نظرية أهل السنة عدالة الصحابة جميعا

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
أحمد شريف طنطاوى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 199
اشترك في: الاثنين مايو 31, 2004 2:29 pm
مكان: مصر

نظرية أهل السنة عدالة الصحابة جميعا

مشاركة بواسطة أحمد شريف طنطاوى »

بسم الله الرحمن الرحيم

تعريف ( الصحابى ) عند أهل السنة :
- عرفه أحمد بن علي بن حجر العسقلانى (773-852 هـ ) فى كتابه ( الأصابة فى تميز الصحابة ) :
هو من لقى النبى مؤمنا به و مات على الأسلام . فيدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت و من روي عنه أو لم يرو و من غزا معه أو لم يغز و من رآه رؤية و لو لم يجالسه

-أما محمد بن أسماعيل البخاري فى ( صحيح البخارى ) فقد توسع فى منح اللقب فقد عرفه :
هو من صحب النبى أو رآه من المسلمين فهو من أصحابه

-و يذهب علي بن عبد الله المدينى (161-234 هـ ) أستاذ البخارى لأبعد من ذلك :
من صحب النبى أو رآه و لو لساعة من نهار فهو من أصحاب النبى

و كل من سبق يعتقد فيهم أهل السنة و الجماعة ما يلى :
-يقول أبو زكريا يحيى بن شرف النووى ( 631-676 هـ ) فى ( شرح النووي لصحيح مسلم 12 : 216 ) :
ان الصحابة رضى الله عنهم كلهم هم صفوة الناس و سادات الأمة و أفضل من بعدهم و كلهم عدول قدوة لا نخالة فيهم

-و يقول الحافظ شمس الدين الذهبى فى ( الكبائر ) :
من الكبائر سب أحد من الصحابة . فمن طعن فيهم أو سبهم فقد خرج من الدين و مرق من ملة المسلمين

-و يقول أبو حامد محمد بن محمد الغزالى فى ( المستصفى فى علم الأصول 1 : 130 ) :
و الذى عليه السلف و جماهير الخلف أن عدالة الصحابة معلومة بتعديل الله أياهم و ثنائه عليهم فى كتابه و هو معتقدنا فيهم

-و يقول شيخ الإسلام أبن تيمية فى ( منهاج السنة النبوية ) : الطعن فيهم طعن فى الدين
- و يقول أبو عبد الله القرطبى فى (الجامع لأحكام القرآن ) : من نقص واحدا منهم أو طعن عليه فى روايته فقد رد على الله رب العالمين

و ذهب أهل السنة و الجماعة الى تنزيه الصحابة جميعا و عدالتهم جميعا و لهم جميعا حصانة ضد أي نقد لأى تصرف أتى به بعد رسول الله مهما عظم !
و يتفق أهل السنة و الجماعة على عدالة الصحابة أجمعين و يقبلون رواياتهم بدون تردد و لا يسمحون بنقدها مهما أثير حولها من شبهات و مهما تعارضت مع العقل و المنطق . و لا نفهم من أين أستمدت تلك الأفكار الغريبة عن روح الأسلام الذى قام على الدليل و الحجة . و الحقيقة التى سنثبتها إن شاء الله أن نظرية ( عدالة الصحابة جميعا ) ما هى إلا خرافة وهمية للتستر على رموز أهل السنة من الرجال .
لقد أسرف أهل السنة فى تقديس الصحابة جميعا فهم جميعا بلا إستثناء ثقات صادقون قولهم حق و حجة .
لقد تورط أهل السنة فى تحويل أقوال الصحابة و ممارساتهم الى نصوص مقدسة . و على هذا الاساس طغى الرجال على النصوص و أصبح الحق يعرف بهم لا يعرف بالنصوص . و اعتبر القوم المساس بهم مساسا بالنصوص . من هذا اعتبرت قضية الصحابة عند أهل السنة قضية بالغة الحساسية فقد أرتبط بها الدين كله و أي محاولة للطعن فيهم تعتبر طعنا في الدين ذاته
و تحصن أهل السنة خلف حشد من الروايات المنسوبة لرسول الله تمنح الحصانة المطلقة لكافة الصحابة بلا أستثناء :
قالوا أن رسول الله قال : أصحابى كالنجوم بأيهم أقتديتم أهتديتم
و طبعا هذا كلام غير منطقى لأننا لا نهتدى بأى نجم كان بل بنجوم معينة محددة الأوضاع !
و قالوا أن رسول الله قال : الله الله فى أصحابى لا تتخذوهم غرضا بعدى
لقد أنزلوهم منازل أحبار و رهبان أهل الكتاب : أتخذوا أحبارهم و رهبانهم أربابا من دون الله ( التوبة 31 )
و يمكن للقارئ الرجوع لموضوع آخر لي أتناول فيه بالتفصيل أستدلالات أهل السنة فى نظرية عدالة الصحابة جميعا
http://www.al-majalis.com/forum/viewtopic.php?t=887

و بلغ الغلو فى تقديس البشر عند أهل السنة مبلغا عظيما حتى أنهم فى سبيل تقديس الصحابة جميعا أستحلوا قتل النفس التى حرم الله إلا بالحق .. !
فقد ذهب عبد الرحمن الأوزاعى ( 88 -157 هـ ) و سفيان بن عيينة ( 107 – 198 هـ ) بأن من طعن فى عدالة صحابى فقد كفر بالله و أصبح دمه مباح و يستباح قتله !!
و حاليا ترفع الدعاوى القضائية على الكاتب أسامة أنور عكاشة لتفريقه عن زوجته كونه خرج عن ملة الإسلام لأنه أنتقد الصحابى عمرو بن العاص !
بينما أهون الأمرين ما ذهب إليه عمر بن عبد العزيز و الإمام مالك و الإمام أحمد بن حنبل بأن من يطعن فى عدالة صحابى هو فاسق ضال يؤدب و يعزر و يروع ترويعا شديدا و أعتبروا ذلك من كبائر الذنوب و الفواحش

و المتأمل لقول الله الآتى يجد نفسه أمام وضع غريبا جدا ! . إذ قال الله تعالى لمحمد رسول الله :
قل انى أمرت أن أكون أول من أسلم و لا تكونن من المشركين . قل انى أخاف إن عصيت ربى عذاب يوم عظيم ( الأنعام 15 )
فرسول الله يخاف إن عصى ربه العذاب . و هذا لا ينطبق على الصحابة إذ مهما فعلوا من سيئات فهم جميعا من أهل الجنة !
و طبعا هذه المبالغة فى تنزيه الصحابة جميعا أخرجت أهل السنة عن حدود العقل فأصبحوا لا يميزون بين الغث و السمين و من كان صادق النية فيستحق شرف الصحبة و من لم يكن كذلك فلا يستحقها فقد توسعوا فى منح اللقب و ترضوا ( أي قالوا رضى الله عنه ) على الرائح و الغادي . و هذا مثبت فى مراجع أهل السنة كما سنرى ...

و لعل لنا مثال فيما سبق في قصة ( الصحابى سمرة بن جندب الفزارى رضى الله عنه ) الذي بشره رسول الله بالنار ! :
جاءت قصته فى البداية و النهاية لأبن كثير 635:4 :
عن أبي هريرة ان رسول الله قال لعشرة من أصحابه آخركم موتا في النار و فيهم سمرة بن جندب
و مات ثمانية و بقى أثنين فقط هما أبو هريرة و سمرة بن جندب ...
فكان الرجل اذا أراد ان يغيظ أبا هريرة يقول له مات سمرة فاذا سمعه غشى عليه و صعق ...
و بما أن الله رضي عن كل من صحب الرسول كما يعتقد أهل السنة فقد منح الصحابى سمرة بن جندب المبشر بالنار هذا اللقب البراق الذي ينعم به أهل السنة على الجميع فصار ( سمرة بن جندب رضي الله عنه )
في البداية و النهاية لأبن كثير 336:4 و فى صحيح البخاري - كتاب تفسير القرآن …….صدق أو لا تصدق !!
و ذهب أهل السنة و الجماعة لشوط أبعد فتقبلوا أحاديثا لرسول الله مسندة لسمرة بن جندب المبشر بالنار رضي الله عنه ! فى صحيح البخارى 14 حديثا و فى صحيح مسلم 13 حديثا و الترمذي 33 حديثا و النسائي 28 حديثا و أبو داود 40 حديثا و أبن ماجة 26 حديثا أما مسند أحمد بن حنبل فقد فاق الكل و له فيه 168 حديثا !
و المثير أن أهل السنة لا ينكرون ان الصحابى سمرة بن جندب رضى الله عنه مآواه جهنم و بئس القرار ! إلا ان البيهقى يحاول تفسير هذا اللغز بقوله : يحتمل أن يورد النار بذنوبه ثم ينجو منها بإيمانه فيخرج منها بشفاعة الشافعين
* البداية و النهاية لأبن كثير 636:4
و حدث أن سأل والى العراقين زياد بن سمية هذا السفاح و كان نائبا له : هل تخاف أن تكون قتلت أحدا بريئا ؟
فقال الصحابى سمرة بن جندب : لو قتلت البهائم مثلهم ما خشيت
هذا هو ذاك الصحابى سمرة .. رضى الله عنه و أرضاه !!
يروي أبو جعفر محمد بن جرير الطبرى عنه :
سئل أبن سيرين هل قتل سمرة أحدا ؟ فقال و هل يحصي من قتل سمرة بن جندب ؟ أستخلفه زياد بن أبيه على البصرة و أتي الكوفة فجاء و قد قتل ثمانية آلاف من الناس و قتل فى غداة واحدة سبعا و أربعين كلهم قد جمعوا القرآن .
و يروي الطبرى : مات زياد و على البصرة سمرة بن جندب فأقره معاوية أشهرا ثم عزله فقال سمرة : لعن الله معاوية و الله لو أطعت الله كما أطعت معاوية ما عذبني أبدا .
* تاريخ الطبري - أحداث سنة 50 و 52
هذا السفاح المبشر بالنار يترضى عليه أهل السنة و الجماعة قائلين ( رضى الله عنه ) …و على هذا قس تصور أهل السنة حول الصحابة ! . فما أتبع أهل السنة في قولهم بعدالة الصحابة جميعا الا الظن
و ان تطع أكثرمن فى الارض يضلوك عن سبيل الله ان يتبعون الا الظن و ان هم الا يخرصون ( الأنعام 116 )

بعض علماء أهل السنة و الجماعة يقرون بفشل نظرية عدالة الصحابة جميعا :
الحقيقة أن نظرية أهل السنة و الجماعة المشوشة المفككة بعدالة الصحابة جميعا لم ( و لن ) تسطيع أن تصمد أمام ضربات العقل و المنطق و التاريخ الموجعة . أما المثير هى تلك النداءات من بعض أئمة أهل السنة و الجماعة أنفسهم تخرج بين الحين و الآخر تشهد بفشل نظرية بنى مذهبهم . و إليك بعض هؤلاء الأئمة :
1- أتجاة أبو الحسين القطان من أئمة الشافعية كما ذكره السخاوى فى ( فتح المغيث 3 : 112 ) و الآمدى فى (الإحكام في أصول الأحكام 1 : 274 ) و هو :
أن حكمهم في العدالة ، حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية

2- أتجاة المازرى من أئمة المالكية كما ذكره ابن حجر في ( الإصابة فى تميز الصحابة 1 : 19) و هو :
أن العدالة لا تثبت إلا لمن لازم النبي صلى الله عليه وسلم من أصحابه دون من رآه ، أو زاره أو وفد عليه لمدة قليلة .

أهل السنة و الجماعة يناقضون القرآن و السنة و التاريخ فى قولهم بعدالة الصحابة جميعا :
لا يستند أهل السنة لأي منطق في قولهم بعدالة كافة الصحابة جميعا بلا أستثناء و ان كفر بعضهم البعض بل أن هذا الرأي يخالف صريح القرآن و السنة الذين حددا أن الصحابة منهم الثابتون على الحق ومنهم من كان غير ذلك و أندس بين الصحابة الكرام و ذلك هو الذى ليس من المنطقى ان نصنفه فيمن ( رضى الله عنه ) و نمنحه الحصانة فلا نناقش تصرفاته و من ذلك :

1-قال الله يوم غزوة حنين ان من الصحابة من سينقلب على أعقابه بعد وفاة الرسول ( آل عمران 144 ) :
و ما محمد الا رسول قد خلت من قبله الرسل أفأن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزى الله الشاكرين

2-و قال الله يوم غزوة تبوك ان من الصحابة من هو متثاقل عن الجهاد ( التوبة 38 ) :
يا أيها الذين آمنوا ما لكم اذا قيل لكم أنفروا فى سبيل الله أثاقلتم الى الارض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الدنيا فى الآخرة الا قليل

3-و قال الله ان من الصحابة من لم يخشع قلبه لذكر الله ( الحديد 19 ) :
ألم يأن للذين آمنوا ان تخشع قلوبهم لذكر الله و ما نزل من الحق و لا يكونوا كالذين أوتو الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم و كثير منهم فاسقون

4-و توعد الله مخاطبا الصحابة الذين آمنوا بأنهم إذا ما أرتدوا فسيبدلهم الله بقوم آخرين ( المائدة 53 ) :
يا أيها الذين آمنوا من يرتد منكم عن دينه فسوف يأتى الله بقوم يحبهم و يحبونه أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين
فإذا كان الصحابة جميعا عدول ثقات فلا مجال لأحتمال أرتدادهم و تكون الآية بلا معنى !

5- و ندد الله ببعض الصحابة الذين آمنوا بأنهم يقولون ما لا يفعلون ( الصف 2-3 ) :
يا أيها الذين آمنوا لم تقولون ما لا تفعلون . كبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون

6-و قال رسول الله ان من صحابته من هو مآواه جهنم و بئس المصير فقال صلى الله عليه و آله و سلم :
ان أناسا من أصحابي يؤخذ بهم ذات الشمال فأقول أصحابي أصحابي فيقول أنهم لا يزالوا مرتدين على أعقابهم منذ فارقتهم . فأقول كما قال العبد الصالح و كنت عليهم شهيدا مادمت فيهم الى آخر الآية
* صحيح البخاري - كتاب أحاديث الأنبياء

7-و قال رسول الله ان من صحابته من سيتنافسون على الدنيا فقال صلى الله عليه و آله و سلم :
أني أعطيت مفاتيح خزائن الأرض و أني و الله ما أخاف عليكم أن تشركوا بعدي و لكن أخاف عليكم أن تتنافسوا فيها
* صحيح البخاري - كتاب الجنائز - باب الصلاة على الشهيد

8-و قال رسول الله ان من صحابته من سيتنافسون و يتحاسدون و يتباغضون فقال صلى الله عليه و آله و سلم :
إذا فتحت عليكم خزائن فارس والروم أي قوم أنتم ؟ قال عبد الرحمن بن عوف : نقول كما أمرنا الله . قال رسول الله : أو غير ذلك تتنافسون ثم تتحاسدون ثم تتدابرون ثم تتباغضون أو نحو ذلك ثم تنطلقون فى مساكين المهاجرين فتجعلون بعضهم على رقاب بعض
* سنن أبن ماجة - كتاب الفتن - باب فتنة المال - حديث 3986

ولا يقف الأمر على القرآن و السنة بل ثوابت التاريخ تؤيد خطأ النظرية .فمن الصحابة من أسلم و هاجر و كتب الوحي ثم أرتد كافرا :
1-الصحابى عبد الله بن سعد بن أبى سرح ( المتوفى 37 هـ ) ... صحابى أرتد و أهدر النبى دمه :
أسلم و هاجر و كتب الوحى إلا أنه أرتد كافرا و عاد لقريش و زعم أنه كان يزيف الوحى الذي كان يمليه عليه النبى فأنزل الله
و من أظلم ممن أفترى على الله كذبا أو قال أوحى الى و لم يوح اليه بشئ و من قال سأنزل مثل ما أنزل الله ( الانعام 93 )
و قد أهدر رسول الله دمه يوم فتح مكة و لو تعلق بأستار الكعبة فأختبأ عند أخيه من الرضاعة عثمان بن عفان فشفع فيه لرسول الله فأبى أن يقبل بيعته ثلاث مرات حتى بايعه أخيرا و ان تمني أن يكون هذا الصحابي المرتد قد قتل قبل أن يعفو عنه اذ قال لأصحابه : أما كان فيكم رجل رشيد يقوم الى هذا حين رآنى كففت يدى عن بيعته فيقتله
* البداية و النهاية لأبن كثير 3: 496

2-الصحابى الرجال بن عنفوة الحنفى ... صحابى أرتد و أقر لمسيلمة الكذاب بالنبوة ! :
أتي الى رسول الله و أخذ عنه سورة البقرة فلما توفى رسول الله بعثه أبو بكر الصديق رضى الله عنه الى أهل اليمامة يدعوهم للثبات على الأسلام و نبذ الردة فلما رأى علو شأن مسيلمة الكذاب فأرتد و شهد له بأنه شريك محمد فى النبوة .

3- الصحابى طليحة بن خويلد الأسدى ... صحابى أرتد و أدعى النبوة ! :
أسلم سنة 9 هـ ثم أرتد قبيل وفاة رسول الله و أدعى النبوة بنجد و تمت له حروب مع المسلمين ثم انهزم و خذل فلحق بآل جفنة الغسانيين بالشام . عاد طليحة للأسلام و حسن إسلامه . لما توفي أبو بكر الصديق أحرم بالحج فلما رآه عمر بن الخطاب قال : يا طليحة لا أحبك بعد قتلك عكاشة بن محصن و ثابت بن أقرم . و كانا طليعة لخالد بن الوليد يوم بزاخة فقتلهما طليحة و أخوه . شهد القادسية و نهاوند و كتب الخليفة عمر إلى سعد بن أبى وقاص أن شاور طليحة في أمر الحرب ولا توله شيئا .
_________________

الصحابة فيما بينهم ينفون عن أنفسهم العدالة المطلقة :
كان بعض الصحابة أحيانا يتبادلون العبارات القاسية و يطعنون فى بعضهم البعض بما يؤكد أنهم أنفسهم لم يكونوا يتصورون أنهم جميعا عدول قدوة كما يتصور فيهم ذلك أهل السنة .

1-أخرج البخاري أن رسول الله قال : من يعذرني من رجل بلغني أذاه فى أهلى
فقام سعد بن معاذ فقال : يا رسول الله أنا والله أعذرك منه إن كان من الأوس ضربنا عنقه و إن كان من إخواننا من الخزرج أمرتنا ففعلنا فيه أمرك . فقام سعد بن عبادة وهو سيد الخزرج وكان قبل ذلك رجلاً صالحاً ولكن احتملته الحميّة فقال : كذبت لعمر الله لا تقتله ولا تقدر على ذلك . فقام أسيد بن حضير فقال : كذبت لعمر الله والله لنقتلنه فإنك منافق تجادل عن المنافقين
فثار الحيّان الأوس والخزرج حتى هموا أن يقتتلوا ورسول الله على المنبر فلم يزل يخفضهم حتى سكتوا وسكت
في هذه الرواية نجد صحابياً يؤذي النبى وصارت مشادة بين سعد بن عبادة وسعد بن معاذ و أتهم أسيد بن حضير سعد بن عبادة بأنّه منافق كل هذا والنبي بينهم ولم يتخذ حداً بحق المتسابين

2-و كان الخليفة عمر بن الخطاب شديد الوطأة على الصحابة :
-فى سقيفة بنى ساعدة شتم عمر بن الخطاب الصحابى سعد بن عبادة و قال فى حقه : قتل الله سعداً
-و أتهم عمر بن الخطاب الصحابى أبو هريرة بسرقة أموال المسلمين و قال له فيما قال : يا عدو الله
-و قال عمر بن الخطاب لرسول الله عن الصحابى حاطب بن أبى بلتعة و هو بدريا من المهاجرين : أمرنى فأضرب عنق هذا المنافق

3-أما المثير حقا هو ذاك الحوار الذى دار بين الصحابة يوم التحكيم بين الصحابى أبو موسى الأشعرى عن أهل العراق و بين الصحابى عمرو بن العاص عن أهل الشام :
قال أبو موسى الأشعرى : لا وفقك الله . غدرت و فجرت إنما مثلك ( كمثل الكلب إن تحمل عليه يلهث أو تتركه يلهث ) ( الأعراف 176 ) . فرد عليه عمرو بن العاص : إنما مثلك ( كمثل الحمار يحمل أسفارا ) ( الجمعة 5 )
* الكامل فى التاريخ لأبن الأثير 3 : 333
فنجد أثنين من كبار الصحابة عند أهل السنة يصف كل منهما صاحبه بأنه كلب و حمار ! بينما نجد المؤرخ أبن الأثير يعلق قائلا : و كان أبو موسى مغفلا !

4-و لم يأخذ أيضا الإمام علي بنظرية أهل السنة .يروى عن عبدالله بن الحارث : قال اعتمرت مع علي بن أبي طالب في زمان عمر أو زمان عثمان فنزل على أخته أم هانىء بنت أبي طالب فلما فرغ من عمرته رجع فسكب له غسل فاغتسل فلما فرغ من غسله دخل عليه نفر من أهل العراق فقالوا : يا أبا الحسن جئنا نسألك عن أمر أن تخبرنا عنه . قال : أظن المغيرة بن شعبة يحدثكم أنه كان أحدث الناس عهدا برسول الله . قالوا : أجل عن ذلك جئنا نسألك . قال : كذب أحدث الناس عهدا برسول الله قثم بن عباس
* السيرة النبوية لأبن هشام
فنجد صحابى هو المغيرة بن شعبة يكذب على أهل العراق و الإمام علي يصفه بالكذب علنا

الخليفة عمر بن الخطاب رضى الله عنه يرفض نظرية عدالة الصحابة جميعا :
أكبر صفعة وجهت لمخترعى نظرية عدالة الصحابة جميعا كانت من عمر بن الخطاب الذى رفض هذه النظرية و لم يعتد بها
- و نجد ذلك فى رواية أبو سعيد الخدرى :
كنا فى مجلس عند أبي بن كعب فأتى أبو موسى الأشعرى مغضبا حتى وقف فقال : أنشدكم الله هل سمع أحد منكم رسول الله يقول الاستئذان ثلاث فإن أذن لك و إلا فأرجع ؟ قال أبي : و ما ذاك . قال : أستأذنت على عمر بن الخطاب أمس ثلاث مرات فلم يؤذن لى فرجعت ثم جئته اليوم فدخلت عليه فأخبرته أنى جئت أمس فسلمت ثلاثا ثم انصرفت . قال : قد سمعناك ونحن حينئذ على شغل فلو ما استأذنت حتى يؤذن لك . قال : أستأذنت كما سمعت رسول الله . قال : فوالله لأوجعن ظهرك وبطنك أو لتأتين بمن يشهد لك على هذا . فقال أبي بن كعب : فوالله لا يقوم معك إلا أحدثنا سنا قم يا أبا سعيد . فقمت حتى أتيت عمر فقلت : قد سمعت رسول الله يقول هذا
* صحيح مسلم - كتاب الآداب - باب الأستئذان
و ترينا الرواية أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب لم يقبل ما رواه الصحابى أبو موسى الأشعرى أخذا بنظرية أنه من العدول الثقات مادام قد صاحب النبى .

-و فى رواية أخرى للمغيرة بن شعبة قال :
سأل عمر بن الخطاب عن إملاص المرأة هي التي يضرب بطنها فتلقي جنينا . فقال : أيكم سمع من النبي فيه شيئا . فقلت : أنا . فقال : ما هو ؟ قلت : سمعت النبي يقول فيه غرة عبد أو أمة . فقال : لا تبرح حتى تجيئني بالمخرج فيما قلت . فخرجت فوجدت محمد بن مسلمة فجئت به فشهد معي أنه سمع النبي يقول فيه غرة عبد أو أمة
* صحيح البخارى – كتاب الأعتصام بالكتاب و السنة –باب ما حاء فى أجتهاد القضاة
و نرى أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه أشتد فى طلب شهود ليؤكدوا أن ما رواه الصحابى قد صدر فعلا من رسول الله و لم يقل مثلا : من المؤكد أن الصحابى صادق فيما رواه . لأنه صحب النبى . و من ثبتت صحبته ثبتت عدالته !
ــــــــــــــ

النتيجة السلبية لنظرية أهل السنة و الجماعة بعدالة الصحابة جميعا

أدت نظرية أهل السنة و الجماعة بأفتراضية عدالة الصحابة جميعا بلا أستثناء إلى زوال الفوارق نهائيا بين الذين قاتلوا الإسلام حتى أحيط بهم و أضطروا للإسلام و بين أولئك الذين قاتلوا مع نبى الإسلام كل معاركه حتى أعز الله دينه و نصر نبيه و أقام دولة الإيمان . فالكل سواء لا فرق بين هذا أو ذاك فكلهم مسلم صحابى عادل و كلهم في الجنة .فيتساوى المسلم الذي حاصرته قريش ثلاث سنين فى الشعب يأكل ورق الشجر مثل أي شخص كان على الشرك و اشترك بالحصار . حيث أسلم ذلك الشخص و الإسلام يجب ما قبله !
فأصبح القاتل كالمقتول و المهاجر كالطليق و الجاهل كالعالم و أصبح من حق كل واحد أن يفهم الإسلام و أن يستقطب حول هذا الفهم الأتباع و لا يوجد مرجع يعتبر كلامه حجة يقينية شرعية يقر بها الجميع فلو قال الإمام علي كلاما وقال واحد من الطلقاء كلاما آخر فالذي يزن القولين هو السامع لأنه عمليا لا فرق بين الإمام علي و أي طليق . فكلاهما في الجنة وكلاهما مسلم فهم جميعا صحابة
و بذلك اختلط الحابل بالنابل و الحق بالباطل و الخير بالشر و أصبح المتأخر كالمتقدم و اللاحق كالسابق و المجاهد كالقاعد و القاتل كالمقتول و من وقف مع الإسلام تماما مثل من وقف ضده و من قاتل الإسلام تماما كمن قاتل معه .
لقد دخل الجميع دين الله و شاهد النبي أو رآه فأصبحوا كلهم صحابة عدول و كلهم في الجنة و بذلك تأخر المتقدمون و تقدم المتأخرون . و على السابقين الأولين من المهاجرين و الأنصار فليبك الباكون

الغاية من ابتداع نظرية عدالة كافة الصحابة :

1-تبرير أفعال الفئة الباغية و على رأسها معاوية بن أبى سفيان و حزبه
2-النكاية فى أهل بيت النبى و حزبهم
3- التفريق بين المسلمين و الدخول فى متاهات الجدال

1-تبرير أفعال الفئة الباغية و على رأسها معاوية بن أبى سفيان و حزبه :
لقد أنزل معاوية بن هند و حزبه أعظم النكبات بالإسلام و المسلمين ( يرجى الرجوع للفصل الخاص بمعاوية ) و فرق معاوية الناس و جعلهم شيعا و مهما حاولت أمة محمد أن تتفق لما استطاعت بسبب ما أبتلاها به معاوية بن هند و لا يمكن تبرير هذه الأفعال بغير نظرية عدالة كل الصحابة فطالما أن الفئة الباغية معاوية و حزبه من الصحابة و طالما أن الصحابة كلهم عدول وكلهم في الجنة فإن معاوية و حزبه لم يخطئوا فلو كانوا على خطأ لما قال النبي إن الصحابة كلهم في الجنة ! و النبي صادق لا ينطق عن الهوى و بالتالي فإن معاوية صحابي مجتهد و هو مأجور فى قتل الصحابى عمار بن ياسر و حجر بن عدي وله على الغارات التى شنها على المسلمين الأبرياء أجرا و ثوابا لأنه صحابى و الصحابى من العدول !و أصبحت نظرية عدالة الصحابة تبرر أفعال الفئة الباغية كما إنها أيضا تمنحه الحصانة ضد أي نقد

2 -النكاية فى أهل بيت النبى و حزبهم
إن نظرية عدالة كل الصحابة تؤمن نجاة الفئة الباغية و على رأسها معاوية بن هند فى أي تقييم بينه وبين خصومه من أهل بيت النبى أو على الأقل تمنحه المساواة بينه و بين أهل البيت .
فلو قال آل محمد : إنهم هم الذين أذهب الله عنهم الرجس و طهرهم تطهيرا
لأنبرى معاوية بن هند و حزبه من الطلقاء إلى الرد الفوري : نحن أصحاب محمد العدول لا يجوز علينا الكذب و لا يجوز علينا الخطأ لأننا في الجنة و لا يدخل أحد منا النار !
ولو قال آل محمد : من عادانا فقد عادى الله
لرد معاوية و حزبه من الطلقاء : و نحن الصحابة أيضا قال النبي فينا : من آذى صحابيا فقد آذاني
وبذلك يختلط الحق بالباطل و العاصي بالمطيع و المحسن بالمسئ

3 - التفريق بين المسلمين .. و الدخول فى متاهات الجدال :
سواء كان ذلك غرض واضعى نظرية عدالة الصحابة جميعا أو لم يكن فإن تلك النتيجة كانت أثرا مباشرا لتلك النظرية .
فبعدما تمكن أهل السنة من تأصيل هذه نظرية عدالة الصحابة جميعا بثوبها الفضفاض و إشاعتها بين المسلمين حدث المتوقع أن تتبناها طائفة من المسلمين و تعارضها طوائف أخرى و بذلك ينشب الجدل بين أفكار الطائفتين و يتعصب كل فريق لرأيه و يختلفان و تدون آراء كل طائفة و يتبناها اللاحقون بحكم التقليد و بحكم الدفاع عن الحق أو وجهات النظر .
فالذين يؤيدون النظرية لم يقصدوا تأييد الفئة الباغية أو معاوية إنما قصدوا تأييد الصحابة بصفة عامة
و الذين يعارضون النظرية لم يقصدوا معاداة الصحابة كصحابة إنما قصدوا كشف الألاعيب السياسية الخافية على الفريق الآخر .
لكن عمليا كل فريق وقف وجها لوجه ضد الفريق الآخر و شغلوا عن الفئة الباغية و معاوية الذين لو قدر لهم أن يبعثوا اليوم لكانوا أول تساخروا فيما بينهم من تلك النظرية التى أنقذت عوراتهم

و أخيرا :

يتصور أهل السنة و الجماعة أننا اذا ما قلنا ان الصحابة منهم المصيب و المخطئ و علينا أن نترضى على الصالح الثابت على الحق منهم فأننا نهين صحابة الرسول لكن الحق أننا بذلك نحفظ مقام أجلاء الصحابة و نزيده علوا اذ نميز الغث عن السمين و الثابت عن المفرط . و حقيقة فأنه عسير على الفهم كيف يختلف صحابيان فيري كل واحد منهما ان الآخر مخطئا و يكون الأثنان على حق !
و تحضرني فكاهة أطلقت على سفه عقول اليهود . فقد حدث أن ألتقى ثلاثة يهود مختلفى الأتجاهات فريسى و حسيدى و ملحد مع حاخام . فقال الفريسى للحاخام : يحل لنا أن نشاهد التلفزيون يوم السبت
فقال الحاخام : أنت على حق
فأعترض الحسيدي و قال : لا . لا يحل لنا ذلك هذا حرام
فقال الحاخام : أنت على حق !
فذهل الملحد و قال مستنكرا للحاخام : كيف هذا على حق و هذا على حق . لا بد إنك حاخام معتوه
ففكر الحاخام قليلا و قال له : أنت أيضا على حق !
وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“