الاصطفاء .... ( من كتاب الله ) ... زيدي - جعفري (2) !!!

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

الاصطفاء .... ( من كتاب الله ) ... زيدي - جعفري (2) !!!

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ صل على محمد وآل محمد ...........

تمهيد الحِوار :

* اتففت الزيدية والجعفرية على أنّ الإمام بعد رسول الله (ص) ، هو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وأنّ الإمام بعد علي هو الحسن بن علي (ع) ، وأنّ الإمام بعد الحسن هو الحسين بن علي (ع) ، كلّ هؤلاء أئمّة بنصّ رسول الله (ص) ، وأئمة بالاستحقاق إذا ما قورِنَ حالهم وفضلهم بحال غيرهِم.

* ثمّ اختلفت الزيدية والجعفرية بعد الإمام أبي عبدالله الحسين (ع) ، فقالت الجعفرية أنّ الإمامة مازالت مُستمرّة بالنّص وأنّها في تسعة من أبناء الحسين ، ابتداءً بعلي بن الحسين زين العابدين ، ثمّ ابنه الباقر محمد بن علي ، ثمّ ابنه الصادق جعفر بن محمد ، ثمّ ابنه الكاظم موسى بن جعفر ، ثمّ ابنه الرّضا علي بن موسى ، ثمّ ابنه الجواد محمد بن علي ، ثمّ ابنه الهادي علي بن محمد ، ثم ابنه العسكري الحسن بن علي ، ثمّ ابنه المهدي محمد بن الحسن العسكري الغائب منذ عام 255 هـ حتى عامنا هذا (1428هـ) ، وقالت الزيدية أنّه لم يثبُت نصّ من رسول الله (ص) بعد الحسين بن علي (ع) ، وإخبارات الرّسول (ص) بفضل أهل البيت يدخل فيها أبناء الحسن والحسين ، كخبر الثقلين والسفينة والنجوم ، فهم أئمةٌ الناس في أديانهِم ، والدين فلا يفترق عن السياسة ، فمتى كان الرجل متبوعاً لعلمه وفضله كان واجباص أن يكون زمام الأمّة بيده لأنّه لن يُخرِجَهُم من اهتداءٍ إلى ضلال ، من نورٍ إلى ظُلمَة ، خُصوصاً إذا كان مِصباحُ هذا المتبوع الفاطمي هُو كتاب الله تعالى ، وصحيح سنة رسول الله (ص) ، وإجماع علي والحسن والحسين ومَن حذا حذوهُم من أبنائهم ، فهذا يعصمهُ من الولوج بالنّاس في مُكفهرّات الأمور ، نعم! فقالت (الزيدية) أنّ الإمامة بعد الحسين (ع) هي في أفضل النّاس ، ليسَ هذا وحسب ، بل في مَن ضمن الله والرّسول أن تكون جماعتهُم على الحق إلى ورود الحوض ، ولارتباط الدين والسياسة ، وأنّ السياسة لا تَصلُح إلاّ بعلم ، قالت أنّ أهل البيت سادات بني الحسن والحسين هم أهل الإمامة .

* موضع الاختلاف إذاً هو الدليل الذي استدلّت به الجعفرية على الإمامة النصيّة بعد أبي عبدالله (ع) ، الذي استدلّت به أنّ الأئمّة تسعة بعد الحسين (ع) ، لأنّه إن ثبتَ هذا سقطَ قول الزيدية رأساً .

النقطة الأولى : مُدراسة مَسألة النصّ على الأئمة التسعة بعد الحسين (ع) :

* نعترضُ على الجعفرية بقولِهم بالإمامة النصيّة بعد أبي عبدالله الحسين (ع) بأدلّة عدّة منها :

1- من القرآن الكريم :

كتاب الله تعالى يُخبرُ بأنّ اصطفاء الله تعالى لأهل البيت كان اصطفاءً عامّا لذرية الحسن والحسين ، وليسَ لذريّة الحسين فقط ، بل ليس لتسعة فقط من ذرية الحسين (ع) . قال الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) [فاطر :32] ، والعِبادُ الذين اصطفاهُم الله تعالى فأورَثَهُم الكتاب ، بمعنى أورثَهُم الحقّ وأنّه لن يَخرُجَ منهم وعنهم إلى ورود الحوض ، فالحقّ مُلازمٌ لجماعةٍ منهم إلى يوم القيامة ، أخبرَ الله تعالى أنّ من هؤلاء العباد الذين اصطفاهُم مَن هُو (ظالمٌ لنفسه) بفعل المعاصي وإنزاله نفسه لمرتبةٍِ شرّفه الله عنها ، و (مُقتصد) عالمٌ عابد ، و ((سابقٌ بالخيرات)) عالمٌ عابدٌ عامِل مُجاهد ، فهلاّ أخبَرَنا الجعفريّة هَل هُناكَ عبادٌ مُصطَفونَ غير أئمتهم الإثني عشر ؟! ، إن قالوا : لا . قُلنا : فالآيَة القريبةُ خاصّةٌ بأئمّتكم دون غيرهم من النّاس (لأنّها إنّما خاطَبَت عباداً اصطفاهُم الله تعالى) ، فأخبرونا مَن مِن أئمّتكم (ظالمٌ لنفسه) ، ومَن من أئمتكم (مُقتصد) ، ومَن من أئمتكم (سابقٌ بالخيرات) ؟! أمّا إن قالوا : بلى ، هُناك عبادٌ مُصطفونَ من أمّة محمد بن عبدالله (ص) غير أئمّتنا . فعندها سنقول : أخبرونَا مَن هُم ؟! ومَا هُو الدليلُ على ذلك ؟! ثمّ لماذا خَصَصتُم التسعة من ولد الحسين بالاصطفاء دون بقية بني الحسن والحسين ، مع أنّ الله تعالى يُخبرُ أنّه اصطفى الجميع ، نعم ! خُلاصَة الإلزام السّابق هُو الخروج بأنّ هُناكَ عبادٌ اصطفاهُم الله تعالى غير أئمة الجعفرية التسعة ، بمعنى أنّ اصطفاء الله تعالى كان عامّا لذرية الحسن والحسين وليس اصطفاءً خاصّا للتسعة من ذرية الحسين . إن قالت الجعفرية : ما دليلُكم على أنّ الآية خاصّة بذرية الحسن والحسين (ولد فاطمة) ، فنحنُ قد نذهبُ كما ذهب غيرنا من مفسري أهل السنة إلى أنّ الآية عامّة في جميع الأمّة . قلنا سنذكرُ الدليل من كتب الجعفرية ، ومن كتب الزيدية ، ثمّ نُطالبُ بعد قراءة الدليل والتمعن فيه الجواب عن : لماذا خصّ الجعفرية التسعة من ولد الحسين بالاصطفاء الإلهي دون إخوتهم وبني عمومتهم ، مع أنّ النص كان عامّا شاملاُ لهُم جميعاً ، وبمعنى آخَر : لِماذا خصّت الجعفرية صفة السّبق بالخيرات (الأئمة) بتسعة من ولد الحسين ، مع أنّ صفة الظلم للنفس والاقتصاد والسّبق بالخيرات عامّة شاملة لجميع ولد فاطمة (أبناء الحسن والحسين) ، إذ الزيدية تقول من آية فاطر أنّ الظالم لنفسه هُو مقترف المعاصي من أبناء الحسن والحسين ، وأنّ المُقصد هو العالمُ العابدُ الزّاهد من أبناء الحسن والحسين ، وأنّ السّابق بالخيرات هو العالم العابدُ الزّاهد العاملُ الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر من أبناء الحسن والحسين ، نعم ! ودون تطويل ، فهذه أدلّة الفريقين :

من كتب الزيدية :

1- قال فقيه أهل البيت وعالهم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (ع) (ت247هـ) :

(( ... وقال سبحانه: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ، جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا}، وهذه الآية لأهلِ بيت رسول الله (ص) خّاصة [ أبناء الحسن والحسين ]، فالظالم لنفسه: الذي يقترف من الذنوب ما يقترف الناس، والمقتصد: الرجل الصالح الذي يعبد الله في منزله، والسابق بالخيرات: الشاهر سيفه، الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، ... )) اهـ ، من جامع آل محمد ، ج6، للشريف الحافظ محمد بن علي البطحاني الكوفي ( من ذريّة الحسن بن زيد بن الحسن ).

2- قال إمام أهل البيت الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط (ع) (ت298هـ) :

((وفي ذلك ما يقول الله سبحانه: ﴿ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإذنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ﴾[فاطر: 32]، فأخبـر بما ذَكَرنَا مِن اصطفَائهم [ أهل البيت ] عَلى الخلق، ثم ميَّزهم فذكر منهم الظالم لنفسه باتباعه لهوى قلبه، وميله إلى لذته؛ وذكر منهم المقتصد في علمه، المؤدي إلى الله لفرضه، المقيم لشرائع دينه، المتبع لرضاء ربه، المؤثر لطاعته؛ ثم ذكر السابق منهم بالخيرات، المقيمين لدعائم البركات، وهم الأئمة الظاهرون، المجاهدون السابقون، القائمون بحق الله، المنابذون لأعداء الله، المنفذون لأحكام الله، الراضون لرضاه، الساخطون لسخطه ، ... إلخ )) ، اهـ من كتاب القياس للإمام الهادي إلى الحق (ع) .

من كتب الجعفرية :

[ أولاً : أقوال أئمة الجعفرية في خصوصيّة آية فاطر بأهل بيت الرسول(ص) ] :

1- روى الصّفار في بصائر الدرجات (ص44) ، بسنده :

((عن سورة بن كليب ، عن أبي جعفر عليه السلام أنه قال في هذه الآية : ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا . . الآية ، قال : السابق بالخيرات الاِمام ، فهي في ولد علي وفاطمة عليهم السلام )) .

تعليق : تأمّل تأويل الباقر صلوات الله عليه للآية ، واشتمالِها بنصّه (ع) على أبناء علي وفاطمة ، وأبناء علي وفاطمة يدخلُ فيهم بنوا الحسن والحسين ، وهذا فدليلٌ على صحّة ما ذهبنا إليه من الاصطفاء العام من الله تعالى لبني فاطمة بعموم .

2- أورد المجلسي في البحار 23/218 :

((عن أبي إسحاق السبيعي قال : خرجت حاجاً فلقيت محمد بن علي فسألته عن هذه الآية : ثمأورثنا الكتاب . . الآية ؟ فقال : ما يقول فيها قومك يا أبا إسحاق ؟ يعني أهل الكوفة ، قال : قلت يقولون إنها لهم ، قال : فما يخوفهم إذا كانوا من أهل الجنة ؟ ! قلت : فما تقول أنت جعلت فداك ؟ فقال : هي لنا خاصة يا أباإسحاق ، أما السابق بالخيرات فعلي بن أبي طالب والحسن والحسين والشهيد منا أهل البيت [ وأهل البيت هم ذرية فاطمة بني الحسن والحسين ] ، وأما المقتصد فصائم بالنهار وقائم بالليل ، وأما الظالم لنفسه ففيه ما جاءفي التائبين وهو مغفور له )) .

تعليق : وهُنا تأمّل إنكار الباقر (ع) ، لقول أهل الكوفة أنّ الآيَة لهُم ، يُريدون أنّها لجميع الأمة ، فيردّهم الباقر (ع) ، بقوله : ((هِيَ لَنا خاصّة)) ، أي هِيَ لنا يا بني فاطمة خاصّة دون بقيّة النّاس . وبني فاطمة يدخل فيهم بنوا الحسن والحسين ، فيكون هذا دليلاً على الاصطفاء العام من الله تعالى لهم جميعاً .

3- روى الشيخ الصدوق في أماليه ، المجلس التاسع والسبعون ، ص615 :

((عن الريان بن الصلت، قال: حضر الرضا (عليه السلام) مجلس المأمون بمرو، وقد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق والخراسان، فقال المأمون: أخبروني عن معنى هذه الآية (ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا) . فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الامة كلها. فقال المأمون: ما تقول، يا أبا الحسن؟ فقال الرضا (عليه السلام): لا أقول كما قالوا، ولكني أقول: أراد الله العترة الطاهرة .. إلخ )) .

تعليق :وهُنا يُردّ الرضا علي بن موسى (ع) ، قولَ مَن قال أنّ العباد في الآيَة تعني جميع الأمّة ، ويُثبتُ صلوات الله عليه أنّ الآية تخصّ العترَة الطاهرة ، ولو تتبّعنا كامل الرواية المُشار إليها لوجدنا أنّه يقصد بالعترة جميع بني الحسن والحسين ، لا أنّهُ يعني أفراداً مُيّنين منهم .

4- روى في الثاقب في المناقب للطوسي (ص566) :

((وعنه قال : كنتُ عندَ أبي محمّد [الحسن العسكري] عليه السلام فسألته عن قول الله تعالى : ((ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله)) ؟ فقال عليه السلام : كلهم من آل محمد عليهم السلام ... إلخ . )) .

تعليق : وآل محمّد فهم ذرية الحسن والحسين .

5- روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني في أصول الكافي 1/215 :

((عن أحمد بن عمر قال: سألت أبا الحسن الرضا عليه السلام عن قول الله عز وجل: " ثم أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا " الآية، قال: فقال: ولد فاطمة عليها السلام ... إلخ )) .

6- روى الصّفار في بصائر الدرجات (ص66) ، بسنده :

((عن عمّار الساباطى عن أبى عبد الله عليه السلام : ((ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا)) قال : قال : هم آل محمد .. إلخ )) .

7- روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل (وهو كتاب لهُ مكانتُه عند الجعفرية) ، 2/156:

((عن أبي حمزة الثمالي عن علي بن الحسين ، قَال : إنّي لَجَالِس عِندَهُ ، إذ جَاءَه رَجُلان مِن أهل العِراق ، فقالا : يا ابن رسول الله جئناكَ كَي تُخبِرَنَا عَن آياتٍ مِنَ القرآن . فَقَال : وَ مَا هِيَ ؟ قَالا : قول الله تعالى : ((ثمّ أورَثنا الكتاب الذين اصطَفينا)) فَقال (ع) : يَا [و] أهلَ العِراق أيش يقولون ؟ قَالا : يقولون : إنّها نَزَلَت في أمّة محمد (صلى الله عليه وآله وسلّم) فَقال : علي بن الحسين : أمّة محمّد كلّهم إذا في الجنة ! ! قّال : فَقلتُ مِنْ بَين القَوم : يَا ابن رسول الله فِيمَن نَزَلَت ؟ فَقَال : نَزَلت و الله فِينَا أهل البَيت ثَلاث مَرّات . قُلتُ : أخبِرنَا مَنْ فِيكُم الظّالِمُ لِنَفسِه ؟ قَال : الذي استوَت حَسَنَاتُه و سَيئاتُه و هو في الجنّة ، فَقلتُ : و المُقتصد ؟ قال : العابِد لله في بيته حتى يأتيه اليَقين ، فَقلت : السّابق بالخيرَات ؟ قَال : مَنْ شَهَرَ سَيفَه وَ دَعَا إلى سَبيلِ ربّه )) .


تعليق : وزين العابدين (ع) هُنا يردّ قولَ مَن قال أنّ لفظة العباد تعني جميع الأمة دون بني فاطمة أبناء الحسن والحسين . وهذا الأثر عن زيد العابدين (ع) نطقَ بعقيدة الزيدية ، وخالفَ على الجعفرية ، فالزيدية هي مَن تشترطُ الدّعوة في الإمام ، لأنّ الخروج بالسيف يعني إشهار الدّعوة ، وقول زين العابدين هذا هو نفس قول سادات أبناء عمومته من ساداتي بني الحسن والحسين ، فهذا حفيده الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين (ت247هـ) ، يقول بنفس قول جده ، وقوله (ع) في السّابق بالخيرات : ((والسّابق بالخيرات: الشاهر سيفه، الداعي إلى سبيل ربه بالحكمة والموعظة الحسنة، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر، )) .

8- وجاء في تفسير أبي حمزة الثمالي ، ص276 ، لجامعه عبدالرزاق حسين حرز الدين ، والذي قدّم له الشيخ العلامة محمد هادي معرفة ، والصادر في إيران ، جاء فيه رواية عن الشيخ الصدوق تُشبه رواية الحسكاني ، اللهم ان الصدوق رواها عن أبي جعفر الباقر (ع) ، فجاء في التفسير ، ما نصّه :

((249 - [ الصدوق ] حدثنا أبو عبد الله الحسين بن يحيى البجلي، قال: حدثنا أبي، قال: حدثنا أبو عوانة موسى بن يوسف الكوفي، قال حدثنا عبد الله بن يحيى، عن يعقوب بن يحيى، عن أبي حفص، عن أبي حمزة الثمالي قال: كنت جالسا في المسجد الحرام مع أبي جعفر (عليه السلام) إذ أتاه رجلان من أهل البصرة فقالا له: يابن رسول الله إنا نريد أن نسألك عن مسألة فقال لهما: اسألا عما جئتما. قالا: اخبرنا عن قول الله عزوجل: ((ثم أورثنا الكتب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرت بإذن الله ذلك هو الفضل الكبير)) إلى آخر الآيتين. قال: نزلت فينا أهل البيت. قال أبو حمزة فقلت: بأبي أنت وامي فمن الظالم لنفسه ؟ قال: من استوت حسناته وسيئاته منا أهل البيت فهو ظالم لنفسه. فقلت: من المقتصد منكم ؟ قال: العابد لله ربه في الحالين حتى يأتيه اليقين. فقلت: فمن السابق منكم بالخيرات ؟ قال: من دعا والله إلى سبيل ربه وأمر بالمعروف، ونهى عن المنكر، ولم يكن للمضلين عضدا. ولا للخائنين خصيما، ولم يرض بحكم الفاسقين إلا من خاف على نفسه ودينه ولم يجد أعوانا)) .

تعليق : وهُنا يُقال بقولنا السّابق ، ويُضاف أنّ قول الباقر (ع) نطق بعقدية الزيدية في اشتراط وجود النّاصر للقيام والدعوة وسلّ السيف .

9- روى الحاكم الحسكاني في كتابه شواهد التنزيل (وهو كتاب لهُ مكانتُه عند الجعفرية) ، 2/157:

((عن أبي خالد ، عن زيد بن علي في قوله تعالى : ثم أورثنا الكتاب و ساق الآية إلى آخرها و قال : الظالم لنفسه المختلط منا بالناس و المقتصد العابد و السابق الشاهر سيفه يدعو إلى سبيل ربه )) .

تعليق : وهذا قول الزيدية بعينه .

[ ثانياً : أقوال مُفسّري وفقهاء الجعفرية في خصوصيّة آية فاطر بأهل بيت الرسول(ص) ] :

10- تفسير السيد محمد حسين الطباطبائي الجعفري لقول الله تعالى (( ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطَفينا من عبادنا فمنهُم ظالمٌ لنفسه ومنهُم مُقتصد ومنهُم سابقٌ بالخيرات )) ، مع العلم أنّ هذا السيّد قد نطق بعقيدة الزيدية في الآية تماماً ، فتأمّل تفسيره الأمثل :

ملاحظة : ما بين الـ [ ] ، هُو زيادةٌ منّي للتوضيح ، [ ما كان باللون الأحمر فهو منّي ] والبقيّة من كلام السيّد.

(( وقيل وهو المأثور [ تأمّل] عن الصادقين ( عليهم السلام ) ، في روايات كثيرة مُستفيضة [تأمّل] ، أنّ المُراد بهم ذرية النّبي (ص) من أولاد فاطمة [ وهُوَ قول الزيدية ، وأولاد فاطمة هُم بنو الحسن والحسين] ، وهُم[ تأمّل] الدّاخلون في آل إبراهيم في قوله : " إنّ الله اصطفى آدم ونوحاً وآل إبراهيم ..." .... [ إلى أن قال ، مُفسّراً الطوائف الثلاث ] .... وقوله : " فمنُهم ظالمٌ لنفسه ومنهُم مُقتصد ومنهُم سابق بالخيرات " ، يُحتمل أن يكون ضمير " منهُم " راجعاً إلى " الذين اصطَفينا " ، فيكون الطوائف الثلاث ، الظالم لنفسه والمُقتصد والسابق بالخيرات ، شُركاء في الوراثة [تأمّل ، فهذا هُو قولُ الزيدية] ، وإن كانَ الوارث الحقيقي [ من أولاد فاطمة ، بنو الحسن والحسين] العالم بالكتاب والحافظ له ، هُوَ السّابق بالخيرات .

[ إلى أن قال السيّد الطباطبائي ]

وما في الآية من المُقابلة بين الظالم لنفسه والمُقتصد ، والسّابق بالخيرات ، يُعطي أنّ المُراد بالظّالم لنفسه [من ذرية فاطمة ، أبناء الحسن والحسين] : مَن عليه شيء من السيئات وهُوَ مُسلمٌ من أهل القرآن لكونه مُصطفىً ووارثاً [ وهُوَ قول الزيدية ، وتأمّل شمول الاصطفاء للظالم لنفسه في كلام السيّد] ، والمُراد بالمُقتصد [من ذرية فاطمة ، أبناء الحسن والحسين] : المتوسّط الذي هو في قصد السبيل وسواء الطريق . والمُراد بالسابق بالخيرات بإذن الله [من ذرية فاطمة ، أبناء الحسن والحسين ، وهُوَ قول الزيدية دون الجعفرية ، فالجعفرية على كلام السيّد السّابق أثبتت اشتمال الآية على ذرية فاطمة بعموم ، في صفتي الظلم للنفس والاقتصاد ، ثمّ خصّصت صفة السّبق لبطنٍ من بطون ذريّة فاطمة ، بل لجزءٍ من بطن الحسين ، مثّله التسعة ، وهذا لا يستقيم ، فإمّا أن يقولوا أنّ المُقصود بالمُصطفين هم ذريّة فاطمة بعموم ، وعليه فعليهم تعميم جميع الطوائف عليهم وتجويز الإمامة في الحسني والحسيني ، وإمّا أن يقولوا أنّ المقصود بالمُصطفين هُم ذرية الحسين التسعة ، ومنهُ ، فعليهم إلصاق جميع الطوائف ( الظالمة للنفس ، والمقتصدة ، والسابقة بالخيرات ) ، في هؤلاء التسعَة ، نعم ! نعود لتفسير السيّد للسابق بالخيرات مَن هُو ، فيقول هُوَ ] : مَن سبَقَ الظالم والمُقتصد إلى درجَات القُرَب ، فهُوَ إمامُ غيره بإذن الله ، بسببِ فعل الخيرات ... إلخ تفسيره )) اهـ من تفسير الميزان ، ج17 ، سورة فاطر .

11- يقول علي بن إبراهيم القمي في تفسيره (تفسير القمي) 2/209 : ((ثمّ ذَكَرَ [الله] آل محمد ، فَقَال : (( ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا )) ... إلخ )) .

12- أيضاً انظر تفسير نور الثقلين (4/361) وما بعدها ، للشيخ عبدعلي العروسي الحويزي ، تجده جامعاً الأخبار الدالّة على اختصاص بني فاطمة بالآية دون غيرهم من الناس ، بشكل جيّد ، فراجعه .

نعم ! وبهذا القدر من النقولات أكتفي ، وهي لذوي الألباب كافيَة .

إن قيل : فدليلٌ آخَر (غير آية فاطر) من كتاب الله تعالى تحتجّون به علينا على شموليّة الاصطفاء الإلهي لجميع ذريّة الحسن والحسين ، وعدم اختصاص التسعة من ولد الحسين بها :

قلنا : من الأدلّة على اشتراك عموم الذرية في صففة الاصطفاء والتفضيل الإلهي :

1- قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَاماً قَالَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِي قَالَ لا يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ))[البقرة:124] .

على ضوء الآية السابقة ، فإنّ الله تعالى ، وافق إبراهيم الخليل صلوات الله عليه على جعل الإمامة في ذريّته ، ولكنّه استثنى الظالمينَ منهُم . فالاصطفاء أتى قبلَ الاستثناء . وذريّة إبراهيم ( هي ذريّة محمّد ، هي ذريّة الزهراء (ع) ، بني الحسن والحسين ، لا أنّ بني الحسين التسعة هُم فقط ذريّة براهيم ، المخصوصون بالإمامة ، كما تذهب إليه الجعفريّة ) .

مثال ( يُناسب الآية ) ، ولله المَثلُ الأعلى :

لو قال الوزير للملك ، اجعل الرئاسة والمُلك في ذريّة ابنك إبراهيم ، فأجابه الملك : نعم ! سنجعلها في ذريّة إبراهيم ( وهُنا اصطفاء واختيارٌ لعموم ذريّة إبراهيم ) ، ثمّ استدرَكَ الملك قائلاً ، ولكنّ الظّالمينَ من هذه الذريّة سنمنَعُهُم الرئاسَة لعدم استحقاقهِم لها . ( وهُنا جاء الاستثناء بعد الاصطفاء ) .

ومنه أخي الجعفري ، فإنّ الآية حقاً تُفيد اصطفاء الله لعموم ذريّة الزهراء (ع) ( بطوائفها الثلاث : الظالمة ، والمقتصدة ، والسابقة بالخيرات ) ، ثمّ استثنى الله طائفة الظالمين من استحقاق الإمامة .

2- قوله تعالى : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ))[الحديد:26] .

وهُنا نجد الاصطفاء العام ظاهرٌ جلي ، فالله جعلَ في ذريّة نوح وإبراهيم النبّوة والعلم بالكتاب (وهذا اصطفاءٌ عام لجميع الذريّة) ، ثم أخبرَ تعالى أنّ من هذه الذريّة المُصطفاة (التي تكون النبوّة وعلم الكتاب فيها) من يكون مُهتدٍ ، ومَن سيكون فاسقاً ، والفاسقون أكثرُ من المُهتدون .

مثال ( يُناسب الآية ) ، ولله المَثلُ الأعلى :

لو قال المَلِك لوزرائه وكُبراء أتباعه ، سأجعلُ المُلكَ في ذريّة نوح وإبراهيم (وهذا لو تُلاحِظ ، اصطفاء عام لجميع الذرية ) ، مع أنّني أعلمُ أنّ الجديرُ بالمُلك (لصلاحه وعِلمِه وعَمَلِه) هم القليل من هذه (الذريّة) ، وأنّ الكثير من هذه الذريّة (لن يُقدرّوا جعلي لهم من أصحاب المُلك والسّلطان) وسَيظلموا أنفُسَهُم الدرجة التي شرّفتُهُم بها وسيكونوا فَاسقين .

ومنه أخي الجعفري ، فإنّ الآية حقاً تُفيد اصطفاء الله لعموم ذريّة الزهراء ، وهذه الآية تقوّي آية فاطر ، وآية فاطر تُقوّيها ، وآية البقرة تُعضدها جميعاً .

خلاصَة هذا الطرح :

* أنّ الجعفرية بنَت قولَها بالإمامة النصيّة في حقّ التسعة من ولد الحسين دون بقية بني الحسين وبني الحسن ، بسبب اصطفاء الله لهم ، واختياره لهم ، واعتمدُوا في هذا على روايات حددّت أعداداً وأسماءً لهؤلاء التسعة ، وكتاب الله تعالى يُخالف على هذه الروايات ، إذ أنّ الكتاب يُبيّن أنّ الاصفاء الإلهي لأهل البيت (ع) ، كان اصطفاءً عامّا جُمليّا ، لم يخصّ فيه بالختيار وزيادة التفضيل بطنٌ عن بطن ، ولا نسلٌ عن نسل .

* أنّ الجعفريّة مُطالبَة بتحديد تخصيص الإصطفاء الإلهي للتسعة من ذرية الحسين دون غيرهِم من أبناء الحسن والحسين . إن قالوا : النص الإثني عشري يُخصّص التسعة بالاصطفاء . قلنا : ولكنّه يُعارضُ كتاب الله تعالى ، وقد أجمعنا وأنتم أنّ قول الرّسول لن يُخالف كتاب الله تعالى . وإن قلتُم : حديث الثقلين ((كتاب الله وعترتي أهل بيتي)) ، وخبر السفينة ((مثل أهل بيتي فيكم)) ، هذه الأخبار تخصّص الاصطفاء بالتسعة . قلنا : على العكس من ذلك تماماً فهذه الأخبار تُقوّي ما ذهبنا إليه ، إذ هي أتت في جميع أهل البيت بنصّ عامٍ لا خاصّ ، ولم تقل في تسعة من ذرية الحسين ، فهي مُطابقَة لكتاب الله تعالى وللاصطفاء الذي جاء فيه ، إذ الاصطفاء في الكتاب كان عامّا شاملاً لجميع أهل البيت ، فقول الرسول (ص) في خبر الثقلين والسفينة يُوافق كتاب الله تعالى في الاصطفاء العام ، ويُخالف عليكم أصحاب الاصطفاء الخاص .

* الاعتراضات السابقة هي ما يخصّ الدلالة من قول الله عزّ جل في كتابه الكريم ، على شمولية الاصطفاء والتفضيل لذرية الحسن والحسين ، وعدم اختصاص الإمام بنسل دون نسل ، ويتبعه (بعد إتمام نقاش ما سبق والخروج بنتيجة) ، استعراض الدلالات على صحّة قولنا من قول الرّسول (ص) ، وقول أهل البيت (ع) ، ومن التاريخ بعموم .

اللهم صلّ على محمد وآل محمد .....
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الجمعة يونيو 29, 2007 3:56 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : قالتَ الزيدية أنّ الإمامة بعد أبي عبدالله الحسين بن علي (ع) ، لم يثبُت فيها نصّ على أفراد بأسماءهِم ورُسومِهم ، كما ادّعت الإمامية ، وهذا يُعارضُ كتاب الله تعالى قلباً وقالباً ، فالكتاب أخبرَ وخاطبَ أمّة محمد (ص) ، بما يُفهم منه وجود أشخاصٍ منصوص عليهِم ، ومن هذه الآيات ، قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ )) [التوبة :119] ، وإرشاده جل جلاله بالكَون مَع الصّادقين مُطلق, فيفيد استمرَارية كَونهم كَذلك, ولا أحَد مِن غير المَنصوص على صِدقه مِن الله عز وجل يُقطع باستمرارية صدقه , فيتعين النصّ على مُستمِرّ الصدق عن الله عز وجل ، وهو الإمام .

قلنا : قد تفهّمنا موضع الاعتراض ، فتهّم رحمك الله الجواب ، وهو ما نوردهُ من عدّة نقاط :

النقطة الأولى : بيان سبب نزول الآيَة :

سياق الكلام في هذه الآية كان داخلاً ضمن قصّة الثلاثة المُتخلّفين عن الرّسول (ص) في غزو تبوك ، وفي ذلك يقول جلّ شأنه : ((وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ {9/118} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ {9/119} مَا كَانَ لِأَهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُم مِّنَ الأَعْرَابِ أَن يَتَخَلَّفُواْ عَن رَّسُولِ اللّهِ وَلاَ يَرْغَبُواْ بِأَنفُسِهِمْ عَن نَّفْسِهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ لاَ يُصِيبُهُمْ ظَمَأٌ وَلاَ نَصَبٌ وَلاَ مَخْمَصَةٌ فِي سَبِيلِ اللّهِ وَلاَ يَطَؤُونَ مَوْطِئًا يَغِيظُ الْكُفَّارَ وَلاَ يَنَالُونَ مِنْ عَدُوٍّ نَّيْلاً إِلاَّ كُتِبَ لَهُم بِهِ عَمَلٌ صَالِحٌ إِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ {9/120} )) . في قول الله جلّ شأنه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)) ، خطابُ عام للمؤمنين ، فيه يُحذّرُهم من الوقوع فيما وقعَ فيه الثلاثة (كعبُ بن مالِك، وهلال بن أميّة ، ومرارة بن رّبيعة) ، من التعلّل بالأعذار الواهية لعدم الخروج ، وأنّ سبب هذا إنّما هو قلّة التقوى ، وفيه يطُلبُ الله من المؤمنين التّقوى ، والخشيَة منَ الله حقّ الاختشاء ، فالله عالمٌ بما تُخفي وتُبدي الصدور ، ثمّ يأمرُ الله تعالى المؤمنين بأن يكونوا مع الذين صَدقوا الله ما عاهدوهُ وعاهدوا رسولَه (ص) عليه ، أي كونوا مِن الصّادقين الغير مُبدلّين لما عاهدوا الله عليه ، المُتّقين الله حقّ تُقاته .

النقطة الثانية : بيان معنى قول الله تعالى : ((وكونوا معَ الصادقين)) :

في هذه الآيَة يحثّ الله المؤمنين أن يكونوا مع الصادقين المُوفين بعهد الله وعهد الرّسول (ص) ، ومعنى قوله : ((مع الصادقين)) ، أي ((من الصادقين)) ، فـ ((مَع)) هُنا ، أتَت بمعنى ((مِن)) ، وساعدَها على ذلك السّياق ، إذ أنّ معنى السياق لن يتعارضَ إن كانَت الآيَة ((يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَن الصَّادِقِينَ)) ، لأنّ المُوصّى به من قِبل الله تعالى هُو الإخلاص والصّدق في النصرة والاتّباع والإيمان ، وهذا المعنى مُتحقّق في آية التوبة ، إذا أتت (مع) بمعنى (مِن) ، أو أتت (مع) بمعنى المُصاحبَة ، وعليه فما ذهبتَ إليه أخي الجعفري من أنّ هُناك خصوصيّة لأشخاص مُعيّنين بأسمائهم ورسومهم (وهم أئمة الجعفرية) دون غيرهِم ، نعم ! ما ذَهبتَ إليه مُنتفٍ تماماً ، إذ أنّ الآية بمعنى (مِن الصّادقين) ، تُوضّح الآيَة بمعنى (مَع الصّادقين) ، فتنفي الخصوصيّة الجعفرية لهؤلاء الصادقين ، وتجعلُ المعنى : يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين ، أي منهُم ومِثلَهُم ، أو كونوا صادقين مثلَهُم ، وأنتُم فمتى كنتم صادقين ، كنتُم من الصّادقين ، ومتى كنتُم من الصّادقين ، كنتُم مع الصّادقين ، فمعَ النّاس ومنهُم معنيان لا يتَنافيان إذا استحكمَ الخِطاب ، ومُرادُنا باستحكام الخطاب هُو التماثُل في حال مَن هُم مع النّاس ، ومَن هُم مِنَ النّاس ، كأن يكون الشخص مع الصّادقين من النّاس ، وأن يكون الشخص من الصّادقين من النّاس ، ومُرادنا بقولنا (إذا استحكم الخطاب) هُو تَماثُل الحال ، إذ التماثُل في الحال شرطُ إتيان (مع) بمعنى (من) ، وسنضربُ على هذا مثالين مُتضادّين ، مثالٌ تكونُ فيه (مع) بمعنى (مِن) باستحكام الخِطاب (وهو تماثل الحال) ، ومثالٌ لا تكون فيه (مع) بمعنى (مِن)

* مثال أتت فيه (مَع) بمعنى (مِن) :

حثّ الله سبحانه وتعالى المسلمين ، أن يكونوا مع الصّادقين (فالصدق شرطٌ يجبُ انطباقه على الشّخص لكي تكون (معَ) بمعنى (مِن) ، محمّدٌ من النّاس كان صادقاً مُجتهداً في الصلاح ، ومنه فإنّه يصحّ أن نقول : محمّدٌ (مع) الصّادقين ، لأنّ حالَهُ ماثَل حالَهُم ، وحالَهُم ماثلَ حالَه ، فاشتركوا في صفةٍ واحدة وهي الصّدق ، فمحمّدٌ مع الصّادقين ، وكذلك يصحّ لنا أن نقول : محمّدٌ (مِنَ الصّادقين) ، لأنّه صادقٌ مِثلَهُم ، فهو منهم ، ومَعَهُم ، فمحمّدُ (الصادق) ، مع (الصّادقين) ، ومحمدُ (الصادق) مِنَ الصّادقين ، فهذان المعنيان ، (محمد مع الصّادقين) ، و (محمد من الصّادقين) ، لهما معنىً واحِد . لأنّي متى كنتُ (صادقا) مُنتهجاً بنهج الجماعَة الصادقة المُخلصَة ، فأنا (منهُم) بلا شكّ .

* مثالٌ أتت فيه (معَ) بغير معنى (مِن) :

حثّ الله سبحانه وتعالى المسلمين ، أن يكونوا صادقين ، (فالصدق شرطٌ يجبُ انطباقه على الشّخص لكي تكون (معَ) بمعنى (مِن) ، عمروٌ من النّاس كان كذاباً مُنافقاً ، ومنهٌ فإنّه يصحّ أن نقول : عمروٌ (مع) الصّادقين ، بمعنى مُصاحبٌ لهم ومُخالطٌ لهم ومُعايشٌ لهم ومُرافقٌ لهم ، ولا يصحّ لنا أن نقول عن عمرٍ الكذّاب أنّه (مِنَ) الصّادقين ، لأنّ حالَهُم غايرَ حالَهُم ، ولم يُماثِله ، ألا تَرى أنّه يصحّ لي أن أقول : ((كُفّار قريش مع المؤمنين في مكة)) ، بمعنى مُعايشين ومُصاحبين ومُرافقين ، ولايصحّ لي أن أقول : ((كُفّار قريش مِنَ المؤمنين)) ، لأنّ حال هؤلاء الكفّار ليسَ كحالِ المؤمنين ، بل هُم مُتضادّين ، وعليه فإنّ معنى (مع) في مثل هذا الموقف لا تَعني (ِمن) .

إن قيل : فما ترمي إليه أيّها الزيدي بديباجتك الطويلة العريضَة التي خرجتَ منها بأنّ معنى قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مَعَ الصَّادِقِينَ)) ، تأتي بمعنى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مِنَ الصَّادِقِينَ)) ، أي أنّ (معَ) ، في الآية تعني (مِن) ؟!

قُلنا : ما نَرمي إليه ، ونُريدُ إثباته ، هُو نفي خصوصيّة حثّ الله تعالى في الآية بالكون مع ((الصّادقين)) ، نفي أن يكون تحت كلمة الصّادقين ، أسماء معيّنة ، محدّدة محدودة ، (أئمة الجعفرية) ، لأنّه متى صحّ أنّ (معَ) تأتي بمعنى (مِن) ، وانطبقَ هذا على الآيَة ، كان المعنى للآية بلاشكٍّ ولا ريب هو : يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مِن الصّادقين ، أي كونوا مَثل الصّادقين ، واعملوا بعملهِم الذي استحقّوا لأجله أن يكونوا من الصّادقين ، لتكونوا مِنهُم ومَعهُم ، نعم ! والخطاب القرآني موجّه لجميع أمّة محمد بن عبدالله ليكونوا أنُفسَهُم داخلين تحتَ مُسمّى (الصّادقين) ، فيعملوا بأعمال الخير والصلاح والاجتهاد في إيثار جانب الله ورضاه على غيره من الجوانب ، ألا ترى أخي في الله الجعفري أنّ الرّسول (ص) خاطبَ أصحابَهُ بهذه الآية فقال لهم : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ وَكُونُواْ مِنَ الصَّادِقِينَ)) ، فكان على الصحابة أن يمثلوا لأمرِ الله والرّسول (ص) ، وأن يعملوا أعمال الصلاح والفلاح ليكونوا من الصّادقين ، فلمّا مات رسول الله (ص) ، اجتهدَ عمّار بن ياسر رضوان الله عليه في أعمال الصلاح ، حتّى أصبحَ من الصّادقين ، الذين ماتوا وهُم من دُعاة الجنّة ، فعمّار بن ياسر من الصّادقين ، والله ورسوله أمرَونا أن نكونَ مع الصّادقين ، أي معَ (عمّار بن ياسر ، وعلي بن أبي طالب وحزبهُم) ، وأن نعملَ بعملهِم لنكونَ منهُم في صفة الصّدق ، فجاء الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، فاجتهدُ في أعمال العبادة والورع والزّهد فكانَ من الصّادقين ، لأنّ كان صادقاُ مُخلصاُ ، ومعَ الصادقين (عمّار بن ياسر ، وعلي بن أبي طالب ، وحزبهُم) ، لأنّه عمل بعملِهم الذي عملوا واستحقوا لأجله أن يكونوا مع الصّادقين ، اللهم صلّ على محمد وآل محمّد ، أطَلنا فيما أمرهُ واضحٌ بإذن الله ، وإن حصلَ واشتبهَ أثر كلامنا (فنطلبُ بعد الوقوف على هذا السّطر) ، أن يُعيدَ القارئ قراءة هذه الجزئية من بدايتها ، ونحنُ على ثقة أن أموراً ستتضحّ وتجلو له بإذن الله تعالى . خلاصة الإلزام : أنّ ما ذهبت إليه الجعفرية من أنّ (الصادقين) في الآيَة تعني أئمّتهم (عدد محدود ، أو نسل محدود) ، باطل ، لسببين مُتلازِمين : الأوّل : أنّه قد صحّ أنّ (مع) في الآيَة أتت بمعنى (مِن) . والثاني : أنّ الخطاب الإلهي كان موجّهاً لجميع الأمّة المحمديّة ، دعوةٌ من الله تعالى للناس لأن يكونوا من الصّادقين في إخلاصهم وعبادتهم لله وحده ، فكثيرٌ من السّلف السابقين لنا قد دخلَ تحت معنى (الصادقين) الذين حثّنا الله على أن نكونَ معهم ، فمنَ الصّادقين (بإذن الله تعالى) ، علي ، والحسن ، والحسين ، وعمّار بن ياسر ، وحجر بن عدي ، وأبو ذرّ ، وعلي بن الحسين ، وزيد بن علي ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكية ، وجعفر الصادق ، ... إلخ من الأولياء والصالحين ، فهؤلاء أمرنا الله تعالى أن نكونَ معهم في صفة الصّلاح ، وأن نكون منهُم بعمل الصّلاح .

إن قيل : قد أكثرتُم ، وخُلاصَة كلامكم حول أنّ معنى (مع) في الآية هي (مِن) ، فهل سبقكم بهذا أحد ؟! .

قُلنا : نعم ! ، العقل ، وعدم امتناع اللغة ، وقول شيخكم الطبرسي الجعفري ، في مجمع البيان ، الذي أتى بكلامٍ نفيس ، حول هذا المعنى الذي استشكل عليكم أثَرُه ، فقال الشيخ الطبرسي في كتابه [مجمع البيان :5/139] ، مُفسّراً هذه الآية ، [ما بين الأقواس إضافة منّا للبيان] :

((يا أيها الذين ءامنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين)) ، القِراءة : فِي مُصحف عبد الله، وقراءة ابن عباس : (مِن الصادقين) ورُوِي ذلكَ عن أبي عبد الله عليه السلام ، [أي أنّه رُويَ عن الصادق مثل قراءة عبدالله بن مسعود ، وابن عبّاس (من الصّادقين) ] ، ..... ، وقيل: المُراد بالصّادقين هُم الذين ذكَرهم الله في كتابه وهو قوله: ((رِجال صَدقوا ما عاهدوا الله عليه فمِنهم مَن قضى نحبه)) ، يعني حمزة بن عبد المطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، ومنهم مَن ينتظر ، يعني علي بن أبي طالب عليه السلام. [تأمّل على ضوء هذه الرواية كيف أصبحَ من الصّادقين جعفر وحمزة وهم ليسوا من أئمة الجعفرية] ، وروى الكلبي: عن أبي صالح، عن ابن عباس قال : كونوا مع الصادقين، مع علي وأصحابه [وهُنا تأمّل كيف حثّ ابن عبّاس أن يكون المرء مع الصّادقين ، فجعل الصّادقين هم علي وأصحابه شيعته ، والشيعة ليسوا أئمة الجعفرية ومع ذلك لمّا صدقوا في متابعة علي كانوا مثله من الصادقين ] . وروى جابر ، عن أبي جعفر عليه السلام في قوله (وكونوا مع الصادقين) قال. مع آل محمد صلى الله عليه وآله وسلم . وقيل: مع النبيين والصديقين في الجنة بالعمل الصالح في الدنيا، عن الضحاك. [ وهنا تأمّل كيف أنّ الصديقين والنبيين دخلوا تحت مسمّى الصّادقين ، والجعفرية فيخصّون أئمّتهم بالصّادقين] ، وقيل: مع محمد صلى الله عليه وآله وسلم وأصحابه ، عن نافع . وقيل: مع الذين صدقت نياتهم، واستقامت قلوبهم وأعمالهم، وخرجوا مع رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولم يتخلفوا عنه، عن ابن عباس [تأمّل] . وقيل: ان معنى (مع) هنا معنى (من) فكأنه أمر بالكون من جملة الصادقين، ويعضده قراءة من قرأ (من الصادقين) ، [تأمّل عدم إنكار الشيخ الطّبرسي تقارب المعنى ، فكلامُه هُنا هُو عينُ كلامنا السابق ، فقال :] والمعنيان متقاربان هنا، لأن (مع) للمصاحبة، و (من) للتبعيض، فإذا كان من جملتهم، فهو معهم وبعضهم [أي فهو مَعهُم ومنهُم] )) .

** خُلاصَة الخُلاصَة :

على ضوء الآيَة ، مَن ذهبَ إلى تخصيص الصّادقين ، بأشخاص وأسماء معلومة محددة محدودة ، فقد استسَكَ بغيرِ مُستمسَك ، فالصّادقين كلمةٌ دخلَ تحتَها جماعات من السّابقين (من شتّى القبائل والأجناس ، بشرط انطباق صفة الصّدق عليهم) ، والصّادقين كلمة سيدخُل تحتها مُستقبلاً ، وإلى يوم القيامة ، (جماعاتٌ تجتهدُ في الالتزام بمنهج محمد بن عبدالله بحذافيره) ، فالاحتجاج علينا بأنّ هذه الآيَة تعني النّص على أشخاصٍ بعينهم محدودين لا يَدخلُ معهم سواهم باطل ، نعم ! وذيلُ الإشكال الأصل الذي طرحتَهُ أخي الجعفري من استمرارية الصّدق في الصّادقين ، فقد أُسقِط بإثبات أنّ الصادقين جماعات من السابقين ، وجماعاتٌ من الآتين ، ضابطٌ أن يكونوا من الصّادقين ، أن يفعلوا بأفعال الكتاب والسنّة المحمدية ، وأن يلتزموا بمذهب أهل البيت (ع) .

[الكلام على الآية من منظور آخَر ]

* صفات الصلاح والإشادَة في كتاب الله تعالى ، متى كانَت مُطلقَة الإطلاق ، فإنّه لا يُخصَّصُ تحتها أسماءٌ وأعدادٌ مالَم يُخصِّصها مُخصِّص ، فإن كانَ هذا كذَا ، فصفة الصّدق في قول الله تعالى الذي حثّ من خلاله أمة محمد (ص) بالكون مع الصّادقين ((وكونوا معَ الصّادقين)) ، صفَة الصّدق هُنا جاءت مُطلقَة ، ولا مُخصِّصَ لها بأسماء وأعداد محدّدة معدودة ، بل يدخلُ تحتها جماعاتٌ وجماعات من أهل الصّدق في المُتابَعة والمُناصرَة ، أوّلهم أمير المؤمنين (ع) ، ولا شكّ منهُم الحسن والحسين ، ولا شكّ منهم أبو ذر وعمّار وحجر بن عدي ، ولاشكّ أيضاً أنّ منهم سادات أهل البيت (ع) ، زين العابدين والحسن بن الحسن وزيد بن علي وأمثالهم ، إن قيل : ومتى نعلمُ أنّ مَن ذكرتُم فعلاُ قد كانوا صادقين في إيمانهم وولائهم لله ورَسوله إن لم يكُن عليهِم نصٌّ وعِصمَة ؟! قلنا : إنّما الحاصلٌ اجتهادٌ وتقليدٌ ، فعلامات الصّلاح لاشكّ ستظهرُ على السّابقين الصّالحين (ممّن ذكرنا وممّن لم نذكُر) ، وسَتُشتَهَرُ عنهم هذه الصفات (صفات الصّلاح) ، ونحنُ متى وصلنَا مِن حالهِم أخبارٌ وأعلام ، ووقفنا على صدق مواقفهم المشرّفة في جانب الله تعالى ، وجانب رسوله (ص) ، عَرفنا أنّ هؤلاء قد أبلوا الجُهد في الاتّباع ليكونوا مع الصّادقين الذين سبقوهُم ، ونحنُ كمتأخرين سنسعى لأن نكونُ صادقين معَ هؤلاء الصّادقين السّابقين لنا ، فكلّ صادقٍ قدوةٌ لمن يأتي من بعدِه ، وكلّ صادقٍ سابق فهو من الصّادقين ، نعم ! ألا ترى أخي في الله أنّنا نحثّ النّاس اليوم على أن يكونوا في إيمان وصِدق وحُسن فعل وصنيع عمّار بن ياسر ، وحجر بن عدي ، هل حثّنا النّاس على أن يقتدوا بعمّار وحجر بن عدي كونهم صادقين في موالاتهم لله وللرسول ونُصرتهم لأمير المؤمنين ، هل حثُّنَا هذا على الاقتداء بعمار وحجر يعني أنّ عمّار وحجر أُناسٌ منصوصٌ عليهِم ؟! ، هل يُشترطُ لتقليد أناسٍ وصلنا عن حالهم الصدق في التبعيّة والنّصرة أن يكونوا مأموني الباطن والسرائر معصومين منصوصٌ عليهِم ؟! إن قلتُم : نعم ! يجب أن يكونَ مَن نُقلّدهُم صادقين مُطلقاً ، وعمّار بن ياسر ، وحجر بن عدي ، ومسلم بن عقيل ، ليسوا بصادقين مُطلقاً فلا نقلِّدهُم في أفعالهِم ولا أقوالهِم حتّى وإن اشتهر حالهُم بصدق النّصرة والتبعيّة لقول الله والرّسول (ص) ، فإن قلتُم بهذا فقد ألزمتُم أنفسَكم ألاّ تُقلِّدوا ولاتقتدوا ولا تَسمعوا ولا تُطيعوا لقولِ بشرٍ على الإطلاق غير أئمتكم الإثني عشر ، وعلى رأسِ مَن نُلزمُكم بعدم تقليدِهم هُم مراجعُكم ، وُلاةَ فقيهٍ ، ومشائخ ، وأعلام ، ومجاهدين ، لأنّ هؤلاء ليسوا بصادقين مُطلقاً ، فإن قلتُم : ولكنّهم مع الصّادقين الإثني عشر . عندها سنقول : وكيف علمتُم أنّهم مع الصّادقين الإثني عشر وهم غير مأموني الباطن والسرائر ، فلاهم معصومين ولا منصوٌص عليهِم . فإن قلتُم : يكفينا ما وصلنا من أخبارهم ، ووقفنا على صدق وحرص اقتدائهم علما وعملاً بالإثني عشر فهم مع الصّادقين لهذا بالتبعيّة . فعندها سنقول : ونحنُ كذلك ما عَدونا ما ذهبتُم إليه هُنا ، فالصّادقين في الآيَة صفةٌ يدخلُ تحتها جميعُ من تحقّق فيه ، وظهرت عليه صفات وأحوال الصّدق ، كعلي بن أبي طالب ، وحمزة بن عبدالمطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، وأبو ذر ، وعمار ، وسلمان الفارسي ، والأشتر النخعي ، والحسن ، والحسين ، ومسلم بن عقيل ، وزين العابدين ، والحسن بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ..إلى يوم الدين ، وليسَ النص والعصمة لازمة لهؤلاء لكي نقلّدهَم ، لأنّهم قد التزموا منهجاً واحداً مرضياً (لأجله أصبحوا عندنا من الصادقين) ، التزموا الكتاب ، وصحيح سنة الرسول (ص) ، والالتزام بإجماع أهل البيت (ع) سادات بن الحسن والحسين ، فمن التزمَ بهذه الضوابط حقاً حقاً فهو من الصّادقين ، ونحنُ مأمورين أن نكونَ معهُم في صدقهم هذا ، أمرنا أن نكون منهُم ، أن نكون أفرادا صادقين حالُنا كحالهِم ، لنستحقّ الأجر الذي استحقوهٌ لأجِله . ومنهُ فإنّ ربط دلالة الصّدق في الآيَة بالعصمة غير لازمَة ، فلا يُشترطُ في هؤلاء الصّادقين أن يكونوا مأموني السرائر والباطن لمجرّد الإطلاق لصفة الصّدق .


نعم! وجانبٌ آخر أخي الجعفري ، انظُر هذه الأمثلة (الآتية) من كتاب الله تعالى ، والتي من خلالها نوصِلُ إليك فكرة أنّ إطلاق صفة الصلاح والمدح والثّناء في كتاب الله تعالى لا يُشترطُ أن يكون النّص والعصمَة مُلازمان لهذا الإطلاق .

1- قال تعالى : ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ )) [آل عمران:123-124] .

* هل إطلاق صفة الإيمان على الصحابة أهل بدر تعني أنّ إيمان هؤلاء الصّحابة مُطلقٌ ، يعني عِصمتهم عن مُخالفة ضوابط هذا الإيمان حاضراً (أثناء معركة بدر) ، ولاحقاً (بعدها إلى أن يموتوا) !! ، فعلى قولك أخي الجعفري من إطلاق صفة الصّدق في قوله : ((وكونوا مع الصّادقين)) ، وأنّه تدلّ على أشخاص منصوص عليهِم ، فإنّ مُخالفيك (على مُقتضى فهمك) قد يَفهمون النصّ والعصمة من الآية القريبة في حق الصحابة ممّن حضرَ بدراً وذلك عندما أطلقَ عليهم رسول الله (ص) صفة الإيمان مُطلقاً ، ولا أحد يُطلق عليه صفة الإيمان مُطلقاً إلاّ مَن عَلِمَ الله سرائره وأنّه مؤمنٌ ماضياً ، وحاضراً ، ومُستقبلاً ، وهذا فهو النّص والعصمَة (هذا كلامُكم) .

2- قال الله تعالى : ((إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ آمَنُواْ ثُمَّ كَفَرُواْ ثُمَّ ازْدَادُواْ كُفْرًا لَّمْ يَكُنِ اللّهُ لِيَغْفِرَ لَهُمْ وَلاَ لِيَهْدِيَهُمْ سَبِيلاً)) [النساء:137] .

* ألا ترى أخي الجعفري أنّ الله أطلقَ صفة الإيمان في حق طائفة من النّاس ، ثمّ لم يمنَع هذا الإطلاق لهم بصفة الإيمان ، لم يمنَع هذا الإطلاق أن يَقعوا في الكفر ، كما أنّ إطلاق الكفر عليهم ، لم يمنَعهم من أن يؤمنوا مرّةً أخرى .

3- قال الله تعالى : ((وَعَدَ اللّهُ الَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ الصَّالِحَاتِ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ)) [المائدة:9] .

* هل تقول أخي الجعفري أنّ الذين آمنوا في الآية هم أئمتكم الإثني عشر وفقط ، بحجة إطلاق صفة الإيمان عليهِم ؟! وهل تعتقدُ أن استنباط النّص والعصمَة من هذه الآية يستقيم (إنصافاً) ؟!! .

[خلاصته ]

* من أبرز وأهم وأظهر الفروقات بين الولاء الزيدي والجعفري لأهل البيت (ع) بعموم (فيما يخصّ حظّهم (ع) من القرآن الكريم) ، هُوَ أنّ الزيدية تُقدّم أهل البيت (ع) ، سادات بني الحسن والحسين في آيَات الإتّباع والثناء والمَدح ، والذي منه قول ابن عباس رضوان الله عليه : ((ما نزل في القرآن يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إلا و علي أميرها و شريفها)) ، فنحنُ نقول أنّ هذه الآيات التي تفيد الاتباع والاقتداء والثناء والمدح ، لأهل البيت (المقتصدين ، والسّابقين بالخيرات) منها النصيب الأكبر ، ولكنّها (الآيات) غير مُختصّة محصورَة مُحتكرَة لهُم دونَ غيرهم من أهل الإيمان والاتّباع الصّادق ، صحيح أنّ علي (ع) أمير كل فضيلة في كتاب الله تعالى ، وكذلك الحسن والحسين ، وصالحوا سادات بني الحسن والحسين إلى يوم القيامة ، ولكنّ هذا الاشتمالُ لهؤلاء السّادة بالرئاسَة في الفضل لا تَعني أنّ غيرهُم لا يُخاطبُ بهذه الآيات ، بل إنّه يَدخلُ معَهم غيرُهم في شرف ما أخبرَت به الآيات ، ولن يدخُل معَهُم غيرهُم إلاّ إذا كان هؤلاء البعض غير مُخالفين لعلي وصالحي ذريّته الفاطمية الحسنية الحسينية ، فآيات الثناء والمدح في كتاب الله تعالى يدخلُ تحتهَا ضمناً علي وصالحي ذريته الحسنية الحسينية ، ويدخلُ تحتها كلّ من اتّبع الله ورسوله وعلي وصالحي ذريّته من أمّة محمد (ص) ، وهذا كلّه فيما جاء ذِكرهُ مُطلقاً في كتاب الله تعالى بلا تخصيص ، هذا هُو قول الزيدية المرضيّة .

وأمّا قولُ الجعفرية فإنّه يقتضي أن تكونَ آيات المَدح والثّناء المُطلَق في كتاب الله تعالى (وهي كثيرة) خاصّة بعلي (ع) ، وبالأئمة الأحد عشر من بعدِه ، وغيرهُم منها خلاء ، وهذا قولُ مُتعسَّف يَخرُجُ به أمثال حمزة بن عبدالمطلب ، وجعفر بن أبي طالب وأمثالهم من صحابة رسول الله (ص) الذين أبلَوا جَهدَهُم في حُسن التباع ، وصِدقِ النّصرَة ، فإن قالَت الجعفرية : إنّ لا صادق في نُصرَة رسول الله (ص) إلاّ أمير المؤمنين (ع) ، وغيرهُ من الصّحابة فلا صادقَ منهم . قُلنا : إنّما الصّدق في المُتابعَة درجات ودرجَات ، وأمير المؤمنين فأصدقُهُم قطعاً مُناصرةً ومُتابعَة لله ولرسوله ، ولكنّ هناك درجاتٌ في الصّدق تُعتبرُ رفيعةً وإن كانَـت دونَ مرتبَة أمير المؤمنين كدرجة حمزة وجعفر وسلمان وأبو ذر ، فهل نستثني هؤلاء الصّادقين أصحاب المنزلة الأقلّ من أمير المؤمنين في صدقِهِم من آيات الثناء والمدح التي كان رسول الله (ص) يُخاطبُ عموم الصحابة والأعراب من أصحاب الهمم المُتدنيّة في نصرَة الله والرّسول ؟!! الجواب على مُقتضى قول الجعفرية : هُو أنّه لا خانَة لأمثال حمزة وجعفر وعمار وأبو ذر في آيات المدح والثناء المُطلق في النصرة لله والرّسول ، فإن قيل : وضحّوا لنا هذا بضربِ أمثلَة على هذا الذي إن صحّ أصبحَ غُلوّاً وتهميشاً لكبار أصحاب رسول الله (ص) ، وإفراطاً في تأويل القرآن وربطه واحتكاره على أهل البيت (ع) دونَ غيرهِم . قلنا : من هذه الأمثلة (محلّ النقاش) :

1- قول الله تعالى : ((لِلْفُقَرَاء الْمُهَاجِرِينَ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِن دِيارِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِّنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا وَيَنصُرُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) .

قالت الجعفرية : أنّ هذه الآية إنّما هي خاصّة لأمير المؤمنين (ع) ؟! واسَتبعدوا من هذا الفضل حمزة بن عبدالمطلب ، الذي هاجرَ من معاقِله إلى مدينة الرّسول (ص) مُبتغياً فضل الله ورضوانه ، ونصرَ الله ورَسولَه بلا شكّ (وإجماعاً من الأمّة) وصدقَ وثبتَ على هذه النصرّة إلى أن اقتلِعَت كَبِده!! ، فهل تعلمُ أخي الجعفري أنّ أسدَ الله وأسدَ رسوله ليسَ له حظّ من آيةَ المدح والثّناء هذه ، وإنّما هي خاصّةٌ بأمير المؤمنين (ع) دونَ غيرهِم ؟!! سلّمنا : أنّ أمير المؤمنين (ع) هُو أكثرُ الصّحابة نصرةً لله ولرسوله ، ولكنّ هُناك صحابَةٌ غيره اجتهدوا في مناصرة الله ورسوله وماتوا على هذه النّصرَة فهل تُخرِجُهم دونيّتهم (في مرتبة النّصرة) عن مرتبة أمير المؤمنين عن شرف هذه الآيَة ؟! هَل تُخرِجهُم دونيّتهم (في مرتبة الصِّدق) عن مرتبة أمير المؤمنين عن شرف هذه الآيَة ، فنعتبرهُم غير صادقين لا يَشملُهم قول الله تعالى : ((أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) ، إن قُلت أخي الجعفري بهذا ، فاعلم أنتَ والقارئ أنّ هذا فرقٌ بين ولائنا نحن الزيدية لأهل البيت (ع) ، وبين ولائكم معشر الجعفرية لأهل البيت ، فحبّنا لأمير المؤمنين وصالحي ذريّته لا يَجعلُنا نحتكرُ آيات الثناء والمدح المُطلَق (الغير المُخصّصة) له وصالحي ذريّته من دون مَن كانَ دونَهُم في مرتبَة الصّدق والنّصرة واستمرّ عليها وكان منهجه منهج الله ورسوله ومنهج أهل البيت من السّابقين واللاحقين ، تنبيه : تأمّل أخي القارئ الآيَة السّابقة ، وانظر هل يتحقّق أن يَدفعُنا إفراطُنا في حبّ أمير المؤمنين وإثبات عصمته أن نجعلَ هذه الآيَة خاصّةً له دونَ غيرهِ ممّن تحقّقت فيهم مصاديق الآيَة من الصحابَة (وإن كانوا دونَ مرتبَة أمير المؤمنين) . أمّ أنّ الحقّ هُو عدم الإفراط ولا التفريط ، فنقولُ بقول الزيدية ، وهُو أنّ أمير المؤمنين أميرُ هذه الآيَة ، ويدخلُ تحتها كلّ مَن هاجرَ إلى الله ورسوله واجتهدَ (قدر طاقته) في إرضاء الله تعالى ومات على هذا ، كحمزة بن عبدالمطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، وأمثالهِم .

خُلاصَة الإلزام : هل تعلَم أخي الجعفري أنّ الآيَة السّابقَة انطبقَت على حمزة بن عبدالمطلب كما انطبقَت على أمير المؤمنين (ع) ؟! إن قلتَ : نعم انطبقَت ! قلتُ : وهُو قولُنا ، وعليه فحمزة بن عبدالمطلب من الصّادقين ((أولئكَ هُم الصّادقون)) ، وإن قُلتَ : لا ، لم تنطبق على حمزة هذه الآيَة . قُلت : فهل تعلمُ أنّ حمزةَ لم يُهاجر لله ولرسوله إلاّ ابتغاءَ مرضات الله تعالى ، ثم هل تَعلَمُ أنّه لم يكُن صادقاً في نصرة الله ورسوله ؟! إن قلتُ : نعم لم يخرُج مهاجراً لله ولرسوله ابتغاء وجه الله تعالى وروضانه ، ولم يُبلِ جهده في نصره الله ورسوله !! قلتُ : كلامُك مع غيرِنا ، ولو وُجِدَ الإمام الغائب اليوم لضربَك بالدرَّة يقيناً ، وإن قُلتَ : نعم ، قد أبلى جُهده في هذا كلّه . قلتُ : فلم دَفعكم إفراطكم في حبّ علي إلى إخراج أمثال حمزة من هذه الآيَة ، مع أنّ الآية لم تُخصّص علياً بالذّكر بل جاءت عامّة في جميع المهاجرين .

2- قال الله تعالى : ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) .

اختصاراً ، هل تَعلمون أنّ حمزة بن عبدالمطلب سيّد الشهداء ، لم يؤمن بالله ورسوله ، وهُو من المُرتابين ، وليس من المُجاهدين بماله ونفسه في سبيل الله ؟! إن قلتُم : نعم ، أنكرَت عليكُم الأمة وعلى رأسهم المعصومين ، وإن قلتُم : لا ، بل انطبقَت عليه مصاديق هذه الآية . قلنا : فما مَنعكم أن يكونَ من الصّادقين ((أولئكَ هُم الصّادقون)) . لم احتكرتُم هذه الآيَة في أمير المؤمنين (ع) دونَ غيره من كبار الصحابة رضوان الله عليهم ، حبّ أمير المؤمنين لا يتعارضُ مع مع إبرازَ فضل غيره من الصحابة أمثال حمزة بن عبدالمطلب ، وعتبة بن الحارث بن عبدالمطلب أول قتيلٍ للمسلمين يوم بدر (وهو أحد الثلاثة الهاشميين المؤمنين الذين برزوا لقتال الثلاثة القرشيين الكافرين) ، فهل خرج هؤلاء وأمثالهُم عن هذه الآية ، وهل نجحدُ صِدقَهُم بعذر أنّ الصّدق في الآيَة يجبُ أن يكون مُطلقاً يعصمُ صاحبَه !!! ، أللعَقل مكان !!

* نعم ! ووجهٌ آخر في الجواب على مُشاركتكم الأخيرة ، عندما ربطتم بين قول الله تعالى : ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ)) ، وقوله : ((إنما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذي يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون)) ، وذلك عندما اعترضنا عليكم من لزوم قولكم بالإطلاق لصفة الصّدق في قوله تعالى : ((وكونوا مع الصّادقين)) وأنّها تدلّ على عصمة ونصّ ليتحقق الصّدق ، فاعترضنا عليكم من هذا المُنطلق أنّه يلزمُكم مؤمني أهل بدر أصحاب إيمانٍ مُطلَق (وذلك لإطلاق الرسول (ص) عليهم صفة الإيمان "إذ تقولُ للمؤمنين") ، فيكون أصحاب بدرٍ منصوص عليهم معصومين لاقتضاء إطلاق صفة الإيمان المُطلق عليهم ، فكان جوابكم على اعتراضنا هذا بأن أهل الاخصاص بلغة العرب أجازوا مخاطبة الفَرد بصيغة الجَمع على سبيل التعظيم والتفخيم فلا مانع من كون خطاب النبي صلى الله عليه وآله في الآية مُوجّها لفرد واحد, وإذ جاز احتمال كون المخاطَب فَردا واحدا بطل استدلالكم إذ لا استدلال مَع وُرود الإحتمال ، وخلاصَة قولِكم هذا هُو أنّ المؤمنين (صيغة الجمع) في قول الله تعالى : ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ)) هي تدّل على شخصٍ واحد وهُو أمير المؤمنين (ع) ، واستدللتُم بأنّ لهذا شاهداً كما في قول الله تعالى : ((إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يُقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهُم راكعون)) ، فـ ((الذين آمنوا)) صيغة جمع دخل تحتَها فردُ واحد وهو أمير المؤمنين ، إجماعاً من الزيدية والجعفرية ، ولهذا صحّ أن يدخل تحت صيغة الجمع في قوله : ((إذ تقول للمؤمنين)) فرداً واحداً ، كما صحّ أنّه دخل تحت صيغة الجمع في قوله ((والذين آمنوا)) فرداً واحداً ، فالآيتين خاصّتين بأمير المؤمنين (ع) ، وإطلاق صفة الإيمان عليه تعني العصمة والنص ، هذا خُلاصة كلامكم ، والجوابُ عليه : أنّ هذا منكم مُقارنةٌ بعيدة الوفِاق والجناس :

فالآيَة الأولى : قول الله تعالى : ((وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ فَاتَّقُواْ اللّهَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ * إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ)) ، فيه يَظهرُ أن الخطاب لجماعَة ، لا يُمتنَعُ تحقّق الإيمان فيهِم ، وعند أهل اللغة والاختصاص أخي الجعفري أنّ أقلّ الجمع اثنان ، ونحنُ فسنذكُرُ لك ثلاثَة مؤمنين (ترضى بهم كلّ الرضا) ، علي بن أبي طالب ، وحمزة بن عبدالمطلب ، وعبيدة بن الحارث بن عبدالمطلب ، فهؤلاء كلّهم مؤمنون ، فكلّهم داخلُ تحت خطابِ الرّسول (ص) لهم بالمؤمنين (وإذ تقولُ للمؤمنين) ، وحمزة وعبيدة ليسوا بمعصومين ولا بمنصوص عليهِم لأجل إطلاق الإيمان المُطلَق ، فإن وقفت على هذا ، عرفت أن صفة الإيمان في الآية قد اشتركَ فيها غير واحد من أصحاب بدر ، ومنه فلا يصحّ أن نُخصّص صيغة الجمع في قوله ((إذ تقول للمؤمنين)) بفردٍ واحد وهو أمير المؤمنين (ع) ، وفي المقابل صحّ لنا أن في قول الله تعالى : ((إنّما وليكم الله ورسوله والذين آمنوا الذين يُقيمون الصّلاة ويؤتون الزّكاة وهُم راكعون)) ، صحّ لنا أن تكون صيغة الجمع ((والذين آمنوا)) متحقّقة في فردٍ واحِد ، عندما لم نجِد أحداً تصدّق بخاتَمه وهو راكعُ إلاّ أمير المؤمنين (ع) ، فكان هُو المقصود بصيغة الجمع التفخيمي ، إذ أنّ صفة التصدّق حال الركوع لم تصدر إلاّ منه ، بينما صفة الإيمان لأصحاب بدر تحقّقت في أكثر من واحد غير أمير المؤمنين فلا يصحّ أن تكون صيغة الجمع خاصّةً بفردٍ واحِد ، إلاّ بتكلّف يستمجّه ويستسمجُهُ أهل النّظر . إن قلتم : بلى هُناك قرينة اختُصّ بها أمير عن سائر أهل بدر في الآية ، إذ أنّ إمداد الله بالملائكة لم يكن إلاّ له وعليه !!! ، بدليل خطبة الحسن بن علي (ع) بعد موت أبيه (ع) ، قال : ((لقد فارقكم رجل بالأمس لم يسبقه الأولون بعلم ولا يدركه الآخرون كان رسول الله صلى الله عليه وآله يبعثه بالراية جبريل عن يمينه وميكائيل عن شماله لا ينصرف حتى يفتح له)) ، قُلنا : هذه الآيَة بخصوص معركة بدر ، ((إِذْ تَقُولُ لِلْمُؤْمِنِينَ أَلَن يَكْفِيكُمْ أَن يُمِدَّكُمْ رَبُّكُم بِثَلاَثَةِ آلاَفٍ مِّنَ الْمَلآئِكَةِ مُنزَلِينَ)) والله قد أرسلَ ثلاثة آلافٍ من الملائكة ، وليسَ جبريلُ وميكائيل إلاّ مَلَكين من ثلاثة آلاف مَلَك ، وهُما أفضل الملائكة كما أن علياً (ع) أفضل أهل بدر بعد رسول الله (ص) فكانا يُلازمانه ، وبقيّة الملائكة كانوا مع بقية المؤمنين من أصحاب بدر ، كعبيدة وحمزة ومَن ذكرنا ، هذا أكثرُ ما قد يُقال في هذا ، فاستنتاجُك أخي الجعفري ليس من خلاله يُستنتجُ دليلاً قطعياً على أنّ علي (ع) هُو المخاطبُ بصيغَة الجمع دون غيره من المؤمنين ، كما القطعيّة في التصدّق بالخاتم في الآيَة المُقارنَة ، إن قلتَ : أفلا يُعتبرُ دليلُنا قطعياً إن كاَن جبريل عن يمينه ، وميكائيل عن شماله وبقية الملائكة من خلفه ، قُلنا : هذا استنتاجٌ محلّه الظّن والاحتمال ، وأنتُم قريباً قلتُم : ((أنّ الإحتمال يُسقِطُ الاستدلال)) ، فخلف أمير المؤمنين يَحتملُ الخلفية المُباشرَة ، ويَحتملُ أن يكون مع بقية الصحابَة المؤمنين ، إذ متى كان علي (ع) صاحب الرّاية ، وجبريل وميكائيل معه لرفعة منزلته (ع) ، جازَ أن يكونَ بقية الملائكة مع التّابعين لصاحب الرّاية وهم بقية الصحابة ، فالملائكة بهذا (غير جبريل وميكائيل) خلف علي (ع) ، ومع بقية أصحاب بدر ، فجوابُكم ظنّي سَهلُ تعقّبه واستبعاده بقليلٍ من النّظر .

[مُناقشَة المسألَة من حيث َمعاني الإطلاق المُطلق للصفات في القرآن الكريم ]

سبقَ وأنّ قرّرنا أنّ آيات القرآن الكريم منها العامّ والخاصّ ، وخُصوصيّة الخاصّ يُخصّصها أهلُها الذين نزلَت فيهم كآيَة الولايَة ، والقُربى ، والتّطهير ، وأمثالها ، وأمّا ما كانَ وجههُ عامّا في القرآن الكريم كآيات الثّناء والمَدح والإشادَة ، فإنّ وجَهها يكونُ عامّاً في جميع المُسلمين الذينَ تنطبقُ عليهِم هذه الآيات ، كقولِ الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنُوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين)) ، فالصّادقين كلمةٌ عامّة غير مُخصّصة ، يَدخُل تحتها جميعُ مَن كانَ صادقاً من أمّة محمد (ص) ، وعلى رأسهم أمير المؤمنين (ع) ، والحسن والحسين ، والسابقين بالخيرات والمقتصدين من أبنائهما (ع) ، والصّحابة الأبرار المُتقّين الأخيار الذين عاشوا وماتوا وهُم مُجتهدون في إرضاء الله تعالى ورسوله (ص) ، كحمزة بن عبدالمطلب وجعفر بن أبي طالب وعمّار بن ياسر وسلمان الفارسي وأمثالهم من صناديد الصحابة الكرام ، إن قيل : مهلاً معشر الزيدية ، فنحنُ عليكمُ مُعترضون ، إذ أنّ الآيات العامّة في كتاب الله تعالى لا تنطبقُ على عموم الأمة المحمديّة بل تنطبقُ على مَن صدقَت عليهِم مصادقين الآيَة دون غيرهِم من الأمة ، كقوله تعالى : ((وكونوا معَ الصّادقين)) ، فالصّادقين في الآية لفظةٌ عامّة لا يَدخُل تحتها جميعُ مَن كان فيه شيءٌ من صفات الصّدق ، بل تنطبقُ على مَن كانَت صفة الصّدق فيه مُطلقَة دائماً وأبداً ، ومعلومٌ أنّ صفَة الصِّدق المُطلَق ليسَت إلاّ من نصيب أشخاصٍ معصومين ، ومَن ذكرتُم دون علي والحسنين فليسوا بمعصومين حتّى يصحّ انطباق الآية ((وكونوا مع الصّادقين)) عليهِم ، فلا حمزة ولا جعفر ولا عمّار ولا سلمان معصومين إجماعاً من الأمّة ، وعليه فقولُ الجعفريّة هُو القائمُ هُنا فالصّادقين مُطلقاً هُم علي والحسنين والتسعة من ولد الحسين . نعم ! وعلى هذا كلّه نُجيب فنقول : أنّ لا نُسلِّمُ لكم أنّ إطلاق صفة الصّدق تعني الصّدق المُطلَق ، وإلاّ لَزمُكُم مِثلُ هذا القول في مثل قول الله تعالى : ((وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)) [آل عمران:121] ، يلزمُك أن يكونَ هؤلاء المؤمنين الذين غدى رسول الله (ص) يُبوّأهُم مقاعدَ القتال ، يلزمُك أن يكونوا معصومين منصوصٌ عليهِم ، لأنّ الله أطلقَ عليهِم صفة الإيمان ((تُبَوِّىءُ الْمُؤْمِنِينَ)) وإطلاقُ الصّفة على حدّ قولِكم يلزمُ الإطلاق المُطلق ، وعليه فإنّ هؤلاء المؤمنين الذين أطلقَ الله عليهم صفة الإيمان في الآيَة يجب أن يكونوا مؤمنين حقّاً حقّاً أي مُطلقاً أي معصومين أي منصوصٌ عليهِم ، ومِثلُ هذا يُقال في حقّ قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى الْقِتَالِ إِن يَكُن مِّنكُمْ عِشْرُونَ صَابِرُونَ يَغْلِبُواْ مِئَتَيْنِ وَإِن يَكُن مِّنكُم مِّئَةٌ يَغْلِبُواْ أَلْفًا مِّنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لاَّ يَفْقَهُونَ)) [الأنفال:65] ، وفيه تأمّل إطلاق الله صفة الإيمان على الصحابة حاضرِي القتال مع الرّسول (ص) ، ((حَرِّضِ الْمُؤْمِنِينَ)) ، فهل هذا الإطلاقُ من الله لصفة الإيمان على الصّحابة مع الرّسول (ص) يعني عِصمتَهُم وإيمانهُم مًطلقاً ؟! كما استنتجتُم أنّ إطلاقّ لفظة (الصّادقين) تعني الصّدق المُطلَق المفضي إلى العصمَة والنّص !! ، ومِثل هذا يُقال في حقّ قول الله تعالى : ((وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَقَ وَمِن ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ مُبِينٌ)) [الصافات:113] ، وفيه تأمّل أنّ الله تعالى ذكرَ صفَة الإحسان والظّلم المُبين مُطلقاً في ذريّتي إبراهيم وإسحاق ، ولفظة الإحسان المُطلق تَعني العِصمَة المُطلقَة ، وكذلك لفظة الظّلم المُبين تعني الكُفر والعتو والتمرّد الشديدة ، فهل يَعني هذا الإطلاق لهاتين الصّفتين أنّه لا يُوجد في ذريّة إبراهيم وإسحاق صلوات الله عليهِما مَن حالهُ في الإحسانِ مُتوسِّط ، وفوقَ المُتوسِّط وتحتُ بقليل (بمعنى أنّ المُحسنين في أعمالهم واجتهادِهِم في إرضاء الله تعالى مراتب مُتفاوتة بحسب الهمّة والعَزم والعَمل) ، وهل يَعني هذا الإطلاق هاتين الصّفتين أنّه لا يُوجَد أحدٌ قد ظلمَ نفسهُ بمعاصٍ متوسّطة أو قليلة أو كثيرَة (بمعنى أنّ الظّالمين لأنفسهِم من ذرية إبراهيم وإسحاق يتفاوتون في مراتب الظّلم والكفر والجحود والطّغيان) ، نعم ! فإنّ أنتَ وقفتَ أخي القارئ على مغزى كلامِنا هُنا فقف على أنّ خُلاصَة الإلزام هُو إثباتُ : أنّ إطلاق الصّفات في كتاب الله تعالى لا يَعني الحال المُطلَق لما تضمّنته معاني الصّفات ، فلا إطلاق صفة الصّدق يعني الصّدق المُطلق المُفضي إلى العصمَة ، ولا إطلاق صفة الإيمان يعني الإيمان المُطلق المُفضي إلى العِصمَة ، بل إنّ المعنى ينصرفُ إلى الظّاهر العامّ (الغالب عليهِم) من حال الصّحابة والتابعين وتابعي التّابعين من الأمّة المحمديّة ، على أنّ مراتب الصّدق في النصرة والطّاعة تتفاوتُ بين صدقٍ مُطلَق للمعصومين كعلي والحسن والحسين ، ويليهِ صدقُ السّابقين والمقتصدين من ذريّة الحسنين ، ويليه صِدقُ التّابعين وتابعي التّابعين إلى يوم الدّين ، وكلّ هؤلاء الصّادقين (باختلاف مراتبِ صدقِهِم) أُمرنا أن نكونَ معهُم ، أُمرنا أن نجتهدَ كما اجتهدُوا لنكونَ منهُم ومَعَهُم في مرتبَة الصّدق ، على أنّا نُشدّد أنّ رأسَ الصّادقين هُو علي بن أبي طالب والحسن والحسين وسادات بني الحسن والحسين إلى يوم الدّين ، وأنّهم المعيار (مع الكتاب وصحيح السنّة) للانضواء تحتَ لواء الصّالحين ، بمعنى أنّهم القُدوَة فمتى اقتدينا بهِم كُنّا من الصّادقين ، واجتهادُنا بالركوب في سفينتهم هُو الذي يزيد مِن مراتب إيماننا وصِدقِنا ، فمتى مضى هذا الجيلُ الذي اجتهدَ في الاقتداء بعلي (ع) وأهل بيته ، فإنّ الجيل الذي بعدَهُ مأمورٌ بأن يَخطوَ كما خَطى المُجتهدين الذين قبلَهُم في ركوب سفينة نوح وأن لا يكتفوا بمراتبِ صدقهِم (الجيل السّابق) بل أن يزيدوا مراتب إيمانهم وصدقهِم على مراتبِ مَن سبقَهُم بالاجتهاد وبَذل الجَهد والوُسع والتمسّك بإجماعات بني فاطمة (ع) . خُلاصته : أنّ إطلاق صفة الإيمان أو الصّدق في القرآن (مع الخطاب العامّ الغير مُخصّص) فإنّها لا تَعني لا الإيمان المُطلق ولا الصّدق المُطلق المؤدي على العصمة ، بل هي تَحكي عن مراتب مُتعدّدة في الصّدق والإيمان حصلَت لأصحابِها ، وفي هذا الوجه كفاية بإذن الله تعالى لتبيين المُراد ، بعدهُ ننتقلُ للردّ على نفسِ شُبهَة الجعفرية في قول الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين)) ولكن مِن وجهٍ آخَرَ ، فنقول :

[مُناقشَة المسألَة من حيث تبيين معنى الحثّ بالكون مَع الصّادقين ، وتبيين مَن هُم الصّادقين ]

اعلم وفقّنا الله وإيّاكَ أنّ قولَ الله تعالى : ((يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا معَ الصّادقين)) ، معناهُ : ((يا أيها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مِنَ الصّادقين)) ، والمعنى متى صحّ بهذه الآليّة فإنّه يُذهبُ بتلك الخصوصيّة لمعنى الصّادقين ، فيُصبحُ حالها من العمومُ ظاهراً ، لأنّ فيها حثٌّ من الله تعالى لأمّة محمد بأن يَبلُغ بهم تَقواهُم وزيادَةُ إيمانهِم إلى مَبلِغٍ يكونوا فيه مِنَ الصّادقين ، والصّادقين فكلّ مَن صدّق بالله ورسوله وظهرَ صِدقُه عليه كعلي (ع) وحمزة وجعفر وأمثالهِم ، فالآيَة دَعوةٌ من الله تعالى والرّسول لكل مُؤمنٍ بأن يَجتهدَ لكي يكونَ معَ الصّادقين ، وهُو فمتى كانَ مع الصّادقين كانَ منهُم ، إن قيلَ قَد قتلنا هذه المسألة (إتيان معنى (معَ) في الآية بمعنى (مِن)) بحثاً فلِمَ تُكرّرونَها ، قُلنا : إنّما التّكرار لعدم وجَاهَة حُجّة المًُناقِش فيها ، وعليه فإنّا نسألُه عن آيةٍ من كتاب الله تعالى وهي الفيصَلُ بيننا وبينَه ، وحالُها فينطبقُ على الآية محلّ النّقاش ((يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا معَ الصّادقين)) ، انظُر قول الله تعالى : ((إِنَّ الْمُنَافِقِينَ فِي الدَّرْكِ الأَسْفَلِ مِنَ النَّارِ وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا {4/145} إِلاَّ الَّذِينَ تَابُواْ وَأَصْلَحُواْ وَاعْتَصَمُواْ بِاللّهِ وَأَخْلَصُواْ دِينَهُمْ لِلّهِ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) [النساء:145-146] ، تأمّل قول الله تعالى : ((فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)) ، يُسألُ الجعفرية مَن هُم المؤمنين في الآيَة ؟! ولابُدّ لهُم أن يقولوا أنّ المؤمنين هُم المُؤمنون مُطلقاً ، كما قالوا أنّ الصّادقين في قوله : ((وكونوا معَ الصّادقين)) تعَني الصّادقين مُطلقاً ، وعليه نعودُ ونسألُ الجعفرية عن معنى الحرف (مَعَ) في قول الله تعالى : ((فَأُوْلَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ)) هَل يعني (مِنْ) أم يعني (المعيّة وفقَط) ، بمعنى هل يصحّ أن تكونَ الآيَة : ((فَأُوْلَئِكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) أم أنّ هذا لا يصحّ ؟! إن قالوا : أنّه لا يصحّ ذلك فمعَ في الآية تَعني المعيّة فقط . قُلنا : سياقُ الآيَة لا يُخبرُ بهذا قطعاً ، فالآيَةُ تُخبرُ أنّ مَن تاب وآمَن وعَمِلَ صالحاً فإنّهُ بإيمانه هذا وعمله الصّالح وإخلاصَه أصبحَ معَ إخوانه المؤمنين المواظبين على عمل الصّالحات ، والمُخلصين لوجه الله تعالى ، أصبحَ بتوبته وصلاحه وإخلاصَه فرداً مِنَ المؤمنين ، ولهذا ختم الله الآيَة ببيانَ أجر هذا التّائب الذي عَمِل صالحاً وأخلَص ، وبيان أجر المؤمنين السّابقين الذي انضمَ هذا التائبُ إليهِم وأصبحَ فراداً منهُم ، فقال تعالى : ((وَسَوْفَ يُؤْتِ اللّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) ، ولفظة ((المؤمنين)) يَدخُلُ تحتَها ذلكَ المؤمن التائب العامل بالصّالحات والمُخلص لله تعالى المُلتحق بجماعة إخوانه المؤمنين السّابقين ممّن أخصلوا لله وعَملوا الصّالحات ، فأخبرَ الله أنّ جزاء هؤلاء جميعاً المُقتدِي والمُقتدَى بهِم هُو الأجرُ العظيم ، نعم ! وهذا كلّه يردّ على مَن أنكرَ أنّ المعيّة لا تأتي بِمعنى (مِن) ، فمعَ المؤمنين (المُطلقَة في القرآن) تعني مِنهُم ومَعهُم ، ومعَ الصّادقين (المُطلقَة في القرآن) تعني مِنهُم ومَعهُم ، ألا ترى هذه الآيات وتتدبّرها وتجعلَها تُوصلكَ إلى القول الصحيح المَباني ، قال تعالى : ((وَلَوْ تَرَىَ إِذْ وُقِفُواْ عَلَى النَّارِ فَقَالُواْ يَا لَيْتَنَا نُرَدُّ وَلاَ نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) ، وهُنا قالَ مِنَ المؤمنين ولم يَقُل مَع المؤمنين ، وقال تعالى : ((فَلَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) ، وهُنا قالَ مِنَ المؤمنين ولم يَقُل مَع المؤمنين ، وقال الله تعالى : ((وَلَوْلَا أَن تُصِيبَهُم مُّصِيبَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَيَقُولُوا رَبَّنَا لَوْلَا أَرْسَلْتَ إِلَيْنَا رَسُولًا فَنَتَّبِعَ آيَاتِكَ وَنَكُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)) ، وهُنا قالَ مِنَ المؤمنين ولم يَقُل مَع المؤمنين ، وقال تعالى : ((أَوْ تَقُولَ حِينَ تَرَى الْعَذَابَ لَوْ أَنَّ لِي كَرَّةً فَأَكُونَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ)) ، وهُنا قالَ مِنَ المحسنين ولم يَقُل مَع المحسنين ، نعم ! وبعد هذا كلّه فإن خصوصيّة الإطلاق لصفتي الإيمان والصّدق المُفضية إلى العصمة تتلاشى ، لأنّ كلّ فرد من أهل القبلَة يستطيعُ أن يكونَ فرداً مِن المؤمنين ، وفرداً من الصّادقين ، باختلاف مراتبِ الصّدق والإيمان من فردٍ لآخَر حسب بذل الجهد والوُسع في الإتّباع (لكتاب الله تعالى ، وصحيح سنّة رسول الله (ص) ، وسادات بني الحسن والحسين وإجماعاتهم في الدّين) ، فآل محمّد (علي والحسنين وسادات بني الحسن والحسين) رأسُ المؤمنين ورأسُ الصّادقين ، ويَدخلُ مَعهُم وتحتَهُم مَن اقتدَى بهِم فهُو مَعهُم في إيمانه وصِدقه ، وهُو منهُم في إيمانهِ وصِدقه ، فإن قال الجعفري : وكذلك نَقول نحنُ أنّ آل محمد هُم رأسُ المؤمنين والصّادقين ، وأنّ مَن اقتدَى بهِم فهو مؤمنٌ بالعرض والتبعيّة ، وصادقُ بالعرضِ والتبعيّة ، فعلى ما الخلاف إذاً ؟! قُلنا : إنّما موضعُ الخلاف بيننا وبينَكم في الآيَة ، هُو أنّنا نقولُ أنّ الصّادقين في هذه الآيَة هُم الصّادقون المعصومون (علي والحسن والحسين ، وإجماع ومنهج سادات بني الحسن والحسين الذي يَدعونَ إليه النّاس والذي به وبتطبيقه يُصبحُ الفردُ مِن الصّادقين) والصّادقون بالتبعيّة والعَرض والإقتداء (وهُم الشيعَة المتمسّكين بسيرة وإجماع علي والحسنين والسّابقين بالخيرات والمقتصدين من ذريتهما) ، وأنتُم تقولون أنّ الصّادقين في الآيَة إنّما هُم آل محمّد (علي والحسنين والتسعة مِن ولد الحسين) وفقط ، واختلافٌ آخر بيننا وبينكم حول هذه الآيَة هُو جعلكم الصّادقين هؤلاء (معصومين) لمُجرَّد إطلاق صفة الصّدق ، ونحن نقولُ أنّ الصّادقين في الآيَة هُم مَن كانَ الصّدق والإخلاص والنّصرَة هُو الظّاهر والغالبُ عليهِم ، على اختلاف مراتب الصّدق والاجتهاد فيه ، ولتوضيحٍ أكثَر حول مَن هُم الصّادقين الذين أمرنَا الله تعالى بالكون معَهم ((وكونوا مع الصّادقين)) ، سنقف وإيّاكم على تعريف الله لهُم ، فمَن هُم الصّادقونَ عند الله تعالى ؟! قال الله تعالى : ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) ، وهُنا سنقف عندَ هذه الآيَة ، فإن ثبتَ أنّه لا يَدخلُ تحتَ مضمون هذه الآيَة إلاّ المعصومين المنصوص عليهِم دون غيرهِم من الأمّة المحمديّة ، كان كلامُكم هو الصّحيح ونحن المُخطئون ، وإن ثبتَ أنّ صفة الصّدق في الآية القريبَة تنطبقُ على المعصومين (الثلاثة) وغير المعصومين غير المنصوص عليهِم ، كان كلامُنا هُو الصّحيح وكلامُكم هُو الخاطئ ، فهَل حمزَة بن عبدالمطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، الغير مَعصومَين ، والغَير مَنصوص عليهما مِن ((الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ)) ، مِنَ الذين ، ((لَمْ يَرْتَابُوا)) ، مِنَ الذين ، ((جَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ)) ، ممّن قال الله فيهم ((أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) ؟!! ما رأي الكتاب في حمزة وجعفر هُل هُما مِن الصّادقين في هذا كلّه ؟! يُجيبُ الكتابُ فيقول : ((مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا {33/23} لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِن شَاء أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا)) ، وأجمعَت الزيدية والجعفرية أنّ المقصودَ بقوله تعالى : ((فَمِنْهُم مَّن قَضَى نَحْبَهُ)) هُم حمزة بن عبدالمطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، وزادَ بعضهُم عُبيدة بن الحارث بن عبدالمطّلب ، وأنّ المقصود بقوله تعالى : ((وَمِنْهُم مَّن يَنتَظِرُ)) هُو أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، فهذه الآيَة شَهِدَت لهؤلاء بمِا يجعل صفات الارتياب بعد الإيمان مُنتفية عنهُم تماماً ، كما شَهِدت هذه الآيَات لهُم بالمثابرَة المثاليّة في الجهاد والنّصرة لله وللرّسول (ص) ، فهذه الآية أثبتت أنّ قول الله تعالى : ((إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ لَمْ يَرْتَابُوا وَجَاهَدُوا بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أُوْلَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ)) مُنطبقٌ عليهِم ، وأنّهم مِنَ الصّادقين ، وكيف لا يكونوا مِنَ الصّادقين والله تعالى يقولُ عنهُم : ((رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) ، ويقولُ عنهم : ((وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا)) ، فهل حمزة وجعفر الذين هُم مِنَ الصّادِقين منصوصٌ عليهِم أو معصومِين ؟! أم أنّه صحّ قول الزيدية بدخول المعصومين المنصوص عليهم (كعلي (ع) ) ، وغير المعصومين والمنصوص عليهِم (كحمزة وجعفر) تحت اسم الصّادقين ، على تفاوت مراتب الصّدق والنّصرة إذ عليٌّ (ع) أعلاهُم مرتبَةً !! ، نعم ! على أنّه يجدرُ بنا التنبيه والتّذكير أنّ موضعَ الآية الأصلي في كتاب الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين)) موضعُ هذه الآيَة هُو في حثّ الثلاثة المُتخلّفين عن الخروج مع الرّسول (ص) على صدق النّصرة لله وللّرسول ، فحثّهم الله تعالى على اتّقاء الله أن يكونوا مع الصّادقين في جهادهِم ونُصرتِهم ، مع الرّجال الذين ((صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) ، كعلي وحمزة وجعفر وعُبيدة وأمثالهم ، أن يكونوا منهُم (من الصّادقين) بالعمل بالأعمال التي عمِلَها حمزة وجعفر حتّى أصبحَوا بهذه الأعمال من الذين ((صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ)) .

يتبع ......
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

[مُناقشَة المسألَة من جهة الروايات والأخبار الجعفرية حول من هُم الصّادقين في الآية ]

1- روى الكليني بإسناده ، عن ابن أبي نصر ، عن أبي الحسن الرّضا (ع) ، قال : سَألتهُ عن قول الله عزّ وجل: (( يَا أيّها الذين آمنوا اتقوا الله وكُونوا مَعَ الصَّادِقين)) ؟! ، قال : الصَّادِقون هُم الائمّة ، [تأمّل] والصِّديقُون بِطاعَتهِم)) [أصول الكافي :1/208] ، ورواه صاحب [بصائر الدرجات: ] ، وشاهده في بحار الأنوار للمجلسي [24/31] .

تعليق : وهُنا تأمّل دخول أتباع الأئمّة والمُصدّقين بهم ضِمنَ الصّادقين ، ستجِد أنّ قول الزيدية هُو المُستقيم في المسألَة ، لأنّه يلزمُ على شرط الجعفرية أن يكونُ هؤلاء الصدّيقون المُصدّقون بالأئمة ، يلزمهُم أن يكونوا صدّيقون دائماً معصومين عن مُخالفة الأئمة في السّر والعلن ، وهذا باطِل ، ومنه فإنّ قوله ((وكونوا مع الصّادقين)) لا يُستنتجُ منه أي دلالَة على العصمَة أو النّص لأشخاصٍ محدودين معدودين كما تُحاولُ الجعفرية إثباتَ هذا ، وإلاّ لزِمهُم أن يكونَ جعفر وحمزة معصومين منصوصٌ عليهم لمّا أطلقَ الله عليهم صفة الصّدق مُطلقاً ، فقال جلّ شأنه : ((رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه)) ، وقال جلّ شأنه : ((وما بدّلوا تبديلاً)) كما تقدّم بيان ذلك .

2- ذكرَ الطّبرسي في تفسيره مجمع البيان ، أقوالاً عديدة في تفسير مَن هُم الصّادقين في الآية ، فقال :

(( وقيل: المُراد بِالصَّادقين هُم الذين ذَكرهم الله فِي كِتابِه ، وهو قوله : ((رِجَالٌ صَدَقوا مَا عَاهدوا الله عَليه فَمِنهُم مَن قَضى نَحبَه)، يَعني حمزة بن عبد المطلب، وجعفَر بن أبي طالب ، (ومنهُم مَن يَنتظِر) يَعني عَلي بن أبي طَالب (ع) .
* وروى الكَلبي: عن أبي صَالح، عن ابن عباس قال: كُونُوا مَعَ الصّادقِين، مَعَ علي وأصحَابه.
* وروى جابر، عن أبي جَعفَر (ع) فِي قَوله ((وكُونوا مَعَ الصّادِقين)) ، قال : مَع آل محمّد (ص) . *
* وقيلَ: مَع النّبيين والصِّديقين فِي الجنة بالعمَل الصَّالِح فِي الدّنيا، عن الضحّاك.
* وقيل: مع محمّد (ص) وأصحَابه، عن نافع.
* وقيل: مَع الذين صَدَقت نيّاتُهم، واستقَامَت قُلوبهم وأعمَالُهم، وخَرجوا مَعَ رسول الله (ص) ، وَلم يَتخَلفوا عنه، عن ابن عباس )) ، اهـ من [مجمع البيان للطبرسي :5/140] ، وانظُر شاهدَه في [بحار الأنوار :24/30] .

[إلزام الجعفرية بإلزامات هامة مترتّبة بعد التسليم الجدلي بما فهموهُ من الآيَة ]

سلَّمنا جدلاً (مُتجاهلينَ جَميع مَا مضى من احتجاجات عليكم) أنّ قول الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين)) ، يقتضي صِدقاً مُطلقاً مفضياً إلى العصمَة ، مفضياً إلى النّص ، فإنّ حثّ الله تعالى للمؤمنين على الكَون مع الصّادقين الذين هُم (أفراد الإثني عشر المعصومين المنصوص عليهِم وفقط) ، يقتضي هذا أن يكونَ الصّادقين هؤلاء موجودينَ ما وُجِدَ المؤمنين ، ويقتضي أيضاً أن يكونَ هؤلاء الصّادقين ظاهرينَ غير غائبين ، موجودين مُعايشين للنّاس ، لهُم طريقٌ معلومٌ على وجه البسيطَة لِكي يكونَ النّاس مَعهُم اقتداءً ، وطاعةً ، ونُصرةً ، خصوصاً مع هذا الزّخم المفجع من الالتباس في أمر الدّين والدّنيا ، والله المُستعان . فالله سبحانه وتعالى حثَّ المؤمنين في كلّ زمانٍ ومكان بالإقتداء (على حدّ قولكم) بالصّادقين المعصومين ، فالمؤمنون موجودون في هذا الزمان ولا صادِقَ موجودٌ في هذا الزّمان ، فَبِمَن يقتدِ المُقتدِي يا الله ؟! بمَن أمرتَنا أن نكونَ معهُ ((وكونوا مع الصّادقين)) في هذا الزّمان . الجعفرية لا تَقول أنّ الإقتداء هُو اقتداءٌ بمنهج (بإجماع) وفَقط ، بل تقولُ هُو اقتداءٌ بأفَراد وأشخاص منصوصٌ عليهِم لهم بقيّةٌ إلى يوم القيامَة ، وهُنا نسألُ الجعفَرية عن الصّادق المُطلق المعصوم المنصوص عليه الغائب المهدي محمد بن الحسن العسكري أين هُو ثِقلُهُ ووجودهُ وعلامات صِدقهِ التي يجبُ علينَا الإقتداء بها ؟! خصوصاً مع تجدّد الفَتن وتكاثُرها وتكالُبها وضياع وَجهُ الحقّ المُطلَق (استنباطاً من عقيدَة الجعفَرية فَي معرفَة الحقّ من الباطل) ، وضياعُ الحقّ المُطلق من ألفَ ومائتين سنة ليس ناتجاً إلاّ من غياب الصّادق المُطلق ، صاحب القرار الصحيح المُطلق ، والفَتوى الصّائبة المُطلقَة ، والمُنهج القويم المُطلَق ، والله المُستعان ، وبهذا التوضيح أختمُ كلامي هُنا مُصلّياً ومُسلّما على محمد وآله الطيبين الطاهرين .

الآيَة محلّ النّقاش ، نظرة عقلانية

[ الصّادقين في قوله الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا معَ الصّادقين)) ، هل هُم أشخاصٌ معصومون بدون فكر ، أم أشخاصٌ معصومون و فكرٌ معصوم ، أم أشخاصٌ غير معصومين وفكرٌ معصوم ]
هُنا بعون الله تعالى نتناولُ أبعاداً مهمّة للباحث الحصيف ، حول المقصود بالصّادقين ، بنظرَة أعمّ وأشمَل من نظرتِنا السّابقة لهُم ، سابقاً كان مدار الإثبات والنّقض ، حول خصوصيّة الصّادقين بأهل البيت وشيعتهم المُتابعينَ لهُم ، أو أهل البيت فقط ، إذاً هُناك إجماع من الزيدية والجعفرية أنّ لأهل البيت النصيب الأكبَر من الحثّ على الكون معَهُم ، وهُنا سنتناولُ مَن المَقصودُ بأهل البيَت في الآيَة ، هَل المقصودُ من الآيَة هُو الحثُّ على الكونَ معَ رجال صادقين دون اتّباع فكرهِم ، بمعنى مُرافقتهِم بالمعيّة والمُصاحبَة بدون الإتّباع ، أم أنّ المَقصودُ هُو اتّباع رجال صادقين معصومين مع اتّباع فكرهِم الذي لا شكّ سيكونُ معصوماً ، وإنّما عُصِمَ فكرهُم لعصمَة الرّجال الصّادقين المُستنبطين ، فيكونُ المعنى مُرافتهم بالمعيّة والنّصرة والاتّباع ، وهذا الثّاني هُو قول الجعفرية ، أم أنّ المقصود هُو اتّباع رجال صادقين غير معصومين مع اتّباع فكرهِم المعصوم ، وإنّما عُصِم فكرُهم لاجتماع جماعَة من هؤلاء الرّجال على قولٍ واحِدٍ فيه ، فيكونُ المعنى مُرافقتهُم بالمعيّة والنّصرة والاتّباع ، وهذا الثالث هُو قول الزيدية ، هذه ثلاثةُ أقوالٍ مُختصرة علينا تفصيلُها وبيانهُا ، وعلى القارئ تدبّرها وترجيحُ وجه الحقّ فيها ، ومنها :


القَول الأوّل : أن يكون الله تعالى ، ورسوله (ص) ، حثّونا على الكَون مع رجالِ صادقين ، بالمعيّة أي المُرافقَة بالأبدان والأجسام والتّنقّل والترحَال ، بدون اتّباع فكر هؤلاء الرّجال الصّادقين ، وهذا المعنى من هذا القَول باطلٌ بالإجماع ، إذ لا حِكمَةَ من هكذا حثٌّ من أحكم الحاكمين ، ولا فائدةَ من هكذا خِطاب من المُصطفى (ص) ، إذ الحثّ على مُرافقة الصّادقين بدون الحثّ على الإتّباع ، ليسَ وجههُ بمؤدٍ إلى طريق النّجاة والسّلامة ، وعليه فوجهُ هذا القول باطلٌ ، ولن نُبالغَ إن قُلنا إجماعاً .

القَول الثّاني : أن يكون الله تعالى ، ورسوله (ص) ، حثّونا على الكَون مع رجالِ صادقين معصومين بالمعيّة والمُرافقة والنّصرَة ، مع اتّباع فكرهِم الذي لا شكّ سيكونُ معصوماً ، وإنّما قلنا لاشكّ بعصمتهِ لمكانِ عِصمَة الرّجال الصّادقين المُستنبطين له ، والقائمين على نشره ، والدّعوَة إليه ، وتعليمهِ للنّاس ، بمعنى : أنّه لن يَخرُجَ عن المعصومينَ إلاّ فكرٌ معصوم ، وهذا هُو قولُ الجعفرية من الشيعَة ، وعليه فإنّ هُناك عدّة نتائج نستنتجُها من هذه المقدّمة ، منها :

الاستنتاج الأول : أنّ الفِكرَ متى لم يَخرُج مِن عندِ معصومٌ فهو (الفكر) ظنّيٌ غيرُ معصوم .

الاستنتاج الثاني : أنّ واجبَ الهدايَة على الرّجال الصّادقين المعصومين هُو إخراجُ فكرهُم المعصومُ تبعاً لعصمَتهم ، ومعلومُ أنّ خطابَ الله تعالى في الآيَة ((يا أيهّا الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مع الصّادقين)) هُو خطابُ لجميعِ المؤمنين على مرّ الأزمانَ والأعصَار ، فكما أنّه خاطبَ المؤمنين في عهد الرّسول (ص) وحثّهم على الكون والإقتداء بعلي بن أبي طالب (ع) ، فكذلكَ خاطَبَ المؤمنين الحَيارَى وغيرهِم في عهد جعفر الصّادق (ع) ، وحثَّهُم (الله) على الكون والإقتداء بجعفر الصّادق (ع) ، وكذلكَ خاطَب المؤمنين الحيارَى وغيرهِم في عهدِ الحسن العسكري (ع) ، وحثَّهُم (الله) على الكون والإقتداء بالحسن العسكري (ع) ، وكذلكَ نقولُ كالأحوال السّابقة في الخطاب الإلهي للمؤمنين من حيث شموليّته للمؤمنين من بعد الحسن العسكري إلى يوم القيامَة ، وحثّ (الله) على الكون والإقتداء بالمهدي محمد بن الحسن العسكري ، خُلاصَة الكلام القريب أنّ خطاب الله تعالى مُوجّهٌ للمؤمنين في جميع الأعصار والأزمان ، وأنّ واجب الرّجال الصّادقين هُو إخراجُ فكرهُم المعصوم تبعاً لعصمتهِم لجميع مَن شَملِهُم الخطاب القرآني على مرّ الأزمان والأعصار .

الاستنتاج الثالث : على قولُ الجعفرية (أصحاب القول الثّاني) ، فإنّ الفِكرَ في عِصمتهِ تابعٌ لِعصمَة الرّجال الصّادقين (الإثني عشر) ، ولَو قالوا بأنّ عصمَة الفكر غير تابَعَة لعصمَة الرّجال الصّادقين لصحّحوا قولَ الزيدية من حيث لا يَعلمون ، وعليه وبما أنّ عصمَة الفكر تابعَة لعصمَة الرّجال الصّادقين فإنّه لن (تُفيد النفي والتأبيد) يُوجَد فكرٌ معصومٌ على مرّ الأزمان والأعصار إلاّ بوجودِ رجالٍ صادقين موجودين على مرّ الأزمان والأعصار يَخرجُ هذا الفكر عن طريقهِم ، خُصوصاً وأنّ الفِتَن تتجدّد ، والشّبهات النّاجمات القاصمات تَجعلُ العقلَ يطيرُ ويحيرُ بحثاً عن المخارِج ، والفتوى تزيدُ أوجُهُها ، وبمعنىً آخَر نقول : أنّ الفكر المعصوم مُرتبطٌ وجودهُ بوجودِ الرّجال الصّادقين في كلّ الأزمان ، يكونانَ معاً في كلّ الأزمان .

نعم ! وبعد هذه الاستنتاجات ، نستعرضُ بعض الإلزامات المُلزمِة للجعفريّة ، التي تُبيِّن عَوار هذا القول ، منها :

الإلزامُ الأوّل : بما أنّ الخطاب (الحثّ على الكون مع الصّادقين) شاملٌ لجميع العباد على مرّ الأزمان والأعصار (كما تقرّر في الاستنتاج الثّاني) ، فإنّ الخِطابَ شاملٌ لنا في هذا اليوم (12/5/1428هـ) ، وقد سبقَ أن قرّرنا في مقدّمة القول الثّاني ، أنّ حثّ الله تعالى للمؤمنين يعني حثّهم على مُرافقة ونُصرة هؤلاء الرّجال الصّادقين المعصومين وعلى اتّباع فكرهِم ، وأنّ فكرَ هؤلاء الرّجال الصّادقين المعصومين لاشكّ سيكون معصوماً لاستحال أن يخرُج عن المعصومين فكرٌ غير معصوم ، وقرّرنا أيضاً في الاستنتاج الثّالث أنّ الفكر في عصمته تابعٌ لعصمَة الرّجال الصّادقين ، وأنّ مصيرَ الفكر المعصوم مُرتبطٌ بوجود الرّجال الصّادقين ، فمتى عُدِمَ (أو غابَ) الرّجال الصّادقين ، لم ولن نستطيعَ كأهلِ قِبلةً في هذا الزّمان من إصابَة الفكر الجعفري المعصوم ، فأطراف هذا الفكر ستكون بيد علماء الجعفرية الغير معصومين فيكون اتّباعنا للمذهب والفكر الجعفري مبني على الظّن كم تقرّر في الاستنتاج الأوّل ، وعلى هذا كلّه نقول (على مقتضى قول الجعفرية) : أنّ خِطابَ الله تعالى لنَا في هذا الزّمان لن يتحقّق إصابَةُ وجهه إلاّ بالإتّباع ، وأخذ الفكر المعصوم ، والتسليم ، والنّصرةَ للرجال الصّادقين (الإثني عشر) ، ((وكونوا معَ الصّادقين)) بالإتّباع لفكرهِم ، ونُصرتهم ، فهل يَعلم الجعفرية أنّ هُناك تواجدٌ مُشترَكَ اليوم لأشخاص الرّجال الصّادقين (لشخص المهدي المنظر) ، ولفكر المهدي المعصوم الذي يرتضيه قطعاً بلا ظنّ أو احتمال ؟! إن قيل : ليسَ يُشترطُ وجودُ شخص المهدي الغائب بيننا لإصابَة الفكر المعصوم إذ يكفينا روايات آبائه التي وصلَتنا وروايته التي وَصلَتنا عن طريق سفرائه الأربعَة قبل ألف ومائتين عام!! . قُلنا : قد رَجعتُم من حيثُ علمتُم أو جهلتُم إلى قول الزيدية المَرضيّة ، من عدم اشتراط وجود المعصوم لمعرفة الفكر المعصوم ، فهي تَقول أنّ إجماع سادات بني الحسن والحسين هُو الفكر المعصوم وأنّ القُوَّام عليه بنشره وتبليغه هُم رجالٌ من بني فاطمة غير معصومين لن يُعدَموا ، فقولُكم القريب تقويَةٌ إلى ما ذهبَت إلى الزيدية. وخُلاصَة الإلزام أنّ وجودَ الرّجال الصّادقين معايشين للنّاس للكونِ معَهم (ركِّز على قولِِنا :للكونِ معهُم) لازمٌ لمعرفة الفكر الحقّ المحمديّ المُطلَق المعصوم ، ومتى غابُوا فقد غاب الفكر المعصومُ مَعهُم ، لأنّه لا وجودَ لفكرٍ معصوم بدون رجالٍ صادقين معصومين على مقتضى مذهب الجعفرية . إن قيل : فهذا الرّسول (ص) قد غابَ في الغار ، وغابَ أثناء سفره وترحاله عن عموم المؤمنين ، فهل في هذا ما يُلغي حُجيّة أو عِصمَة فكر الرّسول (ص) ؟! قُلنا : ليسَ هذا القول يصدرُ من العامّة فضلاً عن أن يُصدر من مُثقّفين أو عُلماء ، وذلكَ

الإلزامُ الثّاني : أنّ الله أمَرَنا بالكونَ مع رجالٍ صادقين معصومين ، وهذا إمّا أن يقتضي الكونَ مع الرّجال الصّادقين المعصومين ، أو معَ فكرهِم المعصوم تبعاً لصمتهِم ، وقد قرّرنا في الاستنتاج الثّالث أنّ أمر الله تعالى وحثّه لنا بالكون مع الصّادقين (على مذهب الجعفرية) يلزمُ منه الكون مع الرّجال الصّادقين المعصومين (وبقيّتهم المهدي في هذا الزّمان) ، ومع فكرهم المعصوم (فكر المهدي في هذا الزّمان) ، وأنّ شرطّ الكَون الذي حثّ الله عليه لن (تفيد النّفي والتأبيد) يتحقّق إلاّ بوجود الرّجل الصّادق المهدي الجعفري المعصوم وفِكره في آنٍ واحِد ، وإلاّ فإنّ فائدة الآيَة القرآنيّة الحاثّة على الكون مع الحقّ المحمديّ المُطلَق ستذهبُ أدراج الرّياح ، لأنّا لو اتّبعنا فكر الجعفرية تواصُلاً مع فقهاء الحوزات ، وأصحاب ولاية الفقيه الرّجال الغير معصومين ، لن نكونَ قاطعينَ على أنّ هذا هُو الحقّ المُطلَق ، والدّين الُمطلَق ، لأنّه صدرَ عن رجالٍ غير معصومين ، حالُهُم كحالِ رِجال الإسماعيلية من الشيعَة لهُم نفس الدّعوى ، والله في الآيَة الكريمة قد حثّ على الكونِ مع حقٍّ مُطلَق ، والحقّ الُمطلَق لن نستطيع تطبيق حثّ الله لنا بالكونِ معه إلاّ بحضور وتفهيم وتدريس ونِقل الرّجال الصّادقين (وفي زماننا هذا لن نصلَ إليه إلاّ بحضور المهدي الجعفري الغائب) ، وعليه فإنّ الآيَة تُوجبُ أن يكونَ الرّجال الصّادقون حاضرون مُعايشون لمَن خاطبَهُم الله تعالى من المؤمنين وأمرَهُم بالكون مَعهم ، ليتحقّق هذا الكَون ، فمتى غابوا عنّا هؤلاء الرّجال المعصومين ، غابَ فكرهُم المعصوم ، ومتى غابَ شخصُهُم وفكرهُم فقد كلّفنا الله تعالى بما لا نَستطيع ولا نَقدر (بأكثر من طاقَتنا) ، لأنّه دلّنا على مذهبٍ جعفريٍّ ظنّي الإصابَة والنّجاة . إن قيل : لستُم تجهلون غياب الرّسول (ص) عن المؤمنين في الغار ، وأثناء رحلاته وتنقّلاته ، فهل هذا يعني غياب فكره المعصوم . قُلنا : لا تَقِس يا رَحمك الله غياب الرّسول (ص) بغياب المهدي الجعفري (من ألف ومائتي عام!!) ، لأنّ الرّسول (ص) عندما كان يحضرُ بعد الغياب ، وكان يُصحّح أخطاء أصحابه إذا وقعوا في الخطأ وهو غائبٌ عنهُم ، كما أنّه ظلّ مُعايشاً لهُم مُقِيمَاً داعياً ناشراً لفكره المعصوم ، فشروط الَكون الإلهي مع الرّسول (ص) مُتحقّقة ، (وجود شخص الصّادق المعصوم ووجود فِكرِه المعصوم ودعوته إليه) نعم ! فشروط الكَون الإلهي مع الرّسول (ص) مُتحقّقة (وإن غاب ثمّ حضَر) ، فغيابهُ القصير (ص) في زمانه لم يَجعل العِباد في ذلك الزّمان يتكلّفون ما لايُطيقون في الوصول إلى فكره المُطلق الصّدق ، ومنهَجه المعصوم ، بل الكلّ يستطيعُ أن يَصِلَ إليه مُشافهةً له (بعد حضوره) ، ومُخالطَةً له ، ومُشاهدةً له ، كما أنّا وإيّاكم وجميع أهل القِبلَة أنّ رسول الله (ص) قد توفّاه الله مُبلّغاً مُقيماً للحجّة على العباد .

القَول الثّالث : أن يكون الله تعالى ، ورسوله (ص) ، حثّونا على الكون مع رجال صادقين غير معصومين لهم ألطاف توفيقيّة من الله يكونوا مَعَها في غالب أمورهِم وشئونهم مُصيبين ، وحثّونا على اتّباع فكرهِم المعصوم ، وإنّما جاءَت عِصمَةُ هذا الفكر من اجتماع هؤلاء الرّجال الصّادقين المخصوصين بألطاف التوفيق الإلهي ، اجتماعهم على فكرٍ واحدٍ في الدّين ، فكانَ هذا الاجتماعُ منهم مع تصريح الله والرّسول أنّ الحقّ لن يَخرُجَ عنهُم هُو الدّافعُ للقولِ بعصمَة الفكر ، وهذا هُو قولُ الزيدية من الشيعة ، إن قيلَ : اشرحُوا لنا هذا الكلام بالتفصيلِ المُمِلّ . قُلنا : اعلم رحمنا الله وإياّك ، أنّ لبني فاطمة سادات بني الحسن والحسين ألطافٌ توفيقيّة من الله تزيدُ بزيادَة عزيمَة الفاطمي واجتهادِه في طلبِ الله وإرضاءهِ خصوصاً إذا كانَ معَ هذا الاجتهاد وبذل الجَهد والوُسع مُتمسّكاً بإجماعات سلفه من بني فاطمة السّابقين ، فيهمُّ الرّجلُ منهُم (الذي قَد وصلَ بِعلمِه وفعلهِ إلى منزلة السّابقين بالخيرات ، إلى منزلَة الإمامة والقيادَة) إلى دَعوَة النّاس إلى فكرِه وفكرِ آبائهِ المُجتمَعِ عليه ، الفكر العلوي الفاطمي الحسني الحسيني المعصوم ، فيكونُ بهذا الإمام القائم في كلّ زمانٍ مُجدّداً لفكرٍ معصوم ، الفكرُ المعصومُ هذا لم تَخلُ الأرضُ منه لحظة من بعد سيّدنا محمد (ص) ، وكذلكَ الرّجال الصّادقون الفاطميّون الذين لهم توفيقاتٌ ربّانيّة يعملونَ على نشرِه والقيامِ بالدّعوةَ إليه ، وتهذيبه ، وتنميقه ، وحياطَتِه ، وصيانَتِه من المُتعدِّين عليه ، فيكونُ هذا هُو دورُهُم في الهِدايَة ، والتبليغ ، والدّعوَة ، وعليه أخي القارئ فإنّ الزيديّة هي التي تحقّق عليها مِصداقيّة قول الله تعالى : ((يا أيّها الذين آمنوا اتّقوا الله وكونوا مَعَ الصّادقين)) ، ((يا أيّها الذين آمنوا)) خطابٌ خاصّ لأصحابِ رسول الله (ص) ، وتدخلُ جميع الأمّة المحمديّة بما لا يُمتنَعُ أصلُه ووجههُ ، فهو خطابٌ للعباد في كلّ زمانٍ ومكان ، ((اتّقوا الله)) خافوا الله وأقبلُوا على طاعتهِ ومَرضاتهِ ، ((وكونوا)) بالمُرافقَة والمُخالطَة والنّصرَة والاتّباع ، ((مَعَ الصّادقينَ)) مَعَ الرّجال الصّادقين في منهجهِم ودَعوتهِم ، والزيدية تَقولُ أنّ أئمّتها رجالٌ صادقون في تبليغ الإجماع الفاطمي المعصوم ، فهُم أصدقٌ النّاس في تبليغ الدّعوَة الحقّة ، لأنّ دَعوتَهُم التي يعملونَ على نشرها هي دَعوة أهل البيت (ع) ، ودَعوة أهل البيت (ع) لن تُفارقَ الكتاب حتى يَرثَ الله الأرض ومَن عليها ، فالقائمونَ على تبليغِ هذا الفكر المعصوم ، والدَعوة الحسنية الحسينيّة هُم رجالُ صادقون فيما دَعوا إليه النّاس مِن فلاحٍ ونجاة ، أضف إلى ذلك أنّ الظّاهر الغالب على حال أولئك الأئمّة أو المقتصدين من بني فاطمة العامِلين على نشر هذا الدّين الحقّ ، هُو الصّلاح وحُسن الاختيار ، والاجتهاد في مرضاة الله ومرضاةِ رَسوله ، وليسَ هذا كلّه منهُم بعمصَة مِن الله تعالى ، وإنّما هُو اقتداءٌ بالكتاب وصحيح السنّة المحمديّة وبأفعال وأقوال سابقيهم من بني فاطمَة ، وبالاجتهاد الشّخصي لهم في المسائل الدّائرة والحادِثَة والذي يَحوطُهُ من الله توفيق ولُطف ، فمَن اتّقَى الله وآثرَ جانبَه كانَ الله مَعهُ بتوفيقه وتسديده ، فكيف إذا كان هذا المُتّقي لله والُمجتهدٌ رجلٌ فاطميٌّ من أهل بيت رسول الله (ص) باذلٌ نفسَهُ ونفيسَهُ للعمل بكتاب الله تعالى ، وسنّة رسول الله (ص) ، وبإجماع سلفه السّابقين من بني فاطمة (ع) ، فلهُ بلا شكّ نصيبٌ كبير مِن توفيق الله وتسديده ، نعم ! أضف إلى ذلك أنّه مِن قول الله تعالى : ((وكُونوا مَعَ الصّادقين)) هُو أنّ أهل التّكليف من أمّة سيدنا محمد (ع) لن يمرّ عليهِم مكان ولا زَمان ، ليسَ فيه لمُقتصدٍ أو إمامٍ من بني فاطمة مكانٌ على وجه البسيطَة ، يُعايشُ مِن خلالهِ النّاس ويُخالطُهُم ويَدعوهُم قدر استطاعتِه ، كما أنّ إجماعَ أهل البيت المعصومُ موجودٌ أيضاً ، فمَن كانَ قريباً من المُقتصِد أو الإمام الزّيدي الُمبلّغ للإجماع الفاطمي المعصوم ، مَن كانَ قريبا منهُ في الدّيار والَمسكَن تمسّك بهِ ، وانضوى تحتَ جناحِهِ ، وتعلّم على يديه ، ومَن كانَ بعيداً دارُهُ ومَسكنهُ عنه تمسّكَ بإجماعِ سلَفهِ من سابقي بني فاطمة (ص) ، وهُو الإجماع المعصوم ، وكانَ عليه بذل الجَهد في الوصولِ إلى مُقتصد أو إمامِ بني فاطمَة في زمانِه ، والتعلّم على يديه والاستزادَة من آرائه واجتهاداته في الأمور الطّارئَة والفتن النّاجمَة مع كلّ مكانٍ وزمان ، وعليه أخي المُكلّف فإنّ مصاديق هذه الآيَة الكريمَة لم تنتفِ على أصلِ الزيدية ، بقدر ما انتفَت على أصلِ الجعفرية ، لأنّ الجعفرية قالَت بالكونِ معَ الرّجال الصّادقين بالمرافقة والتعلّم والنّصرَة والاّتباع للدّعوة ، وجعلَت سببَ الصّدق المُطلَق عليهِم هُو عِصمةُ هؤلاء الرّجال ، فكانَ دينهُم وفكرهُم الذي يَدعونَ إليه معصومٌ تبعاً لعصمتهِم ، فالمعصوم لا يخرجُ عنه إلاَّ قولٌ مَعصوم ، وعليه فالآيَة تحثّ الأمّة المحمديّة في كل زمانٍ ومكانٍ على اتّباع رجالٍ لهم أفعال تُنبؤُ أنّهم صادقين في أفعالهِم ودَعواتهِم ، وهذا كلّه غير موجود من ألف ومائتي عام ، فلا رجالهُم المعصومين (المهدي الغائب) موجودين لنقتدي بأفعالهِم ، وبِما أنّ الرّجال المعصومين غيرُ موجودين فالفكرُ الصّادقُ المعصوم ، والمنهجُ الحقّ القويم ، ليسَ له وجود ، لأنّا قرّرنا سابقاً أنّه تابعٌ لوجود الرّجال الصّادقين المعصومين ، فمتى عُدِمَ الرّجالُ الصّادقين عُدِمَ الفكر المعصوم ، مُتى عُدم المهدي ابن الحسن العسكري عُدِمَ الفكر المحمديّ المعصوم ، فكيف يُخاطبُ الله تعالى أمّة محمّد بالكونِ مع رجالٍ غير موجودين ، ودَعوة مُترتّبة ومُتوقّفةٌ عليهِم وعلى تبليغهِم ودَعوتهِم لها !! ، اللهم صلّ على محمد وآله الطيبين الطّاهرين .

[تم الكلام على هذه الآية ]
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلٌ آخَر على النص من الله سبحانه وتعالى ، على أئمّة بعينهِم ، هو قول الله تعالى : ((فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ )) ، فأطلق عدم العلم عند السائل مما يكشف عن إطلاق العلم عند المسؤول وهم أهل الذكر, إذ لا يكون عالما مطلقا وهو عاجز عن إجابة من لا يعلم مطلقا, ولا أحد من غير المنصوص على علمه المطلق يُقطع بعلمه المطلق, فيتعين النص على العالم المطلق عن الله عز وجل وهو الإمام.

قلنا : قد فهمنا موضع السؤال ، فتهموا رحمكم الله تعالى موضع الجواب ، الذي سندرجه من عدة نقاط :

النقطة الأولى : في بيان معنى قول الله تعالى : ((فاسألوا أهل الذّكر إن كنتُم لا تعلمون)) :

سياق الآيَة ، وهو قول الله تعالى : ((وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {16/43} بِالْبَيِّنَاتِ وَالزُّبُرِ وَأَنزَلْنَا إِلَيْكَ الذِّكْرَ لِتُبَيِّنَ لِلنَّاسِ مَا نُزِّلَ إِلَيْهِمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ {16/44))[النحل] ، وقوله تعالى : ((مَا يَأْتِيهِم مِّن ذِكْرٍ مَّن رَّبِّهِم مُّحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ {21/2} لَاهِيَةً قُلُوبُهُمْ وَأَسَرُّواْ النَّجْوَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ هَلْ هَذَا إِلَّا بَشَرٌ مِّثْلُكُمْ أَفَتَأْتُونَ السِّحْرَ وَأَنتُمْ تُبْصِرُونَ {21/3} قَالَ رَبِّي يَعْلَمُ الْقَوْلَ فِي السَّمَاء وَالأَرْضِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ {21/4} بَلْ قَالُواْ أَضْغَاثُ أَحْلاَمٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الأَوَّلُونَ {21/5} مَا آمَنَتْ قَبْلَهُم مِّن قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ {21/6} وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلاَّ رِجَالاً نُّوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ {21/7} وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَّا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدين {21/8})) [الأنبياء] سياق الآيات لمن تأمّلها يقتضي حثّ الرسول (ص) ، لكفّار قريش وغيرهم من الأعراب مسألَة أهل الذكر (أهل الكتاب) الذين كانوا يستفتحون عليهم – يستفتحون على كفار قريش- (ويفتخرون ، ويتمدحون) بمعرفة أمور مستقبليّة أخبرَت بها كُتُبهم السّماوية ، فأرادَ الرّسول (ص) ، أن يُخبرَهُم بصدق ظهور علامة وصفات النبوّة فيه ، على لسان مَن يُصدّقه كفّار قريش (أي على لسان أحبار ورهبان وقساوسة أهل الكتاب) ، فيكون المعنى : يا مَعشرَ مَن كفرَ بي ولم يُصدّق بعلامة النبوّة فيَّ ، يا معشرَ من لا يُصدّق محمد بن عبدالله وما جاء به من أخبار ودلالات ، يا معشرَ مَن يُصدّق أهل الكتاب أحباراً ورُهباناً وقساوسةً ، اسألوا مَن تُصدّقونهُ دون من لا تُصدّقونه ، فاسألوا أهل الكتاب عن علامات نبيّ آخر الزّمان ، وورقة بن نوفل من النصارى الذين شهدوا بنبوة الرسول (ص) ، وعبد الله بن سلام من اليهود الذين شهدوا بنبوّة الرسول (ص) ، و في الأثر الذي رواه الإمام المرشد بالله ، بإسناده ، ((عن سلامة بن وقش البدري رضوان الله عليه ، أنّه قال : ((كَانَ لَنَا جَارٌ يَهُوْدِيٌّ مِنْ بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ، قَالَ: فَخَرَجَ عَلَيْنَا يَوْماً مِنْ بَيْتِهِ حَتَّى وَقَفَ عَلَى بَنِي عَبْدِ الأَشْهَلِ. قَالَ سَلَمَةُ: وَأَنَا يَوْمَئِذٍ أَحْدَثُ مَنْ فِيْهِ سِنًّا عَلَيَّ بُرْدَةٌ لِي مُضْطَجِعٌ فِيْهَا بِفَنَاءِ أَهْلِي، فَذَكَرَ الْقِيَامَةَ وَالْبَعْثَ وَالْحِسَابَ وَالْمِيْزَانَ وَالْجَنَّةَ وَالنَّارَ. قَالَ: فَقَالَ ذَلِكَ لِقَوْمِ أَهْلِ شِرْكِ أَصْحَابِ الأَوْثَانِ أَلاَ تَرَوْنَ إِنَّ بَعْثاًَ كَائِنَاً بَعْدَ الْمَوْتِ. فَقَالُوا لَهُ: وَيَحْكَ!! أَوَ تَرَى هَذَا كَائِناً أنَّ النَّاسَ يُبْعَثُوْنَ بَعْدَ مَوْتِهِمْ إِلَى دَارٍ مِنْهَا جَنَّةُ وَنَارٌ يُجْزَوْنَ فِيْهَا بِأَعْمَالِهِمْ. قَالَ: نَعَمْ، وَالَّذِي يَحْلِفُ بِهِ وَلُوْدٌ إِنَّ لَهُ قِحْطَةً مِنْ تِلْكَ النَّارِ أَعْظَمُ تَنُّوْرٍ فِيْ الدُّنْيَا يَحْمُوْنَهُ ثُمَّ يَطِيْنُوْنَ عَلَيْهِ، بِأَنْ يَنْجُوا مِنْ تِلْكَ النَّارِ غَداً. فَقَالُوا لَهُ: وَيْحَكَ يِا فُلاَنُ! فَمَا آيَةُ ذَلِكَ؟ . قَالَ: نَبِيُّ مَبْعُوْثٌ مِنْ نَحْوِ هَذِهِ الْبِلاَدِ، وَأَشَارَ بِيَدِهه إِلَى مَكَّةَ وَالْيَمَنِ. قَالُوا: وَمَتَى يُرَى؟. قَالَ: فَنَظَرَ إِلَيَّ وَأَنَا مِنْ أَحْدَثِهِمْ سِنًّا، قَالَ: إِنْ يَسْتَقْبِلْ هَذَا الْغُلاَمُ عُمُرَهُ يُدْرِكْهُ. قَالَ سَلَمَةُ: فَوَاللَّهِ مَا ذَهَبَ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ رَسُوْلَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ- وَهُوَ حَيٌّ بَيْنَ أَظْهُرِنَا فَآمَنَّا بِهِ، وَكَفَرَ بِهِ بَغْياً وَحَسَداً. قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: وَيْحَكَ يَا فُلاَنُ أَلَسْتَ الَّذِي قُلْتَ لَنَا فِيْهِ مَا قُلْتَ؟. قَالَ: بَلَى، وَلَكِنْ لَيْسَ بِهِ)) ، وقبل هذا وذاك تأمّل قول الله تعالى تجدهُ كما قُلنا : ((وَلَمَّا جَاءهُمْ كِتَابٌ مِّنْ عِندِ اللّهِ مُصَدِّقٌ لِّمَا مَعَهُمْ وَكَانُواْ مِن قَبْلُ يَسْتَفْتِحُونَ عَلَى الَّذِينَ كَفَرُواْ فَلَمَّا جَاءهُم مَّا عَرَفُواْ كَفَرُواْ بِهِ فَلَعْنَةُ اللَّه عَلَى الْكَافِرِينَ)) [البقرة:89] ، نعم ! فهذا وجهٌ يقضي به سياق الآيَة في معنى أهل الذّكر ذكرناهُ لإنصاف النفس فيما تراهُ غير مُستحيلاً ، نعم ! ومما يجدر التنبيه عليه هُنا أنّ المُخاطَبين (لهذا الطرف من التأويل للآية) بقول الله تعالى : ((فاسألوا)) هُم غيرُ المسلمين ، بل هو خطابٌ لأهل الكفر والشك والريب .

نعم ! وهُناك وجهٌ (طرَفٌ) آخر في تأويل أهل الذكر ، وهو يعتمدُ على صلاحيّة هذا المقطَع من الآيَة ، في خطاب المسلمين كما صلُح في مخاطبة الكفّار ، وإنّما قٌلنا أنّه قد يصلحُ أن يكون الخطاب موجّها أيضاً للمسلمين ، لإجماع أهل العلم على الاحتجاج بهذه الآيَة عند الحثّ على سؤال العُلماء ، فالخطاب يَصلُحُ خاصّاً لغير المسلمين لمكان سياق الآية ، ويَصلح أن يكون عامّا للمسلمين للإجماع ، والإجماع الذي نحكيه نابعٌ من عدم استنكار علماء الأمّة على مَن استعملَ هذه الآيَة للحث على طلب العلم من العلماء ، ونابعٌ من سكوت أهل العلم أيضاً على معناه والإجماع السكوتي يُؤخَذ به ، ونابعٌ أيضاً من أنّه لا تعارُض عند التدقيق من تطبيق خِطابٍ قرآني يخصّ أهل الكتاب ، على أهل القبلَة من المُسلمين ، وليسَ هذا بدائم ، إذ هُناك آيات قرآنية خاصّ خِطابها بطائفة من الطوائف لا تُعمّم على غيرهِم من أهل القبلة أوغيرهم ، مثال ذلك :

* مثالٌ آياته تُخاطبُ غير أهل القبلة ، ويجوز أن نصرفَ وجهها لمخاطبة أهل القبلة من المسلمين :

قول الله تعالى : ((وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلاَّ خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ)) [البقرة:114] ، فأصله يُخاطب غير أهل القِبلَة من أهل الكتاب والمشركين ، وهو مع ذلك يُخاطب أهل القبلة يُخاطب كلّ من منع مساجد الله أن يُذكر فيها اسم الله (يُعبد الله فيها) .

* مثالٌ آياتُهُ تُخاطبُ غير أهل القبلة ، ولا يجوز أن نصرف وجهها لغير أهلها الذين خاطبَهُم الله بها :

قول الله تعالى : ((واَسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ إِذْ تَأْتِيهِمْ حِيتَانُهُمْ يَوْمَ سَبْتِهِمْ شُرَّعاً وَيَوْمَ لاَ يَسْبِتُونَ لاَ تَأْتِيهِمْ كَذَلِكَ نَبْلُوهُم بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ)) [الأعراف:163] ، وفيها يُوجّه الرسول (ص) السؤال إلى أحبار اليهود ، فلا يصحّ أن يكون الخطاب جائزٌ وجهه في حقّ المسلمين .

نعم ! خلاصَة الإسهاب القريب ، هُو ألاّ يظنّ ظان أنّ هُناك تعارضٌ عندما نقول أنّ الخطاب بالسؤال لأهل الذكر ، موجّه للكفار ، وللمسلمين ، فالكفّار يسألون أهل الذكر (أهل الكتاب) المعاصرين للرسول (ص) ، والمسلمين يسألون أهل الذكر (وهم العُلماء) ، ولكن مَن مِنَ العُلماء يُقدّمونَ عند المسألة ، هَل الفاضلينَ أو المفضولين ، المتبوعين أو التابعين ، علماء آل رسول الله (ص)، سادات بني الحسن والحسين ، أم غيرهُم من العُلماء ؟! ، لا شكّ أنّ جواب العقل هو سؤال الفاضلين على المفضولين ، والمتبوعين على التابعين ، هذا ما كان علينا بيانهُ في هذه النقطة ، وخلاصتها أنّ الظّاهر المشهور لمعنى هذه الآيَة هو القول الثاني ، أي أنّ الذين حُثثنا على سؤالهِم هم أهل العلم مِن أهل القبلة المحمديّة ، وأهل العلم ليسوا إلاّ ممّن اصطفاهُم الله تعالى بلا شك ، والله سبحانه وتعالى فقد اصطفى ذرية علي وفاطمة ، ذرية الحسن والحسين ، وأخبرَ أنّهم أهل بيت نبيّه ، وأنّ العلم الصافي الصحيح لن يخرُج من دائرة عُلمائهم ، وليسَ أيّ عُلماء علويين فاطميين نقولُ عنهٌم أنّهم من أهل الذّكر ، بل نقول أنّ أهل الذكر منهم هم الذين حافظوا على إجماعات سلفهم من سادات بني الحسن والحسين أصولاُ ، وفروعاً ، وعلى نهجهم واصلوا المسير ، فهؤلاء هم الأولى والأحقّ بالسؤال من غيرهِم ممّن آثرَ غير طريق إجماع أهل البيت (ع) ، وإن كانوا من بني فاطمة ، نعم ! ولم نذكُر الوجه (الطرف) الأول من التأويل للآية ، التي فيها أهل الذكر هم أهل الكتاب إلاّ للمُذاكرة ، ولما حتّمهُ علينا النظر في سياق الآيَة ، والله أعلم .

النقطة الثانية : في بيان طبيعة وماهية سؤال أهل الذكر ، وجوابهم :

لعل الجعفرية فهِموا مِن مُطلقَ طلب السؤال من السائلين ، هُو مُطلَق وجود وحضور الجَواب عند أهل الذكر ، أيّاً كان هذا السؤال ؟! ، سواءً سألَ السائل عن الأصول العقدية والفقهية ، أو سألَ عن ذرّات الكَون ، وعدد الأعصاب في جسم الإنسان!! ، وكمية المواد والصخور على سطح القمر ، وكيفية صنع الرؤوس النووية ، وحال جميع البورصات العالمية من النواحي الربوية ، وعدد الأسماك في البحار ، وما تضمر النفوس ، وعن عدد الجن وأفعالهِم وقت السؤال ، وعن المسافات والاتجاهات بين البلدان الكثيرة الكبيرة ، وأمثال هذه السؤالات العِظام ، فإن كان مُراد الجعفرية أنّ أهل الذكر في الآية يجب أن يُجيبوا على هذه الأسئلة المُطلقَة بإجاباتٍ مُطلقَة ، فقد كابروا ، وبَاهتوا ، إذ رسول الله (ص) وهو رسول الله أفضل الخلق أجمعين ، لم يعرف طريق المدينة من مكّة إلاّ بواسطة دليلٍ يعرف الطريق ، وإن شئت قٌل لم يعرف أفضل الطرق( التي يسلكها كي لا يتبعه كفار قريش) إلى المدينة إلاّ بدليل ، فأين علم الرسول المُطلق ، الذي كانَ عليهِ بهِ (بهذا العلم) أن يُوجّه ويُعلم مَن معه ، لا أنّهم هُم مَن يُعلّمه ويُرشدهُ إلى الطريق !! ، هذا قولٌ عظيم ، ليسَ العقلُ يُصدّقه ولا يُقرُّه ، والعقل حجّةٌ بالإجماع ، ألا ترى أخي في الله نبي الله محمد (ص) ، عندما سأله قومه المسائل العِظام الجِسام : ((وَقَالُواْ لَن نُّؤْمِنَ لَكَ حَتَّى تَفْجُرَ لَنَا مِنَ الأَرْضِ يَنبُوعًا {17/90} أَوْ تَكُونَ لَكَ جَنَّةٌ مِّن نَّخِيلٍ وَعِنَبٍ فَتُفَجِّرَ الأَنْهَارَ خِلالَهَا تَفْجِيرًا {17/91} أَوْ تُسْقِطَ السَّمَاء كَمَا زَعَمْتَ عَلَيْنَا كِسَفًا أَوْ تَأْتِيَ بِاللّهِ وَالْمَلآئِكَةِ قَبِيلاً {17/92} أَوْ يَكُونَ لَكَ بَيْتٌ مِّن زُخْرُفٍ أَوْ تَرْقَى فِي السَّمَاء وَلَن نُّؤْمِنَ لِرُقِيِّكَ حَتَّى تُنَزِّلَ عَلَيْنَا كِتَابًا نَّقْرَؤُهُ قُلْ سُبْحَانَ رَبِّي هَلْ كُنتُ إَلاَّ بَشَرًا رَّسُولاً {17/93})) [الإسراء] ، فانبهرَ رسول الله (ص) من طلَبهم ، وأشارَ إلى أنّه خارجٌ عن يده ، وليسَ هو من صلاحيّاته (من تلقاء نفسه) كبشرٍ رَسول ، نعم! والحق الذي ندين الله به ، أنّ الأمر الذي حثّ الشارعُ أهل السؤال بالسؤال عنه في هذه الآية ، هو ما يتعلّق بأمور دينهِم ، وما يُنجيهِم يوم حشرِهم ، من العلوم الدينية الضرورية التي تهم المُكلّفين وعليها يُسالوا ويُحاسَبوا ، دون العلوم الدنيوية ، فما كان مِن سؤال السائل من أمور الدّين فإنّ عُلماء آل الرسول (ص) سادات بني الحسن والحسين يُجيبونَ عليه ، ولا يَخفى عليهم وجهه أصولاُ وفروعاً ، ولديهم من العلم ما يكفي ويشفي بإذن اله تعالى ، أليس عليٌ بن أبي طالب (ع) ، هو القائل : ((سَلوني قبل أن تفقدوني)) ، وأليسَ الإمام زيد بن علي (ع) هو القائل وروايات الجهاد ترفرف في ميدان الجهاد : ((مَعاشر الفقهاء، ويَا أهل الحِجا، أنا حجّة اللّه عليكم ، هَذه يَدي مَع أيديكم ، على أن نُقيم حُدود اللّه ، ونعمَل بكتاب اللّه ، ونَقْسِم بينكم فَيْأَكم بالسوية ، فَاسألوني عن مَعالم دينكم ، فإن لم أنبئكم بكل مَا سألتم عنه فولّوا من شئتم ممّن عَلمتم أنه أعلم مني! ، والله لقَد عَلِمتُ علم أبي علي بن الحسين ، وعلم جَدي الحسين بن علي ، وعلم علي بن أبي طالب وصي رسول اللّه صلى اللّه عليه وآله وسلم وعَيْبَة عِلمه، وإني لأعْلَمُ أهل بيتي ، والله ما كَذبتُ كذبة منذ عرفت يميني من شمالي، ولا انتهكت لله محرماً مُنذ عرفت أن اللّه يؤاخذني، هَلمّوا فاسألوني)) [مجموع رسائل الإمام زيد بن علي ، قسم خطب ومقالات الإمام (ع) ] ، وقال (ع) في خطبة أخرى : ((سَلونِي، فَوالله مَا تَسألونِي عَن حَلالٍ وحَرام، ومحكَمٍ ومُتَشابَه، ونَاسِخٍ ومَنسوخٍ، وأمَثالٍ وقَصصٍ ، إلاّ أنبَأتكُم بِه، والله مَا وقَفتُ هَذا الموقفَ إلاّ وأنَا أعلمُ أهل بيتي بما تحتاجُ إليهِ هذهِ الأمّة)) [رواه أبي العباس الحسني في المصابيح] ، وأليسَ الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن هو القائل مُخاطبا قاسم بن مسلمة : ((يَا قَاسم بن مسلّم، مَا يَسُرّني أنّ الأمّة اجْتَمَعَتَ عَليّ فَكَانَت كَعلاقَة سَوطِي هَذَا، وأنّي سُئلتُ عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لَم آتِي بَالمخرج مِنه، يَا قَاسِم بن مسلّم ، إنّ أضلّ النّاس مَن ادّعَى أمرَ هَذهِ الأمّة ثمّ يُسأل عَن بَابِ حَلالٍ أو حَرامٍ لم يأتِ بِالمخرَج مِنه)) [رواه أبي العباس الحسني في المصابيح]، وأليسَ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) هو القائل مُستحثّا طلاب العِلم وأهله على السؤال : ((قد عَفُنَ العلم في صدري، كما يعفن الخبز فِي الجَرّة ، إذا طُرِح بَعضُه على بَعض في جرة ثمّ لم يُقلب)) [رواه الناطق بالحق الحسني في الإفادة في تاريخ الأئمة السادة] ، وأليس الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين هو القائل مُخاطباً أهل دعوته ، وهو ممسكٌ المصحف الشريف : ((بيني وبينكم هذا (يعني كتاب الله) آية آية ، فإن خالَفتُ ما فيه بحرف فلا طاعَة لي عليكُم ، بل عليكُم أن تُقاتلوني أنا)) ، وأليسَ الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة هو القائل مُستحثّا أشراف المدينة (الجعافرة مذهباً) : ((وبلغنا أنّكم بدأتم بداءةً جيدة ، وفيها طيبها وشذاها ، ونزهتها ومتعتها ، ولكنَّا نخشى الجفوة وقلَّة المعرفة بِسِيَرِ الآباء ، وعلوم السلف الصالح من الأئمة النجباء سلام الله عليهم . فلا تقع غفلةٌ عن طلب العلم واقتباسه فإنَّ به يُستضاء في الظلمات، وتُحَلُّ الشبهات، وتُفَك المشكلات ، وتعلو الدرجات ، ولو جاء من ناحيتكم إلينا من تكون له رغبةٌ في العلم ، وحرصٌ في طلب الخير فلا ضير ، وقد قال تعالى : ((فَلَوْلاَ نَفَرَ مِن كُلِّ فِرْقَةٍ مِّنْهُمْ طَآئِفَةٌ لِّيَتَفَقَّهُواْ فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُواْ قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُواْ إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ)) [التوبة:122] )) [السيرة المنصورية الشريفة ، لابن دعثم] ، ... إلخ الأمثلة الدعوية التي حرصَ فيها سادات بن الحسن والحسين على أن يتواصلوا من خلالها مع أمّة جدّهم ، وأن يمدّوا إليهم طرف حبل النجّاة ، فعلماء آل رسول الله (ص) حاضرون باذلون لأنفُسهِم لأهل السؤال عن الدين الحق القويم ، والحمد لله .

النقطة الثالثة : في بيان أنّ ما استدلَ به الجعفرية على صحّة مذهبهم من الآية ، باطِل :

وذلك أنّ هذه الآية التي احتجّوا بها علينا ، ومنها استنتجوا مُطلقَ السؤال (أيّا كان) ، ومُطلقُ الإجابَة (على السؤال) ، سنحتجُ بها عليهم في هدم أصل نصّهم المُتسلسل الإثني عشري ، إذ هذه الآيَة تُخبر أنّ المسؤول باقٍ ما بَقيَ السائل ، وأن السائل متى ما أرادَ السؤال فإنّ أهل الذكر (أهل البيت) يجب أن يكونوا موجودين ، يُعايشُهُم السائل ويُخالطُهُم ، وإلاّ فكيفَ يسألُهُم وهم غائبون ، وعليه فإنّ الأمّة المحمديّة قد فقدت مصداقَ هذه الآية على شرط الجعفرية ، إذ ممثّل أهل البيت عندَهُم غائبٌ غير حاضرٍ للسؤال ، فضلاً عن الإجابَة ، فهل القرآن معشر الجعفرية خاصّ بأولئك المسلمين المعاصرين لما قبل عصر الغيبة ، المعاصرين لأئمة الجعفرية الأحد عشر الغير غائبين عن أهل أزمانهم ، ونحنُ يا مَن أتينا بعد عصر الغيبة لا يشملنا خطاب القرآن ولا يخصّنا ، إذ قد أمرَنا بسؤال العدَم (فالغائب في حكم العدم) ، أمرنا بسؤال أهل الذكر (على شرط الجعفرية) ، ثمّ لا نجدُ أهلاُ نسألهُم ، بل إن شيعة الغائب لم يجدوا له أثراً حتّى يسألوه ، نعم ! خلاصَة الإلزام ، أن قول الله تعالى : ((فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)) ، تَلزمُ وجود المسئول حاضراً ظاهراً غير غائباً ، لكي يتمكّن النّاس من تنفيذ أمر الله تعالى ، الذي أمرَهُم من خلاله بسؤال أهل الذّكر ، وهذا الحال مُنتفٍ على شرط الجعفرية من عام المائتين والستين هجرية إلى عام النّاس هذا ، فالسائلين موجودين ، (ونحنُ منهُم) ، وأهل الذكر على شرط الجعفرية (غير موجودين) ، فمَن يسألُ السائل يا تُرى ؟!! .

النقطة الرابعة : في بيان أنّ ما ذهبت إليه الشيعة الزيدية في أهل الذكر هو الحق بإذن الله :

الإنسانٌ عقلٌ وجِسد ، والإنسانُ متى ما سخّرَ عقلهُ لمعرفة الصواب من الخطأ ، المعقول من اللامعقول ، فقد استفاد من عقله واستفادَ عقلهُ منه ، ومَن جعلَ عقلَهُ يسبحُ ويهيمُ وراء الأوهام والهواجس والنصوص الروائية الغريبة (التي قد تستهجنها النفس من أوّل وهلةٍ ونظرة) ، فهذا لم يستفد من عقله ، ولا عقله استفادَ منه ، الزيدية وقفَت في نظرَتها إلى (أهل الذكر) في الآية ، إلى نظرة وسطية بين الغلو والتفريط ، فأمّا المُغالين فقالوا : أنّ (أهل الذّكر) هؤلاء هم بشرٌ يعلمون جميع العلوم ، يعلمون جميع ما يُسألون عنه ، ممّا هُو في البر أو في البحر أو في الجو ، مُلمّون بجميع التخصصات العلمية والدينية ، وأمّا المُفرّطون فقالوا : أنّ (أهل الذكر) هم العلماء سواء كانوا من الفاضلين أو المفضولين ، وهذا القول يجعلُ كلّ فرقةٍ من المذاهب الإسلامية المختلفة ، تقول : أنّ (أهل الذّكر) هم علماء مذاهبهِم ، فالإباضيّة يقولون أنّ أهل الذكر هُم علماء الإباضيّة ، والسنة والجماعة يقولون : أنّ أهل الذكر هم علماء السلفية ، والأشاعرة يقولون : أنّ أهل الذّكر هم علماء الأشاعرة ، ومنه أخي الباحث الحصيف ، فإنّ أصحاب القول الأخير قد ميّعوا قول الله تعالى في الآيَة ، وأبهموا طريقَ الوصول إليه ، وصعّبوه ، إذ يُستحال أن يكونَ جميع علماء هؤلاء الفرق المتخالفة هم أهل الذكر وأهل الحق الذين أخبر الله بلزوم سؤالِهم ، لأنّ الله لا يأمرُ إلاّ بسؤال أهل حقٍّ وصدقٍ واتّباع . فجاءت الزيدية في منتصف هؤلاء وهؤلاء ، وقالت أنّ أهل الذّكر لا يُغالى فيهم ولا في علومهِم ، فعلومُهُم علوم الكتاب والسنّة ، العلوم التي يحتاجها المكلّف ، الضرورية دون الزائدة الدنيوية ، فلا أهل الذّكر يجب أن يكونوا مُحيطين بعالم الأفلاك والنجوم والذرات ، ولا يجبُ أن يكونوا عباقرةً في الطّب والفيزياء والكيمياء والصّناعات الحديثة ، بل يكون عندَهُم القدر الذي يحتاجهُ المكلّف في أمور دينه ، يكون عندَهم القدر الذي سيسألُ الله المُكلّفين عنه يوم القيامة ، فالشخص منّا متى جَهِلَ أمور الصلاة حاسبَهُ الله على ذلك ، والرّجل منّا متى جهل في علوم الطّب والفلك لم يُحاسبهُ الله على ذلك ، وعُلماء الدّين إنما يُسالون عن الدّين ورأي الدّين ، ولا يُسألون عن غيره من العلوم الدنيوية كما قد تَحشرُ ذلك الجعفرية ، والله المُستعان ، نعم ! كما أنّ الزيدية لم ينقطعُ وجود علماءها علماء آل رسول الله (ص) ، من موت رسول الله (ص) إلى يوم النّاس هذا ، فهم يشغلون حيّزاً من هذا الكون ، يُخالطونَ النّاس ، ويُجاهدون ، ويُدرّسون ، ويُؤلّفون المصنّفات الرائقات ، ويُناظرون ، ويُجادلون ، ويَسعون في نشر دعواتهم وكتبهم إلى أقصى البلدان ، إقامةً للحجة ، محجةً بيضَاءَ لا دغلَ فيها ولا وَغَل ، بينما الجعفرية أقفلوا باب سؤالَ بقية أهل البيت المهدي ابن الحسن العسكري ، فلا مسئول من أهل الذّكر يَجدهُ السّائل المتحيّر ، ولا حجّةٌ تُقام منه على العباد ، فهذا أخي الباحث المُنصف ما نريدُ إيصالَهُ لك بأنّ العقل إذا انجرَ وراء روايات ونصوص روائية بلا تفهّم وتعقّل وتروّي وتدبّر وتأمّل وتفهّم فسوف يضرّ صاحبَه لا محالَة ، نعم ! وفي مُقابل الغلو الجعفري لم تفرط الزيدية في (مَن هُم أهل الذّكر هؤلاء) ، إذ لم تقل أنّهم علماء العامّة من أيّ مذهبٍ كانوا ، بل قالت : هم عُلماءٌ متبوعين ، فاضلين ، هُم جزءٌ مُكمّل لجريان سفينة نوح في هذه الأمّة ، فالالتحاق بركبِهِم هُو الأقبَل والألزَم ، لقول الله والرّسول (ص) الذي يضمن بقاء عُصبة علوية فاطمية متمسّكة بأصول وإجماعات سابقيهم إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها ، وليسَ هذا التمسّك أصلٌ عند غير علماء الزيدية الفاطميين .

===================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلٌ آخَر على النص من الله سبحانه وتعالى ، على أئمّة بعينهِم ، هو قول الله تعالى : ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) [الرعد:07] ، فصرح الله تعالى بوجُود هَادٍ لكل قوم, وأطلق الإهداء, ولا أحَد مِن غير المنصوص على كونه هاديا مُطلقا يُقطع بأنه كذلك , فيتعين النص على الهادي المطلق لكل قوم عن الله عز وجل, وهو الإمَام .

قلنا : قد فهمنا موضع السؤال ، فتهموا رحمكم الله تعالى موضع الجواب ، الذي سندرجه من عدة نقاط :

النقطة الأولى : في بيان معنى قول الله تعالى : ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) :

وفيه اعلم رحمنا ورحمك الله تعالى ، أن حديث رسول الله (ص) ، يُصدّق كتاب الله تعالى ، وكتاب الله لا يردّ على صحيح حديث رسول الله (ص) ، والله تعالى فأرحم الرّاحمين ، أرادَ أن يكون محمد ين عبدالله (ص) خاتَم الأنبياء والمُرسلين ، فلا نبي ولا رَسول بعدَه (ص) ، والله بنظرَة الرّحمة للعباد ، لم يُرد انقطاع سُبُل الهِدايَة عن العباد ، وهو بسابق علمه ، يعلمُ أنّ أمّة محمد (ص) ستختلف ، وتفترق على كتاب الله تعالى ، بالتأويل ، واختلاف الفهم والتفسير ، وستفترق على حديث رسول الله (ص) بالإثبات والإنكار ، فأرادَ جلّ جلاله ألاّ تنقطع سُبُل الهداية عن العباد لحظةً واحدة ، ((لِئَلاَّ يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ)) ، فحثّ رسولَه الكريم (ص) ، على أن يُخبرَ النّاس ويدُلّهُم على طريقٍ ينتهجوه من بعده لن يضلّوا به أبداً ، فحثّ الرسول (ص) النّاس على الاقتداء والاتباع والانقياد لأهل بيته ، سادات بني الحسن والحسين ، وأخبرَ أنّ الحقّ فيهم ومنهم ، ولن يخرُج من دائرة عُلمائهم المُتمسّكين ، بأصل كتاب الله تعالى ، وصحيح سنة الرسول ، وإجماعات سلفهم من بني فاطمة الكرام ، فقال الله تعالى ، للرسول : ((إنّما أنتَ مُنذرٌ)) أي مُبلّغ ، ((ولكلّ قومٍ هادٍ)) ، يهدي النّاس إلى ما بلّغتهُ يا محمّد ونَشرته وأصّلتَه ، والزيدية فتقول أنّ المُبلّغ رسول الله (ص) ، وأنّ هُداةَ الأقوام هُم علماء آل رسول الله (ص) ، إذا لم يخلُ زمان من الأزمنة ، ولم يمرّ على قومٍ من الأقوام زمنٌ لم يكُن لعُلماء آل رسول الله (ص) ، سادات بني الحسن والحسين ، وجودٌ وأثرٌ في الدّعوة وهدايَة من حولَهم ، أو مَن طلبَهُم واستغاثَ بهم ، فهذه الآيَة مُنطبقَة على مذهب الزيدية ، مُنتقضَة على مذهبَ الجعفرية (كما سيأتي بيانه) ، ويشهدُ له حديثُنا وحديث الجعفرية ، أقوال أئمتنا ، وأقوال أئمة الجعفرية (الذي هم أئمتنا دونَهُم عند التحقيق) ، فروى الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري الحسني (ع) ، بإسناده ، جواب الإمام زيد بن علي (ع) على نفر من أهل الكوفة ، منه : ((ويحَكُم ! أمَا عَلِمتُم أنَُّه لَيسَ مِن قَرن تَمشُوا إلاَّ بَعثَ الله عز وجل مِنَّا رَجُلاً ، أو خَرَجَ مِنا رجُلٌ حُجةٌ عَلى ذلك القرن، عَلِمَهُ مَن عَلِم وجَهِلَه مَن جَهِل)) ، قلتُ : وبعْثُ الله تعالى هُو إذنهُ ، وإرادتُه ، تتابُع الهُداة في كلّ زمان . قلتُ : وقولُه : ((عَلِمَهُ مَن عَلِم)) ، أي وقفَ عليه ، وعايشَه ، وانضوى تحتَ جناحِه ، وعرفَ جهتهُ ومكانه ، ((وجَهِلَهُ مَن جَهِل)) ، هُم مَن لم يُجهدُوا أنفُسَهُم في السؤال عن أعلام ومذهب آل الرّسول ، إذ طالبُ الحقّ مُجتهدٌ في إصابته ، ولو يكن سلمان الفارسي مُجتهداً في طلب الحق ، لمَا قطعَ آلاف الفراسخ ليقف على شخصّ الرّسول (ص) ، نعم ! وليسَ قول الإمام زيد بن علي القريب ينطبقُ على ما ذهبَت إليه الجعفرية ، لأنّ إمامهم اليوم ((لا يَعلَمُ مكانَهُ عالِم ، ويَجهلُ مكانَهُ كلّ جاهِل ، فلا يُعرف له مكان أو بلاد أو مسجد أو دَعوة)) ، فالهُداة الذين أخبرَ الله تعالى عنهُم لن يكونوا هُداةً ومُبلّغين لشريعة سيّد المُرسلين ، إلاّ وهُم ظاهرين غير غائبين ، لهم مكانٌ معلومٌ بعينه عند البعض المجتهد في معرفة الحق ، ومجهولٌ عند مَن لم يُجهِد نفسَهُ معرفة الحق وما أخبرت به آيات الكتاب ، ودلّت عليه صحاح الأحاديث ، ويَشهدُ لقولِنا القريب هذا ، هُو ما رَوتهُ الجعفرية عن أئمتهم المعصومين ، فيروي العلامة المجلسي ، أنّ الإمام الصادق (ع) ، قال : (( مَن مَاتَ وَلَيسَ عَليهِ إمِامٌ حَيٌّ [تأمّل] ظَاهِرٌ! مَاتَ مِيتَةً جَاهِليّة ، قِيلَ : إمِامٌ حَي ؟ قَال : إمِامٌ حَيٌّ ، إمِامٌ حَيّ )) [بحار الأنوار:23/91] ، قلتُ : تأمّل كيف أطلقَ الإمام الصادق (ع) صفة الظهور على الأئمة الهُداة ، فالصادق (ع) يعي حقّاً أنّ الهدايَة لا تتحققّ مع الغيبة والغياب ، فالظهور شرطُ الهِدايَة وتبليغ الرّسالة ، نعم ! وجاء في علل الشرائع : ((عن يعقوب السراج قال : قُلتُ لأبي عبدالله : تَخلُوا الأرضُ مِن عَالِمٍ مِنكُم حَيٍّ [تأمّل] ظَاهِر! تَفزَعُ إليهِ النَّاس فِي حَلالِهِم وحَرَامِهِم ؟ فَقَال : (( لا ، إذاً لا يُعبَدُ الله يَا أبا يوسف )) [علل الشرائع:76] ، قلتُ : وكذلك نَقول أنّ الهُداة متى كانوا غائبين لم ولن يُعبدَ الله حقّاً حقّاً ، وروى الشيخ المفيد في الاختصاص : ((عن عمر بن يزيد عن أبي الحسن الأول قال : (( مَن مَاتَ بِغيرِ إمامٍ مَاتَ مِيتةً جَاهلية ، إمِامٌ حيٌّ [تأمّل] يُعرَف! ، فَقلتُ : لَم أسِمَع أبَاك يَذكُرُ هَذا ، يَعنِي إمِامَاً حَيّاً ، فَقال : قَدْ والله قَالَ ذَلك رَسُولُ الله : مَن مَاتَ وَلَيسَ لَه [تأمّل] إمِامٌ يَسمَعُ لَه ويُطِيع! مَاتَ مِيتَةً جَاهلية )) [الاختصاص:269] ، وهُنا شرطُ الظّهور في الُهداة ظاهِر ، لأنّ الغائب لا يُعرف ، ومَن لا يُعرَف له أثرٌ أو دَعوة ، لم يُرجَ منهُ هدايَة ، ثمّ كيف نسَمعُ ونُطيع مَن هُو غائب ؟! فهذه أدلّة على استحالَة اجتماع الهداية من الشخص مع الغياب المُفرط الطويل منه، نعم ! وروى ثقة الجعفرية محمد بن يعقول الكليني ، بإسناده ، عن عن الصادق (ع) أنّه قال : ((عن أبي عبد الله عليه السلام قال: سمعته يقول: إن الارض لا تخلو إلا وفيها إمام، كيما إن زاد المؤمنون شيئا ردهم، وإن نقصوا شيئا أتمه لهم. )) [أصول الكافي :1/178] ، قلت : ولكن الأئمة الهُداة لن يفعلوا كذلك (أي يردّوا ما زادهُ المُسلمون على كتاب الله وسنّة رسول الله ، ويُتمّوا ما أنقصه المسلمون منهما) ، إلاّ متى كانوا ظاهرين مُعايشين مُخالطين لهؤلاء المُسلمين ، إذ أنّ هادي الجعفرية اليوم (ومن ألف وماتين سنة تقريباً) ، لم يردّ ما زادهُ المُسلمون ، ولم يُتمّ ما أنقصَهُ المُسلمون ، فأيّ حجّةٍ في ذلك ؟!! ، وأي انطباقٍ تدّعيه الجعفرية لهذه الآية على رأيهِم ومذهبهم وأئمتهم ، والله المستعان .

النقطة الثانية : في مُعارضَة الآية : ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) ، لمذهب الجعفرية في الإمامة والنّص :

الآيَة تُخبرُ أنّ محمد بن عبدالله (ص) ، هُو المبلّغ لجميع الأمّة ، وأنّ الهدايَة لهذا التبليغ هي مُهمّة الهُداة من أهل بيت الرّسول (ص) ، وأنّ لكل قومٍ هادٍ ، فالإمام علي (ع) ، هو الهادي للقوم المُعاصرين له ، والحسن بن علي (ع) هو الهادي للقوم المُعاصرين له ، وكذلك الحال مع الحسين (ع) ، ومع بقيّة أئمة الجعفرية ، إلى المهدي ابن الحسن العسكري فإنّ الأقوام الذين عاصروه لم تحصُل لهم أي هِدايَة منه (وهو الهادي المُكلّف نصّا بالهداية على شرط الجعفرية) ، وعليه فإن فائدة الآية وإخبار الله قد انقطَع !! ، وسياق الآيَة يقتضي الإطلاق إلى آخر الزّمان ، مع العلم أنّ هناك مئات الأقوام الذين عاشوا على الأرض من بعد وفاة الحسن العسكري إلى يوم النّاس هذا ، فمَن هُم هُداة هؤلاء الأقوام ؟! ثم أليسَ من الواجب (كما أظهرَت الروايات الجعفرية القريبة) ، أن يكون هُداة هؤلاء الأقوام لهم مكانٌ معلومٌ على وجه البسيطة ، ليتحقّق شرطُ الهِدايَة ؟! ، نعم ! ومنه أخي الكريم ، لاشكّ أنّك قد وقفت على مغزى كلامنا هُنا ، من ردّ هذه الآية على عقيدة الجعفرية النصيّة على الأئمّة ، لانقطاع هُداتهم عن هداية الأقوام ، فأمّا على شرط الزيدية فعلماء آل رسول الله أئمةُ أو مُقتصدين يسعون جَهدهُم (كما كان الإمام علي (ع) ، يسعى جَهدَه) ، لإيصال الحقّ إلى طالبيه ، وللإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة في هذا المعنى كلامٌ نفيس ، فقال (ع) : ((فَأخبر [الرسول(ص)] أنَّ الوَلِي المُوَكّل مِن أهلِ بَيتِه يُعلنُ الحَقَّ، ويُنَورّه، فَهَل يُنوّرُه إلا وهَو حَاضِرٌ غَيرٌ غَائب ؟! مُقَاومٌ غَيرُ هَارب ! يَردَعُ أهلَ البِدَع بالبُرهَان، وأهلُ السّطوةِ بالسّيفِ والسِنَان ؟! ولا فَرضٌ عَلى القَائمِ أنْ يَقهَرَ الخلقَ، وأنْ يَملِكَ الأرضَ، وإنّمَا فَرضُهُ إبلاءُ العُذرِ فِي إعزَاز دِينِ اللَّه، والجهادِ فِي سبيلِ اللَّه، قَال اللَّه تعالى: ?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا?، و?لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا? ، فَقَد يُعبَدُ اللَّه تعالى بِبَذلِ الجُهدِ واستفرَاغِ الوُسْع فِي إعْزَازِ دِينِ اللَّه ، وصَلاحِ أمُورِ المُسلمين، فِإذَا تَوارَى عَن الأمّة، وغَاب عَن أوليائه وأعْدائه ، كَانَت لَهُم الحُجّة عَلَيه!! ، أمَّا أولياؤه فَيقُولون : لَو أتيتَ لفَعَلنَا وصَنَعنَا وبَذَلنَا أرْواحَنَا وأمْوالَنَا، وأمَّا أعداؤُهُ فَيقولون : لَو ظَهَرَت حُجّةُ اللَّه لأطَعْنَا)) .

فائدة أخرى من الآيَة :

وهي أنّ في الآية دلالة على أنّ أعداد الأئمة غير محدودين ، ولا معدودين ، كما ذهبَت إليه الجعفرية ، لأنّنا متى عَددنا الأقوام من زمن الرّسول (ص) إلى يومنا هذا ، لوجدناهُم أقواماً يزيدون على الخمسة والعشرين ، ونعني بالأقوام هُم الأجيال (الفترة الحياتية المتوسطة التي يعيشها الرّجل ، أي كلّ خمسين عاماً تقريباً) ، فلو قسّمنا الفترات الماضية خمسين عاماً خمسين عاماً ، لزادَ عدد الأقوام عن الخمسة والعشرين قوماً ، وليسَ هذا بحسابٍ دقيق ، وليسَ عليه يُعتمد في تحديد أعداد الأقوام من زمن رسول الله (ص) إلى يومنا هذا ، إلاّ أنّه يُعطي تصوّراً بسيطاً على وجود أكثر من اثني عشرَ قوماً قد مرّت على المسلمين من زمن رسول الله (ص) ، إن قيل : على أي أساسٍ بنيتُم هذا ؟! قُلنا : علي (ع) كان هادي قومِه ، والحسن (ع) كان هادي قوماً غير قوم أمير المؤمنين (ع) ، والحسين (ع) كان هادي قوماً غير قوم أخيه الحسن (ع) ، وزين العابدين (ع) كان الهادي لقومٍ غير قوم أبي عبدالله الحسين ، والباقر كان الهادي لقومٍ غير قوم أبيه زين العابدين ، والصادق (ص) كان الهادي لقومٍ غير قوم أبيه الباقر ، .... ، والحسن العسكري كان الهادي لقومٍ غير قوم أبيه علي الهادي ، ومحمد المهدي كان الهادي لقومٍ غير قوم أبيه الحسن العسكري ، نعم ! والقرآن أخبرَ أنّ لكلّ قومٍ هادٍ ، والهادي قلنا شرطه الظهور ليكون هادياً ، فما حال القوم الذين أتوا بعد القوم الذين عاصرَهُم المهدي الجعفري (في بداية إمامته) ، القوم الذين عاشوا في القرن الخامس مَن هُو الهادي لهم ؟! والقوم الذين عاشوا في أواخر القرن الخامس من هُو الهادي لهُم ؟! والقوم الذين عاشوا في منتصف القرن السادس مَن هُو الهادي لهم ؟! والقوم الذين عاشوا في آواخر القرن السادس مَن هُو الهادي لهم ، وهكذا ؟!! فالقرآن أخبرَ أنّ لكل قومٍ هادٍ ، وهذا يعني أنّ هُناك امتدادٌ لخطّ سير الإمامة بامتداد عدد الأقوام إلى آخر الزّمان ، وهذا هو قول الزيدية المَرْضيّة ، فكما كان هادي القوم في منتصف القرن الأول الهجري هو علي بن أبي طالب ، وهادي القوم منتصف القرن الثاني الهجري هو جعفر الصادق ، وقوم علي (ع) ، غير قوم الصادق (ع) ، والهادي في منتصف القرن الأول ، هو غير الهادي في منتصف القرن الثاني ، وعليه فإنّ الهادي في منتصف القرن السادس الهجري هُو غير الهادي في منتصف القرن الثالث ، وكذلك قوم الهادي لمنتصف القرن الثالث ، غير قوم الهادي لمنتصف القرن السادس ، وعليه فلكلّ قومٍ هادٍ غير الذي قبلَة ، خصوصاً إذا طالَت المدّة وتباعدَت ، فهناك علاقة طردية ، إذ كلّما تقدّم الزّمان ، زاد عدد الأقوام ، وكلّما زادَ عدد الأقوام ، زاد عدد الهُداة ، إلى أن يأتي آخر الزّمان فيكون قومهُ آخر الأقوام ، ويكون المهدي محمد بن عبدالله هُو آخرُ الهُداة ، ومنه أخي في الله فإنّا نشدّد عليك المسألَة أن تتأمّل ما أوردناهُ ففيه فائدةٌ غير خافية ، وباستلهامِها تُسقِطُ هذه الآيَة ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) النصّ على الأئمّة المحدود بالأرقام ، فلا الأئمّة سبعةٌ ، ولا الأئمّة تسعةٌ ، ولا الأئمة اثني عشر ، ولا الأئمةّ مائة أو مائتين ، وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

========================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلٌ آخَر على النص من الله سبحانه وتعالى ، على أئمّة بعينهِم ، هو قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) [النساء:59] ، فَقرَن طاعَة أولي الأمر بِطاعَة رَسول الله مُطلقا, وَطاعَة رَسول الله صلى الله عليه وآله وَاجبةٌ مُطلقا فَطاعَة أولي الأمْر كَذلك , ولا أحَدَ مِن غَير المَنصُوصِ على وجوب طَاعَتِه مُطلقا تجب طاعته مُطلقا , فَيتعيّن النّص على مَن تَجِب طَاعَتهم مُطلقاً وهُم الأئمّة .

قلنا : ليسَ الأمر كما ذهبتَ إليه أخي الجعفري من لزوم الطاعََة المُطلقة لأولي الأمر في الآية لاقتران ذكر طاعَتِهِم بطاعة الله والرّسول (ص) ، وبالتالي سَتَستنتجُ من هذا عِصمَتَهُم ، ولو كان ذلكَ كذلك لثلّثَ الله بهم عندما قال : ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) ، فذكر الله جلّ جلاله ، نفسَه ورَسُولَه ، ولم يَذكُر وُلاةَ الأمر ، وعليه لو كان أولي الأمر فِعلاً لهم طاعةٌ مُطلقَةٌ تقضي عِصمَتَهُم ، أو تحديد أشخاصهِم وأسمَاءهم (بالنّص) ، لثلّث الله تعالى بهم ، وأمرَ النّاس متى ما تَنازعُوا أن يردّوا الأمر إلى كتاب الله تعالى ، وإلى وسنة الرسول (ص) ، وإلى الأئمة الُمسمَّين المُحدّدين المعصومين (أئمة الجعفرية ، أولي الأمر) ، ولعلّ سائلاً يسألُ فيقول : فمَن هُم أولي الأمر في الآيَة ؟! وما حالُ أولي الأمر هؤلاء هل هُم معصومين أم غير ذلك ؟! فإن كانوا معصومين فلماذا لم يحثّ الله تعالى على الردّ إليهم عند التنازع ، كما حثّ بالردّ إليه وإلى رسوله ؟! وإن كانوا غير معصومين فبيّنوا لنا ذلك ؟! ، وجواباً على هذا كلّه نقول : اعلم رَحِمنا ورحمك الله تعالى ، أنّ أولي الأمر في الآيَة ، هُم الأئمّة العُلماء ، وليسَ كلّ العُلماء حثّ الله على طاعتِهِم ، إذ لم يحثّ الله تعالى ، ورسوله ، على طاعَة أئمةٍ العلم على سبيل الجزم بصحّة المنهَج ، إلاّ أن يكونوا من أهل بيت رسوله ، قال رسول الله (ص) : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) ، وقال (ص) : ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح مَن ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرقَ وهَوى)) ، فهذا حثّ من الله ورسوله (ص) على أنّ أئمّة العلم من أهل هذا البيت الفاطمي الحسني الحسيني ، لَن يُخالفوا منهجَ الله ، ولا مَنهَج رسوله ، والله تعالى في الآية قد حث على طاعةِ أُناسٍ قرنَ صحّة طاعتهِم ودعوتهَم بطاعة الله ومنهجه ، وطاعة رسول الله (ص) ومَنهَجه ، فقال جلّ شأنه : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) ، فأولي الأمر هؤلاء يجب أن يكونوا مَرضيّونَ عند الله تعالى ، ونحنُ نَقولُ أنّه لا مرضيّ بجزمٍ وعزمٍ إلاّ من أخبر عنهم الله ورسوله أنّ الحقّ لن يَنقطِعَ منهم (وهم أهل البيت) ، وأنّ إجماعاتهم حجّة الحُجَج ، فمتى كان الإمام العالم من بني الحسن والحسين مُقتدياً بالكتاب ، وصحيح قول الرسول ، وثابت فعل علي بن أبي طالب ، وابنيه الحسنين ، وسادات بني الحسن والحسين السّلف السابقين ، كانَ هذا الإمام هُو وليّ الأمر المقرونَةُ طاعَته بطاعة الله و طاعة الرسول (ص) في الآيَة ، نعم ! ولا نُسلّم للجعفرية أنّ وُلاة الأمر في الآية أشخاصٌ مَنصوصٌ عليهم معصومون ، لأنّ آخرَ الآيَة يُفّسّر أوّلها ، فالآيَة تُخبرُ أنّ هُناكَ أموراً إن تنازَعَ حولَها المُسلمون وجبَ عليهم ردّ الخلاف والحُكم إلى الله تعالى ، وإلى رَسوله ، ولكن ماهِيَ هذه الأمور التي تقصدُها الآية (الأمور محلّ التنازُع من النّاس) ، خصوصاً والآيَة تحثّ على الطّاعة ، فهي في الأمارَة أوضَح وأليق بدليل الحثّ على طاعَة أولي الأمر ، نعم ! فما هي الأمور التي يُمكن أن يتنازَعَ النّاس حولَها ممّا يخصّ أمر الإمامة والأمارَة ؟! ليسَ إلاّ صلاحية الإمام القائم (ولي الأمر) مِن عدَمِه ، فالبعض قد يرى أنّ الإمام القائم من بني فاطمة ليس مُستحقّاً وليسَ أهلاً للقيام ، إمّا لنقص علمه عن القدر الواجب توفّره في الإمام ، وإمّا لسوء سيرته ، وإمّا لعدم حنكته وفرط تدبيره ، وأمثال هذه الجرائح التي قد تُوجّه للإمام الفاطمي الحسني الحسيني القائم ، وهُنا يحثّ الله المؤمنين على تحكيم كتاب الله تعالى ، وسنّة رسوله ، فيما اختلَفُوا فيه من حالِ هذا الإمام (ولي الأمر) ، وهُنا تأمّل كيفَ أنّ الله لم يُثلّث بوجوب الرّد إلى الله وإلى الرسول وإلى ولي الأمر في الآيَة ، فعندَ التأمّل ستجدُ أنّ وليّ الأمر نَفسَهُ هُو المُرادُ في الآيَة بمحلّ تنازُع المؤمنين حولَه ، ومتى كان هُو محلّ التنازُع لم يصحّ أن يأمُرَ الله تعالى بالردّ إليه ، بل أمرَ بالرد إلى كتابه الكريم ، وإلى سنّة نبيّه الكريم ، وعَرض حال ولي الأمر هذا على الكتاب والسنّة ، فإن أقرّته كان هُو الإمام ، وإن لَمْ لَم يكُن إماماً مفروضاً طاعته ، ومنهُ أخي في الله ستقِفُ أنّ حالَ أولي الأمر هؤلاء حالُ البشَر العاديين الغير معصومين ، الذين يُقوِّمهُم الكتاب والسنّة ، وهما (الكتاب والسنة) المسؤلان عن تثبيتهِما أو خلعِهِما ، إن قيل : فما يَمنَعُ أن تكونَ الأمور المُتنازَع حولَها التي ذكَرَتها الآيَة ، هي أمور دنيوية أودينية ، كالخلاف حو مسائل الأحكام ، والعقائد ؟! قُلنا : لو كانَ الأمر كما قلتُم ، لأمرَ الله بالرّد إلى وُلاة الأمر أيضاً والنزول عندَ حُكمهِم ، لأنّ حالَهُم سيكونُ مرضياً عند الله تعالى ، ورضاهُ عنهُم لعدم اعتراضٍ أحدٍ على إمامتِهِم بوجِه حقّ ، ولن يَصلوا إلى ولاية الأمر إلاّ بالعلم الغزير ، والعمَل الجهيد في مرضاة الله تعالى ، وللزيدية في ولي الأمر الفاطمي الحسني الحسيني شروطٌ عَسِرَة فيها من الثبّت ما يَشهدُ له الكتاب وصحيح السنّة ، فهؤلاء الأئمّة (ولاة الأمر) قادرون على استنباط الحكم من الكتاب وصحيح السنّة ، فالردّ إليهم في مثل هذه التنازُعات واجب ، ألا ترى الله تعالى يحثّ إلى الرجوع إليهم في الأمور الدينية والدنيوية المُتنازَع حولَها في قوله : ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) [النساء:83] ، فالحث بالرجوع إلى أولي الأمر في الآية القريبة ، تعني فيما تنازع فيه المسلمون ، أو اشتبه عليهم أثره من أمور الدين والدنيا ، فحثّ الله على الرجوع إلى الرسول ، وإلى أولي الأمر (أئمة أهل البيت ، سادات بني الحسن والحسين) ، وخُلاصة الإلزام السّابق : هُو أنّ وُلاة الأمر الذين حثّنا الله على طاعَتِهم في الآية محلّ النقاش ، مُقيّدَةٌ طاعَتُهُم بشهادَة الكتاب والسنّة لفِعلهِم وحالِهِم ، فمتى أقرّهم الكتاب والسنة كانوا أئمّة النّاس وأمرائهُم ، ومتى اعترض عليهم الكتاب والسنة لم يكونوا من الإمامة في شيء ، وهذا الشرط من الله تعالى يَجعلُنا نجزمُ أنّ حال وُلاة الأمر هؤلاء ، حال البشر العاديين الغير معصومين ، إذ لو كانوا مَعصومين ، فهو مَنصوصٌ عليهِم ، ولو كانوا معصومين ومنصوصٌ عليهِم لكانوا قطعاً في جميع أحوالِهم مع الكتاب وصحيح السنّة ، ومتى كانوا في جميع أحوالِه مع الكتاب وصحيح السنّة ، وجبَ الرّد إليهم فيما تنازَعَ فيه المُسلمون من أمور ، والله تعالى ، لم يذكُر وجوب الرّد إليهِم : ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) ، ومنه فلا عِصمَة لأولي الأمر (الأئمّة الفاطميين القائمين) ، نعم ! وفائدةٌ أخرى في عدم عِصمة ، وبالتالي عدم النّص (الجعفري) على أولي الأمر في الآيَة : هُو أنّ الآيَة لو أتت بصيغة الأمر الوجوبي المُطلق في كلّ الأحوال بطاعة ولاة الأمر لكانَت الآيَة : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وأطِيعُوا وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)) ، فقوله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ)) فيه طاعَة الله واجِبَة مُطلقاً ، أتت بصيغَة الأمر ، ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)) فيه طاعة الرسول (ص) واجبَة مُطلقاً ، أتت بصيغَة الأمر ، ((وأولي الأمر)) فيه طاعة أولي الأمر واجبة ، ولكنها مشروطَة ، بأن يُصحّحها الكتاب والسنّة (وتقدّم قريباً الكلام على الولاية الخاضعة للكتاب والسنّة وعلاقة النص والعِصمة بها) ، فمتى صحّح الكتاب والسنة ولاية الإمام الفاطمي القائم الكتاب والسنة كانت طاعتهُ واجبَة ، ومتى أدانَتهُ لم يكُن بواجب الطّاعَة . إن قيل : لماذا حكمتُم بالطاعة الواجبَة المُطلقَة الغير مشروطة في حقّ الله ، والرّسول ، دون ولاة الأمر ، مع أنّ (أولي الأمر) سُبقَت بحرف عطف ، والمعطوف والمعطوف عليه لهما نفس الحكم ، قلنا : سبب الشرط في طاعة أولي الأمر بالخضوع لحكم الكتاب والسنة ، سببين اثنين : الأوّل : أنّ الآيَة جاءت بصيغَة الأمر الإلزامي المُطلَق المُوجِب للطاعَة في حقّ الله تعالى ((أَطِيعُواْ اللّهَ)) ، وجاءت بصيغة الأمر الإلزامي المُطلَق للطاعة في حقّ الرسول (ص) ((وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ)) ، وأفادَ الإطلاق للطاعَة في حقّ الله والرّسول ، هو تخصيصِ طاعتهما بفعل الأمر المُباشر ، وهو كلمة ((أطيعُوا)) ، كما أفاد طاعَتَهُما الطّاعة المُطلقَة الإلزامية الغير مشروطَة ، هُو الأمر بالرّد إليهِم ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ)) ، وبعد الرّد إليهِم ، طاعتَهم فيما حَكموا به ، وهذه القرائن كلّها تعني الطاعة المُطلقَة الغير مشروطَة في حقّ الله والرّسول (ص) ، وهي التي تَعني العصمة حقّاً حقّاً ، أمّا (أولي الأمر) في الآيَة فإنّها خلَت عن الأمر المُباشر بالطّاعة ، كلمة ((أطيعُوا)) ، وإنّما ألحقت بحرف العطف (و) ، ثمّ تحقّق الشّرط في تقويم الكتاب لهم ، وعدم الحكم بالطاعة المُطلقَة ، في عدم حثّ الله تعالى على طاعتهِم والرّد إليهم فيما تنازَع فيه النّاس من أمر (صحّة إمامتهم كما تقدّم) ، فلم يَقٌل الله تعالى بطاعةٍ لهُم مُطلقة غير مشروطة بقوله : ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ وأولي الأمر منكم إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) بل قال جلّ شأنه : ((فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ)) ، تنبيه هذا الكلامُ كلّه يخصّ الأمور المُتنازَع فيها حول ولاة الأمر أنفُسهم ، وهل تجب طاعتهُم ، أم لا (فهو في الأمارة والإمامة) .

السؤال الموجّه للجعفرية : لماذا لم يُثلّث الله بوجوب الرّد إلى أولي الأمر في الآية ، كما أمر بالردّ إليه وإلى رسوله ، خصوصاً مع إثباتكم وقولكم بعدم مفارقة أئمتكم لحكم الله وحكم الرسول طرفَة عين ؟! ولماذا اقتضَت الحكمة الإلهية البلاغيّة أن لا يُسبَقَ الحث على طاعة أولي الأمر ، بصيغة الأمر المُباشر ((وأطيعُوا)) ؟!!

* فائدة مهمّة حول أولي الأمر في قول الله تعالى : ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) :

هذه الآيَة تشهدُ تماماً لعقيدة الزيدية في أهل البيت (ع) ، وأنّ اصطفاء الله تعالى لهم (لجميع ذرية الحسن والحسين) كان جُملياً ، اصطفاءٌ وهُم في أصلاب آبائهم ، فمنهُم بعد أن يخرجوا إلى هذه الدنيا مَن يكون ظالمٌ لنفسه ، وإنّما سُمّي بالظّالم لنفسه ، لأنّه ظلمَ نفسَهُ حظّها ، وأنزلَها غير المَنزل الذي أنزلَها الله إيّاه ، وهؤلاء هم العصاة من بني فاطمة ، ومَن بدّل مَنهجَ الكتاب والسنة وإجماعات سلفه من أهل البيت المعصومة عن مُخالفَة الكتاب العزيز ، ومن الفاطميين الحسنيين والحسينيين مَن هُو مُقتصد عابدٌ زاهدٌ مُحيٍ الليل بالعبادة ، والنهّار بالزهد وأعمال الفلاح ، ومن الفاطميين سابقٌ بالخيرات عالمٌ عاملٌ عابدٌ مُجاهدٌ آمرٌ بالمعروف وناهٍ عن المُنكر ، وهذا كله من قول الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) [فاطر:32] ، كما أنّ الرسول (ص) ، بقوله : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسكّتم به لن تضلّوا من بعدي كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّ اللطيف الخبير نبّاني أنّهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض)) ، وقوله (ص) : ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومن تخلّف عنها غرِقَ وهوى)) ، حثّ (ص) على التمسّك بالمُقتصدين حقّا حقاً من بني فاطمة (المُتابعين لإجماعات أسلافهم من بني فاطمة التي لن تُخالف الكتاب) ، وحثٌّ على التمسّك بالسابقين بالخيرات حقّا حقّا الأئمة الهُداة (المُتابعين لإجماعات أسلافهم من بني فاطمة التي لن تُخالف الكتاب) ، فمَن أمرنَا الرسول (ص) بالتمسّك بهم ، والركوب في سفينتهم ، هُم أهل العلم من المُقتصدين ، وأهل السّبق الأئمة الهُداة من بني الحسن والحسين ، دون الظالمين لأنفُسهِم ، لأنّ الظالمَ لا ركونَ عليه ، والله قد استثنى الظالمين من أهل البيت من حظ التمسّك والاتّباع والإمامة في الدّين والدذنيا بقوله : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) ، وذرية إبراهيم فهم ذرية محمد (ص) ، وذرية محمد فهم ذرية الحسن والحسين ، والظالمين من هذه الذرية ليس لهم حظٌ في الاقتداء والتبعيّة ، فالحقّ كل الحقّ في الاقتداء بالصالحين من هذه الذرية (المقتصدين ، والسّابقين بالخيرات ، المتمسكّين بإجماعات سلفهم من أهل البيت) ، نعم ! وبعد هذه الديباجة ، نأتي على قول الله تعالى : ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) ، الذي فيه تأكيدٌ لنظرية ونظرَة الزيدية إلى أهل البيت (ع) ، ففي الآي يقول الله تعالى : ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ)) أي المُنافقين كما في سياق الآية لمن تدبّرها ، وعموماً فيدخل تحت هذا المعنى أهل الرّيب والشّك والحيرة في أمر الدين ، ((وَلَوْ رَدُّوهُ)) أي ولو ردّ الناس مَا التبسَ عليهِم من أمر دينهِم ، ((إِلَى الرَّسُولِ)) إلى صحيح سنّة الرسول (ص) ، ((وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ)) وإلى أولي الأمر من النّاس ، وأولي الأمر من الناس هُم أهل البيت بعموم (أصحاب الاصطفاء الجُملي ، جميع ذرية الحسن والحسين) ، ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) لَعَلِمَ أصلَ المسألة المُتنازَع حولَها ، أو المُشكّك فيها ، أو المُشتبَه وجهها ، لعَلمَ وجه الصّواب ، المُقتصدين أو السّابقين بالخيرات من أولي الأمر هؤلاء (عموم ذرية الحسن والحسين) ، فيكون المعنى للآية : لو أنّ النّاس إذا جاءهُم أمرٌ التبسَ عليهُم وجهه ، وتنَازعوا وجه الحقّ فيه ، ممّا يخصّ أمور دينهم ، لو أنّهم في هذا الحال ردّوا ما تنازعُوا فيه إلى صحيح سنّة رسول الله (ص) ، وإلى أولي الأمر من النّاس ، (ذرية الحسن والحسين بعموم) ، لَعلِمَ وجه الحقّ في المسألة ، المُستنبطونَ منهُم (من عموم ذرية الحسنين) ، وهُم المُقتصدون ، والسابقون بالخيرات ، ومن هذا القول أخي الباحث ستجدُ أن قولنا القريب في آية فاطر ، وحديث الثقلين ، وحديث السفينة ، بشأن التعميم بالتبعية لأهل البيت (جميع ذرية الحسن والحسين) ، ثم التخصيص بالتبعية (للمُقتصدين ، والسّابقين بالخيرات العلماء ، دون الظّالمين) ، هو نفسُ ما أقرّته الآية القريبة ، فإنّها حثّت بالرجوع (إلى ولاة الأمر بعموم ، وهم جميع الذرية الفاطمية ) ، في قوله : ((وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ)) ، ثمّ خصّ الله تعالى أهل العلم (من عموم ولاة الأمر ، جميع الذريّة) ، بقوله : ((لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) أي لَعلِمَهُ العُلماء من ولاة الأمر ، ومنه فإنّ وُلاة الأمر هُم جميع الذرية الفاطمية الحسنية الحسينية ، ولكنّنا لا نردّ العلم والاتّباع إلا إلى العُلماء منهم (المقتصدين ، والسابقين بالخيرات) ، دون الظالمين العَاصين ، وهذا هُو قولُنا في حديث الثقلين ، فإنّ الرسول (ص) وصّى بأهل البيت بعموم ، ولكنّ التبعية الحقّة هي للعلماء منهم دونَ الظالمين العاصين ، فإن قالت الجعفرية : وهذا هُو عينُ قولِنا ، فالمرجعيّة ُ هُم علماء بني فاطمة المُستنبطين ، وليس مُستنبطٌ ولا عالمٌ إلاّ الإثني عشر منهم . قُلنا : هذا تحكمّ منكم في القول ، لأنّ كتاب الله (ممّا قد استعرضناهُ في جميع هذه الرسالة من آيات) ، وحديث (الثقلين ، والسفينة ، والنجوم) التي أجمعنا وإياكم على صحتها ، لا تدلّ إلاّ على عموم ، وتَنفي النّصوص من هذا العموم على أفرادٍ دونَ أفراد ، بل تجعل الجميع أهلاُ لولاية الأمر ، إن هُم عَمِلوا بالكتاب والسنة وإجماع سلفهم من أهل البيت ، إذ الآيات كلّها وكذلك الأحاديث التي استعرضناها لا تَمنَعُ من أن يكون الفاطمي الظّالم لنفسه بالمعاصي ، مُقتصداً ، أو سابقاً بالخيرات ، لو أنّهُ عَمِلَ بعمَلهم ، ولزيادة التفهيم لهذه المسألة سنضرب مثالاً على الآيَة القريبة :

مثال :

وصّى المَلك بالإمامة الدينية والدنيوية ، لولديه الحسن والحسين ، ولأبنائهما من بعدهِما ، ولكنه اشترطَ الصّلاح في المؤهّل للإمامة ، فقال لأبنائه وأبناء أبنائه بعد أن جَمعَهُم في بيته : إنّه سيكون فيكم ظالمٌ لنفسه يعمل المعاصي ، وسيكون منكُم مُقتصدين مُجتهدين في إرضاء الله ، وسيكون منكم سابقين بالخيرات عُلماء أكفّاء عاملين مُجاهدين ، ذائدين عن الشعب والرعيّة ، وعن حُرَم الله تعالى ، وإنّي قد جعلتُ الإمامةَ محصورةً فيكم ، وجعلتُ شرطَها ألاّ تكون إلاّ لأهل الصّلاح منكم دون الظّالمين العُصاة ، فاجتهدوا جميعاً في التعلّم والصلاح ، والبُعد عن الفواحش والرذائل ، كي تكونوا صالحين للإمامَة ، [ وهُنا جميعُ ذريّة المَلك بنصّ عامٍ جُمليٍّ داخلون في الصلاحية للإمامة ، متى ماحقّقوا شرط أبيهم ، وهو الصّلاح ، وهُو قولُنا أنّ جميع ذريّة الحسن والحسين (ع) ، داخلون في الصلاحية للإمامة ، وهُم وُلاة الأمر ، متّى حقّقوا شرطَ الله تعالى ، وهو البُعد عن الظُلم والعصيان ، قال الله تعالى بعد أن وافقَ لإبراهيم بأن يجعل الإمامة في عموم ذريته ، قال مُستثنياً : ((لا ينالُ عهدي الظّالمين)) ، وهو نفس شرط الملك في مِثالنا القريب ، فإنّه وافق على أن تكون جميع ذريّته صالحون للإمامة ، وولاية الأمر ، متى ما ابتعدوا عن الظّلم وتحلّوا بالصلاح ] ، نعم ! ثم أصدرَ المَلك بياناً عمّمه على جميع الرعيّة ، تضمّن عدّة بنود ، منها :

1- أيّها النّاس أطيعوا الله أولاً ، وأطيعوا الرّسول ثانياً ، وأولي الأمر منكم من ذريّتي (الإمام) ، فإن تنازعتُم وشككتُم في ولي الأمر هذا ، من أنّه لم يُحقّق شرطَ الصلاح الذي اشترَطتُهُ على جميع ذريتي ليكونوا مُناسبين للإمامة ، والذي به (شرط الصلاح) تكون إمامتهم صحيحة ، وبدونه تكون باطلة ، فردّوا الأمور إلى الدّستور الحاكم الذي وَضعته ، واعرضوا حالَ هذا الإمام (ولي الأمر القائم) ، على دستوري ، فإن وجدتموه مُطابقاً لقولي فيه ، وإلاّ ليس هُو بإمامٍ صالِح . [وهذا هُو عين كلامنا في قول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)) ، ومنهٌ فليسَ هُناك دليلٌ على وجود نصٍّ جعفريٍ بعينه على أشخاص محدودين معدودين بل هُو عامٌ في جميع الذرية الفاطمية ، فمَن قام بالإمامة منهم ، وشكّ النّاس في أهليّته ، عرضوا حاله على كتاب الله تعالى ، وسنة رسول الله (ص) ، وإجماعات السلف الفاطمي الذي قد استحقّ مقام الإمامة بجدارة ، فمَن وافقَ عليه الكتاب والسنة والإجماع الفاطمي ، كان هُو الإمام حقّاً ، ومَن خالف عليه الكتاب والسنة والإجماع الفاطمي ، لم يكُن بإمام ، ومنه فلا مَكان البتة لأن يكون هُناك عدد محدّدد لأئمة ، أو نصّ خاصّ في بعض هذه الذرية الفاطمية ، أو ذريّة المَلك في مثالنا القريب ] .

2- أيّها النّاس إذا استشكلَ عليكم أمر من أمور دينكم ، وتنازَعتُم حولَه ، فردّوه إلى الرسول ، وإلى أولي الأمر منكم ، أي اتجهوا إلى عموم ذريّتي ، فإنّ أهل الصلاح وأصحاب العلم من ذريتي اللائقين بمقام الإمامة ، سيحلّون ما اشتبه عليكم وجهه . [ وهذا هُو عين كلامنا في قول الله تعالى : ((وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً)) ، ومنهُ فليسَ هُناك دليلُ على وجود نصّ جعفري على أئمة بأعينُهم محددّين محدودين معدودين ، بل إنّه يُعضّد قول الزيدية في الاصطفاء العام لجميع ذرية الحسن والحسين ، ثم التّكليف بالعمل لنيل درجة الإمامة في الدّين والدنيا ] ، والحمد لله وبهذا المثال نختم الكلام حول هذه الآيات .

==================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلٌ آخَر على النص من الله سبحانه وتعالى ، على أئمّة بعينهِم ، هو قول الله تعالى : ((اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {1/6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)) ، فأطلق الله الاستقامة في طريق من أنعم عليهم, ولا أحد من غير المنصوص عليهم باستقامة الطريق يُقطَع باستقامَة طَريقِه, فَتعَيّن النّص على مُستقيمِي الطريق عن الله عز وجل وهم الأئمة.

قُلنا : هذا استنتاجٌ من الآيَة ليس يصحّ ولا يستقيم ، أتُراني عندما أقول : ((اللهم احشرنُي في زُمرة المؤمنين)) ، هل تُراني بهذا الدّعاء أقصدُ مؤمنين بأعيُنهِم منصوصٌ عليهم بأسمائهِم ، لأنّ صفة الإيمان المُطلَق لا تقَعُ إلاّ على منصوصٍ عليهِم ؟!! ، أم أنّي أقصدُ عُموم المؤمنين من مُختلف الأطياف والأجناس الذين رضي الله عنهم ورضوا عنه ؟! هَل جميعُ منَ ذكرَهُم الله تعالى في هذه الآيَة (الآتية) وأنعمَ عليهِم (مُطلقاً) ، هُم مَنصوصٌ عليهم ، مُعيّنين ، مُحدّدين ، ولا سيّما الشّهداءَ منهُم والصّالحين ، قال تعالى : ((وَمَن يُطِعِ اللّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللّهُ عَلَيْهِم مِّنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاء وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُولَئِكَ رَفِيقًا)) [النساء:69] ، إن قلتُم : نعم ، كلّ هؤلاء مَنصوصٌ عليهم ، معلومين بالاسم والعدد ، قُلنا : فُهناك مَن هُو منصوصٌ عليه غير أئمتكم (من الصّالحين ، والشّهداء) ، ولذا أنعمَ الله عليهم مُطلقاً ، فقد يكونوا أحقّ بالاتّباع من أئمتكم ، لأنّهم لابدّ وأن يكونوا معصومين ، بما أنّ الله أنعمَ عليهم مُطلقاً (وهُم منصوصٌ عليهِم) ، وأمّا إن قلتُم : ليس الشّهداء والصّالحين بمنصوصٍ عليهم في الآيَة ، وإنّما المنصوص عليهم هم الأنبياء والصّديقين ، دون الصّالحين والشّهداء ؟! ، فعندها سنقول : جوابكم ليس منّا تأخذونَه ، بل مِن أهل الإنصاف ممّن يقرأون كلامنا ، إذ كيف خصّصتم الإنعام المُطلق الذي لا يكون (على حدّ قولكم في أصل الاعتراض) إلاّ لمنصوصٍ عليه ، للشهداء والصّديقين ، بينما أخرجتُم الشهداء ، والصّالحين ، مع أنّ الخطاب القرآني يقضي بدخولهم جميعاً (الأنبياء ، والصّديقين ، والشّهداء ، والصّالحين) ضمن من أن أنعمَ الله عليهِم ؟!! . نعم ! فإن أنتَ وقفتَ أخي الباحث عن الحق ، عن موضع الخلل هُنا ، فاعلم أنّ موضع الحقّ فيه ، هُو أنّ سورة الفاتحة بعموم عبارةٌ عن تحميدٌ وتَمجيدٌ وتوكّلٌ ودُعَاء ، والدّعاء منها ، قولُنا : ((اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ {1/6} صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ غَيرِ المَغضُوبِ عَلَيهِمْ وَلاَ الضَّالِّينَ)) ، فقوله : ((اهدِنَا الصِّرَاطَ المُستَقِيمَ)) ، دُعاء بالهداية إلى المنهج الحقّ القويم الذي لا عِوجَ فيه ولا ارتياب ، فما هُوالمَنهجَ والطّريق الذي لا عِوجَ فيه ولا ارتياب ، هُو : ((صِرَاطَ الَّذِينَ أَنعَمتَ عَلَيهِمْ)) ، هُو طريقُ الذين أنعمَ الله عليهِم بنعمَة الاهتداء الخالص الصّادق ، ممّن عَلِمَ الله نجاتَهُم من الأمم السّابقة ، لحُسن طريقَتِهِم وعقيدتهِم ، فالله لا شكّ قد أنعمَ على شُهداء بدر ، والله لا شكّ قد أنعمَ على أبَوَي عمّار بن ياسر ، والله لا شكّ قد أنعمَ على حمزة بن عبدالمطلب ، وجعفر بن أبي طالب ، والله لا شكّ قد أنعمَ على سلمان الفارسي ، وأبو ذرّ الغفاري ، وحجر بن عدي ، والله لا شكّ قد أنعم على علي بن أبي طالب ، والحسن ، والحسين ، وزين العابدين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن علي ، والباقر ، وعبدالله المحض ، ومحمد النفس الزكية ، والصادق ، والشّهداء حقّاً الخارجين مع الأئمة من بني الحسن والحسين ، فالله بلا شكّ قد أنعمَ على هؤلاء بالطريق المستقيم ، والمنهج الحسَن ، فنحنُ عندما ندعو الله تعالى في آية الفاتحة ، نَطلُبُ منه جلّ شأنه أن يَهدينا صراطهُ الذي يرتضيه ، صراطَ مَن قد أنعمَ الله عليهم بحُسن الاهتداء ، صراطَ مَن قد عَلِمَ الله نجاته ممّن سبقنا من الآباء والأسلاف ، من أمّة محمد (ص) ، ومِن غير أمّة محمد (ص) ، إذ الله قد أنعم على جميع الأنبياء والمُرسلين بحسن المنهج والسبيل ، وكذلك الحال مع مؤمن آل فرعون ، وغُلام أصحاب الأخدود ، وأمثالُهم ، ممّن نسألُ الله تعالى أن يهدينا ، كما هداهُم ، وأن يجمعنا وإياهم في جنات النعيم ، والحمد لله تعالى .

================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلٌ آخَر على النص من الله سبحانه وتعالى ، على أئمّة بعينهِم ، هو قول الله تعالى : ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) [السجدة:24] ، فأطلق اليقين في آياته عند من جعلهم أئمة هادين بأمره, ولا أحد من غير المنصوص عليه باليقين في آيات الله مطلقا يقطع بتمام يقينه, فتعين النص على تامي اليقين في آيات الله, فتعين النص على الأئمة.

قُلنا : الخلل دائماً يأتي من تدبّر سياق الآيات ، وعدم ربط الآيات بعضها ببعض ، فكتاب الله تعالى يُفسّرُ بعضُه بعضَاً ، فسياق الآية السّابقة ، هو قول الله تعالى ، مُتكلّما عن اليهود : ((وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَلَا تَكُن فِي مِرْيَةٍ مِّن لِّقَائِهِ وَجَعَلْنَاهُ هُدًى لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ {32/23} وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ {32/24} إِنَّ رَبَّكَ هُوَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ)) ، فالله سُبحانه وتعالى تكلّم في هذه الآيات عن الماضي لا المُستقبَل ، تكلّم عن فعلِه مع أمّة موسى (معشر اليهود) ، ولم يتكلّم عن أمّة محمد ، فأخبرَ الله تعالى أنّه جعلَ من بني إسرائيل أئمّة في الدّين ، يهدونَ النّاس بأمْرِ الله الذي أمرَ به العباد ، وهو العبادة والتوحيد ، ولكن مَتى جعلَ الله هؤلاء أئمّةً للنّاس ؟! ، يقول تعالى : ((لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) ، أي لمّا صَبروا أنفسَهُم في جانب الله ، وأمسكوا عن نهيه ، وعن الملذّات المُخالفة لأوامر الله ، ((وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) وكانوا بكُتب الأنبياء ، وأوامر الرّسل ، ووعد الله ووعيده مُوقنين مؤمنين مُخلِصين ، نعم ! فلمّا كان الرّجل من بني إسرائيل صابراً مُصابراً في جانب الله تعالى ، ومؤمناً موقِناً ، استحقّ مرتبَة الجَعل الإلهي ، واستحقّ مرتبّة الإمامة في الدّين ، لأنّ الله جعلَ الإمامة الحقّ والتفضيل في عموم بني إسرائيل (في جميع ذرية إسرائيل) ، حتّى أنّ الله خاطبَ عُتاة بني إسرائيل وهو يلومُهم ويُذكّرهُم بعدم تقديرِهم لنعمتِه التي أنعمَ بها عليهِم ، وهي تفضيلُه لهُم على العالَمين ، قال الله تعالى : ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) ، فجاء خِطاب التفضيل عاماً لجميع بني إسرائيل ، فمَن كانَ منهُم مُلتزماً الصّلاح استحقّ وعدَ الله بالإمامة (لأنّ بني إسرائيل هُم بقيّة دَعوة إبراهيم الخليل بجعل الإمامة في ذريّته ، ثم استثنى الله الظّالمين منهُم ، وكذلك الحال مع بني فاطمة ، فإنّهم بقيّة دعوة إبراهيم الخليل بجعل الإمامة في ذريّته ، مع استثناء الظّالمين منهم ، فالأئمّة من بني إسرائيل ممّن تحقّق فيهم شرط الصّلاح ، هم أئمّةٌ بجعلِ الله لهم ، أي بإرادَة الله الإمامة لهُم ، وكذلك القول مع أئمة بني فاطمة ، فإنّ الإمام منهم المتحقّق فيه شرط الصلاح ، هو إمامٌ بجعلِ الله عندما وافقَ إبراهيم الخليل على دَعوتِه لذريّته ، هو إمامٌ بإرادَة الله تعالى ، وجعلُ الله له وإرادته ، إنّما كانتَ لسببين اثنين ، الأوّل : لأنّه من ذريّة إبراهيم (ع) ، وهُو قد وعدَ إبراهيم بأن تكون الأئمّة من ذريّته . والسّبب الثاني : أنّه قد تحقّق في هذا الإمام الشرطُ الذي اشترطهُ في ذرية إبراهيم ليكونوا أهلاً للإمامة ، وهُو الصّلاح دون الظّلم للنفس) ، نعم ! إن قيلَ : ما دليلُكم وبُرهانُكم على قولِكم القريب ، قولِكم بأنّ الأئمّة في آية السجدة (محلّ النّقاش) ، إنّما جعلَهُم الله تعالى أئمّةً ، بسبب عَمَلِهِم الصّلاح ، فهل عسيتُم أن لو لم يكُن عملُهم غير صالِح ألاّ يكونوا أئمّة للنّاس ، فالآية تدلّ على أناسٍ منصوصٍ عليهِم ؟! قُلنا : نعم ! أنتُم تقولون أنّ الإمامة في بني إسرائيل إنّما هي نصيّة لمعصومين ، ونحنُ نقولُ أنّ الإمامة في بني إسرائيل لا تكون إلاّ في مَن أثبتَ لله عملَهُ وصلاحَه وتَقواه وصِدقَ يقينه ، فمَن علمَ الله منهُ هذا الحال كانَ إمام النّاس (في زمن عدم وجود الرّسل) ، ألا ترى أنّ الله علّق شرط الإمامة بالتقوى والصّبر واليقين ، فلو كان الأئمة من بني إسرائيل منصوصٌ عليهِم ، لكانوا مَعصومين ، ولو كانوا معصومين ما احتاجوا إلى شرط التّقوى والصّبر واليقين لحصولهِم على مقامِ الإمامة ، لأنّ هذا الشّرطُ سيكونُ فيهم مُتحقّقاً رأساً ، لأنّهم منصوصٌ عليهِم ، ومعصومين ، وعليه لكانت الآية السّابقة هي كالتالي : ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا)) بدون زيادة الشّرط الُمسبّب للإمامة وهو ((لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) ، ومنه أخي الباحث عن الحقّ ، سنُجملُ لك أمرَ هذه الآيَة ولإنصافك الحُكم ، الله تعالى وعدَ إبراهيم الإمامة لذريّته بعموم ، ولكنّه جلّ شأنه استثنى الظّالمين ، وهذا الاستثناء للظالمين يعني أنّ صلاح ذريّة إبراهيم هو شرطُ الإمامة ، فمن صلُح حاله مع ربّه كان من الصّالحين لمقام الإمامة والإفتاء ، وعلى النّاس السّمع والطّاعة له ، مات إبراهيم الخليل (ع) ، فأكّد الله تعالى وعدَه لإبراهيم الخليل في ذريّته ، بأنّ فضّل جميع بني إسرائيل ذريّة إبراهيم على العالَمين ((يَا بَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُواْ نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ وَأَنِّي فَضَّلْتُكُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ)) ، فجعلَ الله الإمامَة صالحةً في جميعِهِم (دَعوةَ أبيهم إبراهيم الخليل) ، إلاّ الظّالمين ، فمَن آمنَ وعَمِل صالحاً ، وصابرَ نفسه في جانب الله تعالى ، فهو صالحٌ للإمامة ، وهو الذي يرضاه الله تعالى ، ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُونَ)) ، وعلى النّاس أن يسمعوا له ويُطيعوا ، لأنّ هؤلاء الإسرائيلين الصّالحين المؤمنين يَهدونَ النّاس بأمر الله تعالى ، أي يَهدونَ النّاس بأوامرِ الله التي بعثَ بها الأنبياء السّابقين ، وأقرّتها الكتب السّماوية السّابقة ، لا بأوامرٍ ابتدعوها من تلقاء أنفسهِم ، ومنه وبعد ظهور خاتم الأنبياء والمُرسلين (ص) ، أتتَ شريعةٌ إلهيّة ناسخَة ، وهي المسؤولة بأمر الله تعالى عن تقرير الاصطفاء والتفضيل الإلهي السّابق لبني إسرائيل ، من عدمه ، فلمّا قرأنا القرآن ، واستعرضنا صحيح حديث الرّسول (ص) ، وجدناهُما قد أسقَطوا تفضيل بني إسرائيل فرع ذريّة إبراهيم ، وأقرّوا قوماً غيرَهُم سنّة الله التي خلَت مِن قبل ، ولكن مَن هُم هؤلاء القوم المحمديّون المُصطَفون ؟! الجواب البديهي أنّهم لابدّ وأن يكونوا من ذريّة إبراهيم الخليل (ع) ، لسابق وعد الله تعالى له ببقاء الإمامة في ذريّتهم ، فنظرنا الكتاب وإذا بآيَة التطهير تُدلّ على بني فاطمة وآبائهم (أصحاب الكساء ومَن تناسل من ذريّتهم) ، وإذ يالسنّة تحثّ بالتمسّك بأهل البيت (جميع بني فاطمة ، ذرية الحسن والحسين) ، ولمّا كاَن القياس من الحُجج الشرعيّة ، حكمنَا أنّ ما جَرى مع آلية وطريقة جَعلِ الله للإمام مع بني إسرائيل ، ستكونُ كذلكَ مع أبناء الحسن والحسين ، فشرطُ الإمامة هي الصّبر في جانب الله ، والإيمان ، واليقين ، والصّلاح ، خصوصاً أنّ النصّ جاء فيهم جُملياً ، فلا حديث الثقلين حدّد أشخاصاً ، ولا حديث السفينة حدّد أشخاصاً ، ولا حديث النجوم حدّد أشخاصاً ، ولا كتاب الله تعالى يَشهدُ بعقيدة وجود نصٍّ خاصٍّ في أحدٍ من هذه الذرية الحسنية الحسينية ، وكذلكَ كان الحالُ معه الأئمّة من بني إسرائيل فإنّه لم يُؤثَر من كتاب الله تعالى إخبارٌ أنّ الأئمّة منهم كانوا مُختصّين بنسلٍ دونَ نسل ، أو طائفةٍ دونَ طائفة ، أو أنّها وراثةً من أبٍ إلى ابنه ، كما تدّعي الجعفرية والإسماعيلية من الشيعة ، فطريقُ معرفة الإمام من بني فاطمة ليسَ النّص الخاصّ ، أو الوراثة من الأب لابنه ، بل طريقُه ما قالَه أمير المؤمنين (ع) : ((أيّها النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) [ نهج البلاغة خ173] ، وهذا القول من الإمام علي (ع) مُنتقضُ على قول الجعفرية أصحاب النّص على الأئمّة ، لأنّ الزيدية هِي مَن تقولُ بشرطِ الشّورى في بني فاطمة ، ولا يَفتوك أن تتأمّل كيف ركّز الإمام صفة الصّلاح في الفاطميين بقوله : ((إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ)) ، وإنّما قُلنا أنّ خطاب أمير المؤمنين (ع) خاصٌّ بالفاطميين ، لمكان قوله (ع) في موضعٍ آخر : ((إِنَّ الْأَئِمَّةَ مِنْ قُرَيشٍ غُرِسُوا فِي هذَا الْبَطْنِ مِنْ هَاشِمٍ، [يعني بطن بني فاطمة] ، لاَ تَصْلُحُ عَلَى سِوَاهُمْ، وَلاَ تَصْلُحُ الْوُلاَةُ مِنْ غَيْرِهمْ)) [ نهج البلاغة خ143] ، ومِثل قَول الإمام علي يقول حفيده زيد بن علي (ع) : ((الإمَامَةُ والشّورَى لا تَصلُح إلاّ فينَا)) [مجموع رسائل الإمام زيد بن علي (ع) ، ص381] ، ومنه وبعد هذا كلّه تبيّنَ لنا أخي الباحث أنّ الآيَة الكريمة : ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا وَكَانُوا بِآيَاتِنَا يُوقِنُون)) ، خاصّةٌ ببني إسرائيل ، حكاها الله تعالى لرسوله الكريم بصيغَة المَاضِي ، فتوهّم الجعفريّة أنّ هذا الخطاب (الموجّه للماضي) ، خاصّ بأئمتهم الإثني عشر ، وأنّ صفة الصبر واليقين في الآية إنّما ذُكِرَت في الآية لمكان النّص على الأئمة ، إذ متى كانوا منصوصاُ عليهم فهم صابرون موقنون قطعاً ، وهذا وهمٌ ظاهرٌ ، لأنّه لا دليلَ لهُم من سياق الآية في كتاب الله تعالى أنّ الأئمّة المقصودين في الآيَة هُم الأئمة من أمّة محمد (ص) ، إذ سياقُ الآيَة يُخبرُ عن إخبارٍ إلهي لمحمد (ص) عن أمرٍ ماضٍ حصلَ مع بني إسرائيل ، فما هُو الدّليل معشر الجعفرية على أنّ الأئمة في الآية هم أئمتكم ؟! إن قلتُم : نقولُ كقولِكم أنّ القياس هُو الدّليل . فعندها سنقول : أنّ القياس ليس حجّةً عندَكم ؟! فأخبرونا ما هو دليلُكم ؟! ، فإن قلتُم : لا دليل ، والحقّ معكم فسياق الآية يُخاطبُ بني إسرائيل ، بخطابٍ جاء بصيغة الماضي ، ولكن أخبرونا أنتُم معشر الزيدية ما دليلُكم على أنّ هذه الآيَة تنطبقُ على بني فاطمة ؟! ، قُلنا : قياس حال أمّة محمد (ص) ، بقياس حال اليهود ، فالأمّة بحاجةٍ إلى أئمةِ حقٍّ يُحيونَ أمر تعالى وأمرَ الرّسل ، وسنّة الله تعالى هي وجود مَن يصلُح للهداية وتعليم النّاس على مرّ الأزمان ، فإن كان هذا كذا ، فأمّة محمد يسري عليها هذا الحُكم الإلهي ، بل هُو أشدّ وألزَمُ في حقّهم ، لأنّه لا نبوّة بعد نبيّهم (ص) ، نعم ! ثمّ نظرنا لسياق الآية مرّةً أخرى فوجدناهُ يُخبرُ أنّ جعلَ الله تعالى للأئمّة إنّما كان لصَبرهم ويقينهم وصلاحهِم ، فقسنا هذا الحال مع ولد فاطمة (ذرية الحسن والحسين) ، وقُلنا أنّ الأئمّة منهم المرضيّون هُم من تحقّقت فيهم الشروط التي رضيها الله لأئمّة بني إسرائيل ، نعني الصّبر والصلاح واليقين ، وهذا أخي في الله دليلٌ بيّنٌ لمن تدبّر وتفكّر ، ونزيدُ النصيحة للإخوة الجعفرية ، بذكر تفسير السيد الطباطبائي لهذه الآية ، ومن تأمّل تفسيرَه ، وجدَهُ عينُ قولِنا ، فقال السيد محمد حسين الطباطبائي : ((قوله تعالى: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون) أي وجَعلنَا [تأمّل] مِن بني اسرائيل أئمّة يَهدون الناس بأمرنا ، [تأمّل سبب الحصول على الإمامة تجده تحقق الشرط بالصلاح ، لا النّص ، نعم ! قال الطباطبائي : ] وإنمّا نصبناهم أئمةً هُداة للناس حِينَ صَبروا فِي الدّين وكانوا قبل ذلك مُوقِنين بآياتنا)) [تفسير الميزان:16/266] ، وجاء في المناقب لشهر بن آشوب ما يشهدُ لعقيدة الزيدية أنّ الأئمّة الهُداة هُم من عموم ذريّة فاطمة وعلي صلوات الله عليهما ، وذلك أنّ رسول الله (ص) دعا لعلي وفاطمة حين عُرسهِما ، فقال : ((اللهم اجمع شملهما وألف بين قولبهما واجعلهُما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك إلى طاعتك ويأمرون بما يرضيك،)) [مناقب آل أبي طالب:3/132 ، وانظر تفسير نور الثقلين للشيخ الحويزي:4/233] ، نعم ! وجاء في تفسير فرات الكوفي الزيدي [وهو تفسير مشهورٌ عند الجعفرية أكثر من الزيدية] ، جاء فيه : ((عن أبي حمزة الثمالي ، عن أبي جعفر ، في قوله تعالى: ((وجَعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا)) ، قال : ((نَزلَت فِي وَلدِ فَاطمَة)) [تفسير فرات الكوفي :233] ، وقال السيد حُميدان بن يحيى القاسمي (ع) : ((وقد مدح الله سبحانه وتعالى الصابرين وجعل من عظم ثواب بعضهم استحقاق الإمامة فقال سبحانه وتعالى : ((وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا)) [التصريح بالمذهب الصحيح ، من مجموع الإمام حميدان القاسمي (ع)] ، وقال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : ((فصحح الإمامة لمن كان غير ظالم من ذريته، .. ، وقال تعالى: {وَجَعَلْنَا مِنْهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا لَمَّا صَبَرُوا )) [العقد الثمين في تبين أحكام الأئمة الهادين] ، وقال الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) : ((فمن لم يفعل من الإيمان ما فعلوا، ويعمل من الصالحات كما عملوا، فلم يجعل الله له إيمانا ولا إسلاما، فكيف يجعله الله في الهدى إماما ؟! وإنما جعل الله الإمام مَنْ هدى بأمره، وعُرِفَ بالجهاد في الله مكان صبره، كما قال الله لرسوله، صلى الله عليه وعلى آله : ﴿ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا، وكانوا بآياتنا يوقنون)) [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي ، كتاب الرد على الرافضة في الوصي والحجّة] ، وقال الإمام القاسم الرسي (ع) : ((ثم أخبر تعالى عما جعل من الإمامة في بني إسرآئيل، قبل أن ينقل ما نقل منها إلى ولد إسماعيل، فقال :﴿ ولقد آتينا موسى الكتاب فلا تكن في مرية من لقائه وجعلناه هدى لبني إسرآئيل وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا لما صبروا وكانوا بآياتنا يوقنون )) [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي ، كتاب تثبيت الإمامة] ، نعم ! وبهذه النصوص التي أطلقناها للباحث المتيقّظ دون غيره ، لربط أوّل الكلام بآخره ، وآخره بأوّله ، إذ أنّ رسالتنا هذه من أوّلها إلى آخرها إذا لم تُربَط ببعضها البعض فإنّا نشكّ في الفهم الصحيح السليم لها ، والحمد لله تعالى .

=====================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلٌ آخَر على النص من الله سبحانه وتعالى ، على أئمّة بعينهِم ، هو قول الله تعالى : ((إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)) [التحريم :04] ، وموالاة الله وجبريل والملائكة لرسول الله صلى الله عليه وآله مطلقة غير مقيدة! والصلاح في المؤمنين ها هنا مطلق, ولا أحد من غير المنصوص عليه بالصلاح المطلق يقطع بصلاحه مطلقا, فتعين النص على الصالح مطلقا, وهو الإمام. هذا وجه في الإستدلال. ووجهٌ آخر, أن الله أطلق الموالاة ولم يستثنِ منها موردا! فدل على أن صالح المؤمنين موالٍ مطلق لرسول الله صلى الله عليه وآله, ولا يقطع بموالاة أحد لرسول الله مطلقا إلا بنص, فتعين النص على صالح المؤمنين وهو الإمام.

قُلنا : لسنَا نعلمُ ما وجهُ الاحتجاج الذي أوردتموه إخوةَ البحث من هذه الآيَة ، إذ أنّه لا يَدخُل تحت مضمون هذه الآيَة إجماعاً (من الإمامية ، والزيدية ، وما تحكيه بعض روايات أهل السنة) ، إلاّ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، فقول الله تعالى : ((إِن تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)) والِخطاب موجّه لعائشة وحفصة ، وقوله تعالى : ((وَإِن تَظَاهَرَا عَلَيْهِ)) والضمير يعود إلى الرسول (ص) ، ((فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ مَوْلَاهُ)) ، وهذه ولاية مُطلقَة ، ((وَجِبْرِيلُ)) وهذه ولاية من جبريل للرسول (ص) مُطلقَة ، ((وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ)) ، هذا خطابٌ للمفرَد ، وصالحٌ المؤمنين هُو علي بن أبي طالب (ع) ، وعلى ذلك جاءت روايات الزيدية والجعفرية وأهل السنة ، من أنّ المقصود بصالح المؤمنين هو أمير المؤمنين (ع) ، جاء في تفسير السيد محمد حسين الطباطبائي الجعفري : ((والمُرادُ بِصَالح المؤمنين على ما قيل : الصّلحَاءُ مِنَ المؤمنين ، [تأمّل] فَصَالح المؤمنين وَاحِدٌ أريدَ به الجَمع كَقولك: لا يَفعَل هذا الصّالح مِن الناس ، تريد به الجنس ، كقولِكَ : لا يَفعَله مَن صَلح مِنه[م] ، ومِثله قولك: كنت في السّامر والحَاضِر. وفيه قياس المضاف إلى الجمع إلى مدخول اللام فظاهرُ صَالح المؤمنين غير ظاهر " الصّالحِ مِن المُؤمنين ". ووردت الرّواية من طرق أهل السنة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن طرق الشيعة عن أئمة أهل البيت عليهم السلام أنّ المرادَ بصَالح المؤمنين علي عليه أفضل السلام )) [تفسير الميزان :19/332] ، ومنهُ فإنّ الآيَة تدلُ على ولايَة أمير المؤمنين (ع) للرسول (ص) الولاية المُطلقَة ، وإنّما قُلنا المُطلقَة ، لأنّها رافقَت ولايَة الله وجبريل والملائكة في السّياق ، ثمّ لم نجِد أيّ استثناء قد يهزّ هذا الإطلاق في الولاية ، فحَكمنا من هذه الآيَة بِعصمَة أمير المؤمنين ، وأنّه لن يَعدِل عن ولايَة محمّد (ص) ، التي هي الاستقامة على منهجه حقّ الاستقامة ، نعم ! وأمّا أنّ الجعفرية قد يتسلّقونَ هذه الآيَة لإدخال غير علي (ع) تحت ((صالح المؤمنين)) ، فهذا تعسّف ، ليسَ يستقيمُ لهم به دليل ، وليعلَموا أنّ لا دليل على دُخول الحسن والحسين وهُما سيّدا شباب أهل والجنة ، ومن المعصومين تحت ((صالح المؤمنين)) ، لأنّه لا مُخصّص لهم بذلك ، وإنّما التخصيص لأمير المؤمنين (ع) ، وليسَ غيره من الإدخالات للرجال (كالحسن ، والحسين ، وبقية أئمة الجعفرية) ، ليسَ منهُم إلاّ من باب قياس مُطلَق الولاية وانطباق حالِهِم مع حالِ أمير المؤمنين من ناحية الولاية المُطلقَة لرسول اله (ص) ، وهذا منهم لا يُحتجّ بهم علينا لأنّه مجرّد ظنّ واستحسانٍ وقياسٍ ، وليتَ مه هذا كلّه أنّ القياس يُخصّص عدداً أو جِنساً أو لوناً ، بل إنّه قد يُدخِلُ تحتهُ عمّار بن ياسِر (الذي شَهِدَ له رسول الله بالجنة إلى آخر رمقات حياته ، ومَن شهد له الرسول بالجنّة ، كانَت ولايَتهُ قطعاً للرسول واردَة) ، وقد يُدخِلُ تحتَه (أبو ذرّ الغِفَاري رضوان الله عليه) ، وقد يُدخلُ تحتَهُ (سلمان الفارسي) ، نعم ! ثم إنّ هذا الاستحسان والقياس الذي أدخلنَا به هؤلاء الرّجال من الصّحابَة ، ومن أئمة الجعفرية ، تحت ((صالح المؤمنين)) ، لا يدلّ دلالة قاطعَة على عِصمتهم ، كما دلّ دلالةً قاطعةً على عصمة أمير المؤمنين (ع) ، وذلك أنّ الخطاب في أمير المؤمنين فرداً واحداً هو من الله تعالى ، وعلى لسان رسوله (ص) ، وأمّا البقيّة من أئمة الجعفرية ، والصّحابة ، فلم يكنُ دُخولهم تحت مُطلق الولاية ، تحت ((صالِح المؤمنين)) إلاّ استحساناً وقياساً لحالِهم وموقفهم من الولاية المحمديّة ، فهذا وجه قولِنا أنّه لا يُمكن للجعفري أن يحتجّ علينا بالنّص على أئمته الإثني عشر من هذه الآيَة ، أو حتّى بالعصمة ، أمّا إن احتجّ علينا بالنصّ على أمير المؤمنين (ع) وحدَهُ ، وعلى عصمته ، فإنّا نقولُ لهم أنّا مُسلّمون لهذا ، وما زِلنا نحتجّ بهذه الآيَة في الاستدلال على عِصمته (ع) ، ولكنّا لا نستدلّ على عِصمة الحسن والحسين (مع أنّهم معصومين عندنا) ، بهذه الآيَة ، لأنّ الخصمَ لن يُسلّم لنا ، كمَا أنّ عُقولَنا لن تُسلِّم لنا أيضاً ، لا سيّما وأنّ الآيَة خاصّة لا عامّة ، إذا لو كانَت عامّة لكان لأهل الشبهات مرتَع ، ومثالٌ على قولِنا القريب هُو : أن يأتي شخصٌ ويُدخِلُ تحت قول الله تعالى : ((وَتَعِيَهَا أُذُنٌ وَاعِيَةٌ)) ، يُدخلُ تحت هذه الآيَة : حُذيفَة بن اليمان الصحابي ويقول أنّه من المقصودين بها ، وهذا باطلٌ لما للآيَة من خصوصيّة بأمير المؤمنين علي (ع) ، ومثالُنا هذا ينطبقُ على قولِنا السّابق ، فـ ((صالح المؤمنين)) هو علي (ع) دونَ غيره ، ومَن أرادَ أن يُدخِلَ غيرَهُ معه استحساناً وقياساً بقرينة حُسن الولاية للرسول (ص) ، فإنّه لن تنطبقَ عليهم مُطلق الولاية للرسول (ص) التي انطلقَت على أمير المؤمنين (ع) ، والتي يُستنتج منها النصّ والعصمة ، على أنّ حالها في إثبات العِصمَة أظهَر ، والأمران (إثبات النّص وإثبات العصمة) مُتلازمَان ، والحمد لله ربّ العالمين .

==================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ودليلُ العقل على وجوب النّص على الأئمّة ، إجماعُ العُقلاء على أنّ بَقاء الشّعوب بغير قِيادَة يتمخّض عنه الفَوضى والفسَاد على جَميع الأصعِدة! ، فَوجَب عَقلا نَصبُ قَائد تأمَن به البلادُ مِن الفَساد! ، ولو خُيِّر العَاقل بين قائد لا يُصلح شيئا ، وقائد يُصلح في بعض الأمر دون بعضه الآخر وقائد يُصلح في كل أمر لاختارَ مَن يُصلح كل أمر! ، فلِعلم الله عز وجل بمَا أجمعَ عليه العُقلاء ، ولعلمِه بِعَجزِهِم عن مَعرِفَة مَن يَصلح فِي كل أمر! ، ولعلمِه أنّ فِي وجود هذا القَائد الذي يصلح في كل أمر ، حثّ على الطاعة وزجَر عن المعصية.. اقتضى لُطفُه بِعبَادِه إزالة عَناء البَحث عن مُصلِحٍ فِي كلّ أمر عبر الأجيال! ، بِبيانِه لهُم وَنصبِه قَائدا لهم .. وهُو عَينُ مَا تقولُه الإمامية , إذ أنّ الإمَامَةَ لُطفٌ عِندَهم وكل لطف واجبٌ عَقلا مِن قِبَل الله عز وجل , فيجب عَقلا نصب وتعيين الأئمة من قِبَل الله عز وجل.

قلنا : اعتراضكم هذا علينا ، يجرّ وراءه سَيلٌ من التناقضات التي وقعَت فيها الجعفرية ، إذ هي تحتجُ علينا بما هُو حجّةٌ عليها ، وليسَ بحجّةٍ علينا ، وذلك أنّكم أوجبتُم الإمامة النصيّة ، لمّا استلزمَ عقلاً أنّ الأمّة بحاجةٍ إلى قائدٍ يقودُها إلى الطريق المستقيم ، وقلتُم أنّ الإمام لُطفٌ مِن الله تعالى يحتاجهُ العباد ، وأثبتُم أنّ بقاء الشعوب بدون قيادَة سيتمخّض عنه الفسادُ على جميع الأصعِدَة ، ومن هذا كلّه ، هَل عَلِمتُم أنّ نظريّتَكُم في الإمامة سابقاً (في عهد الأئمة قبل المهدي ، أي قبل الغيبة) ، ولاحقاً (في زمن غيبة ابن الحسن العسكري) ، هل عَلمتُم أنّ نظريّتكم في الإمامة سابقاً ولاحقاً حقّقَت هذا اللطف إلهي الواجب عقلاً مِن قِبلَ الله تعالى ، واللطف بلا شكّ نتاجُه الهدايَة ، والهِدايَة طريقُها الدّعوة ، وطريقُ الدّعوة ركائزُهُ قائمةٌ على الجهر بها ، فَهل علمتُم معشر الجعفرية (مُنصِفين) أنّ الإمام الصّادق (على مذهبكم) قد أبلغَ الجَهد في إيصال لُطف الله الذي استُودِعَ فيه إلى مَن يطلُبُه مِن العِباد ؟! ، خصوصاً والجعفرية يروون عن الصادق (ع) ، ما راوه ثقتهم الكليني : ((عن ثابت بن سعيد قال: قال أبوعبدالله : يَا ثَابت !! مَالَكُم وللناس، [تأمّل] كُفوا عن الناس ولا تَدعوا أحَدا إلى أمْرِكم، فَو الله لو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمَعُوا على أن يَهدوا عبداً يُريدُ الله ضَلالته مَا استطاعُوا على أن يَهدوه ، ولو أنّ أهل السّماوات وأهل الأرضين اجتمعوا على أن يُضلوا عبداً يُريد الله هِدايته مَا استطاعُوا أن يُضلوه ، كفّوا عن النّاس ولا يقولُ أحَدٌ : عمّي ، وأخِي ، وابنُ عمّي ، وجَاري ، فَإنَّ الله إذا أرادَ بِعبدٍ خَيرا طَيّبَ رُوحَهُ فَلا يَسمَعُ مَعروفاً إلا عَرَفَه ، ولا مُنكراً إلا أنكَرَه ، ثمّ يَقذِف الله فِي قلبه كَلمَةً يَجمَعُ بِها أمرَه)) [أصول الكافي:1/165] ، فأين اللطف الذي أصلُهُ الهدايَة للناس ، وأنتم تَصِفون (الصادق أعزّه الله) بِترك مِنهاج الدّعوة حتّى مع الأقربين من النّاس ، والله سُبحانه وتعالى يقول لرسوله (ص) : ((وَأَنذِرْ عَشِيرَتَكَ الْأَقْرَبِينَ)) ، ثمّ هل إنكار وصدّ كفّار قريش كان عائقاً مِن عدم قيام الدّعوة المحمديّة ؟! أليسَ الله يَعلمُ أنّ أبا لهبٍ لن يُؤمن ، فلماذا دَعاه الرّسول (ص) معَ مَن دعا من عشيرته للإنذار والإبلاغ ؟! ، هل أنذرَ الإمام اللطف جعفر الصادق (ع) عشيرتهُ الأقربين (أبناء الحسن والحسين) ليتمّ مَا أجمعَت عليه العُقلاء (كما ذكرتُم) من حاجَة النّاس لقوّادٍ يهدونَهم ويُعلّمونهم منهج الحق من منهج الباطل ، هَل أخبرَ الصّادق ابنه (الذي من صُلبِه) ، نعني محمد بن جعفر بأنّ الإمام بعده هُو أخوه موسى الكاظم ، فإن كانَ ، نعم ! قد أخبرهُ أبوه بذلك ، وإنّما محمّد على رفعة منزلته وجلالة قدره ادّعى الإمامة الزيدية جحوداً بمنزلة أخيه موسى ، واستنكاراً وكُفراً بالإمامة الجعفرية الربّانيّة ، فعند ذلك سنقول سلّمنا لكم بهذا القول الفظيع ، ولكن أخبرونا لماذا لم يُخبر الصّادق ربيبه وابن عمّه الحسين (ذو الدمعة) ابن زيد بن علي ، والحسين هذا فهو الذي تربّى في حجر الصادق وله من العمر أربع سنوات بعد مقتل أبيه زيد بن علي (ع) ، نعم ! لماذا لم يُخبر الصّادق الحسين بن زيد بإمامة نفسه الإمامة الربّانية ، لماذا لم يُتمّ الهداية الإلهية التي أوجبَها الله عليه كإمامٍ زمان ، وقائدٍ للعالَم ، إن قلتُم : بلى قد أخبرهُ بذلك . قُلنا : فما بالُ الحسين بن زيد كان جناح جيش الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن ، وأحد المُبايعين له ، ومحمد بن عبدالله هذا هو الغاصبُ الإمامة من ابن عمّه جعفر الصادق ، وهو المقدوح فيه على لسان السيد الخوئي ، وعلى لسان الباقر بل إنّه سمّاه الأحول المشئوم ، والله المُستعان ، ومنهُ ، فإنّ إخبار الصّادق لربيبه الحسين بن زيد غير واردٌ البتّة ، إلاّ أن يُقال أنّ حال الحسين بن زيد في الجحود ، والكفر بالإمامة كحالِ محمد بن جعفر الصادق ، كحال النفس الزكية محمد بن عبدالله بن الحسن ، كحال النفس الرضيّة إبراهيم بن عبدالله بن الحسن صاحب وقعة باخمرى ، كحال الحسين الفخي الحسين بن علي بن الحسن بن الحسن المثنى ، فإن قلتُم بهذا ، وأنا أُعيذُكم (ممّا هُو للأسف ثابتٌ عندكم وعليكُم) ، فما دَورُ أئمتكم السّابقين لعصر الغيبة في الهدايَة وقيادَة الزمام للأمّة ، ما هو دورُ اللطف الإلهي الواجبُ عقلاً ؟! ، حقّا لم يكن علي والحسن والحسين بهذه السّلبيه في القيام بأمور الدّعوة ، بل إنّهم كانوا يجتهدون في إيصال الحقّ إلى طالبيه ، رغم تعرّضهم للظروف العصيبَة ، فهل اكتفى الحسين السبط (ع) بمنهج الصادق في الدّعوة لمَا جازفَ بنفسه وأهله في معركةٍ غير مُتكافئة من أجل إعلاء كلمة الله تعالى ، (ولستُ بهذا الكلام أعيبُ الصّادق إلاّ من وجهة نظر الجعفرية ، لا من وجهة نظر الزيدية ، لأنّ الزيدية تنظُر إليه على أنّه المُجتهدُ في الدّعوة والمُناصرَة بالبيعة والدّعاء لإخوته وبني عمومته من سادات بني الحسن والحسين) ، نعم ! فهذا إخوة البحث والتنقيب والتفتيش شيءٌ مما قد يُنتقدُ على قوّاد العَالَم وأئمّتهم ، المعاصرين لما قبل عصر الغيبة ، أي المعصرين للناس والمعايشين لهم ، فكيفَ بإمام الزّمان الغائب الذي لم يُعايشهُ النّاس ، ولم يُعايشهُم ، ولم يقٌم بلُطف الله الواجب عقلاً والذي لأجله نصّ ونصَّب!! الأئمة ، فهل هذا الكلام منكم أخي الجعفري إلاّ حِبرٌ على ورق ، لا أصلَ له على أرض الواقع ، نعم ! الحقيقة أنّا نُقرّ لكم أنّ كلامَكَم في الإمامة نموذجي ، من أنّه المفروض ألاّ يُغادرَ الرسول (ص) إلاّ وقد نصّبَ أئمةً بأسماءهم وأعيانهِم إلى يوم القيامَة ، واحداً بعد واحِد ، لكي لا تختلف الأمّة ، أو قولوا لكي لا يتسّع اختلافها ، فهذا كلامٌ رائقُ ليسَ أي مُكلّف من أمّة محمّد يكرهُ تحقّقه على أرض الواقع ، ولكنّه لا دليلَ عليه لا من كتابٍ ، ولا من سنّة صحيحةٍ ، ولا عن طريقٍ العقل السليم المُقيَّد بأحكام الكتاب والسنّة ، فالجعفريّة قالَت بأصل النظريّة السّابقة من اقتضاء اللطف في تعيين الأئمة بالأسماء لكي يكونوا الرّكن المُصلِح والقائد للبشريّة ، ثمّ لم نَجِد من أئمّتهم إبرازاً آثار هذا اللطف ، بَل وزادوا الغلو عندما حددوا عدد الأئمة ، والزمان غير محدّد بزمَن معلومٍ للنّاس ، كما غَلَوا وأفرطوا عندما قَالوا بوجوبٍ لُطف ينتفعُ به العباد وهُو غير موجودٌ ظاهرٍ للعباد ، على مرّ مئات السنين ، وزيادةً على هذا كلّه فإنّهم تكلّفوا تفسير القرآن ليُوافقَ ماذهبوا إليه ، واعتمَدوا نصوصاً عددية اسميّة عن رسول الله (ص) لم يروها غيرُهم على سبيل القوّة ، نعم ! كلامُ الجعفرية هذا في الإمامة كلامٌ نموذجيٌّ مفروضٌ منعَ الابتلاء الإلهي منه ، ألا ترى أخي في الله أنّ المفروض والشيء النموذجي في أصله ، أن يكونَ الله قد قضى على إبليس حينَ عصاه ، ولكنّ سنّة الله في الابتلاء الإلهي جعلتهُ يُمهلهُ إلى يوم الدّين ، مع سابق علمه بأنّه سينشرُ الفساد في البر والبحر ، والسهل والجبل !! ، لكي يَبلُوا النّاس مَن يُطيعُه ممّن يُطيعُ إبليس ، فالمفروض شيء أخي في الله والواقعُ شيءٌ آخر ، والابتلاء سرٌّ من الأسرار التي تَمنعُ حصول المفروض ، ألم ترى الله تعالى يقول : ((أَمْ حَسِبْتُمْ أَن تَدْخُلُواْ الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللّهُ الَّذِينَ جَاهَدُواْ مِنكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ)) ، وقال تعالى : ((وَلِيَبْتَلِيَ اللّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحَّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ وَاللّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ)) ، وقول الله تعالى : ((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَاءتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا وَجُنُودًا لَّمْ تَرَوْهَا وَكَانَ اللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرًا {33/9} إِذْ جَاؤُوكُم مِّن فَوْقِكُمْ وَمِنْ أَسْفَلَ مِنكُمْ وَإِذْ زَاغَتْ الْأَبْصَارُ وَبَلَغَتِ الْقُلُوبُ الْحَنَاجِرَ وَتَظُنُّونَ بِاللَّهِ الظُّنُونَا {33/10} هُنَالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالًا شَدِيدًا {33/11} وَإِذْ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ مَّا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ إِلَّا غُرُورًا)) ، نعم ! فالابتلاء لأمّة محمد (ص) ، في بني فاطمة ، هُو ابتلاءين اثنين ، الأوّل : ابتلاءٌ من الله تعالى لجميع أمّة محمد (ص) ، ليرَى هل سيجتهدوا في طلب وجه الحقّ عند بني فاطمة ، هل يجتهدوا في البحث عن ما رَسمَه الله والرسول لهم بخطوطٍ عريضة منهجيّة (في حديث الثقلين والسفينة وأمثالهما) ، وهي التمسّك بجماعة ولد الحسن والحسين ، هل يَجتهدوا في البحث عن عُلمائهِم حقّا حقّا الذين مازالوا مُحافظين على مذهب السّلف الفاطمي صاحب الإجماع المعصوم عن مفارقَة القرآن والحقّ ، هل يجتهدون في الوقوف على دَعوات آل محمّد (السّابقين بالخيرات) في الشرق والغرب وينضمّوا تحتَها ، ويكونوا لها أعواناً وأنصاراً ، هل يجتهدون في الوقوف على عُلماء آل رسول الله (ص) (من المقتصدين) ليتعلّموا من علمهم ، وينتهلوا من مَنهَلِهِم ، أرادَ الله تعالى أن يَبتلي هذه الأمّة بهذا العموم من الأسرة الفاطميّة ، أرادَ الله أن يبتلي الأمّة هل يتدبّرون القرآن ، وحديث الرّسول ، وهل سيَمنَعُهُم كِبرُهُم من التسليم لمحمد وأهل بيته سادات بني الحسن والحسين ، أم أنّ الإنصاف سيغلبُ ، والاتّباع للمتبوعين سيتحقّق ، فيكون هذا هُو الفوز العظيم ، نعم ! هذا الابتلاء إخوتَنا الجعفرية هُو الابتلاء الذي منعَ من النّظرة المفروضة (نعني تسلسل النّص على الأئمّة بدون انقطاع إلى يوم الدّين ، وبدون أعداد) ، نعم ! وأمّا الابتلاء الثّاني ، فهو خاصٌّ ببني فاطمة : فهو ابتلاءٌ ابتلى الله به جماعَة بني الحسن والحسين ، حين اصطفاهُم وفضلّهم على غيرهم من العرب والعجم ، وجعلَ الإمامة والحقّ لا يَخرُج منهُم ، ابتلاءٌ يُريدُ الله من خلاله أن يُمحّص المُجتهدين في جانب إرضاء الله تعالى ، وإيصال الحجّة إلى العباد ، بالدّعوة إلى سبيل الله تعالى بمُختلف المراتب ، السيف ، والعِلم ، والموعظَة ، ابتلاءٌ من الله تعالى ليعلمَ من خلاله من سيجتهدُ في حمل الأمانة ممّن سيُفرِّط ، ومنه لو تأمّلنا جهودَ أهل البيت (ص) في إقامّة الحجّة ، ونشر الدّعوة لوجَدنا فعلاً أنّهم كانوا يُحسّون بِعِظَمِ هذا الابتلاء المُلقَى على عواتقِهم ، فنجدُ عُلماء بني الحسن والحسين لا يَهنأ لهُم بالٌ ، ولا يستريحُ لهُم قرار ، ودَعوة الله والرسّول (ص) غير قائمة ، الظّلم مُنتشر ، والعقائد في فسادٍ مُستمرّ ، خرجَ الإمام علي بن أبي طالب (ع) على معاوية بن أبي سفيان عندما وجدَ منه ظُلماً وسيرةً مُهدّدة للدين الإلهي المحمدّي ، خرجَ (ع) وهو يقول : ((وَ لَقَدْ ضَرَبْتُ أَنْفَ هَذَا الْأَمْرِ وَ عَيْنَهُ وَ قَلَّبْتُ ظَهْرَهُ وَ بَطْنَهُ فَلَمْ أَرَ لِي فِيهِ إِلَّا الْقِتَالَ أَوِ الْكُفْرَ بِمَا جَاءَ مُحَمَّدٌ (ص))) [نهج البلاغة خ43] ، والإمام الحسن بن علي (ع) هُو القائل مُختطباً الناس (بخطبة مشهورة عند الجعفرية) بين يدي والده (ع) : ((أيّها الناس أجيبوا دَعوة أميركُم فانفروا إلى إخوانكم والله لئن يَلِي هَذا الأمر أولو النُّهَي فإنه مثل في العَاجل والآجل ، وخَيرُ لكم في العَاقبَة ، [تأمّل] فَأجيبوا دَعَوتنَا على ما ابتُلِينا به وابتُلِيتُم)) ، وكذلك قال الحسن بن الحسن (ع) عندما وُجّهَت إليه دَعوات ابن الأشعث للبيعة والخروج وإقامَة الحجّة ، قال (ع) : ((مَالِي رَغْبَةٌ عَن القِيام بِأمْرِ الله، ولا زُهدٌ في إحيَاء دِين الله ، ولَكن لا وَفَاءَ لَكُم، تُبَايُعونَنِي ثُمّ تَخْذُلُونَنِي)) [المصابيح لأبي العبّاس الحسني] ، فأصرّ عليه القوم ، وتَعهّدوا عِندَهُ بالسّمع والطّاعة ، وحُسنَ الائتمَام ، فلَم يَجِد الحسن (ع) بُدّاً من القيام بفرض الإمامة والأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكر ، كما لم يَجِد عمّه الحسين السبط (ع) سابقاً بُدّا من الخروج وكُتب أهل الكوفَة تتوافدُ عليه من كلّ حَدبٍ وصَوب ، نعم ! وكذلك الحال مع الإمام زيد بن علي (ع) ، فإنّه كان يحترقّ وهو يُحسّ بالأمانة المُلقاة عليه كفردٍ من عائلةٍ فاطميّة جعلَ الله على مسؤليّتها الاجتهادُ في الدّعوة إلى كتاب الله تعالى ، وإلى سنّة رسوله (ص) ، يحترقُ (ع) والظّلم مُنتشرٌ ، والعدلُ غائبٌ ، والدّين قد تُؤوّل على غير وجهه الصحيح ، فقال (ع) : ((يا معشر الفقهاء، ويا أهل الحجى أنا حجة من الله عليكم هذه يدي مع أيديكم على أن نقيم حدود الله ونعمل بكتاب الله)) ، وإنّما استشعرَ الإمام زيد بن علي (ع) حُجيّته على النّاس عندما أحسّ وأحسّ من حولَه من إخوته (وعلى رأسهم الباقر) أنّهم قد وصلَ إلى مرتبةٍ من الصّلاح تُؤهّله للقيام بفرض الإمامة ، وتؤهّله لوجوب الإقبال من النّاس على دَعوته الجامعَة غير المُفرّقة ، والإمام الباقر (ع) ، فقد استعلمَ هذا المعنى في أخيه زيد (ع) ، فجاءهٌ جماعةٌ يسألونه عن البيعَة بالإمامة هل يُعطونَها لزيد ، فقال الباقر (ع) : ((بايعُوه فإنّه اليومَ أفضَلُنا)) [رواه الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين في كتاب معرفة الله عزّ وجل] ، نعم ! وكذلكَ كانَ الآباء الحسنيين والحسينين يُربّون أبناءهم على منهج الدّعوة ، وإقامَة الحجّة ، والقيام بواجب الابتلاء الذي ألقاهُ الله على عاتقِ بني فاطمة ، فهذا الإمام زيد بن علي (ع) وهو يُنازعُ آخر رمقات حياته يُوصي ابنه يحيى بن زيد فيقولُ له : ((مَا فِي نفسك؟ قال [يحيى (ص)] : أن أجُاهِدَ القوم والله ، إلاّ أن لا أجد أحداً يعينني ، قال [زيد] : نعم يابني جَاهِدهم ، فوالله إنّك لعلى الحق وهم على الباطل ، وإنّ قتلاكَ فِي الجنة وقتلاهم في النار)) [المصابيح لأبي العبّاس الحسني] ، وكذلك الحال مع بني الحسن (ع) ، فإنّهم أصرّوا على تجرّع الأذى والويلات ، وأن يُساقوا جماعاتٍ جماعات إلى سجن أبي الدوانيق العبّاسي مُضحّين بأنفُسهِم فِي سبيل إنجاح ثورة ودَعوة الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله (ع) ، وكذلك في التضحية والإيثار بالنفس والمال والولد من إدريس بن عبدالله (ع) ، إلى محمد بن جعفر الصادق (ع) ، إلى محمد بن إبراهيم طباطبا صاحب الكوفة ، إلى الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي (ع) ، الذي قال : ((والله لولا كرامَة الله ، ما نَظرتُ إلى هذا الأمر "يعني القيام بالدعوة والإمامة)) [سيرة الهادي إلى الحق (ع) :53] ، وقال (ع) مُتكلّما عن حجمَ الابتلاء الواقعُ عليه كفردٍ فاطمي (والذي قد كان وقعَ على سلفه معشر الفواطم) ، قال (ع) : ((والله الذي لا إلهَ إلاّ هُو ، وحقّ محمد مَا طَلبتُ هذا الأمر ، مَا خَرجتُ اخياراً ، [تأمّل] ولا خَرجتُ إلاّ اضطراراً لقيام الحجّة عليَّ ، ولَوَددتُ أنّهُ كانَ لي سَعةٌ في الجلوس ، وكيف لي بأن يَسَعَني الجلوس عن هذا الأمر الذي أنَا فيه مَزمومٌ بِزمام ، .. ، فما وَجدتُ إلاّ الخروج أو الكفر بما أنزلَ الله على محمد (ص) )) [سيرة الهادي إلى الحق (ع) :52] ، نعم ! فسادات بني الحسن والحسين (ع) ، كانوا ينظرونَ إلى أن أنّ الحجّة لازمَةٌ لهم وعليهم بالقيام بأمور الدّعوة (متى تغافل النّاس عنها) وأنّها واجبَةٌ عليهم ، وكان الهادي إلى الحق (ع) يقول وهو ذاهب إلى اليمن لإقامة حجّة الله بالدّعوة : ((والله لئن لَم يَستَوِ لي في اليَمن أمرٌ لا رَجَعتُ إلى أهلي ، أو أضرِبَ الشرق والغرب حتّى أُقيمض لله حجّته)) [سيرة الهادي إلى الحق (ع) :50] ، وللإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) كلامٌُ رائقٌ حول نص الجعفرية على الأئمة بالأسماء والأعداد ، وأنّه لو صحّ هذا لكان بنوا فاطمة أفرحَ النّاس به ، لأنّه سُيبعدُ عنهم الابتلاء ويُريحهُم أيّما راحَة ، ولكن لا سبيلَ إلى ذلك ، فلا دليلَ ينهضُ عند تقارُع الحجج ، ونَصب الكتاب والسنّة حكمَين ، وتاريخ سادات بن الحسن والحسين السّابقين مُرجّحات ، نعم ! ومنهُ أخي في الله ، قد أطلنَا هُنا ، لنستحضِرَ جميعاً ونؤمنَ أنّ النّظرة النموذجيّة الكاملَة المفروضة بوجودها في هذا الكون يكون التّكليف على المُكلّفين أقلّ وأسهَل ، إذ أنّ من نموذجيّات الحياة ، هو عدم وجود إبليس لَيعبُدَ النّاس الله على التّمام بلا وسوسة ولا انحراف ، ومن النموذجيّات أن يكون جميع النّاس مخلوقين مُجبرينَ على الطّاعة ليُطيعوا الله ويَعملوا فلا يكونُ هُناكَ كافرٌ على وجه الأرض ، ومن النموذجيّات في الحياة ألاّ يُنعِمَ الله على كافرٍ بنعمةٍ قليلةٍ أو كثيرَة ، وأن يكونَ حالُ المؤمنين هو الرّفاهيّة في العيش والترفّل في النعيم ، لأنّ مَن أطاعَ الله أحقّ بنعم الله ، والإنعامُ على الكُفّار يفتنَ المؤمنين ، ولكن معشر العُقلاء ، هل تحقّق هذا كلّه ؟! أليسَ الابتلاء الإلهي منعَ من حصول النّظرة النموذجيّة المفروضَة (على أنّ نظرة الجعفرية في الإمامة النصيّة الإمام بعد الإمام ليسَت نموجيّة كاملَة ، لوجود الغيبَة ، والغيبَة تُخالف على النموذجيّة في طريق الدّعوة والهداية من المعصومين إلى يوم الدّين) ، نعم ! اللهم صلّ على محمد وآل محمّد ، لسنَا بحاجة إلى ترديد الكلام ، وإعادة شرحَ مكان النّص الجُملي على بني فاطمة ، ووقوع الابتلاء على النّاس من الله بطاعتهم ، ووقوع الابتلاء من الله على بني فاطمة بالاجتهاد لتحقيق شرط الصلاح والقيام بالدّعوة .

نعم ! ، إن قيل : مادام هذا قولُكم في الابتلاء ، وأنّه واردٌ من الله في حقّ العباد ، ثمّ أنتُم تقولون أنّ مهمّة الأئمّة هي الدّعوة والهدايَة ، فلماذا اعترضتُم علينا عندما قُلنا : بأنّ غياب إمامنا الثاني عشر المهدي المنصوص عليه ، هُو من باب ابتلاء الله للعباد ، حتّى يعلمَ الله الصّابرين المؤمنين من غيرهِم ، والابتلاء يقف حجر عثرةٍ في طريق المفروض والنموذجي (والمفروض هو قيام الأئمة بالدّعوة والهداية ، وقد تعذّر هذا المفروض مع ابتلاء الله للعباد بغياب المهدي ) ، نُريدُ جواباً شافياً ؟!! .

قُلنا : ليسَ كلامُكم القريبُ هذا إلاّ نابعٌ من عدم فهمٍ لمعنى الابتلاء الذي لا يَتعارَضُ معناه مع قيامٍ الحجّة على المُكلّفين ، فجميعُ ابتلاءات الله لبني الإنسان لا تُسقِطُ الحجّة الإلهيّة عليهِم ، ولتفهيمٍ أيسر وأسهل وأسلَس ، سنقُسّم الابتلاء من الله للعباد ، إلى ابتلاءين اثنين :

الابتلاء الأوّل : هُو أن يَبتلي الله العباد بفرضِ طاعته وعِبادَته ، فيأمُر أبوهُم آدَم بهذا ، ويأمرُهُ أن يُعلّم أبناءه ، ثمّ بعد موت آدم لم يُرسِل الله رَسولاً ، ولا نبيّاً ، ولا كتاباً ، ولا مَلَكاً ، ولا وَحياً ، ولا حدّد الهُدى والدّعوة في جماعةٍ من النّاس بحيث أنّ الحقّ لن يَخرُج من عندهِم إلى يوم الدّين ، نعم ! لم يَبعث الله ولم يُرسل أو يُحدّد شيئاً من هذا كلّه ، من موت آدم إلى قيام السّاعة (وبين موت آدم والساعة آلاف السنين أو ملايين السنين) ، وإبليسُ يمرحُ ويسرحُ مُجتهداً مُتفنّناً في إغواء عباد الله ، فهذا الابتلاء أخي في الله ليس بواردٍ ، والله تعالى مُنزّهُ عنه ، ففيه تكليف للنّاس بأكثر من طاقتهم ، والكتاب جزمَ بعدم تكليف الله للعباد إلاّ بما يُطيقون .

الابتلاء الثّاني : هُو أن يَبتلي الله العباد بفرض طاعته وعبادته ، فيأمُرُ أبوهم آدم بهذا ، ويأمره أن يُعلّم أبناءه ، ثمّ بعد موت آدم (ع) ، لم يَزل الله تعالى مُقيماً حجّته على العباد ، بإرسال الرّسل تَلو الرّسل ، وحصر الحقّ والفضل في جماعات ، كما حصل وأن فضّل بني إسرائيل وجعل الإمامة فيهم ومنهم للصالحين ، وكما حصلَ وأن فضّل بني فاطمة وجعل الإمامة منهم وفيهم للصالحين ، نعم ! ولم يَزل الله يَنزل الكتب السماوية تباعاً ، والوحي غير مُنقطع عن أنبيائه ورسله ، إلى خاتم الأنبياء والُمرسلين ، فلمّا أراد الله انقطاع النبّوة بعد الرسول (ص) ، جعلَ لأمّته كتابٌ محفوظٌ لا يأتيه الحقّ من بين يديه ولا من خلفه (القرآن العظيم) ، فهذا منه حجّة على أمّة محمّد وتيسيرٌ في التكليف والابتلاء ، ثمّ زادَ الله تعالى لمّا عَلِمَ أنّ أمّة محمد ستفترقُ حول تأويل وتفسير وتدبّر القرآن ، فجعلَ جماعةً فاطميّة لن يَنقطع عُلمائهُم (أئمةً أو مُقتصدين) إلى يوم الدّين ، جعلَ الحقّ معَهُم غير خارجٍ من دائرتهِم ، وهُنا خففّ الله الابتلاء الذي سيحصُلُ بسبب الاختلاف حول الكتاب ، وبعد هذا كلّه من الله تعالى ، أوكلَ الابتلاء بعد التيسير والتخفيف وعدم استحالَة النجاح فيه ، أوكلَهُ إلى العباد ، وقال : هذا كتابُ ربّكم محفوظ مصونٌ عن التحريف ، وهذه سنّة نبيّكم وحديثه الصحيح والسّقيم موجود في دفاتركم ، وهذه عترة نبيّكم جماعةٌ موجودةٌ على الأرض ، تعيشُ بينُكم ، السبيل إلى الوصول إليها غير مُستحيل ، وقد ضمنتُ أنّ الحقّ لن يَخرُج من دائرة عُلمائها المُواصلين لنهج وإجماعات آبائهم الفاطميين أباً فأباً، إلى علي بن أبي طالب (ع) ، نعم ! هُنا تأمّل هذا الابتلاء من الله تعالى ، تجدهُ غير مُستحيل التطبيق ، بدليلِ وقوفِ جماعَة من النّاس على جميع الخيوط التي تؤدّي إلى النّجاة ، وبالتالي فقد اجتازوا ابتلاء الله بكل نجاح وتفوّق ، خرجوا إلى الدّنيا غير مُكلّفين ، وبعد أن كُلّفوا نظروا إلى كتاب الله تعالى فوجدهُ يُشيرٌ إلى اصطفاء أقوامٍ وجماعات (كما مرّ في آياتٍ سابقة) ، ثم نظر إلى حديث رسول الله (ص) ، فوجد الأمة أجمعَت على أحاديث صحيحة تحثّ النّاس على الاقتداء بجماعات غير مُحدّدين أو محدودين معدودين يُسمّون أهل البيت ، فتوجّه الباحث عن النّجاة إلى هذه الجماعة الفاطميّة الحسنية الحسينيّة يُريدُ الحقّ والهُدى ، فإذا هُو يجدُ منهُم ثلاث طوائف كما أخبر الكتاب العزيز ، ظالمون لأنفسهِم عاصون لله تعالى ، وهؤلاء لا حاجَة للمكلّف بهم وهُم على ذلك الحال ، ثم وجد الطائفة الثانية عالمَة عابدَة مُقتصدَة تدرّس وتُعلّم النّاس ، ووجدَ طائفة ثالثة : تدّعي الإمامة وتقوم بالعلم والعمل والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر ، وكانوا على منهج الزيدية من المُسلمين ، ثمّ سافر هذا المكلّف إلى بلادٍ أخرى فوجد فاطميون آخرون يَدعون الله ويتعبّدونه على مذهب الجعفريّة ، ثمّ سافر المُكلَّف فوجد أناساً فاطميون يتعبّدون الله بمذهب أهل السنة والجماعة ، فأصبحَ المُكلّف حائراً ، الكتاب والسنّة تدلّ على جماعات فاطميّة ، وأنّ الحقّ لن يَخرُج عنهم إلى ورود الحوض ، وأنا قد بحثتُ واجتهدتُ (بُغية إرضاء الله واجتياز الابتلاء بالوصول إلى المنهج المستقيم المضمون عدم مفارقته للحق) ، نعم ! قد بَحثتُ واجتهدت عن جماعات بني فاطمة هؤلاء فوجدتُهم أصحاب مذاهب مختلفة ، فمَن مِنهُم الظّالمون لأنفسهِم حقّاً (ويدخلُ في صفة الظّلم للنفس العُلماء الفاطميين الذين اقتبسوا من غير علوم آبائهم فتمذهبوا بمذاهب شتّى غير مذاهب آبائهم) ، ومَن منهُم المُقتصدون حقّا (المُلتزمون بكتاب الله تعالى ومنهج آبائهم أباً فأباً إلى علي (ع)) ، ومَن منهُم السّابقون بالخيرات الدّعاة حقّاً (الُملتزمون بكتاب الله تعالى ومنهج آبائهم أباً فأباً إلى علي (ع)) ، هُنا لا سبيلَ ولا طريقَ أمام المُكلّف إلاّ استعراض حال بني فاطمة هؤلاء من أوّل السلسلة (من عند علي بن أبي طالب) ، لا من وسطها (منتصف الزّمان) ، ولا من آخرها (زمان حياة الُمكلَّر الباحث عن الحق) ، فينظُر في كلام أمير المؤمنين ، وأفعاله ، ويَعرضُ مصاديقها على هذه الفرق الفاطمية المختلفة ، ثمّ ينظرُ إلى الحسن والحسين أفعالهم ، وأقوالهم ، ويعرضُ مصاديقها على هذه الفرق الفاطمية المختلفة ، ثمّ ينظرُ إلى علي بن الحسين ، وإلى الحسن بن الحسن ، وإلى زيد بن الحسن ، وإلى الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض ، وجعفر الصادق ، ومحمد النفس الزكية ، والحسين الفخي ، وموسى الكاظم ، والحسين بن زيد بن علي ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإدريس بن عبدالله المحض ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، وأحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، والقاسم بن إبراهيم الرسي ، وعبدالله بن موسى بن عبدالله المحض ، ,, إلخ ، نعم ! ثمّ ينظُر الباحث المجتهد عن الحقّ إلى مذاهب هؤلاء الرّجال الُمتقدّمين الذين يسبقُ إلى الظنّ أنّهم أصحابُ مذهبٍ واحد ، وكيانٍ واحِد ، بدليل إجابة بني الحسن لداعي بني الحسين في الخروج والثورة وإقامة الحجّة ، وإجابة بني الحسين لداعي بني الحسن في الخروج والثورة وإقامة الحجّة ، وبدليلِ عدم ورودِ ما يُعارضُ هذا الذي يسبقُ إلى الذّهن من كونهِم على مذهب واحد ، فيعمل الباحث على استعراض أقوالِهم ، وأفعالهم ، وعرضها على عقائد الفاطميين المختلفين في مذاهبهم ، ثمّ ينتقلُ الباحث إلى المرحلَة الأخرى ، وهي تتبّع السلسة الفاطمية من وسطها (منتصف الزّمان ، من بعد القرن الثالث الهجري احتياطاً) ، فينظُر على ما اجتمعَت سُلالة أولئك السّابقين ممّن ذكرنا وممّن لم نذكرُ من سادات بن الحسن والحسين ؟! على ما اجتمعَت عليه من المذاهب والمشارب ؟! على ما اجتمعَ سوادُهم ، لأنّ سوادَهَم لا شكّ سيكونُ مُتأثّراً بأسلافهِم وآبائهِم ، على اختلاف البُلدان والإقامات ، فعندها سيجدُ الباحث يقيناً وقطعاً وجزماً ، أنّ سادات أهل البيت في الحجاز ومكة المكرمة كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بني الحسن والحسين في اليمن كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بني الحسن والحسين في المغرب كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بني الحسن والحسين في جيلان وديلمان وطبرستان (بلاد إيران حالياً) كانوا على مذهب الزيدية ، وأن سادات بني الحسن والحسين في الكوفة كانوا على مذهب الزيدية ، وأن سادات بني الحسن والحسين في المخلاف السليماني كانوا على مذهب الزيدية ، وأنّ سادات بن الحسن والحسين في اليمامة من مناطق نجد كانوا على مذهب الزيدية ، إلى قرون مُتاخّرة ثمّ زاد الجهلُ بالنّاس ، وطرأ ما طرأ بهِم فتمذهبوا بمذاهب غير مذاهب آبائهم ، فأصبحَ السنّي منهم يُعوّل على مذهب وأقوال وترجيحات أحمد بن حنبل أو الشافعي أو أبوحنيفة أو مالك ، ويحتجّ بقول ابن تيمية ، وابن القيّم ، وابن عبدالوهّاب ، والأشعري ، دون قول آبائه سادات أهل البيت ، فهؤلاء في الحقيقة قد بتروا التسلسل الحاصل ، قلم يتُعد أصل عُلومهم عن آبائهم أباً ، فأباً ، إلى علي بن أبي طالب (ع) ، وعند النّظر إلى الفرقة الزيدية ، نجدُ أنّ تسلسلُ العلماء الفاطميين الحسنين والحسينين ما زالوا مُحافظين عليه ، وما زالوا يُشيدون بالعصبة الفاطمية الزيدية التي بالكوفة والحجاز وطبرستان ويعتبرونَهُم لهم سلفاً ، ثمّ إنّ المقتصدين أو السّابقين بالخيرات منهم لم يَنقطع وجودهم عن وجه الأرض زمنٍ ما (من بعد رسول الله (ص) ، وهُم الوحيدون من بين الفاطميين الذين يُشيدون ويحثّون النّاس على التمسّك بالإجماع الفاطمي ، ويعتمدونَ عليهم في فقههم وعقيدتهم ، ويُقدّمون أقوالَهم وعلى أقوالِ غيرهِم ، فسلسلة الزيدية المَرضيّة لم تُبتَر ولم تنقطع فعلاقتهم بسلفهم قائمٌة مستقيمة ، ولمزيد بيان انظر بحثنا ((السادة الأشراف وعلاقتهم بالمذهب الشيعي الزيدي)) ، نعم ! وبعد هذا كلّه فإنّ الباحث قطعاً (إن كان من أهل المَلَكة والإنصاف) ، سيستطيعُ اجتيازَ امتحان الله تعالى له ، فيصلّ إلى برّ الأمان ، ويفوز فوزاً عظيماً ، قال الله تعالى : ((أَحَسِبَ النَّاسُ أَن يُتْرَكُوا أَن يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ {29/2} وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ)) [العنكيوت] ، نعم ! وأمّا مذهب الجعفرية فإنّه خلاءٌ من تبعيّة سادات بني الحسن و الحسين لأئمتهم ، فلا عبدالله المحض كان مُقرّا بإمامة نصيّة جعفريّة ، ولا عيسى بن زيد بن علي كان مُقرّا بإمامة نصيّة جعفريّة ، ولا الحسن بن الحسن بن الحسن كان مقرّاً بإمامة نصيّة جعفرية ، ولا الحسين بن زيد بن علي كان مقرّ بإمامة نصية جعفرية ، ولا محمد وإبراهيم وإدريس ويحيى وسليمان أبناء عبدالله المحض كانوا يُقرّون ويُسلّمون بالإمامة النصيّة الجعفرية ، ولا محمد بن جعفر الصادق ، ولا زيد بن علي بن الحسين ، ولا إبراهيم بن موسى الكاظم ، ولا زيد بن موسى الكاظم ، كانوا يُقرّون بإمامة نصيّة جعفريّة ، ولا محمد بن إبراهيم طباطبا ، ولا القاسم (الرسي) بن إبراهيم طباطبا ، ولا أحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، ولا عبدالله الرضا بن موسى بن عبدالله المحض كانوا يُقرّون بالإمامة النصيّة الجعفريّة ، فهؤلاء كانوا أبرأ النّاس وأعدى النّاس للنظريّة الجعفريّة النصيّة بشهادَة الجعفرية (على بعضهِم) في كتبهم ، فانظُر تراجمهم في معجم رجال أهل الحديث للسيد الخوئي تجدُ العجب العُجاب ، فهل كان جميع هؤلاء السّادة جاحدون كافرون بفرض الإمامة ، وما كانت ثوراتهم إلاّ للاستيلاء والمُلك ؟!! هذا دليلُ العقل الذي يجعلُ الباحث الُمكلّف يستثني مذاهب الفاطميين المُتمذهبين بمذهب الجعفرية ، إضافة إلى عدم شهادة الكتاب ولا السنة بوجود أدلّة على وجود أناس منصوصٍ عليهم محدودين معدودين في أمّة محمد (ص) إلى يوم الدّين ، نعم ! اللهم صلّ على محمد وآل محمد ، خرجَ بنا شجون الكلام عن أصل مسألة الابتلاء (وإن لم يكُن كثيراً) ، إلاّ أنّنا نُعيد ربطَ أول الكلام بآخره ، وآخره بأوّله ، فنقول : أنّ هذا النّوع من الابتلاء (أي أصل الابتلاء) الذي ضربنا به المثال مع المكلّف الباحث لايُعترض عليه البتّة ، لأنّ المُكلّفين قادرين اجتيازِ هذا الابتلاء ، والوقوف على هؤلاء الفاطميين الموجودين بين النّاس ، المُعايشين لهم ، والُمخالطين لُهم . نعم ! وهُناك فائدة فرعيّة تُوجّه لمِنَ استبعدَ أن تكون إرادَة الله هي الابتلاء للعباد بالبحث عن أهل الحق من بني فاطمة على اختلاف مذاهبهم ، وهُنا يُسأل هذا المُعترِض ، عن واجبِه تجاه حديث رسول الله (ص) الذي (لم يتكفّل الله بحفظه وصيانته عن التحريف ، كنوع من الابتلاء أيضاً) ؟! إن قال : واجبٌ علينا التمحيص والتدقيق والتفتيش عن الصحيح الموافق للكتاب فنثبته ، والضعيف المخالف للكتاب فنتركه . وعندها سنقول : وكذلكَ عليك واجبُ البحث أقوال بني فاطمة التي لا تُخالف الكتاب ولا السنة ، ولا تُخالف على إجماعات سلفهم السّابقين من بني فاطمة ، ولو تتبّعتَ ما فعلَهُ المكلّف الباحث في مثالِنا القريب لوجدتَ الحقّ ظاهراً ، بإذن الله تعالى .

فإن قيل : فما رأيكم بعد كلامكم هذا في الابتلاء من الله تعالى على العباد على شرط الجعفرية ، هل هُو من الابتلاء الأوّل المُستحيل الوصول إلى الحقّ من خلاله ، أم أنّه من الابتلاء الثّاني الذي لا يُستحال معه الوصول إلى الحقّ ، كما أثبتُم ذلك على قول الزيدية ؟!

قُلنا : لكمُ الحُكم يا سادَة ، كتابٌ محفوظٌ ، وسنةٌ مُختلفٌ حولَها ، وأئمةٌ قبل عصر الغيبة مُفترضٌ أن يكونوا هُداة الأمّة ، ولُطف الله في أرضه (على مذهب الجعفرية وحدّ قولهم) ، حَصروا العِلم في خواصّ خواصّ أصحَابهِِم دون بقية النّاس !! [انظر الرواية الأولى أسفل هذا المقطع] ، ومَن جاءهُم واستفتاهُم أعملُوا معهُ منهج التقيّة فأفتوهُ بغير الصّواب في المسألَة !! [انظر الرواية الثانية] ، وكذلك لم يُعلّموا خواص خواصّهم بأنّ الأئمة المنصوص عليهم هم اثني عشر اسماً وعدداً ، حتى أن عُضداء الإمام والمُقرّبون إليه لم يَكونوا يَعلمونَ مَن هُو الإمام بعد الإمام !! [انظر الرواية الثالثة] ، ثمّ بعد هذا كلّه يفترض الله على العباد ابتلاءً أن يعرفوا هؤلاء الأئمة ، وأن ينتهجوا بنهجِهم ، فإن كان الطريقُ إلى هؤلاء الأئمّة مقطوعاً بحصر العِلم وعدم نشره ؟! فكيف السبيل ياربّ العالَمين ، لاجتياز هذا الامتحان والابتلاء هُل ابتلاءٌ يُستحالُ الوصول إلى سبيل النجّاة من خلاله (وأنتَ منُزّه عن هكذا ابتلاء ياربّ العالمين ، إذ أنتَ لم تُكلّفنا مالا نُطيق) ، الجواب حول نوع هذا الابتلاء على منهج الجعفرية سيتّضح بعد استعراض حال إمامهم الأخير (عصر الغيبة) ، إذ تكليف الله لنَا ما زال مُستمراً ، وهو الاهتداء بُهدى الإمام ، باحثٌ مُكلّف أشعري المذهب ، أمَامَهُ كتاب الله ، وأهل الإسلام مختلفون في تأويله ، وأمامه سنة رسول الله وأهل الإسلام مختلفون في التصحيح والتضعيف والتأويل ، إلاّ أنّ الإجماع من السنة والكتاب هو أنّ هُناك سبيل نجاة وهم علماء أهل البيت ، فاتّجه هذا الباحث الأشعري إلى أهل البيت عندَ الجعفرية لكي يستضيءَ بهُداهُم ، ويتفهّم الحقّ على ألسنتهم ، فأخبروه أنّ ممثّل أهل البيت ليسَ إلاّ إمامٌ واحدٌ في هذا الزّمان ، وهو محمد بن الحسن العسكري ، أجابَ الأشعريّ الباحث وأين طريقَه لكي يقومَ لي بفرض الله عليه وهي هدايتي ، كنا قُمتُ أنا بفرض الله عليّ وهو إبلاء الجُهد في البحث عن أهل البيت ، فعندها سيقول له الجعفرية أنّه غائبٌ لا نستطيع نحنُ ولا أنتَ الوصول إليه !! فيردّ الجعفرية : فهل كلّفني الله وابتلاني بطاعَة مَن لا أستطيع الوصول إليه ، وليسَ أعلمُ له طريقٌ ولا مكانٌ ولامسكنٌ ولا مَوضِعٌ على وجه البسيطة ؟! كيف هذا والأمّة أجمعَت أن تكليف الله لنا هُو بقدر طاقَتنا !! ، فإن ردّوا عليه فقهاء الجعفريّة (أصحاب ولاية الفقيه ، وأصحاب الحوزات العلمية) ، فقالوا : ولكن هُناك حلّ لتأخُذَ بهُدى الإمام ومنهجه ، وهُو أن تأخُذ ما جاء به عُلماء وفقهاء ومُحدّثي الجعفرية ، فإنّ الإمام المهدي الغائب حثّ النّاس على الأخذ عنهم في زمن غيبتِه ؟! فعندها يُجيب الأشعري قائلاً : أنّي لم أُؤمَر إلاّ بالأخذ عن عُلماء أهل البيت ، وأنتُم أخبرتُوني أنّه على مذهب الجعفرية ، ليسَ إلاّ عالمٌ مُطلَقٌ واحد وهو المهدي الغائب ، فلستُ أركنُ إلاّ إلى مَن أوصاني الله بالأخذ عنه ، والاهتداء على يديه ، ثمّ إنّي قد راجعتُ كتُبَكُم وروايات مُحدّثيكم فوجدتُكم تختلفون ، وتُرجّحون ، وتجتهدون ، وتُضعّفون ، وتُصحّحون حسبَ آرائكم المتفاوتة بانين على الظنّ ، وهو خلاف رأيكم في اشتراط العصمَة المُطلقَة للحصول والوصول إلى الهِدايَة المُطلقَة ، فهدايَتي المُطلقَة على يد الإمام الُمطلَق ، الذي لم تدلّوني على مكانه ، وحسب قولكم من أنّه غائب من عام المائتين والستين إلى يوم النّاس هذا ، فإنّي أتسائلٌ عن لُطف الله هذا الُمتعسّر الوقوف على ثمرته وفائدته ، فهو من الله ابتلاءٌ لنا لسنا نقف على أطرافه ، فمن عاش قَبلنا وكان مُجتهداً في طلب الحقّ ثم لم يقف عليه فالعُذر معه ، والحقّ له ، لأنّه لا سبيل إلى الوقوف على اللطف الإلهي وهو غائبٌ غير موجودِ ، فهو والعَدمُ سواء ، فإذا قصَدنا الجعفرية لم نجد إلاّ فقهاءً وعُلماء كسائر عُلماء المذاهب الأخرى ، لم نَجد إلاّ فقهاءً جعفريين منهُم القائلون بالنحريف للقرآن ، ومنهُم مَن لا يَقول ، بغضّ النظر عن القلّة أو الكثرة في القائلين أو النافين ، ومنهُم مَن يكُفر جماعة من الصحابة ثبتَ خطأهُم ، ومنهُم مَن لا يُكفّر ، ومنهُم مَن يقول بالعصمة في حقّ الرّسل والأئمة حتّى من السّهو ، ومنهم مَن يَلعنُ مَن قال بالعصمة من السّهو في حقّهم ، ومنُهم من يقول بتنزيه الله تعالى عن الجسميّة ومنهُم مَن يقولُ بالتجسيم المُطلق كمشائخ القميين ، ومنهُم يحكم على بعض رجال الأحاديث بالضعف ومنهُم مَن يقوي نفس الرّجال الذي حكم عليهِم السّابقون بالضّعف ويترتّب على هذا تضعيف رواياتٍ صحيحة ، أو تصحيح روايات ضعيفة عن الأئمّة المعصومين ، نعم ! ومن هذا كلّه وعليه فإنّ الوصول إلى مَن أوجبَت الجعفريّة النّص عقلاً لأجله (وهو احتياج الشّعوب إلى قائدٍ وهادٍ ليقودهُم في مُختلف الأصعِدة) قد سقطَت الثمرة منه ، وليسَ له وجودٌ عند العُقلاء ، وليسَ الحجّة على العباد إلاّ مَن أقامَ الحجّة عليهِم وسعى وبذلَ نفسه ونفيسه في سبيل إتمامها ، ألا تَرونَ أنّ الله تعالى لم يكُن ليحتجّ على النصارى بعيسى بن مريم لو أنّه رفعه إليه بعد ولادة مريم له مُباشرة (أي قبلَ أن يراه النّصارى) ، ولم يكُن ليعتبرَهُ لُطفاً ، ولم يكُن ليُلزم النّصارى بالبحث عنه وهو غائبٌ لا موضعَ له معروف ، ولا جماعةٌ له مُخالطون ، فإن أنتَ أخي الباحث وقفت على مغزى كلامنا هنا ، فقف على أنّ الجعفرية بنَت عقيدتها على شيء نموذجيّ مُبالغ فيه ، يمنع قانون الله في الأرض (وهو الابتلاء) من تحقّقه ، إضافةً إلى ذلك فإنّ الابتلاء على شرط الجعفرية (القائل بالغيبة في حقّ الدليل المُطلَق إلى النّجاة ، واللطف الإلهي) هُو ابتلاءٌ مُستحيلٌ من خلاله الخروجُ بنتيجةٍ أو هدايةٍ من هذا الإمام (الغائب) ، والله مُنزّهٌ عن كل ابتلاء (فيما يخصّ نجاة العباد ومعرفة الصراط المستقيم) ثمّ هُو لم يجعَل للعباد مخرجاً من خلاله يجتازونَ هذا الابتلاء ، ليحصلوا على الدّرجات العُلى ، ويَفوزوا الفوز المُظفّر ، والله فهو الرّحمن الرحيم ، والعليم الحكيم ، ولا حِكمَة في أن يقولَ الأب لابنه اذهب إلى المدرّس الذي في المدرسة المجاورة وتعلّم على يديه ، فإن تعلّمتَ ، أعطيتُك الجائزة ، فيذهبَ الابن إلى المدرسَة فلا يجدُ مُدرّساً ليتعلّم على يديه ، والأب قد اشترطَ التعليم والفهم لكي يُعطِيَ ابنه الجائزة ، وعليه فلا سبيل لأن يأخُذَ الابن الجائزة لأنّه لم يتعلّم ، وعدم تعليمه ناتجٌ من عدم وجود المُدرّس ، وهذا هُو عينُ واقعنا مع المهدي الجعفري ، اللطف الذي جعلتهُ الإمامية ذريعَة إلى القول بوجوب النّص على الأئمة بالاسم والعدد ، والله المُستعان ، وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين .

الراوية الأولى :

* روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده : ((عن فضيل بن يسار قال: قلت لأبي عبدالله (ع) : نَدعو الناس إلى هَذا الأمر؟ فقال: لا يَا فضيل!! ، إنّ الله إذا أرادَ بِعبدٍ خيرا أمَر مَلكا فأخذ بعنقه ، فأدخله في هذا الأمر طَائعا أو كَارِهَا)) [ أصول الكافي :!/167] .

الرواية الثانية :

* روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده : ((عن زرارة بن أعين، عن أبي جعفر (ع) قال: سَألته عن مَسألةٍ فَأجابني ، ثمّ جَاءه رَجُلٌ فَسأله عنها ، فَأجابه بِخلاف مَا أجابني!! ، ثمّ جَاء رَجل آخَر فأجَابَه بِخِلاف مَا أجَابني وأجَاب صَاحِبي!! ، فلمَا خَرَج الرّجًلان . قلت : يَا ابن رسول الله ، رَجُلان مِن أهل العِراق مِن شيعتكم [تأمّل أنّهما من الشيعة!!] ، قدِمَا يَسألان ، فَأجبت كل واحد منهما بغير مَا أجبت به صَاحِبه؟ فقال : يَا زُرارة ! إنّ هذا خَير لنَا ، وأبقَى لنَا ، ولكن لو اجتمَعتم على أمر واحِدٍ لصَدّقكم النّاس عَلينا ، ولكَان أقلُّ لِبقائنا وبَقائكُم)) [أصول الكافي :1/65] .

الرواية الثالثة :

* [تأمّل هذه الرواية جيّدا ففيها فوائد جمّة ، وبعد أن تُنهي قراءتها ، فاعلم أنّ البخاري ورواة الحديث الذين رَووا خبر الاثني عشر أميراً بالعدد (دون الاسم) ، أفضلُ حالاً من جعفر الصادق (على شرط الجعفرية وعين مذهبهم) ، لأنّه لم يُعلّم أصحابهُ بالأمراء أو الخلفاء الإثني عشر لاعدداً ، ولا إسماً ، حتى استشكلَ الأمرُ على كبار كبار كبار أتباع الصّادق ، ولم يَعرفوا مَن هُو الإمام بعد الصادق ، وهذا دليلٌ على أنّهم غير عارفين لخبر الإثني عشر عددا واسماً ، إذ لو كانوا به عالِمين ، ما احتاجوا إلى حيرةٍ وبُكاءٍ في الأزقّة ، فانظر هذه الرواية ] ، روى ثقة الجعفرية محمد بن يعقوب الكليني ، بإسناده ، ((عن هشام بن سالم [وهو أحد أصحاب الصادق المقربين عند الجعفرية] ، قال: كنّا بالمدينة بعد وفَاة أبي عبد الله (ع) أنا وصاحب الطاق [وهو أيضاً من المقربين جدا عند الصادق بإجماع الجعفرية] ، والنّاس مُجتمعون على عبد الله بن جعفر أنه صَاحب الأمر بعدَ أبيه ، فَدخلنا عليه أنا وصَاحِب الطاق والنّاس عندَه ، وذلك أنّهم رَوَوا عن أبي عبد الله (ع) أنه قَال: إنّ الأمر فِي الكبير مَا لم تكن به عاهة ، فَدخلنا عليه نَسأله عمّا كنا نسأل عنه أباه ، فسألناه عن الزكاة في كم تجب؟ فقال: في مائتين خمسة، فقلنا: ففي مَائة ؟ فقال : دِرهمان ونصف . فقلنا: والله ما تقول المُرجئة هذا ، قال : فرفع يده إلى السماء ، فقال: والله ما أدري ما تقول المُرجئة ، قال: [تأمّل] فخرَجنا مِن عندِه ضُلالاً لا ندري إلى أين نتوجّه أنا وأبو جعفر الأحول ، فقعَدنا فِي بعض أزقة المَدينة بَاكين حيَارى لا نَدرِي إلى أين نتوجه ولا مَنْ نقصِد؟ ونقول: إلى المُرجئة؟ إلى القدرية؟ إلى الزيدية؟ إلى المعتزلة؟ إلى الخوارج؟، فنحنُ كذلك إذ رأيتُ رجلا شيخا لا أعرفه، يومِي إليَّ بيده فخفت أن يكون عينا من عيون أبي جعفر المنصور ، وذلك أنه كان له بالمدينة جواسيس ينظرون إلى من اتفقت شيعة جعفر (ع) عليه، فيضربون عنقه، فَخفت أن يكون منهم فقلت للأحول: تنحَّ فإني خائف على نفسي وعليك ، وإنما يريدني لا يُريدُك ، فتنحَّ عنّي لا تهلك وتُعينَ على نفسِك ، فتنحَّى غير بَعيد ، وتبعت الشيخ وذلك أني ظننت أني لا اقدر على التخلص منه فما زلت أتبعه وقد عزمت على المَوت حتى وردَ بي على باب أبي الحسَن (ع) ، ثم خَلاني ومَضى ، فإذا خادم بالباب فقال لي : ادخل رحمك الله، فدخلت فإذا أبو الحسن موسى (ع) فقال لي ابتداءً منه : لا إلى المرجئة ولا إلى القدرية ولا إلى الزيدية ولا إلى المعتزلة ولا إلى الخوارج إليَّ إليَّ فقلت جعلت فداك مَضى أبوك؟ قال: نعم ، قلت: مضى موتا؟ قال: نعم، قلت: [تأمّل] فمَن لنا مِن بعده؟ فقال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قلت جعلت فداك إن عبد الله يزعم أنه من بعد أبيه، قال: يريد عبد الله أن لا يُعبَد الله، قال: قلت: جعلت فداك فمَن لنا مِن بَعده؟ قال: إن شاء الله أن يهديك هداك، قال: قلت: جعلت فداك فأنت هو؟ قال : [تأمّل] ، لا، ما أقول ذلك، قال: فقلت في نفسي لم اصب طريق المسألة، ثم قلت له: جعلت فداك عليك إمام؟ قال: لا فداخلني شئ لا يعلم إلا الله عزوجل إعظاما له وهيبة أكثر مما كان يحل بي من أبيه إذا دخلت عليه، ثم قلت له: جعلت فداك أسألك عما كنت أسأل أباك؟ فقال: [تأمّل] سَل تُخبَر ، ولا تُذِع، فإن أذعت فهو الذبح، فسألته فإذا هو بحر لا ينزف، قلت: جعلت فداك شيعتك وشيعة أبيك ضُلال [أي لا يعرفون أنّك الإمام ، ومنه لا ندري ماهو دور جعفر الصادق في الهداية والقيادة للأمّة إن كان كبار أصحابه كهشام بن سالم ، ومومن الطاق الأحول ، وصغار شيعته لا يعرفون الإمام بعد الإمام حتى ضلّوا ، نعم ! أرادَ هشام بن سالم أن يقوم بدوراً في الهداية أكبر من دور الإمام المنصوص عليه المعصوم جعفر الصادق ، وذلك أنّه طلب من موسى الكاظم ، أن يقومُ بإخبار النّاس بأمر إمامته ، فقال هشام للكاظم : ] فألقى إليهم وأدعُوهم إليك؟ وقد أخذتَ عَليّ الكتمان؟ قال: مَن آنستَ مِنه رَشدا فألق إليه وخذ عليه الكتمان فإن أذاعوا فهو الذبح - وأشار بيده إلى حلقه - قال: فخرجت من عنده فلقيت أبا جعفر الاحول فقال لي: ما وراءك؟ قلت: الهدى فحدثته بالقصة قال: ثم لقينا الفضيل وأبا بصير [وهما من كبار أصحاب الصادق (ع) ثم مع هذا لم يكونا يعلمان الحديث الإثني عشري بالعدد والاسم] فَدخلا عليه وسمعا كلامه وساءلاه وقطعا عليه بالإمامة ، ثم لقينا الناس أفواجا فكل من دخل عليه قطع إلا طائفة عمار وأصحابه وبقي عبد الله لا يدخل إليه إلا قليل من الناس، فلمّا رأى ذلك قال: مَا حال الناس؟ فَأخبِرَ أن هشاما صدّ عنك الناس، قال هشام: فأقعدَ لِي بالمدينة غير واحِدٍ ليضربُونِي)) [أصول الكافي :1/352] .

=============
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : ثبتَ لدينا ولدى الزيدية ، أنّ رسول الله (ص) ، قال : ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به ، لن تضلّوا من بعدي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليَّ الحوض )) ، وثبتَ أيضاً أنّ رسول الله (ص) ، قال : ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح مَن ركبَها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى)) ، وقال (ص) : ((أهل بَيتِي أمَانٌ لأهل الأرض كمَا أنّ النجوم أمَانٌ لأهلِ السّماء، فويلٌ لِمَن خَذلهم وعَاندَهُم)) ، نعم ! فهذه الأحاديث المحمديّة ، تدلّ على عترةٍ وأهل بيتٍ قُرِنَ التمسّك بهم بعدم الضلال ((لن تضلّوا)) ، وعدم مفارقَة الحقّ (( لن يفترقا)) ، وقُرنوا بالنجّاة ((من ركيها نجا)) ، وقُرنوا بالأمان في الاتّباع لهم ((أمانٌ لأهل الأرض)) ، فهذه الأحاديث أخي الزيدي في المُتابَعة لأهل البيت ، فهي إمّا أن يكونَ المُرادُ منها على شرطكم ، أنّ جميع بني فاطمة (ذرية الحسن والحسين) مُقارنون للكتاب غير مفارقون له (وهذا باطلٌ إجماعاً) ، وإمّا أن يكون جميعهم مُفارقون للكتاب غير مُلازمين له (وهذا باطلٌ أيضاً إجماعاً) ، وإمّا أن يكونَ منهُم طائفةٌ مُقارنةٌ للكتاب مُلازمةٌ له واجبةُ الاتّباع ، وطائفةٌ مُفارقَةٌ للكتاب غير ملازمَة له وهي غير واجبَة الاتّباع ، نعم ! ومنه أخبرونا معشر الزيدية عن هذه الطائفة من الفاطميين التي لا تُخالفُ الحق ، وهي مُلازمة للقرآن ، وفي الانتهاج بنهجها يكون الأمان ، وتكونُ النجاة ، أليسَ في هذا الإخبار بالمُلازمَة المُطلقَة لهؤلاء الفاطميين للحق ، والمُلازمَة المُطلقَة تعني النّص والعصمَة ؟! .

قُلنا : اعلم رحمنا ورحمكَ الله تعالى ، أنّ أهل البيت (ع) ، جميع الذرية الفاطمية ، مُكلّفةُ حالُها كحالِ سائر النّاس ، مُكلّفةُ بالإيمان بالكتاب والسنّة والاقتداء مع الاجتهاد في تطبيق نهج آبائهم والعَمل به ليكونوا مثلَهُم في القُدوَة ، وهُم فمتى كانوا مِثلَهُم في القُدوة ، أصبحُوا قُدوةً لمِنَ بعدَهُم ، وواجبُ على مَن بعدَهُم أنّ يتّبعَ سبيلَهُم ، لأنّهم اقتدوا بالكتاب وأقوال وإجماع الأسلاف المجتهدين من بني فاطمة ، مثاله : علي بن أبي طالب (ع) ، والحسن بن علي ، والحسين بن علي ، أجمعَنا والجعفرية على عصمتهم عن القول الفاسد في الدّين ، لمكان النّص الذي ثبتَ عليهِم صلوات الله عليهم ، فعاشَ النّاس بعد موتِ الحسين بن علي (ع) ، ووجدوا من بني فاطمة مِن العُلماء ثلاثَة ، علي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ووجدوا أمامهُم أحاديث ثابتة عن الرّسول (ص) ، وهي أحاديث الثقلين ، والسفينة ، والنجوم ، وكلّها تقول بوجوب التمسّك بأهل البيت (ع) ، وأهل البيت فهم صالحُوا الذريّة الفاطميّة ، وإنّما قُلنا صالحي الذريّة الفاطمية لأنّ الطّالحَ منهُم لن يكونَ أهلاً للاقتداء ، والله قد استثنى إمامته ((لا ينالُ عهدي الظّالمين)) ، ولقرينة المُلازمَة للكتاب ، وحصول النجاة ، تقرّر أنّ المقصود بالاتّباع ليسَ الظّالمين من الذريّة ، بل العُلماء والصّالحين منهم ، نعم ! لم نَجدِ بعد موت الحسين (ع) ، إلاّ علي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، فأردنا تطبيق حديث الرّسول (ص) ، فأتينا هؤلاء الثّلاثَة ، فوجدناهُم يحثّون النّاس على المُتابَعة للكتاب ، ولِما صحّ عن رسول الله (ص) ، ولِما أجمعَ عليه علي والحسن والحسين ، فاجتهدَ هؤلاء الثلاثة في تطبيقِ منهج الله ، ومنهج الرّسول ، ومنهج علي ، ومنهج الحسن ، ومنهج الحسين ، وأفتوا وأصّلوا ما أظهرتهُ عُلومهُم ، فهنا أخي في الله الجعفري لَزِمَ هذا المكلَّف أن يُتابعَ منهجَ علي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، لأنّ عقيدة الثلاثة واحِدَة (على شرط الزيدية) ، وثبوتُ مُتابَعتهِم لآبائهم (علي والحسن والحسين) ، ظاهرٌ في اتّفاقهِم على أنّ ماهُم عليه هُو مذهبُ (الثلاثة) ، وأنّه مذهبُ آبائهِم ، فهذه الطائفة من فروع الذريّة الفاطمية واجبَةُ الاتّباع ، لأنّها تمسكّت بمنهج الكتاب ، وصحيح حديث الرّسول ، وما أقرّه إجماع آبائهم السّابقين ، ( وعلي بن الحسين والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، قد انطبقَت عليهِم هذه الشروط التي بها يكونوا أحدَ مَن يصدُقُ عليهم وجهُ حديث الثقلين والسفينة ، ويجب على النّاس اتّباعهم لأجل انطباق هذه المصاديق عليهم ، فعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، تمسّكوا بمنهج الكتاب ، وصحيح حديث الرّسول (ص) ، وبإجماع سلفهم الفاطمي (علي والحسن والحسين) في الدّين ، فهذه الطّائفة الفاطمية أخي الجعفري التي حقّقت الشروط الثلاثة هي الواجبَة الاتّباع ، وهي التي لن تُفارقَ الكتاب في عقيدتها وقولِها ، لأنّ الله ضمِنَ أنّ اجتماع صالحي الفاطميين هؤلاء لن يُفارقَ الحق ، والحقّ لن يُفارقَهُم ، فحديثُ الثّقلين يتكلّم عن إجماعٍ عُلماء بني فاطمة الصّالحين ، وأنّ هذا الإجماع لن يُفارقَ كتب الله تعالى ، وإجماعُهم يَدخُلُ تحتَهُ طائفةٌ حسنيّةٌ حُسينيّة ، لابدّ أن تتحقّ فيهم شروطٌ ثلاثَة ، الأوّل : الالتزام بمنهج الكتاب . والثّاني : الالتزامُ بصحيح حديث الرّسول (ص) . والثّالث : ألاّ يُخالفوا على ما أجمعَ عليه سلفُهم من سادات بني الحسن والحسين ، فمن تحقّقت فيه هذه الشروط من بني فاطمة ، وجبَ على النّاس الاقتداء به ، والسّمع والطّاعَة له ، لأنّهم لن يُخرجوا النّاس من هُدى إلى ضلالَة ، وكيف يُخرجونَ النّاس من الهُدى إلى الضّلال ، وهُم مُتمسّكون بأصولٍ عظيمة ، كتابٌ ، وسنّةٌ ، وإجماعُ آباءٍ فاطميّ حسنيٍّ حُسينيٍّ معصومٌ ضمِنَ الله ورسوله عدم مفارقتهِم للكتاب ، ولمزيد تفهيمٍ ، سنضربُ على ما سبقَ أمثلةً مًيسّرة : المثال الأوّل : نظرَ المُعاصرون إلى سادات بني الحسن والحسين في أزمانهم بعد النّظر في حديث الثقلين ، والسفينة ، والنجوم ، فوجدوا علي بن الحسين زين العابدين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، فحتّم عليهم البحث أن يعرفوا مَن مِن هؤلاء الثلاثة يصدقُ عليه حديث الثقلين فيكونُ في عقيدته مُلازماً للكتاب ، فنظرَ هؤلاء الباحثون إلى علي بن الحسين ، وأعملُوا المعايير الثلاثَة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال الحسن بن الحسن ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين) ، ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال زيد بن الحسن ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، فاجتمعَ أمرُ هؤلاء الباحثين على أنّ مصاديق حديث الثقلين تنطبقُ على جماعَة حسنية حسينية من أهل عصرهِم ، واجبَة الاتّباع ، وهم علي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، وأنّ عقيدة الثلاثة في الله واحدَة ، وأنّ عقيدتَهُم هي عقيدةُ آبائهم ، فرأيهُم هذا مع رأي سلفهم إجماعٌ فاطميُّ معصوم لن يُخالف كتاب الله تعالى إلى ورود الحوض ، ومَن دانَ الله به فقد ركبَ سفينة نجاةٍ لن تَزيغ . المثال الثّاني : نظرَ المُعاصرون إلى سادات بني الحسن والحسين في أزمانهم بعد النّظر في حديث الثقلين ، والسفينة ، والنجوم ، فوجدوا محمد بن علي الباقر ، وزيد بن علي بن الحسين ، وعبدالله المحض ، فحتّمَ عليهم البحث أن يَعرفوا مَن مِن هؤلاء الثلاثة يصدقُ عليه حديث الثقلين فيكونُ في عقيدته مُلازماً للكتاب ، فنظرَ هؤلاء الباحثون إلى محمد الباقر ، وأعملُوا المعايير الثلاثَة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال زيد بن علي بن الحسين ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال عبدالله المحض ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، فاجتمعَ أمرُ هؤلاء الباحثين على أنّ مصاديق حديث الثقلين تنطبقُ على جماعَة حسنية حسينية من أهل عصرهِم ، واجبَة الاتّباع ، وهم محمد الباقر ، وزيد بن علي بن الحسين ، وعبدالله المحض ، وأنّ عقيدة الثلاثة في الله واحدَة ، وأنّ عقيدتَهُم هي عقيدةُ آبائهم ، فرأيهُم هذا مع رأي سلفهم إجماعٌ فاطميُّ معصوم لن يُخالف كتاب الله تعالى إلى ورود الحوض ، ومَن دانَ الله به فقد ركبَ سفينة نجاةٍ لن تَزيغ . المثالُ الثّالث : نظرَ المُعاصرون إلى سادات بني الحسن والحسين في أزمانهم بعد النّظر في حديث الثقلين ، والسفينة ، والنجوم ، فوجدوا جعفر الصّادق ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكيّة ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإبراهيم بن عبدالله النفس الرضيّة ، فحتّمَ عليهم البحث أن يَعرفوا مَن مِن هؤلاء الأربعة يصدقُ عليه حديث الثقلين فيكونُ في عقيدته مُلازماً للكتاب ، فنظرَ هؤلاء الباحثون إلى جعفر الصّادق ، وأعملُوا المعايير الثلاثَة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال محمد بن عبدالله النفس الزكية ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال عيسى بن زيد بن علي ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال محمد بن عبدالله النفس الزكية ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال إبراهيم بن عبدالله النفس الرضية ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض) ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، فاجتمعَ أمرُ هؤلاء الباحثين على أنّ مصاديق حديث الثقلين تنطبقُ على جماعَة حسنية حسينية من أهل عصرهِم ، واجبَة الاتّباع ، وهم جعفر الصّادق ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكية ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإبراهيم بن عبدالله النفس الرضيّة ، وأنّ عقيدة الأربعَة في الله واحدَة ، وأنّ عقيدتَهُم هي عقيدةُ آبائهم ، فرأيهُم هذا مع رأي سلفهم إجماعٌ فاطميُّ معصوم لن يُخالف كتاب الله تعالى إلى ورود الحوض ، ومَن دانَ الله به فقد ركبَ سفينة نجاةٍ لن تَزيغ . المثالُ الرّابع : يُقالُ في موسى الكاظم ، ويحيى بن عبدالله المحض ، وإدريس بن عبدالله ، والحسين بن علي بن الحسن بن الحسن بن الحسن صاحب فخ ، وعلي بن موسى الرّضا ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، وأحمد بن عيسى بن زيد بن علي ، والقاسم الرسي بن إبراهيم طباطبا ، يُقال فيهم جميعاً مثل القول السّابق ، ويُطبّق عليهم المعايير الثلاثة السّابقة ، والجواب القطعي أنّ عقيدتهم في الله واحدة ، وأنّ عملُهم مُقيّدُ بما أجمعَ عليهم سلفهم الفاطمي السّابق الذّكر ، فهؤلاء من اتّبعَهُم في عقائدهم لن يَخرُج من هُدى إلا ضلالٍ أبداً إلى ورود الحوض . المثال الخامس : نظرَ المُعاصرون للقرن الخامس الهجري إلى سادات بني الحسن والحسين في أزمانهم بعد النّظر في حديث الثقلين ، والسفينة ، والنجوم ، فوجدوا الشريف المرتضى علي بن الحسن بن موسى ، من ذرية إبراهيم بن موسى الكاظم ، حسيني الأصل، ووجدا الإمام القاسم العياني بن علي بن عبدالله بن بمحمد بن القاسم الرسي ، حسني الأصل ، ووجدوا الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني ، من ذرية الحسن بن زيد بن الحسن ، حسني الأصل ، فحتّمَ عليهم البحث أن يَعرفوا مَن مِن هؤلاء الثلاثة يصدقُ عليه حديث الثقلين فيكونُ في عقيدته مُلازماً للكتاب ، فنظرَ هؤلاء الباحثون إلى الشريف المرتضى ، وأعملُوا المعايير الثلاثَة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ (من الكتاب) غير سلفه الفاطمي ، أي يعتمدُ على غير فهم سلفه للكتاب وصحيح السنّة ، وسلفه هم (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض ، وجعفر الصادق ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكية ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإبراهيم بن عبدالله النفس الرضية ، وموسى الكاظم ، ويحيى بن عبدالله المحض ، وإدريس بن عبدالله ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، وعلي بن موسى الرضا ، وأحمد بن عيسى بن زيد ، والقاسم الرسي بن إبراهيم ، وعبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض ) ، وذلكَ أنّ الشريف المرتضى (ع) قد أخذَ عُلومَاً مُخالفةً لعلوم سلفه ، أخذها وهو طفل صغير لم يتجاوز الثامنَة عن الشيخ المفيد الجعفري ، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه ليسَ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ يُخرجُ من الهُدى إلا الضّلال ، لأنّ المعايير الثلاثة لم تنطبِق عليه ، فعلومهُ ليسَت عُلومُ سابقيه من سادات بني الحسن والحسين ، الذين اجتهدُوا على مُتابعَة آبائهِم ، والمُحافظة على إحياء إجماعاتهِم ، فالشريف المرتضى بترَ سلسلة علومه عن علوم آبائه ، فأصبح رجُلاً فاطميّا تابعاً لآراء الرّجال ، ومناهج الرّجال ، دون آراء أهل البيت ، بدليل ردّه على عقائد كثيرٍ ممّن ذكرنَا منهم ، وبهذا خرجَ عن أن يكون مِصداقاً لحديث الثقلين ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال الإمام القاسم بن علي العياني الحسني ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض ، وجعفر الصادق ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكية ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإبراهيم بن عبدالله النفس الرضية ، وموسى الكاظم ، ويحيى بن عبدالله المحض ، وإدريس بن عبدالله ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، وعلي بن موسى الرضا ، وأحمد بن عيسى بن زيد ، والقاسم الرسي بن إبراهيم ، وعبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض )، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً ، ودليلُ مُتابعته هي مُطابقَة عقيدته بعقائد المُتقدّمين ، واعتبارهِ لهم أسلافا يُقتدى به ، وحرصه على إحياء حجيّة إجماع هؤلاء السّلف ، نعم ! ثمّ نظرَ الباحثون إلى حال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني الحسني ، وأعملوا المعايير الثلاثة عليه ، فوجدوهُ مُلتزماً بكتاب الله تعالى ، يستشهدُ في تبيينه وتفسيره على صحيح سنّة رسول الله (ص) ، ويَعملُ بما فهِمَهُ منهُ سلفهم الفاطمي (علي ، والحسن ، والحسين ، وعلي بن الحسين ، والحسن بن الحسن ، وزيد بن الحسن ، ومحمد الباقر ، وزيد بن علي ، وعبدالله المحض ، وجعفر الصادق ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكية ، وعيسى بن زيد بن علي ، وإبراهيم بن عبدالله النفس الرضية ، وموسى الكاظم ، ويحيى بن عبدالله المحض ، وإدريس بن عبدالله ، ومحمد بن إبراهيم طباطبا ، وعلي بن موسى الرضا ، وأحمد بن عيسى بن زيد ، والقاسم الرسي بن إبراهيم ، وعبدالله بن موسى الجون بن عبدالله المحض )، فقطعَ الباحثون أنّ مَن كان هذا منهجُه فإنّه واحدٌ من مصاديق حديث الثّقلين ، وأنّ أخذ العلم عنهُ لن يُخرِجَ من الهُدى إلى الضلال أبداً، ودليلُ مُتابعته هي مُطابقَة عقيدته بعقائد المُتقدّمين ، واعتبارهِ لهم أسلافا يُقتدى به ، وحرصه على إحياء حجيّة إجماع هؤلاء السّلف . نعم ! فاجتمعَ أمرُ هؤلاء الباحثين على أنّ مصاديق حديث الثقلين تنطبقُ على جماعَة حسنية حسينية من أهل عصرهِم ، واجبَة الاتّباع ، وهم الإمام القاسم العياني من ذرية إبراهيم بن الحسن بن الحسن السبط ، والإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني ، من ذرية الحسن بن زيد بن الحسن السبط ، وأنّ عقيدة الإثنين في الله واحدَة وهي الزيدية ، وأنّ عقيدتَهُم هي عقيدةُ آبائهم ، فرأيهُم هذا مع رأي سلفهم إجماعٌ فاطميُّ معصوم لن يُخالف كتاب الله تعالى إلى ورود الحوض ، ومَن دانَ الله به فقد ركبَ سفينة نجاةٍ لن تَزيغ . نعم ! وعلى هذا فقس أخي الباحث ، واعلم أثناء بحثِكَ أنّ مَن كان من الفاطميين يعتمدُ على آراء الرّجال دون آراء أهل البيت ، ويستشهدُ على الحقّ بغير آراء أهل البيت ، كما يعتمدُ البعض على أحمد بن حنبل ، وعلى مالك ، والشافعي ، وأبو حنيفة ، والأشعري ، وابن تيمية ، والذهبي ، دون أهل البيت ، فهو بلا شكّ قد اعتمدَ على علومٍ لم يَضمن الله تعالى بقاءها مع الحقّ إلى ورود الحوض ، فالحقّ هو مع من تمسّك بعلوم العُلماء الفاطميين الذين لم يُخالفوا علوم أسلافهم وإجماعاتهم ، وسَعوا لإحياءها ، وبثّ روح الحياة فيها ، بتعليمها للناس ، ونشرها ابتغاء الأجر من الله جلّ جلاله .

نعم ! فهذه هي الطّائفة التي لن تُخالف الحقّ أخي الجعفري (المُعترِض) ، والتي يَصدق عليها حديث الثقلين ، والسفينة ، والنجوم ، وهذا القَول لا غُلوّ فيه ، ولا تفريط ، وإنّما الغلوّ حقّا والإفراط هُو أن يحثّنا الرّسول (ص) بالتمسّك بأسماء وأعداد محدّدة من الذريّة الفاطميّة ثمّ لا نستطيع الوصولَ إليها ، فيكون الرّسول قد وصّانا بالتمسّك بسرابِ بقيعة ، كما تقّدم بيانه مُفصّلاً في الجواب على الإشكال الأوّل ، نعم ! كما أنّ الإفراط كلّ الإفراط هُو ما ذهبَت إليه الجعفرية من الجرح والقَدح في سواد سادات أبناء الحسن والحسين المُتقدّمين ، عيسى بن زيد بن علي ، وعبدالله المحض شيخ الفواطم ، ومحمد بن عبدالله النفس الزكيّة من اعتقد سواد أهل الإسلام أنّه مهديّ هذه الأمّة لِما ظهرَ عليه من سمات الفضل والعِلم ، ولمّا طابقَ اسمه اسم الرّسول ، واسمُ أبيه اسم أبي الرّسول ، وقدحوا على يحيى بن عبدالله المحض ، وقدحوا على الحسن بن الحسن بن الحسن ، وقدحوا على يحيى بن الحسين بن علي الفخي ، وقدحوا على محمد بن جعفر الصّادق ، وشكّكوا في نزاهَة ثورات بني الحسن والحسين ، وجعلوها لأجل الدّنيا حسداًُ لإمامة بني عمومتهم الإثني عشر !! ، وهذا كلّه قد صدرَ (بالدليل) من الجعفرية ، بما أثبتتهُ رواياتهم عن المعصومين ، بتفاوتٍ بين التصريح والتلميح في أوجهِ هذا القدح ، روى الصفّار في بصائر الدرجات ، رواية تكلّم فيها الإمام الصادق (ع) عن بعض الصحف التي عندهم كالجفر والجامعة ومصحف فاطمة ، وأثناء حديثه ، قال له عبد الله بن أبي يعفور مُتسائلاً : ((أصلحَك الله ، فَيعرِف هذا بنوا الحسَن؟! قال : أي والله !! كمَا يُعرَف الليل أنّه لَيل ، والنّهار أنه نهَار ، ولكن يَحمِلهُم الحسَدُ وطلبُ الدّنيا ، ولَو طلبوا الحقّ لكانَ خَيراً لهُم)) [بصائر الدرجات:171] ، فهذه الشهادة من طريق الجعفرية على أولئكَ السّادة التي كادَت أن تُجمعَ الأمة (إن لم تكنُ أجمعَت) على حُسن مذاهبهِم وطرائقهِم ، وإن كانوا يُجملونَ هذا المديحَ في حقّهم ، دون استعراض عقائدهم والبحث عنها ، لأنّ في البحث عن عقائدهم وربط حالهم بحال أسلافهم ترجيحٌ وإظهارٌ لمذهب الزيدية المَرْضيّة أعلى الله سنامَ دَعوتِها ، نعم ! فهذا من الجعفرية إفراطُ وغلوّ ، كما أنّ الزيدية في نظرتها إلى حديث الثقلين (ومَن هُم الذين تصدُق عليهم مصاديق هذا الأثر) ، لم تُفرِّط أيضاً في دلالة هذا الخبر كما فرّط أهل السنة من المسلمين ، عندما لم يلتفتوا إلى رجال أهل البيت ولا إلى عُلمائهم ، وقدّموا آراء غيرهِم عليهِم ، وهذا تفريطُ وتساهلُ في القول ، وقول الجعفرية إفراطٌ وغلوّ فيه ، وقولُنا بحمد الله ليسَ يُخالف العقل ، وليسَ في إفراطٌ جعلنَا نُخصّص الحجيّة والتبعيّة لحديث الثقلين في أعدادٍ معدودة محدودة لم يثبُت فيها نصّ ، ولم يَثبت عقلاً وواقعاً ملموساً أنّ المكلّف يستطيع التمسّك بهم ، لتشددّ الساّبقين (أئمة الجعفرية قبل عصر الغيبة) في التكتّم وعدم القيام بواجب الهداية للنّاس حتّى على أصحابهِم المُقرّبين كهشام بن سالم ومؤمن الطّاق الحائرَين بعد أبي عبدالله الصادق (ع) ، وكذلك المكلّف لا يستطيع التمسّك بإمام الثاني عشر الغائب (عصر الغيبة) لعدم وجوده ، ولعد قيامه بالدّعوة ، فيصبحُ حديث الثّقلين الدّال على التمسّك بأهل البيت على شرط الجعفرية يتكلّم عن نظريات وهميّة خياليّة لا يُهتدَى إلى طرف نجاةٍ من خلالها ، والجعفرية أنفُسَهم قد أدركوا هذا الخلل ، فرووا روايات عجيبة مفادها أنّ تمسّك النّاس في عصر الغيبة ، يكون تمسّكا بالفقهاء والمراجع ورواة أحاديث أهل البيت ؟! ، الله ورسوله يقولون تمسكّوا بعلماء أهل البيت ورجالهِم الدّاعين إلى الكتاب والسنّة ، والمُحيين لعلوم وإجماعات آبائهم وأسلافهم الفاطميين الحسنيين منهم والحسينيين ، والجعفرية يقولون تمسّكوا بفقهاء وعلماء وراوة حديث المذهب الجعفري ، كالكليني ، والصفّار ، والشيخ المفيد ، والشيخ الصدوق ، والسيد الخوئي ، والخميني ، والخامئني ، وأمثالهم ، وصدقَ عالمُ أهل البيت ومُقتصدهُم ، الحسين بن يحيى الحوثي الحسني الأصل ، المُجتهد بالليل والنّهار لنشر علوم أهل البيت ، وإقامَة الحجّة قدر المُستطاع لطالبيها ، صدقَ عندما قال فِي رسالة وجّهها لطالبٍ حقّ عراقيٍّ وآخَرُ إفريقي سألا عن بعض المَسائل الدينية ، فأجابَهُم جواب العالم المحمديّ المُستنير بنور الكتاب العزيز ، وهدي الرّسول الكريم ، وإجماع آبائه وسلفه من الفواطم الكرام ، فقال رضوان الله عليه مُتكلّما عن الجعفرية : ((وأمّا اعتمَادُهم على الباقر والصّادق والرّضا والكَاظم - عليهِمُ السّـلام - فَهو ذَهابٌ إلى سَراب بَقيعَة ، لأنّهم لا يَروون عنهم إلا بَوسائطَ مِن أسْلافِهم ليسَ فيهم أحَدٌ مِن أولاد النبي - صلى الله عليه وآله وسلم - ، وإنّمَا اعتمَادُهم فِي الحقيقة على هشام بن الحكَم ، وهشام بن سَالم ، وصَاحب الطّاق ، ثمّ على الطَّبَرسِي ، والطوسِي ، والكليني ، والمُفيد ، فَهؤلاء فِي الحقيقة عِندَهُم سَفينةُ نوح ، يَدورونَ مَعهم أينمَا دَارُوا ، وأولادُ الحَسنين عنهَا فِي مَعزل)) . [ الجواب الكاشف للالتباس عن مَسائل الإفريقي إلياس ، ويليه الجواب الراقي عن مَسائل العِراقي ، للسيد العلامة يحيى بن الحسين الحوثي ] . وبهذا وبالصلاة على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين ، نختم الكلام هنا .

===================
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

إن قيل : قد تكلمّتم عن قول الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) ، وأثبتّم أنّ الاصطفاء يدخلُ فيه جميع ذرية الحسن والحسين (ولد فاطمة) ، ونحنُ نُعقّب حول الآية الأصل ، ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا)) ، فنقول أخبرونا إلى مَن يَعودُ الضمير في الآية ((فمنهم)) ، ((ومنهُم)) ، ((ومنهُم)) ، هَل يَعودُ إلى كلمة ((عِبادِنا)) ، أن يعودُ إلى ((الذينَ اصطَفينَا)) .

قُلنا : الضمير في قول تعالى (فمنهُم)) ، و ((منهُم)) في الآيَة ، يَعودُ على قوله تعالى : ((الذينَ اصطَفينا)) ، ولا يَعودُ على ((عِبادِنا)) ، لأنّ العباد في الآية هُم جميعُ الُمسلمين ، فيكون المعنى للآية : ((ثمّ أورثنا الكتاب ، بمعنى جعلَنا فهمه والحقّ فيه وراثَةً لا يَخرجُ عن طائفة من النّاس ، وهُم الذينَ اصطفيناهُم واخترناهُم من المُسلمين ، والله ورسولهُ قد اختاروا ذريّة إبراهيم ، الذين هم أهل البيت ولد فاطمة في عهد محمد (ص) ، قد اختارهُم الله من بين جميع العباد المُسلمين ، ثمّ أخبرَ الله تعالى أنَّ مِن هؤلاء العباد المُصطَفين لتأديَة الأمانة (التي هي القيام بدور الهداية والدّعوة) ، أنّ منهُم (مَن هُو ظالمٌ لنفسِه إمّا بالمعاصي ، وإمّا باقتفاء غير طريق المقتصدين ، والسّابقين بالخيرات من سادات بني الحسن والحسين ، وعدم الالتزام بإجماعاتهم ، فيتمذهب بمذاهب وأقوال وآراء الرجال دون مذهب آبائه من الفاطميين ، فهذا ظالمٌ لنفسه ، وإنّما قال الله تعالى عنهُ ظالمٌ لنفسِه ، لأنّ فعلاً ظلمَ نفسَهُ حظّها وذلكَ أنّ الله جعلَهُ من عائلةٍ فاطميّة لها شرف الهداية والدّعوة والتبليغ ، ولها الأجر الجزيل على ذلك ، ثمّ هُو لم يُقدّر هذه النّعمة فعصى الله تعالى وارتكب المحرّمات ، أو دَعا إلى الله تعالى بما يُخالفُ على إجماع آبائه وسلفه ، دعا الله تعالى إلى مذاهب الرّجال مُقدّما قولَهم على قولِ سلفه من سادات بني الحسن والحسين) ، نعم ! ثمّ أخبرَ الله تعالى أنّ من هذه الذريّة الفاطميّة المُصطفاة ((مُقتصدين)) ، والمُقتصدين هؤلاء هُم العُلماء ، أهل الأصول ، والفقه ، والحديث من بني فاطمة ، هُم مَن كانَ دورُهم الدّعوي أقلّ من دورِ السّابقين ، هُم المجتهدون في العبادة والنسّاكة والزّهد والتدريس والتفهيم لطلاب العِلم ، وهؤلاء المُقتصدين في الآيَة هُم ممدوحين قطعاً ، لأنّهم مُنتهجين بنهج الكتاب ، مُستعينين على تأويله وتدبّره بصحيح السنّة ، ومُلتزمين بإجماعات سلفهم من بني فاطمة سادات بني الحسن والحسين ، وساعين في نشره وتدريسه قد المُستطاع ، كما مِن أبرَز صفاتهم هي التسليم والنقياد والاجتهاد في إجابَة الداّعي إلى الله تعالى ، إجابة الإمام الفاطميّ القائم بالجهر بالدّعوة والذي توفّرت فيه شروط الكمال من العلم والشجاعة والتدبير ومثائلها من صفات الفضل ، ومثالٌ على المُقتصدين هو الحسين بن زيد بن علي (ع) ، فهو عالمٌ ينشرُ مذهب أهل بيته قدر استطاعته ، مُبايعٌ مُعاضِدُ للإمام القائم من بني الحسن والحسين ، إذ لم يمكثُ إلاّ وقد بايعَ الإمام النفس الزكيّة محمد بن عبدالله (ص) عندما قام ودعا إلى نفسه بالإمامة ، فالمُقتصدُ من أهل البيت (ذرية الحسن والحسين) ، هو العالمُ ، العابدُ ، المُعاضدُ والمُبايعُ والمُعين للإمام القائم الدّاعي إلى الله من ذرية الحسن والحسين ، ومنزلته أقلّ من منزلة السّابق بالخيرات ، إلاّ أنّ لهُ دورٌ لا يُستهانُ به في الدّعوة والتدريس والتأليف والسّفر لنشر علوم أهل البيت سلفه الفاطمي صاحب الإجماع المعصوم) ، نعم ! ثمّ أخبرَ الله تعالى أنّ من هذه الذريّة المُصطفاة ((سابقين بالخيرات)) ، والسّابقين بالخيرات ، هُم المُجتهدون في العبادة والنّساكة ، والزّهد ، والورَع ، وتحصيل علوم وإجماعات أسلافهم من آل رسول الله (ص) ، ممّا يحتاجهُ المكلّفون من أمّة جدهم (ص) ، فإذا أحسّ من نفسه هذا الفاطمي أنّها قد لَزمتهُ الحجّة إن لم يَقٌم ويَدعو ويَقوم بواجب الهداية التي ابتلاهُم الله بها ، وجعلَ ثوابَها التفضيلُ والاصطفاء والأجر الجزيل في الآخرة ، متى ما أحسّ الفاطمي بلزوم الحجّة له ، فإنّه يقوم ويَدعو ، فيجتمعُ عليه رجالات الحلّ والعقد وعلى رأسهِم المُقتصدون العُلماء من بني فاطمة ، والعُلماء من الشيعة الأخيار ، فمتى وجدوا هذا القائم الدّاعي كُفؤاً لزِمهُم طاعتهُ وإجابة دَعوته ، ولهُم مسألتُه واختبارهُ وامتحانُ علمه ، وهُم لاشكّ سيعرفونَ حاله من واقع المُعايشَة من ناحية الشجاعة ، فمتى وجدوه كُفأً وجب طاعته والإئتمارُ بأمره ، وهذا هو عين قول أمير المؤمنين (ع) : ((أيّها النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) [ نهج البلاغة خ173] )) ، نعم ! فهذا هُو معنى الآية باختصارٍ وتطويل ، فالظالمُ لنفسه هو الحسني أو الحسيني المُرتكب للمعاصي ، أو حتّى العالم أو الفقيه الذي انتهجَ غير منهج آبائه ، وعكف يُعلّمُ علوماً تنقضُ على علوم آبائه وإجماعاتهم . والمُقتصدُ : هو العالمُ الحسني الحسيني الذي سعى جهده في نشر علوم آبائه ، وهو مُعاضدُ للإمام القائم الدّاعي إلى الله بنشر الدّعوة والجهر بها من بني الحسن أو الحسين . والسّابق بالخيرات : فهو الإمام من بني فاطمة القائم بسيفه (أي القائم بنشر الدّعوة) ، مُجاهداً آمراً بالمعروف ، وناهياً عن المنكر ، مُتقيّدا كما بيّنا بكتاب الله وسنّة نبيّه وإجماعات سلفه ، فهذا دوره في الهداية وتبليغ رسالة جدّه الرّسول (ص) ، أكبر من دور المُقتصِد ، والنّاس مأمورون بالتمسّك بهؤلاء الصّالحين الفاطميين ، والحمد لله تعالى .

إن قيل: فلِمَ مَنعتُم أن يكون الضّمير في آية فاطر : ((فمنهُم) ، ((ومنهُم)) ، عائدٌ على ((عِبادِنا)) ، قُلنا : مَنعنا منهُ سياق الآيَة ، وبلاغَة القرآن ، وهو واضحٌ ظاهرٌ لمن لم يتكلّف وقد تقدّم وجهُ الدلالة والإلزام للجعفرية على لسان أئمتهم من أنّ الضمائر تعودُ على المُصطفين ، وإنّما ذُكرَت ((عبادنا)) لتبعيض الذريّة المُصطفاة منهم .

إن قيل : سلّمنا لكم أنّ الاصطفاء عامّ في جميع الذريّة الفاطمية ، ولكنّه عقلاً لن يَكون الإمام من هذه الطوائف الثلاث (الظالم لنفسها) و (المقتصدة) و (السّابقة بالخيرات) ، إلاّ أصحاب الطائفة الأخيرة لأنّهم أفضلُهم وأعلَمُهُم ، فيكون السّابق بالخيرات هو الوحيد للكتاب ، وهو قولُ الإماميّة .

قُلنا : ونحنُ نقولُ كذلك ، من أنّ السّابقين بالخيرات هم أصحاب الدّرجات العُلى ، فهم المُجاهدون القائمون النّاهون عن المُنكر ، والآمرون بالمعروف ، قال الله تعالى : ((فَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلاًّ وَعَدَ اللّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا)) [النساء:95] ، والمُقتصدون فعُلماء قاعدون ، والسّابقون بالخيرات عُلماء قائمون مُجاهدون ، ففضل المُجاهدين على القاعدين أكبر بنصّ الكتاب العزيز ، ولكنّا لا نَدري ما وجه الرّبط بين تفضيل السّابقين بالخيرات على المُقتصدين والظّالمين ، وجعلكم هذا التفضيل دليلٌ على أنّه قولُكم ، ثمّ أنتُم بعدَ هذا تربطونَ وراثَة الكتاب بالسّابق بالخيرات وحدَه ، هل تَريدون أن تقولوا : أنّ اصطفاء الله لجميع بني فاطمة هُو اصطفاءٌ أوّلي ، ثمّ إن الله تعالى اصطفى من هؤلاء المُصطفين (ذرية فاطمة) اصطفى تسعةً لمرتيَة السّبق بالخيرات ووراثَة الكتاب ، فيكونُ اصطفاءً داخل اصطفاء ، فإن قُلتُم بهذا فقولُكم ناتجُ عن عدم معرفة معنى إيراث الله الكتاب ، فإيراث الكتاب لجماعة بني فاطمة يعني إيراث الحقّ الذي فيه بحيث لا يخرجُ من دائرتهم ، يعني أنّ ضالّهَم يضلّ ولا يضلّون كُلّهم ، فالحقّ سيبقى منهم وفيهم إلى قيام السّاعة ، قال الإمام زيد بن علي (ع) ، وقد سُئلَ عن اختلاف أهل بيته : ((وكَتبتَ تَسألني عن أهل بيتي وعن اختلافِهم ، فاعلم يَرحمُك اللّه تعالى أنّ أهل بيتي فِيهم المُصيب وفيهم المُخطيء [والمخطئ هو الظّالم لنفسه كما مرّ معنا] ، غير أنه لا تكُون هُداة الأمّة إلا مِنهُم ، فلا يَصرِفك عنهُمُ الجاهِلون، ولا يُزهدك فيهم الذي لا يَعلمُون ، وإذا رَأيت الرّجل مُنصرِفاً عن هَدِينا [ يعني عن إجمَاعِنا ودُعاتنِا] ، زاهداً في علمنا، راغباً عن مَودتنا، فقد ضلّ ولا شكّ عن الحق، وهُو مِن المبطلين الضالين ، وإذا ضلّ النّاس عن الحق ، لم تكن الهُداة إلاّ مِنا، فَهذا قولي يَرحمُك اللّه تعالى فِي أهل بَيتي)) [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي : الرسالة المَدنيّة ] ، فوجود الحقّ من إرث بني فاطمة ، فالرّجل إذا ورِثَ شيئاً تملَّكَه ، وجماعَة بنوا فاطمة هُم دائرةٌ الحقّ لا يَخرجُ عنهُم ، فهذا هُو إيراث الكتاب في الآيَة ، هُو إيراثُ الحقّ ، وإيراثُ الحقّ هُو المنهج المحمدي القويم في فهم الكتاب والسنّة وتطبيقهما ، هذا ما كانَ من الخلل الأوّل الذي قد يفهمُ منه المُخالف معنى الإيراث بمعنىً آخَرَ غير وارِد ، والمعنى الثّاني الذي قد يفهم من خلاله المخالِف معنى الإيراث للكتاب هُو أن يظنّ أنّ إيراثَ الكتاب مُلازمٌ للنصّ على الأشخاص المحدودين المعدودين ، كقول القائل : أورثتُ زيداً المال ، فأنا بهذا قد حدّدت ونصصتُ على زيدٍ بعينه ورسمِه ، ونحنُ نقولُ أنّ الأمرَ ليسَ كما ذهبتُم عليه ، وعندنا أنّه الأمر الذي جعلَكُم تقولون بالاصطفاء العام لجميع الذرية ، ثمّ بالاصطفاء الخاصّ للتسعة من الذريّة وجعلتموهم فقط هم السابقون بالخيرات ، نعم ! فالأمر ليسَ كما ذهبتُم إليه ، والمثالُ الذي ضربتموهُ مثالاً ضيّق الأفق ليسَ يتماشى مع صيغة خطاب آيَة فاطر في إيراث الكتاب لجميع المُصطفين (لا تسعةً منهُم فقط) ، فنحنُ نستطيعُ أن نقول : أورثَ المِلِكُ المُلك لعائلته ، فهل هذا يعني أنّ هُناك أشخاصٌ مُحدّدون معدودون مُسمَّون من هذه العائلة للحصول على المُلك ؟! أم أنّ الوصيّة بالمُلك شاملةٌ للجميع ؟! فهذا يرحمُكَ الله تعالى هُو وجهُ قول الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) ، فالله جلّ جلاله يُخبرُ أنّ إيراث الكتاب ، بمعني إيراث الحقّ هُو للذريّة المُصطفاة ، للذرية الفاطمية الحسنية الحسينية ، فاقتفوا أثرَ الحقّ أيّها النّاس عند هذه الذريّة فإنّكم لن تجدوا الحقّ خارجٌ منهم وعنهم ، يضلّ ضالّهم ، ولن (تفيد النفي والتأبيد والضّمان الإلهي) يضلّوا كُلّهم ، فعُلمائهُم (المقتصدون أو السّابقون يالخيرات) موجودون إلى يوم القيامة ، بين ظهرانيكم يعيشون ويأكلون ويشربون ، ومنه اعلم رحمنا ورحمك الله تعالى أنّ هؤلاء الظّالمين لأنفسهِم من بني فاطمة ، قد كانوا يستطيعون أن يكون من طائفة السّابقين للخيرات لو أنّهم عملوا بالتكليف الإلهي المُلقى على عواتقِهم ، ونظروا كتاب الله وتدبّروه وتأملوه ، وإلى سنّة رسول الله (ص) وإلى ما أشارَت ونبّهت ، ثم تأمّلوا سيرة وعقائد آبائهم ، نعم ! لو أنّهم عَملوا بواجب التكليف لوصلُوا إلى ما وصلَ إليه المُقتصدين الفاطميين ، ولوصلوا إلى ما وصلَ إليه السّابقون بالخيرات ، وكذلك الحال مع الُمقتصدين لو أنّهم زادوا في التحصيل لعلوم الكتاب والسنة وعلوم السلف الفاطمي الحسني الحسيني ، وتحركّوا إلى ميادين الجهاد ، ودَعوا لكان على النّاس إجابَتهم في دعواتهم العادلَة ، فمرتبَة السّبق بالخيرات ليس مُخصّصة لطائفة حسنية أو حسينية محدّدة معدودوة ، بتسعة أو عشرة أو اثني عشر ، أو مائة ، أو مليون ، فهي مرتبةٌ يستحقّها كلّ مَن انطبقَت عليها معايير المُتابعَة الحقّة ، للكتاب ، والسنّة ، والتمسّك بالإجماع الفاطمي المعصوم ، والاجتهاد في تطبيقها جميعاً ، ألا ترى أخي في الله أنّ الإمام بعد يحيى بن زيد بن علي الحسيني الأصل ، هُو محمد بن عبدالله النفس الزكية الحسني الأصل ، فمرتبة السّبق بالخيرات ليسَت حِكراً على نسلٍ دون نسل ، أو عددٍ دون العدد الآخَر ، وإيراثُ الكتاب لا يَعني التخصيص بالإسم والعدد ، بحيث يُفهم أنّ ورثَة الكتاب الحقيقيون من هذه الذرية الفاطمية هُم أناس مخصوصون محدودون معدودون ، فهذا وهمٌ ظاهرُ العَوار ، نتيجتهُ فهم معنى الإيراث للكتاب ، فالإيراث للكتاب هو حصرُ الحقّ في طائفةٍ مُصطفاة عموماً ، وهم ذرية الحسن والحسين ، وتكليف الله تعالى وابتلاءهُ للعباد لم يَجعلهُ يُخصّص أفراداً من هذه الذرية بالاسم والعدد لمنصب الإمامة ، إذ جعلَ التكليف موزّعاً على الطائفتين من الِعباد ، الطائفة المُصطفاة (الذرية الفاطمية) ، والطائفة الغير مُصطفاة (جميع العباد عدى بني فاطمة) ، فأمّا تكليف الله وابتلاءهُ لبني فاطمةفهو في الأمانة التي ألقاها على عواتقِهم ، عندما جعلَ مُهمّتهم هُو الاجتهادُ في الوصول إلى مراتب مُتقدّمة من العلم والفهم والعزم على إمضاء أحكام الكتاب والسنّة وتطبيق ونشر إجماعات أسلافهم من بني فاطمة ، ومدّ حبلَ الله (حَبل الهِدايَة والحقّ إلى النّاس) ، وأمّا تكليف الله وابتلاءه لغير الفاطميين (الطائفة الغير مُصطفاة ، فهو بذل الجهد في إصابة الكتاب والسنّة والانضواء تحَت مَن لن يَخرُجَ الحقّ عنهم ، عَن مَنْ ركوب سفينتهم نجاةٌ وراحةُ بال (فيمدّوا أيديهَم للقبضِ على الحبل الذي يُمدّه السّابقون بالخيرات والمُقتصون من بني فاطمة) ، فهذه مُعادَلة إلهيّة فيها من الرّحمة على معشر الُمكلّفين الشيء العظيم ، عُلماء بني فاطمة (حسنيين أو حُسينيين) يمدّوا إلى النّاس حبلَ الهداية ، والّناس ما عليهِم إلاّ أن يجتهدوا في مد يدهم بالبحث والتفتيش لإمساك طرف حبل الهداية ، ثمّ بعد هذا كلّه الرّكوب في سفينة النجاة ، إلى برّ وشطّ الراحة والنعيم ، نعم ! وهذه المعادلة الإلهية التي يظهرُ فيها اللطف الإلهي على العباد ملموساً واضحاً على مذهب الجعفرية غير موجودة ، لأنّ النّاس يَجتهدونَ في البحث والتفتيش والتنقيب مادّين أيديهِم للإمساك بحبل نجاة إثني عشريّ ، مادّين أيديهِم باحثين عن السّابقين بالخيرات الذين حَصرتهُم الإمامية في إثني عشر رقماً على حدّ قولِهم ، فلا يجدونَ حبلاً ممدوداً يُنقُذهم ويُركبُهم في سفينة نوحٍ المُنجيَة ، فينحرفون باحثين عن الرّحمة الإلهية ، واللطف الرّباني في اتجاهاتٍ أخرى فيكونوا قد ضلّوا على شرط الجعفريّة !!! ، والله المُستعان . نعم ! تنبيه مهم : نحنُ هُنا قد ناقشَنا أصل صحّة قول الجعفريّة بأنّه قد يكون هُناك اصطفاء عام لجميع بني فاطمة ، ثمّ يكون هُناك اصطفاء خاصّ لتسعة من ذرية الحسين هُم السّابقون بالخيرات فقط ، وهذا وهمٌ بيّنا شنارَه وعارَه ، وأنّه إنّما نبع مِن ربطهِم بين إيراث الكتاب ، وبين التخصيص على أسماء وأعداد لهذه الوراثَة !! ، نعم! الذي نُريدُ أن نُنبّه عليه أنّ الجعفرية أصلاً لا تعترف بأنّ بني فاطمة (جميع الذرية الحسنية الحسينية) مُصطفاةٌ أصلاً ، لا اصطفاءً عامّا ، ولا اصطفاءً خاصّاً ، فقولُ المُعترِض بالاصطفاء الخاصّ للتسعة ، من داخل الاصطفاء العام لجميع الذريّة ، هو قولٌ حادثٌ ناجمٌ جديد وليد الساّعة والدقيقة (لم نرَ أصلَه فيما قرأنا من كتب الجعفرية) ، وعندنا أنّ المُعترِض لم يضطرّ إلى القول بالاصطفائَين إلاّ عندما بانَ له أنّ آية فاطر ستهدمُ مذهبَهُ رأساً على عقب ، ابتداءً من النّص الإثني عشري ، ومروراً بالعصمة ، وانتهاءً بالغيبة ، فلجأ إلى القول أنّ هُناك اصطفاء عام وخاص ، العام يدخُل فيه الظّالمين لأنفسهِم من بني الحسن والحسين ، ويَدخُل فيه المُقتصدون من بني الحسن والحسين ، والاصطفاء الخاصّ لا يَدخُل فيه إلاّ اثني عشرَ رقماً واسماً ، والله المُستعان ، ولسنا نعلمُ لهم على كلامهِم هذا دليلاً واحداً يُؤيّد قولَهُم إلاّ ما رَووه في كُتبهِم من النّص على الإثني عشر بالاسم والعدد ، فإذا قُلنا لهم مَن رواهُ غيركُم كما رويتموهُ أنتم (بالاسم والعدد) ، قالوا : رواه القندوزي الحنفي ، ورواه الكجي الشافعي ، قُلنا ونحنُ كذلك روى الحاكم الحُسكاني الحنفي عن الإمام زين العابدين (ع) أن الإمامة لا تكون إلاّ في مَن خرجَ ودَعا من ذرية الحسن والحسين ، وجاء في نهج البلاغَة أنّ طريق الإمامة (السّابقين بالخيرات) ليسَ النّص ، بل الدّعوة والشّورى ، فقال بما قد ِعدناهُ مراراً وتكراراً في هذه الرسالة : ((أيّها النَّاسُ، إنَّ أَحَقَّ النَّاسِ بِهذَا الْأَمْرِ أَقْوَاهُمْ عَلَيْهِ، وَأَعْلَمُهُمْ بِأَمْرِ اللهِ فِيهِ، فَإِنْ شَغَبَ شَاغِبٌ اسْتُعْتِبَ ، فَإِنْ أَبَى قُوتِلَ. وَلَعَمْرِي، لَئِنْ كَانَتِ الْإَمَامَةُ لاَ تَنْعَقِدُ (تأمّل) حَتَّى يَحْضُرَهَا عَامَّةُ النَّاسِ، فمَا إِلَى ذَلِكَ سَبِيلٌ، وَلكِنْ أَهْلُهَا يَحْكُمُونَ عَلَى مَنْ غَابَ عَنْهَا، ثُمَّ لَيْسَ لِلشَّاهِدِ أَنْ يَرْجِعَ، وَلاَ لِلغَائِبِ أَنْ يَخْتَارَ)) [ نهج البلاغة خ173] ، وروى ثِقة الجعفريّة محمد بن يعقوب الكُليني ، ما يشهدُ لقولَ الزيديّة في طريق الإمامَة وأنّها لا تكون إلاّ بالدّعوة : ((عَنْ جَابِر، عَن أبي جَعفَر عليه السلام ، قال: قَال: لمَا نَزَلَت هَذِه الآيَة: ((يَوْمَ نَدْعُو كُلّ أنَاسٍ بِإمَامِهِم)) ، قَالَ المُسلمون : يَا رَسُولَ الله ، ألَسْتَ إمَامَ النّاسِ كُلّهم أجْمَعين؟ قَال : فَقَالَ رسول الله صلى الله عليه وآله : أنَا رَسُول الله إلى النّاس أجْمَعِين ، وَلكِنْ سَيَكُونُ مِنْ بَعْدِي أئمّةٌ عَلى النّاسِ مِنْ الله مِنْ أهْل بَيتِي، يَقُومُون فِي النّاس فَيُكَذَّبُون، وَيَظْلِمُهُم أئمّةُ الكُفْر وَالضّلال وأشْيَاعَهُم، فَمَنْ وَالاهُم، واتّبَعَهُم وَصَدّقَهُم فَهُو مِنّي وَمَعِي وسَيَلْقَانِي، ألا وَمَنْ ظَلَمَهُم وَكَذَّبَهُم فَليسَ مِنّي وَلا مَعِي وأنَا مِنهُ بَرئ)) [أصول الكافي:1/215] ، نقول : وهذا الحَديث فيشهَدُ لقول الزّيديّة ، فالأئمّة منهُم بنصّ الله العامّ فيهِم ، فهُم أئمّةُ مِنَ الله ، والأئمّة عند الزيدية فمِن أهل البيت ، وسبقَ أنّ أهل البيت ، لَفظَةٌ يَدخُل تحتها جميع ولد فاطمة ، أبناء الحسن والحسين ، وأئمّة الزيدية هُم القائمونَ في النّاس ، والقيامُ فيُرادفُ الدّعوة الفاطميّة بالإمامَة، وأئمّة الزيديّة فكَذّبت النّاس دَعواتهُم ، وتَخاذلوا عنهُم ، وظَلَمهُم أئمّة الكُفر (سلاطين الجور) ، فَقتّلوهُم ، وشَرّدوهُم ، وأسَروهُم ، والله المُستعان ، وهذا الخبَر فلا ينطبِقُ وجهه على أئمة الجعفرية التسعة ، لأنّا لم نعلمَ إماماً من أئمتهم التسعة قامَ ودَعا النّاس إلى إمامة نفسِه ، وإلى موالاة الإثني عشر ، ثمّ بعد هذه الدّعوة الجامعة الشاملَة ، كذّبهم النّاس وظلموهُم ، فمصداقُها في الزيدية أظهرُ منه في قول الجعفرية ، وهُو ينفي ما ذهبتم إليه من تخصيص الاصطفاء العام باصطفاء خاصّ لتسعة فقط ، صحيحٌ أنّ هُناك نماذج في السير للأمم السّابقة لحصول اصطفاءات عامّة ، خُصصّت باصطفاءات خاصّة ، ولكنّ الدليل هُو الذي يُخصِّص ، وأنتُم فليسَ معكم على تخصيصكُم بالاصطفاء ، نعم! ثمّ بماذا ستعترضونَ على الإسماعيلية من الشيعة إذا قالت أنّ الاصطفاء الخاصّ إنّما هُو يخصّ أئمتهم دون أئمتكم التسعة ؟! ، نحنُ والعُقلاء نقول أنّ الله سبحانه وتعالى قد أخبرَ في كتابه عن أصولٍ أصيلَة في دين الله تعالى ، والسنّة شرحَت وفسّرتَ ، والإمامة عندنا وعندكُم يُستحال أن يَخلو كتاب الله تعالى من الإشارَة إليها بنصّ واضحٍ صريح ، أو بنصٍّ يحتاجُ إلى التأويل ، والله سبحانه وتعالى لم يَذكُر إلاّ قول الزيدية ، القائلة بأنّ الإمامة من حقّ جميع أهل الاصطفاء ، بشرط الله تعالى ، وهو الصّلاح ((لا ينال عهدي الظّالمين)) ، ثمّ أنتُم زِدتُم على هذا وقسّمتم اصطفاء الله الذي أثبتَهُ في كتابه إلى اصطفائين اثنين من غير دليلٍ ولا حجّة من آيةٍ أخرى ، أومن قولِ رسولٍ كريمٍ مُتفق عليه ، وخبرُكم الذي انفردتم به حول الإثني عشر وأنّهم أهل الاصطفاء الخاصّ ، والإسماعيليّة سيُجاذبوكُم الاصطفاء الخاصّ هذا ويقولون أن مصداقه في الأحاديث التي رَووها عن الرّسول في أئمتهم من ذرية إسماعيل بن جعفر الصّادق (ع) ، فقاعدةُ الاصطفاء الخاصّ التي استحدثتمُوها ذاتُ قاعدةٍ هشّة ، نكادُ نجزمُ ، بل نَجزمُ أنّ سادات بني فاطمة من أبناء الحسن والحسين في أزمانهم المُتقدّمة لم يكونوا يعرفونَ شيئاً عنها بتاتاً وإطلاقاً ، والمؤكّد أنّهم كانوا يعرفون جميعاً أنّهم ذريّةٌ محمديّةٌ علويّةٌ فاطميّةٌ حسنيّةٌ حسينيّةٌ اختصّها الله بالتفضيل ، فحرّم عليهم الصدقَة ، وجعلَ لهم الأخماس ، وخصّهم بإرث فدك (هديّة الله) حتى كان خلفاء الدّول ما يُعيدونَها إلا إلى بني فاطمة بعموم ، دون بني علي (من غير فاطمة ، وفي هذا تأمّل) ، وخصّهم بآية المودّة والمحبّة لأجل القُربى من الرّسول (ص) ، فكافأ الله من دسّ ووضعَ ما يُفرّق بين الفاطميين ، بالزور والبهتان ، قال الإمام نجم آل الرّسول القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، (169-246هـ) وهُو المُعاصرُ لموسى الكاظم ولعلي بن موسى الرّضا ولأكابر سادات بن الحسن والحسين ، قال (ع) مُتوجّعاً ممّا يراهُ ويَسمعهُ في بدايات القرن الثالث (بداية المائتين هجرية تقريباً) من الشيعة الجعفرية والإسماعيلية بعموم ، وكان يتكلم (ع) عن المتعة بالتحديد ، فقال : ((ولَقَد أدْرَكْنَا مَشَايخنَا مِن أهلِ البيت، ومَا يَرَى هذا مِنهُم أحَد، حَتّى كَانَ بِآخرِه أحدَاثٌ سُفهَاء ، رَوَوا الزّور والكَذِب)) [أمالي الإمام أحمد بن عيسى بن زيد] ، يُريدُ أنّهم رووها (المتعة) عن سادات بن يالحسين (ع) زوراً وبهتاناً ، بل حتّى الإمام موسى الكاظم (ع) تبرأ أمام رَجُل من شيعته ابتداءً منه (ع) بالكلام (وهذا ينفي التقيّة) في الخبر ، تبرّأ مما يُثار حولَهُم من الشيعة الإمامية وغيرهم وما غَالَوا فيهم به من القول ، فروى الشيخ المفيد ، بالسند ، قال : ((حدثني محمد بن الزبرقان الدامغاني الشيخ قال: قَال أبوالحسَن مُوسى بن جعفر عليهما السلام: ((لمّا أمَرَهُم [أمَرَ حاشِيَته] هارون الرشيد بِحَملِي دَخَلتُ عَليه، فَسَلّمتُ ، فَلم يَرُدّ السّلام وأريته مُغضَباً ، فَرمَى إليَّ بِطُومَار . فَقَال: اقرَأهُ . فَإذَا فِيه كَلامٌ قَدْ عَلِمَ الله عزّ وجَلّ بَرَاءَ‌تِي مِنهُ [ تأمّل نفيَ الكاظم للكلام الموجود في الطومار ، وهُو يُخاطبُ رجلاً من شيعته ، الدامغاني ، فانظُر ماتبرّأَ منه الكاظم ] ، وَفِيه [أي في الطومار]: أنّ مُوسَى بن جعفر يُجبَى إليه خَرَاجُ الآفَاق مِنْ غُلاةِ الشّيعةِ مِمّن يَقولُ بِإمَامَتِهِ ، يَدينُونَ الله بِذَلكَ ويَزعُمونَ أنّه فَرضٌ عَليهِم إلى أنْ يَرِثَ الله الأرضَ وَمَنْ عَليهَا ، وَيزعُمون أنّه مَنْ لَمْ يُوهِب إليهِ العُشرَ ولَمْ يُصلّ بإمَامَتِهِم ، ويُحُجّ بِإذنِهِم ، ويُجَاهِدُ بَأمرِهِم ، وَيَحمل الغنية إليهِم ، وَيُفَضّلُ الائمّة على جَمِيع الخَلق ، وَيفرِض طَاعَتَهُم مِثل طَاعة الله وطاعَة رَسولِه، فَهو كَافِرٌ حَلالٌ مَالُه وَدَمُه ، وَفِيه كَلامُ شَنَاعَةٍ (تأمّل)، مِثلُ المتعَةِ بِلا شُهود (تأمّل) ، واستحلالُ الفروج بَأمرِه ولَو بِدِرهَم، و البَراء‌ةُ مِنَ السّلف، ويَلعَنون عليهم في صلاتهِم، ويَزعمون أنّ مَنْ يَتَبَرّءُ مِنهُم فَقَد بَانَتْ امرَأتُه مِنه، ومَنْ أخّرَ الوقْتَ فَلا صَلاةَ لَهُ ، لِقول الله تَبَارَك وتعالى: ((أضَاعُوا الصّلوة واتّبعوا الشّهوات فَسوف يَلقون غيّا))، يَزعمون أنّه وَادٍ فِي جهنّم، والكِتَابُ طَويل ، وأنَا قَائمٌ أقْرَأ ، وَهُو [هارون] سَاكت ، فَرَفَعَ رَأسَه وَقَال: قَدْ اكتفَيتَ بِمَا قَرَأتَ ، فَكَلِّمْ بِحُجّتِكَ بِمَا قَرَأتَه، قُلتُ: يَا أمير المؤمنين والذي بَعَثَ محمّداً صلى الله عليه وآله بالنبوّة ، مَا حَمَلَ إليّ قَط أحَد دِرهماً ، ولا دِينَاراً مِن طَريقِ الخَراج، لكنّا مَعَاشر آل أبي طالِب نَقبَلُ الهديّة التي أحَلّهَا الله عزّو جل لِنبيّه عليه السلام فِي قوله : ((لو أُهدِيَ إليّ كِراع لَقَبِلتُه ، ولو دُعيتُ إلى ذراع لأجَبت)).... إلخ )) ، ملاحظَة : وليسَ في آخر الخبر ما ينقُض أوّله . [الاختصاص:54] ، وبهذا نختم الكلام على هذه النقطة .

إن قيل : ثمّ أخبرونا عن قول الله تعالى : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحًا وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) ، على من تعود الضّمائر في قول تعالى : ((فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ)) ، ((وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ))؟! .

قُلنا : الله يحكي في هذه الآيَة أنّه جعلَ النبوّة والكتاب ، أي النبّوة والعِلم في ذريّة نوح وإبراهيم ، فجميع الأنبياء من بعد عهد نوح (ع) هُم من ذريّته ، كما أنّ إبراهيم (ع) من ذريّة نوح ، ولعلّ تخصيص إبراهيم بالنبوّة والعِلم في ذريّته هو لدعوة إبراهيم الخليل (ع) لخاصّة ذريّته بجعل الهُدى فيهِم ، نعم ! حكى الله تعالى أنّه جعل النبوّة والعِلم (الكتاب) في ذريّتي نوح وإبراهيم ، وجعلَ الهُدى (الذي هُو العلم) غير خارجٍ عن هذه الذريّة ، فمنهم الأنبياء بالوحي ، ومنهُم الأئمة العُلماء حملَة الكتاب بالأخذ برسائل الأنبياء وكتبهم ودعواتهم ونشرها بين النّاس ، والعمل على هدايتهم ، فمِن هذه الذريّة مَن هُو مُهتدٍ وهُم الأنبياء ، وحملَة الكتاب مَن جنّدوا أنفسهَم في مُعاضدَة الرّسل والأنبياء ، وعملوا على هداية النّاس قدر المُستطاع ، ومن هذه الذريّة مَن هُو فاسقٌ ظالمٌ لنفسه لم يُجنّد نفسه للأخذ بالعلم الذي جعله الله ميراثاً لهذه الذّريتين ، ولم يرتقِ به تكليفه إلى أن يُصبحَ إماماً مُسانداً لدعوات الرّسل ناشراً للهداية ، بل إن أكثرَهُم فاسقون لاهون مُبتعدون عن نهج الأنبياء والرّسل ، إن قيل : قد ذهينا إلى غير ماذهبتُم إليه ، فنحنُ ذهبنا من الآيَة أنّ هُناك أناس مخصوصين للنبوّة ، وهُناك أناس مخصوصين لحمل الكتاب وهم الأئمة ، وهُم ليسوا مُخاطَبين بشيءٍ من الضمائر في الآيَة ، وإنّما خطاب الضمائر يعود على جميع الذريّة عدى الأنبياء ، وعدى أصحاب الكتاب (الأئمّة) ؟! قُلنا : هذا التأويل لا يُسلّم لكُم ، فالضمائر تعودُ على جميع ذريّة نوح وإبراهيم ، وقوله تعالى : ((فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ)) ، يدخُلُ فيه الأنبياء ، وحملَة كُتُب الأنبياء بالمُساندَة في الدّعوة وهُم الأئمة ، ويَدخُل فيه المؤمنين الذين ليسوا بُعلماء وليسوا بفسّاق ، وقوله تعالى : ((وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ)) أي وكثيرٌ من هذه الذرية فاسقون مُعادون للأنبياء ، وغير مُستمعين لهم ، وغير آبهين بحملَة الكتاب والدّعوة (الأئمّة) . نعم ! على أنّ مُفسّري الجعفريّة أصلاً لم يُفرّقوا بين النبوة والكتاب ، فجعلوهما واحدا ، فقالوا هُم الأنبياء أصحاب الكُتب ، انظر مجمع البيان للطبرسي ، نعم ! والجديرُ بالذّكر أيضاً هُو التنبيه على أنّ (النبوّة) في الآيَة ، كلمةٌ يدخلُ تحتَها جميع الأنبياء والرّسل من ذريّة نوح وإبراهيم ، و (الكتاب) في الآية كنايَةٌ عن العِلم والُعلماء ، والفرقُ بين الأنبياء والرّسل ، وبين الأئمة العُلماء ، هُو أنّ اختيار الأنبياء يكونُ بالوحي ، بينما العُلماء هُم مَن يرتقونَ بأنفسهِم إلى درجة العِلم ، بالأخذ بأقوال الأنبياء ، والمُساندة لهم ولدعواتهم ، والأخذ بمنهجهم بعد موتهم ، والاجتهاد في إحياءه ونشرِه بين النّاس ، فالله سُبحانه وتعالى في هذه الآيَة ضَمِنَ أنّ العلم سيكون باقياً في ذريّة نوح وإبراهيم إلى يوم الدّين ، وأخبرَ أنّ مَن سيأخُذون به ويرتقون إليه بالعمل والاجتهاد والصّبر هم القلّة من هذه الذريّة (ذرية نوح ، وذرية إبراهيم) ، وعليه فأصحاب العلم هؤلاء لا يُقال فيهم بالنّص ، كما يُقال في حقّ الأنبياء ، وبنوا فاطمة من مصاديق هذه الآيَة فهم بقية ذريّة إبراهيم ونوح صلوات الله عليهما ، ففيهم إرثُ الكتاب ، أي إرث العلم والحقّ والدّعوة والهُدى ، وما قيلَ في الذراري الماضية يُقال فيهم ، فمنهُم من سيبلغ به تكليفه للاجتهاد والصّبر والعلم والجهاد والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر فيكون إماماً يُقتدى به (كما مرّ بيان هذا مُفصّلاً) ، ومنهم الظّالمون لأنفسهِم بالمعاصي ، وباتّباع غير سبيل وإجماعات الآباء .

إن قيل : ثمّ أخبرونا عن قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) ، فقد قُلتم أنّ هذا اصطفاءُ عامّ من الله تعالى لجميع ذريّة إبراهيم ، وبعد الاصطفاء جاءَ استثناءٌ للظالمين ، أفلا يكون هذا الاستثناء للظالمين من الإمامة ، هو بمثابَة الاصطفاء الخاصّ الذي نسعى جاهدين لإثباته ، نعني الاصطفاء الخاصّ للتسعة من الاصطفاء العامّ لعموم الذريّة .

قُلنا : أنتُم ما زِلتُم تحتجّون علينا دائماً عند محاولتكم إثبات كثير من مُعتقداكم ، بأنّ الله يُستحال أن يزيدَ عباراتٍ في آيَة الله عبثاً ، ليسَ لها خانةٌ في الدلالة ، ووجودها كعدِمها ، ونحنُ نَقولُ لكُم ما فائدةُ وجود الاصطفاء العام ، إذا وُجِدَ الاصطفاء الخاص الذي استحدثتموه من خلال نقاشِنا هذا ، لماذا لم تكُن آيَة فاطر بهذا السياق : ((ثمّ أورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عباد وهُم السّابقون بالخيرات)) ، ما فائدةُ تعميم الاصطفاء في طائفتي (الظّلم للنفس ، والاقتصاد) على الذرية الفاطمية الحسنية الحسينية ، مع وجودٍ اصطفاء خاصٍّ في تسعة من ذرية الحسين وهم المختصّون بطائفة السّبق بالخيرات ، فمعنى الاصطفاء العام الذي جعلهُ الله لعموم الذرية الفاطمية الحسنية والحسينية في آيَة فاطر هو إضافةٌ من الله تعالى لا معنىَ لها ، (والعياذ بالله) ، بل هي زيادةٌ وجودُها كعدَمها ، والله المستعان ، وكذلكَ القول مع قوله تعالى : ((وإذ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي)) ، كان المُفترض أن تكون هذه الآيَة بدون إضافة الاستثناء للظالمين ، لأنّها ستكون أبلغ في الدلالة على أنّ الذريّة التي يقصدُها إبراهيم صاحبَة الهِدايَة المُطلقَة ، وأمّا بورودِ استثناء الظّالمين ، فإنّ إبراهيم (ع) كان يعني حصر الهُدى في الجَمِيع ، فوافقه الله تعالى أن تكون في جميع ذريّته إلاّ الظّالمين ، وهذا اصطفاءٌ عامّ ثابِت . وقد مرّ ضربُ مثالِ على هذا . وبمعنىُ آخَر : لو كانَت ذريّة إبراهيم التي وافق الله على دَعوة إبراهيم (ع) فيهم هُم أناسٌ أصحابُ اصطفاءٍ خاصٍّ ، بالنّص والاسم ، لما أصبحَ هُناك أي فائدة لاستثناء الظّالمين من هذه الذريّة في الآيَة ، وإلاّ لزمَ أن يكون واحدُ أو أكثر مِن ذريّة إبراهيم أصحاب والاصطفاء الخاص والنّص بالاسم ينطبق عليه صفة الظّلم ، فيستثنى من الإمامة ، وهذا مُتناقِض ، فقولُكم إخوتنا الجعفرية بالاصطفاء الخاصّ من الاصطفاء العام ، أولاً : هُو قولُ حادثٌ جديد ، لأنّكم أصلاً لا تؤمنون إلاّ باصطفاء واحِد ، ولا تُسمّونه لا خاصّ ولا عام ، كما أنّكم لا تؤمنون بما يُسمّى بالاصطفاء العام لجميع ذريّة الحسن والحسين . وثانيا : أن قولَكم بالاصطفاء الخاصّ من الاصطفاء العامّ يُعرّي بعض آيات كتاب الله تعالى عن الفائدة ، ويجعلُها زيادةً وجودها كعَدَمِها ، كما تقدّم بيانه .

هذا وصلى الله وسلم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

عبد المؤمن
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 103
اشترك في: السبت فبراير 11, 2006 4:33 pm

مشاركة بواسطة عبد المؤمن »

الاخ العزيز الكاظم
كيف حالكم
انا مسرور لعودتكم
ان شاء الله تكون بخير وبسلام وصحة وعافية
فرحت لعودتك ولوجودك
لقد تركت المنتدى بعد ان غبت انت عنه
والآن اقول لك عودا حميدا وحفظك الله
تفضل لزيارتنا فى منتدى ابا عبد الله الحسين عليه السلام ( منتدى ياحسين)

عبد المؤمن

عبد المؤمن
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 103
اشترك في: السبت فبراير 11, 2006 4:33 pm

مشاركة بواسطة عبد المؤمن »

اين الاخ الكاظم ؟

لو افترضنا ان قوله تعالى كان كلآتى:

" ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله "

فى هذه الحالة لايوجد شك فى أن كلمة منهم تعود الى الذين اصطفينا وان من هؤلاء سيكون ظالم ومقتصد وسابق .

نرجع الى قوله تعالى :

" ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا فمنهم ظالم لنفسه ومنهم مقتصد ومنهم سابق بالخيرات بإذن الله "

1- الإصطفاء تم وحدث وهو اصطفاء فئة من مجموع عبادنا.
2- عبادنا هنا هم الإمام على والحسنين و مجموع اهل البيت نسل الحسن والحسين عليهم السلام .
3- نجد ان من اصطفاهم الله تعالى جاءوا من مجموع عبادنا مايدل على انه لاغريب بينهم وهم من سلالة واحدة .
3- لكن الأئمة الثلاثة المصطفون هؤلاء لم ياتوا من مجموع عبادنا بل عبادنا هى من جاءت منهم
مايدل على ان الاصطفاء هو اصطفاء اختيارى الهى لادخل للمصطفون به او تقريره .

4- الاصطفاء كان ( من عبادنا ) ليس اصطفاء مجموع عبادنا مايدل على انه ليس هناك اصطفاء عام .

5- وراثة الكتاب كانت خاصة بالمصطفين الذين اصطفاهم الله تعالى من مجموع عبادنا ليس ان كل عبادنا ورثوا الكتاب .

6-الإمام علي والحسنين عليهم السلام هؤلاء لم يصطفيهم الله من مجموع العباد ( نسل الحسن والحسين) بل مجموع العباد الذين هم نسل الحسن والحسين هم من خرجوا منهم وتم الإصطفاء منهم ليس اصطفاءهم جميعا هذا يعنى ويدل على انه هناك اصطفاءان:

الإصطفاء الأول للإمام علي والحسنين عليهم السلام.
الاصطفاء الثانى اصطفاء من مجموع العباد المتمثل بنسل الحسن والحسين عليهم السلام .

7- يقول تعالى :
" ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا "
الاصطفاء تم من عبادنا وليس اصطفاء عبادنا كلهم

الإمام علي والحسنين عليهم السلام لم يتم اصطفاءهم من عبادنا كما يقول القرآن
والقرآن لم يوضح انه هناك اصطفاءان بل قال " ثم اورثنا الكتاب الذين اصطفينا من عبادنا "

8- كلمة منهم فى الآية تعود على عبادنا نسل الحسن والحسين ولاتعود وتختص بالذين اصطفينا.

9- نسل الحسن والحسين عليهم السلام تم الإصطفاء منهم وليس كلهم لذلك قسمهم القرآن
الى طوائف ثلاثة ظالم لنفسه ومقتصد وسابق بالخيرات ليس ان الله اصطفاهم ثم ظلموا واقتصدوا انفسهم بل الإصطفاء تم منهم والدليل ان هذا الإصطفاء الذى تم منهم يجب ان يوازى الاصطفاء الأول الذى جاء نصا من الله ورسوله الذى خرجوا منه ولم يخرج منهم .

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم

اللهمّ صلّ على محمد وآل محمد ......

* أخي (عبدالمؤمن) حيّاك الله مرّةً أخرى في روضةٍ من رياض العلم والجنّة بإذن الله تعالى .

* أخي (عبدالمؤمن) أنقلُ لكم كلاماً سابقاً درا بيني وبينكم (استلهمهُ) ، ثم بعد أن تستلهِمَهُ استلهامَ طالب العلم المُتحيّز المُنصف (الغير مُتمذهب) ، مع إعادَة قراءة ما كتبتموهُ أخيراً ، فأنا على ثقة من أنّكم ستجدونَ خللاً ظاهراً في إيرادِكم الأخير ، خصوصاً إذا أعدتم الإطلاع والتأمل في الروايات التي نقلَناها عن أئمتكم في تفسير هذه الآيَة (والتي مفادها أّن الطوائف الثلاث مصطفاة جميعها ، الظالم ، والمقتصد ، والسّابق) ، وأنا أستغربُ عدم التفاتِكَ لها أخي عبدالمؤمن ؟!!! .

الكاظم كتب :
إن قيل : قال الله تعالى : ((ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ )) ، بيّنوا لنا معشر الزيدية ، كلمة (عبادنا) في الآية ماذا تعني ؟ هل تعني جميع من أسلم؟ أم تعني كل ذرية محمد ؟ ثم أخبرونا عن حرف (من) في الآية أليس يعني التبعيض ؟ ثمّ أخبرونا عن المُصطفين هل هم بعض من ذرية آل محمد ؟ ثم إذا كان الله أورث الكتاب لذرية آل محمد عامة ، فأين موقع النّاس من كَلِمَة عبادنا ؟! .


قلنا : في الحقيقية والحق ، أنّ كلمة (عبادنا) تعني جميع من أسلم ، وأنّ (من) تُفيد التبعيض ، وقد ذهب الشيخ جعفر السبحاني من الجعفرية إلى أنها تفيد التبيين وخالفَ بهذا أئمته المعصومين (بما سبق نقلهُ في جوانب هذا البحث ، وسيأتي طرف منه) ، فيكون بهذا معنى قول الله تعالى في الآية : ثمّ أورثنا فهم علوم الكتاب الذي اصطّفينا واخترنا من عبادنا ، وهنا فتبعيض وتقسيمُ للعباد ، ويزيد التبعيض قوّة قوله جلّ شأنه ، ((فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ)) أي من قسم العباد المُصطفين ، ((وَمِنْهُمْ مُقْتَصِدٌ)) أي من العباد المصطفين ، ((وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ)) أي من العباد المصطفين ، وليس يُقال إنّ الخطاب هنا خطابٌ عادي يُوجّه إلى عموم النّاس ، لأّن الله يقول في آخر الآية : ((ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)) ، وهذا عندما يُقارن بصفة المدح في أوّل الآية التي تُفيد توريث الكتاب ، فإنّها تُقوّي كلامنا في استثناء وخروج بقيّة النّاس من هذه الآية عدا المُصطفَين منهم (مِنَ العِبَاد) ، وقد سُئلَ الإمام علي بن موسى الرضا صلوات الله عليه عن مَن هُم المُصطفون في الآية ، وذلك في حضرة علماء البلد وفي حضرة المأمون العباسي ، فروى الشيخ الصدوق في [عيون أخبار الرضا: 1/228] ، ما منه : ((و قد اجتمع في مجلسه جماعة من علماء أهل العراق و خراسان فقال المأمون أخبروني عن معنى هذه الآية : (( ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنا مِنْ عِبادِنا)) . فقالت العلماء: أراد الله عز وجل بذلك الأمة كلها . فقال المأمون : ما تقول يا أبا الحسن ؟ . فقال الرضا ( ع ) : لا أقول كما قالوا ولكني أقول أراد الله عزّ وجل بِذَلك العترة الطّاهرة)) ، وهُنا يُسأل الجعفرية عن أهل الاصطفاء هؤلاء ، الذين هم العترة الطاهرة ، فيُقال لهم : مَن هُم العترة الطاهرة ؟ إن قالوا : الأئمة الإثني عشر وفقط . قلنا : فأخبرونا مَن هم السّابقون بالخيرات من الاثني عشر ؟ ومَن هُم المقتصدون من الإثني عشر ؟ ومَن هُم الظالمون لأنفُسهم من الإثني عشر؟!! . فأمّا على شرط الزيدية وعلى قول الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي ، والهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم الرسي (ع) ، وهم القريبوا العهد بابن عمهم علي الرضا (ع) ، فأما على شرطهم وشرط أتباعهم فإن قول علي بن موسى الرضا في الرواية الإمامية يتحقق ، فإن السابقين بالخيرات هم الأئمة من بني الحسن والحسين ، والمقتصدون فهم العلماء العابدون من بني الحسن والحسين ، والظالمون لأنفسهم فهم أهل المعاصي من بني الحسن والحسين . ولو تتبع القارئ رواية علي بن موسى الرضا (كاملةً) سيجدُ أنّه يعني بها سادات بني الحسن والحسين جميعاً ، ولا يعني بهم الإثني عشر فقط ، وهذا يردّ على الجعفريّة . وأمّا السؤال عن موقع النّاس (بقيّة العباد الغير المُصطفَين) مِنَ الآية ، فإنّه سؤالٌ غير مُحْتَمَل ، وإيرادُه باطل ، لأنّ الآية متى خصّت قوماً ، فلا يجوز السؤال أين محلّ القوم الآخرَين من الآية ، فمثلاً لو خاطب الله أصحاب مُوسى في آية مَا ، فليس يُقال أين موقع أصحاب عيسى من هذه الآية ، فبعض الآيات يخصّ وبعضها يعم ، وهذه الآية فقد خصّت بني فاطمة صلوات الله عليها وعلى أبيها وعلى زوجها وعلى أبناءها أخيار بني الحسن والحسين .
اللهم صلّ على محمد وآل محمد ......
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“