أنتم إذاً مشركون ،جعلتم ما هو من اختصاص الله وما هو حق لله جعلتموه للآخرين فأصبحتم مشركين به ،مشركين به في ملكه ،جعلتم هؤلاء هم الملوك فهم الذين يقرروا ما يرون في شأن هذه الميتة والحق فيها إلى الله.

هذا مثال واحد في شأن ميتة فشأن أمة تقرر أنت وتقبل أنت بأن لطرفٍ آخر الحق أن يقرر ما يريد ،وتفرض على نفسك أن تطيعه وتؤمن بما قرره في شئون أمة ،أليس هذا أعظم من شأن ميتة؟. فإذا كان المشركين أولئك السابقون الذين نقول عنهم صحابة و صحابه سيكونون مشركين فيماإذا قبلوا قرار الكافرين في حكم هو من صفات الله سبحانه وتعالى ، فما أسوء الإنسان أن يكون في واقعه ممن يقدم إلهه عبارة عن عامل لدى الآخرين ، ويكون الملوك هم الآخرون الذين لا نفترض أن يكون لملكهم شرعية من قبل الله سبحانه وتعالى ،بل هم لا يفرضون أن لأنفسهم شرعية من قبل الله سبحانه وتعالى ،وإنما شرعية نظامية وفق قانون الديمقراطية ،أو وفق قانون الوراثة في التعاقب على السلطة في البلد هذا أو ذاك ،فيصبح هو من له الحق أن يحكم ، وتصبح أنت من عليك الحق أن تسمع وتطيع ،الخطورة عليهم أشد ،والإساءة من جانبهم أكبر عندما يحكموا رقاب الناس ويتحكمون في شئونهم دون أن يستندوا على شرعية إلهية.

بل قُدِّمَ هذا المنطق بأنه منطق مرفوض، هو ما يسمى بالحكم (الثيوقراطي) ما يقابل (الديمقراطي)، هناك (الثيوقراطي) أي الحكم الإلهي ،الله لا دخل له في العالم ومن ينادون بأن يكون الله هو من يحكم عباده ،وأن لا نقبل إلا من له شرعية من الله أن يحكم في أرضه ،قالوا ربط الحكم بالله ربط السلطة بالله ،هذا هو نظام (ثيوقراطي) هو نظام مرفوض ،بديلاً عنه، النظام الديمقراطي الذي يجعل السلطة ملكاً للشعب ،هذا هو النظام التقدمي والنظام الأفضل ،هكذا يقولون.

مع أن نظام الديمقراطيه أو هذه العناوين هي من قبل الإسلام بفترة طويلة عند اليونانيين ، وعند الاغريق ، عند فلاسفتهم هم من تفلسفوا وحللوا ما يتعلق بالأنظمة فقدموا عناوين وقسموها إلى تقسيمات معينة ،لكن الإسلام أصبح تخلفاً والديمقراطية هي ماذا؟ هي تُقدم ،وهي من عمرها قد يكون ربما نحو ألفين سنة أو أكثر من أيام الاغريق ، ثم يأتي الإسلام دين العالمين ورسوله رحمة للعالمين ثم لا يكون لديه أي نظام يكون امتداداً لسلطان الله في أرضه ،إذا كان تدبيره في ما يتعلق بالإنزال للهداية إلى خلقه لا بد أن يرتبط بشخص، }الله يصطفى من الملائكة رسلاً ومن الناس{ فولاية شأن عباده في هذا الجانب لا بد أيضاً أن تكون مرتبطة بأحد من عباده ،وهو هو من له الحق أن يصطفي ويختار ويعيِّن ويحدد هو سبحانه وتعالى.

فنحن عملنا نحن المسلمين عملنا ثورة على الله -إن صح التعبير- ونزعنا سلطاننا من يده ،وجئنا لنقول الأمر لنا والملك لنا والزعامة لنا ونحن من نتحكم فيها ونمنحها من نشاء ،بينما هو في هذه الآيات يتحدث معنا بأنه هو من -بعد أن قال {ثم استوى على العرش} فهويدبر شئون مخلوقاته سواء ما كان حركة هذه العالم بكله بما فيها حتى إمساك السماوات والأرض أن تزولا }إن الله يمسك السماوات والأرض أن تزولا ولئن زالتا إن أمسكهما من أحد من بعده{ ثم يقول لنا بعد مما يدل على أنه فيما يتعلق بالهداية والتدبير والتوجيه والأوامر والنواهي هو من يختص بها سبحانه وتعالى ،وهي أيضاً مظهر من مظاهر ملكه ،وحق من الحقوق له التي يجب أن نؤمن بها أنها حق يختص بالله سبحانه وتعالى لأنه الملك وهو الإله ،وهو الذي خلق، يقول {فالذين آمنوا منكم وأنفقوا لهم أجر كبير}.

هذا -كما أسلفت سابقاً- له علاقة بما يتعلق بمعرفة الله سبحانه وتعالى ،إذاً ليس معرفته - كما يقال- فقط (أن تعرفه إلهاً واحداً أحداً فرداً صمداً لم يتخذ صاحبة ولا ولداً) فتحفظ هذه الكلمات كعناوين ،أن تعرفه إلهاً ،هو إلهك هو ملكك ،ثم ماذا يعني أن أؤمن بأنه إلهي وإله العالمين ، بأنه الملك عليّ وملك العالمين ،بأنه ربي ورب العالمين، هو هذا :أن تكون مؤمناً بأنه هو وحده الذي له الحق أن يتصرف في شئون عباده كلها. أوليس القرآن الكريم هو كله يدور حول جانب الهداية لعباده؟. أنزله من عنده ،حتى لم يكتفِ أن يصطفي أحداً من رسله ثم يقول له انطلق أنت فشرع للناس كما ترى، بل هو الذي يتولى التشريع لهم }فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب{ هو الذي له الحق أن يشرع ،وهكذا كان رسول الله في كل قضية ينتظر كيف سيكون الحكم فيها من قِبَل الله سبحانه وتعالى ،وهو من قد اصطفاه الله وأكمله.

فالذي نريد من خلال معرفة الله هو أن نفهم معرفة واسعة، كلمة (ملك) أنه ملكنا ترددت في القرآن الكريم كثيراً ،ونحن نؤمن بها نؤمن بأنه ملك الناس في هذه الدنيا ،وأنه ملك يوم الدين، أليس كذلك؟. لكن نجهل ماذا يعني هذا ،وهو الذي نريد أن نفهمه؛ لأنك قد تدخل في الواقع في اعتقادات ،في رؤى ،في وجهة نظر هي متنافية مع ما تؤمن به من أن الله هو ملك الناس وأنه ملك العالمين في الدنيا والآخرة ملك الدنيا والآخرة ، فتكون في واقعك أسوء من أولئك الذين قال الله }وإن أطعتموهم إنكم لمشركون{.

وحينما نعرف أنه سبحانه وتعالى- معرفة واعية- سبحانه وتعالى هو ملكنا إذاً فلنثق به لأنه هو العليم بذات الصدور ،هو الذي يحرك هذا العالم بكله ،حركة الليل والنهار ، ويعلم كل ما يدور في هذا العالم ، فلماذا لا تثق به فتتولاه؟. ثم تنطلق بتوجيهاته من منطلق الثقة به ، هذا ما نحاول من خلال كل درس.

وأسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لحسن معرفته والثقة به إنه على كل شيء قدير.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 5:20 pm، تم التعديل مرتين في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

سلسلة معرفة الله (7-15)

دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله

الدرس السابع

ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ:
25/1/2002م
اليمن ـ صعدة

بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين.
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى أهل بيته الطيبين الطاهرين.
في مجال معرفة الله سبحانه وتعالى، وفي سبيل ترسيخ مفاهيم معرفته سبحانه وتعالى في أنفسنا لتعزيز الثقة به سبحانه وتعالى هناك وسيلة هي من أهم الوسائل ،تلك الوسيلة هي: التمجيد والتعظيم لله سبحانه وتعالى من خلال عرض الثناء عليه بكماله ،كماله المطلق، والقرآن الكريم قد اشتمل على كثير من الآيات الكريمة التي كانت على هذا الأسلوب، قال تعالى: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} (الحشر:22) {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:23) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:24)
{اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلا نَوْمٌ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ وَسِعَ كُرْسِيُّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَلا يَؤُودُهُ حِفْظُهُمَا وَهُوَ الْعَلِيُّ الْعَظِيمُ) (البقرة:255) {هُوَ الْحَيُّ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} (غافر:65) {وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:1 {وَهُوَ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (القصص:70) { وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَيَوْمَ يَقُولُ كُنْ فَيَكُونُ قَوْلُهُ الْحَقُّ وَلَهُ الْمُلْكُ يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:73) { بَدِيعُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَنَّى يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ وَلَمْ تَكُنْ لَهُ صَاحِبَةٌ وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} { ذَلِكُمُ اللَّهُ رَبُّكُمْ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ فَاعْبُدُوهُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ وَكِيلٌ} {لا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (الأنعام:101 ـ103) وكثير من السور في القرآن الكريم تصَدَّرت بالثناء على الله مثل قوله تعالى {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَلَهُ الْحَمْدُ فِي الْآخِرَةِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ}{يَعْلَمُ مَا يَلِجُ فِي الْأَرْضِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهَا وَمَا يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ وَمَا يَعْرُجُ فِيهَا وَهُوَ الرَّحِيمُ الْغَفُورُ} (سـبأ:1ـ2) {عَالِمِ الْغَيْبِ لا يَعْزُبُ عَنْهُ مِثْقَالُ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الْأَرْضِ وَلا أَصْغَرُ مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْبَرُ إِلَّا فِي كِتَابٍ مُبِينٍ}(سـبأ: من الآية3)
وسور أخرى تصدَّرت بقوله تعالى {سَبَّحَ}أو{ يُسَبِّحُ} مثل ما في أول هذه السورة سورة التغابن {يُسَبِّحُ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (التغابن:1) {سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} (الحشر:1) وكقولـه تعالى {فَسُبْحَانَ الَّذِي بِيَدِهِ مَلَكُوتُ كُلِّ شَيْءٍ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ} (يّـس:83) وقوله تعالى{فَسُبْحَانَ اللَّهِ حِينَ تُمْسُونَ وَحِينَ تُصْبِحُونَ}،{وَلَهُ الْحَمْدُ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَعَشِيّاً وَحِينَ تُظْهِرُونَ}{يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَيُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَيُحْيِي الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا وَكَذَلِكَ تُخْرَجُونَ}(الروم:17ـ19) وما أكثر ما ورد في القرآن الكريم من أمثال هذه الآيات.
وليس فقط في القرآن الكريم بل ورد على هذا النحو أذكار كثيرة شرعها الله لعباده أن يرددوها في صلاتهم وفي غير صلاتهم مثل( سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ، والله أكبر). وهذه من أذكار الصلاة وكذلك (سبحان الله العظيم وبحمده) ، (سبحان الله الأعلى وبحمده ) ونحن في الصلاة ،ندخل في الصلاة بالتكبير لله (اللَّهُ أَكْبَرُ) وداخلها نكرر التكبير لله عند الركوع وعند السجود وعند القيام ،وعند القعود.
والتسبيحة: (سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ،والله أكبر) هي من الأذكار التي وردت أحاديث بفضلها.
كل هذا هو في الواقع خطاب ثناء على الله، يردده الإنسان بلسانه ليترك آثاراً في النفس.
إذا تأملنا في الآيات الأولى قول الله تعالى { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ } يتبادر إلى ذهنك كل ما عرضه في القرآن الكريم من أنه الملك ،وأنه الإله ،وأنه الرب ،وأنه المدبر لشئون السموات والأرض ،وأنه مالك لأمر عباده، هو الذي يحكم فيهم ،هو الذي يتولى هدايتهم، هو الذي يُشرِّع لهم ، { هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }.
كلمة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّه} التي نرددها ونرفعها في أذاننا كل يوم للصلاة ، كلمة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ} التي تتردد في القران كثيراً ، سواء بعبارة {لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}أو عبارة { لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} تكريرها جيلاً بعد جيل سراً وجهراً هي في حد ذاتها دليل على أنه فعلاً ليس هناك إله إلا الله.
من هو ذلك الإله الذي جاء يعترض علينا فيقول :لا ،بقي واحد ثاني. عندما نؤذن في الصلاة وبمكبرات الصوت (أشهد أن لا إله إلا الله) ونكرر ذلك ثم نقول في الأخير لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ) ونقرأ القرآن وهو مليء بـ{لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ}لو كان هناك إله آخر لظهر.
فنحن نرددها جيلاً بعد جيل مئات السنين ، يرددها المسلمون في كل بقاع الدنيا ، ولا أحد ظهر ليقول بأنه باقي واحد ثاني هو أنا.إذاً فحقيقة ليس هناك إله آخر.
إنما نحن الذين نصنع آلهة داخل أنفسنا ، نصنع آلهة من الأشخاص ممن هم عبيد كالأنعام وليسوا حتى مثل بقية الناس، نحن من نصنعهم آلهة، ونحن من نصنع داخل أنفسنا آلهة، في الوقت الذي نسمع قول الله تعالى يتكرر في آذاننا وعلى مسامعنا {فاعلم أنه لا إله إلا الله}. والمؤذن للصلاة يقول لنا: (لا إله إلا الله ). ونحن نقول في صلاتنا { سبحان الله، والحمد لله، ولا إله إلا الله ،والله أكبر }.
لماذا لا نفكر في كيف يجب أن نستفيد من تكرير { لا إله إلا الله } فنرسخ في داخل أنفسنا أن ما سوى الله لا يجب أن يخيفنا ، ولا ينبغي أن نخاف منه ، لا ينبغي أن نعتمد عليه ،ونطمئن إليه في مقابل الابتعاد عن إلهنا الذي لا إله إلا هو ،وهو الله سبحانه وتعالى.
في درس سابق ( ) حول قول الله تعالى لرسوله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) {فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ} (محمد:19) تحدثنا كثيراً عن كيف يجب أن نتعامل مع{لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}، وكيف يجب أن يكون ترديدنا لها، وكيف نستفيد منها ، وكيف هو الأثر الكبير ،الأثر المهم الذي تصنعه في النفوس ، التي تحاول أن ترسخ معانيها فيها ، كيف ستصبح قوة تقهر كل من يبرزون في هذا العالم كآلهة للناس ، ممن هم عبيد أذلاء ضعفاء أمام الله الواحد القهار، جبار السموات والأرض ، وكيف يجب أن تكون ثقتنا بالله ثقة مطلقة ، فما الذي يمكن أن نخاف منه سوى الله؟. من الذي يملك ما يملكه الله؟. من هو الكامل ككمال الله؟. من هو الحي الذي لا يموت ـ سوى الله؟. من هو القاهر كقهر الله؟. من هو الجبار كجبروت الله؟. لا أحد. لا أحد.
حتى كل من يبرزون في هذه الأرض يتَعَاظَمُون أنفسهم ويقدمون أنفسهم كجبارين وطواغيت إنهم أذلاء ،إنهم ضعفاء،إنهم مساكين، مساكين أمام جبروت الله الواحد القهار، ما أضعفهم، وما أحقرهم، وما أذلهم، وما أذلنا نحن، وما أحقرنا، وما أضعفنا إذا أصبحنا نخاف منهم ولا نخاف من الله، ما أضعفنا وما أحقرنا وما أعمى بصائرنا إذا اطمئنينا إليهم، ولا نطمئن ولا نثق بالله سبحانه وتعالى.
سبحانه وتعالى هو الله وحده فبه ثِق ،وعليه توكل ،وإياه فاسأل ، وبه فاستعِن، وإليه فارغب، وإياه فارهب، وإياه فاعبد، وله فأخلص ،{ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ }. أليست هذه وحدها تكفي أن تتعامل مع الله على هذا النحو، وأن تنظر إليه هذه النظرة؟ ؛أنه لا إله إلا الله, ءَأْلَهُ إليه ،أتجه إليه ،أصْمُد إليه ، أقصده، أعبده
{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ} أليس في هذا ما يدفعني إلى أن أثق به ،وأطمئن إليه، وأتوكل عليه، وأشعر بعظمته ، وأرسخ في نفسي الشعور بعظمته؟. هو عالم الغيب والشهادة ، فهو من إذا اعتصمت به اعتصمت بمن لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، بمن لا يعزب عنه مثقال ذرة في السماوات ولا في الأرض ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، فمتى يمكن أن يَسْتَغْفِلني أعدائي إذا كان وليي هو من يعلم الغيب في السموات والأرض ،هو عالم الغيب والشهادة؟. وأين يمكن أن أكون فلا يراني؟ أو أدعوه فلا يسمعني؟{قَالَ لا تَخَافَا إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى}(طـه:46) {وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ}{الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ}{وَتَقَلُّبَكَ فِي السَّاجِدِينَ}{إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ) (الشعراء:217ـ 220)
{ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ} وكما قلنا في درس سابق أن مجموع اللفظتين تفيد المبالغة في أنه رحيم بعباده.
ولو تأملنا من خلال هدايته للناس ،من خلال تشريعه للناس، من خلال تدبيره لشئون عباده، لشئون مملكته لوجدنا ما يبهرنا من مظاهر رحمته بنا، لوجدنا ما يبهرنا من مظاهر حلمه عنا. رحمته الواسعة بنا ونحن ما نزال في بطون أمهاتنا ،وبهذا ذكَّرنا في القرآن الكريم.
رحمته بنا ونحن في أحضان أمهاتنا، يعطفن علينا بقلوب مليئة بالرأفة والشفقة على الرغم من أننا نكون في ظرف لا ننفع الأمهات فيه بشيء ، بل نؤذيهنّ. أليس الولد يؤذي أمه بأشياء كثيرة؟. يقلقها وقت نومها ، يقلقها أثناء عملها ، يوسخ ثيابها، وتخدمه بكل رغبة ، تخدمه بكل ارتياح ، يعجبها وترتاح حتى عندما تسمع صوته، وإن كان في منتصف الليل بعد أعمال شاقة طول النهار، يعجبها أن تسمع صوته ، وتضمه إلى صدرها وتَحْنُو عليه بقلبها وعطفها.
وهكذا تجد في مختلف الحيوانات الأخرى، حتى تلك الحيوانات الشرسة ،تلك الحيوانات ذات المنظر البشع. أنثى التمساح التي ليس له حِجْر تحتضن صغارها فيه، أين تضع صغارها؟. في فمها. ذلك الفم المليء بالأسنان الرهيبة ، فم طويل فيه مواشير من الأسنان فتحمل أولادها برفق وشفقة فوق أسنانها الرهيبة المفترسة، فيحس بالطمأنينة، ويحس بالارتياح فوق تلك الأسنان، التي لو رآها واحد منا عن بُعْد لولى هارباً من بشاعتها ،لا تحاول أن تطبق فمَها على صغارها، تطبق فمها بالشكل الذي فقط يمسك صغارها. الرحمة حتى داخل الفم المليء بالأسنان المفترسة البشعة الشكل الكثيرة العدد.
وهكذا تجد في بقية مخلوقات الله سبحانه وتعالى فيما يتعلق بمرحلة من مراحل المخلوقات هي مرحلة الولادة، ومرحلة الحضانة للصغار.
مظاهر رحمته تعالى بنا واسعة جداً حتى في تشريعه لنا ،يشرع لنا ما هو ضروري بالنسبة لحياتنا أن نسير عليه، حتى وإن لم يكن هناك من ورائه لا جنة ولا نار. المتأمل يرى بأنه فعلاً ضروري للحياة ،أليس الناس يشرعون لأنفسهم قوانين ودساتير؟ ،هل وراءها جنة أو نار من الدولة التي تشرعها؟. لا. مجرد تشريعات يقال: تمشون عليها لتستقر بها الحياة السياسية والاقتصادية ، ويحصل استقرار داخل هذا الشعب أو ذلك الشعب فيسعد الناس. هذا كل ما يقولونه من وراء ما يشرعون. ومع هذا ما أكثر الأخطاء التي تظهر في تلك التشريعات ؛لأنها ناقصة جاءت من قاصرين وناقصين شرعوها للناس، الناس الذين لا يمكن أن يعلم بما هو تشريع مناسب لهم إلا الله الذي خلقهم سبحانه وتعالى.
أمَّا الله سبحانه وتعالى فتجد كيف أنه فيما هدانا الله إليه وفيما شرّعه لنا مما هو ضروري بالنسبة لحياتنا لتستقيم عليه، ويسعد الناس في السير على نهجه ، يأتي ليعدنا على ذلك بالأجر العظيم والثواب الكبير ، برضاه وبالأمن يوم لقاه، وبالجنة التي عرضها السموات والأرض التي فيها ما تشتهيه الأنفس وتَلَذّ الأعين. أليس هذا من مظاهر رحمة الله؟.
لو أتى رئيس من الرؤساء وصاغ دستوراً معيناً ،أو قانوناً في مجال من المجالات وقال: من التزم به وسار عليه فسوف نعطيه قطعة أرض في محافظة (حضرموت) سعتها كذا وكذا بمضختها بالقائمين عليها ،لاتجه الناس لتطبيق ذلك القانون،ولآمنوا به ربما أعظم من إيمانهم بالقرآن من أجل أن يحصلوا على قطعة أرض، أو من أجل أن يحصل الواحد منهم على وظيفة معينة، وما قيمة الوظيفة ،وما قيمة قطعة الأرض في مقابل جنة عرضها السموات والأرض؟!. {مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ فِيهَا أَنْهَارٌ مِنْ مَاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِنْ لَبَنٍ لَمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِنْ عَسَلٍ مُصَفّىً وَلَهُمْ فِيهَا مِنْ كُلِّ الثَّمَرَاتِ وَمَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ كَمَنْ هُوَ خَالِدٌ فِي النَّارِ وَسُقُوا مَاءً حَمِيماً فَقَطَّعَ أَمْعَاءَهُمْ} (محمد:15) كل هذه الأنهار ،كل تلك الجنات المتدلية الثمار، كل تلك الجنات الواسعة المساحات، كل ذلك النعيم الدائم الذي لا ينقطع ،كله يعتبر زيادة منه سبحانه وتعالى ،رحمة لعباده ، وعدهم به فيما إذا ساروا على هديه، والتزموا بتشريعه، أن يمنحهم ذلك النعيم العظيم، هذه رحمة عظيمة.
ثم تجد أثناء دفعه للناس إلى أن يلتزموا بتشريعه ، ودفعه بالناس إلى أن يسيروا على صراطه المستقيم الذي يوصلهم إلى مستقر رحمته الجنة، يفتح لهم في الدنيا أبواباً كثيرة لمضاعفة الأجر : من أول وَهْلَه الحسنه بعشر حسنات.
أي الناس من أقاربك من أرحم الناس بك يمكن أن يبادلك على هذا النحو في تصرفاتك معه الحسنه بعشر حسنات؟. هل يمكن أن تتعامل معك أمُّك على هذا النحو في أمور تخصها فتقول لك: يا بني اذهب واعمل وحاول أن تكسب لي مائة ريال وأنا سأعطيك بدل المائة ألف ريال، هل هذا يحصل؟. أو أبوك هل يمكن أن يعمل هكذا؟. أو حتى أولادك هل يمكن أن يعملوا هكذا؟. أي الناس ممن هم رحماء بك يمكن أن يتعاملوا معك على هذا النحو؟ من حيث المبدأ مائه بألف ريال أو حسنه بعشر حسنات؟. لا أحد إلا الله سبحانه وتعالى .
من الذي فرض عليه هذا؟. هل أحد فرض عليه هذا من جهة عباده؟. لا.
هو الرحمن الرحيم ،هو الرؤوف الرحيم الذي يرشدنا، ويشجعنا بمضاعفة الأجر على أعمالنا، لنكون جديرين بما وعد به أولياءه، لتثقل موازيننا يوم القيامة. فجعل الحسنة بعشر حسنات والسيئة واحدة منك يكتبها واحدة ،وعندما تتوب تمحي كلها وتتبدل حسنات مكانها، أليست هذه رحمة؟.{يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ} (الفرقان: من الآية70) {إِنَّ الْحَسَنَاتِ يُذْهِبْنَ السَّيِّئَاتِ}(هود: من الآية114) يحتفظ لك برصيدك من الحسنات مهما أمكن، إلا أن تأتي أنت بحماقتك فتعمل ما يحبطها ،فتصبح أنت من جنيت على نفسك.
قد أعتذرُ إلى شخصٍ أسأت إليه ،ماذا يمكن أن يعمل لي بدل اعتذاري إليه؟. سيقول لي: ” جاهك على الرأس يا رجال ، وكانت زلّة وانتهت، ونحن اخوة من الآن فصاعدا ”. أليس هذا كل ما يمكن أن يعمله شخص يحترم وصولك إليه لتعتذر من زلة بدرت منك نحوه؟. أما الله فهو يتوب عليك بل هو أحياناً - ومع بعض عباده - يتوب عليهم أولاً ليتوبوا، {ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَـتُوبُوا}(التوبة: من الآية118) ومتى ما تاب أحدنا من زلة بدرت منه، أو سيئة هي في نفس الوقت ضر عليه وليست على الله. هل هناك ضر على الله فيما أعمل؟. فلأنني رفعت ضراً عن الله قدّر لي ذلك العمل فبادلني بحسنات بدل تلك الأزمة التي فككتها عنه؟. ليس هكذا.
الله لا تضره معاصينا ،معاصينا ضر علينا نحن ،ولكن على الرغم من ذلك يأتي هو فيبدل ـ عندما نتوب إليه ـ يبدل سيئاتنا بحسنات ،الأمر الذي لا يكاد أن يفعله أي شخص ممن تعتذر نحوهم من زلة بدرت منك إليهم وإن كانت ضراً عليهم.
أما الله سبحانه وتعالى فهو الذي لا تضره معصية من عصاه ولا تنفعه طاعة من أطاعه ، وهكذا يتعامل معنا.
ثم هل هذا هو أكثر ما يمكن الحصول عليه وما يمكن أن يعمله بالنسبة لمضاعفة الحسنات؟. لا. يفتح مجالات واسعة ،ويفتح أبواباً واسعة: في خلال اليوم هناك أوقات معينة فيها، يُضاعِِف فيها الأعمال. في خلال الأربعة والعشرين ساعة هناك وقت متأخر في ثلث الليل الأخير يضاعف فيه الأعمال والحسنات أكثر. هناك داخل الأسبوع يوم واحد يضاعف فيه الحسنات وهو يوم الجمعة ، في نفس هذا اليوم ساعة واحدة يضاعف فيها الأجر أكثر. في السنة هناك شهر يضاعف فيه الحسنات أكثر إلى سبعين ضعفاً، وفي نفس الشهر ليلة واحدة يضاعف فيها الحسنات آلاف الأضعاف هي ليلة القَدْر.
في ليالٍ وأيام معينة هي ليال العشر الأولى ذي الحجة تضاعف فيها الحسنات أكثر. هذا بالنسبة للزمن.
وكذلك بالنسبة للأماكن هناك يفتح أماكن معينة تكون العبادة فيها أفضل: المساجد ،والمساجد متعددة هناك مساجد العبادة فيها أفضل من العبادة في المساجد الأخرى ، كالمسجد الحرام ومسجد رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) والمسجد الأقصى، في داخل المسجد الحرام بجوار الكعبة تبدوا الحسنات أكثر وتضاعف أكثر.
ثم بالنسبة للأجواء التي تُؤدى فيها العبادة تجد كيف أن العمل الجماعي يكون الأجر فيه مضاعفاً أكثر فعندما تصلي جماعة تصبح صلاتك بنحو خمس وعشرين صلاة.
وفيما يتعلق بالمال يفتح مجالات لمضاعفة الأجر بشكل أفضل وأكثر من الحسنة بعشر إلى الحسنة بسبعمائة حسنة وأكثر {مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ} (البقرة:261) أليس هو سبحانه وتعالى برحمته من يعمل على أن يضاعف حسناتنا؟. تلك الحسنات التي تصدر منا بأعمال بسيطة وليس بحاجة إليها ،بل نحن المحتاجون إليها ، فيضاعفها لنا ليرفع درجاتنا ،لأنه حتى وإن كان يريد منا أن ندخل الجنة فهو يريد أن ندخلها ونحظى بدرجات رفيعة فيها.
فيما يتعلق بأعمالك أنت في الدنيا وأنت تجمع المال من الذي يمكن أن يتعامل معك من أسرتك على هذا النحو فيفرغ وقته ويُجهد نفسه في تَـثْمِير رأس مالك. فتجمع عند أخيك أو عند والدك أو عند أمك مائة ألف فيقوم هو بتثميرها ومضاعفتها فلا تمُرّ عليها فترة من الزمن إلا وقد أصبحت سبعمائة ألف ،هل هناك أحد يعمل هذا؟.
هل يمكن لأبيك أن يعمل هذا؟ تودع عنده مائة ألف فيقوم هو بالعمل فيها والتجارة فيها واستثمارها لتصبح بعد أربع أو خمس سنين سبعمائة ألف؟. لا. بل قد لا يبقى رأس المال سالماً. سيأكلها ويقول: الولد وما ملك لأبيه، أليس هذا هو ما قد يحصل؟. وهكذا تجد أمك ،هكذا تجد أخاك ،هكذا تجد أباك، هكذا تجد إخوانك وأصدقاءك ،ليس هناك أحد مستعد ـ ممن هو رحيم بك ـ أن يُجهد نفسه ليُثَمِّر رأس مالك هكذا.
ثم بعد أن يُثَمِّر رأس مالك فيصبح سبعمائة ألف هل سيعطيك فيما بعد سيارة قيمتها أربعة ملايين جائزة على أن مالك كثر إلى سبعمائة ألف هل هذا ممكن؟. أما الله فيعطي بعد مضاعفة الحسنات يضاعفها يضاعفها ثم في الأخير يعطيك جائزة مهمة جداً جداً لا يساويها شيء {جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ}(التوبة: من الآية72)
الإنسان لو يتأمل في القرآن الكريم لوجد من دلائل رحمة الله الواسعة في مجال هدايته وتشريعه لعباده وفيما يصنع الله لعباده لوجد كم هو ـ فعلاً ـ رحمن ورحيم، رحيم رحيم بعباده ما يجعله يستحي ويخجل أمام الله.
هذا فيما يتعلق بتشريعه، وكما سبق فيما يتعلق بتدبيره لشئون خلقه مما ذكرنا من رعاية الصغار في المخلوقات.
تدبيره أيضاً لشئون خلقه من الليل والنهار والحر والبرد وإنزال المطر وأشعة الشمس وكلها كلها تكون بالشكل الذي لا يضر الإنسان، ولا يضر ما يعتبر من الضروريات لبقائه حياً في هذه الدنيا ولاستقامة معيشته فيها ،فيأت الليل بقدر ،ويأتي النهار بقدر ،وتصل أشعة الشمس إلينا بقدر ،وين‍زل إلينا الماء من السماء مفرقاً بقطرات حتى لا يجرف أموالنا وبيوتنا وهو ملايين الأطنان في السماء.
هل يأتي بالسحاب فين‍زل الماء منه دفعة واحدة على بلد واحد؟. كان سينهينا. لكن ين‍زل بشكل قطرات متفرقة فتجتمع القطرات فترى منها الأودية التي تجرف الصخرات.
وكم ذكر في القرآن الكريم فيما يتعلق بتدبير شئون خلقه من مظاهر رحمته بهم ،ليفهموا أنه رحيم بهم.
وإذا فهمنا أنه رحيم بنا ماذا يعني ذلك؟.
هل يعني أن نقول :(لك الحمد يا الله، ولك الشكر يا الله)، ثم نتجه إلى اتخاذ آلهة من دونه نطيعهم ونمجدهم، وكأنه سبحانه مجرد فاعل خير لا علاقة له بنا ولا دخل له في شئوننا ـ لاـ إنه إلهنا وملكنا وربنا هو خالقنا ورازقنا بيده حياتنا وموتنا وإليه مصيرنا، هو الذي يجب أن نطيعه ونحبه ونتولاه ونعتصم به ونتوكل عليه ونخشاه.
إذا عرفنا كم هو رحيم بنا، فستترك هذه المعرفة شعوراً مهماً في أنفسنا ؛لأنك حينها -كما ذكرت سابقاً- تستعرض أقرب المقربين إليك فلا تجد فيهم من يمكن أن يكون فيه معشار معشار ما يحيطك الله به من عنايته ورحمته، دع عنك مدير المديرية التي أنت فيها ،محافظ المحافظة التي أنت فيها ،رئيس البلد الذي أنت فيه من لا يعلم أين أنت ،ولا ممن أنت ،ولا كيف أنت ،ولا يبالي على أي حال كنت ،وهم من نخافهم، من نرغب إليهم، من نرمي بكل توجيهات الله بعيداً عنا من أجل الخوف منهم، من نتردد في أن نقول الحق من أجل الخوف منهم ،هل هم يمتلكون ما نخاف منه مثلما يمتلك الله؟. لا. هل أن فضلهم علينا أعظم من فضل الله علينا؟. لا. هل أن رحمتهم بنا أعظم من رحمة الله بنا ،فنحن نؤثر الرغبة إليهم والالتزام بتوجيهاتهم أكثر مما يصدر من جانب الله تعالى؟.لماذا؟. لماذا كل ذلك؟.
لأنا كما قال الله سبحانه وتعالى {قُتِلَ الْأِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ} (عبس:17) قتل: لعن، لعن الإنسان ما أكفره!!.
وفعلاً كل إنسان يستحق اللعنة إذا لم يرجع ليتفهم جيّداً معاني رحمة الله به ،يتفهم جيداً معاني معرفته بالله ، ليعرف بأنه ليس هناك ما يمكن أن يدفعه إلى أن يميل إلى هذا الجانب أو ذلك الجانب لا لرغبة ولا لرهبة ،ولا لخوف ولا لرجاء.
ومما يؤكد لنا أهمية المعرفة والتفهم لمعنى أنه تعالى رحيم بنا أن الله سبحانه وتعالى صدر سور كتابه الكريم بآية{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} وهي آية من أعظم الآيات وأهمها،لها دلالتها المهمة جداً جداً، على أن كل هداية منه تعالى، وكل تشريع منه، وكل توجيه داخل هذا القرآن الكريم هو من منطلق رحمته، يقوم على أساس رحمته ،ويسير بنا في أجواء رحمته ، وينتهي بنا إلى مستقر رحمته. ثم تجد داخل السور نفسها أنه تكرر كثيراً ذكر الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ مجتمعة أو مفترقة مثل{تَنْزِيلٌ مِنَ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}( فصلت:2) {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}{الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة:2ـ3) وهكذا تتكرر.
لو نأتي إلى هذا الاسم الإلهي {الرَّحِيمِ} ونتأمل مظاهر رحمته فينا لكفتنا هذه، فضلاً عن اسمه {عَلِيمٌ و حَكِيمٌ و خَبِيرٌ و سَمِيعٌ و بَصِيرٌ و قَدِيرٌ} إلى آخر أسماءه الحسنى ،اسمه العظيم{رَّحِيمِ} وحده لو نأتي ونتأمل معناه ونتلمّس مظاهره في حياتنا كلها، وفي تشريعه لنا لوجدنا أنفسنا في حالة سيئة من الكفران بالله ، من الظلم لأنفسنا ، وسنرى أنفسنا كما قال الله سبحانه وتعالى {إِنَّ الْأِنْسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}(ابراهيم: من الآية34)
وعندما يذكِّرنا بنعمه في القرآن الكريم فهو كذلك لننظر إليها من منظار أنها مظهر من مظاهر رحمته بنا أيضاً ألم يتكرر في آيات كثيرة تذكيره تعالى لنا بنعمه علينا؟.أ لم تتكرر آيات كثيرة يقول لنا فيها {وما بكم من نعمة فمن الله} {وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً}(لقمان: من الآية20) {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لا تُحْصُوهَا}(براهيم: من الآية34) وكون الأشياء كلها بالنسبة لنا نعمة منه أليس ذلك يعني أنها مظهر من مظاهر رحمته بنا؟. أليس ذلك يعني أنه سبحانه وتعالى رحيم بنا؟.
ثم نأتي إلى بقية الأسماء الحسنى التي أثنى الله سبحانه وتعالى بها على نفسه في هذه الآية ؛لننظر إليه سبحانه وتعالى نظرةَ مَن نفسُه ممتلئة بالشعور بعظمة الله: {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ}(الحشر: من الآية23) يكرر نفس العبارة الأولى {هُوَ اللَّهُ}ولهذا التكرير أثره الهام في خلق التفاتة لدى الإنسان ليتوجه بانقطاع إلى الله، ثم أنظر كيف جاء بعدها جملةٌ من أسمائه تعالى من أول الآية تستشعر عظمة الله، الذي قال {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ}(الحشر: من الآية21) لتتذكر دائماً من هو، كلما ذكِر اسمه أو تليت عليك آياته أنه {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ـ هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} (الحشر:22 ـ23) أنه {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } أنه الذي { لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} أنه الذي { يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ} ثم تأمل كيف جاءت هذه الأسماء كلها بـ(أل) التي تفيد الاختصاص فقوله تعالى{الْمَلِكُ}يعني أنه هو وحده من له ملك السماوات والأرض وما فيهما ، إذاً فهو هو وحده من له حق التصرف فينا ،وهو وحده من يجب أن نرغب إليه ، ونخاف منه.
ثم تجد مُلكَه سبحانه وتعالى ليس كمُلكِ الآخرين من البشر مُلْك تسلُّط،مُلك جبروت، ملك طغيان ، أوامر جافة ، وَنواهي جافة، لا تكريم فيها ولا كرامة معها. أما الله عز وجْل فإن ملكه مُلْكُ رحمة وهداية ملك تكريم ورعاية كله قائم من منطلق أن رب العالمين ، وهو الرحمن الرحيم بهم ، نفس المعنى الذي جاء في أول سورة الفاتحة{بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ، الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} (الفاتحة:1ـ3) هو الذي ربوبيته تقوم على أساس رحمته، ربوبيته لعباده مظهر من مظاهر مُلكه وتدبير لشئون عباده الذين هو مَلِكُهم.
{الْقُدُّوسُ} المُن‍َزَّه المُعَظّم ،فأنت عندما تكون منقطعاً ،إليه ملتجئاً إليه تجهر بأنه ربك وأنه ملكك ،وأنه إلهك ،وأنه وليّك، فإنه من هو فخرٌ لك أن يكون إلهك ؛لأنه (قدُّوس)، هو من‍زّه ، هو معظّم ، أنت لم تلجئ نفسك إلى طرف تستحي إذا ما أحد عرف أنه وليك أو أنه قدوتك أو أنه رئيسك أو أنه ملكك فتخزى ،أما الله فإنه من يشرفك أنه إلهك أنه ربك وملكك، من تتشرف بأنك عبدٌ له
ولهذه القضية أهميتها في السمو بالنفس حتى على مستوى القدوات من البشر، ألم نقل في مقام آخر إن من الفخر لنا، أن قدواتنا من أهل البيت ، ليسوا من أولئك الملطخين بعار المخالفة للرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) الملطخين بالأخطاء والمساوئ، والمواقف السيئة، فنجهد أنفسنا في الدفاع عنهم وفي تَنْمِيق مظهرهم.
قدواتنا من أهل البيت هم من أولئك المن‍زهين المطهرين الكاملين في أنفسهم بإكمال الله لهم، ممن يشرفنا أن نقتدي بهم. فأنت لا تخجل إذا ما قلت أن وليّك الإمام علي بن أبي طالب  ، عد إلى الإمام علي  تعرّف على الإمام علي  تجد أنه بالشكل الذي يشرفك ،بالشكل الذي يجعلك تفتخر بأنه إمامك ،بأنك تتولاه.
ولكن انظر إلى الآخرين كيف يتعبون أنفسهم وهم دائماً يدافعون عمن يتولونهم ، يحرفون معاني القرآن من أجلهم ، يحرفون معاني كلام رسول الله (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) من أجلهم. يعملون على أن يحولوا سيئاتهم إلى حسنات ، يعملون على أن يقدموهم للأمة كأعلام. ولكن يكفينا شهادة على أنهم ليسوا ممن يمكن أن نفخر بهم إذا ما انتمينا إليهم أننا نجدكم أنتم تتعبون أنفسكم وأنتم تغطّون على خطيئاتهم ،وعلى قصورهم ونقصهم.
الله سبحانه وتعالى {الْقُدُّوسُ}، هو الذي تفتخر بعبوديتك له، وتفخر بقربك منه. أليس هناك في هذه الدنيا من يفخر بأنه مقرب من الرئيس أو مقرب من الملك؟. ويرى لنفسه مكانة عظيمة يتطاول بها على الناس ، أنه شخص له كلمته عند الرئيس أو عند الملك أو عند رئيس الوزراء أو عند الشيخ فلان، أليس هذا هو ما نراه؟. ومن هم هؤلاء؟. من هم هؤلاء؟. البشر الضعفاء القاصرون الناقصون المساكين.
فإذا كنا نجد من يفخر بقربه منهم ،من يفخر بتوليه لهم، من يفخر بطاعته لهم ، فلماذا نحن لا نفخر على الآخرين بأننا نعمل لنكون مقربين إلى الله؟!. أن نبحث عن كيف نحصل على ما فيه مجد لنا ،وعزة لنا، وفخر لنا هو أن نقرب من الله وأن نعزِّز علاقتنا به، وأن نرسخ تولينا له ؛لأنه {الْقُدُّوسُ}.
{السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} سلام لأوليائه ، مؤمن لأوليائه ، فكن من أوليائه ليرعاك ويحيطك بالسلامة بالأمن من الضلال ، من الذل في هذه الدنيا، وهو من سيوصلك إلى دار السلام في الآخرة ، ألم يصف جنـته بأنها دار السلام في الآخرة؟.
{الْمُهَيْمِنُ} هو المهيمن على كل شيء ،فكيف تخاف ،وكيف ترهب ممن هم تحت هيمنته!!. إذا كان رئيس أمريكا هو من يهيمن على بقية الزعماء ،ومَن هو؟ ، أليس هو مَن الله مهيمن عليه؟. فما هو إلا ذرة من ذرات هذا الكون الذي يهيمن الله عليه ،فانظر كيف نـتعامل نحن: نخاف من شخص هناك وهو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الشخص الآخر هو مهيمن عليه شخص آخر، وهذا الكبير في الأخير هناك من هو مهيمن عليه وهو الله الواحد القهار، الذي يقول لنا في كتابه {هُوَ اللَّهُ}.
عبارة (هو) هي تناجيك في كل لحظة وأنت تبحث عن أن تـنصرف بذهنك إلى هذه الجهة أو إلى هذه الجهة ، تقول لك: {هُوَ} وحده {اللَّهُ}.
بالإمكان إذا كنت تبحث عن السلام ،أو تبحث عن الأمن ، كما هو حال العرب الآن في صراعهم مع أعداء الإسلام والمسلمين يبحثون عن السلام ويـبحثون عن الأمن ،فلم يجدوا سلاماً ولم يجدوا أمناً وإنما وجدوا ذلاً وقهراً وإهانة ، ودوساً بالأقدام. لماذا لا تعودون إلى الله وهو الذي سيمنحكم السلام. أليست إسرائيل هي في موقع سلام بالنسبة للفلسطينيين؛ لأنها مهيمنة عليهم؟. هل هي التي تخافهم أم هم الذين يخافونها؟.
نحن لو التجأنا إلى الله سبحانه وتعالى ـ بما فينا تلك الحكومات التي تبحث عن السلام ،وأولئك الكبار الذين يبحثون عن السلام من أمريكا، ويبحثون عن السلام من روسيا ، يـبحثون عن السلام من بلدان أوروبا، بل يـبحثون عن السلام من إسرائيل نفسها ، عودوا إلى الله هو الذي سيمنحكم القوة ،يمنحكم العزة فتكونوا أنتم المهيمنين على الآخرين لأنكم تمسكتم بالله السلام المؤمن المهيمن وهناك من الذي يستطيع أن يسيطر عليكم؟. من الذي يستطيع أن يؤذيكم؟. من الذي يمكنه أن يقهركم؟. أوليس هذا هو السلام؟.
السلام لا يتحقق لك إلا إذا كنت في موقف عزة وقوة ومكانة، أما أن تبحث عن السلام وأنت تحت، - كما يصنع بعض الفلسطينيين، وكما يصنع العرب الآن - فإنما هو استسلام ،هو استسلام ،وأنت في الواقع تحت رحمة عدوك، بإمكانه أن يضربك في أي وقت ، بإمكانه أن يختلق لك مشكلة مع أي بلد آخر فتدخل في حرب مع ذلك البلد كما رأينا.
هل يريد الناس سلاماً بما تعنيه الكلمة ،وأمناً بما تعنيه الكلمة؟. فليعودوا إلى السلام المؤمن المهيمن ، الذي كتابه مهيمن على الكتب ،الذي سيجعلهم مهيمنين بكتابه على بقية الأمم وحينها سيحظون بالسلام، وينعم العالم كله بالسلام.
والإسلام هو دين السلام، لكن السلام بمعناه الصحيح، وليس بمعنى إقفال ملفات الحرب من جانب مع أعداء الله وأعدائهم فليس هذا هو السلام.؟ أن نقول : انتهى الأمر أن نلغي الجهاد ، ونلغي الحروب لنعيش مع الآخرين في سلام. هذا هو ما حصل لنا نحن المسلمين ، وما عمله كبارنا ،ظلوا يلهثون وراء السلام ويناشدون الآخرين بأننا نريد السلام ويـبحثون عن السلام ، بعد أن ألقوا آلة الحرب وألغوا اسم (الجهاد) ،فما الذي حصل؟. هل حصل سلام أم حصل دوس بالأقدام؟. بل حصل استسلام. أليس هذا هو الذي حصل؟.
إفهم إسلامك الذي سيحقق لك السلام، فهو دين الله السلام ،لكن بمعنى آخر، متى ما سرت على نهج هذا الدين، متى ما تمسكت بهذا الدين ،متى ما اعتصمت بالله المشرِّع والهادي بهذا الدين ستكون قوياً ،ستكون عزيزاً ، ستكون الأعلى حتى وإن كنتم ترون أنفسكم في وضعية لا تملكون ما يملك العدو من قدرات وإمكانيات مادية {فَلا تَهِنُوا وَتَدْعُوا إِلَى السَّلْمِ وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ وَاللَّهُ مَعَكُمْ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ}(محمد:35). ألم يستنكر عليهم أن يدعوا إلى السِّلم وهم في موقف يجب أن يكونوا هم الأعلون؟. فكيف تبحث عن السّلم مع الآخرين وأنت من يجب أن تكون أنت من يحاول الآخرون أن يبحثوا عن السِّلم معك ، فتقول لهم: أدخلوا في الإسلام لتحظوا بالسِّلم ،ليكون لكم ما لنا وعليكم ما علينا. ألم يكن هذا ما عمله الرسول (صلى الله عليه وعلى آله وسلم) في أيام جهاده ،عندما كان يخيرهم بين واحدة من اثنتين :إما الشهادة بأن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ،أو الحرب. أنتم تريدون السلام إذاً ادخلوا في هذا الإسلام لتحظوا بالسلام ، وإلا فليس أمامكم إلا السيف. حينها يصح أن نقول عن أنفسنا بأننا قد حصلنا على السلام ، وحينها سنعرف معنى كلمة(السلام) الذي شُوِّه معناه ، فأصبح يعني الآن الاستسلام للآخرين.
{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ} أليس في هذه الأسماء الحسنى -التي تتحدث عن كمال الله سبحانه وتعالى- أليس فيها ما يصنع الثقة في نفوس أولئك الذين ارْتَمَوا تحت أقدام أمريكا وإسرائيل؟. لماذا يعرضون عن الله وهم من يعترفون ويشهدون بأنفسهم بأنهم مسلمون ،وأنهم مؤمنون بهذا القرآن الكريم؟ وبرسوله الكريم محمد(صلى الله عليه وعلى آله وسلم).
هذه هي التي ضربت المسلمين كباراً وصغاراً (عدم الثقة بالله) ، عدم الثقة بالله حتى فينا نحن الصغار نخاف من شخص هو مسكين بالنسبة للآخرين فهناك من هو مهيمن عليه ،والذي هو مهيمن عليه مسكين بالنسبة لذلك الأمريكي الذي في واشنطن الذي هو مهيمن عليه ،والكل مساكين ومقهورون تحت جبروت الله وقهره.
ارتبط بالله رأساً وتجاوز كل هذه الأصنام في هذه الدنيا، وارتبط بالله رأساً، وثق به ، وهو من سيجعلك قوياً أقوى مما يملكه هؤلاء من وسائل القوة في هذه الدنيا.
هو أيضاً { الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ} بما في هذه الأسماء من معاني العزة والجبروت والقهر للأعداء ،فأنت عندما تلتجئ إليه لا يمكن أن تقول عنه: (الله هو طيب ، لكن نفسه سمحة فإذا كان كذلك فلن يحرك ساكناً مع أعدائنا، ونحن عارفين له، فهو يريدنا أن نمسح أكتافهم ونحاول أن نحسن أخلاقنا معهم لأنه مسكين سالك لطريقه لا يريد أن يتدخل في شيء). هل الله هكذا؟. حاشى الله أن يكون كذلك.
الله في الوقت الذي يقول لنا{هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ} هذه الأسماء تبدوا رقيقة ،ولكنه يقول أيضاً -إذا ما وثقت به وأنت في ميدان المواجهة والصراع مع أعدائك وأعدائه من يريدون ظلمك وقمعك واستذلالك- هو {عَزِيز} يمكنك أن تمتنع به ، وهو (جَبَّار،مُتَكَبِّر) سيقهرهم، وسيجعلك أنت من تقهرهم،ألم يقل الله تعالى{قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنْصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ وَيَشْفِ صُدُورَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ}(التوبة:14) هو يقول: سأجعلكم جبارين على أعدائكم ،ومتكبرين على أعدائكم ،لكن عندما تثقوا بي. عندما تثق بالله ، ستثق بمن هو سلام لك وأمْنٌ لك في مقامات السلام معه ، وهو عزيز جبار متكبر سيمنحك من عزته وكبريائه وجبروته ما تقهر به أعداءك وأعداءه ، ليس هناك نقص إطلاقاً في جانب الله عندما تثق به وتلتجئ إليه.
عندما تشعر بعظمته ليس فيه صفة واحدة كما هي في الناس ، والتي نسمعها كثيراً من بعضنا بعض تقول: (فعلاً أن فلاناً رجل جيد ، ولا يقصر في شيء لكن ليس من أهل هذه المواقف التي تحتاج إلى القوة ، ولا قدرة له في مثل هذا الموقف).
أما الله فهو من يكون لك في كل المواقف ،ولك بأكثر مما يمكن أن تدرك ، ويرعاك من حيث لا تحتسب ،ويملأ قلوب الآخرين رعباً بالشكل الذي لا يمكن أن تصنعه وسائل إعلامك ،ولا يمكن أن تصنعه أيضاً آليتك العسكرية. هو من نصر نبيه بالرُّعب بمسافة شهر، وكم كان الجيش الذي معه؟. هم أولئك الذين حُوصروا في المدينة عدد قليل ونصره الله بالرعب، فكان بعض أعدائه من اليهود يخربون بيوتهم ويقطعون نخيلهم أحياناً ، ويرحلون خوفاً ورعباً من قبل أن يجيّش الجيوش عليهم،
{ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ} بعد هذه الأسماء الحسنى ترى غريباً جداً جداً أولئك الذين يلتجئون إلى غير الله سبحانه وتعالى ما أسوأ حالهم! ، ما أحط مكانتهم!، وما أتعسهم!. وما ألأمهم!، عندما يلتجئون إلى غير الله ،إلى صنم من الأخشاب أو صنم من الحجر أو صنم من البشر؛ لأنهم يخافون ، ويرجون منه أشياء ،والله قال لهم في هذه الآيات {هُوَ اللَّهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ}(الحشر:23) من يمكن أن ترجوه ،من يمكن أن تعتمدواعليه ، من يجب أن تخافوه؛ ولأنه ليس هناك في هذا العالم ، ليس هناك في الوجود من يمكن أن يكون متصفاً بكمال الله سبحانه وتعالى ،ولا بجزءٍ من كمال الله سبحانه وتعالى -إن صح التعبير- فإن من الظلم لأنفسنا ومن الإساءة إلى الله ربنا الذي هو { الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ } من الإساءة البالغة إليه أن نجعل له شركاء فنمنحهم ولاءنا ، ومنهم نخاف ،وإليهم نرغب.
{ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ }. تن‍زيه لله عن أن يكون له شريك ، تن‍زيه لله وتقديس له عن أن يكون له شريك في ملكه، شريك في ألوهيته تنزيه له عن أن يسوّى به غيره،فيجعل نِدَّا له أو شريكاً له، تنزيه له عن أي قصور أو تقصير في تدابيره لشئون خلقه.
{هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}(الحشر:24) {هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ} هو من قال لبني إسرائيل: {ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً}(الاسراء:6) عندما يقول الناس: نحن قليل الآخرون قد يستذلونا ،قد يُقتل منا كذا ،ونحن قليل لا نستطيع أن نعمل شيئاً). الله هو الخالق، هو الذي يستطيع أن يمدكم بأموال وبنين ، ألم يقل نوح  لقومه {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً}(نوح:10) {يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً}(نوح:11) {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}(نوح:12) إذا ما قتل ابني هذا وابني هذا هو من سيمدني بأبناء آخرين {وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً }.
هو الخالق هو البارئ ، كلمة {بَارِئ} تشبه معنى كلمة {خَالِق} فيما تعنيه من الإبداع والابتداع، أو أنه فاطر ما خلقه.
{ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ } أن يخلق الشيء على كيفية معينة على نحوٍ معين ، الذي برأ النّسَمَة ، كما كان في قَسَم الإمام علي ( والذي فلق الحبّة وبرأ النّسَمة) خلقها على كيفية معينة ، فطرها هو وابتدعها هو بدون مثال سابق.
{لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى} فهنا ذكر لنا مجموعة من أسمائه الحسنى ، ماذا تعني؟. تعني كمالاً بالنسبة لله سبحانه وتعالى، ليس مجرد أسماء ألفاظ لا تعني شيئاً. الآن لو وضعنا لشخص منا عدة أسماء هل يمكن أن تزيد في معانيه شيئاً فنسميه :أحمد ومحمد وقاسم وصالح ومسفر وجابر. هل لهذا زيادة فيك؟. لا. هل تغير هذه الكلمات عن كمال بالنسبة لك؟ أو تعطي شهادة بكمالك؟.الله هنا عرض لنا مجموعة من أسمائه الحسنى التي هي حديث عن كماله ، كماله المطلق في كل شيء ، (عالم الغيب والشهادة ، الرحمن الرحيم الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار المتكبر)
ثم قال لك أيضاً له الأسماء الحسنى ، عُد إليها في بقية الآيات والسور في القرآن الكريم واجمعها وستجد كم هي. أشبه شيء بإحالة لنا إلى ما ذكره من أسماءه في بقية السور والآيات الأخرى، ارجع إليها هناك حكيم ، حليم سميع ، بصير إلى آخر أسمائه الحسنى، تلك الأسماء التي تشهد بكماله ، لترى نفسك بأنه يمكن لك، بل يجب عليك، بل لا يجوز لك غير هذا أن تتوكل عليه ،وأن تثق به ،وأن تستشعر عظمته سبحانه وتعالى.
استشعار عظمته في نفوسنا أن تملأ عظمته نفوسنا ،هذه قضية مهمة ، قضية مهمة، ولا شيء يمكن أن يمنحنا هذا الشعور سوى القرآن الكريم فيما يعرضه من أسماء الله الحسنى ، ومعانيها ،ومظاهرها ،وما فيها من شهادة بكمال الله سبحانه وتعالى.
{ اللَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ } هذه آية الكرسي -تحدثنا عنها في درس سابق- ، هي في نفس هذا المسار يمكن أن نتحدث عنها في مجال خلق شعور بعظمة الله سبحانه وتعالى ، وثناء عليه ،وشهادة بكماله، وكل أسمائه الحسنى ، هي مفردات تعبر عن كماله المطلق سبحانه وتعالى هو العلي العظيم.
وهذا الأسلوب بالنسبة لنا يجب أن نرسخه في حياتنا أن تكون هناك أوقات كما نحن ندعو الله في أوقات معينة يكون هناك أوقات نمجِّد الله فيها ، نعظم الله نقدس الله ، من خلال ذكره الكثير الذي شرعه مثل (سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، ولا إِلَهَ إلا اللَّهُ، واللَّهُ أَكْبَرُ) يردد الإنسان هذه التسبيحة كلما تذكر ،هي ثناء على الله ، وتعظيم وتمجيد لله سبحانه وتعالى ، تترك في النفس أثراً طيباً هو شعور بعظمة الله ، وتذكر دائم لله سبحانه وتعالى.
هناك أيضاً في دعاء الإمام علي  أو في ما أثر عنه ، وفيما أثر عن الإمام زين العابدين  من هذا النوع، من الكلام الذي هو تمجيد لله شيء كثير ،مناسب جداً أن يعود الإنسان إليه. فقط نحن نرى أنفسنا ندعو الله سبحانه وتعالى أدعية :(ربنا آتنا ..اللهم اقض حاجاتنا ، اللهم ..اللهم) أليس هذا هو ما يحصل؟. هذا يسمى دعاء ، هناك نوع آخر يسمى (تمجيد لله وثناء عليه)، هو عبادة مهمة ذات قيمة عظيمة، ولها أثرها فيما يتعلق بالنفس، في مقام معرفة الله سبحانه وتعالى واستشعار عظمته.
فيما أثر عن الإمام زين العابدين  في دعاء يوم عرفة قال  : (الحمد لله رب العالمين ،اللهم لك الحمد بديع السموات والأرض ذا الجلال والإكرام،رب الأرباب ،وإله كل مَأْلُوه، وخالق كل مخلوق، ووارث كل شيء، ليس كمثله شيء ،ولا يعزب عنه علم شيء ،وهو بكل شيء محيط، وهو على كل شيء رقيب.
أنت الله لا إله إلا أنت،الأحد المُتَوحِّد، الفرد المُتَفَرِّد. وأنت الله لا إله إلا أنت، الكريم المتكرم، العظيم المتعظم، الكبير المتكبر. وأنت الله لا إله إلا أنت العلي المتعال الشديد المِحَال. وأنت الله لا إله إلا أنت الرحمن الرحيم العليم الحكيم. وأنت الله لا إله إلا أنت السميع البصير القديم( ) الخبير. وأنت الله لا إله إلا أنت الكريم الأكرم ،الدائم الأدْوَم. وأنت الله لا إله إلا أنت ،الأول قبل كل أحد ،والآخر بعد كل عدد. وأنت الله لا إله إلا أنت الدّاني في علوّه والعالي في دُنُوِّه. وأنت الله لا إله إلا أنت ذو البَهَاء والمجد ،والكبرياء والحمد. وأنت الله لا إله إلا أنت الذي أنشأت الأشياء من غير سِنْخٍ( ) ، وصوَّرت ما صورت من غير مثال ،وابتدعتَ المبتدَعات بلا احتِذَاء، أنت الذي قدَّرت كل شيء تقديراً ،ويسرت كل شيء تيسيراً ،ودبرت ما دونك تدبيراً.
أنت الذي لم يُعِنْك على خلقك شريك، ولم يؤازرك في أمرك وزير، ولم يكن لك مشاهد ولا نظير، أنت الذي أردت فكان حتماً ما أردت ، وقضَيتَ فكان عَدلاً ما قضيتَ ، وحكمت فكان نَصَفاً ما حكمت، أنت الذي لا يحويك مكان ،ولم يقم لسلطانك سلطان، ولم يُعْيِك برهان ولا بيان. أنت الذي أحصيت كل شيء عدداً ، وجعلت لكل شيء أمداً وقدرت كل شيء تقديراً. أنت الذي قصُرَت الأوهامُ عن ذاتيّتك ، وعجزت الأَفهامُ عن كيفيتك ،ولم تدرك الأبصار موضع أيْنِيَّتِك ، أنت الذي لا تُحَد فتكون محدوداً، ولم تُمثَّل فتكون موجوداً( ) ،ولم تلد فتكون مولوداً. أنت الذي لا ضد معك فيعاندك ، ولا عِدْل فَيُكَاثِرَك ،ولا نِدَّ لك فيعارضك ،أنت الذي ابتدأ واخترع ، واستحدث وابتدع، وأحسن صنع ما صنع،
سبحانك ما أجل شأنك ، وأسْنَى في الأماكن مكانَك( )، وأصدع بالحق فرقانَك، سبحانك من لطيفٍ ما ألطفك ، ورؤوفٍ ما أرأفك ، وحكيمٍ ما أعرفك، سبحانك من مليكٍ ما أمنعك، وجوادٍ ما أوسعك، ورفيعٍ ما أرفعك، ذو البهاء والمجد ، والكبرياء والحمد ، سبحانك بسطت بالخيرات يدك( )، وَعُرِفت الهداية من عندك، فمن التمسك لدين أو دنيا وجدك.
سبحانك خضع لك من جرى في علمك، وخشع لعظمتك ما دون عرشك، وانقاد للتسليم لك كل خلقك، سبحانك لا تُحَسّ ولا تُجَس ، ولا تُمَس، ولا تُكَاد ولا تُمَاط ( )،ولا تُنازع ،ولا تجارَى ،ولا تُمَارَى ، ولا تخادَع ،ولا تماكَر. سبحانك سبيلك جَدَد( )، وأمرك رَشَد ،وأنت حي صمد. سبحانك قولك حُكم، وقضاؤك حَتْم، وإرادتك عزم. سبحانك لا رادّ لمشيئتك ، ولا مبدل لكلماتك. سبحانك باهر الآيات فاطر السموات، بارئ النسمات).
أليس هذا تمجيداً لله تعالى؟.
وهكذا الإمام زين العابدين  يُمَجِّد الله سبحانه وتعالى بهذا الأسلوب الذي يشد النفوس نحو الله ،يشد القلوب نحو الله سبحانه وتعالى ، ومن خلاله تتعرف على معاني أسماء الله الحسنى ، وتعرف سعة علم الله ، ما أمكنك ذلك، وتعرف حكمته، وتدبيره، وقدرته.
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يلهمنا رشدنا، وأن يعرفنا بأسمائه الحسنى ، وأن يعرفنا من كماله ما يجعلنا نثق به ، ونعتمد عليه، ونعتز به فنؤمن به ونقدس له.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 5:20 pm، تم التعديل مرة واحدة.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

سلسلة معرفة الله
الدرس العاشر
دروس من هدي القرآن الكريم

معرفة الله-وعده ووعيده
الدرس العاشر

((ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس ))


ألقاها السيد/ حسين بدر الدين الحوثي

بتأريخ:

29/1/2002م

اليمن- صعدة

هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في أشرطة كاسيت، وقد ألقيت ممزوجة بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية العامية.

وحرصاً منا على سهولة الاستفادة منها أخرجناها مكتوبة على هذا النحو.

والله الموفق.

إعداد:ضيف الله صالح أبو غيدنة



بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين.

بالأمس كان مما تحدثنا عنه هو ما تجلى في عدة آيات من كتاب الله الكريم، تلك الحالة الرهيبة التي يمر بها كثير من الناس، ومعظمهم فيما يبدو هم من عامة الناس.. من الأتباع عادة.

أن هناك في يوم الحساب، سيكون أيضاً في داخل النار نفسها تخاصم, وتشاجر، ولعن متبادل, وعداء شديد, وحسرات شديدة جداً تقطع القلوب.

وقلنا أيضاً هذا يدل على أن ذلك سيكون بين أطراف كان بينها في الدنيا علاقة قوية جداً، قرين مع قرينه, تابع مع متبوعه, مرؤوس مع رئيسه, أمة مع أمة قبلها كانت تحتذي بها وتسير على نهجها, من كانوا أخلاء في هذه الدنيا, من كانوا أصدقاء في هذه الدنيا, ولكن صداقة لا تقوم على أساس صحيح, صداقة عشوائية, صداقة قد تحكمها أو تدفع إليها أو تعزز روابطها مصالح دنيوية, لا يلتفت معها الناس إلى خطورة النتيجة.

{الأخلاء يومئذ} يوم القيامة { بعضهم لبعض عدو إلا المتقين } من كانوا في الدنيا متقين, أصدقاء مع متقين, أتباع لمتقين, قرناء لمتقين, هؤلاء هم من ستعظم فيما بينهم المودة, ويشكر بعضهم بعضاً في ذلك اليوم, ويرتاح بعضهم لبعض.

فلماذا تتحول كل تلك الصداقات إلى حالة عداء؟ ولماذا يتبخر في ذلك اليوم الحديث عن كل المصالح السابقة في الدنيا؟ يصبح كل التعبير هو عن خطورة الموقف الذي أصبحوا فيه, الذي لم يعد بإمكان أولئك أن يذكروا الآخرين بأننا في الدنيا عملنا لكم كذا وكذا, في الدنيا فعلنا لكم كذا وكذا, لأن هذه لن تقبل إطلاقاً من الطرف الآخر. عندما ذكر فرعون موسى ألم يذكره بنعمه؟ { ألم نربك فينا وليداً ولبثت فينا من عمرك سنين } أليست هذه مقالة فرعون؟ في يوم القيامة تنسى كل هذه تماماً فيما بين الأصدقاء, إذا كان صديقاً ممن يضلك, ممن هو على ضلال في سلوكه, في اعتقاداته, في مواقفه, في توجهاته, قد يعمل لك في الدنيا الشيء الكثير لكن سترى أنه أضلك, وأنه أهلكك, وأنه بئس القرين على الرغم مما عمل لك في الدنيا, فتقول له: { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين}. أن تسمع من ذلك القرين كلمة, لماذا بئس القرين؟ ألم أكن أعمل لك في الدنيا كذا, وعملت كذا, وعملت كذا؟ هذه لا قيمة لها تماماً, أصبحت لا قيمة لها أبداً, قال لك بئس القرين على الرغم مما قد عملت له في الدنيا.

وهكذا بالنسبة مع الكبار المتبوعين مع الأتباع, يلعن بعضهم بعضاً, يتبرءون بعضهم من بعض, وقلنا أيضاً : بأنه اتضح بأن معظم العذاب النفسي والحسرات تكون للأتباع أعظم من الكبار في هذا الجانب { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } { ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين } عداوة شديدة, أين الذين أضلونا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا في أسفل درك من جهنم, ندوسهم بأقدامنا, من العداوة, من الحقد, من الأسف, من الحسرة, من الندم, لأنه لا أمل إلا هذا, أن يريه الذي أضله فيجعله تحت أقدامه في جهنم, وقد لا يحصل هذا أيضاً.

{ حتى إذا اداركوا فيها جميعاً قالت أخراهم لأولاهم } كانت أمة تابعة لأمة سابقة قبلها { ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار قال لكل ضعف } لكم ضعف, وهم لهم أضعاف, لكم أضعاف عذابي لأنكم كنتم تؤثرون إتباعهم, وكنتم تربطون أنفسكم بهم, وتنصرفون عن الحق, وتنحرفون عن الهدى وأنتم متمسكون بهم { إذ تبرأ الذين اتبعوا من الذين اتبعوا} الكبار تبرؤوا من الصغار, والصغار هم من كانوا في الدنيا يصفقون لهم, ويؤيدونهم, ويدعمونهم بأموالم وبألسنتهم وبأنفسهم, يوم القيامة يتبرءون منهم { ورأوا العذاب وتقطعت بهم الأسباب} كل الوسائل تتقطع فيما بينهم, تحصل حسرات عظيمة, ولكن في أي طرفٍ حكاها الله سبحانه وتعالى؟ وعمن؟ عن الكبار، أم عن الصغار؟ الصغار هم من سيكونون أكثر أسفاً وندما {وقال الذين اتَبعوا} عندما رأوا أولئك تبرأوا منهم في ذلك الموقف الصعب, وعرفوا بأنهم أضلوا أنفسهم لما اتبعوهم في الدنيا يوم كانوا يتبعونهم في الدنيا, وبسبب اتباعهم لهم في الدنيا, ورأوا بأنهم لا يمكن أن ينفعوهم بشئ في ذلك الموقف الرهيب, بل يتبرءون منهم, يعلنون تخليهم عنهم في ذلك الموقف الصعب, تحصل حسرات شديدة ويقول ماذا؟. { وقال الذين اتبعوا لو أن لنا كرة فنتبرأ منهم كما تبرءوا منا } يـــا ليت لنا كرة نرجع إلى الدنيا مرةً أخرى فنتبرأ منهم كما تبرأوا منا. ولكن لا توجد رجعة, انتهى الوقت0

{ كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار} ستجد هكذا الحسرات للأتباع, الأتباع هم من يصعد على أكتافهم الظالمون, ومن بأموالهم وتأييدهم تشتد سواعد الطغاة والمجرمين, هم الجنود, هم التجار, هم الأعوان, هم من يصفقون, هم من يؤيدون, قد يكون هناك شخص واحد فقط موقفه بالنسبة للجميع كموقف الشيطان { وما كان لي عليكم من سلطان إلا أن دعوتكم فاستجبتم لي فلا تلوموني ولوموا أنفسكم} وتلاحظ أن الحسرة تأتي بين هذه الأطراف التي كانت في الدنيا تسود ما بينها حالة من الود والتعاون والتأييد وغيره, لا نجد أنه حصل مثلها مع إبليس في موقف الناس من إبليس. فنحن نستحق ونفوسنا تستحق بأنه كان في الدنيا عدونا, وعارفين أيضاً أنه يضلنا, وعارفين أيضاً بأنه يدعونا إلى عذاب السعير, وعالمين بهذه الأشياء كلها ونحن جديرون بأن يغوينا وقد حذرنا منه.

لكن أن ترى نفسك أنك كنت تؤيد, وتنصر, وتدعم, وتشجع, وتجند نفسك ومالك مع أطراف هي ضالة ستكون الحسرة هنا, أنك أضعت عمرك مع طرف أودى بك اتباعه وتأييده ودعمه إلى قعر جهنم, وهذا الطرف يأتي ليتبرأ مني علناً في ذلك الموقف الحرج, فتكون الحسرة هنا على الأتباع أكثر, لم يتحدث القرآن عن الحسرات بالنسبة للكبار, الكبار يكفيهم حسرة أنهم يحملون أوزاراً كثيرة من أوزار الذين يضلونهم, من أوزار الذين يخدعونهم, { ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم ألا ساء ما يزرون} تأتي الخصومة هناك في يوم القيامة أو في النار فنرى بأن تلك الخصومة لا يحصل من ورائها شيء إيجابي بالنسبة لهؤلاء المتحسرين النادمين, أن يتحولوا إلى كتل من العداء والمباينة لأولئك الذين كانوا في الدنيا كتلاً من الولاء والمعاونة لهم, لن تقبل هذه في الآخرة عند الله سبحانه وتعالى, لن تقبل لا قيمة لها, ألم يظهروا في حالة عداء لأعداء الله, وعداء من ذلك النوع الشديد, ذلك الذي لو حصل منه جزء في الدنيا هنا لنفعهم.

فيعرضه القرآن الكريم بأن تلك الخصومة أيضاً ليست خصومة بين أطراف عند طرف ثالث فيقضي بشيء لهذا الطرف الذي اكتشف بأنه مظلوماً, وأنه كان مخدوعاً, لا.. { لكلٍ ضعف } { كذلك يريهم الله أعمالهم حسراتٍ عليهم وما هم بخارجين من النار } تتظلم أليسوا هنا يتظلموا { ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين } { ربنا هؤلاء أضلونا فآتهم عذاباً ضعفاً من النار} أليس هذا تظلم؟.., لا يجابون إطلاقاً في تظلمهم, ولا يقدر لهم ذلك الموقف أنهم أصبحوا يبغضون ويكرهون ويباينون أعداء الله هؤلاء الكبار الذين كانوا في الدنيا معهم, فقد تصححت وضعيتهم.. لا.. انتهى كل شيء, وما ذلك كله إلا نوع من العذاب النفسي لهم أيضاً, عذاب نفسي يعانون منه.

فقلنا: ماهو الموقف الصحيح من خلال ما نفهمه من مجموع هذه الآيات التي تتحدث عن مواقف خطيرة من هذا النوع؟

هو أنك وأنت هنا في الدنيا, ذلك الموقف الذي يمكن أن تقفه, وذلك الكلام الذي يمكن أن تقوله, وتلك المباينة, وذلك العداء, وذلك اللعن مكانه هنا في الدنيا حيث سينفعك, فقرين السوء ابتعد عنه, ولا تقل: أنا فاهم وعارف كل شيء, ما باستطاعته أن يخدعني, وأنا عارف كيف هو وأنا واثق من نفسي, كل هذا غير صحيح.

أنت من حيث المبدأ لا يصح لك أن تجالسه وتصادقه, وتكون على علاقة مستمرة معه, وتنادمه وتسمع منه الباطل, وهو يحاول أن يخدعك ويضلك, فتحاول أن تسكت عنه وتجامله وتقول في الأخير أنك لم تتأثر, قد تتأثر, وحتى لو لم تتأثر فهذا موقف غير صحيح لا يجوز لك أن تقفه, إن كان سيقول كلاماً باطلاً هل أنت سترد عليه وتوضح بطلان ما يقول؟ إن كان سيقف موقفاً باطلاً هل أنت سترد عليه وتقول : لا.. في هذا الموقف لن أكون معك؟. إذا كان سيبذل ماله في الصد عن سبيل الله هل أنت ستمنعه وتقول: لا لن أقف معك, وسأقطع علاقتي معك؟ لا بأس إن كنت من هذا النوع. لكن ما الذي سيحصل؟.. مجاملات متبادلة, وسكوت عن مواقف باطل, وعن قول باطل, عن بذل للقول والمال والنفس في مواقف وقضايا باطلة, وأنت تسكت وتحافظ على علاقتك معه, إذاً أصبح الدين بكله لا يساوي علاقتك معه, أصبحت علاقتك مع الله سبحانه وتعالى لا تساوي شيئاً في مقابل العلاقة مع هذا الشخص, أنت أصبحت في باطل, أنت يا من تقول: أنا فاهم لكل شيء ولن يستطيع أن يضلني, هكذا قد ضليت, أصبحت في ضلال, وأصبحت علاقتك به أغلى من الدين كله, لأنك لو كنت متديناً فالدين مواقف, فإذا لم يكن لك موقف أمام باطل يصدر من صديقك فهذا يكشف أنك لست ملتزماً.

هل يجوز أن تجلس مع من يتكلمون بكلام باطل؟. إلا إذا كان باستطاعتك أن تبين الحق أو تخرج, أما أن ترتبط بهم وتحسن علاقتك معهم وأنت تعرف توجهاتهم الخاطئة, مواقفهم الباطلة, وقد جعلتهم أخلاء ستكون معهم يوم القيامة, وفي يوم القيامة ستكون العداوة بينك وبينهم شديدة, وتتأسف وتندم على علاقتك التي كانت معهم في الدنيا, كيف أودت بك إلى هذا المصير المظلم.

تبرأ هنا في الدنيا من الكبار المجرمين قبل أن يتبرءوا منك في الآخرة, العن المضلين وإن كان بينك وبينهم آلاف السنين, الذين هم سبب لإضلالك وإضلال الأمة التي أنت تعيش فيها, تبرأ منهم والعنهم, اظهر مباينتك لهم, لكل تلك الأطراف التي قد تتبرأ منها, أو تلعنها, أو تندم على علاقتك بها وتتحسر يوم القيامة, هنا في الدنيا حيث سينفعك أما في الآخرة فلن ينفعك.

وهذه الآية العجيبة التي قالها الله سبحانه وتعالى { وقال الذين كفروا ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس} يبحثون عنهم هناك, هنا في الدنيا: هل كنت تبحث عن المضلين لتطاردهم؟. أم كنت ممن يصمت وتعرض نفسك لأي شخص يأتي يضلك, وتكون قابلاً للإضلال وليست مشكلة عندك ولا قضية أن تصبح تعتقد هذا أو ترى هذا أو تقف هذا الموقف الباطل, الإضلال عندك لا يشكل شيئاً, الحرص على أن تبقى في طريق الحق, أن تبقى مواقفك حق, أن تبقى عقائدك حقة, لم تكن عندك قضية كبيرة, لكن في يوم القيامة تبحث عنهم أين هم؟ من هم الذين أضلونا؟ تبحث عنهم, هاتوهم’ أحضروهم اليوم نجعلهم تحت أقدامنا ليكونوا من الأسفلين, اجعلهم هنا في الدنيا تحت أقدامك, اجعل المضلين تحت أقدامك هنا في الدنيا حيث سينفع, كن مهتماً هنا في الدنيا بأن تعرف منابع الضلال والفساد, وتعرف رموز الباطل ورموز الضلال, لتعمل على أن تجعلهم تحت أقدامك هنا في الدنيا, أليس هذا هو الموقف الصحيح الذي يجدي؟.. تنتظر, ستضل وأنت داخل بيتك من حيث لا تشعر, يقدم لك الضلال إلى داخل بيتك, الناس يتحركون في هذه الدنيا وما أكثر من يضلون, من خلال جلسة مع شخص مضل, من خلال ركوب سيارة مع شخص مضل صادف, مصادفات كلها أو معظمها تأتي مصادفات, صادف خزن معهم في مجلس, صادف ركب معهم في سيارة, صادف دخل معهم في مجلس وسمع كلمة, صادف كذا, صادف كذا.. ولأنه في الدنيا لا يهتم, ليس على حذر شديد من أن يقع في ضلال, فيكون مهتماً بأن يبحث ليعرف منابع الضلال والفساد حتى يتجنبها, ليجعل كلامها تحت قدمه, ليجعل ما تزخرفه تحت قدمه, ليجعل كل هؤلاء تحت قدمه.

كثير من الناس- وهذا شيء ملموس فعلاً- عندما تقول هناك دعاة ضلال, هناك مضلين يريدون أن يضلوكم, وهناك كذا وهناك كذا, ترى هذا المنطق بارد عند الناس,بارد لا يحرك فيهم شيئاً, لتعرف أنها قضية خطيرة أنظر ما يقول هؤلاء { ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا ليكونا من الأسفلين} لاحظ.. أن يقول هؤلاء هذا الكلام على الرغم من شدة الأهوال, على الرغم من يقينهم بأنهم أصبحوا من أهل النار, أليست هذه قضية مخيفة جداً؟ قد تنسيك كل شيء, قد تنسيك عدوك, قد تنسيك وليك, لكن على الرغم من ذلك لا تزال القضية هي أبرز ما يتجلى أمامهم, لأنهم سيقولون: كل ما وقعنا فيه هو من أجل هذا, من أجل هذا الطرف,فكل غضبهم, كل أسفهم يتحول إلى كتلة من الحقد على أولئك الذين أضلوهم, أين هم؟.{ ربنا أرنا الذين أضلانا من الجن والإنس نجعلهما تحت أقدامنا} ألم يتذكروا هناك أن يقولوا هكذا؟. ما يدل على شدة الحسرة والندامة.

عندما تتحدث هنا مع الناس وتقول لهم: الوهابيون يضلون الناس, يجب أن نتعاون في أن نحافظ على عقائدنا, كلمة (عقائدنا) ليست هامة جداً مثل أن نقول: يجب أن نحافظ على أموالنا, أو نحافظ على مصالحنا وأشياء من هذه, يتحرك الناس ويبذلون أموالاً كثيرة إذا ما تشاجروا على شيء لا يساوي نصف ما يبذلونه من مال, ويتعادون, يعادي بعضهم بعضاً وإن كانوا أسرة واحدة, لكن أن يقفوا بنصف هذا الشعور أو بربع هذا الشعور مع أعداء الله المضلين, أبداً لا يحصل هذا, قد يكون مستعداً أن يعطي مئة ألف وخصمه يعطي مئة ألف ريال للحاكم الفلاني, أو للمقاول الفلاني. لكن هات ألف ريال نشتري بها أشرطة ننشرها في سبيل الله نبين للناس العقائد الصحيحة, الألف هذا هو غير مستعد أن يعطيه حتى وإن كان هو في الأخير من سيكون ضحية لضلال أولئك, وأنت تريد من خلال طلبك إياه أن يعطيك ألف ريال تنشر أشرطة فيها كلام جيد, فيها أجوبة على من يضلون الناس بعقائد باطلة, لا يهمه ذلك مع أنك ستبدو في مصلحته هو, سيكون عملك فيما يحافظ على سلامة دينه هو, وسلامة أولاده من الضلال, وسلامة أسرته بأكملها, فتكون هذه قضية لا يهتم بها, هو مشغول لا يهمه الوهابية. يقول: وهابية ما وهابية المفروض ندافع عن أموالنا, شغلونا بالوهابية, وعقائد ما عقائد, شغلونا بالاهتمام عن أموالنا, وما هي أمواله؟ قطعة محجر لا تساوي نصف ما يبذله من خسارة, أليس هذا يبدو أن الناس مهتمين فيه جداً؟ لكن هناك مضلون هناك دعاة ضلال هناك كذا وكذا, كل هذا كلام بارد.. الخ.

ارجع إلى الآية وسترى كيف أنه يجب أن يكون هذا الموضوع هو ما يسيطر على كل اهتمامك ومشاعرك, وإلا فقد تكون ممن يقول: أين هم؟. أرنا الذين أضلانا, أين هو المطوع الفلاني؟ أو فلان, الزعيم الفلاني, المسئول الفلاني, نجعلهم تحت أقدامنا, لا ينفع.

أكرر بأن هذه الآيات يجب أن ننطلق منها لنبحث عن أي شخص نقارنه ما مواقفه؟ ما اعتقاداته؟ هل سيكون من ذلك النوع الذي سأقول: {يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين } أرفضه الآن, وأجعل بيني وبينه بعد المشرقين الآن.

أولئك الذين نقدسهم تحت عناوين صحابة ونحوها, إذا ما اكتشفت بأن ما صدر منهم هو مما أضل الأمة فتبرأ الآن, تقدسهم تنزههم تدافع عنهم, بمنطق باهت لا تملك حجة, وهدي الله يحجك أيضاً, متمسك بهم, متمسك بهم، (مرفد) للصحابة لكي لا يسقط أبو بكر, في يوم القيامة في الآخرة قد تكون ممن يقول هذا, فلاحظ كيف عرض القرآن الكريم بشكل أمم, وبشكل كبار زعماء ووجهاء, وبشكل جلساء قرناء, أليست كل الفئات؟. يقول لك: ابحث قبل أن تربط نفسك بهذا الشخص، بهذا الزعيم, بهذا الكبير, بهذا الوجيه, بتلك الأمة, بتلك الفئة, انظر قبل أن تربط نفسك أو تتأثر بهم, قبل أن تتأكد بأنهم ليسوا من هذه الفئات التي سيندم من ارتبط بها يوم القيامة حيث لا ينفع الندم.

هذا ما يجب أن نهتم به, وأن نبني عليها الشباب أنفسهم من يتعرضون كثيراً لجلساء السوء, خاصة إذا كان جليساً كريماً يقدم بارداً, يقدم قاتاً, يضيفه, يظهر الاهتمام به والاحترام له, في حالة نشوة الشباب, في تلك الفترة التي يريد الشاب أن يرى فيها نفسه أنه محط احترام الآخرين, ويلمس في نفسه أنه رجل, متى ما احترمه أحد من هناك يرتبط به وينشد إليه لأنه لبى فيه رغبة هو يبحث عنها, فسرعان ما ينخدع به, وسرعان ما يربط نفسه بقرين سوء.

الكبار كذلك قد يكون لي موقف, قد تحصل لي قضية فيقدم طرف من الأطراف خدمة معي, فيصبح لدي صديقاً حميما, ويصبح لدي - على الرغم مما هو عليه- خليلاً وقرينا, لا.. إذا حصل وبغير اختيار منك وبغير بحث منك أن قدم أحد من الناس إليك جميلاً يمكن أن تكافئه على جميله, يمكن أن ترد إليه إحسانه, لكن واجعل نفسك بعيداً عنه, لا ترتبط به فيصبح قرينا ويصبح لديك صديقاً, مواقفك مواقفه, رأيك رأيه, وجهتك وجهته, قد يكون من هذا النوع الذي تقول يوم القيامة: { يا ليت بيني وبينك بعد المشرقين فبئس القرين} فترى أن كل ما قدم لك في الدنيا لا يساوي شيئاً أمام هذه الورطة العظيمة التي وقعت فيها.

المهم أن لا ترى شيئاً فوق نجاتك يوم القيامة, لا ترى شيئاً في الدنيا هنا فوق نجاتك يوم القيامة, كل شيء سوف يؤدي إلى هلاكي يوم القيامة أرفضه هنا كائناً ما كان.

أسأل الله سبحانه وتعالى أن يوفقنا جميعاً لأن نكون من أوليائه, ومن أولياء أوليائه, وممن يحبون فيه ويبغضون فيه, وممن يوالون ويعادون فيه, إنه على كل شيء قدير

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 5:37 pm، تم التعديل 3 مرات في المجمل.

علي الحضرمي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 1036
اشترك في: الثلاثاء مايو 09, 2006 10:20 am

مشاركة بواسطة علي الحضرمي »

دروس من هدي القرآن
معرفة الله _ وعده ووعيده
الدرس الحادي عشر

(قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم)

ألقاها السيد / حسين بدر الدين الحوثي
بتاريخ
30 / 1 / 2002 م


هذه الدروس نقلت من تسجيل لها في
أشرطة كاسيت ، وقد القيت ممزوجة
بمفردات وأساليب من اللهجة المحلية
العامية .
وحرصاً منا على سهولة الإستفادة منها
أخرجناها مكتوبة على هذا النحو .
والله الموفق .


إعداد / ضيف الله صالح أبو غيدنة




بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين .
وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطاهرين .
ولنبدأ في الدرس ،درس حول دعوة من الله سبحانه وتعالى لعباده في آيات كلماتها من أرق الكلمات وألطفها ، منها يستشعر الإنسان رحمة الله الواسعة التي تتجلى في عمله على أن يهدي عباده إلى ما ينقذهم من عذابه الشديد .
قال الله سبحانه وتعالى {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (53) وَأَنِيبُوا إِلَى رَبِّكُمْ وَأَسْلِمُوا لَهُ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ ثُمَّ لا تُنْصَرُونَ (54) وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ مِنْ قَبْلِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ الْعَذَابُ بَغْتَةً وَأَنْتُمْ لا تَشْعُرُونَ (55) أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَا حَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ وَإِنْ كُنْتُ لَمِنَ السَّاخِرِينَ (56) أَوْ تَقُولَ لَوْ أَنَّ اللَّهَ هَدَانِي لَكُنْتُ مِنَ الْمُتَّقِينَ (57) أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (5 بَلَى قَدْ جَاءَتْكَ آيَاتِي فَكَذَّبْتَ بِهَا وَاسْتَكْبَرْتَ وَكُنْتَ مِنَ الْكَافِرِينَ (59) وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوىً لِلْمُتَكَبِّرِينَ (60) وَيُنَجِّي اللَّهُ الَّذِينَ اتَّقَوْا بِمَفَازَتِهِمْ لا يَمَسُّهُمُ السُّوءُ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ } سورة الزمر.
هذه الآيات– كما يقال عنها–هي من أرق الآيات في القرآن الكريم وألطف العبارات ،تأتي بهذا المنطق المتلطف { يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ } بالمعاصي ؛بما وقعوا فيه من ضلال ،لا يصدّكم استعراض ماضيكم وما كنت عليه فترى أن ماضيك كان مظلماً ،وأن أعمالك كانت كلها أو معظمها قبيحة فيتعزز في نفسك اليأس وتظن بأنه لا مقر لك سوى جهنم {قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ} (53) سورة الزمر لا تيئسوا. والشيطان قد يعمل على أن يصل بالإنسان إلى اليأس ، فإذا ما أتى إليك وأنت تحدث نفسك بماضيك وبمواقفك وبتقصيرك ، فترى أن أعمالك الحسنه قليلة جداً ،وأعمالك السيئة كثيرة جداً ،قد يعمل على أن يوجد لديك حالة من اليأس .. الله يقول { لا تقنطوا من رحمة الله } من بقاء رحمته من أن تحظوا برحمته ، وتحصلوا على ما يوصلكم إلى مستقر رحمته .
{إن الله يغفر الذنوب جميعاً } ما يبعد الإنسان عن رحمة الله هي الذنوب، ما قد يجعله يقنط من رحمة الله هي الذنوب ،ويقول كل الذنوب قد جعل لها توبة ، من كل الذنوب يمكن أن تتخلص { إن الله يغفر الذنوب جميعا } أي ذنب أنت فيه ، أي ذنب وقعت فيه بإمكانك أن تتخلص منه وتتوب إلى الله منه ،ليس هناك ذنب ليس له توبة { إن الله يغفر الذنوب جميعاً إنه هو الغفور الرحيم } هو سبحانه وتعالى يغفر لمن أناب إليه ، يتوب على من تاب إليه ،لأنه غفور رحيم ،بهذه العبارة التي تعني المبالغة-كما يقولون – أي كثير الغفران ، عظيم الرحمة .
{ وأنيبوا إلى ربكم واسلموا له } أليس هنا يرشد ؟. بعد أن دعا عباده حتى أولئك – الذين الدعوة موجهة إليهم – الذين أسرفوا على أنفسهم ، أن يقول لهم : أن بإمكانهم أن يحصلوا مما هم عليه فلا ييئسوا من رحمته إنه غفور رحيم .
ثم وجههم إلى كيف يعملون ، وهذا هو في القرآن الكريم من أظهر مظاهر رحمة الله سبحانه وتعالى بعباده ، يحذرهم ، ثم يرشدهم ،ثم يبين لهم ما يمكن أن يحصلوا عليه من جزاء عظيم برجوعهم إليه ،يتكرر هذا في القرآن الكريم كثيراً ليبين للناس كيف يعملون ليعودوا إلى إليه ،كيف يعملون ليحصلون على ثوابه ، كيف يعملون ليحصلوا على رضوانه .
{وأنيبوا إلى ربكم } الإنابة الرجوع إلى الله ،الرجوع بإخلاص،{وأسلموا له } أسلموا أنفسكم له ، أخلصوها له ،سلموها له،عبّدوها له ،سلم نفسك لله ،وأن تسلم نفسك له يعني انقطاعك إلى الله سبحانه وتعالى واستعدادك لأن تسير على هدية ،وأنيبوا أسلموا ،وأنتم ما تزالوا في فترة تقبل منكم الإنابة ويقبل منكم الإسلام ،وتنفعكم الإنابة،وينفعكم الإسلام .
{ من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } أما إذا ما جاء العذاب فإن عذاب الله لا أحد يستطيع أن يرده،عذاب الله لا أحد يستطيع أن يدفعه،عذاب الله لا تجد من ينصرك في مواجهته ليحول بينك وبينه.أن ننيب إليك أن نسلم لك قد تكون هذه حالة نفسية .. أليس كذلك؟.أستطيع أم أقول عندما أتذكر وضعيتي وأتذكر ما عملت من ذنوب أن أقول أستغفر الله العظيم وأتوب إليه بإخلاص وانقطاع إلى الله ،وما كان من الأعمال له علاقة بالآخرين أن أنوي التخلص من الآخرين .ثم أرسخ في نفسي استعدادي التام للإسلام لله .
ثم ماذا بقي إذاً ؟.هناك منهج تسير عليه ،هذه حالة نفسيه قد تحصل لديك ،لكن ليس إلى هنا وانتهى الموضوع ،انطلق ، هذه هي بداية رجوعك إلى الصراط المستقيم ،إلى الطريق الذي يوصلك إلى رضوان الله وجنته .
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } لا تتوب من ذنب ثم تعود إلى الوضعية السابقة إلى حالة فراغ ،أن توطن نفسك على الاستعداد للعودة إلى الله والإسلام لله ثم تظل في نفس الوضعية السابقة.لا.
هذه إنما هي بداية تصحيح وضعيتك للتخلص من الماضي المظلم ، يبدأ باستعداد نفسي يتمثل في التوبة ، وتوطين النفس على الاستسلام لله سبحانه وتعالى ،ثم الانطلاقة العملية ..وهي ماذا؟.الأتباع لأحسن ما أنزل إليكم من ربكم .
أنت عندما تتوب من ذنب ثم تضل في وضعيتك السابقة فارغ لا تتوجه توجهاً عملياً فأنت معرض لأن تعود إلى الذنب من جديد ، ثم لا تدري – استغفر الله العظيم وأتوب إليه - وتبقى على نفس الوضعية الأولى فستدخل في الذنب من جديد وهكذا، حتى يتغلب عليك الشيطان فيكون هو الذي يغلبك في الأخير .
التوبة هي بداية رجوع،هي الخطوة الأولى على طريق العمل الذي يتمثل في إتباع أحسن ما أنزل الله إلى عبادة ،ولأن هذا هو الذي يوفر لك أمناً من الوقوع في المعاصي من جديد على النحو الأول ،وأنت منطلق لإتباع القرآن الكريم ،إلى العمل بالقرآن الكريم بهدايته بإرشاده ،سيبعدك هذا كثيراً جداً عن معاصي الله سواء ما كان منها ذنوب تقترف أو ما كان منها بشكل تقصير وتفريط .
ألسنا عندما نرجع إلى آيات الله نكتشف تقصيراً كبيراً لدينا ؟.حتى أولئك الذين يظنون أنهم أصبحوا من أولياء الله كم يكتشف من تقصير كثير في ميدان العمل في سبيل الله ،في ميدان الجهاد في سبيل الله ، في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله وإصلاح عبادة ..ألسنا مقصرين في هذا ؟.وهذا تقصير رهيب جداً ، تقصير كبير جداً ، لا تقبل معه – ربما – أي طاعة من الطاعات الأخرى .الإسلام دين مترابط ،دين متكامل لا يقبل منك هذا وأنت تارك لهذا ورافض له ،يجب أن تتحرك في كل المجالات ،أن تتحرك بكل إمكانيتك في كل المجالات ؛لأن الله أنزل إلينا دين كاملاً فلماذا يكون تطبيقنا له منقوصاً؟.لو كان يمكن أن يقبل منا المنقوص لأنزل إلينا جزء من الدين{ اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا} فلماذا هذا الدين الكامل ننطلق في مجال تطبيقه تطبيقاً متناقصاً؟. والله ربطني بهذا الدين الكامل ،ووعده بالجزاء الحسن في الدنيا والآخرة مرتبط بهذا الدين الكامل .
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم } كأن هذا يوحي أيضاً بأن التوبة نفسها لا يكون لها أثر إذا لم تنطلق أنت في إتباع ما أنزل الله إليك ،وهنا يقول{ما أنزل } ولم يقل ( بعض ما أنزل ) ..هل قال ( بعض ما أنزل ) ؟.ما الذي أنزل؟.تصفح آيات القرآن الكريم ستجد ماذا أنزل . في الوقت الذي أنزلت فيه الصلاة والزكاة التي نحن نعملها أنزل فيه الجهاد،أنزل فيه وحدة الكلمة ،أنزل فيه الاعتصام بحبله جميعاً ،أنزل فيه النهي عن التفرق ،أنزل فيه الأمر بالإنفاق في سبيل الله ،أنزل فيه الأمر بالنصيحة والتواصي بالحق ،أنزل فيه أشياء كثيرة أخرى هي أكثر مما نعمل .
أعتقد أن ما نضيعه من الإسلام ونتركه هو أكثر بكثير مما نطبقه ..حقيقة تعال وأعمل جدول بما تحدث عنه القرآن الكريم ودعا عباد الله إليه ثم انظر كم هي التي نطبقها وتعد واحده اثنتان ثلاث إلى سبع من مئات الأحكام والإرشادات والتوجيهات التي هي تمثل الدين الكامل لله سبحانه وتعالى .
وعندما يقال في أصولنا أن التوبة يجب أن تكون توبة من كل الذنوب {إنما يقبل الله من المتقين } أن تتوب من ذنب واحد وأنت مصر على ذنوب أخرى ،فيجب أن نفهم كلما قلنا (ذنوب) أن الذنوب ليست فقط تلك التي يتبادر إلى أذهاننا اقتراف معاصي معينة ,التقصير من الذنوب الكبيرة ،القعود عن العمل في سبيل الله عن الإنفاق في سبيله عن الجهاد في سبيله عن الاعتصام بحبله ،التقصير فيها من الذنوب الكبيرة ،{ولا تكونوا كالذين تفرقوا من بعد ما جاءتهم البيّنات وأولئك لهم عذاب عظيم } يقال في أصولنا : أن الكبائر ما توعد الله عليها فهي كبيرة ..ألم يتوعد بعذاب عظيم على التفرق والاختلاف ؟ فهي معصية كبيرة .
فعندما يقولون بأن التوبة يجب أن تكون من كل المعاصي فتوبة جزئية من معصية وأنت مصر على معاصي أخرى ،وأنت في وضعية عصيان باعتبارك مقصر أيضاَ تقصيراً لا مبرر لك فيه ،فتوبتك لا تقبل حتى من الأشياء التي نحن متفقون في عرفنا على أنها معاصي .
الناس الآن أصبح لديهم عرف أن تلك الأشياء التي وجهة الله عباده إليها وألزمهم بها لا نجعل التخلي عنها معاصي ..ألسنا نصف بعضنا ببعض بأنهم مؤمنين ،ونقول عن فلان أنه من أولياء الله ونحن نعلم جميعاً أننا مقصرون في أعمال كبيرة جداً هي من أساس الإسلام بكله .
لا يصح أن ندعي بعضنا بعض باسم الإيمان ونحن في هذه الحالة ،لا لكبير لا لعالم ولا لجاهل ،لا يصح ..كيف أسميك مؤمنا وأنت تسميني مؤمنا ،أسميك ولياً من أولياء الله وأنت تسميني ولياً من أولياء الله ونحن جميعاً نعرف أننا مقصرون في العمل في سبيل الله ..ألسنا قد تعرفنا على نبذ الكتاب ،وقد اتفقنا على أن هذه لم تعد ذنب ولا معصية ، الناس هكذا وصلوا الآن كلنا اتفقنا على هذا وقد اتفقنا على الأشياء الباقية هي ما نسمي بعضنا بعضاً إذا كان يؤديها باسم ( إيمان ) فنقول : ( سيدي فلان من أولياء لله..الحاج فلان من أولياء الله ). لا تجد سيدي فلان ولا الحاج فلان يعملون في سبيل الله ، فلسنا من أولياءه ،ولسنا مؤمنين فعلاً .
ألم يقل الله {إنما المؤمنون الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله أولئك هم الصادقون}هنا سنكون صادقين إذا قلت لك :أنت مؤمن .وتقول لي أنا مؤمن ،لكن نحن كاذبون إذا كنا لا نعمل في سبيل الله ،ولا نجد في العمل في سبيل الله فتقول لي مؤمناً وأقول لك مؤمناً ،هنا قال{أولئك هم الصادقون}وحدهم هم هؤلاء الصادقون في إيمانهم ،فأنا وأنت كاذبون ،بعد أن دعا عباده إلى العودة إليه ،العودة هي هذه أن تنيبوا أن تسلموا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم ،ويكرر أن الذنوب سواء ما كانت بشكل معاصي المعاصي التي نحن معترفون بها ومتفقون عليها ، أومن المعاصي التي قد تعارفنا أ،ها ليست معاصي ،يجب أن نتخلص منها ونعود إلى الله وإلا فهناك العذاب الذي كرر في الآية مرتين ، {من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون } {من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } .
لا حظ هنا في قول الله تعالى {وأنتم لا تشعرون} {واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } الحالة التي نحن فيها ..ألسنا متفقين ومع بعضنا بعض بأننا مؤمنون ؟.قد يأتينا العذاب يوم القيامة بغتة ونحن لا نشعر ثم نتعجب! ألم نكن مؤمنين فما بالنا ؟. لأنه في اتباع القرآن يحصل هكذا من جانبنا ،وهو ما نحن عليه كباراً وصغاراً ..أليس كذلك؟.أن جزءاً كبيراً من القرآن الكريم لا نعمل به إذا فنحن نسير ونحن معصبون على أعيننا ،فقد لا تفتح عينيك إلا وترى جهنم أمامك من حيث لا تشعر.
{اتبعوا أحسن ما أنزل إليكم } ولأن في توجيهات الله داخل القرآن الأحكام الشرعية الهداية من الله سبحانه وتعالى داخل القرآن الكريم مثل الجهاد في سبيل الله ،الجهاد سماه الأمام علي عليه السلام (سنام الإسلام ) .يرتبط به أشياء كثيرة فهناك حسن وأحسن داخل التشريع نفسه ،فالأحسن هو الذي يقودك إلى أن تطبق كلما هو مرتبط به ،ومتى ما انطلقت للاهتمام به ستهيئ نفسك والآخرين سيهيئون أنفسهم لأن يطبقوا كلما هو مرتبط به من هداية الله سبحانه وتعالى من الأعمال والأقوال والسلوك وغيرها .
لكن متى ما أهمل الناس هذه المبادئ المهمة الكبيرة أهملوا كلما وراءها، أو انطلقوا في الصغار بشكل لا يترك أثراُ .من يتأمل في سيرة القدامى من أئمة أهل البيت عليهم السلام يرون هكذا أن هناك في الإسلام أشياء الدين كله مرتبط بها متى ما غابت أصبح الدين كلا شيء ،وأصبحت أعمال الناس كلا شيء .
اجتمع مجموعة من كبارهم في بيت واحد من أولياء أهل البيت محمد بن منصور المرادي وكانوا يصلون فرادى وهم مجتمعون ،وليس من منطلق أنه لا أحد يثق بالآخر كلهم يقدرون بعضهم بعضاً ويحترمون بعضهم بعضاً من كبار علماء أهل البيت لكنهم يرون حتى صلاة الجماعة أصبحت لا تصح مع غياب إمام حق ،فكانوا يصلون فرادى .فطلب منهم محمد بن منصور المرادي أن يعينوا شخصاً وأن يتفقون على شخص منهم يجعلونه إماماً قال :لنتمكن من أن نصلي جماعة فتصح جمعتنا وجماعتنا .
فيرى الناس متباينة قلوبهم يستنكرها لا ألفة فيما بينهم لا أخا فيما بينهم لا صدق فيما بينهم لا وفاء ، لا اهتمام بشأن بعضهم بعض ..أليست هذه حالة نحن نلمسها في المجتمعات ..تحصل هذه إذا ما حصل تقصير .
ويدل هذا على أن تلك الأعمال التي تعملها هي لا تقبل منك ،ما يدرينا هل صلاتنا مقبولة؟.هل صيامنا يقبل ؟ ،هل زكاتنا تقبل؟ ،ربما أقصى ما يمكن إذا صحت صلاتنا وصيامنا وزكاتنا فقط لا نؤاخذ على أننا تركنا الصلاة وتركنا الزكاة وتركنا الصيام ،لكن أن تقبل منا فنعطى ثواباً وجزاءً من الله عليها هذا شيء آخر ،فقط لا نؤاخذ بأننا تاركي صلاة ،أنا أصلي لكن صلاتي لا تقبل ،في الوقت الذي لا تقبل قد يكون أكثر ما أحصل عليه من خلالها هو أنني لا أعذب بأنني تارك صلاة ،لكن أنت تحصل على الثواب الكبير من الصلاة ..ألسنا نتزاحم في المساجد جماعات ،ونقول الجماعات بخمسة عشرين صلاة؟. ، لا أعتقد بأنها قد تقبل حتى الصلاة الواحدة بالشكل المطلوب وهي أشياء كثيرة .
ألم يربط هنا التوبة نفسها وقبول التوبة بإتباع أحسن ما أنزل إليكم من ربكم؟.التوبة من هذا الذنب أو من هذا مرتبطة بالإتباع لأحسن ما أنزل إليهم من الله ،وأن ينبهنا على هذا{من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة } وهذه هي الخطورة .
نحن في مسيرتنا نرى أنفسنا كأننا نؤدي كل شيء بالشكل التام ..ألسنا نتوقع أننا قد نتعذب أليس كذلك ؟. هل سيكون العذاب بالنسبة لناس على هذا النحو عندما يرون أنفسهم أنهم قد يقعوا في العذاب هو يعتبر مفاجئاً بالنسبة لهم ..أليس يعتبر مفاجئاً بالنسبة لهم ؟.لكن المجرم .. أليس المجرم هو يتوقع أنه سيؤاخذ على أعماله ؟.إذاً لم يكن العذاب بالنسبة له مفاجئة ،السارق أو الذي يعمل معصية هل سيكون السجن له مفاجئاً ؟. لا . هو يعرف من بداية ما يدخل بين أموالك ليسرق أنه في حالة يمكن أن يسجن ولهم الحق أن يسجنوه فلن يكون السجن مفاجئاً ،سيكون مفاجئاً لك أن تكون في بيتك فيدخلون ليدعوك ويقولون جاوب فيسجنوك وأنت لا تدري لماذا .. أليس مفاجئاً ، هذه بغتة .هكذا قد نكون في وضعية متفقين مع أنفسنا أننا نمشي في طريق الجنة ،وأننا نعمل بالقرآن لكننا في الواقع كافرين أو تاركين أو رافضين لأشياء مهمة هي من أحسن ما أنزل الله ،فلا يفتح الناس أعينهم إلا على شفير جهنم ،سيكون هناك العذاب بالنسبة لهم مفاجئاً سيكون بغتة {وأنتم لا تشعرون}بأنكم كنتم تتجهون إلى طريق جهنم بأن تلك الذنوب هي قد تؤدي إلى جهنم. لا يمكن يوم القيامة أن نقول :والله لا سرقت ولا زنيت ،ولا قتلت نفساً محرمة ولا أكلت مال أحد.أليست هذه هي العبارات المعروفة لدينا ؟.لكن باقي أشياء ارجع إلى القرآن الكريم تجد أنه بقي أشياء كثيرة .
هل جاهدت في سبيل الله ؟.لا.ألم يقول الله لك {أم حسبتم أن تدخلوا الجنة ولما يعلم الله الذين جاهدوا منكم ويعلم الصابرين } ألم يقل هكذا؟. هل يمكن أن تضيفها بين هذه؟.فتقول: لا قتلت نفساً ، ولا أكلت مال أحد ،ولا جاهدت في سبيل الله .وفعلاً أنك لم تجاهد في سبيل الله ، مكنك أن تقول : الحمدلله أنا مصلي وصائم ومزكي وحاج بيت الله .وماذا ؟.ألم ينتهي ؟. هل هناك شيء آخر .هل يمكن أن تقول : ومنفق في سبيل الله ،ومجاهد في سبيل الله ،وآمر بالمعروف وناهي عن المنكر
،ومتعاون على البر والتقوى ،ومتوحد مع إخواني ،وأوصي الآخرين بالحق وبالصبر على الحق ، وأقول كلمة الحق ..الخ . أشياء كثيرة غائبة .
لنا أربع أو خمس نعدها من أحكام الله ونفعلها ،الأربع أو الخمس هذه –لو تفهموا- الغاية منها وهي كلها في خدمة تلك المبادئ الضائعة كلها ،الصلاة الزكاة الحج الصيام كلها في خدمة المبادئ المهمة التي ركز عليها القرآن والتي أعلاها الجهاد في سبيله والعمل على نشر دينه ،ومحاربة أعدائه.
ألم يقل في الصلاة :{إن الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر }؟. الزكاة كذلك ،أليس جزء منها في سبيل الله ،حتى أولئك الفقراء الذين يعطوا من الزكاة ،ولتهيئة المجتمع في داخلة ،أن لا يكون هناك فئة تعيش مبتعدة نفسياً عن الفئات الأخرى فالفقير يجد نفسه يأكل مع الغني من أمواله ،فليس بينه وبينه بون في داخل أعماق نفسه فهو قريب منه إذاً قريب من أن يتوحد معه ،ولهذا وجبت الزكاة في العين ،في أعيان الأموال ،لا تقبل نقداً إلا في حالات خاصة عندما يكون النقد هو الأصلح ،وإلا فالواجب في الزكاة أن تكون من العين .. لماذا ؟.
لأن الفقير الذي يرى المزارع ،يرى الأموال ،يرى بأنه سيحصل معك من هذا المال ،وسيأكل معك من هذه المزرعة ،ويخزن معك من هذا القات ، ويشرب قهوة معك من ذلك البن ،ويحصل على علف من ذلك العلف فيكون الناس في واقعهم كأنهم أسرة واحدة ،يعمل على تعزيز الروابط فيما بينهم. الفقير إذا ما أصبح يرى كل شيء ،ويرى أنه لا احد يعطيه شيئاً فالزكاة لا يعطى له شيء منها ،سيصبح في وضعية بعيدة عن الآخرين جداً فهو بعيد عنهم بنفسيته ،بل قد ينطلق ليسرق أموالهم ،ينطلق لينهب ، يحسد إذا ما رآك في نعمة فوجبت الزكاة في العين .
فأي فقير يرى الأموال وكأنها له ،يعطيه هذا وهذا ،الزكاة من عين ما رأى ،فلا يحقد ،ولا يحسد ،ولا يعادي ،ولا يتعدى ..كيف يسرق وهو يرى بأن بإمكانه أن يعطى حلالاً من ذلك القات ،كيف سيتعدى على ثمارك من الحبوب ونحوها وهو يرى بأنك ستوصل إلى بيته زكاة من هذا المال.
الزكاة نفسها تخدم أو تعزز الروابط الاجتماعية فيما بين الناس ،والعلاقات والرابط النفسية لتهيئهم لأن يكونوا مجتمعاً موحداً ،ولا يكون مجتمعاً قلقاً في داخله مشاكل كثيرة تصرفه عن القضايا الكبيرة فيكون مهيئاً لأن يكون أمة تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر وتدعوا إلى الخير .
هكذا كل الأعمال التي نمارسها إنما هي في واقعها من غاياتها الكبرى أن تخدم القضايا المهمة في الإسلام .
{واتبعوا أحسن ما أنزل إليكم من ربكم من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون }لأن هذا يوحي بأن هناك ذنوب نحن لا نشعر بها بأنها ذنوب قد اتفقنا مع أنفسنا لا أحد يتحدث إلى الآخر بأنا مقصرين ..ألم نتفق على هذا ؟.فأصبحنا فعلاً نغش بعضنا بعضا ،تعظني،وأعظك ولا أسمع منك ولا تسمع مني كلمة ترشدني أو ترشدك إلى أن هناك شيء نحن مقصرون فيه .انتهى الأمر أصبحنا لا نشعر فأتينا العذاب ونحن لا نشعر.وإلا فالمذنب الذي يقترف الذنوب المعروفة هو يشعر أنها ذنوب وراءها عقوبة ويستحق عليها عقوبة .من هو ذلك الذي سينطلق ليعمل جريمة من هذه الجرائم وهو يرى أنه لا يستحق عقوبة؟.وأنه لو جاء أحد يريد أن يعاقبه فإن ذلك سيكون مفاجئاً له .المجرم يعرف أنه يستحق أن يعاقب ،فهذا يوحي بأن هناك ذنوب هي من هذا النوع ،التي الناس ألغوها من قائمة التذكير لبعضهم بعضاً بأنهم مقصرين ،وأنهم بتقصيرهم مقترفين لها.
ثم ماذا يمكن أن يحصل من وراء الذنوب هنا في الدنيا والتقصير هنا في الدنيا يوم القيامة سيكون يوم ندامة وحسرة للمقصرين للذين أسرفوا على أنفسهم ولم ينيبوا إلى الله ،ولم يسلموا أنفسهم له ، ولم يتبعوا أحسن ما أنزل إليهم .يبدأ يتحدث ما يمكن أن يحصل بعد أن قال بالنسبة للعذاب{من قبل أن يأتيكم العذاب ثم لا تنصرون }{من قبل أن يأتيكم العذاب بغتة وأنتم لا تشعرون } يذكر بحالة الندم .ولأن الندم شيء نحن نعرفه في الدنيا ..أليس الله يذكرنا بعذاب جهنم ،ألم يجعل عذاب جهنم نار نعرفها ؟.ألسنا نعرف في الدنيا النار؟.لو أن عذاب جهنم كان عذاباً آخر نحن لا نعرف ما هو ربما ما كان يفيد التذكير لنا به ،لكن جعل جهنم عذاباً نعرف جنسه ..ناراً .
فعندما يخوفنا بالنار فنحن نعرف في الدنيا هذه النار ..أليس كذلك؟.ونحن نعرف أنه لو لم تكن جهنم إلا كهذه النار لكانت كفاية وفوق الكفاية ؛ولرحمة الله الواسعة بعبادة هكذا ينطلق ،أن يكون ما يخوفهم به مما جنسه معروف لديهم في الدنيا ،خوفنا من العذاب ثم خوفنا من حالات الندم والحسرة ..أليس الإنسان في حياته تحصل له مواقف يتندم يتحسر..هل ترى نفسك أنت في أثناء الندم وأثناء تتحسر كيف تكون ؟.
يذكرنا بأنه سيكون هناك ندم شديد وحسرة شديدة ،والحسرة والندم هو في حد ذاته عذاب ،عذاب نفسي شديد ،بل أصبح العذاب النفسي – كما يقولون- من أكثر ما يستخدم في التعذيب في السجون التعذيب النفسي غير التعذيب الجسدي ،تعذيب نفسيتك بأي طريقة .
{أن تقول نفس } يقول للمؤمن من قبل أن تصل إلى {أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله } أليس هذا تعبير عن التحسر عندما يرى نفسه إلى أين وصل به الحال أصبح من أهل جهنم ، وجهنم أمامه يراها ،هذا الشيء المخيف أن جهنم تبرز يوم القيامة أمام الناس ويسمعون تغيظها ويسمعون زفيرها ،وهو منتظر أن يساق إلى جهنم .هو في حالة من العذاب ،عذاب التحسر {يا حسرتا على ما فرطت }على ما قصرت.{في جنب الله } في طاعته ،لا حظوا لو أنهم قالوا ( في أوامر الله ). أنا قصرت فيما له علاقة بالله ،فيما كان يمكن أن أحصل عليه من خلاله على رضي الله ،وما كان يمكن أن يقي نفسي من هذه النار التي أشاهدها.لم يكونوا في يوم القيامة ممن يعمل في هذه الدنيا على أن يتعامل مع الله فيما يتعلق بالواجب فقط ،والواجب من منظار ضيق ،الذي لامناص بالقيام به على أقل مستوى .
يود أنه تمكن في الدنيا أن يعمل أي عمل فيه رضى لله ،لم تعد لديه مقاصاة لله :سأعمل فقط تلك الأوامر الخاصة التي لا مجال منها .
رأى شدة الحسرة والندامة التي هو فيها ،،ورأى العذاب عذاب جهنم أمامه ..هل الإنسان سيظهر بمظهر من يكون حدياً جداً ،وبخيلاً في أعمال الطاعات؟.لا. : ليت أني عملت كل ما يمكن أن أعمله في جنب الله وفي طاعته وفي رضاه لأسلم من هذه .
هذه الحالة هي تحصل عند كثير من الناس هنا في الدنيا عند بعض من العلماء عند بعض من المتعلمين عند بعض من المتدينين يبحث عن الحد الأدنى من الواجب بعد أن يقولون قد أصبح واجباً ،ويذهب ليسأل هذا:هل فعلاً قد وجب.اذهب فسأل عالم عن الإنفاق في سبيل الله سيقول لك :هذه آيات منسوخة بآيات الزكاة.. أليس كذلك؟.الآن اذهب وأسأل .لكن انظر ماذا يقول الناس هنا المتحسرون والمتندمون ،تندم أنه لم يعمل كل ما كان بإمكانه أن يعمل مما فيه لله رضي في هذه الدنيا ،سواء كان واجباً أو مندوباً أو مستحباً أو كيف ما كان ،لا يقاصي،لأن جهنم فعلاً أمامه ،والإنسان يفكر كيف ينجي نفسه منها ،هي ما تفكر أن تقي نفسك بأي شيء ،ليس شيئاً بسيطاً وهيناً فتكون مقاصي جداً فيما يقيك منها..هل هذا قد أصبح لازم لنا يا سيدي فلان أو يا سيدنا فلان ،هذا قد لزم ،وقد أصبح وواجباً علينا ،أم لنا مخرج ؟.
أنت تنظر أن أمامك جهنم ..أو ليست جهنم بأن تنطلق أنت فتعمل كلما يمكن أن تعمله مما فيه نجاتك منها ؟.أليس الواحد عندما يدخل في شجار على مزرعة يأتي فيفتح الشنطة كي لا يسجنوه يعطي رشوه لهذا ولرشوة لهذا ولا يقاصي.إذا قالوا له :هات عشرة ألف وسيخرجونه من السجن.فيقول : تفضلوا. وفي البيت عندما يحتاج كل يوم بمائتي ريال لحمة،ثم يقال له هات أربعمائة فيقول:هذا كثير. قد يقاصي هنا في حالة السجن لا يبالي في عشرة ألف،ويرى بأنها سهلة عليه ،لا أحد يماري فيقول : بل سأعطيك تسعة ألف وخمس مائة .وربما ولو عاد وقال :رفضوا أن يخرج إلا باثني عشر ألف . سيعطيها .
جهنم ليس مما يقاصي فيها ،فالإنسان لا ينطلق في وقاية نفسه من جهنم من منطلق المقاصاة . ليكن سؤالك للعلماء: هل هذا فيه لله رضى .هذا هو الصحيح .هل إذا أنفقت في مجال كذا هل فيه لله رضى. من الذي سيقول لك :لا؟.هذا هو السؤال الصحيح .أما: هل يلزمني ؟. هل قد أصبح واجباً عليّ ..هل .. هل ..
تختلف أنظار العلماء في هذه ،والذي يقول لك :لا.معك من وجهة نظره ، قد لا ينفعك يوم القيامة هو . قد يكون الأمر ليس كما قال ذلك الشخص ،تكون أنت في الواقع ملزماً ،إنما أنت الذي تبحث عن مخارج وحيل .انطلق في سؤالك للعلماء –إذا كنت ترى جهنم شديدة وأنها تستدعي منك أن تبحث عن ما فيه نجاة لنفسك – فقل: هل هذا العمل وقاية من النار ؟. هل هذا العمل فيه لله رضى ؟.وستجد الجواب واحداً وهذه هو الصحيح ، ستجد الإجابة واحدة .{أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت في جنب الله وإن كنت لمن الساخرين } كنت في الدنيا من الساخرين ،وما أكثر ما يسخر بعض الناس من أشياء كثيرة هي من ما تقي الإنسان من عذاب الله ومن الحسرة والندامة يوم القيامة .بل إن حالة السخرية هي ما يبعد الإنسان عن الاهتداء.قد يكون هناك من يسخر من اجتماع كهذا ؛لأنه في نفسه في حالة شعور بسخرية هل هو سيأتي؟.لا. يذهب ويقول:اتركهم فليذهبوا إلى الجحيم.سخرية،الساخر لا يهتدي ،الساخر يحول بين نفسه وبين مصادر الهداية ،وبين مجالس الهداية. { وإن كنت لمن الساخرين } .
عرض عدة حالات من حالات الندم والتحسر {أو تقول: لو أن الله هداني لكنت من المتقين} ليت أن الله هداني ،حالت تمني ،ليت أن الله هداني .فأجاب الله عليه {بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها} ليؤكد الله لعباده بأنه يأتي من جانبه تقصيراً أبداً ،بل ولا يخاطبهم بالحد الأدنى بل يكرر ويعمل على ترسيخ هدايته ،يوضح ،ويبين ،يكرر ،يؤكد ،يقسم. وليس فقط يحدثنا بالحد الأدنى ، أو بالشيء الذي يكفي فقط .
{ لو أن الله هداني لكنت من المتقين }.. لماذا لم يقل ( لكنت من المؤمنين ) ؟.
رأى أهوالاً شديدة قد يكون في الدنيا مؤمن بها مؤمناً بجهنم ..أليس الناس مؤمنين بها؟.لكن هل هم متقين ؟. قليل .ليتني اهتديت وأنا في الدنيا ،وليس ليت أن الله هداني ،فانطلقت لوقاية نفسي وأنا في الدنيا من أصل إلى هذه الحالة السيئة. هذه محط تأمل لنا جميعاً أن يقول ذلك الإنسان –ونعوذ بالله أن نكون ممن يقولها في يوم القيامة – {لو أن الله هداني لكنت من المتقين } أليس في ذلك المقام وهو يتندم ويفكر فيما كان يمكن أن يصنع له وقاية من جهنم ومن تلك الحالة السيئة حالة الندم .أم أنه قال(لكنت من المؤمنين )؟.ربما كان من المؤمنين بمعنى المصدقين باليوم الآخر ،وأن هناك جنة ونار ،لكن لم يصنع في الدنيا ما يقيه منها،وما أمثر هذه الحالة لدينا،ولهذا يخاطبنا الله سبحانه وتعالى بمثل{ يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله } وهو يخاطبك لأنك مؤمن.أنت مؤمن ولكن اتق الله،يعني أنت آمنت فانطلق في أن تصنع لنفسك الوقاية مما وعد الله به المقصرين مما توعد الله به المجرمين .
نحن آمنا بالله ..أليست هذه واحدة؟.إذاً فلننطلق في أن نعمل ،لأن إيماننا بالله أنه ماذا؟. غفور رحيم وأنه شديد العقاب ..أليس كذلك؟.أن لديه جنة ولديه نار.أنت آمنت فانطلق لتقي نفسك من عذاب الله . أنت آمنت بالنار فانطلق لتقي نفسك من النار .
{أو تقول حين ترى العذاب :ولو أن لي كرة فأكون من المحسنين }أو تقول نفس الكلام عن النفس {أن تقول نفس يا حسرتا}{أو تقول لو أن الله هداني }{أو تقول حين ترى العذاب حين ترى العذاب لو أن لي كرة } أي ليت لي كرّة أي رجعة إلى الدنيا {فأكون من المحسنين }. عرف أيضاً هناك أن ما يقي من جهنم من العذاب هو أن يكون من المتقين وأن يكون من المحسنين . كانت وقايته من العذاب تتجلى في أن تكون على هذا النحو متقياً لله محسناً .
مني أن أكون متقياً{ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا} أليست هذه من التقوى؟.وإلا فيمكن أن تكون أنت من {يا أيها الذين آمنوا} فقط.فيأتي يوم القيامة وأنت كنت فقط من المصدقين ،لكن ليس لديك ما تقي نفسك به من عذاب الله ، كنت وأنت تحت اسم (الإيمان) تنطلق في الأعمال –سواء ما كان بشكل تقصير عن أعمال أخرى – أنت تنطلق في طريق جهنم وأنت تحمل اسم إيمان ، وتحمل اسم ( مؤمن ) ،{من المحسنين} ما ذكره الله في مواضع كثير هي مواضع عملية تتعلق بالجهاد في سبيل الله وبالإنفاق في سبيله وبالاهتمام بأمر عباده ،وبالاهتمام بصورة عام بأمر دينه{والذين جاهدوا فينا لنهدينهم سبلنا وإن الله لمع المحسنين }ألم يسم المجاهدين محسنين؟.وهنا يقول صاحبنا هذا{لو أن لي كرة فأكون من المحسنين}.{سارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السماوات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس والله..}ماذا وراءها؟. {يحب المحسنين}..ألم يعرض صفات المحسنين؟.إنفاق في حالات السراء والضراء وكظم الغيظ،وعف عن الناس،وجهاد في سبيله..أليست هذه من مواصفات الناس الذين يؤهلون أنفسهم فعلاً لأن يكونوا ممن أعدت لهم الجنة وممن وقوا أنفسهم من عذاب الله ومن النار ومن هذا التحسر .
أريد أن أقول: أن ما يقوله الله عن أولئك الناس إنما يقوله بعدما تتجلى حقائق لديهم في المحشر ،فكأننا هنا في الدنيا اطلعنا على ما سيعرض في المحشر يوم القيامة.تلك الآيات التي قرأناها بالأمس كيف يتحسر هؤلاء ،كيف يلعن هؤلاء هؤلاء المضلين،كلهم يشتم المضلين ..أليس كذلك؟.تجلى لهم ألأمر بأن ما يؤدي بالإنسان إلى النار هو الضلال،وأن الضلال يأتي من أطراف أخرى..من هم؟.هذا يلعن قرينه ،وهذا يلعن الأمة الأولى التي كان يدافع عنها ويقدسها،وهذا يبحث أينهم{نجعلهم تحت أقدامنا}هذا نفس الشيء..تجلت ألأمور بشكل واضح،يوم القيامة يوم تبين فيه الحقائق .
ولم يتركنا الله ونحن في الدنيا عن أن يوضح لنا الحقائق،فعندما يقول هذا الإنسان{لو أن الله هداني لكنت من المتقين} ولم يقل ( من المؤمنين ) ولم يقل بعبارات أخرى.عرف بأن كان أكثر ما يؤدي به إلى جهنم هو وما يوصل به الأمر إلى أن يكون من أهل جهنم هو حالات تفريط تقصير،ابتعد عن أن يصنع لنفسه وقاية ،لم ينقصه تصديق بجهنم وهو في الدنيا كان يؤمن بجهنم نقصة حالة الوقاية من جهنم. {فأكون من المتقين}
أيضاً رأى الأعمال التي عرضت وأنها هي الأعمال التي يسمي صاحبها بالمحسن أي أعمال إحسان، هي نفسها التي كان لها أثر كبير في الوقاية من جهنم ،عندما رأى أولئك نجوا من جهنم وساقتهم الملائكة إلى الجنة رأى هم نوعيه أخرى ممن كانوا مجاهدين ممن كانوا منفقين ممن كانوا صابرين، ممن كانوا متقين محسنين.رأى عنده الكثير ممن سيساقون إلى جهنم أنهم كانوا وهم مؤمنون ولكن ما نفهم الإيمان اسم (إيمان) وإلا كنا مؤمنين ،بمعنى مصدقين باليوم الآخر وبالنار،لكن أولئك الذين يساقون إلى الجنة متقين محسنين ،ألم يقل الله هناك عن الجنة{أعدت للمتقين} وهو يتحدث عن صفاتهم .
{بلى}ألم يكن يتمنى {لو أن الله هداني }{لو أن لي كرة}{بلى قد جاءتك آياتي} في الدنيا آيات كثيرة في القرآن الكريم ،ليس هناك أعظم من القرآن الكريم من كل الكتب التي نزلها الله إلى عباده ، وليس هناك أعظم منه في مجال البيان للناس ،وبيان صادق لا يمكن أن تقول:هذا الحديث قد يكون موضوعاً أو هذا الحديث قد يكون معارض بأقوال، وعبارات من هذه .آيات صريحة جاءت آياتي لتبين لك كيف تكون من المتقين ،وكيف تكون من المحسنين ،وكيف تنطلق في العمل فيما يرضي الله فتكون بعيداً عن التفريط في جنب الله،وكيف تكون ممن يحرص على الهدى ،وليس ممن يتحول إلى ساخر.{قد جاءتك آياتي } لكن أنت الذي كذبت بها{فكذبت بها} .هذا التكذيب لا يلزم فيه أن تقول:كذب. هل نحن في القرآن نقول: كذب؟.لا أحد يقول كذب .أبداً ،لكن في واقعنا كالمكذبين ،أعمال مهمة تتوقف عليها نجاتنا لا نكاد نعد أنفسنا لنصغي للحديث عنها أو لأن نسمعها ،ومتى ما سمعناها نكون محاولين كيف نتخلص منها ،تعامل من هو مكذب والأصل هو العمل، وإلا فمجرد التصديق باللسان قد لا ينفع .
هل التصديق بالله والإيمان بالله بمجرد الكلام ينفع؟.ألم يقل عن أولئك أنهم كافرون به وهو حكى عنهم {ولئن سألتهم من خلقهم ليقولن الله}أليسوا معترفين بالله؟.ومؤمنين بالله؟.ومصدقين بوجوده وأنه إله ؟.الإيمان كله عملي في الإسلام كله في القرآن كله ،الاعتقادات عملية ،الإيمان عملي ،أما مجرد إيمان لا يتبعه عمل تعتبر كمن ليس بمؤمن .
فإذا إيماني بالله لم ينفعني لأنني لم أنطلق في العمل على ما يقتضيه هذا الإيمان فكذلك الإيمان بآيات الله أما الإيمان بآيات الله سيكون أكثر من الإيمان بالله هو.الإيمان بآياته وأنت لا تنطلق في ميدان العمل بها ستكون كالمكذب بها .
{بلى قد جاءتك آياتي فكذبت بها واستكبرت }الإنسان يقف أمام آيات الله موقف الرافض لاعتبارات أخرى ،وموقف المستكبر الذي يأنف من أن يلتزم بها في واقعه .{وكنت من الكافرين}الكفر أساساً هو رفض ،فالذي يرفض في واقعه كالذي يرفض في منطقة كمن يقول:لا هذا ليس نبي،هذا ليس كلام الله.أليس هذا كفر؟.في الواقع العملي ما الذي يفرق بينه وبين من قال:نعم هذا نبي وهذا كتاب الله .
ولكنه لا يعمل بما جاء به النبي ولا يهتدي بهذا النبي..أليسوا في الواقع العملي مستويين ؟.
{ويوم القيامة ترى الذين كذبوا على الله وجوههم مسّودة – نعوذ بالله- أليس في جهنم مثوى للمتكبرين} فقد يكون مما يحمل الإنسان على الكذب على الله حالة ترفع من التزام بما هدى إليه الله ، والذي في داخل المسلمين حالات كثيرة من الكذب على الله سبحانه وتعالى ،حالات كثيرة من الكذب على الله في الاعتقادات ،وفي الحديث عن الدين ،وفي الحديث عن المواقف التي يجب أن يفقها المسلمون.ونحن أيضاً في أعمالنا في مواقفنا كمن يكذب على الله..ألسنا نقول أحياناً : لو كان هذا صحيحاً لكان سيدي فلان في المقدمة..ألسنا نقول هكذا؟.أي فليس صحيحاً.. أليس هكذا؟. ما هو هذا؟. أليس تكذيباً؟.تسير إلى العالم الفلاني فتقول :هذا فلان يقول كذا، ويقول لازم نعمل كذا ،وأن القرآن قال كذا وكذا . فقد يقول لك : ما يلزمك بكله ،أو ربما هذا شيء ربما ليس فيه فائدة .
أنت قلت في نفسك قبل،أو ستقول للآخرين :لو كان العمل هذا صحيحاً لكان سيدي فلان وسيدنا فلان والعالم الفلاني والعلامة الفلاني في المقدمة ،فليس معهم إلا كذب؟ألست إذاً كذّبت بهذا ؟. أي قلت : هذا غير صحيح فكأنك قلت : هذا عمل لا قيمة له .قلت :هذا عمل ليس لله فيه رضى . هذا نفسه مظهر من مظاهر الكذب على الله ،أنت قدمت الموضوع بأنه لا علاقة بينه وبين الله ،فأنت كذبت
بهذا .
وما أكثر ما يحصل من الناس من ضعاف الإيمان هذه التساؤلات في حالة المواقف العملية . لا أحد يسأل عن الصلاة أو عن الصيام أو عن عبادات من هذه..ألسنا ننطلق في أدائها بسهولة ، ولا أحد يذهب ليسأل إذا وجد مخرجاً منها.لكن متى ما جاءت أعمال هي الأعمال المهمة التي تتوقف عليها النجاة ،هذه الأعمال التي يتمناها هؤلاء ،التقوى الإحسان {لكنت من المتقين}{فأكون من المحسنين} تبدأ التساؤلات وتبدأ التشكيكات هذه هي من الظلم للنفس ، من جهالتنا أن أنطلق على هذا النحو ..
لماذا أتهرب مما فيه نجاتي من النار؟.لماذا أتهرب مما فيه لله رضى.. هل أن الله عدو لي فأنا أريد أن لا أعمل له إلا أقل ما يمكن ،أقاصي إلى هذا الحد ،هذه حالة غير طبيعية.يمكن أن تسأل فقط لتتأكد هل هذا مشروع أم انه محرم ،لا بأس أن تريد أن تعرف هذا العمل حرام باعتباره ليس مشروعاً باعتباره مخالف لشرع الله .
خرج رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو فقاتل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو فقاتل وتعرض للألأم ،خرج الإمام علي فقاتل ثم قتل هو وخرج الإمام الحسن فقاتل حتى خذله أعدائه ،ثم قتل هو بالسم،خرج الإمام الحسين فقاتل حتى قتل هل كان لدى أولئك نظرة إلى أنفسهم بأن الإسلام يتمثل في شخصيته فتوقف كل حركة من أجل أن لا يلحقه ألم لأنه إذا ما لحقه شيء فالإسلام ضرب بكله ،بل كانوا يرون بأن التضحية بأنفسهم هي الخدمة للإسلام وهي الحفاظ على الإسلام .
نحن مرينا بحالة من هذا كان يقال لنا أيام العمل في حزب الحق في بدايته وما زالت القضية أن الناس غير متأكدين أن الحزبية مسموحة أم لا يقولون:اتركوا ستثيرونهم على العلماء على أحد من العلماء .أصبحت النظرة أن الحفاظ على شخص العالم ليبقى حياً هي الحفاظ على الإسلام،ليس كذلك بل على العالم أن ينطلق هو ويتقدم المجاهدون في سبيل الله هو ثم ليقتل هو.هذا هو العمل للحفاظ على الإسلام ، هذا هو العمل في خدمة الإسلام .
عندما زرنا مدينة (قم) خارج المدينة جسر معترض على الخط فيه ما لا يقل عن صورة سبعين عالماً سقطوا شهداء في سبيل الله..ألم يحفظ الإسلام في إيران عندما سقط العلماء شهداء؟.
أن يأتي عالم فيظن أن الحفاظ على شخصه هو الحفاظ على الإسلام فهذه نظرة مغلوطة،أن يقول لك أو يقول لي:لا تتحرك لأنك ستؤدي بهذا العالم أو ذلك العالم إلى أن يقتل،فحافظ عليه حرام يعتبر حرام ستقضي على الإسلام .لو أنهم خرجوا وصدعوا بالحق لما وصل العامة إلى ما قد وصلوا إليه من الضلال ..
ألم ينتشر الوهابيون في كل منطقة؟.ألسنا الآن نعيش حالة التهويد للمجتمع؟.حالة الارتداد بعد الإيمان ؟.
قد يكون هناك علماء لهم عذرهم فيما بينهم وبين الله لكن أن تكون قاعدة عامه هي القعود.هي أن لا تتحرك من أجل أن لا يحصل كذا من أجل أن لا يكون كذا ،هذا هو الذي يضرب ألإسلام .
الله أكبر/ الموت لأمريكا..الموت لإسرائيل..اللعنة على اليهود / النصر للأسلام
ولأن الكذب على الله سبحانه وتعالى قد يكون أحياناً فيما هو صد عن مواقف حق ،صد عن حق هي تقوى تقي الإنسان من النار(وجوههم مسّودة ) كتلك الآية من صورة عمران ( يوم تبيض وجوه وتسود وجوه فأما الذين اسودت وجوههم أكفرتم بعد إيمانكم فذوقوا العذاب بما كنتم تكفرون ) يحصل كذب على الله .
ومتى سيحصل لديك الرغبة في أن تدخل في قضية هي في الواقع كذب على الله إلا في مواجهة أعمال أخرى،هكذا يحصل في العادة .من الذي سينطلق تلقائياً من جهة نفسه بغير أي باعث آخر ليكذب على الله؟. لكن عندما تظهر دعوات حق عندما يظهر أعمال حق عندما يظهر مواقف حق هنا تظهر في الجانب الآخر الكذب على الله .
وقد يكون الكذب على الله بشكل فتوى، فتوى محرمة تصدر ممن يحمل اسم علم،وقد يكون كذب على الله بعبارة تنطلق من ألسنة الناس للصد عن تلك المواقف الحق فلأنهم صدوا عن مواقف حق فكأن صدهم هو مما سود وجه الحياة فتكون وجوههم مسودة .
أليس التاريخ أسود؟.أليس الواقع أسوداً ومظلماً ؟.هكذا من يعملون على أن يبقى هذا الوضع مظلماً تكون وجوههم مسودة..{أليس في جهنم مثوى للمتكبرين } .
وربما قد يكون مما يدفع الإنسان إلى أن يكذب على الله في مواجهة موقف أنه في نفسه متكبراُ ليس مستعداً أن يكون مع هؤلاء أو من أتباع هؤلاء ،فيستكبر ويأنف لأنه عود نفسه أن يكون هو الكبير الذي يمشي الناس ورائه أن يمشي ورائه الآخرون من أهل الحق.لا.. إذاً هو سيكذب ، وإذا كان الكذب لا ينفق إلا باسم الدين فهذا هو الكذب على الله ، وهذا ما يحصل .
{وينجي الله الذي اتقوا بمفازتهم} التقوى هي التي تنجي الإنسان {وينجي الله الذين اتقوا بمفازتهم} بما علموه مما حقق لهم الفوز(لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون) إذا فأعمل لأن تكون من هؤلاء فنعمل لنكون من هؤلاء ممن – ان شاء الله – (لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون ) .
فأنطلق في عملك من قاعدة أن في هذا العمل لله رضى.. وسترى أنت أن هذا العمل مهم جداً ،وسترى كل شيء –تقريباً- واجب في الأخير ،سترى لأهمية هذا في تحقيق هذا الواجب وفي خدمة هذا الواجب سترى الدنيا كلها تصبح تقريباً واجب ،كل شيء واجب .
الذي ينطلق يفرق بين الأحكام فيقول: هذا لم يجب ،وهذا لا يلزم.قد يكون ممن ليس لديه اهتمام بقضايا كبيرة فهو ممن لا يعرف قيمة ما يخدم هذه القضايا ،لا يعرف قيمة مما يخدم إصلاح وضعية الأمة ،ما يخدم إعلاء كلمة الله فيراه لا يلزم،وهذا لا يلزم ،وهذا لا يلزم.وانتهت كلها.لكن متى ما انطلقت ستكون من أولئك المتقون الذي حكى الله عنهم في قوله(الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ).اذهب فسأل عن هذه الصفات سيقال لك :كل هذه في قائمة المندوبات في قائمة المندوبات كلها.الإنفاق في سبيل الله قالوا منسوخ بآية الزكاة.وانتهى الموضوع ،فالذين ينفقون في السراء والضراء عبارة عن تطوعات فقط يعني مندوبة يريد قليل حسنات وكظم غيظ وعفو عن الناس.بينما هي وردت هنا في أبرز صفات المتقين الذين أعدت لهم الجنة،وستراها أعمال مهمة جداً ثم قد تراها واجبة عليك في حالات كثيرة واجبة .
عندما تكون أنت لديك اهتمام كبير فتعرف أهمية هذا في خدمة هذا الذي نهتم به .
كيف يقول عن الجنة التي أعدت للمتقين ثم يتحدث عن مندوبات فقط ويترك الواجبات المهمة هناك لا يأتي بها إلا ليقول لك:المتقون هم أناس عمليون،هم ممن لا يفكرون في أن هذا مندوب أوهذا واجب فهم ينطلقون على هذا النحو،وانطلاقة لتحقيق هذه الأشياء الأربعة :إنفاق في حالة السراء والضراء، وكظم الغيظ ،والعفوعن الناس هي من الأسس المهمة في ميدان العمل لإعلاء كلمة الله سواء سميتها مندوبات أو سميتها واجبة؛أنه لابد –وأنت في حالة العمل لأن تكون من المتقين- لابد وأنت معدود من المتقين أن تكون متحلياً بها ؛لأنه هكذا وصف المتقين بأنها صفة من صفاتهم اللازمة وليس فقط في النادر.. ألم يأت بها مصدرة بــــ(ال) ( الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ) كصفة دائمة لديهم { لا يمسهم السوء ولا هم يحزنون } .
أسأل الله سبحانه وتعالى أن يجعلنا من أولياءه ( الذين لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ) وأن يرزقنا الرغبة في العمل بما فيه رضاه ،وأن يتقبل منا ويجعل أعمالنا خالصة لوجهه الكريم .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
آخر تعديل بواسطة علي الحضرمي في الخميس يوليو 13, 2006 5:33 pm، تم التعديل مرة واحدة.

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس الروحي“