نصوص عن الزيدية ....جمعها الأستاذ حسن محمد زيد

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
محب محمد وآله
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 17
اشترك في: الأحد أغسطس 21, 2005 10:07 am

نصوص عن الزيدية ....جمعها الأستاذ حسن محمد زيد

مشاركة بواسطة محب محمد وآله »

بسم الله الرحمن الرحيم

نصوص عن

الزيــــــدية
في

أصول الدين -- الإمامة


المذهب الفقهي


جمعها/ حسن محمد زيد



مدخل:_
تتعرض الزيدية في اليمن منذ أربعة عقود وحتى اليوم لهجمة شرسة تهدف القضاء على وجودها،وأخطر أساليب الحرب الموجهة تجاه الزيدية،الفكر والمذهب والإنسان تتمثل في تشويه ملامحها وتقديمها على غير حقيقتها،مع منع الزيدية من التعريف بها أو الدفاع عن أنفسهم وعما يعتقدون،يلتقي في ميدان هذه الحرب المعلنة ضد الزيدية المتعصب مذهبياً الذي تلقى وعيه بدينهم في معاهد الدعوة السلفية المتعصبة سواء في اليمن أو خارج اليمن مع السياسي العنصري ضد الهاشميين الذي لايرى من المذهب الزيدي إلا شرط النسب في الإمام وإعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ويجهل ما عدا ذلك،ولقد كان الأمر قبل سنوات مقتصراً على منع الفكر بوضع عراقيل نشره والتعريف به بتعريض من يتصدى للكتابة عنه بإنصاف للمضايقة والحاق الأذى به كإلغاء عقد الدكتور أحمد محمود صبحي من التدريس بجامعة صنعاء لأنه كتب عن الزيدية بإنصاف،ولم يقتصر الأمر على إلغاء عقده بل تم منعه من بيع كتابه (المذهب الزيدي) ومصادرة نسخه،والتزمت الأجهزة سياسة صارمة بحرمان اي ناشط زيدي من الوصول إلى مواقع التعليم خصوصاً أقسام اللغة العربية والدراسات الإسلامية وكليات التربية ومعاهدها،إلى منع العلماء من تدريس الفقه في المساجد،وتدمير منازل الطلبة التي كانت منتشرة في معظم مساجد الهجر والمدن اليمنية،والتصرف بأوقاف العلماء والمتعلمين وتبديد العائد منها،وصولاً إلى إستباحة دماء الدعاة،
كل ذلك يتم تحت عنوان القضاء على(التشيع الإمامي)بإعتبار وجوده مداً للنفوذ الإيراني،وحماية الصحابة من أن يتعرضوا للسب....إلخ التهم والدعاوى الفارغة،التي تطلقها المنشورات المشبوهة التي توزع في طول اليمن وعرضها تبريراً لإجراءات الإبادة التي تمت،وتمهيداً لماهو أعظم خطراً لأن الحملة المنظمة المدعومة تهدف إلى غسل أدمغة بعض الشباب وبرمجتهم ليكونوا أداة قتل الزيدي لأنه زيدي،وقد بدأت هذه الحملة بكتاب هو عبارة عن منشور كتبه القاضي إسماعيل بن علي الأكوع من منطلق التحامل على الزيدية و الهاشميين منهم بالذات أطلق عليه(الزيدية نشأتها ومعتقداتها) وقد كتبه بهدف التقليل من الأثر الإيجابي الذي أحدثه كتاب الدكتور أحمد محمود صبحي(الزيدية)والمذهب الزيدي،وكتاب الشيخ محمد أبوزهرة(الإمام زيد)وكتيب القاضي العلامة المرحوم حسين بن أحمد السياغي نائب رئيس مجلس القضاء الأعلى،وكتاب الباحث اليمني الدكتور عبد الفتاح شائف نعمان الذي كتب عن الإمام الهادي فقيهاً ووالياً ومجاهداً ،وغيرها من الكتب التي سمح بنشرها وتداولها عقب الوحدة المباركة،وقد تزامن صدور هذا المنشور مع إشاعات بأن الزيدية في اليمن لم يعودوا زيدية بل تحولوا إلى شيعة إمامية رددها بعض المتعصبين من السياسيين المتأسلمين الذين يرون في وجود المذاهب عائقاً أمام انتشارهم وسيطرتهم الكاملة على اليمن،وتوحيدها بدول الجوار تمهيداً للوحدة الإسلامية التي لايمكن من وجهة نظرهم أن تتم إلا إذا تم القضاء على التعدد المذهبي وتوحيد الأمة وفق رؤية مذهبية واحدة،وتعاون معهم المرضى بالعنصرية المقيتة الذين خلطوا بين عجزهم وفشلهم عن إكتساب حب الشعب وبين وجود من ينتسبون إلى مايعرف بأهل البيت،ليستدروا عطف ودعم الدول والمؤسسات الخليجية والدولية التي ترى في إنتشار المذهب الجعفري مداً لنفوذ إيران السياسي إلى اليمن.
يتضح صدق تقييمنا لهدف القاضي إسماعيل الأكوع الذي عجز عن استمرار تمثيل دور الزيدي لأي قارئ منصف لمنشور القاضي اسماعيل لأنه أفصح في كتابه عن عدم موضوعية وتحامل على الزيدية بدرجة جعلته يحاول حجب نور الحقيقة الساطع بإبهامه ويشكك في سعة اطلاع الإستاذ الدكتور أحمد صبحي بقوله(أما زيدية اليمن،فقد كتب عنها الأستاذ الدكتور أحمد محمود صبحي مؤلفاً كبيراً حينما كان أستاذاً في جامعة صنعاء بعنوان الزيدية،ولقي الكتاب رواجاً في أواسط أتباع المذهب الهادوي،وأشاد به من أشاد منهم،مستشهداً ببعض ماورد فيه من ثناءحسن لبعض أفكار الزيدية،وذلك لأن الدكتور صبحي أثنى عليها حينما ذكر محاسنها في بداية ظهورها.وظن أن زيدية اليمن التي ابتدأت من أواخر القرن الثالث للهجرة،واستمرت إلى عصرنا،هي امتداد لزيدية القرن الثاني التي ظهرت في الكوفة في عهد مؤسسها زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب رضي الله عنهم،وليس ذلك بشيء،لأن الصلة بين زيدية اليمن وبين زيدية الكوفة انقطعت من القرن الثالث للهجرة الذي ظهرت فيه المذاهب الشيعية) ومجانفة الحقيقة في هذا النص واضح وجلي لأن كتاب الدكتور صبحي تناول الزيدية ابتداءً بالإمام زيد بن علي وحتى محمد بن علي الشوكاني مروراً بزيدية القرن الثالث وهم الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين،وجده الإمام القاسم بن إبراهيم والإمام الناصر الأطروش والصاحب بن عباد والحاكم الجشمي فالإمام المؤيد بالله يحيي بن حمزة والمهدي أحمد بن يحيي المرتضى،والسيد حميدان بن يحيي .....وصولاً إلى العلامة ابن الوزير وابن الأمير فشيخ الإسلام محمد بن علي الشوكاني، وفي كتابه الآخر المذهب الزيدي ضمن متني الأساس للإمام القاسم بن محمد ومصباح العلوم في معرفة الحي القيوم للرصاص، فهل ظن أد/صبحي أن زيدية اليمن امتداد لزيدية القرن الثاني أم أنه علم أنها كذلك فعلاً بناءً على معرفة بكتبها؟أم أن القاضي لم يوفق في القول؟لأن عبارته (ظن أن زيدية اليمن إمتداد لزيدية القرن الثاني)يُفهم منها أن صبحي اكتفى بقراءة بعض الكتب عن زيدية القرن الثاني وعمم أحكامه على الزيدية في اليمن مع أن العكس هو الصحيح فصبحي قرأ عن زيدية اليمن أضعاف ماسمع به القاضي ويكفي أن يطلع القارئ على حجم المراجع التي رجع إليها صبحي ليعرف جرأة القاضي مخالفة الواقع وسييتبين خطأ القاضي أكثر عندما نجد أنه أكتفى بالإعتماد بدرجة اساسية في أغلب نقولاته عن الزيدية على كتاب الجوهرة الخالصة للشريف الدامغاني،الذي قد لايسلم القاضي من تهمة أنه لم يكن أميناً في النقل عنه،لأن من يتهم بإن عادته عدم الدقة في النقل عن الأحياء كحال القاضي لن يتردد مدفوعاً بموقفه النفسي المتحامل على الهاشميين من تجاوز الحقيقة إلى نقيضها في تضمين نصوص مخطوطة لم تنشر بعد،لقد كان على القاضي اسماعيل الأكوع أن يناقش ما أورده صبحي من أحكام أشاد بها من أشاد من زيدية اليمن،ليثبت أن ما أورده صبحي من أراء وما توصل إليه من أحكام عن الزيدية غير صحيحة أو بنيت على غير أساس من كتب زيدية اليمن،ولكن تعصبه أعماه عن تلمس طريق الموضوعية،أوالتظاهر بها، وللتدليل على عدم موضوعيته يكفي أن نورد تعليقه على نص نقله عن الشريف الدامغاني عن أن الزيدية(أتقى الشيعة لولا مانقم عليهم)حيث قال معلقاً(هكذا كانت الزيدية في عصر الدامغاني.أما اليوم فإن أكثر العلويين المنتسبين مذهباً إلى زيد بن علي،ونسباً إلى علي بن أبي طالب كرم الله وجهه،ومن اعتزى إليهم من أهل اليمن-وما أكثرهم-قد تحول بعد قيام الثورة الإيرانية سنة1979م إلى شيعة اثني عشرية تحت غطاء مذهب الإمام زيد بن علي.ولوكان الأمر يتعلق بهؤلاء شخصياً لهان الخطب،ولكنهم يسعون بنشاط دائم إلى التبشير بهذا المذهب بالدعاية له وتوزيع كتبه مجاناً،غير مايباع منها في مكتبات خاصة بأثمان زهيدة،وذلك للإنتقام من النظام الجمهوري.....إلى أن يقول وكان الأحرى بأتباع مذهب الإمام الهادي-إذا كانوا حريصين على نفي مارسخ في أذهان أتباع المذاهب الأربعة من أن المذهب الزيدي لايختلف عن المذهب الجعفري،وأنهما يصدران من مشكاة واحدة-أن يلتزموا بماكان عليه الإمام زيد بن علي رضي الله عنه الذي ينتسبون إلى مذهبه اسماً فيرفضون من رفضهم،ويترضون على من ترضى عنهم من صحابة رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم ويعملون بما جاء في مجموع زيد بن علي من رفع اليدين وضمهما في الصلاة والتأمين.(ومراده هو خلاصة كلامه،أي أن خلافه مع الزيدية هو فقط في الضم والرفع والتأمين،ولنا أن نتصور مدى ضحالة تفكير القاضي إسماعيل فمجرد تمسك الزيدي بمايعتقده صحيحاً من إرسال يديه في الصلاة وعدم رفعهما حال التكبير وعدم قول آمين عقب الفاتحة تعبير عن الحقد على الجمهورية......الخ كلامه ،والأسخف من كل ذلك تناقضه في زعمه أنه مع حرية الإجتهاد وقبح التقليد،وفي نفس الوقت لايقبل من الزيدي أن يخالفه في كيفية وضع اليد عند الصلاة والإمتناع عن قول آمين!!وكأن القاضي يضع نفسه بإمراضه وعقده في موقع المشرع الذي يحدد للمسلمين نتاج تفكيرهم وكيفية عبادتهم،وكأن العبادة له وليست لله،وهو إذ يطالب الزيدية بالعمل بما زعم أنه في مجموع الإمام زيد بن علي،يتهم الإمام زيد بن علي(وحاشا الإمام زيد)بمخالفة ماكان عليه أبائه)حيث يقول في صفحة 15معرفاً بالزيدية(وهي إحدى فرق الشيعة الثلاث:الزيدية والاثنى عشرية(الجعفرية)والإسماعيلية(زيدية إمامية باطنية)ولكن الزيدية أعدلها وأقربها إلى مذهب أهل السنة والجماعة،إذ كانت في بداية ظهورها وعصر نشأتها على ماكان عليه السلف الصالح من العمل بأحكام كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم فقط،خلا أنها خالفت أهل السنة في أمرين:
أحدهما:-نزوعها في العقيدة إلى الاعتزال،تبعاً لزيد بن علي الذي قد أخذه عن واصل بن عطاء رأس المعتزلة...من حيث أنه (أي زيد)يتكلم في القدر على غير ماتكلم أسلافه .. }وواضح أنه يتهم الإمام زيد (ع)بالابتداع لأنه بحسب تعبيره تكلم في القدر على غير ماتكلم اسلافه،وهي فرية لأن الإمام زيد(ع) كان حليف القرآن،وتلميذ بيت النبوة،وكلام الإمام زيد في القدر هو كلام أسلافه،كما سيتبين لنا من نص الإمام زيد حول الموضوع،الذي نقلناه عنه صدر البحث.
وللأسف الشديد فقد تابع القاضي الأكوع أو أتفق معه الإستاذ زيد بن علي الوزير في كتابه (المطرفية الفكر والمأساة) ولكن بحسن نية لإنه أراد أن يقدم الزيدية والإمام زيد لقرائه المعجبين بالمعتزلة وكأن الإمام زيد (ع)نسخة عن واصل فقال في معرض الرد على قول العلامة يحيي بن الحسين بن الإمام القاسم :"كان السلف من أهل البيت قبل استقرار المذاهب مجتهدون مستقلون.ومنهم راجع إلى غيرهم من الصحابة والتابعين في زمانهم،فما زالوا كذلك مدتهم.والمجتهدون مثل الحسنين وأولادهم كعلي بن الحسين والصادق والباقر وزيد بن علي وكانوا في الأصول الدينية على قول واحد حسبما كان عليه سيد البرية وأصحابة.واما الفروع الفقهية فيختلفون فيها بحسب اجتهادهم كما تضمنه كتاب الجامع الكافي في فقههم وأصول دينهم".
قال زيد الوزير أن هذا القول( بحاجة إلى توضيح بل تصحيح،وهو قد ينطبق على غير الإمام زيد من آل البيت ولكنه لاينطبق عليه،لأنه يناقض تماماً واقع التاريخ. فالمؤرخون يجمعون على أن الإمام زيداً كان من رواد علم الكلام،لكنهم يختلفون في كونه تلميذاً لواصل بن عطاء أو شيخاً له.وسواء أكان تلميذاً لواصل أم شيخاً فهو في كلا الحالتين يعتبر أحد منبعي الفكر الكلامي.ولذلك فإن الزيدية تعد بين الفرق لافي المذاهب.فإذا كان واصل بن عطاء قد انصرف إلى الميدان العقلي وكان فارسه الأول.فقد انصرف زيد لمعالجة التدهور السياسي وكان فيه بطله الأول،ولكن ذلك لايعني أن زيداً لم يشاركه المنطلقات الكلامية الأساسية،بل كان فيها معلماً بارزاً.ويكفي لدحض تلك الشبهة القول إن زيداً في حالة أستاذيته قد أثر في تلميذه واصل،أو أنه في حالة تلمذته عليه قد أثر فيه.ولايمكن إغفال هذا التأثير عند تحليل الوقائع.وهكذا علينا أن نستقبل مارواه يحيي بن الحسين في المستطاب قبولاً غير حسن.إن علينا أن نفرق بين زمن الصحابة الفطري وبين زمن زيد الفلسفي وأن نفرق بين كيفية تناول القضايا في الزمنين،فقد تناول الصحابة تلك القضايا تناولاً فطرياً لم يكلفوا أنفسهم جهداً عقلياً كبيراً في بحث الغيبيات،بل سلموا به تسليماً إيمانياً عميقاً.بينما تناول زيد وعطاء تلك القضايا نفسها بعد مائة عام من المزج الحضاري عاشه المسلمون في مدن وارثة لحضارات ومعتقدات متعددة أوجد حالات لايمكن للفكر الفطري أن يجيب عليها.فلايمكن والحالة قد تغيرت هذا التغيير أن يكون زيد على ماكان عليه وضع الصحابة الفكري الفطري البسيط غير المعقد وعليه يمكن القول بأن زيداً وواصلاً كانا البداية لمنهج سيفرض نفسه بقوة ومن هنا خفي على مؤلف الجامع الكافي والمستطاب دور زيد في علم الكلام.. )
ومن يوحد بين الزيدية والمعتزلة في الأصول ،لايخرج قوله عن الإقوال التالية:-
الأول : أنَّ الإمام زيد بن علي زين العابدين (ع) هُوَ أولُ مَن بدَّلَ وتأثّر بالإعتزال وأهله ، وذلك عن طريق تتلمذه على يد واصل بن عطاء ، فبدأت الزيدية مِن هُنا بالإنحراف عن مذهب أهل البيت الصحيح إلى مذهب الإعتزال واليونان .وفي هذا الكلام، تشكيكٌ ظاهرٌ في سلامة عقيدة الإمام زيد بن علي (ع) ، وتشكيكٌ في عِلمِه الذي أطبقَ أعلامُ الأمّة من السنة والشيعة على تبحرّه فيه ، وأنّه كانَ أحد أفضل أهل زمانه علماً وعَملاً . وهو مخالف للواقع لأن كل ماعرف عن فكر الإمام زيد بن علي(ع)كان معروفاً عن آبائه وإخوانه من أهل البيت،بل وعامة المسلمين،وبدون تحديد مالذي تميز به الإمام زيد(ع)وواصل عمن سبقهم أو عاصرهم من العلماء فإن القول بالتتلمذ والتأثير والتأثر لغو وكلام لامعنى له،
وإنْ كانَ التاريخُ قد أثبتَ علاقةً جمَعَت بين زيد بن علي (ع) وبين واصل بن عطاء ، فإنّه ليسَ من الضروري أن تكون هذه العلاقة علاقة تتلمذ -لأنّهما قد اجتمعا على فكرٍ مُتقاربٍ ، فكرُ أهل العدل والتوحيد فكر أهل البيت (ع) ، فزيدٌ عن أهلِ بيته أخذَ عِلمَهُ وفِكْرَه ، وواصلٌ عن أبي هاشم عبدالله بن محمد ( ابن الحنفية ) بن علي بن أبي طالب أخَذَ عِلمَهُ وفِكرَه ، فاجتمعَ هذان العَلَمان من هذا المُنطلق - مُنطلق تقارب الأفكار في الدين - ، وكذلكَ جمَعهم عاملٌ مُهمٌ وهُو حُب الإصلاح والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي تغاضى عنه كثيرٌ من المسلمين في زمنهم فانتشر الفساد والظُلم والجور ، إذ كانَ واصلُ بن عطاء أحدَ أعوان الإمام ومُناصريه،يدل على هذا التقاء الخوارج مع المعتزلة والزيدية وأغلب الإمامية في الأصول،
ومن السخف العلمي افتراض أن يكون أثر لقاء الإمام زيد بن علي (ع)بواصل ابن عطاء والإمام في الأربعين أكثر تأثيراً عليه من علاقته بوالده زين العابدين ومن بعد ذلك أخيه محمد الباقر وهما من هما علماً وتأثيراً؟
ثم أن من يرمي الإمام زيد بن علي عليه السلام بتهمة متابعة واصل بن عطاء في الأصول لايبين فيما تأثر به،فالخروج الذي هو نتيجة أو تعبير عن اعتقاد وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مذهب ومنهج الإمام الحسين بن علي عليهما،جد زيد(ع) الذي أحياء بخروجه سنة جده،الحسين الذي استقاه من جده الرسول صلى الله عليه وآله وسلم،والقول بالعدل،أو بالقدر كما يقول اسماعيل الأكوع،هو عقيدة السلف الصالح،وهو لب وجوهر العقيدة الإسلامية لأن عدم الإيمان به أو اعتقاده،يتناقض مع الحكمة من أرسال الله للرسل،ويتناقض مع العقل الذي يقضي بداهة أننا المسؤلون عن أفعالنا،ويتناقض مع الحكمة من التكليف والثواب والعقاب.
إن من يزعم أن لواصل تأثير على الإمام زيد،يعبر عن جهل جعله خاضعاً للدعاية المضللة التي رددتها السلطة الأموية ثم العباسية لتحد من نمو واستمرار الثورات التي قادها أئمة الزيدية عبر التاريخ الإسلامي،ساعدها على ذلك حرص الروافض على تبرير خذلانهم لآل رسول الله الذين كانوا يتغنوا بحبهم.
وننبه على أنَّ الإمام زيد بن علي (ع) أُثِرَ عنْهُ تقديم وتفضيل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) على مَنْ تقدَّمَه من الثلاثة - أبو بكر وعمر وعثمان غفر الله لهم - مِن غير سبٍ ولا براءة صدرَت منه عليه السلام منهم ، وهذا القول هُو قولُ الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، وقولُ الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ، وقولُ الإمام الناصر للحق الحسن بن علي الأطروش (ع) ، وهُوَ أيضاً قولُ ساداتِ أهل البيت الزيدية عليهم السلام إلى اليوم،
فماالذي تميز به الإمام زيد عليه السلام عن غيره من أهل بيته وعامة المسلمين؟ لايوجد مايميز الإمام زيد عمن سبقه أوعاصره من أئمة آل البيت أو غيرهم،إلا أنه خرج ثائراً على الظلم ليحيي سنة من سنن جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم التي كادت أن تغيب عن ذهن الأمة ووجدانها نتيجة للقمع الذي مارسته الدولة الأموية في الطف باستحلالها دم الحسين وآل بيت النبوة وإنتهاكها لحرمة المدينة المنورة وقتلها بقاياء الصحابة وأبنائهم من المهاجرين والأنصار يوم الحرة،وأعظم من ذلك استباحة أعراض المسلمات حتى روي مالايصدق، وانتهاك حرمة مكة ورميها بالمنجنيق والتمثيل بجثة ابن حواري رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الزبير بن العوام رضي الله عنه وابن ذات النطاقين أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها وعن والدها،.
وإحياء الإمام زيد لواجب الخروج على الظلم،لايجعله مبتدعاً بل هو المتبع ومن خالفه وأشاع النهي عن واجب دفع المنكر،ومن زعم أنه خلاف الإجماع فهو المبتدع.
بل (أن مبدأ الزيدية(في وجوب دفع المنكر) هو مبدأ الأنبياء والمرسلين المبلغين عن رب العالمين، فالنبوات إنما كانت ثورات على المتعالين الظالمين، وقد كان رسول الله محمد صلى الله عليه وآله وسلم سيد الثائرين انتصاراً للإنسانية من ظالميها وأشد الثائرين على الطغيان والفسوق والعصيان، وهو رسول الألفة والمحبة والمساواة {وأمرت لأعدل بينكم}،وأهل ملته ودينه هم المتآلفون المتحابون المتعاونون على الخير والبر والتقوى فمن لم يكن في هذه العروة الوثقى فهو خارج عنهم وليس منهم ولا فيهم، وقد كان الإمام زيد بن علي رضوان الله عليه يأخذ على مبايعيه في صيغة بيعته، الدفع عن المستضعفين وإعطاء المحرومين، تطبيقاً لمقاصد الإسلام الواردة بأسلوب الحث والاستنكار الذي هو أقوى من أسلوب الأمر في قوله تعالى: (ومالكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها).
فالزيدية أخذت بمبدأ الخروج على الظالمين لأنه أهم الأوليات التي بعثت الرسل من أجلها حتى لا يكون ظلم ولا ظالمون في خلافة أرض الله وفي عباد الله، ويكون الدين كله لله، والناس سواسية وكلهم عيال الله، وهو مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر الذي سيحيي الأمة احياءً حقيقياً، ويضمن استجابة الدعاء كما في الحديث، ويحث الإسلام على إقامته، ويعتبره من أساسياته.)
إلا أن الخروج لايعني الحرب الدائمة،بل تقدم مصلحة الأمة في السلم مادامت المصلحة العامة متحققه (وبهذا المفهوم فهمه الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه، وتعلمه تطبيقاً لمدرسة رسول الله، وقاتل من أجله، لا من أجل نفسه، حيث قال محذراً ومنذراً: (والله لأسلمن ما سلمت أمور المسلمين)، فسلم حين سلمت أمور المسلمين، وثار مغضباً حين مس الظلم أمور المسلمين وانتهكت حقوق المسلمين، فحياته كانت للإسلام والمسلمين، وجهاده للإسلام والمسلمين، واستشهاده من أجل الإسلام وحقوق المسلمين،
ولما كان الجهاد في سبيل الله والمستضعفين هو مبدأ الإمام علي بن أبي طالب فإليه تنتمي الزيدية)

*****
ونتيجة للحملة الظالمة على الزيدية مع منع الزيدية عن التعريف بمذهبهم ساد الجهل بالزيدية وسهل على خصومها إلصاق التهم بها تارة بنسبتها إلى المعتزلة،وتارة أخرى بنسبة أتباعها إلى الإمامية الجعفرية وتحميل الزيدية ماينسب افتراءً إلى المعتزلة والشيعة الإمامية من أقوال ومعتقدات تستفز أهل السنة لما تحمله ذاكرة أهل السنة من فهم مغلوط للفكر المعتزلي،ولما يقال عن موقف الإخوة الإمامية من أبي بكر وعمر رضي الله عنهما،ولاشك أن الزيدية تلتقي مع المعتزلة في الكثير،كما تلتقي مع الشيعة الإمامية أيضاً بل أن لايضير الزيدية أن تلتقي مع الإمامية الجعفرية،لإنها أيضاً تلتقي مع مذاهب السنة(وبالذات الأحناف حتى شاع أن الزيدية في الأصول معتزلة وفي الفروع حنفية)وتلتقي إلى درجة التطابق مع أصول الإباضية من الخوارج بإستثناء الإمامة و الميل إلى عدم تكفير من ثبت إسلامه،كما تختلف عن المعتزلة والشيعة الإمامية بقدر التقائها مع أهل السنة والإباضية،والمهم هو ماموقف الزيدية من الآخرين؟هل تقبل التعايش معهم وتعترف بحقهم في الإختلاف معها؟

نسبة الزيدية
(أن الزيدية هم منتسبون في التحقيق إلى الإمام علي بن أبي طالب، وإنما كان انتسابهم إلى الإمام زيد بن علي لأنها وقعت فترة بعد مقتل الحسين بن علي كادت تنسي أشهر صفات أهل البيت، وهي الجهاد، فقام زيد بسنة آبائه فانتسب إليه من وراءه لهذه الخصوصية...الخ، وانطلاقاً من هذا المبدأ مبدأ الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر -ملتقى الزيدية- ظهرت الزيدية بفكرها الثائر في مواقفها المعادية وحركات المعارضة المتتالية للدول الظالمة التي كانت الجبرية والمرجئة يبررون لها ويغضون الطرف عن مظالمها، وكان للزيدية صولاتها وجولاتها في مقاومة الظلم والظالمين: (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة)، وشعار كلمات الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: (الموت في حياتكم مقهورين والحياة في موتكم قاهرين)، فكان شرف اختصاصها بمواقفها في وجوه الظالمين من بين الناس في المجتمع العربي المهادن هو آفاتها ومحنتها وسبب تجمّع القوم عليها، من سحيق الدار وبعد المزار للتنكيل بها وقهرها ودحرها وإسكاتها، فقتلوا حتى قلوا، وقهروا حتى ذلوا، وما زال الكيد لهم من أعداء فكرهم لا يزالون إلى يوم الناس هذا حتى تُلغي الزيدية فكرها وتتبع فكرهم بالتسليم المطلق للقضاء والقدر في كل ما يجري عن أيدي ولاة السوء مهما كان ظلماً وباطلاً، وما عليهم إلا أن يلبسوا لبوس الإستكانة، ويظهروا بضرع الاستسلام والذلة، ويقطعوا صلتهم بتراثهم الفكري والفقهي)
ومع أنها في حقيقةالأمر تنتسب إلى الإمام علي عليه السلام إلا أن الزيدية تنسب إلى الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام)،لتتميز عن المذاهب الشيعية الأخرى التي تنتسب للإمام علي يروى أن عبد الله بن الحسن بن الحسن بن الإمام علي عليهم السلام قال العلم بيننا وبين الناس الإمام علي وبيننا وبين الشيعة الإمام زيد بن علي، فيقال (زيدي) للمسلم الملتزم بنفس النهج الذي التزمه الإمام زيد بن علي (عليهما السلام)، في سلوكه (العبادي) المبني على فهم وتعبير مميز لالتزامه (بالإسلام) كمنهج شامل لجميع جوانب الحياة ومكونات الشخصيه المسلمة وعلاقاتها، وأساس التميز منهجي متعلق بكيفية الوصول إلى معرفة الحكم الشرعي حيث يقدم العقل المعتمد على التجربة على ما سواه من مصادر المعرفة عند التعارض
فالزيدي من يوافق الإمام زيد (ع) في الأصول (المنهجية) مصادر التشريع ووجوب النظر لعدم جواز التقليد في مسائل أصول الدين وأصول الفقه... والموالاة والمعاداة وما يترتب على ذلك من وجوب (الخروج)على الظلم عند توفر أسبابه وشروطه، وهو(خروج) سياسي لأنه أمر بالمعروف ونهي عن المنكر... وخروج مذهبي فكري عقائدي ثقافي بالإجتهاد بالنظر لتحرير ذهنية الأمة من الانحرافات والخرافات(كالتشبيه) الذي هو نتاج للخضوع لحشو الحديث وتغييب العقل، و(الجبر)الذي فرض ثقافة على الأمة لتبرير الظلم، و(الإرجاء) الذي أشيع لاعذار الظالمين وتأجيل الحكم على سلوكهم المنحرف عن موجبات إسلامهم،والاستسلام لأوهام الشهرة، هروباً من تحمل مسئولية كل فرد في الأمة لأمانة البحث والتفكير في إصلاح أمر الأمة بأداء واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر،لمواجهة المظالم والانحرافات.
بينماالاختلاف في الفروع الفقهية مناط الأحكام الظنية التي لم تجمع عليها العترة أوالأمة أو لم يرد فيها نص قاطع صريح لا يحتمل إلا معنى واحد فإنه لا يشترط أن يكون الزيدي موافقاً للإمام زيد (ع) بل قد يجب عليه مخالفته إن ترجح لديه رأيٌ خلاف رأي الإمام زيد (ع) (إن كان قادراً على الترجيح) ولو في مسألة جزئية واحدة (فعلمه) مقدم على علم الإمام زيد (ع) وظنه مقدم على ظن الإمام زيد(ع) بل إن الجاهل الصرف أو العامي إن فعل فعلاً تعبدياً ولم يخرق الإجماع فمذهبه مذهب من وافق (أي حكمه كالمجتهد)كما تقول قواعد الزيدية التي استنبطت من النصوص القاطعة ومن أقوال وأحكام أئمة آل البيت وذلك لأن الزيدية في الفروع (العبادات تحديدا) مذهب إجماع الأمة) فالأصل في العبادات (وجوب العمل بالأحوط) عند تعارض الأدلة،والأحوط هوالذي لا خلاف على صحته عند الأمة،أو الأقرب إلى الصحة عند الجميع،{مثال إرسال اليدين في الصلاة، صلاة المرسل مجمع على صحتها،لأن القائلين بضم اليدين في الصلاة لايعتبرون الضم شرط لصحة الصلاة فصلاة المرسل صحيحة عند الجميع بينما،بعض العلماء يعتبر أن الضم في الصلاة مفسد لها،}
الزيدية، بالإضافة إلى أنها تطلق على المسلمين الذين يعتقدونها لتميزهم عن غيرهم
هي أولاً: فرقة من فرق علم الكلام لها اراء تميزها عن غيرها في مسائل التوحيد والعدل والوعد والوعيد والإمامة
وهي كفرقة تمثل (دائرة) تتقاطع (بدرجة) التطابق أحياناً مع الفرق الإسلامية التي قد لا يكون بينها -كفرق متمايزة-أي تقاطع، ولذلك يقول عنها السنة بأنها أقرب المذاهب الشيعية إليها،وبعض مؤرخي الشيعة يعتبرها أقرب المذاهب السنية إلى الشيعة، وكذلك يوحد بينها وبين كالمعتزلة وتميز عن الأشاعرة والمجبرة... الخ.
وثانياً: حركة سياسية كان لها حضور تاريخي أسهم في صياغة التاريخ الإسلامي وتشكيله،يتضح ذلك لأي مهتم بمعرفة الزيدية أو متابع لمايدور عنها، فالحديث عن الزيدية كحركة سياسية (وفي سبيل تحديدها)، يستدعي الحديث عن الفرق سياسية الطابع،كالخوارج والمرجئة والشيعة وأهل السنة والجماعة)
وثالثاً: مذهب فقهي
أولاً: أصول الدين
تتميز من خلال جملة من المسائل العقائدية التي يجمع عليها أئمة الزيدية،والمعروفة بأصول الدين وهي التي يعتبر ان الحق فيها مع واحد أي لا تقبل التعدد والمخالف غير معذور ولا يجوز فيها التقليد ولا يغني فيها الظن ولا يقبل فيها إلا الدليل القطعي المستمد من العقل أو النص المحكم المتواتر. وتلخص إجمالاً في التوحيد والعدل والوعد والوعيد ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف(ويلخص الإمام علي عليه السلام التوحيد في القول:التوحيد أن لاتتوهمه، والعدل أن لاتتهمه،ويوضح الإمام زيد بن علي زين العابدين بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (ت122هـ) عقيدة الزيدية في العدل في رسالةٍ لهُ إلى المُجبرَة عليهم بقوله : ( ... سُبَحَانَه وتَعالَى عَمّا تَقُولُ المُجْبِرةُ والمشبِّهةُ عُلواً كبيراً. إذ زَعَمُوا أنّ اللّه سُبحَانَهُ وتَعَالَى خَلَقَ الكُفْرَ بنفسهِ، والجُحودَ والفِرْيَةَ عَلَيه ، ...... ، فَقَالُوا: مِنهُ جَمِيْعُ تَقَلُّبِنَا فِي الحَرَكَات، التِي هِيَ: المَعَاصِي، والطّاعَات، وإنّه مُحَاسِبُنَا يومَ القِيامَة عَلى أفعَالِه التِي فَعَلَهَا، إذْ خَلَقَ: الكُفر، والزِّنا، والسَّرقة، والشِّرك، والقَتل، والظّلم، والجُور، والسَّفَه. ولَولا أنّه خَلَقَها - زعموا - ثم أجْبَرَنا عليها، ما قَدَرْنَا على أن نَّكْفُرَ، وأن نُشْرِكَ، أو نُكَذِّب أنبياءه، أو نَجحَد بِآيَاته، أو نَقتُلَ أوليَاءَه، أو رُسُلَه، فلمّا خَلَقَهَا وجَبَرَنا عَليها، وقَدَّرَها لنَا، لَم نَخرُج مِن قَضائِهِ وقَدَرِه، فَغَضِبَ عَلينَا، وعذَّبنا بالنّار طُولَ الأبَد. .... كَلاّ وبَاعِثِ المُرسَلين، مَاهَذِه صِِفَةُ أحكَم الحَاكِمِين، بَل خَلقَهُم مُكَلَّفِين مُستطيعِين مَحْجُوْجِيْنَ مَأمورين مَنهيين، أمَرَنا بالَخْيرِ ولَم يمْنَعْ مِنه، ونَهى عن الشَّر ولم يُغْرِ عليه، .... فنفتِ المُجبرَةُ والمُشبّهَة عَن أنفُسِهِم جَميعَ المَذَمَّات، والظّلم، والجور، والسَّفَه، ونَسَبُوها إلى اللّه عزّ وجل مِن جَميع الجِهَات. فَقَالوا: خَلقَنَا اللّه أشقياء، ثم عَذَّبنا بالنار، ولَم يَظلِمنَا. فأيّ استهزَاءٍ أعظَمُ مِن هَذا، وأيّ ظًلمٍ أوضح، أو جُور أبْيَن مّمَا وصَفوا بِه اللّه عزوجل؟! ، كَلاَّ ومَالِكِ يومِ الدّين مَا هذهِ صِفَة أرحَمِ الرّاحِمِين، مَن يَأمُر بالعَدلِ والإحسان، ويَنهَى عَن الفَحشَاء والمُنكَر، كَمَا قال سبحانه: ﴿ لاَ يُكَلِّفُ اللّه نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا﴾ و وُسعها : طاَقَتها. بَل كَلّفَهُم أقلّ مِمّا يُطيقُون، وأعطَاهُم أكثرَ ممّا يَسْتَأهلون، لَم يَلتَمِس بِذلِكَ مِنهُم عِلَّة، ولَم يَغتَنِم مِنهُم زَلَّة، ولَم يُخَالِف قَضَاءَهُ بِقَضَائِه، ولا قََدَرَه بِقَدَرِه، ولا حُكمَهُ بِحُكمِه، تَعالى عمّا تَقول المُجبَرة والمُشبّهة عُلواً كبيراً، إذ شبَّهوا اللّه سبحانه بالجِنِّ والإنس؛ لأنّ الظُلمَ، والجَهلَ، والفُسوق، والفُجورَ، والكُفر، والسَّفَه لا تَكونُ إلا مِنَ الجِنِّ والإنس ))
وقد أوجزها الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي(ع) في الخمسة أصول
(أولهن:-أن الله سبحانة وتعالى إله واحد"ليس كمثله شيء"وهو خالق كل شيء يدرك الأبصار ولاتدركه الأبصار وهو اللطيف الخبير.
والثاني من الأصول:أن الله سبحانه وتعالى عدل حكيم غير جائر لايكلف نفساً إلا وسعها ولايعذبها إلا بذنبها،لم يمنع أحدا من طاعته بل أمر بها،ولم يدخل أحداً في معصيته بل نهاه عنها.
والثالث من الأصول: إن الله سبحانه صادق الوعد والوعيد يجزي بمثقال ذرة خيراً ويجزي بمثقال ذرة شراً،من صُير إلى العذاب فهو أبداً خالداً مخلداً كخلود من صير إلى الثواب الذي لاينفد.
الرابع من الأصول:أن القرءان(القرآن) الكريم مفصل محكم وصراط مستقيم لاخلاف فيه ولااختلاف،وأن سنة رسول الله ماكان لها ذكر في القرءان(القرآن) ومعنى.
والخامس من الأصول:أن التقلب بالأموال والتجارات والمكاسب في وقت ماتعطل فيه الأحكام وتنتهب ماجعل الله للأرامل والأيتام والمكافيف والزمنى وسائر الضعفاء ليس من الحل والإطلاق كمثله في وقت ولاة العدل والإحسان والقائمين بحدود الرحمن.
فلايسع أحد من المكلفين جهل هذه الأصول الخمسة بل تجب عليهم معرفتها.) ) يؤكد الإمام الإمام الهادي إلى الحق يحيي بن الحسين إجماع الأمة على هذه الأصول،كما يؤكد على أن عقيدة الزيدية هي المجمع عليه،وفي ذلك يقول:(أن جميع الأمة بجملة قولنا مصدقون..وهم فيما ندين الله به من أصول التوحيد والعدل وإثبات الوعد والوعيد،والقول بالمنزلة بين المنزلتين،والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مصدقون...وذلك أنهم شهدوا:أن الله واحد ليس كمثله شيء،ثم نقضت ذلك المشبهة بقول من قال منهم إنه على صورة آدم،...فلما شهدوا لنا أنه واحد ليس كمثله شيء،أخذنا بذلك وتركنا اختلافهم،
وأما شهادتهم لنا في العدل فإنهم شهدوا أن الله تبارك وتعالى عدل لايظلم ولايجور،وأنه خير للخلق من الخلق لأنفسهم،وهو أرحم الراحمين،ثم نقضت ذلك المجبرة،بقول قائل منهم:إنه كلف العباد مالايطيقون،وأنه أخرجهم من الطاعة،وأنه عذبهم على ماخلقهم فيهم......فأخذنا بما شهدوا لنا به في أصل شهادتهم:انه عدل لايظلم،ولايجور،ولايعبث وأنه حكيم رحيم عدل كريم وتركنا مانقضوا به جملتهم عند اختلافهم...
أماشهادتهم لنا في الوعد والوعيد،فإنهم شهدوا جميعاً:أن الله تبارك وتعالى صادق في جميع أخباره،وأنه لايخلف الميعاد،ولايبدل القول لديه،صادق الوعد والوعيد في أخباره،ثم نقض المرجئة،بقول من زعم أن الله جائز أن يعفو لمن قد أخبر أنه يعذبه.
وأدعى بعضهم الخصوص في الأخبار،فزعموا أن كل خبر جاء من الله عاماً في الظاهر،فقد يجوز أن يكون خاصاً،كقول الله عز وجل"وإن جَهَنمَ لَمُحيِطَةٌ بالكافرين"فزعموا أنه يجوز أن يكون عنى بعض الكافرين دون بعض .....وزعم بعضهم أنه ليس في أهل الصلاة وعيد وإنما الوعيد في الكفار خاصة دون غيرهم.
وكل هؤلاء وغيرهم من أصناف المرجئة ناقضون لمعنى ما أخبر الله في كتابه،وحكم به من وعده ووعيده
فلما شهدت لنا الفرق كلها أن الله صادق الوعد والوعيد،لاخلف لوعده،ولاتبديل لقوله،أخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك،...
وقولنا:إن أهل الكبائر من أهل الصلاة فساق وفجار أعداء الله،ظلمة معتدون فإنهم شهدوا لنا بذلك فشهدنا بماشهدوا.
ثم ادعى بعض الخوارج:أنهم كفار،وأن فسقهم قد بلغ بهم الكفر والنفاق دون الشرك،وقال بعضهم:بلغ بهم فسقهم الكفر والشرك..
وادعت المرجئة:أنهم مع فسقهم مؤمنون،وخالفهم في ذلك عامة الأصناف.
وقالت المعتزلة:هم فساق وفجار لايبلغ بهم فسقهم كفراً ولاشركاً ولانفاقاً،وكذلك قالت المرجئةوالعامة
وقالت المعتزلة أيضاً:لايجب لهم أسم الإيمان مع الفسوق،وكذلك قالت الخوارج والزيدية...
فوجدناهم كلهم قد أجمعوا على شهادة واحدة أنهم فساق فجار معتدون،فأخذنا بما أجمعوا عليه من ذلك،وتركنا ما أختلفوا فيه...
أما شهادتهم لنا بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإنهم شهدوا أن ذلك واجب إذا أمكن وقدر عليه،وشهدوا أن نصرة المظلوم فرض،والأخذ على يد الظالم فرض إذا أمكن ذلك،ثم اختلفوا بعد ذلك فقال منهم قائلون:لاندفع الظالم عن أنفسنا ولاعن غيرنا إلا بالقول والكلام،وإن انتهبت أموالنا،وانتهكت حرماتنا لم نقاتل بالسلاح.....
وقال آخرون:نقاتل وندفع عن أنفسنا وعن حرماتنا وأموالنا بالسلاح وغيره،فإن قتلنا رجونا أن نكون شهداء،وإن قتلناهم رجونا أن نكون سعداء.فأخذنا بما أجمعوا عليه) أي أن عقيدة الزيدية في الأصول هي العقيدة المجمع عليها وأنها لا تخالف أي مذهب أو فرقة إلا فيما انفردت به الفرقة الأخرى فخالفت بقية المسلمين في أصول العقيدة المتعلقة بالتوحيد والعدل وصدق الوعد والوعيد ووجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ولو بحد السيف،
(هذا هو نهج الزيدية في أصول عقائدها، ودعوتها محتسبة أجرها عند الله، ابتداءً بنهج قائدها وسيدها وقدوتها، إمام المستضعفين أمير المؤمنين علي بن أبي طالب الذي تابع طلب الشهادة لنفسه في مقاومته الطغيان والطغاة، حتى ظفر بها، وهي غية رغبته ومناه وكسبه الذي لم يخرج من الدنيا بسواه، بعد جهاده الطويل وبلائه المرير في الله، ومواساته لرسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بنفسه في المواطن التي تنكص فيها الأبطال، وتتأخر فيها الأقدام، نجدة أكرمه الله بها، ابتغاء لأجر ذلك وفضله، ولو كان ذلك الجهاد والبلاء والابتلاء من أجل الدنيا وزخرفها وزبرجها – وحاشاه- وتكون النهاية ضربة برأسه من سيف شقي، لكان الإمام علي بن أبي طالب في جهاده بحياة الرسول ومن بعده، وتعبه في تجويع نفسه، وتقشفه بخشونة ملبسه وجشوبة مأكله، وقنوعه بالقرص مطعوماً، والملح مأدوماً، وترقيع مدرعته حتى استحيا من راقعها، وهو يقدر أن يحصل على مصفى العسل ولباب القمع ونسائج القز، ولكنه يأبى ذلك ويقول: (هيهات أن يقودني جشعي ويغلبني هواي إلى تخير الأطعمة، ولعل بالحجاز أو اليمامة من لا طمع له بالقرص ولا عهد له بالشبع) فإذا كان هذا كله وأكثر بكثير منه من أوصاف حياته من أجل الدنيا ونيلها، وقد خرج صفر اليدين منها، وبتلك النهاية التي قتل فيها، إذا كان هذا، والعياذ بالله، فيا خيبة المسعى وخيبة الداعي ومن دعى، ولكن لا لا، إنها معرفته بالله، وما أوجب على العلماء، وعلى أئمة العدل والتوحيد، ذلك هو ما جعله يفعل بنفسه ذلك كله، وهو على يقين مما وعده ربه، وإن له عنده للحسنى وزيادة، فهو يكدح لها لا لسواها، ويقول عند يقينه من استشهاده فرحاً مستبشراً: (فزت ورب الكعبة)، نعم إنه فاز بالشهادة التي كان يسعى لها لا إلى درهم ولا دينار، ورسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قدوته في كل أفعاله وأقواله.
فكان يحمد الله إذ جعله قائداً له يتبعه ويطأ عقبه، وجاء من بعد الإمام علي ابنه الإمام الحسين بن علي، فكان أبوه قدوته، وأبى إلا الخروج على الظلم والظالمين، رافضاً قبول نصائح القاعدين عن الثورة على الطغيان عند دعوتهم له إلى القعود إيثاراً للسلامة، وتبعه في الاهتداء والاقتداء الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي رضوان الله عليهم، وقال للناس الذين أرادوا تثبيطه عن الخروج: (والله لو لم أكن إلا أنا وحدي وابني لخرجت على هشام، فليس الإمام منا من أرخى عليه ستره، وإنما الإمام من شهر سيفه)، وأقدم على الموت، وهو ينشد لأصحابه:
أذل الحياة وعز الممات * * * وكل أراه طعاماً وبيلاً
فان كان لابد من واحد * * * فسيروا إلى الموت سيراً جميلاً
وهكذا تتابعوا للموت، وقتل معهم أتباعهم من الزيدية تحت كل كوكب، ممن لا يأتي عليهم الحصر.
ومن سلمت له نفسه من أئمة الزيدية المحسنين المجتهدين المؤلفين، يكون قد ضحّى في جهاده بأعز أتباعه وأولاده، ولم يحرم الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه، من الانتفاع المقصود منها، فلم يكونوا بمؤلفاتهم وإرشادهم وهدايتهم، يسألون على ذلك أجراً، ولا كان لهم من عوضاً وفراً، وإلا فأخبرونا أي أجر ووفر نعموا به منها؟ وهل ترونهم صنفوا وألفوا ليقدموا مؤلفاتهم لمطابع تاريخ عصرهم، فيكسبون من رواج بيعها وأرباح ثمنها؟ أو أنه ما أخذ الله على العلماء من البيان، وعدم الكتمان لواجب الهداية إلى الحق وإلى طريق مستقيم؟ فما لكم (كيف تحكمون)









ثانياً:-الإمامة
(التركيز على الشخص للنظام هو ماجعل أبحاث المسلمين في السياسة تدور كلها حول الإمام بل وتسمى الإمامة)
المشرع هو الله سبحانه وتعالى لكن السلطة ملك الأمة وهي مصدرها لأن ((الإمام /الخليفة /الأمير /الرئيس/القائد ))يصير كذلك أو يكتسب ذلك من اختيار أفراد الشعب له أو اختيار القوى المؤثرة من أفراد الشعب له ليكون (أهل الحل والعقد)، وليس مصادفة أن يُطلق على المسؤول الأول في المجتمع الإسلامي {أمير المؤمنين }ابتداءً من الخليفة الثاني عمر بن الخطاب رضوان الله عليه ويطلق الشيعة على الإمام علي عليه السلام الإمام أمير المؤمنين لأنهم يعتقدون أنه في ذاته إماماً وأضيفت إليه كلمة أمير لتعبر عن سلطة قانونية قهرية ملزمة بينما سلطته كإمام مصدر الإلزام فيها ينبع من داخل الفرد المقتنع بأن الإمام قدوته .
والتشريع في الثقافة الإسلامية حق لله سبحانه وتعالى لأنه وحده(الحق) إلا أن مصدر الحقيقة الشرعية ليس النقل وحده بل أن العقل مصدر كامل [على الأقل من وجهة نظر القائلين بالحسن والقبح الذاتيين في الأشياء لقدرة العقل على إدراك الحسن والقبح والشرع كاشف للحسن والقبح وليس منشأ لهما] وعلى هذا فإن الأُمة كمجموع أو جمهور العلماء مصدراً للتشريع والسلطة معاً من وجهة النظر هذه لأن العقل لا يتناقض مع الوحي
ولا خلاف بين المسلمين على ذلك باستثناء جمهور الفقهاء من الشيعة الأمامية كما يروى عنهم والحنابلة الذين استبعدوا وقوعه،
عد الإجماع مصدراً من مصادر التشريع لأنه كاشف عن معنى الحكم الشرعي وإن خالف ظاهر اللفظ الشرعي خصوصاً فيما يتعلق بالنصوص المجملة كالإجماع على أن ((الصلاة المقصود بها العبادة المخصوصة من ركوع وسجود وذكر ووضؤ ...الخ ))وليس مجرد المعنى اللغوي للفظ وما أجمعت الأُمة عليه حتى ولو لم يعززه نص شرعي أُعتبر حجة بل أن بعض الفقهاء كالإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (سلام الله عليهم ) المعروف بالرسي ومن وافقه يرى بأن الإجماع الناشئ عن اليقين العقلي مقدم على ظاهر النص ولذلك يجب أن يئول النص المخالف للمقطوع به عقلاً أو يوقف العمل به ويعمل بما يقضي به العقل لأن مصادر التشريع رُتِبَتْ من حيث الأولوية :
أولاً:-مصادر العقل اليقينية ثم الإجماع الثابت المعلوم ثانياً والمقصود به إجماع العُقلاء وليس المسلمين فحسب ثم نصوص الكتاب الكريم......!!!!لأن حجج الله على العباد ثلاث أولها العقل أولاًً ثم الكتاب والرسول والعقل أصل الحجتين لأنهما عرفا به ولم يعرف فبحجة العقل عُرِفَ المعبود
بمعنى أن ما ثبت ضرره فهو محرم أو مكروه وما ثبت َضرُورَتُه فهو واجب أو مندوب وما ثبت نفعه فهو بين الواجب والمندوب والمباح ولا يمكن أن يكون النص بخلاف ذلك إلا في الظاهر ولذلك يُئول ظاهر النص إن عارض ما يقضي به العقل القطعي ((قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن ..والإثم والبغي وأن تُشركوا بالله ما لم ينزل به سلطاناً وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون)) (( يريد الله بكم اليسر ولا يريد بكم العسر )) .
ويمكن أن يُقسم رأي الإسلاميين فيما يتعلق بالسلطة في اتجاهات رئيسة :-
1- وجود خليفة أو أمير أو سلطان أو رئيس واجب عقلاً وشرعاً أو عقلاً أو شرعاً
فريق ذهب إلي الوجوب العقلي والشرعي معاً،وفريق قال بأن ا لوجوب مصدره العقل أو يقضي به العقل فقط ولا توجد نصوص صريحة في الدلالة على الوجوب وفريق ذهب إلى القول بأن النصوص الشرعية هي التي قضت بالوجوب ((منها الإجماع لأنه كاشف عن النص الذي فرض على الصحابة رضوان الله عليهم المسارعة ألي مبايعة الخليفة قبل أن يوُارى جثمان الرسول صلى الله عليه وعلى اله وسلم الثرى
2-اختلفوا في قطعية وظنية الدليل فبعض ذهب ألي أنه ظني الدلالة والآخرين قالوا بأنه قطعي الدلالة
3:-وقلة ذهبوا إألي أنها ليست واجبة لا عقلاً ولا شرعاً ولو تناصف الناس لما احتاجوا إليها بمعنى أنها مسألة وضعية بحتة لا علاقة للشرع بها والأولى عدمها ومصدرها هنا اتفاق الناس .
ورغم الخلاف إلا أنهم اتفقوا على وظائفها :-وأهمها
1:-حفظ بيضة الإسلام {أي الدفاع عن حرية أفراد الأُمة وسلامة أراضيها
2:-إقامة العدل بين الناس وتنفيذ الحدود الشرعية وإعادة توزيع الثروة وضمان الأمن،وحمل الناس على أداء الواجب ......الخ
ولضمان قيام الدولة بهذه المهمة وجب على مجموع الأمة الطاعة في غير معصية ومنحت السلطة صلاحيات وفي نفس الوقت وضعت ضوابط وشروط لضمان عدم تجاوز السلطة لحدودها

مفهوم الإمامة:(الإمامة في اللغة: التقدم سواء كان عن استحقاق أم لا، وسواء كان في خير أو شر، قال تعالى: ﴿يَوْمَ نَدْعُو كُلَّ أُنَاسٍ بِإِمَامِهِمْ..﴾ (الإسراء/71).
اتفقت الحركات والطوائف الإسلامية على وجوب نصب إمام(لم يشذ إلاالنجدات من الخوارج،وأبو بكر الأصم من المعتزلة) فالواجب نصب شخص وإن إختلفت الألقاب التي تطلق على رأسه{إمام،خليفة،أمير مؤمنين،ملك سلطان} وقد أختلفوا في بعض الشروط الواجب تحققها في الإمام أو الخليفة كشرط النسب إلا أن الشيخ الشوكاني يصرح بأن ماجاءوا به في خلافهم،حجج ساقطة وأدلة خارجة عن محل النزاع-لأنهم أطالوا من غير طائل(لأن هذه الإمامة قد ثبت عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم الإرشاد إليها والإشارة إلى منصبها كما في قوله""الأئمة من قريش"" ويؤكد هذا المعنى الشيخ عقيل المقطري أحد رموز التيار السلفي في اليمن في رده على السيد محمد الجنيد الذي شكك في صحة الحديث الأئمة من قريش يقول المقطري: ( لقد ذهب إلى اشتراط القرشية في الحاكم أهل العلم ممن يعتد بخلافهم من أهل السنة والجماعة بل حكى بعضهم الإجماع على ذلك.
وذهبت الشيعة إلى اشتراط هذا الشرط ضمنا حيث يرون أن الخلافة لا تكون إلا في أولاد علي بن أبي طالب على خلاف بينهم في التفصيل، وقد استدل القائلون باشتراط القرشية على صحة ما ذهبوا إليه بالسنة الصحيحة والصريحة وبالإجماع.
أما السنة فقد صحت عن النبي صلى الله عليه وسلم أحاديث كثيرة تفيد أن قريشا هم ولاة هذا الأمر (أي الخلافة):-
1- فعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الناس تبع لقريش في هذا الشأن مسلمهم تبع لمسلم، وكافرهم تبع لكافرهم، تجدون من خير الناس أشد كراهية لهذا الشأن حتى يقع فيه) وفي رواية أخرى عنه رضي الله عنه: (الناس تبع لقريش في هذا الأمر) رواه البخاري في كتاب الأحكام، باب ما يكره من الحرص على الإمارة الحديث رقم (7148) ورواه مسلم في كتاب الإمارة برقم (1818).
2- عن معاوية رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: إن هذا الأمر في قريش لا يعاديهم أحد إلا كبه الله في النار على وجهه، ما أقاموا الدين) رواه البخاري في كتاب الأحكام باب الأمراء من قريش حديث رقم (39) وفي كتاب المناقب رقم (3500).
3- عن عبدالله بن عمر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا يزال هذا الأمر في قريش ما بقي اثنان) وفي رواية (ما بقي منهم اثنان) رواه البخاري في كتاب الأحكام رقم (7140) ومسلم في كتاب الإمارة برقم (1820).
4- عن أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (الأئمة من قريش ولي عليكم حق عظيم ولهم مثله ما فعلوا ثلاثا: إذا استرحموا فرحموا، وحكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا، فمن لم يفعل منهم فعليه لعنه الله والملائكة والناس أجمعين) رواه أبو داود الطيالسي في مسنده رقم (2133) وهو صحيح على شرط الستة (أي البخاري ومسلم والنسائي وأبو داود، والترمذي، وابن ماجة) وقد ورد هذا الحديث من حديث مجموعة من الصحابة منهم أنس وعلي وأبو برزة الأسلمي وغيرهم. وقد نص البعض على تواتر هذه الرواية.
قال الحافظ بن حجر رحمه الله جمعت طرقه على نحو أربعين صحابيا ونص الحافظ (ابن حجر) على تواتره كذلك الكتاني في (نظم المتناثر في الحديث المتواتر).
5- عن عبدالله بن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يا معشر قريش فإنكم ولاة هذا الأمر مالم تعصوا الله فإن عصيتموه بعث عليكم من يلحاكم كما يلحا القضيب، لقضيب في يده) رواه الإمام أحمد في مسنده، وأبو يعلى الموصلي والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح (انظر مجمع الزوائد 5 ص 192).
6- عن جابر بن سمرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يزال الإسلام عزيزا إلى اثنى عشر خليفة كلهم من قريش)
رواه مسلم بعدة روايات في كتاب الإمارة انظر رقم (1821).
هذه بعض الأحاديث الواردة في هذا الشأن وتركت الكثير منها خشية الإطالة وهذه الأحاديث نصوص صريحة تفيد اختصاص قريش بولاية أمر المسلمين أي الخلافة وقد عبر عنها النبي صلى الله عليه وآله وسلم بلفظ الأمر والشأن بل إنه صرح بأن الأئمة من قريش وأن الدين لا يزال عزيزاً حتى يلي أمر الناس اثنى عشر خلفية كلهم من قريش.
وهذا ما فهمه جماهير علماء المسلمين من سلف هذه الأمة ولم يشذ عنهم سوى من لا عبرة بخلافه من أهل البدع كالخوارج والمعتزلة والروافض.
وواضح من نصوص هذه الأحاديث ان اختصاص قريش بالخلافة منوط بأمرين:
الأول: بقاء قريش وهذا واضح من نص (ما بقي منهم اثنين) وقد جاء في الحديث أن قريشا أسرع الناس موتا فعن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (أسرع قبائل الناس فناء قريش) رواه أحمد وأبو يعلى ورجاله رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/30)، وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لها: (قومك أسرع أمتي لحوقا بي) رواه أحمد والبزار ورجال أحمد رجال الصحيح (مجمع الزوائد 10/31).

وهنا قد يبرز سؤال وهو: هل يجوز خلو قريش ممن يصلح للإمامة؟
ذهب بعض العلماء إلى عدم جواز خلو قريش ممن يصلح للإمامة قالوا: وإلا لكانت هذه الأحاديث لغوا ليس لها قيمة وذهب آخرون إلى جواز ذلك وهذا القول محفوظ عن بعض المعتزلة كالجباني، وفي هذه الحالة ينصب من غيرهم ممن يصلح للخلافة وجعلوا هذا الشرط شرط تقديم. فما الذي يمنع من العدول عن القرشي إلى غيره إذا لم يصلح؟ وقالوا إن المراد بحديث (الأئمة من قريش) إنما هو ضرب من التكليف لأنه لا يجوز أن يريد عليه الصلاة والسلام أن الأئمة منهم من غير اختيار وعقد وإنما يعني وجوب الاختيار والبيعة.
الثاني: قيامها بحق الله عليها. وهذا كما في حديث معاوية الذي رواه البخاري (ما أقاموا الدين) وحديث ابن مسعود (ما لم تعصوا الله) وحديث أنس (إذا استرحموا فرحموا، وحكموا فعدلوا، وعاهدوا فوفوا).
قال الحافظ بن حجر رحمه الله تعالى: (وقد جاءت الأحاديث التي أشرت إليها على ثلاثة أنحاء:
الأول وعيدهم بأن يسلط عليهم من يبالغ في أذيتهم -كما في حديث ابن مسعود- وليس في هذا أيضا ما يشعر بخروج الأمر عنهم وإن كان فيه إشعار به.
الثالث: الإذن في القيام عليهم وقتالهم والإيذان بخروج الأمر عنهم) فتح الباري صحيح البخاري (13/ــ) باختصار. وحديث القحطاني الذي رواه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه مرفوعا: (لا تقوم الساعة حتى يخرج رجل من قحطان يسوق الناس بعصاه) انظره برقم (7117) هذا الحديث شاهد على خروج الأمر عنهم وبه يقوى أن مفهوم حديث معاوية (ما أقاموا الدين) أنهم إذا لم يقيموا الدين خرج الأمر عنهم.

* قرشية الخلافة
ويؤخذ من بقية الأحاديث أن خروجه عنهم إنما يقع بعد إيقاع ما هددوا به من اللعن أولا وهو الموجب للخذلان وفساد التدبير وقد وقع ذلك في صدر الدولة العباسية، ثم التهديد بتسليط عليهم من يؤذيهم ووجد ذلك من غلبة مواليهم بحيث صاروا كالصبي عليه أن يقتنع بلذاته ويباشر الأمور غيره، ثم اشتد الخطب عليهم فغلب عليهم الديلم فضايقوهم في كل شيء حتى لم يبق للخليفة إلا الخطبة واقتسم المتغلبون الممالك في جميع الأقاليم، ثم طرأ عليهم طائفة بعد طائفة حتى انتزع الأمر منهم في جميع الأقطار ولم يبق للخليفة إلا مجرد الإسم في بعض الأمصار (فتح الباري 13/ 125).
هذا وقد تولى الخلافة بعد ذلك سلاطين العثمانيين وهم ليسوا بقرشيين وواضح أن الذين اشترطوا القرشية قد اختلفوا حول قيمة هذا الشرط فذهب البعض إلى أنه شرط صحة فلا تكون ثمة خلافة ما لم يكن الخليفة قرشيا وذهب آخرون إلى أنه شرط كمال أو تفضيل بحيث لو اجتمع قرشي وغير قرشي متساويان في استكمال الشروط المطلوبة فيقدم القرشي، أما إذا كان غير القرشي أكفأ من القرشي فيقدم غير القرشي لأن العبرة بالكفاءة لا بالنسب والقرشية إحدى مقومات الكفاءة.

* القول الراجح
والقول بأن اشتراط القرشية شرط كمال هو القول الأقوى يدل على ذلك حديث (اسمعوا وأطيعوا ولو تأمر عليكم عبد حبشي..) الحديث وكذلك خروج أمر الخلافة من أيدي القرشيين أيام الخلافة العثمانية وما بعدها من دون نكير أهل العلم المعتبرين. بل كان الجميع يدينون للحاكم بالسمع والطاعة.
هذا وقد استدل الجمهور على اشتراط القرشية بالإجماع، قال النووي -رحمه الله- وعلى هذا انعقد الاجماع في زمن الصحابة والتابعين من بعدهم بالأحاديث الصحيحة (شرح النووي على مسلم (13/ 199).
وقال القاضي عياض: (اشترط كونه قرشياً هو مذهب العلماء كافة وقد احتج به أبو بكر وعمر رضي عنهما على الانصار يوم السقيفة فلم ينكره أحد وقد عدها العلماء في مسائل الاجماع ولم ينقل عن أحد من السلف فيها قول ولا فعل يخالف ما ذكرناه وكذلك من بعدهم في جميع الأمصار) (انظر شرح مسلم للنووي الموضع السابق).
ولم يخالف في ذلك إلا الخوارج وبعض المعتزلة، ولا يعتبر علماء أهل السنة قول هؤلاء قادحاً في صحة الإجماع ولا اعتداد بقول النظام ومن قال قوله من الخوارج أهل البدع أنه يجوز كونه من غير قريش، ولا سخافة ضرار بن عمرو في قوله (إن غير القرشي من النبط وغيرهم يقدم على القرشي لهوان خلعه إن عرض منه أمر. وهذا الذي قاله من باطل القول وزخرفه مع ما هو عليه من مخالفة إجماع المسلمين والله أعلم) "انظر شرح النووي على مسلم 12/199).
ولا أعلم أحداً من المتقدمين من أهل السنة قد خالف في هذا الفهم إلا ما يروى عن إمام الحرمين الجويني قوله (وهذا مسلك لا أوثره فإن نقلة هذا الحديث معدودون لا يبلغون مبلغ التواتر. والذي يوضح الحق في ذلك أنا لا نجد في أنفسنا ثلج الصدور واليقين بصدد هذا من فلق في رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما لانجد ذلك في سائر أخبار الآحاد. فإذا لا يقتضي هذا الحديث العلم باشتراط النسب في الإمامة، وقال في معرض آخر، وهذا مما يخالف فيه بعض العلماء، وللاحتمال منه عندي مجال والله أعلم بالصواب (انظر غياث الأمم ص 163، والإرشاد ص427)
قلت قد نقلنا فيما مر أن الحديث قد بلغ إلى حد التواتر ولا عبرة بكلام من نفى ذلك ولعل العذر لمن نفى التواتر أنه لم يقف أو لم يتتبع طرق الحديث، ثم إن الأحاديث ظاهرها اشتراط (القرشية) والقول بخلافها قول مخالف لدلالة النص.
وأما قولهم إنه خبر آحاد وخبر الآحاد لا يفيد العلم.. إلخ فهذه مسألة خلافية، الراجح أن خبر الآحاد يجب العمل بمقتضاه والقول به وإلا تعطلت الشريعة إذ أن أكثر الأخبار الواردة من هذا النوع.
ثم إن الإجماع قد حكي قبل هؤلاء النفاة فلا عبرة بقول من أراد أن ينقض الإجماع، والله أعلم
وأما ما ذكر عن الحافظ ابن حجر كما في (فتح الباري 13/ 119): ويحتاج من نقل الإجماع إلى تأويل ما جاء عن عمر (إن أدركني أجلي وأبو عبيدة حي استخلفته فإن أدركني أجلي وقد مات أبو عبيدة استخلفت معاذ بن جبل) والمعروف أن معاذ بن جبل أنصاري لا نسب له من قريش. ثم قال: فيحتمل أن يقال لعل الاجماع انعقد بعد عمر على اشتراط أن يكون الخليفة قرشياً أو تغير اجتهاد عمر في ذلك والله أعلم. قلت أثر عمر هذا الذي ذكره رواه أحمد بن حنبل في مسنده وقد ضعفه الشيخ أحمد شاكر رحمه الله في تحقيقه على المسند (1/201) رقم (108) وذلك بسبب انقطاع سنده لأن شريح بن عبيد لم يدرك عمر وكذلك راشد بن سعد الحمصي لم يدرك عمر، فعلى هذا لا تشويش على مسألة نقل الإجماع والله الموفق.

* رأى معارض
المذهب الثاني:
عدم اشتراط القرشية في المرشح للخلافة وقد ذهب إلى ذلك من المتقدمين الخوارج وبعض المعتزلة كضرار بن عمرو فقد ذهب هذا الأخير إلى تقديم النبطي على القرشي إذا اجتمعا وذلك لهوان خلعه إذا خالف الشريعة، بينما ذهب الكعبي إلى أن القرشي أولى بها من الذي يصلح لها من غير قريش فإن خافوا الفتنة جاز عقدها لغيره. ومن الأشاعرة الباقلاني والجويني وذهب جمهور الباحثين في نظام الحكم الإسلامي إلى نفي اشتراط القرشية في المرشح للخلافة وأصحاب هذا المذهب يجدون صعوبة شديدة في تقرير ذلك لكثرة الأحاديث التي تفيد اختصاص قريش بالخلافة وحكاية الإجماع الذي حكاه غير واحد من العلماء ويذهبون في الاستدلال لرأيهم مذاهب شتى.
فمنهم من يطعن في صحة هذه الأحاديث ويرميها بالوضع على اعتبار أنها وضعت لخدمة مذاهب سياسية أو تزلفاً للحكام وهذا مسلك كثير من الكتاب في هذا العصر منهم (محمد بن يحيى الجنيد) فهو يعرض الحديث على عقله وهواه فما وافقه قبله وإن خالفه رده، وقد رد هو وغيره كثيراً من الأحاديث الصحيحة المعتبرة كبعض أحاديث البخاري. وهذا سلك يتنافى مع الدقة في منهج البحث عند هؤلاء المتأخرين أصحاب العقول المريضة.
بل هذا مسلك من لا بضاعة له في علم الحديث ولا غيره ولا يقول به إلا من جهل هذا العلم أو تعامى عن قبول الأخبار الصحيحة لهوى النفس وهو مسلك خاطئ فهو يؤدي في النهاية إلى رد الاستدلال بالسنة بالكلية.
ومنهم من يرفض الاستدلال بهذه الأحاديث لكونها أخبار أحاد لا تفيد العلم ولا يستدل بها في مباحث العقيدة وهذا مسلك المتكلمين. وهذا المسلك من علماء الكلام مردود عند جمهور أهل السنة.
ومنهم من يعارض أحاديث اختصاص قريش بالخلافة بأحاديث أخرى صحيحة كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ولو استعمل عليكم عبد يقودكم بكتاب الله اسمعوا له وأطيعوا).
وقد تأول أهل السنة هذه الأحاديث وبينوا الجمع بينها وهو ما قد قدمناه من أنه إذا اجتمع اثنان للخلافة وتوفرت فيهم الشروط وكان أحدهما قرشي قدم القرشي أما إذا تغلب غير القرشي فلا يجوز الخروج عليه، ومنهم من ذهب إلى أن أحاديث اختصاص قريش بالخلافة إنما هي مجرد أخبار وليست أوامر تفيد حكماً شرعياً.
ويرد أهل السنة على هذا بأن ما جاء من هذه الأحاديث أوامر في صيغة الخبر وأن غيرها من الأحاديث قد وردت بصيغة الأمر الصريح كقول النبي صلى الله عليه وسلم: (قدموا قريش ولا تقدَّموها) (رواه ابن أبي عاصم في كتاب السنة (2/637) وصححه الألباني).
كما أنها لو كانت مجرد أخبار من النبي صلى الله عليه وسلم لتحققت لأن خبر المعصوم الصادق لابد أن يتحقق ولما ولي الخلافة إلا قرشي إلى يوم القيامة، والواقع يشهد أنه قد تولاها غيرهم فصح أنها ليست بأخبار وإنما هي أوامر.
قال الإمام ابن حزم رحمه الله كما في المحلي (9/360) المسألة (1769)، (هذان الخبران وإن كانا بلفظ الخبر فهما أمر صريح مؤكد إذ لو جاز أن يوجد الأمر في غير قريش لكان تكذيباً لخبر النبي صلى الله عليه وسلم وهذا كفر ممن أجازه).
ومنهم من ذهب إلى تعليل هذه النصوص وأن العلة من اختصاص قريش بالخلافة أنهم أهل الشوكة والمنعة وأن عصبتهم كافية لسوق الناس بعصا الغلب إلى ما يراد منهم، وأنه حيث كانت العصبية كانت الخلافة. واليوم وقد زالت عصبية قريش بل إن العصبية لم يعد لها مكان في حكم الشعوب وحل محلها رضا الشعوب عن الحكام وتأييدهم لهم وشرعية السلطة فلا مكان لهذا الشرط، وهذا ما ذهب إليه ابن خلدون كما في مقدمته ومشى عليه كثير من الكتاب المعاصرين.

تعليل مردود
وتعليل النصوص بالعصبية أمر غير مسلم أصلاً وذلك لأن الأنصار كانوا أولي قوة وشوكة وكانوا أصحاب الدار (المدينة النبوية) التي يدين لها المسلمون بالولاء وبسيوفهم دخل الناس في دين الله أفواجا بين راغب وراهب فلم يمنعهم عن الخلافة إلا وجود النص على قريش ولذلك رجعوا عن قولهم (منا أمير ومنكم أمير) لقول ابي بكر (الأئمة من قريش) كما أن الخلافة لم تذهب لأقوى بطون قريش وأقربهم من النبي صلى الله عليه وآله وسلم وهو بنو هاشم أو بنو أمية بل إلى بني تميم وليسوا بأعز بطون قريش.
كما أن عصبية قريش لم تمنع العرب من الارتداد عن دين الله بعد وفاة النبي عليه الصلاة والسلام ولم تعدهم العصبية إلى حظيرة الدين والدولة بل إن العصبية هي التي أدت إلى ردة معظمهم ولم يعودوا إلى حظيرة الدين والدولة إلا بقوة إيمان أصحاب رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم.
ومنهم من ذهب إلى أن هذا الأحاديث تخالف المبادئ الإسلامية العامة كمبدأ المساواة بين المسلمين ولأن الإسلام قد نهى عن العصبية.
ومن هؤلاء (محمد يحيى الجنيد) كما قال في مقابلته مع صحيفة "الناس" العدد (213) الصادر في 28/ 7/ 1425هـ الموافق 13/ 9/ 2004م حيث قال عن هذه الأحاديث بأنها (تشريع سياسي معروف وكنا قد فندنا قبل سنين وقلنا إن ذلك ادعاء يتنافى مع جوهر الشرع الحكيم ومن أخبارهم السياسية قولهم (الأئمة من قريش) وكان ذلك انقلاب واضح على الأنصار).

كذلك قال العلامة الجنيد كما يصفه الصحفيون (وكان انقلاب واضح...) والصحيح أن يقول العلامة الجنيد (انقلاباً واضحاً).

* منهج الضرب بالدف
أقول لا أدري ما هو المنهج العلمي الذي يتبعه الجنيد في الحكم على الأحاديث هل هي قواعد المحدثين في الحكم على الأسانيد التي بها وصل إلينا القرآن ووصلت سنة النبي عليه الصلاة والسلام أم غير ذلك.
الذي أعرفه أن الجنيد لا يفقه شيئاً في علم الحديث وإنما يعرف ويتقن الضرب بالدف والموالد والحضرات والنحبة بل ليس له صلة بالعلوم الشرعية لأن الصوفية المعاصرة بضاعتها في العلم مزجاة ولمشكك أن يشكك الأمة بالقرآن كما هو مذهبه المبطن ومذهب الشيعة والروافض الذين يقولون بتحريف القرآن، لأنه حينئذ لا ينضبط الأمر. لأن الجنيد وأمثاله يحكمون عقولهم المريضة وأهواءهم المضطربة وهذا أيضاً من مذهب الشيعة فهم يقدمون العقل على النص.
ثم إذا لم يمش الناس وفق قواعد الحديث ومصطلحة تسقط السنة بأكملها بل الأدهى من ذلك أن مذهب الجنيد الآخر (مذهب التصوف) لا يعمل قواعد الحديث بل هم يسقطون جميع الأسانيد ويدعون أنهم يسألون النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن أحاديثه مباشرة إما عبر المنامات أو أنه عليه الصلاة والسلام يمر عليهم يقظة ومنهم من يقول في أهل السنة (إن علمكم ميت عن ميت أما علمنا فحي عن حي (حدثني قلبي عن ربي).
إن هذه التشكيكات الشيطانية التي يطرحها الجنيد في كتب السنة ومنها صحيح البخاري ومسلم اللذين تلقتهما الأمة بالقبول وهي أصح الكتب بعد كتاب الله. لم يطعن فيها إلا الروافض، ثم هذا يتصادم مع ما وعد الله به (إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)
ومعلوم أن حفظ القرآن حفظ للسنة لأنها هي الشارحة والمبينة للقرآن قال تعالى (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما أنزل إليهم) وقال تعالى (وما ينطق عن الهوى إن هو إلا وحي يوحي).
ثم هذا يوصلنا إلى التشكيك حتى في نسب الجنيد وأنه من أهل البيت كيف يستطيع أن يثبت لنا هذا؟ هل هو عن طريق السند أم بالهوى؟ أما عن طريق السند فلمشكك وطاعن أن يطعن في نسبه ويضعف أسانيده - وإن كنا لا نطعن في نسب أحد لأن ذلك من أمور الجاهلية كما صح في الحديث - لكن سيقول هذا الطاعن والمشكك كيف تتجرأ على سنة النبي صلي الله عليه وسلم ولا يتجرأ أحد على اسناد نسبك فنسلك معك نفس مذهبك، واما إذا كان بالهوى فلكل أحد أن يدعي أنه من أهل البيت. ثم من هم العلماء الذين سبقوك إلى الطعن في الصحيحين وفي حديث (الأئمة من قريش)؟!
وحيث وقد ادعى الجنيد التحرر (يعني الاجتهاد) فنحن نسأله: متى يبلغ الإنسان مرتبة الاجتهاد؟ وهل ذلك بالهوى أم لابد أن يسلك سلماً تعليمياً؟ فإن قلت بالهوى ولا أظن أنك تقول ذلك -فلا يبقى إلا سبيل العلم فالسؤال: ما هي العلوم التي أتقنتها؟ وهل تعاملك مع حديث (الأئمة من قريش) سائر وفق المناهج العلمية؟ وفرق واضح بين ما عرضناه سابقاً في مناهج العلماء ومنهجك. ثم قال الجنيد في نفس المقابلة مع الصحيفة: ومن أخبارهم السياسية قولهم (الأئمة من قريش) كان ذلك انقلاب واضح على الأنصار. يا ترى أليس هذا طعناً واحتقاراً لأهل السنة حين قال: ومن أخبارهم، ثم نسب هذا الخبر إلى السياسة ولم ينسبه إلى النبي عليه الصلاة والسلام وقد قدمنا كلام العلماء حول الحديث، بل نقل بعضهم أنه متواتر. فكلام من يقدم: كلام العلماء أم كلام الجنيد؟! ثم أليس هذا طعناً في أبي بكر رضي الله عنه وكأنه يقول: هذا خبر كذبه أبو بكر ليضلل على الأنصار ولينتزع منهم الخلافة. وهل بعد هذا الطعن من طعن! إنه يظهر مكنون حقده على صحابة رسول الله عليه الصلاة والسلام. وفي لقاء أسبق معه في جريدة الثقافية قال: (أما معاوية فلم يقاتل معه سوى الطلقاء الذين أطلقهم رسول الله يوم الفتح وأكثرهم جلابيب غلاظ القول وهم أصحاب الدنيا). فالجنيد صاحب فكر مهجن (صوفي - شيعي) والمعلوم عند الجميع أن الصوفية في اليمن لم تكن على هذا المنهج بل هي شافعية، ولعل الجنيد لم يقرأها على الوجه الصحيح فظنها شيعية).
ثم نقول أخيرا على دعوى مخالفة هذه الأحاديث للمبادئ الإسلامية فيه كمبدأ المساواة).
نقول إن التفضيل لا يعني إقرار العصبية لأن الإمام ليس له في نظر الإسلام
ميزة عما سواه فهو مثلهم إلا أنه أكثرهم حملا واختصاص البعض بحكم شرعي لا يعني الخروج على المساواة وإقرار مبدأ التعصب المذموم.. وقد خص الشارع قريشاً بأن الإمامة فيهم وخص بني هاشم بتحريم الصدقة عليهم واستحقاقاهم الخمس من الغنائم) .


طرق تنصيب الإمام وحكم مخالفيه
اتفق علماء المسلمين على أن الإمام لا يصير إماماً بمجرد صلاحيته للإمامة، بل لابد من أن ينضم إلى ذلك أمر آخر، ثم اختلفوا في ذلك الأمر: فقيل: يكفي بيعة أحد الحاضرين كما في بيعة أبي بكر. وقيل: بالوصية كما في خلافة عمر. وقيل: بالاختيار والعقد من معينين لذلك كما في خلافة عثمان. وقيل: بالبيعة العامة كما في بيعة علي. وقيل: بالغلبة كما في حكم الأمويين والعباسيين. وقيل: بالدعوة كما عند الزيدية. وقيل: حسب الإرث كما يروى عن أنصار العباسيين. وقيل: بظهور المعجزة على يديه. وقيل: بالجزاء على الأعمال.
هذا مجمل ما ذكر في المسألة من الأقوال وهي كما ترى تحاكي وقائع فرضت في أوقات معينة، ثم طلب لها الترجيحات الشرعية وصارت بعد ذلك مذاهباً فقهية.

شروط الإمام
ا:-أهل السنة
في مطلع العصر العباسي ظهر بين فقهاء المسلمين ما يعرف بـ (فقه السير)، وهو مجال من مجالات الفقه يتناول أحكام الإمامة وما يتعلق بها، وكان من ذلك أن صنفت شروط للمرشح للإمامة، منها ما اتفقوا عليه ومنها ما اختلفوا فيه.. فعند أهل السنة يحق لأي أحد أن يرشح نفسه للإمامة إذا توفرت فيه عدة شروط بعضها أهم من بعض ومعظمها وضع بهدف تحقق المراد من الإمامة:
وهذه الشروط كما سترى منها ما تقتضيه طبيعة المنصب، ومنها ما لا يحتاج إليه، ومنها ما يستحب أن يكون، ومنها ما هو طبيعي، ومنها ما هو مكتسب، ومن الطبيعي ما هو متفق عليه، ومنه ما هو مختلف فيه، فالشروط السبعة يوافق عليها جمهور أهل السنة،
(الأول العدالة على شروطها الجامعة.
الثاني العلم المؤدي إلى الإجتهاد في النوازل والأحكام
الثالث سلامة الحواس من السمع والبصر واللسان ليصح معها مباشرة مايدرك به.
الرابع سلامة الأعضاء من نقص يمنع عن استيفاء الحركة وسرعة النهوض.
الخامس الرأي المفضي إلى سياسة الرعية وتدبير المصالح.
السادس الشجاعة والنجدة المؤدية إلى حماية البيضة وجهاد العدو
السابع النسب وهو أن يكون من قريش لورود النص فيه وانعقاد الإجماع عليه،ووفقاً لهذا الرأي يرى الماوردي أنه لايجوز لمن لا يتوافر فيه ذلك أن يرشح نفسه للخلافة،فإن الخلافة ليست جائزة لجميع المسلمين،لأنه لايجوز منازعة الأمر أهله)
إلا أن(من غلب عليهم بالسيف حتى صار خليفة وسمي أمير المؤمنين لايحل لأحد يؤمن بالله واليوم الآخر أن يبيت ولايراه إماماً عليه براً كان أو فاجراً فهو أمير المؤمنين) على أن يكون من قريش (أي ممن ينتسبون لفهر بن مالك) لأن شروط العدالة والعلم والفضل يمكن إسقاطها بحسب كلام ابن الفراء الحنبلي استناداً إلى مارواه الإمام أحمد بن حنبل وإن ظلم أو جار (وإن أخذ الحق وجلد الظهر) مالم يعلن الكفر البواح بمنعه المسلمين من إقامة الصلاة،
ويصبح القرشي إماماً أو خليفة بمجرد العقد له من أهل الإختيار،(وإعطاء البيعة للإمام الجديد أمر نافذ وليس هناك حق في الإعتراض عليه،لأن البيعة تصبح ملزمة للجميع الشاهد والغائب معاً،والتنازع على الإمامة لايقدح في المتنازعين لسببين اثنين،الأول إن طلب الإمامة ليس مكروهاً في حد ذاته،والثاني ما أجمع عليه أهل الشورى الذين حددهم عمر بن الخطاب رضي الله عنه قبل وفاته،واختلف أهل العلم{من أهل السنة}في ثبوت إمامته وانعقاد ولايته بغير عقد ولا اختيار،فذهب بعض فقهاء العراق إلى ثبوت ولايته وانعقاد إمامته وحمل الأمة على طاعته،وإن لم يعقدها أهل الاختيار لأن مقصود الاختيار تمييز المُوَلَى وهذ قد تميز بصفته)
وتصح الخلافة بوصية من الخليفة المتوفى أي عن طرق العهد(وشرعية هذا الطريق تقوم على مبدأ الإجماع قياساً على"أمرين عمل المسلمون بهما ولم يتناكروهما:أحدهما أن أبابكر رضي الله عنه عهد بها إلى عمر رضي الله عنه فأثبت المسلمون إمامته بعده،والثاني أن عمر عهد بها إلى أهل الشورى فقبلت الجماعة دخولهم فيها وهم أعيان العصر..فصار العهد إجماعاً في انعقاد الإمامة) وللإمام في الفكر السني الحديث والمعاصر كما يعبر عن ذلك الإمام الشهيد حسن البناء مؤسس ومرشد جماعة الأخوان المسلمين نفس مكانة الإمام المعصوم عند الشيعة الإمامية حيث يقول(الإمام الذي هوواسطة العقد،ومجتمع الشمل،ومهوى الأفئدة،وظل الله في الأرض،والإخوان يعتقدون أن الخلافة رمز الوحدة الإسلامية ومظهر الارتباط بين أمم الإسلام ،وأنه شعيرة إسلامية يجب على المسلمين التفكير في أمرها والاهتمام بشأنها،فالخليفة منط الكثير من الأحكام في دين الله ولهذا قدم الصحابة رضوان الله عليهم النظر في شأنها على النظر في تجهيز النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى فرغوا من تلك المهمة واطمأنوا إلى انجازها، والأحاديث التي وردت في وجوب نصب الإمام وبيان احكام الإمامة وتفصيل مايتعلق بها لاتدع مجالاً للشك في أن واجب المسلمين أن يهتموا بالتفكير في أمر خلافتهم منذ حورت عن مناهجها ثم ألغيت بتاتاً إلى الآن،والإخوان يجعلون فكرة الخلافة والعمل لإعادتها في رأس مناهجهم)
ب:-الشيعة الإمامية
ترى أنه لابد أن يتم تحديد الإمام بالنص المعين من الرسول صلى الله عليه وآله وسلم بإعتبار الإمامة إمتداد لمهمة الرسالة،وحصرتها في 12إمام أولهم الإمام علي بن أبي طالب وآخرهم المهدي محمد بن الحسن العسكري،ولكي تكون الإمامة إمتداد للنبوة فيجب أن يكون الإمام معصوماً بحيث لايمكن أن يرتكب خطأً في ممارسته،
الإمامة عند الزيدية
في الاصطلاح الشرعي عند الزيدية: رئاسة عامة لشخص واحد في أمور مخصوصة، على وجه لا يكون فوق يده يد أخرى.
والمعروف عند الزيدية أن الإمام مجرد ناقل للشرع ومطبق لأحكامه وفق علمه واجتهاده، وليس مشرعاً، ولا معصوما عن الخطأ، بل لا تجب طاعته في غير ما تتوقف عليه صحة إمامته، كتنفيذ الأحكام وتعيين الولاة وتسيير الجيوش ونحو ذلك)
النشأة والتطور
المشهور من مذهب الزيدية أنهم يرون أن الإمام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه كان الأولى والأحق بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لا تعصباً لقرابته من رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولكن لأهليته وكفاءته، وتعاملوا مع ما جرى في التاريخ برويَّة وحكمة، كما صنع الإمام علي نفسه.
وفي أيام الدولة الأموية برزت معالم الصراع على الخلافة، وأصر الأمويون على أن خلافتهم امتداد للخلافة الراشدة، وبالتالي استحضرت الخلافة الراشدة في فكر الصراع، وأقيمت الخلافات السياسية ـ عند ذلك ـ على أساس ديني، ومن ثم نشأت الفرق والجماعات وتبنت الخلاف السياسي كجزء من مقومات فكرها ومساحة حضورها.
وكان الإمام زيد بن علي عليه السلام (75 ـ 122 هـ) ممن عاش حياته في ظل الحكم الأموي حيث شهد صوراً متعددة لممارسات الحكام، ففي صباه شهد حكم الوليد بن عبد الملك وأخيه سليمان، فأحس بلفحات الجور وشعر بألم الاستبداد، وحين كان شاباً شهد حكماً عادلا رشيداً مثَّله عمر بن عبد العزيز ولكنه لم يدم طويلاً، فخلفه يزيد بن عبد الملك فكان مشغولاً باللهو والترف ولم تطل مدته ، ومن بعده جاء هشام بن عبد الملك فأعلن منذ توليه الخلافة أنه لا يقول له أحد: اتق الله، إلا ضرب عنقه [2]. فوجد الإمام زيد نفسه مضطرا لمواجهة الاستبداد والبطش، فذهب إلى الشام لمقابلة هشام ونصحه، وبمجرد أن قال له: "اتق اللّه يا هشام" استشاط غضباً وقال: "ومثلك يأمر مثلي بتقوى اللّه"؟! فقال له زيد : "يا هشام إن اللّه لم يرفع أحداً فوق أن يُؤْمَر بتقوى اللّه، ولم يضع أحداً دون أن يَأمُر بتقوى اللّه"!!
واستمرت المواجهة وأصر الإمام على تغيير الوضع القائم، فبدأ بمحاولة الإصلاح السلمي حين دعا علماء الدين إلى القيام بواجبهم في توعية الجماهير، ووجه إليهم رسالته العظيمة التي جاء فيها: "والذي نفس زيد بن علي بيده لو بَيَّنتم للناس ما تعلمون، ودعوتموهم إلى الحق الذي تعرفون، لتضعضع بُنْيَان الجبَّارين، ولتهدم أساس الظالمين". وقال مخاطبا علماء السلاطين: "أمكنتم الظلمة من الظلم، وزينتم لهم الجور، وشددتم لهم ملكهم بالمعاونة والمقاربة، فهذا حالكم. فيا علماء السوء، محوتم كتاب اللّه محواً، وضربتم وجه الدين ضرباً، فَنَدَّ واللـه نَدِيْدَ البعير الشَّارِد، هربا منكم، فبسوء صنيعكم سُفِكت دماء القائمين بدعوة الحق من ذرية النبي صلى اللّه عليه وآله وسلم، ورُفِعَت رؤوسهم فوق الأسِنَّة، وصُفِّدوا في الحديد، وخَلص إليهم الذل، واستشعروا الكرب، وتسربلوا الأحزان، يتنفسون الصعداء ويتشاكون الجهد" [3] .
وحينما لم يُجْدِ الكلام نفعاً رفع وتيرة المواجهة وأصر على التغيير ولو كلف ذلك غالياً؛ رغم أن جراحات كربلاء لا تزال تنزف وعويل الثكالى لا يزال يدوي ويهز القلوب والمشاعر.. وانطلقت ثورة الإمام زيد في ظل أهداف معلنة، جاء فيها: " يا معاشر الفقهاء، ويا أهل الحجى، أنا حجة اللّه عليكم، هذه يدي مع أيديكم، على أن نقيم حدود اللّه، ونعمل بكتاب اللّه، ونَقْسِم بينكم فَيْئَكم بالسوية [4].. فوالذي بإذنه دَعَوْتُكم، وبأمره نصحتُ لكم، ما ألتمس أَثَرَةً على مؤمن، ولا ظلماً لِمُعَاهِد، ولوددت أني قد حميتكم مَرَاتع الهَلَكَة، وهديتكم من الضلالة، ولو كنت أوْقِدُ ناراً فأقذفُ بنفسي فيها، لا يقربني ذلك من سخط اللّه، زهداً في هذه الحياة الدنيا، ورغبة مني في نجاتكم وخلاصكم، فإن أجبتمونا إلى دعوتنا كنتم السعداء والمَوْفُوْرين حظاً ونصيباً" [5]. ومضى في هذا النهج حتى استشهد في سبيل إصلاح الأمة وصيانتها، وعُرِف الثائرون على نهجه من بعده بالزيدية، فلم يمت حين قتل؛ لأن الشعلة التي أو قدها ظلت مسرجة بدمه ودم الشهداء من بعده تضيء للأجيال دروب الحرية والكفاح.
وبعد شهادة الإمام زيد عام (122هـ) لم تدم الدولة الأموية بعده طويلاً، فقد انهارت عام ( هـ).وعلى أنقاضها قامت الدولة العباسية وفيها عاش الصدر الأول من أئمة الزيدية كعيسى، والحسين، ومحمد أبناء زيد بن علي، وكذلك عبد الله بن الحسن المثنى، وإخوته: الحسن، وإبراهيم، وجعفر، وأبنائه: الإمام محمد بن عبد الله النفس الزكية، وإبراهيم، ويحيى، وإدريس. وكذلك الإمام الحسين بن علي الفخي، وغيرهم وخاضوا ثورات متعددة على نهج الإمام زيد في طلب الإصلاح والنصح للأمة، ولم نجد في دعواتهم ما تجاوز ذلك.
وفي العصر العباسي تبلورت معظم نظريات الإمامة عند مختلف التيارات وتشكلت معالمها، ودرست موافقاتها ومفارقاتها، وكان علماء الزيدية ممن خاضوا غمار تلك النظريات فظهرت معالم أفكارهم متفقة في الكليات ومختلفة في بعض الجزئيات، فذكر عن أبي الجارود زياد بن المنذر الخارفي (150 هـ) ـ وكان إمامي التوجه ثم لحق بالإمام زيد وصار من أصحابه ـ أنه اعتبر مسألة الإمامة قطعية، وأنها في الإمام علي بالنص الجلي، وأضاف أنها لا تجوز في غير أبناء الحسنين، ووافقه على ذلك الزيدية
و على عكسه روي عن الحسن بن صالح بن حي (168 هـ) التسامح في المسألة فرأى أن الإمامة خاضعة لأنظار العارفين، وأنها تجوز في سائر الناس وإن كانت في أهل البيت أولى إذا توفرت سائر شروطها، وأن علياً كان الأحق بالخلافة بالنص الخفي،ووافقه على ذلك بعض الزيدية فصاروا يعرفون (بالصالحية)، وقد أستقرت الزيدية على القول بأن الإمام علياً عليه السلام هو خليفة رسول الله بلا فصل إلا أنها أثبتت خلافته بالنص الخفي،ولذلك عذر من تقدمه ومن بايعهم
وهنا يجب التأكيد على أن ما يعرف بـ(الجارودية والصالحية) ليست فرقاً بالمعنى الدارج، فليس هنالك جارودي أو صالحي في العقائد أو الفقه، ولكنهم مجرد فرقاء في جملة من مسائل الإمامة، أبرزها : النص على الإمام علي والحكم على متقدميه،

ج:- الزيدية
يشترطون أن يكون الإمام:(ذكراً،حراً علوياً،فاطمياً،سليم الحواس والأطراف،مجتهداً عدلاً،سخياً يضع الحقوق في مواضعها،مدبراً،أكثر رأيه الإصابة مقداماً حيث يجوزالسلامة،لم يتقدمه مجاب وطرقها الدعوة لاالتوريث) و(ان يكون له ورع يحجزه عن الوقوع في المحرمات،ويمنعه من الإخلال بشيءمن الواجبات) (و أنه يجب شرعاً على أهل الحل والعق والنظر من المسلمين المجتهدين أن يفزعوا إلى البحث والنظر والتفكير فيمن يصلح للرعاية العامة وهي الإمامة إذ لابد للمجتمع الإسلامي من راع يجمع شمل المسلمين لإقامة الشرع الحنيف،وردع القوي عن الضعيف،وإنصاف المظلوم من الظالمين،وإقامة شعائر الدين،وحماية الإسلام ودفع النعتدين،ثم بعد شوراهم عليه يسألونه الدعوة والقيام بأعبائها،دستوره كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وآله وسلم وسيرة الخلفاء الراشدين الهادين من قبله.
والإمامة رئاسة عامة لشخص مخصوص بحكم الشرع ليس فوق يده يد إلا يد الله تعالى،والسلطان الذي يؤتاه صاحب الإمامة هو من الأمة لاسلطان له عليها إلا منها.
وطريقها الدعوة فيجب عليه القيام والإجابة إلى ذلك عيناً حيث لم يصلح غيره أو قد عينه أهل النظر،وكفاية في غير ذلك،ثم إذا قام ودعا وتهيأ لها وجب على المسلمين إجابة دعوته مع كمال شروطها،لما أخرجه أحمد والترمذي من حديث الحارث الأشعري بلفظ"من مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته موتة جاهلية"رواه الحاكم من حديث ابن عسر ومن حديث معاوية ورواه البزار من حديث ابن عباس.
واعلم أنه لايصير إماماً بعد الدعوة إلا من جمع أربعة عشر شرطاً.وهي نوعان:سبعة منها خَلْقٍية أي طبيعية،وسبع اكتسابية:
الأول والثاني- أن يكون مكلفاً،ويتضمن هذا الشرط البلوغ والعقل فلا تصح إمامة الصبي والمجنون.فإن جن ثم أفاق لم يفتقر إلى تجديد دعوة مالم ييأس من عود عقله فإنه يحتاج إلى تجديد دعوة إن عوفي بعد الإياس.
الثالث-ذكراً فلا تصح إمامة المرأة
الرابع-حراً
والشرط الخامس من شروط صحة الإمامة عند الزيدية وقوع الدعوة من علوي فاطمي أي سبطي من ذرية أحد السبطين إما الحسن أو الحسن.وقالت المعتزلة وغيرهم إن الإمامة تختص بقريش فكل بطون قريش على سواء في صحتها فيهم وقال آخرون الإمامة جائزة في المسلمين كلهم ماصلحوا في أنفسهم وكانوا عالمين بكتاب الله وسنة رسوله رسوله صلى الله عليه وآله وسلم،وخير القول بين القولين:أن نقول لو أن الذي أشترطوا القرشية في الخلافة واستدركوا الأمر بقولهم إنه إذا تساوى القرشي وغير القرشي في الاشتمال على شروط الإمامة فالقرشي أولى من غيره لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم"الأئمة من قريش" وغير ذلك من الأحاديث ولمكانه من قرابته ورئاسته القديمة كان أقرب إلى الصواب إذ المراد من الخلافة أن يكون نائباً عن الله سبحانه وتعالى في القيام بأمور عباده ليحملهم على مصالحهم ويردهم عن مضارهم وهو مخاطب بذلك ولايخاطب بالأمر إلا من له القدرة عليه....
والشرط السادس وقوع الدعوة من سليم الحواس
والسابع من شروط صحة الإمامة أن تكون الدعوة من سليم الأطراف
الثامن وقوع الدعوة من مجتهد،قال الإمام يحي بن حمزة في الإنتصار:(فإن لم يوجد مجتهد في الزمان ففي جواز إمامة المقلد تردد،اختار جوازها جماعة من شيعة أهل البيت واشترطوا أن يكون مجتهداً في أبواب السياسة).... وأهم الشرائط الورع والقوة على القيام بأمر الأمة نعم وقد أجاب السيد عبد الله بن يحيي أبو العطايا على قول الإمام عليه السلام في البحر(فيجب أن يكون مجتهداً إجماعاً ليتمكن من إجراء الشريعة على قوانيها)....قلت بل المراد من شرط الاجتهاد ليكون منصفاً غير متعصب لمذهب من المذاهب ولانحلة من النحل ولايكون كذلك إلا المجتهد فمن كان كذلك فهو القائم في مقام النبوة مترجم عنها حاكم بإحكامها)
التاسع عدلاً
العاشرسخياً يضع الحقوق في مواضعها
الحادي عشر مدبراً،أكثر رأيه الأصابة
الثاني عشر مقداماً حيث يجوزالسلامة،
الثالث عشر لم يتقدمه مجاب
الرابع عشر أن يدعو إلى نفسه لأن طريقها الدعوة لاالتوريث
طرق تنصيب الإمام عند الزيدية
(للزيدية في مسألة نصب الإمام تفصيل، فهم يعتبرون الإمامة في علي والحسنين بالنص على تفصيل في ذلك. أما إمامة غيرهم فتتم بطريقين:
1: الدعوة، وذلك بأن يدعو من اكتملت فيه الشروط إلى نفسه، ويقدم للأمة برنامجاً (الدعوة العامة) يوضح فيه طبيعة دعوته ومقاصدها، شريطة أن لا يكون ذلك في ظل وجود إمام شرعي سابق.
2: الاختيار، وذلك بأن يرشح أهل الحل والعقد من يرونه صالحاً لهذا المنصب ويبايعوه إن وافق على ذلك
والجدير بالتنبيه هنا أن طبيعة المذهب الزيدي القائمة على التجديد والاجتهاد لا تمانع من ابتكار أسالب جديدة ما دامت تهدف إلى تحقيق مصلحة الأمة واستقرارها.
والعبرة عند الزيدية بصلاحية الإمام للقيام بما أوكل إليه بغض النظر عن عدد المبايعين له، يقول الإمام القاسم بن إبراهيم (ت 246هـ): "اعلم أن الإمامة إنما تثبت لمن ثبتت له بالله وحده وبما جعلها تجب به من كمال الكامل، المطيق لها بالعلم غير الجاهل، فمن كان في العلم كاملاً، ولم يكن بما يحتاج إليه في الدين جاهلاً، فعلى المسلمين العقد له والرضى به، ولو لم يكن العاقد له إلا واحداً كان عقده عقداً، إلا أن العقد إنما يجب له بنفسه وكماله، وبما وصفنا من حاله، فإذا تمت حاله، ورضيت أفعاله، فعلى كل واحد التسليم له والرضى به
وعن الإمام أحمد بن عيسى بن زيد (ت247هـ) أنه قال: "ليس للأمة أن يؤثروا رجلاً يولوه فيجعلوه إماماً قبل أن ينظروا في الكتاب والسنة، فإن وجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفعله ولَّوه عليهم لفضله عليهم في الكتاب والسنة، فإن لم يجدوا الكتاب والسنة يدلان على تولية رجل باسمه وفعله كانت لهم الشورى من بعد ذلك فيما وافق الكتاب والسنة "
وعن الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (260هـ) أنه قال: لو أن رجلاً مستوراً عالماً بالكتاب والسنة، عالماً بظاهر الأحكام التي يحتاج الناس إليها من الفرائض والطلاق والإيلاء وغير ذلك من الحدود صلح هذا الأمر له)
وإذا تزامنت دعوة إمامين في قُطر رجح الأكمل، فإن تساويا فالأسبق، فإن لم يُعلم دُعيا للمناظرة بحضرة كبار العلماء وأهل السياسة والتجربة، فمن رجحت كفته وتفوق على منافسه نصبوه إماماً. وهذه طريقة راقية لتجاوز النزاع والوصول إلى الأصلح للأمة.


صفة الإمام في الأمة
يلخص الإمام القاسم الر
حب أهل البيت قربه..... وهو أسمى الحب رتبه
ذنب من يهواهم يغسله مــــزن المـــحبه
والذي يبغضهم لا...... يدخل الإيمان قـلبـه
علمه والنسك رجس...... عسل في ضرع كلبه

سيف الإسلام
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 154
اشترك في: الأربعاء مارس 01, 2006 9:07 pm
اتصال:

مشاركة بواسطة سيف الإسلام »

لي عودة انشاء الله
إلهي ماذا فقد من وجدك !! وماذا وجد من فقدك..!

الشريف العلوي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 424
اشترك في: الثلاثاء يوليو 20, 2004 7:35 pm

مشاركة بواسطة الشريف العلوي »

السلام عليكم ’’

لم تكمل مقـال الأستاذ حسن يا كاتب الموضوع .. أرجو الإكمال

عبد المؤمن
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 103
اشترك في: السبت فبراير 11, 2006 4:33 pm

مشاركة بواسطة عبد المؤمن »

لايَصلُح حال المسلمين الا بعودة الخلافة مرة اخرى قرشية هاشمية بهدى الهية نبوية .

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“