المَهدَويّة عِندَ الزّيدِيّة والجَعفَرِيّة ( طَرح جَديد )

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

المَهدَويّة عِندَ الزّيدِيّة والجَعفَرِيّة ( طَرح جَديد )

مشاركة بواسطة الكاظم »

المَهدَويّة عِندَ الزّيدِيّة والجَعفَرِيّة

َبحثٌ يَتَكلّم عَنْ مَاهيّة وأبْعَاد

العَقِيدَة المَهدَويّة

الشّيعيّة


كَتَبَهُ / الكَاظِم الزّيدي .

========================================

قَال الإمام أمير المؤمنين القَاسِم بن إبراهِيم بن إسمَاعيل بن إبراهِيم بن الحَسن بن الحَسن بن عَلي بن أبي طَالِب (ع) :

(( أَدْرَكْتُ مَشْيَخَةَ آلِ مُحَمَّدٍ مِنْ وَلَدِ الحَسَنْ والحُسَينْ وَمَا بَيْنَهُمْ اخْتِلاف )) .


========================================

بسم الله الرحمن الرحيم



المَهدَويّة عِندَ الزّيدِيّة والجَعفَرِيّة


الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين ، سيدنا محمد النبي الأمين ، وعلى آله الغر الميامين ، ورضوانه على الصحابة الراشدين، والتابعين لهم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدين .


وبعد :


قضيّة الإمام المهدي (ع) وظهوره في آخر الزّمان ، قضيّةٌ اتّفقَ عليها سواد وجمهور أمة محمد بن عبدالله (ص) ، السنّة والشيعة بجميع تياراتها ، واختلفوا في كيفية الظهور ، أَوِلادَةٌ في آخِرِ الزّمان فَظُهُور ، أو ظُهورٌ في آخِرِ الزّمان بِولادَةٍ مُسبَقَة تخَلّلَتهَا فترةُ الغَيبة ، والكلّ اتفقَ على صِفَتِه عِندَ الظّهور سَواءَ كان مِْن هذا الفريق أو ذاك ، فهُو بحميد الصّفات التي كان عليها الرّسول (ص) مُتحّلٍ ، وبِكَريم السّجايا والعَادات مُتخلِّق ، عِدَةُ اللهِ التي وَعَدَ بها رَسُولَه الكَريم (ص) ، بِهِ يَختِمُ الله كمَا بدأَ بِجَدّه وسَميّه وشَبيهِه في خُلقِه عليه وعلى آله أتم الصلاة والتسليم . وَقدَ وجَدنا كتابَة هذه الرسالة للتعريف بإمام الحق والهُدى محمد بن عبدالله (ع) ، ِمن وُجهّة نَظر الشيعة الزيدية ، والتّطرّق لما جاء فيه من الأخبار التي رواها مُحدّثوا الزيدية بأسانيدهِم المُتّصلَة والمُرسلَة إلى رسول الله (ص) وإلى أهل البيت (ع) عيونُ الأمّة المحمّدية ، و اكتفَينا بها عَن الرّوايات التي رَوتها العَامّة من أهل السنة والجماعة لتوفّرها وانتشَارها في مَظّانها ، والغَرضُ مِن ذلكَ إثباتُ مهديِّ آخر الزّمان ( محمد بن عبدالله ) (ع) عن طريق الزّيدية ومِن كُتُبها الحَديثيّة والعَقديّة المُعتبرَة عندهَم . أيضاً تطّرقنا بعدَ ذكرِ الروايات إلى ذكر صفات المهدي التي يكونُ عليه آخر الزّمان ، ثمّ تطّرقنا إلى الكلام عن الإمام المهدي (ع) بما يعتقدهُ فيه الشيعة الجعفريّة ، وخصصنا الأخيرَة بهذا لأنّا وأهل السنة نكادُ نتفّق على كُنهِ شخصه وحالِه (ع) ، فتكلّمنا عن المهدي عندَهُم وعرّفنا به برواياتهم ، ثمّ تكلّمنا عن الغيبة وفَلسَفَتِهَا وأسبَابِهَا ، وبيّنا أهمّ الإشكالات المكتنفَة لها ، ثمَّ أضفنا حواراً وَهمياً مع الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) ( ت 614هـ ) ، يدورُ رحاهُ حولَ الغَيبة والتّكليف واللّطف و مَدى مُوافَقَة الغَيبة لإتمَام الحجّة على العِباد ، ثمَّ نَاقَشنَا بَعضَ الاحتجَاجَات التي يتمسّك بها الجعفرية لإثبات الغَيبة ، وتَطرّقنا لحديثِ الاثني عَشر خَليفَة من طُرقِ أهل السنة ، وبيّنا أقصى ما يترتّب عليه ، وناقشنا بعضَ ما يثيرهُ الجعفرية حولَه من احتجاجات ، ثمّ تطرّقنا لحديث الإثني عشر خليفةً وإماماً من طُرُق الجعفرية ، مُركّزين على قضية عدم تبلور النّص فيما قبل عصر الغيبة بعددٍ مُعين من الأئمة ، وجَهْل المقَرّبين بِعَدد الاثني عَشر إمَامَاً ، وَرَبَطنَا مَضمْوَن رِواياتِ الجَعفَرية بِمَضمُون رِوايَات أهلِ السنّة وبيّنا التَناقُض ، وكانَ جلّ اعتمادنا على مروياتِ مُحدّثي الجعفرية ، أيضاً اسْتَفدنَا مِن كتَاب تَعليقَات على الإمَامة عندَ الإثني عَشريّة لمؤلّفه عبدالله حميدالدّين ونبّهنا عَلى ذَلك ، وبعدَ الحديث عن حَال الرّوايات الدّالة على ضَعفِ خَبر الإثني عشر وعَدم مَعقوليّته ، أشَرنَا إشَارَةً سَريعَة إلى مَوقع الإمام زَيد بن عَلي (ع) مِنَ الجهلِ بِالأئمّة وبِأعدَادِهِم وأسْمَاءهِم ، ثمّ واصلنَا الكَلام عَلى الاحتجَاجَات التي يتمسّك بها الجعفَريّة حولَ الغيبة ، و فِيهَا نَاقَشنَا عَدداً مِنَ الشُبهِ التي أثارَها أحدُ المُستبصرين ضدّ الزيدية فِيمَا يتعلّق بالغَيبة ، ثمّ تكلّمنا عَن الغَيبة والمدّة والظّهور لدَى الجعفرية وعلّقنا على بَعضِ روايَاتهم فِيها ، وفِيها أشَرنَا إشارةً سَريعَة لا يَستَغنِي عَنها البَاحِث حَول عَقيدَة البَدا عِندَ الجعفرية، ثمّ عُدنا للكَلام عَن المهدِي (ع) عندَ الزيدية ، فَبينّا مَا مَعنى أنْ يَكونَ كلّ إمامٍ فاطميِّ هُو مَهديُّ هذِه الأمّة ، وفِيهَا أشرنَا إلى عددٍ من التَرجِيحَات العَقليّة لِصحّة مَذهَب الزيّدية ، ومِنهَا تفرّع الكلام باختصار إلى قضَايا مُتعدّدة ليسَ لها علاقةٌ بالمهدويّة في آخر الزّمان ، مِنهَا حَصرُ الإمَامَة في البطنين والتعذّر بالعنصريّة العِرقيّة ، ومِنهَا إمِامَة المفضول بوجُود الفاضل وتَفنيدِ هذا الادّعاء عَلى الزيديّة ، ومِنهَا القول والتّصحِيح لإمَامَة مَن تقدّم أمير المؤمنين (ع) مِنَ المشائخ ، ومِنها إثباتُ تَفضيل بني فاطمة عليها وعليهم السلام لأمير المؤمنين على أبي بكرٍ فمَن بعدَه، ثمّ عَمِلنا عَلى تَجميع الكَلام ورَبطُ أولّه بآخِره بَالعَود إلى الكَلام على كُنهِ الموقفِ الذي يجبُ أن يتخذهُ العَاقل فِي حَال عَدمِ وجود المهدي (ع) ، وبِهَا نختمُ رسَالتنا المُتواضعَة ، التي اتّبعنَا فِيهَا أسلوبَ تَردِيد الكَلام في عَددٍ مِن المواضِع ، والتأكِيد تلَو التأكِيد ، والتّذكيرَ تلوَ التذكير ، وإن كانَ هذا من الممقُوت عندَ أهلِ الشأن، ولكنْ لحاجةٍ في نفسِ يعقوب ، حَرصنَا على هَذا الممقوت ، وأسألُ الله العلي القدير أن يُيسّرَ ويُحقّقَ ما انْطَوت عَليه نفسُ يَعقوب ، وأن يَجمَعنَا على العَقيدَة المحمديّة الصّحيحة وأن يُزين القِلّة المؤمنَة في أعْيُننَا ، ولا يَفتِننَا بالاغترار بِالكَثرَة المُبطلَة ، وأنْ يَجمَعَ كلمتَنا على العَدل والتّوحيد ، ويَجعَلنا مِن أتباع محمّد وآل محمّد ، وأن يُبلّغنا نُصرَة ولدِِ رَسوله محمّد بن عبدالله مهديّ هذه الأمة عليه وعلى آبائه الصلاة والسلام . وهذا أوان الشروع .

مدخل :

تذاكرتُ مع أحد الإخوة أعز الله شأنه ومقداره ، حول مسألة المهدي المنتظر عليه السلام ، فقال : إنَّ الزيدية لا تقول بخروج مهديٍّ بعينه آخر الزمان ، وأنّ كل إمامٍ قائمٍ منهم هُوَ مهديُّ زمانه ، وأنَّ المتأخرين دونَ المتقدمين من الزيدية هُم مَن تكلَّمَ وأثبتَ وجود مهديٍّ في آخر الزمان بعينه ورسمه ، ولَم يكن مُستندهم أقوال أهل البيت بل أقوال وروايات العامة من أهل الحديث، وأضافَ أنَّ مصادر الزيدية إنّما تكلّمت عن المهدي درايةً بدون رواية ، بمعنى تقريراً واستنتاجاً وفَهماً من أفعال أشخاص أئمتهم دونَ قولهِم وروايتهم ، كموقف أهل البيت مع النفس الزكية (ع) ، واستدلَّ بنصٍّ اقتبسهُ من كتاب ( الزيدية قراءة في المشروع وبحث في المكونات ) للسيد العلامة عبدالله بن محمد حميد الدين أعلا الله مقداره ، وكان نصّ كلامه ما يلي :

(( من اللافت للانتباه أنّهُ لَو بُحِثَ في قديم مؤلّفات الزيدية لن يجد الباحث الكثيرَ عن المهدي ، بَل لَعلّهُ لن يجدَ أكثرَ مِن بضعِ صَفحات . وأمَّا ما رُويَ عنه في فتراتٍ متأخرة فمأخوذةٌ مِن كُتُب الحديث التي رواها غير أهل البيت ، بل غير الزيدية عموماً . والظاهر من النصوص أنَّ أهل البيت يقولون بأنَّ هُناكَ مهدياً مخصوصاً ، هذا يظهرُ مِن موقفهم من محمد بن عبدالله النفس الزكية ، فقد اعتُقِدَ فيه أنّه هُو المهدي ، فلعلَّ أمر المهدي ممّا يتناقلُ بينهُم معرفةً وليس رواية . . كما تكلم فيه الإمام القاسم بن إبراهيم، وأشار إليه وإلى كريم أوصافه الإمام الهادي يحيى بن الحسين. ولكن أيضاً نجد أن الزيدية لم تكثر من وضع المؤلفات عنه وعن أحواله. ولعل السبب يعود إلى رؤية الزيدية لمفهوم المهدية. هذه الرؤية نجد أصلها في كلام إبراهيم بن عبدالله بن الحسن (ت145هـ) لما سئل عن أخيه، أهو المهدي؟ فقال : المهدي عدة من الله لنبيه وعده أن يجعل من أهله مهدياً لم يسمه بعينه ولم يوقت زمانه، وقد قام أخي بفريضته عليه في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن أراد أن يجعله الله المهدي الذي يذكر فهو فضل الله يَمُنُّ به على من يشاء من عباده، وإلا فلم يترك أخي فريضة الله عليه لانتظار ميعاد لم يؤمر بانتظاره. يدل النص على أن موضوع المهدي ليس إلا فضلاً من الله يسعد به من جاءه، ولكنه ليس الأمل الوحيد المعقود عليه في إحداث التغيير وبالتالي فإن حضوره في الثقافة الزيدية لم يتجاوز كونه فضلاً من الله يؤتيه من يشاء. بخلاف المهدي عند الفرق الأخرى التي أصبح هو الأمل المنشود والوحيد للتغيير في المجتمع المسلم. إن الحق يمكن أن يعود، والعدل يمكن أن يقام بغياب المهدي. توجب الزيدية السعي إلى أن يكون لكل عصر مَهْدِيُّهُ الذي يملأ زمانه عدلاً وقسطاً.)) [1] انتهى بحروفه.

وهُنا سنُحاول جاهدين لتوضيح غامض كلام السيد عبدالله حميد الدين قدر المستطاع ، على أنّ كلامه ما خلا من إشارات لوجود نصوص زيدية تُثبت إماماً مهديّاً في آخر الزّمان ، وليسَ فيه ما يجعلُ الباحث يقطع بانتفاء مثل هذه العقيدة عن سادات أهل البيت (ع) ، فنقول وعلى الله التكلان :


[ الإمام المهدي عند سادات أهل البيت الزيدية ]



اسمه : محمد بن عبدالله ، من ولد فاطمة الزهراء (ع) . من أبناء الحسن أو الحسين (ع).


قال الإمام عبدالله بن حمزة (ع) ، لمَّا تظاهرَت الروايات في هل هُو من أبناء الحسن أو الحسين : ((وقد أجملَ كثيرٌ من الأئمة عليهم السلام في هذا الباب، وذَكَروا أن المهدي مِن ولَد فَاطِمَة عليها السلام، ولَم يَعنوا بِمَا ورَاء ذَلك، وهَل هُوَ مِن ولَدِ الحسن أو من ولدِ الحسين عليهم السلام ، لأنَّ الكلَّ مَعدنُ الإمَامَة ومَحلّ الرئاسة والزّعَامَة ))[2].

ولادته و مكان ظهوره : يولَدُ في آخر الزمان ، ويُظهرهُ الله وينصرهُ على عدّوه ، وهو أحد علامات الساعة الكبرى ، ويظهرُ في اليمن ، وقيل في مكة .

مدة ملكه واستحكامه : يعيش بعد أن يملكَ ويستحكم على الأرض ، سبع سنين ، وقيل ثمان ، وقيل عشرين سنة .[3]


[ روايات سادات أهل البيت الزيدية في المهدي (ع) ]


أ‌- [ما أُثِرَ عن الرسول (ص) ]


1. عن أبي رافع مولى النبي صلى الله عليه وآله وسلم، قال: دخل رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم على نفرٍ من أهل بيته فبكى، فقال بعضهم: ما أبكاك يا رسول الله؟ فقال : (( إنَّا على ذلك أهل بيتٍ اختار الله تعالى لنا الآخرة على الدنيا، إن أهل بيتي سيلقون بعدي أثرة، وبغضاً من الناس، وتشريداً في البلاد، ثم يفرج الله عنهم برجل منا. ))[4] .


2. عَنْ أَنَسٍ، قَالَ: قَالَ رَسُوْلُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ-: ((نَحْنُ سَبْعَةٌ بَنُو الْمُطَّلِبِ سَادَاتُ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنَا، وَأَخِي عَلِيٌّ، وَعَمِّي حَمْزَةُ، وَالْحَسَنُ، وَالْحُسَيْنُ، وَالْمَهْدِي ))[5]


3. عَنْ فَاطِمَةَ -عَلَيْهَا السَّلاَمُ- أَنَّ رَسُوْلَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلَهُ وَسَلَّمَ، قَالَ لَهَا: (( الْمَهْدِيُّ مِنْ وَلَدِك))[6] .


4. عن عبدالله بن مسعود ، عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنّه قال : (( لا تَذهَبُ الدّنيا حَتّى يَمْلِكَ العَرَبَ رَجُلٌ مِن أهْلِ بَيتِي ، يُواطِئُ اسْمُهُ اسْمِي ، واسْمُ أبيهِ اسْمُ أبِي ، يَمْلأُ الأرضَ قِسْطَاً وعَدْلاً ، كَمَا مُلئَتْ جَوْارَاً وظُلمَاً ))[7] .

5. عن أم سلمة قالت: قلتُ: يا رسول الله (ص) مِمَّن المَهْدِي؟ قالَ: (( مِنْ بَنِي هَاشِم، قُلتُ: مِنْ أيِّ وَلَدِ بَنِي هَاشِم؟ قَالَ: مِنْ وَلَدِ عَبْدِ المطَّلِب، قَالَت: قُلتُ: مِن أيّ وَلَدِ عَبدِ المُطَّلِب؟ قَالَ: مِن بَنِي فَاطِمَة))[8].


6. عن ابن عبّاس قال : قالَ رسول الله (ص) : (( أوّلُ سبعةٍ يَدخلونَ الجنّة : أنَا ، وحَمزَة ، وجَعفَر ، وعَلي ، والحَسَن ، والحُسين ، والمهدي محمد بن عبدالله ))[9] .


7. عن أبي أيوبٍ الأنصاري : أنَّ رسولَ الله (ص) مَرِضَ مَرضاً شديداً ، فاشتَدَّ عليهِ مَرَضُه ، فَدَخَلَت عليه ابنتهُ فاطمة تعودُه ، وقَد كانَ ناقِهَاً من مَرَضِه ، فلمَّا رأت ما برسولِ الله (ص) من الجَهْد خَنَقَتها العَبرةُ حتَّى جَرَتْ دَمعَتُهَا على خَدِّها ، فقال لها .... : ( يا فَاطِمَة ، إنَّا أهلَ بَيتٍ أعطَانَا اللهُ سبعَ خِصالٍ ، لَم يُعطِها أحداً مِنَ الأوّلين ، ولَنْ يُدرِكَها أحدٌ من الآخرين َ غيرَنا : نَبِيُّنَا أَفْضَلُ الأَنْبِيَاء وهُوَ أبُوك ، وَوَصِيّنَا خَيرُ الأوصِياء وهُوَ بَعلُك ، وشَهِيدُنَا خَيرُ الشّـهَدَاء وهُو حَمْزةٌ عَمُّك ، ومِنَّا مَنْ لَهُ جَنَاحَانِ خَضِيبانِ يَطِيرُ بِهِمَا فِي الجنّةِ حَيثُ يَشَاء ، وَهُوَ جَعفَرٌ ابنُ عَمِّك، ومِنَّا سِبطَا هَذِهِ الأمَّةِ وهُمَا ابْنَاكِ الحسنِ والحُسين ، وَمِنّا والذَي نَفْسِي بِيدِه مَهْدِيُّ هَذِه الأمّة ))[10] .


8. عن أبي الطّفيل ، عن عليّ (ع) ، أنَّ النبي (ص) قال : (( لَو لَم يَبقَ في الدّنيا إلاّ يومٌ واحِد ، لطوَّلَ الله ذلكَ اليَوم ، حتَّى يَبعثَ اللهُ رَجلاً مِن أهلِ بيتي يملاهَا عدلاً كما مُلِئَت جَوراً ))[11] .


9. عن عليٍّ (ع) ، قال : سَمعتُ النبي (ص) يقول : (( مَهَدِي أمُتِي مِن أهلِ بيتِي جوادٌ بالمالِ رحِيمٌ بِالمَساكِين ))[12] .


10. وبرواية القاسم بن إبراهيم ، قال رسول الله (ص) : ((المهدي اسمهُ باسمي، واسمُ أبيهِ باسمِ أبي، سَخِي على المال، شديدٌ على العمال، رحيمٌ بالمساكين ))[13] .


11. وعن الأمير شرف الدين الحسين بن بدرالدين (ع) ، ينقل العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ع) ، قول الرسول (ص) : (( يخرجُ المَهدِي فِي أُمّتِي يبعثهُ اللهُ غياثاً للنّاس ، تَنعُمُ الأمّة وتعيشُ الماشية ، وتُخرِجُ الأرضُ نباتَها ، ويُعطَى المالُ صحاحاً ))[14] .


12. وعن الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) ، ينقل العلامة أحمد بن محمد الشرفي (ع) ، قول الرسول (ص) : (( يظهرُ في آخر الزَّمان رجلٌ يُسمَّى أميرَ الغَضبِ لله ( وقيلَ أميرَ العُصَب ) ، لهُ أصحابٌ مَنحُوون مَطرودونَ عن أبواب السلاطين ، مُصونَ يجتمعونَ إليه مِن كلِّ أوبٍ كما يجتمعُ قزعُ الخريف ، يُمَلِّكهُ الله مشارقَ الأرضِ ومَغارِبها ))[15] .


ب‌- [ما أُثِرَ عن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ]


13- عن عليٍّ (ع) ، أنّه قال : (( المَهديُّ مِنّا أهلَ البَيت ، يًصلِحهُ اللهُ في ليلَة ))[16] .


14- وعن الإمام أحمد بن سليمان (ع) ، ينقل العلامة مجدالدين بن محمد المؤيدي (ع) ، قول أمير المؤمنين (ع) : (( أولّنا مُحمَّدُ بن عبدالله ، وأوسَطُنَا مُحمَّدُ بن عبدالله ، وآخرُنا مُحمَّدُ بن عبدالله )) ، فالأوّلُ مُحمَّدُ بن عبدالله النبي (ص) ، والأوسَطُ مُحمَّدُ بن عبدالله النفس الزكية (ع) ، والآخرُ مُحمَّدُ بن عبدالله المهدي[17] .


ج- [ما أُثِرَ عن زيد بن علي بن الحسين (ع) ]


15- عن أبي خالد، قال: سألنا زيد بن علي عليهما السلام عن المهدي أكائنٌ هو؟ فقال: نعَم، فقيل له: أمِنْ ولَدِ الحسنِ أم مِن ولَد الحُسين؟ فقال زيد عليه السلام: (( أما أنّهُ مِن ولَدِ فَاطمة صلوات الله عليها، وهو كائنٌ مِمَّن شَاءَ الله مِن وَلَدِ الحَسنِ ، أمْ مِن وَلَدِ الحُسَين صلوات الله عليهم ))[18] .


16- حدثنا سفيان ابن خالد الأعشى، قال: دخل نفر من أهل الكوفة على زيد بن علي حين قَدِمَ الكوفة، فقالوا: يا بن رسول الله، أأنت المهدي الذي بلغنا أنه يملؤها عدلاً؟ قال: لا، قالوا: فنخشى أن تكون علينا مفتاح بلاء، قال: ويحكم وما مفتاح بلاء؟ قالوا: تَهدِمُ دُورَنَا، وتَسبِى ذَرارِينا، ونُقَّتلُ تَحتَ كِل حَجَر، قال: (( ويحَكُم ! أمَا عَلِمتُم أنَُّه لَيسَ مِن قَرن تَمشُوا إلاَّ بَعثَ الله عز وجل مِنَّا رَجُلاً ، أو خَرَجَ مِنا رجُلٌ حُجةٌ عَلى ذلك القرن، عَلِمَهُ مَن عَلِم وجَهِلَه مَن جَهِل ))[19] .


17- حدثنا قاسم بن محمد بن عبدالله بن عقيل بن أبي طالب، قال: قال زيد بن علي: (( المهدي حقٌ، وهو كائن منَّا أهل البيت، ولَن تُدركُوه وذَلكَ يَكونُ عِندَ انقطاعٍ مِنَ الزمَن، فلا تنكلوا عَن الجِهَاد مَعَ الدَّاعِي منَّا إلى كِتَابِ الله وسُنّةِ رسَولِه القَائم بذلك المَوثوق به، إمِامٌ لَكُم وحُجَّةٌ عَليكُم فَاتبعوهُ تَهتَدوا ))[20] .


د- [ما أُثِرَ عن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ]


18- روى أبو العبّاس الحسني بسنده ، إلى رجل من أصحاب عبدالله المحض (ع) ، أنّه قال: (( أتيناه –يعني عبدالله بن الحسن- وهُوَ في المحمَل وقَد حَمَلَهُ أبو جَعفر، فَقُلنَا لَهُ: يا بنَ رَسول الله ، محمّد ابنكَ المهدِي، فَقَال: يَخرُج محمّد مِن هَاهُنا؛ وأشَار إلى المدينة؛ فَيكونُ كَلحس الثّور أنفه حَتى يُقتَل، ثمّ يَخرُج إبراهيمُ مِن هَاهُنا فَيكون كلحسَة الثّور أنفه «حتّى يُقتل»، ولكنْ إذَا سَمِعتُم بالمأثور قَد خَرَجَ بخراسان فَهوَ صَاحبُكم ))[21] .


هـ- [ما أُثِرَ عن إبراهيم بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ]


19- عن طاهر بن عبيدٍ، عن إبراهيم بن عبد الله بن الحسن بن الحسن (ع) ، أنهُ سُئِلَ، عَنْ أخِيهِ مُحَمَّد (ع) ، أهُوَ المَهْدِي الذِي يُذكَر ؟ ، فَقَالَ (ع) : (( المَهدِي عِدَةٌ مِنَ الله تعالى لِنَبيّهِ (ص) ، وَعَدَه أنْ يَجعَلَ مِن أهلِه مَهدِياً ، لَمْ يُسَمِّهِ بِعينِه ، ولَمْ يُوقِتْ زَمَانَه ، وقَدْ قَام أخِي للهِ بِفَريضَتِه عليه فِي الأمْرِ بالمَعروفِ والنهي عَن المنكر، فإنْ أرادَ الله تَعَالَى أن يَجعَلَهُ المهدِيَّ الذِي يُذكَر ، فَهُو فَضْلٌ مِن الله يَمُنُّ بِه على مَن يَشَاءُ مِن عَبادِه، وإلاَّ فَلَم يَترُك أخِي فَريضَة اللهِ عَليهِ ، لانتظَارِ مِيعَادٍ لَم يُؤمَر بِانتظارِه ))[22] .

قال الإمام عبدالله بن حمزة (ع) :

(( وقولُ الإمام إبراهيم بن عبدالله (ع) : المَهدِي عِدَةٌ مِنَ الله وَعَدَها نبيّه، أنْ يَجعَلَ مِن ذُريّتهِ رَجلاً مَهدِياً ، لَمْ يُسَمِّهِ بِعينِه ، ولَمْ يُوقِتْ زَمَانَه ، ولا إشكَالَ فِيه، نَقول : إنّهُ لَمْ يُعَيّنهُ ، فَيَقُول : هُو مُحَمَّدٌ هَذَا ، ولا يَقَولُ : إنّهُ يَخْرُجُ لِسَنَةِ كَذَا، وكَذَا ))[23] .

قلتُ : والسؤالُ وُجّهَ للإمام النفس الرضية (ع) ، قبلَ أن يُقتَلَ أخوه النفس الزكية (ع) .


و- [ما أُثِرَ عن إدريس بن عبدالله بن الحسن بن الحسن (ع) ]


19- وذلكَ أنهُ قالَ في رسالته الشهيرة لأهل المغرب ، مُتكلّماً عن المهدي العباسي : (( ثم مَلَكَ بَعدَهُ ابنهُ الضّال، فَانتَهَكَ الحُرمَات، واتّبعَ الشّهَوات، واتّخَذَ القَينَات، وحَكَمَ بِالهَوَى، واسْتَشَارَ الإمِاء، ولَعِبَت بِه الدّنيا، وزَعَمَ أنّهُ المَهْدِيُّ الذَي بَشَّرَت بِهِ الأنْبيَاء .. ))[24] .


ز- [ ما أُثِرَ عن القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ]


20- قالَ القاسم بن إبراهيم (ع) : (( ودلّ [ الرسول (ص) ] على المَهدِي باسْمِه ونَسَبِه وفِعلِه ))[25] .


21- أنشأ الإمام القاسم (ع) مُتأملاً دولةَ المهدي (ع) :

عَسَى بالجنوبِ العارياتِ سَتكتَسي ***** وبِالمُسْتذلِّ المُستَظَامِ سينصرُ
عَسَى مشرب يَصفو فتـروى ظميـة ***** أطالَ صَداهَا المنهل المتكدرُ
إلى قوله :

عَسى الله لا تـيأس مِـنَ الله إنّهُ ***** يسيرٌ عليهِ ما يعزُّ ويكـبرُ
إلى قوله :

عَسَى فرجٌ يأتي بهِ اللهُ عاجـلاً ***** دولَةِ مَهدِيٍّ يقومُ فيظـهرُ[26]


ح- [ ما أُثِرَ عن الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) ]


22- قال يحيى بن الحسين (ع) ، بعد أن تشكَّى من الزمان ، وظهور علامات الفساد: (( فكأنّي بيعسوبِ الدّينِ قَدْ ضربَ بِدِينِهِ ، وَجَأَرَ إلى رَبّهِ ، فأجابَ اللهُ دَعوتَهُ ، ..، بِرَجُلٍّ مِن أهلِ بيتِ نبيِّهِ ، .. ، ويُحِييَ الله بِبَرَكَةِ الطّاهِرِ المهدِي دَعْوةَ الحَقّ، ويُعْلِنَ بِه كَلِمَةَ الصِّدق))[27] .


23- أنشأ الإمام الهادي (ع) يمتدحُ المهدي (ع) :

كَريمٌ هَاشميٌ فَاطِميٌّ جَامِعُ القلـبِ ***** رؤوفٌ أحمديٌّ لا يَهابُ الموتَ في الحربِ
تَرَى أَعداؤهُ مِنهُ حذار الحتف في الكرب ***** شُجاعٌ يُتلفُ الأرواحَ في الهَيجاءِ بالضَّر
رَحيمٌ بأخي التّقوى شَديدٌ بأخي الذّنب***** حَكيمٌ أوتيَ التّقوى وفَصلُ الحُكم والخطب

بِعَدْلِ القَائِمِ المَهْدِيِّ غَوثُ الشّرقِ والغَربِ[28]


صفات الإمام المهدي (ع) ، وحالهُ حالَ خروجه :


* قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) :

(( فكأنّي بِيعْسوبِ الدّينِ قَدْ ضربَ بِدِينِهِ ، وَجَأَرَ إلى رَبّهِ ، فأجابَ اللهُ دَعوتَهُ ، ورَحِمَ فَاقَتهُ ، وكَشَفَ غُمّتَهُ ، وأنْزلَ نُصرَتَهُ ، وأظهَرَ حُكمَهُ ، وانتَعشَهُ بعدَ هلاكِه ، وأحياهُ بعدَ وفاتِهِ ، وقوَّاهُ بَعدَ ضَعفِهِ ، بِرَجُلٍّ مِن أهلِ بيتِ نبيِّهِ ، فَيُظهرُهُ في بَعضِ أرضِهِ ، ويُقيمُ به عَمودَ الدّين ، ويُعِزَّ به المؤمنين ، ويُقِلُّ الكافرين ، ويُذِلُّ الفاسقين ، ويَحَكُمُ بكتابِ ربِّ العَالَمين ، يُمَكِّنُ اللهُ لهُ في أرضِه وطأته ، ويُظهرُ كَلِمَتَهُ ، ويُعزُّ دَعوتَه ، ويُشبِعُ بهِ البُطونَ الجائعة ، ويَكسُو به الظهورَ العارية ، ويُقوّي بهِ ضعفَ المُستضعفين ، ويُزيلُ به ظُلمَ الظَّالمين ، ويَرُدًّ بهِ الظُّلاماتِ ، ويَنفي بهِ الفاحشات ، ويُطفئُ به نارَ الفِسق ، ويُعلي بهِ نورَ الحق ، ويُؤيدهُ بالنصر ، وينصرهُ بالرّعُب ، ويُعزُّ أولياءه ، ويُذلُّ أعداءه ، فَكُلَّّ ما مَلكَ منَ الأرضِ بلداً ، دعاهُ الغضبُ لربّهِ إلى طَلَبِ غيرِه حتَّى يَملِكَ البلادَ كُلَّها ، ويَطأَ الأمُمَ بأسرِها ، بعونِ اللهِ وتوفيقِهِ ، ونَصرهِ وتأييدِه ، فَيَملأُ الأرضَ عدْلاً وقِسطاً ، كمَ مُلِئَت جوراً وظُلماً ، لا تأخذهُ في الله لومةُ لائم ، يجتمعُ إليهِ أعوانهُ ويَلتئمُ إليهِ أنصارُه مِن مَناكِبِ الأرضِ كُلِّهَا ، كَما يجتمعُ قزعُ الخريف في السماء .

هَاهٍ هَاهْ !! كَأنّي بِه يَقْدُمُ الألُوف، ويَجْدعُ مِن أعْدَائهِ الأنُوف، ويَخُوضُ الحُتُوف، ويَفُضُّ الصُّفُوف، بِعَسَاكِرٍ كَثِيرَةُ الغَوائِل، فِيهَا حُمَاةُ الليوثُ القَواتِل، تَطِيرُ بِالضَّربِ ذَواتُ الأنَامِل، وتَفرِي بِالبِيضِ شُهبُ المَحَافِل، حَتَّى إذَا تَنَازَلَ الفُرسَان، وظَهَرت دَعوةُ الرّحمن، ودَعَا إلى الحقّ كُلُّ إنسَانٍ، وتَنَاوشَ الأقْرَان، واخْتَضَبَ المِرَان، وحَمِيَ الطِّعَان، وَطَاحَ الهَام، واخْتَلَطَ الأقْوَام، وقَهَرَ الإسْلام، وظَهَرَتْ دَعوَةُ مُحَمَّدٍ عليه السلام، ونُصِرَ هُنالِكَ المؤمنُون، وخُذِلَ الكَافِرون، ومَن بَغَى عَليهِ لَينْصُرَنّهُ الله إنَّ الله لَقَويٌّ عَزيز.

فَحِينَئذٍ يَتِمُّ نَصرُ الله لِلمُحِقّينْ، ويَصِحُّ خِذلانُه و هَلاكُهُ للفَاسِقِين، ويَجْتَثّ الله أصْلَ أئمةِ الجورِ الضّالين، ويُحْييَ الله بِبَرَكَةِ الطّاهِرِ المَهْدِي دَعْوةَ الحق، ويُعْلِنَ كَلِمَةَ الصّدق، وَيَمُنُّ بذلكَ ويَتَفَضّلُ به عَلَيه، ويُحسِنَ تَأييدَهُ وتُوفِيقَهُ فِيه . )) [29] .


******

[ الإمام المهدي (ع) ، وفلسفة الغيبة ]

ثبتَ ظهورُ المهدي (ع) ، في آخر الزّمان عن طريق الشيعة الزيدية ، وعن طريق العامّة من السنة والإمامية في غير مقام ، واختُلِفَ في الماهية لهذا الظهور ، أظهورٌ هُوَ بدون حياةٍ وغيبةٍ مُسبَقة ، أو ظُهورٌ بغيبةٍ وحياةٍ مُسبَقة ، والأخيرُ هُو قولُ الإمامية ، وهُو محورُ كلامنا ، لأنّا وأهل السنّة نتفّق في كيفية الظهور ، فيُتوجَّهُ الكلام إلى الإمامية من الشيعة ، القائلين بغيبة الإمام الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري (ع) .

وبادئَ ذي بدء ، يجب أن يعَلمَ الجاهل ، ويتذكَّر المُتعلّم ، ويُركّز المُثقّف ، أنَّ قضية المهدوية والغيبة ، ما ادّعاها قومٌ في إمامٍ لهم ، إلاَّ وشنّعَت عليهم الأمّة بأسرها ، أيَّما تشنيع ، لأنّهُ لا دليلَ عليها لا من الكتاب ، ولا مِنَ السّنة ، ولا مِنَ العقل ، ولا يضيرنا أن ننعتَ من اعتقدَ بهذا الاعتقاد من شواذّ الزيدية من غيبة النفس الزكية (ع) ، أو محمد بن القاسم الطالقاني (ع)، أو الحسين بن القاسم العياني (ع) ، بأشد وأردى النّعوتات ، لأنّهم خالفوا المعلوم ضرورةً من الدين ، ومَا لهؤلاء الأئمة مِن ذنبٍ إلاّ أنّ هؤلاء الغلاة أتباعُهم ، والله المُستعان .

وهذه ردّة فعل الإمامية الجعفرية أنفسهم ، مع مَن قال بغيبة الإمام جعفر الصّادق (ع) ، أو قال بغيبة موسى الكاظم (ع) ، أو قال بغيبة الإمام علي الرضا ، ولعلَّ هذه الفرقة من الشيعة أكثرُ فرقةٍ ادّعت المهدوية والغيبة في أئمتها ، إلى أنَّ استقرَّ بها النّوى بالقول بغيبة ومهدوية ابن الحسن العسكري ، وكلَّ مهدويةٍ من مهدوياتهم تُبطلُ التي قبلها ، وهذا والله من أكبرِ ما يُصادم مصداقيّة نصّهم الإثني عشري في أئمة أهل البيت ، إذ هُو يُعبّر عن جهل مُركّب صادرٍمن أتباع هؤلاء الأئمة ، عندما يَقِفُونَ على غيبة الإمامِ بَعدَ الإمام ، وكأنّهم لَم يَسمعوا عن نصٍّ ظاهرٍ مشهورٍ تزعمه الإمامية في أئمتهم بأسماءهم وأعيانهم ، فيا ليتَ قومي يعلمون ، ويشحنوا العقول ، بما فطرها عليه ربّها ، وهو حسبنا ونِعمَ الوكيل .

مدخل :

[ المهدي ( محمد بن الحسن ) ، عند الإمامية ] :

1- اسمه : محمد بن الحسن .


2-ولادته : سنة 255 للهجرة .



3- أمّه : نرجس ، وقيلَ سوسن ، وقيلَ صقيل ، وقيلَ ريحانة ، وقيلَ حكيمة ، وقيلَ مليكة ، وقيلَ مريم[30] !! ، فهلَ بلغَ الغموض إلى هذه الدّرجة معشر الإمامية في اسم أمّ المهدي !! .


4- الحمل ، والولادة ، وما بعدَ الولادة :

قبل إيرادِ ما جاءت به الأخبار الإمامية عن ولادة المهدي م ح م د ! ابن العسكري ، نطلب استلهامَ مقولة : (( أنَّ دين الإمامية بالمنقول ، والزيدية بالمعقول )) .

* قال الشيخ الطبرسي ، في كتابه إعلام الورى ، في ميلاد المهدي (ع) :

1- (( فَمِنَ الأخبار التي جَاءت فِي مِيلادِه عليه السلام : ما رَواه الشيخ أبو جعفر بن بابويه ، عن محمد بن الحسن بن الوليد ، عن محمد بن يحيى العطّار ، عن الحسين بن رزق الله ، عن موسى بن محمد بن القاسم بن حمزة بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام قال : حدثتني حكيمة بنت محمد بن علي الرضا عليهما السلام، قَالَت : بَعَثَ إليَّ أبو محمد الحسن بن علي عليهما السلام فَقال : « يَاعَمّة ، إجْعَلِي إفْطَارَكِ الليلَة عِندَنَا ، فِإنَّها لَيلةُ النِّصفِ مِن شَعبَان ، فِإنَّ الله تَعالى سَيُظهِرُ فِي هِذِهِ اللّيلًة الحُجّة ، وهُوَ حُجَّتُه فِي أرْضِه » .
قالَ : فقلتُ لَه : وَمَنْ أُمّه ؟
قال : « نَرجِس » .
قلتُ لَه : جَعَلَنِي الله فِدَاك ، مَا بِهَا أثَرْ!
فَقال : « هُو مَا أقُولُ لَكِ » .
قَالَت : فَجِئتُ فَلمّا سَلَّمْتُ وَجَلَسْتُ ، جَاءتْ تَنْزِعُ خُفّي ، وقَالَت لِي : يَا سيّدتِي كَيفَ أَمْسَيتِ ؟
فَقُلتُ : بَلْ أنْتِ سَيّدَتِي وسَيّدةُ أهْلِي .
قالَت : فَأَنْكَرَتْ قَولِي ، وقَالَتْ : مَا هَذَا ؟!
فَقلتُ لها : يَا بُنيّة ، إنّ الله تَبارَكَ وتَعالى سَيَهَبُ لَكِ فِي لَيلَتِكِ هَذِه غُلامَاً سيّداً فِي الدّنيا والآخِرَة .
قَالَت : فَخَجِلَتْ واسْتَحيتْ ، فَلَمَّا أنْ فَرغْتُ مِن صَلاةِ العِشَاء الآخِرة ، أفْطَرتُ وأخَذْتُ مَضْجَعي ، فَرَقَدت ، فَلَمَا أنْ كانَ فِي جَوفِ الليل ، قُمتُ إلى الصّلاة ، فَفَرغتُ مِن صَلاتي وهِي نَائمةٌ لَيس بِهَا حَادِث ، ثُمَّ جَلَسْتُ مُعقبة ، ثُمَّ اضْطَجَعتُ ، ثم انْتَبهْتُ فَزِعَة وهِي راقِدَة ، ثمّ قَامَت فَصَلّت ونَامَتْ .
قَالَت حَكيمة : وخَرَجتُ أتَفَقّدُ الفَجر ، فإذا أنَا بالفَجرِ الأوّل كَذَنبِ السّرحان ، وهِي نائمة ، قَالَت حَكِيمة : فَدَخَلتْني الشّكُوك ، فَصَاح بِي أبو مُحمّد مِنَ المَجلِس ، فَقال : « لا تَعجَلي يَا عَمّة ، فَهَاكَ الأمْرُ قَد قَرُب » .
قالَت : فَجَلَستُ فَقَرأتُ « الم السجدة » و« يس » فَبينَمَا أنَا كَذَلِك ، إذْ انتبهْتُ فَزِعَة فَوثَبْتُ إليهَا ، فَقلتُ : اسْم الله عَليك ، ثمّ قُلتُ لَهَا : هَل تحسّين شيئاً ؟ قالَت :نَعَم .
فَقلتُ لها : اجْمَعِي نَفْسَكِ ، واجْمعِي قَلبَكِ ، فَهُو مَا قُلتُ لَك .
قَالت حَكِيمة : ثمَّ أَخَذتني فترة وأخَذَتهاْ فترة ، فَانْتبهْتُ بِحِسّ سيّدي ، فَكَشَفْتُ الثوبَ عَنهُ ، فإذا بِهِ عليه السلام سَاجِداً يَتَلقّى الأرْضَ بِمَسَاجِدِه ، فَضَمَمْتُه إليَّ ، فإذَا أنَا بِه نَظيفٌ مٌنَظّف ، فَصَاح بِي أبو مُحمّد عليه السلام : « هلمّي إلف ابْنِي يَا عمّة » .
فجئت بِهِ إليه ، فَوَضَع يَديهِ تَحتَ إلْيتيه وظَهره ، وَوَضَعَ قَدَميهِ عَلى صدرِه ، ثمّ أدلى لِسَانَه في فِيه ، وأمَرهَ يَدَهُ عَلى عَينيه ، وسمَعَهُ ومَفَاصِلَه ، ثمَّ قَال : « تَكلّمْ يَا بُنيّ » .
فقالَ : « أشهَدُ أنْ لا إلَهَ إلاَّ الله ، وأشهَدُ أنّ مُحمَّداً رَسُولُ الله »، ثمّ صَلَّى على أميرِ المؤمنين ، وعَلى الأئمَة عليهم السلام ، إلى أنْ وَقَفَ عَلَى أبيهِ ، ثمَّ أحْجَم .
ثمَّ قالَ أبو محمد عليه السلام : « يَا عمّة اذْهَبي بِه إلى أُمّهِ لِيُسَلِّمَ عَلَيهَا ، وائتِنِي بِه »، فَذَهبتُ بِهَ فَسَلّمَ ، وَرَدَدْتُه وَوَضَعتُه فِي المَجِلِس ، ثمَّ قالَ عليه السلام : « يَا عَمَّة إذِا كَانَ يومَ السَّابِعِ فَائِتينَا » .
قَالَت حَكِيمة : فَلَمَّا أصْبَحتُ جِئتُ لأُسَلَّمَ عَلَى أبي محمد عليه السلام ، وَكَشَفْتُ السِّترَ لأتَفَقَّدَ سَيّدّي فَلَم أرَه ، فَقُلتُ لَه : جُعِلتُ فِدَاكَ مَا فَعَلَ سَيّدي ؟
قَالَ : « يَا عَمَّة اسْتَودَعنَاهُ الذّي اسْتَودَعَت أمّ مُوسَى مُوسَى » .
قالَت حَكيمة : فَلَمّا كَانَ يومُ السّابِع ، جِئتُ وسَلَّمتُ وجَلَستُ ، فقالَ : « هَلُمّي إليّ ابْني » ، فَجِئتُ بِسَيَّدِي عليه السلام وهُو فِي الخِرقَة ، فَفَعَلَ بِه كَفِعلَتِه الأولَى ، ثمّ أدْلَى لِسَانَه فِي فِيهِ كأنَّمَا يُغَذّيه لَبَنَاً أو عَسَلاً ، ثم قَالَ : « تَكَلَّمْ يَا بُنَي » .
فقالَ عليه السلام : « أشهدُ أن لا إلهَ إلاّ الله » وثَنَّى بِالصَلاةِ عَلَى مُحمَّدٍ وعَلَى أمير المؤمنين عليهما السلام ، وعَلَى الأئمة ، حَتى وقَفَ عَلى أبيهِ عليهم السلام ، ثمَّ تَلا هَذِهِ الآية : { وَنُرِيدُ أَنْ نَمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ * وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِيَ فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُمْ مَا كَانُوا يَحْذَرُون } .

قَالَ مُوسَى : فَسَألتُ عُقبَة الخَادِم عَن هَذا ، فَقَالَ : صَدَقَت حَكيمة . ))[31] انتهى بحروفه .

2- قال الطّبرسي :

(( قال إبراهِيم بن محمد : وَحَدّثني نَسِيم الخادم ، قَال : قَالَ لِي صَاحِب الزّمان - وقَدْ دَخَلتُ عَليهِ بَعْد مَولِدِه بِلَيلَة !! ، فَعَطَسْتُ - فقالَ : « يَرحَمُكَ الله » ، قَالَ نَسِيم : فَفَرِحتُ بِذَلك . فقالَ : « ألا أُبشّركَ بالعُطَاس ؟ » ، فَقُلتُ : بَلَى .فَقالَ : « هُو أمَانٌ مِن الموتِ ثلاثةَ أيام » )) [32] انتهى بحروفه.

تعليق : التعليقُ لأولي الحجا ، والنُهى ، على هذه الولادة التي لا بيانٌ فيها لأثرِِ الحَمْل ، إلاّ في عشيةٍ وضُحاها ، بل ولادةٌ مُباشَرة !! ، والرسول (ص) مكثَ في بطن آمنة بنت وهب رضي الله عنها ، ما شاء الله أن يَمكُث ، وتأمّل الكلام مِن م ح م د !! في المهدِ مع أبيه ، ومعَ نسيم الخادم ، والله المُستعان . والعجبُ واللهِ كُلُّ العَجب ، من العُقلاء يَردّون أحاديثَ وضعِ الرّب جلا وعلا قَدَمهُ في النّار ، إلى أن تقولَ : " قَطٍ قَطْ " ، ولا يتخيّلونَ هذا ، ويُعزونهُ إلى الإسرائيليات ، وهُم يُصدّقون بهذا الحديثِ وأمثاله ، وكُلّما عِشتَ أراكَ الدّهرُ عَجباً إلى عَجَب .

3- ثمّ انظر حكيمة تزور الحسن العسكري أبو محمد بعدَ أربعينَ يوماً من ولادة الحجة المهدي ، فتقول : بَعدَ أن كانَ أربعونَ يوماً دَخلتُ عَليه فإذَا أنَا بِصَبيٍّ مُتَحَرِّك ، يَمشِي بَينَ يَدَيه ، فَقُلتُ : سَيِّدِي هَذَا ابنُ سَنَتين ؟ فَتَبَسَّمَ ثمَّ قَال : (( إنَّ أولادَ الأنبياءِ والأوصياء إذا كَانُوا أئمةً ، يَنْشَؤون بِخِلافِ مَا يَنشَأ غَيرُهُم ، وإنَّ الصَّبي مِنَّا إذَا أتَى عَليهِ شَهرٌ كَانَ كَمَن يَأتِي عَليه سَنة ، وإنَّ الصبيَّ مِنَّا لَيتَكلَّمُ فِي بَطنِ أمِّه ، ويَقرأُ القُرآن ، ويَعبُدُ ربَّه عز وجل ، وعِندَ الرّضَاع تُطيعُه الملائكة ، وتَنزِلُ عَليهِ كُلَّ صَباحٍ ومَسَاء . فَلَمْ أزَلْ أرَى ذَلك الصَّبي كُلَّ أربَعينَ يَومَاً ، إلى أنْ رأيتُه رَجلا قَبْلَ مُضِيِّ أبي مُحمّد بَأيَّامٍ قَلائل ، فَلَم أعْرِفْهُ، فقلتُ لأبي محمد : مَنْ هَذا الذي تَأمُرني أنْ أجْلِسَ بَينَ يَديْه ؟ فَقَال : ابنُ نَرجِس ، وهُو خَليفَتي مِن بَعدي )) ([33]) .

تعليق : انظُر هذا الأثر عن الحسن العسكري (ع) ، وكيفَ أنَّ الإمامية اضطروا لاختلاقهِ على لسانه ، عندما عَرفُوا أنَّ في قولهم بإمامةِ فتىً ماتَ والدهُ وهُوَ في الخامسة من عُمُرِهِ ما يُدخلُهُم في دّواماتٍ لا انقطاع لها ، أمامَ عُقلاء الأمّة ، سُنيّها وشيعيّها ، فأتى هذا النّص الذي ينمو فيه أبناء الأوصياء في الشهرِ بقدرِ السَّنة ، ليَحُلَّ الإشكال ، فيكونُ المهدي عند موت والده ، قد بلغَ مبلغَ الرجّال ، وبهِ يُردّ على المُشكّك من هذا الوجه . ولكنّا نتسائل إن كانَ أبناء الأوصياء ينمون في الشهر بقدر السنة ، فكَم بلَغت أعمار أجداد المهدي ، الحسن العسكري ، ومحمد الجواد ، وجعفر الصادق ، وزين العابدين ؟! ، هَل وَصلَت أعمارهم إلى المئات أوالآلاف من السنين؟! ، أم أنّ هُناك روايةً جعفرية تقولُ أنَّ أعمارَهُم تتوقّف في النّمو شهرياً إذا بلغوا ، مبلغاً مًعيناً من العمر ؟ .

5- المهدي ، وعدم التصريح باسمه :

1- روى الإمامية عن الإمام الباقر (ع) أنّهُ قال : (( سأل عمر أمير المؤمنين عن المهدي قال : يا ابن أبي طالب أخبرني عن المهدي ما اسمه ؟ قال : أما اسمه فلا ، إن حبيبي وخليلي عهد إلي أن لا أحدث باسمه حتى يبعثه الله عز وجل وهو مما استودع الله عز وجل رسوله علمه )) [34] .

تعليق : تأمّل كلام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، وكيفَ أنَّ الرسول (ص) عهِدَ إليه ، عدم التصريح باسم الإمام الثاني عشر ، ثمَّ نجدُ بعد ذلكَ ادعاءاتٍ كثيرة حول الأحاديث التي تدلَّ على الأئمة الإثني عشر بالاسم والعدد ، والله المستعان .

2- وعن أبي خالد الكابلي قال : دخلت على محمد بن علي الباقر فقلت : جعلت فداك قد عرفت انقطاعي إلى أبيك وأنسي به و وحشتي من الناس ، قال : صدقت يا أبا خالد ، تريد ماذا ؟ قلت : جعلت فداك قد وصف لي أبوك صاحب هذا الأمر بصفته لو رأيته في بعض الطرقات لأخذت بيده قال : فتريد ماذا يا أباخالد ؟ قال : أريد أن تسميه لي حتى أعرفه باسمه ، فقال : سألتني والله يا أبا خالد عن سؤال مجهد ، ولقد سألتني عن أمر ، ما لو كنت محدثا به أحدا لحدثتك ، ولقد سألتني عن أمر لو أن بني فاطمةَ عَرَفوه حَرِصُوا على أن يُقَطّعوه بِضعَةً بِضعَة!! [35] .

تعليق : أينَ علمُ الغيب ، أو الإلهام الغيبي ، الذي تدّعيه الإمامية ، في الباقر وغيره من الأئمة ، حتّى قامَ يُكررّ اللماذا على الكابلي لمعرفة سؤالِه ؟ ثمّ انظر الكلام في أن لو عرفهُ بني فاطمة لقطّعوهُ ، والله المُستعان ، فإن دلَّ هذا فإنّما يدلّك على عقيدةٍ سيئّة في بني فاطمة عند سلفِ الإمامية ، وحتماً نحنُ لا نعني به الباقر لأنّه منه براء ، وإنّما عَنينا واضعَ هذا الأثر عن الباقر ، والله المُستعان ، ولا يفوتك جهل الكابلي باسم المهدي ، ففيه مغمزٌ على النّص ، هذا على انقطاعه وملازمته لزين العابدين ، والله المستعان .

3- وعن المفضل بن عمر قال : كنت عند أبي عبدالله في مجلسه ومعي غيري فقال لي : يا أبا عبدالله إياكم والتنويه ، يعني باسم القائم[36] .

تعليق : تأمّل قول الصادق (ع) ، الحجّة الظاهرة المشهورة على أهل عصره ، الذي بمعرفته يموت المرء ميتة أهل الإسلام ، وباقتفاء نهجه يأمنُ المرء من العذاب والخسران ، كيفَ يحثّ النّاس على إخفاءِ أمرٍ كهذا ، وكأنّ الله لن يتكفّل بنصرة مهديّ عباده ، وكانَّ الصادق خائفٌ على المهدي أن يُقتلَ ، كما خافَ الباقر في الرواية السابقة عليه من بني فاطمة أن يُقطّعوه قطعةً قطعة ، وكيفَ للمعصومين أن يقولوا هكذا مقال ، وهُم على علمٍ من أنَّ أمّة لا إله إلاَّ الله لن تستطيع أن تردَّ أمرَ الله ، بقتلهِم ابن الحسن العسكري مهديَّ هذه الأمة ، ثمَّ لا يفوتكُ أن تتأمّل أنّ الأئمة بخوفهم على القائم المهدي من القتلِ عندما لم يُشهروا ويُظهروا اسمه ، ينفونَ نظرية الغيبة المزعومة ، فالمعصومون يجوّزون عليه القتل عند الاشتهار ، فلَو أنّه اشتهر لقُتِلَ ، فأين الغيبة يا أصحاب الغيبة حينها ؟ إلاَّ أن تقولوا أنّه سيعودُ بعد القتل ، فنقول : قد انقلبَ الغيابُ رجعةً! ، والله المُستعان.

4- وعن أبي عبدالله أنّه قال : المهدي من ولدي الخامس من ولد السابع يغيب عنكم شخصه ولا يحل لكم تسميته[37] .

تعليق : وهل النصَّ الظاهر المشهور على الأئمة بأسمائهم ، وأعدادهم ، التي شحنَ بها القمي كتابه كفاية الأثر ، وادّعى ورودها من عدّة طرق مُعتبرَة ، بحاجَة إلى هذا التعتيم من الإمام الصادق روحي له الفداء .

5- وعنه أيضا قال : صاحب هذا الأمر رجل لا يسميه باسمه إلا كافر[38] .

6- وعن الكاظم أنه قال : يخفى على الناس ولادته ولا يحل لهم تسميته[39] .

تعليق : انظر هذا الخبر ، ظاهر الوضع ، إذ أنَّ النّاس فعلاً قد اشتبَهت عليهم ولادته ، فهم بينَ موقنٍ وشاكٍّ ونافٍ ، فجاءت هذه الرّواية ، تمويهاً على الأغمار ، وسدّا للفجوة وموضع الخلل .

5- وعن الرضا قال : لا يٌرى جِسمه ولا يُسمّى باسمِه[40] .

6- وعن الجواد قال : القائم هو الذي يخفى على الناس ولادته ويغيب عنهم شخصه ويحرم عليهم تسميته ، وهو سمي رسول الله صلى الله عليه وسلم و كنيّه [41].

تعليق : انظر الإمام الجواد (ع) ، يُحرّم تسميته على النّاس ، ثمّ يقول هُو سميّ رسول الله. لله درّ العقول ، ولو قال القائل ، قد يصحّ هذا اللفظُ ، فنقول : نعلمُ أنّه قد يصح ، ولكن أعزّ الله ابن علي الرضا منه ، ومنه ركاكته ! .

7- وعن أبي هاشم الجعفري قال : سمعت أبا الحسن العسكري يقول : الخلف من بعد الحسن ابني فكيف لكم بالخلف من بعد الخلف ، قلت : ولم جعلني الله فداك ؟ فقال : لأنكم لا ترون شخصه ولا يحل لكم ذكره باسمه ، قلت : فكيف نذكره ؟ فقال : قولوا : الحجة من آل محمد[42] .

8- بل روى الإمامية ذلك عن المهدي نفسه ، عن علي بن عاصم الكوفي أنّهُ قال : خرج في توقيعات صاحب الزمان : ملعون ملعون من سماني في محفل من الناس .[43]


6- الغيبة ، فلسفتها وأسبابها :


فلسفتها :



1- غيبته الصغرى : بدأت بعدَ موتِ والده سنة (260هـ) ، حيثُ كانَ في هذه الفترة على اتصالٍ خاصٍّ مع أربعةِ أشخاص من شيعته ، يُطلقُ عليهم السُفراء الأربعة ، وهُم عثمان بن سعيد العمري، وابنه محمد بن عثمان بن سعيد العمري، والحسين بن روح النوبختي، وعلي بن محمد السمري . وعن طريقهم يتواصلُ مع شيعته .

مدتها : في الفترة التي توفّي فيها الإمام العسكري (260هـ ) ، إلى أن ماتَ آخرُ سفيرٍ وهُو علي بن محمد السمري (329 هـ ) . فتكون 69 سنة ، معَ العلم أنّه قد غابَ عن النّاس قبلَ الغيبة الصغرى حيثُ كانَ الحسن العسكري (ع) قد أخفاهُ مُدَّة خمس سنوات بعدَ ولادته .

2- غيبته الكُبرى : وهي الغيبة التي تَلت الغيبة الصغرى ، مُباشرةً ، والتي نعيشها اليوم ، وعاشها أجدادنا من قبلنا ، وسيعيشها أبناءنا من بعدِنا !! ، الغيبةُ التي يظهرُ فيها في آخر الزمان فيملأها عدلا كما مُلئَت جوراً .

مُدتها : من ( 329 هـ إلى ... ) .

أسبابها :

السبب الأول : [ الخوفُ مِنَ القتل ]

1- روى الإمامية عن رسول الله (ص) أنّه قال : لا بدَّ للغُلام مِن غيبة ، فقيلَ له : ولِمَ يَا رَسُولَ الله ؟ قَال : يَخَافُ القَتل ([44]) .

2- وعن زرارة قال : سمعت أبا جعفر يقول : إنَّ للغُلامِ غيبة قبلَ ظُهورِه ، قُلتُ : ولِمَ ؟ قَال : يَخَافُ وأومَأ بيدِه إلى بَطنِه ، قالَ زُرَارَة : يَعنِي القَتْل ([45]) .

تعليق : أمّا خوف الأئمة من القتل ، فقد استوفينا الكلام حولهُ في رسالة حجج العقول ، وخلاصتها أنَّ الإمام المعصوم ، المُرسلُ بأمرِ الله ، وبه ينعشُ الله دين الإسلام ، بعد أن يكادُ يَندثِر ، وقَد أخبرَ به رسول الله (ص) ، والله ورسوله صادقين ، لا يُردّ لهم قولٌ ولا تقرير ، وبهذا فإنَّ التعلّل بالخوف على النّفس من القتل باطل ، لأنّه لو اجتمعت قريشٌ على قتل محمد بن عبدالله (ص) لما استطاعَت حتماً ، لأنّ في قتلِه قهرٌ وردٌّ لأمرِ قد سطرهُ الله تعالى في علمهِ الأزلي الذي لا يتغيّر ولن يتغيّر بقدرة إنسانٍ حقيرٍ ذليلٍ مملوكٍ مغلوبٍ على أمرِه ، وكذلكَ مع الأئمة الإثني عشر بعموم ، والإمام الثاني عشر المهدي المنتظر خصوصاً ، فإنَّ الأمة الإسلامية وغير الإسلامية لو اجتمعت على قتله أو قتلهم ما استطاعت ، كيفَ لا ورسولُ الله (ص) يُخبرُ ويُبشّر به وبظهورهِ في آخر الزّمان ، وهُو الصادق المصدوق الذي لا ينطقُ عن الهوى ، وكيفَ يفوتُ هذا على الصادق (ع) فيتعلّل بهذا العُذر ، بل كيف يفوتُ على الرّسول (ص) ، وبمعنى أصحَّ وأدقّ ، كيف فاتَ هذا على مَن وضعَ هذا الحديث ، لأنَّ الرسول والصادق صلوات الله عليهما منهُ بريئان ، أمْسِك أيها الإمامي : هل تستطيعُ قوةٌ اليوم أن تقتلَ المهدي (ع) ؟ لَو حُوصِرَ في بيتٍ كما حُوصِرَ رسول الله في بيته ، هَل كانَ المُحاصِر سيقدرُ عليه ؟ فأمّا نحنُ فنقولُ : لا . لأنَّ في قتلهِ وقتلِ الرّسول ردٌّ لأمرٍ كانَ مفعولاً ، والله المستعان .

السبب الثاني : [ لئلاّ يكونَ له بيعةٌ في عنقِ خليفة ]

1- روى الإمامية رسالةً من المهدي المنتظر على يد سفيره محمد بن عثمان ، فتقول الرواية: عن إسحاق بن يعقوب أنّه قال : أنُه وردَ عَليه مِنَ النّاحِيَة المقدَّسَة على يَدِ محمد بن عثمان : وأما عِلَّةُ مَا وقَعَ مِنَ الغيبة فإنَّ الله عَزَّ وجل يقول : { يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَسْأَلُواْ عَنْ أَشْيَاء إِن تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ وَإِن تَسْأَلُواْ عَنْهَا حِينَ يُنَزَّلُ الْقُرْآنُ تُبْدَ لَكُمْ عَفَا اللّهُ عَنْهَا وَاللّهُ غَفُورٌ حَلِيمٌ } ، إنُّه لَم يَكن أحَدٌ مِن آبائي إلاَّ وَقَعَت فِي عُنُقِه بَيعَةٌ لطَاغِيةِ زَمَانِه ، وإنّي أخْرجُ حِينَ أخْرُج ولا بَيعَةَ لأحَدٍ مِنَ الطَّواغِيتِ فِي عُنُقِي ([46]) .

2- وعن أبي عبدالله قال : صاحب هذا الأمر تعمى ولادته على الخلق لئلا يكون لأحد في عنقه بيعة إذا خرج([47]) .

تعليق : هذا عُذرٌ معَ ذمٍّ خفيٍّ عندَ الإماميةِ جليٌّ عندَ الزيدية ، ولَن يَعرفَ مقدارَ هذا الذّم إلاّ الذي عرفَ معنى الحجيّة والصبغة القدسية التي أحاطَ الإمامية أئمتَهُم بها ، ولَن يُعللّوا هذا العُذرَ إلاّ بالقول بالتقيَّة كالعَادَة! ، مُتناسينَ أنَّ أفعالَ الأئمة حُجّة ، مُتناسينَ أنَّ لنا أن نَقتدي بهِم ، فنُبايعَ الطّغاة ونُسالِمَهُم ، لأنّي أستطيعُ أن أقول قد بايعَ الصّادق والكاظم !! طغاةً وهُم خيرُ أسوة ، وبهذا تسقطُ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر بأعلى مراتبها وأفضلها ، وبهذا نُسقطُ الأجر الجزيل من الرّب الجليل ، بقولِ اتّق الله للمُسيئ ، لا لسبب يُذكَر ! إلاَّ هذه الرواية وأمثالها ، والله المُستعان . ثمَّ إنَّ قول المهدي على لسان السفير أنّه ما مِن أحدٍ من آبائه إلاَّ ولهُ بيعةٌ في عنق ظالم ، فأينَ بيعة الحسين (ع) ليزيد اللعين ؟ .

السبب الثالث : [ ما حَجبهُ إلاَّ سوء أعمالِ العباد ]

وبهذا يؤمنُ بعض الجعفريّة ، وفيه أنّ العِباد يجب أن يكونوا مهُيّئين لقيام المهدي ، ونُصرَته، وأن يكونوا أصحابِ أعمالٍ صالحَة ، وسيَر حسنَة ، واجتماعٍ لا اختلافٍ وتشرذُم .

تعليق : عودٌ إلى التناقض ، فالرسول (ص) باتفاق الأمّة ، يقول بما معناه : أنَّ الإمام المهدي يظهرُ آخر الزّمان وقد مُلأت الأرض جوراً فيملأها عدلاً، والإمام علي (ع) ، يذكرُ علامات السّاعة فيذكرُ علامات الفساد على أهل الزّمان ، والأمّة مُتفقة على ظهور الفساد آخر الزّمان ، وأنَّ القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ، والشيعة الجعفرية ، تجعلُ علامات الصلاح والاستقامة بين النّاس علاماتٍ لظهور المهدي (ع) ، فإن كان ذلكَ كذلك ، فأيّ فائدةٍ في ظهوره ، أليسَ أهل الإسلام حينها على طريق الصلاح والاستقامة ، ولن يكونوا كذلك إلاَّ وهُم على الإسلام حريصون ، وعلى أعداءهم وأعداء ربهم ورسوله ظاهرون ، وهُم إلى القوّة أبعدُ منهم إلى الضعف ، وهذا قولٌ من الجعفريّة باطلٌ يُعرضهُ ما أجمعَت عليه الأمّة من صفة المهدي صلوات الله عليه وخروجه في آخر الزمان ، والله المُستعان .

السبب الرابع : [ لا ندري ما السبب ؟! ]

1- يروي الإمامية أنَّ الإمام المهدي م ح م د ابن العسكري قال : أغلقوا أبواب السؤال عما لا يعنيكم ، ولا تتكلفوا على ما قد كفيتم ، وأكثروا الدعاء بتعجيل الفرج ([48]) .

تعليق : وبعدَ كلِّ الروايات السابقة المُتناقضة ، تأتي هذه الرواية على لسان المهدي وتنقضها جميعاً ، وتأمُر الجميع بالسكوت عن السؤال ، والإيمانُ المُبهَم بالغيبة ، والانقياد الأعمى لها ، والدّعاء بتعجيل الفرَج ! .

والعجيبُ أنَّ الروايات في سبب الغيبة كثيرة ، ذاتُ معانٍ ومشاربُ مُتعدّدة ، كُلّ سببٍ ومشرب بعيدٌ عن الآخر ، بل ويُناقضهُ في بعض الأحيان ، ولا يكادُ حملهُ على مَحملٍ صحيح إلاَّ ويظهرُ ما يعيبهُ ، فيتمّ اللجوء إلى غيره ، حتّى استقرّ النوى بهذه الرواية الأخيرة التي يأمر فيها المهتدي الغائب شيعته بالسكوت ! .


[ مع المنصور بالله أمير المؤمنين عبدالله بن حمزة ابن رسول الله ]

رحلةٌ قصيرةٌ مع إمام المعقول والمنقول ، ابن حمزة (ع) ، من خلال بعض كتبه ( العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين و شرح الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة ) ، والأسئلة حولَ الغيبة بتصرّفنا ، والإجابات منه (ع) .

المنصور بالله عبدالله بن حمزة يُجيب :

1- إن قيل : ما قول الإمام المنصور بالله في مَن أثبتَ الغيبة للإمام ، وأثبتَ حاجة الأمّة إليه ، ولزوم طاعته ؟

قال المنصور بالله (ع) : (( نَقُولُ ولا قوّة إلا بالله: الذي يَدُلُّ عَلى بُطلانِ دَعوَى الانكِتَام والغيبَة مَعَ شِدّة الحَاجَة إلى الإمَام قَول الله -سبحانه وتعالى- فِيهِ خُصوصَاً، وفِي العُلماء عُموماً: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:28] ، وقول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ * إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا}[البقرة] ، وهَذا غَايَةُ التّهديد والذّم، كَمَا تَرى، والأئمّة مِنْ أخْشَى النّاس لله -تعالى- والمَعصِية عِندَ المُخَالِفِ لا تَجوزُ عَليهِم.

وعِندَنَا فِيمَا تَعلّق بِهِ الوَعيد تَسقُطُ إمَامَتُهُم، والبَيَانُ لا يَكونُ مَعَ الانكِتَام عِندَ جَميعِ العُقلاء. وعِندَنَا أنّه أُرِيدَ لأمُورٍ شَرعيّة لا يَقُومُ بِهَا سِواه، وعِندَهُم أنّه مَنوطٌ بِهِ مَصَالِحُ الدّين والدّنيا، حَتّى لا يُستَغنَى عَنهُ فِي شَيءٍ مِنَ الأشيَاء، فَالحَاجَة كَمَا تَرى إلى ظُهورِهِ واشْتِهَارِهِ عَلى قَولِهِم أقْوى، ويُؤدّي إلى أنْ لا يَجوزُ عَليهِ الانكِتَام طَرفَة عَين، إذْ مَا بِهِ وَقْتٌ إلاّ والحَاجَةُ إِليهِ دَاعِيةٌ لاسْتغرَاقِ الحَوائجِ فِي الدِّينِ والدّنيَا بِجَميعِ الأوقَات. والحَكيمُ - سُبحَانَه - لا يُخْرِجُنَا إلى أمْرٍ فِي دِينِنَا إلاّ ويَجْعَلُ لَنَا إليهِ سَبيلاً؛ ولأنّ الاقتدَاء بِالنّبي -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- واجِبٌ عَلى الأئمّة مِن وَلَدِه -عليه وآله السلام- خُصُوصَاً، ولِمَ لا !! وقَد قَال تعالى: {فَلْيَحْذَرْ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ}[النور:63] !؟، والأمْرُ يَشمَلُ القَولَ والفِعل، وذَلكَ مَعنى الإقتدَاء. وعُلِمَ وُجُوبِ اتّباعُ مِنهَاجِهِ مِن دِينِه ضَرورة، ولَمْ يَزل -صَلَّى الله عَلَيْه وآله وسَلَّم- شَاهِراً لِنَفْسِهِ، دَاعيَاً إلى ربِّه، بَأحْسَنِ الموعِظَةِ، والدّعَاء مِنَ الابتِداء إلى الانتهَاء مِن لِقاء ربِّه تعالى. وكَذَلكَ عليٌّ وولدَاه -عَلَيْهم السَّلام- شَهَرُوا نُفُوسَهُم لإيجَابِ الحجَّة على الأمّة حتّى لَقُوا الله -تعالى- وكَيفَ يَكْتُمونَ أنْفُسَهُم وهُمُ المَفْزَعُ فِي الغَوامِضِ والمُشكِلاتِ لطُلابِ الدّين !؟، فَلو كِيْدَ الدّينُ لم يُكَدْ بَأكْثرَ مِن مَغِيبِ أرْبَابِهِ، وَوَرَثَةِ كِتَابِه، وكَيفَ يُضَافُ ذَلِكَ إلى اخْتيارِهِم أو اخْتيارِ الله فِيهِم !؟. )) .

2- إن قيلَ : أنَّ الإمام المهدي المنتظر ، حيٌّ غائبُ ، يَرى ولا يُرى ، حاضرٌ مع الجماعة ، وأنّه حجّة الله على العباد ، ومُنقِذهُم من الهلاك والوبال ؟ فما تقول يا إمام ؟

قال المنصور بالله (ع) : (( فأيُّ ذَنْبٍ عَلى المُتحيّرِ إذَا كَانَتْ هَذِهِ صِفَةُ الحُجّة، ولَمْ يَجِد طَريقَاً إلى الاتصالِ بِهَا، فَمَا جُرمُه عِندَ ربّه، وعَلى أنَّ الأئمَة يَجِبُ عَليهَا إقَامَة الحُجَّة ونُصْحِ الأمَّة ، ولا سِيَّمَا مَنْ كَانَ رَاغِباً فِي حُضُورِها سَاعِياً فِي تَغْلِيظِ جُمهُورِهَا )) .

3- إن قيل : رَوى النعماني بإسناده إلى رشيد بن ثعلب عن أم هانئ : أنّها قالَت : قلتُ لأبي جَعفر (ع) ، مَا مَعْنَى قَولُ الله عزَّ وجل: ﴿ فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ * الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾؟ ، فقـالَ لِي: (( يَا أمَّ هَاني، إمِامٌ يَخنسُ نَفسَه ، حَتّى يَنقَطِعَ عِلمُه عَن النَّاس سَنةَ سِتيّن ومَائتين، ثمَّ يَبدو كَالشهابِ الواقِد في الليلَة الظَّلماء ، فإنْ أدْرَكْتِ ذَلكَ الزَّمَان قرَّت عَينُك )) .

قال المنصور بالله (ع) : (( أمَّا الحديث .. الذي رَوَوا فِي تَفسيرِ قَولِه تَعالى: ﴿فَلا أُقْسِمُ بِالْخُنَّسِ﴾، وإنّهُ إمِامٌ يَخنس ، فَنَقُول: لا تَسْتَقِيم ، لأنَّ التَفسيرَ لا يَكونُ إلاَّ مِنَ العَقلِ أو النقل أو اللغَة، فأمَّا العَقل فَلا دَلِيلَ فِيه عَلَى هَذَا ولا غَيرِه، وأمَّا النّقل فَهُو مَا جَاء مِن رسول الله (ص) لأنّهُ يَأتي بِه مِنَ الله تعالى، وأمَّا اللّغَة فَبَحرُهَا مَسجُور، وعِلمُهَا مَشهُور، فِي المَنظُومِ والمَنثُور، فَلا يُسَمَّى الإمامُ خنساً لُغَةً ولا عُرفاً ولا شَرعاً، ولأنّهُ تعالى قَال: ﴿الْجَوَارِ الْكُنَّسِ﴾، فَجَعَلَهُ بِلَفظِ الجمْع، ولَو كَانَ وَاحِداً لقَال: الخَانِس أو الخنَّاس، وهَذه صِفَة الشّيطان شَرُفَ عَنهَا أولياءُ الرّحمن، وَكَذَلِكَ فِي قَوله: والجوار ، جَمع جَارِية الكنس لازمات الكناس، وقَد قِيلَ فِي تَفسيرِ الآية: إنَّ المُرادَ بِهَا النّجوم، وَكُنوسُها غَيبُوبَتها فِي النَّهار ، كَمَا تَغيبُ بَقر الوحش في الكناس، وبَعضُهُم قَال: إنّها بَقر الوحش وهي خنس الأنوف وهنَّ مَوصُوفَات بِالجَري ، وتُشبِّهُ العَربُ بِهَا المهَارى وهُو في الشِّعِر كَثِير، ولزُومُهنَّ للكناس مَعروف، وفَائدةُ القَسَم بِهِنَّ مَا يَتَضَمَّنُ خَلْقَهُنَّ وأحْوالَهنَّ مِنَ الدلائل عَلى الله تعالى، لأنَّ فِي خَلقِهنَّ عَجَبَاً عَجَيباً يَدُلُّ عَلى الصَّانِع الحَكيم كُلّ لَبيب، وكَذَلِكَ فِي تَعيينِه لِغَيبته سَنَةَ سِتين ومَائتين ، هُوَ فَرعٌ عَلى وجُودِه، والخِلافُ واقعٌ فِي أمرِه على ما يُذكرُه فِي مَوضِعِه، ولأنَّ الإمَام لا يَجُوزُ لَهُ أن يخنس عَن الأمّة، لأنُّه يُريدُ تَقويمَهَا، فَكَيفَ يُقُوّمُهَا ويُصلِحُهًا مَعَ الخنوسِ عَنها؟!، فَهَذا مِمَّا يَدلُّ عَلى ضَعْفِ الخَبَر ، لأنّهُ مُعارِضٌ للكتابِ والسنّة، لأنَّ الله تَعَالى أمَرَ الأئمةَ خاصَّة بَالأمرِ بِالمعروفِ والنهي عَن المنكر، وأمَرَ المسلمين عَامَّة، وأمَرَ الأئمة خَاصّة دُونَ غَيرِهم بإقامَة الحدود، وحِفظِ البَيضَة، وسِياسَة الجمهُور، وسَدِّ الثّغُور، والغَيبة تُنافٍي ذَلكَ كُلَّه )) .

4- إن قيل : روى الإمامية عن عبدالله بن عطاء أنّه قال : قلت لأبي جعفر عليه السلام: أخبرني عن القائم، قال: والله ما هو أنا ولا الذي تمدون أعناقكم إليه، ولا يعرف ولا يؤبه له، قلت: فَبِما يسير؟ قال: بسيرة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم هَدر ما قبله واستقبل .

قال المنصور بالله (ع) : (( والكلامُ عُلى هُذا الخبر عُلى نُحو مُا تقدَّم، لأنّهُم رُوُوا عَنه (ع) أنهُ قال: لا يُعرَفُ ولا يُؤبَه لَه، ومَتَى لَمْ يُعرَف لَمْ يَلزَم فَرضُه الكافّة، لأنَّ الله لا يتعبَّد الخلق بِمَا لا يَعلَمُون، إذِ التعَبّد بِمَا لا يُعلَم قَبيح، والله تَعَالى لايَفعلُ القَبيح لِعلمِه بِقُبحِه، وغِنَاءهُ عَن فِعلِه، وعِلمِه باسْتغنائهِ عَنه )) .

5- فإن قيل : رَوى الإمامية عن إسحاق بن عمار الصيرفي ، أنّه قال : سمعت أبا عبدالله (ع) يقول: للقائم غيبتان: إحداهما: طويلةٌ، والأخرى: قصيرة.فالأولى منهما: يَعلَمُ بِمَكَانِه فيها خَاصّةٌ مِن شيعته. والأخرى: لا يَعلَم بمكانه فيها إلاَّ خاصَّةٌ مِن موالي دينه.

قال المنصور بالله (ع) : (( [فَهَذِه] روايةٌ كَمَا تَرى لا تَصِحّ مَالَمْ يَقُم الدّليل عَلى جَوازِ الغيبة وصِحّة الإمِامَة مَعَها، ثمَّ يَقَع الحديث فِي ذَلكَ بِسُقُوطِ الفَرْضِ عَن الأمّة بِاعتقَادِ إمَامَتِه، لأنّهُ لا يَجُوز لهُم اعتقَادُ مَالَم يَعلَمُوا، ولا يَلزمُ ذَلكَ إلا مَن عَلِمَهُ مِن شِيعَتِه أوّلاً، ومَنِ مَواليه ثانياً، ولا قَائلَ بِذَلِكَ إلا أنْ تَكونَ الجمَاعَةُ مِنَ الشّيعَة، والمَوالي عِدّةٌ يَلَزم بِخَبَرِهِم العَلم ، فَإنَّ مَن بَلغَه ذَلك لَزِمَه فَرضُه، ومَن لَم يَحصُل لَه العِلمُ سَقَطَ عَنه، ولا قَائلَ بِهَذا، فَإذاً الحديثُ مُختلٌ لِمُنَاقَضَة الأدلّة، والأدلّة لا تَتَناقَض)) .

6 - فإن قيل : روى أبو بصير ، أنّ قال : قلتُ لأبي عبدالله عليه السلام أكان أبو جعفر يقولُ: لقائم آل محمد غيبتان أحداهما أطول من الأخرى؟ فقال: نعم، ولا يكون ذلك حتى تختلف سيف بني العباس، وتضيق الحلقة، ويظهر السفياني، ويشتد البلاء، ويشمل الناس موت وقتل، ويلجؤا فيه إلى حرم اللَّه، وحرم رسوله .

قال المنصور بالله (ع) : (( [هذا] كَمَا تَرى تَحقِيقُ وُقُوعِ الغَيبتين عِندَ اخْتلافِ سَيفِ بَني العبّاس، وظُهورِ السُفيانِي، وإلى الآنْ لَم يَظْهر السّفياني، فإذاً لا وقُوعَ للغَيبتين بَعَد، وهَذَا خِلافُ مَذهبِ القَوم، فَتأمّل ذَلك .. تَجِدهُ كَمَا قُلنا إن شاء اللَّه تعالى )) .

قلتُ : يُريدُ الإمام ، أنّ الخبر لم يُتقِن وضعَهُ مَن وضعَه ، لأنَّ الصادق يُشير إلى أنّ الغيبتان لا تكونان إلاَّ عند اختلاف سيف بني العبّاس وظهور السفياني ، والسّفياني إلى الآن لَم يَظهر ، إذا فالغيبة لَم تحصُل بَعد !! .

7- إن قيل : إنَّ الإمامَ لُطف ، وكانَ المَنعُ فِي ظُهورِه مِن قِبَلِ الأمّة.

قال المنصور بالله (ع) : أنّهُ (( لابُدَّ إمَّا مِن حُصولِ اللّطف، أو مِنَ التّمكِين مِنهُ ، كَمَا نَعلمُ أنَّ اللَّه تعالى قَد مَكَّنَ الكَافِرَ مِنَ المَعرِفَة فَأُتِيَ مِن قِبَلِ نَفسِهِ فِي تَركِ الإسْتِدلال، ولَيسَ كَذَلِكَ الإمَام، فإنَّا نَحنُ والإمَامِية فِي نِهَايةَ مَا يكونُ مِن طَلَبِ الإمَام عَلى الوجهِ الذي ذَكَرُوهُ بِكِلَّ وَجْه ، فَمَا تَمَكّنَا نَحنُ ولا هُم مِن ذَلك، فَهَلْ يَجُوزُ حُصولُ لُطفٍ لا طَريقَ للمُكَلَّفِينَ إليه، ولا يَفَعَلُه اللَّه تَعالى ابتداءً؟ هَذَا مَا لَمْ يَقُل بِه أحَدٌ مِن أهلِ العِلم ، وقَد تَقرّرَ مِن مَذهَبِ أهلِ العِلمِ بالأصُول أنَّ اللطفَ إذا وَقَفَ عَلى فِعلِ الغَير، وعَلِمَ اللَّه أنّ ذلكَ الغَير لا يَفعلُ ذَلكَ الفِعل ، فإنَّ اللَّه تَعالى لا يَتَعَبَّدُ المُكَلَّفَ بِذَلكَ التّعَبّد ، إلاَّ أنْ يَكونَ قَد فَعَلَ لَه مَا يَقومُ مَقَامَه ، إنْ كانَ ذَلكَ في المَعلوم، وأهُلُ المَعرِفضة بالأصول مِنهُم لايُنكِرونَ هَذهِ الجُملَة )) .

8- إن قيل : إنَّ النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، قَد غَابَ فِي الغَار ، فإذّا جَوَّزتُم ذَلكَ فِي المُدّةِ القَصِيرَة ، فَجَوِّزُوهُ فِي المُدّة الطَويلَة.

قال المنصور بالله (ع) : (( لا يَجوزُ أنْ يَتَعلَّقَ بِظُهورِه [ص] فِي تِلكَ المُدة مَصلَحة ، بَل لا يَمْتَنِعُ أنْ يَكونَ ظُهورُه [ص] في تِلكَ الحَالَةِ يُنَافِي المَصلَحَة، .. ، ولأنَّ الغَيبة القَليلِة ، لاتُسَاوي الكَثيرَة فِيمَا نَعلَمْ فِي المُشَاهدَة، لأنَّ الرئيسَ المُهِيب مَتَى غَابَ غَيبةً يَسيرَة لَمْ يَمتَنِع أنْ تَكونَ هَيبَتُه فِي القُلوب أعْظَمُ مِن هَيبَتِه حَالَ حُضُورِه، فإنْ غَابَ غَيبةً طَويلَة، وَتمَكَّنَ فِيهَا عَدّوهُ مِن كُلِّ مُرَاد ، فإنَّ ذَلكَ يُسقِطُ هَيبته فِيمَا يَعلَمُهُ العُقَلاء، ويَنسِبونَه إلى الإهمَال، أو إلى العَجزِ المُنافِي للهَيبةِ الموجِبَة للتعظِيم والإجلال )) .

9- إن قيل : يَجِبُ بَقاءُ الإمَام للحَاجَةِ إليه ، لأجْلِ جَوازِ الخَطأ عَلى الأمّة ، فَلا بُدّ مِن إمِامٍ مَعصومٍ يَرُدّهُم إلى الصَواب.

قال المنصور بالله (ع) : (( قَد ثَبتَ وجُوبِ تَكْليفِهِم [ أي الأمّة] مَع غَيبته عِندَكُم، وفُقِدَ التّنبِيهُ، والرّدُّ عَن الخَطأ ، فَهَلاَّ ثَبتَ التّكليفُ مَع مَوتِه ؟.))

قلتُ : يُريدُ الإمام (ع) ، أنّ الغائب في هذا الحال والميّت سواء ، والله أعلم .

10- فإن قيلَ : فماذا ترى أيّها الإمام في الغيبةِ في حقِّ الإمام ، وماذا تقولُ للجعفرية في هذا ، باختصار ؟

قال المنصور بالله (ع) : (( ألَمْ يَعلَمُوا أنَّ الإمِامَ المُستحِقّ للإمَامَةِ لَو احْتَجَبَ عَن رَعِيّتِه حِجَابَاً غَليظاً لَبَطَلَتْ إمَامَتُه ، ولَو أهْمَلَهَا مِن تَعلِيمِ مَا يَلزَمُ تَعلِيمُه مِن مَعالِمِ دِينِها لَبَاءَ بِإثمِهَا، ولَو عَطَّلَ الحُدودَ لَخَالَفَ الحُكْم، وعَصَى الأمْر، ولَيسَ ذَلك يَجوزُ في آحادِ المُسلمِين فَكيفَ في إمَامٍ مُرتَضَى. وقَد كَان أمير المؤمنين (ع) على انحرافِ الأمّة عَنه، واسْتبدَادِهَا بِالأمْرِ دونَه ، لا يَتَأخَّرُ عَن المحَافِل، ولا يُغضِي فِي المَقَامَات عن إيرادِ الحُجّة، وإبِلاغِ الموعِظَة، والنّصحِ فِي التّذكِرَة، وذَلكَ مَعلومٌ مُدوّنٌ فِي خُطُبِه، ومَقَامَاتِه، ومَواعِظِه، ورِسَالاتِه، فَمَا يَكونُ حُكمُ إمامٍ لايَقفُوا أثرَ عليٍّ بن أبي طالب أمير المؤمنين (ع)؟ مَا يكونُ حُكمهُ عِندَ المُسلمين؟ )) .

المنصور بالله عبدالله بن حمزة يسأل :

1- قال المنصور بالله (ع) : هَلْ اعْتقَادُ الغيبة، والإمَامَة، والانْتظَار فَرضٌ خَصَّكُم اللَّه بِه مَعْشَر الإمَامية ؟ ، أمْ هُوَ فَرضٌ مِنَ اللَّه تَعالى عَلَى جَميعِ المُكلَّفين ؟.
فإن قالوا: خَصَّهُم اللَّه به ، وهُم لا يَقٌولونَه .
قلنا: فَلا تُلزِمُوا العِباد مَالَم يُكَلَّفُوا بِه .
وإن قالوا: فَرضٌ عَام .
قلنا: فَلابُدَّ أنْ يَنصِبَ اللَّه عَلَى هَذَا الفَرضِ دَليلاً مَعْلُوماً لايَعَلَمُهُ بَعضُ المُكَلَّفِينَ دَونَ بَعْض، ولا يُخَالَفُ فِي وقُوعِه، وإنْ خَالَفَ فِي مَعنَاه، وهَذهِ الأخْبارُ التِي رَوَوهَا عَلى كَثرتِها لَم تَجْمَع شُروطَ أخْبَارِ الآحَاد!! ، فَكيفَ تُوصِلُ إلى العِلمِ المُوجِبِ للاعتقاد؟!. وقَد بيَّنا مَا فِي بَعضِهَا مِنَ التّناقُضِ والاختِلال ! .

2- قال المنصور بالله (ع) : هَل تَقولونَ بِاستِمرَارِ التّكليف عَلى المُكَلّفِينَ بِالشّريعَة مَع غَيبة الإمِام ، أمْ لا؟
فإن قالوا : بِاسْتمرارِ التّكليفِ ، وهُو قَولُهُم .
قيلَ: فَقَد اسْتُغنِيَ عَن الإمَام .
وإن قَالوا: لا تَكليفَ عَلينَا بالشّريعَة ، خَرجَوا مِن دينِ الإسلام، ولا قَائلَ بِذَلك .

3- قال المنصور بالله (ع) : لِمَا يُرادُ الإمَام ؟ .
فإن قالوا: لإقَامَة الحُدود، وحِفظِ البَيضَة، وإقِامَة الجُمُعَة، وأخْذِ الأمَوالِ طَوعاً وكُرهاً.
قلنـا: فالغَيبة تُنافِي ذَلكَ كُلّهُ بالاضطِرار، ومَا يَكونُ حُكمُ الإمَامِ إن ضَيَّعَ حَدّاً مِن حُدودِ اللَّه تعالى ؟ وتَرَكَ إقَامَته ؟ أو فرَّطَ فِي صَلاة الجُمُعَة ؟ أو فِي أمْرٍ بِمعروفٍ ؟ أو فِي نَهيٍ عَن مُنكَر ؟ أو تَركِ إرشَادِ ضَالٍّ ؟ أو جَوابُ سَائل ؟ مَا يَكونُ حُكمُه ؟ لأنَّ هَذا فَرضُ الله عَليه، ومَن تَركَ الفرضَ عَصَى !! .
فإن قالوا: إنّمَا تَرَكَهُ لِعَدَمِ النّاصِر والمُعِين.
قلنـا: عليهِ تَبيينُ مَكانِه ، لِيَجِبَ عَلَى الأمّة نُصرَتُه، فإنْ تَأخّرَتْ [الأمة] كَانَ الإثمُ عَلَيها دونَه، وإنْ كَتَمَ نَفَسَهُ كَانَ الإثمُ عَليهِ دُونَهَا.
فإن قالوا : لا يجدُ مَكَاناً يُظهِرُ فيهِ نَفَسَه.
قلنـا: هذا لا يَصِحُّ مَع سِعَة الدّنيا، وتَبايُنِ أطْرَافِهَا، وكَثرَةِ الأولياءِ لأهلِ البَيتِ (ع) فِي كَثيرٍ مِن أقطَارِهَا، وقَد قَامَ كَثيرٌ من آلِ رسول اللَّه (ص) مِن وَلَدِ الحَسَنِ، والحُسَينِ (ع)، وأنْفَذُوا الأوامِر، وأمْضَوا الأحْكَام، وأقَامُوا الحُدود ، فِي كَثيرٍ مِنَ البُلدَان، ولَم يَتَمَكَّنْ مِنهُم الظَالمونَ مِن الجنودِ العباسيّة، ومَا زَالُوا غَالبينَ عَلى جِهَاتِهِم حَتّى صَارُوا إلى رَحمَةِ اللَّه .

وإلى هنا ، نتوقّف مع الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان (ع) ، والتي اقتبسنا مُداخلاته من سفره العظيم (العقد الثمين في أحكام الأئمة الهادين و شرح الرسالة الناصحة بالأدلّة الواضحة ) ، ونتوجّه لذكرِ شُبهٍ حديثةٍ وقديمةٍ ، يحتجّ بها القوم ، غيرُ ما قَد ذُكِر أعلاه ، لإثبات حياة وغيبة م ح م د ابن العسكري المنتظر ، ومنها :
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

[ حُجج يتمسّك بها الإمامية ، لإثبات الغيبة ]

1- قالت الإمامية : قالَ رسول الله (ص) : (( إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين ، كتابَ الله ، وعترتي أهل بيتي ، أحدُهُما أكبرُ من الآخر ، ولَنْ يفترقا حتّى يردا عليّ الحوض )) ، وهذا الحديث يٌخبرُ عَن مُلازَمة الكتاب للعترة ، والكتابُ اليوم موجود ، إذاً فالعترة مُمَثّلةً في محمد بن الحسن العسكري موجودةٌ حيّةٌ غائبة ، لأنَّ الرسول (ص) لا يكذبُ ولا يصحّ أن يُخبِرَ بغير الواقع .

قالت الزيدية : أنَّ حديث الثقلين معلومٌ مشهورٌ بين الموالِف والمُخالِف ، سنُةً وشيعةً الزيدية منها والإمامية والإسماعيلية ، والخلاف وقعَ حولَ مَن هُم الثِقَل الأصغر المُلازِم للكتاب ؟ فالسنة يزعمونَ أنّهُ منهُم مَن وافقَ نهجَهُم ومذهبَهُم ، والإمامية زَعمَت أنّه في الإثني عشر بدءاً بأمير المؤمنين (ع) وانتهاءً بابن الحسن العسكري ، وأنّهم أبناء الحُسين دونَ الحَسن ، والإسماعيلية تدّعيه في أئمتهم بدءاً بأمير المؤمنين (ع) وانتهاءً بإمام الزّمان محمد بن إسماعيل بن جعفر الصادق (ع) ، وأنّهم أبناء الحُسين (ع)، والزيّدية جَزَمَت أنّهُ في أصحاب الكساء الخمسة وذُريتهم أبناء الحسن والحُسين، وأنّ تأويلَ الخبر الصحيح المُتماشي مع العقلِ والنّقل والإقرار من أكابر سادات آل رسول الله وعلى رأسهِم أبناء الحُسين (ع) ! ، فتقول : أنَّ العترة (ع) مُلازمونَ للكتاب لا يَفترقونَ عنهُ ، ولا يَفترقُ عنهُم ، وأنّه لا يخلو زمانٌ مِن قائمٍ من أهل البيت (ع) ، مشهوراً كانَ أو غير مشهور (مغمور) ، يعملُ بما احتوى عليه الكتاب الكريم ، وبما أُرسِلَ به النّبي العظيم (ص) ، يأمُر بالمعروف ، وينهى عن المُنكر ، قدر استطاعته ، يُقيمُ الحدود ، ويُقسّم الأفياء والصدقات على المحتاجين والمساكين ، يَحفظُ بيضةَ الإسلام ، ويُذلّ أعداء الله والرّسول ، يرَدُّ المسلمين إذا ما زادُوا في الدّين ، ويُقيمُ الحجّة بالإعذار والإبلاغ عن شناعة التبديل والتغيير والزيادة على ما جاء به رسول الأمة (ص) ، فيُركبُهُم الحجّة بعدَ الإعذار ، وعلى ذلكَ كان أئمةُ أهل البيت (ع) ، مُنذُ عهدِ عليٍّ (ع) إلى يومِ النّاس هذا ، فهُم مُلازمون للكتاب ، يظهرُ منهمُ القائمُ تِلوَ القائم ، الإمامُ تلوَ الإمام ، الدّاعي تِلَو الدّاعي ، لإحياء ونعشِ الدين كَي لا يَثوى ، على اختلافٍ في الظروف المحيطة بهم ، وعلى اختلافٍ في النّصرة والقبول مِنَ العباد لَهُم، وأمّا دلالة النقل على صحّة ما ذهبنا إليه : قول الرسول (ص) : وقوله (ص) : (( مَن سَمِعَ وَاعِيَتَنا أهَلَ البيت ، ولَم يُجِبهَا كَبّه اللَّه عَلى مِنخَريه فِي نَارِ جَهنّم ))[49] ، والواعية هُي الدّعوة . وقوله (ص) : (( إنَّ عِندَ كُلّ بِدعَةٍ تَكونُ مِن بَعدِي يُكادُ بِهَا الإسلامْ ، وَلِيّاً مِن أهلِ بَيتِي، مُوكّلاً يُعلنُ الحقّ، وينُوّره، ويَردّ كيدُ الكائدين ، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على اللَّه ))[50] . قال المنصور بالله (ع) : ( فَأخبرَ (ص) ، أنَّ الوَلِي المُوَكّل مِن أهلِ بَيتِه يُعلنُ الحَقَّ، ويُنَورّه، فَهَل يُنوّرُه إلا وهَو حَاضِرٌ غَيرٌ غَائب ؟! مُقَاومٌ غَيرُ هَارب ! يَردَعُ أهلَ البِدَع بالبُرهَان، وأهلُ السّطوةِ بالسّيفِ والسِنَان ؟! ولا فَرضٌ عَلى القَائمِ أنْ يَقهَرَ الخلقَ، وأنْ يَملِكَ الأرضَ، وإنّمَا فَرضُهُ إبلاءُ العُذرِ فِي إعزَاز دِينِ اللَّه، والجهادِ فِي سبيلِ اللَّه، قَال اللَّه تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، و﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ ، فَقَد يُعبَدُ اللَّه تعالى بِبَذلِ الجُهدِ واستفرَاغِ الوُسْع فِي إعْزَازِ دِينِ اللَّه ، وصَلاحِ أمُورِ المُسلمين، فِإذَا تَوارَى عَن الأمّة، وغَاب عَن أوليائه وأعْدائه ، كَانَت لَهُم الحُجّة عَلَيه!! ، أمَّا أولياؤه فَيقُولون : لَو أتيتَ لفَعَلنَا وصَنَعنَا وبَذَلنَا أرْواحَنَا وأمْوالَنَا، وأمَّا أعداؤُهُ فَيقولون : لَو ظَهَرَت حُجّةُ اللَّه لأطَعْنَا )[51] انتهى كلامه (ع) ، ونحسبُ والله أعلم ، أنّ كلامَ الإمام واضحٌ وضوحَ الشمس رابعَة النّهار .

وأمّا دلالة إقرار كبارُ سادات أهل البيت (ع) على الدّعوة في كلّ زمان ، إقرارُ مَن لا يَمتري فيهم وفي دينهم إلا شقيٌ مُعانِد ، هُو خروجهُم زرافاتٍ زُرافات ، الإمام بعدَ الإمام ، عليٌّ بعد الرّسول (ص) ، والحسن بعدَ علي ، والحسينُ بعدَ الحسن ، والحسن بن الحسن بعد الحسين ، وزيدُ بن علي بعد الحسن المثنى ، والثائر الحُسيني يحيى بعد أبيه ، والنفس الزكية بعده ، فالنفس الرضية ، فالحسين الفخي ، فصاحب الدّيلم يحيى بن عبدالله ، فإدريس صاحب المغرب ، فمحمد بن إبراهيم طباطبا .. إلخ ، يُغنينا الإسهاب في ذكرهِم وذكر مواقفهم ما زبرتهُ كُتُب التواريخ الزيدية ، فراجعها ، وفي هذا الفعلُ منهُم (ع) يصدقُ قول الرّسول (ص) أنَّ لكّل بدعة رجلاً موكّلاً من أهل بيته ، وقوله مَن سمع واعيتنا ، وهؤلاء هُم الوُعاةُ الدّعاة ، ومَن سار بسيرتِهم من سادة أهل البيت في الجيل والديلم وطبرستان واليمن والكوفة والحجاز والمغرب ، ولَو لَم يكفِ هؤلاء شرفاً إلاّ معرفةُ أنّهم المرادون بتصريح الرسول (ص) ، أنّ أهل بيته سيلقون بعدهُ قتلاً وتشريداً ، وستظلمهُم هذه الأمّة ، لأنَّ هذه الدلالة فيهم أوضحُ منها في التسعة من ولد الحسين ، زينُ العابدين فَمن بعده ، لأنَّ سادات أبناء الرسول من أئمة الزيدية على رفعة مكانتهم وجلالة قدرهِم هُم مَن شُرّدَوا وطُوردُوا وظُلِمُوا ، بسبب رفضهم سُنَن خُلفاء السّوء ، وإصرارهم على البقاء مع الكتاب ومع ما جاء فيه ، حتّى بلَغت دعواتهم مشارقَ الأرض ومغاربها ، حتّى قال القائل :

يَا أمّة السَوءِ مَا جَازيتِ أحْمَد عَن **** حُسنِ البَلاءِ عَلى التنزيلِ والسّوَرِ
خلّفتموهُ عَلى الأبناءِ حِينَ مَضَى **** خِلافَةَ الذّئبِ فِي أبقَـارِ ذِي بَقَرِ
وليسَ حَيٌّ مِنَ الأحياءِ نَعلـمُه ***** مِن ذِي يَمَانٍ ومِن بَكرٍ ومِن مُضَرِ
إلا وَهُم شُركَاءُ فِي دِمَائِهُـم ***** َمَا تَشَارَكَ أنسَـارٌ عَلـى جـزرِ
قتلاً وأسْراً وتًحريقًاً ومَنهبَـةً ****** فِعلَ الغُزاةِ بَأرضِ الأرّومِ والخَزَرِ
أرَى أميّة مَعذورينَ إنْ قَتلُـوا *****ولا أرَى لبَنِي العبّـاس مِـن عُذرِ


وهذا لا يعني ، أنَّ التسعة من ولد الحسين (ع) ، لَم يُظلموا على أيدي ولاةُ الجور ، فنحنُ مُقرّون بذلك ، ونبرأُ إلى الله منه ، ولكنّا ننُكرُ على مَن أرادَ حصرَ صفةَ الرّسول في أهل بيته بالتشريد والقتل في هؤلاء التسعة دونَ غيرهِم ، والله المُستعان . لأنَّ الإمامية ما يرونَ أهل البيت إلاّ هؤلاء الإثني عشر وفقط ، فرحمةُ الله على الصّادق والنفس الزكية ، وترحاً وتعساً لقومٍ فرّقوا بينَكما ، وخلقوا فجواتٍ بينكما وصلَتْ إلى الحقد والسّباب ، والله المستعان ، فأرادوا أن يمدحوا الصّادق بذمّهم النفس الزكية ، وما عَلموا أنّ مذمّة النفس الزكية مذمّةٌ للصادق ، فأهلُ البيت ذريةٌ بعضها مِن بعض ، وبعضهُا لبَعض ، ودينها واحِد ، وما أجمعوا عليه من قولٍ وعَملٍ فهو الحجّة ، سلامُ الله عليهم أبناء الحسن والحسين ، وعليٌّ وفاطمة . اللهم صلّ على محمد وآل محمد .

نعم ! بعد ذكرَ دلالة النقل والإقرار ، نذكر دلالة العقل على صحّة ما ذهبنا إليه في الثقل الأصغر المُلازم للكتاب ، وأنّهم الدّعاة من أهل البيت (ع) ، دونَ الغائب المهدي ، وذلكَ أنّ الغائبَ المهدي في الحقيقة غير مُلازمٍ للكتاب ، لأنّه لَم يعمَل بما فيه ، فلَم يُطبّق أحكامه على البلاد والعباد ، ولَم يأمر بالمعروف ولَم ينهَ عن المُنكر ، ولَم يردّ بدعَ المُبتدعَة في الدّين ، بل لَم يُشر إلى ذلك ، والله المُستعان ، دَعُونا في الغيبة الكبرى مَعشر الإمامية ، وانظروا بعين العقل قبل القلب والهَوى ، فمَن عَلا على هواهُ عقلهُ فقد نجا ، هل خدم الغائب المهدي أمة جدّه (ص) ، هل اقتدى بسيرة رسول الله (ص) في الدّعوة ؟ هل اقتدى بسيرة جدّه علي (ع) في الأمر بالمعروف والنّهي عن المُنكَر ؟ هَل خرج إلى الزيدية والسنّة وقام عليهم خطيباً ، يعظهُم ويُبلّغُهم ويُركبُهُم الحجّة ، ويُوكلهُم إلى أنفُسِهم بعدَ البلاغ ؟ هَل أجهدَ نفسهُ ولو قليلاً في رفعِ الظلم على الأمة الإسلامية ، التي هُو عليها حُجّة ، وهُو إمامهم الذي يُساقونَ وراءهُ يوم القيامة ، إلاّ أن تقولوا أنّه لا يوجدُ ظُلمٌ في يومنا هذا ! وقد باتَ الكثير يرقبُ دنّو السّاعة لما نراهُ من تحقّق علاماتها من فشاءٍ للفساد وأسبابه ، وبُعدٍ عن الدين وأربابه ، وتقربٍ ونصرٍ للباطل وأحزابه ، يا لله ويا للحجّة التي سيُحْتَجّ بها على هذا الغائب يوم القيامة ، بين يدي ربّ جليل ، فيقولُ المُحتجُّ : عبدُكَ وابن عبدِك يارب ، ربيتُ في أحضان بيئةٍ مُجبرة يُحمّلونَك آثام العباد ، ربيتُ في بيئة مُشبّهة يُلصقونَ بك صفات النّقص والهوان ، ربيتُ في بيئةٍ تسبّ الصحابة ، ربيتُ في بيئةٍ ترى الرقص والتطبير في المساجد ، ربيتُ في بيئةٍ لا تقولُ بهلال يوم رمضان ، ربيتُ في بيئةٍ تقول بالمتعة ، فمتّعتُ عِبادَك بمحارمي ، ربيتُ في بيئةٍ لا تُحرّم الخمرَ والمراقص ، ربيتُ في بيئةٍ لا يُزجرُ فيها الظَلمة ، ربيتُ في بيئةٍ صار معاشها وقوتها من الحرام والربا ولا يرونَ بذلكَ بأساً . ياربّ وأنا أتضرّع إلى المهدي الغائب أن يُعجّل فرجه علينا بالخروج ، ليملأ الأرض عدلاً ، ويُقيمَ سنّة رسولك الكريم ، فَلم يَمدُد يدهُ لي ، ولا لغيري مَن المُحتاجين له ، بل ظلَّ غائباً بعيداً عنّا ، لا يَسمعُنا ولا يعي قولَنا ، وإن سَمِعنا وسمعَ تضرّعنا إليه لَم يُحرِّك ساكناً ، وهذه ظلامتي طرحتها بين يدي مَن لا يَجورُ ولا يَظلم .

فيا لله وللعقول ، كيفَ يُصرفُ حديث الثقلين ، إلى الإيمان بحياة وغياب المهدي ، ولا يُصرفُ أنّ هُناك فرقةٌ ظاهرةٌ من أهل بيت الرسول (ص) مُلازمةٌ إلى الكتاب ، والكتابُ ملازمٌ لها . فهذه دلالة العقل على عدم ملازمة الكتاب للمهدي الإمامي الحي الغائب ، وبها وبما سبق يسقطُ قولُ مَن تعلَّل بهذا الحديث .

واختصاراً للقول ، فإنّ القوم قد يتعلّلون بنفس هذا التعليل ، بالنسبة لحديث السفينة (( مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح من ركبها نجا ومَن تخلّف عنها غرق وهوى )) ، فأينَ سفينتنا اليوم أيها الإمامية ، وأين نوحُ السفينة كي يَدُلّنا عليها ويُركبنا إيّاها ؟! ومثله حديث النجوم : ((( النجوم أمان لأهل السماء .. )) ، وأمثال هذه الأحاديث الواردة في التمسك بأهل البيت كثيرة ، ولكنّ القوم موّهوا على الأغمار بكثرتها واتّفاق سواد الأمة علي صحتّها عن رسول الله ، فعَملوا على صرفها إلى ما يُحبونهُ ويَهوَون ، ولا ندري هل المهدي الغائب المنتظر راضٍ عنهم أم لا ؟ ، لأّنهم لا يعرفونَ له طريق ، فهُوَ إمامٌ حيٌّ بينهُم يشمّونه في روايات الكليني والطوسي والمفيد وفقط ، والله المُستعان .

2- قالت الإمامية : قالَ رسول الله (ص) : (( إنَّ هذا لا يَنقضي حتّى يمضي فيهم اثنا عشر خليفَة )) . وفي هذا دلالة على الغيبة للثاني عشر ابن الحسن العسكري ، لأنّ الأمرَ لَم يمضِ بَعد ، فيبقى الثاني عشر حيّ موجود غائب .

قالَت الزيدية : أنَّ حديث الإثني عشر عليه من دوائر الشكّ والغموض ما يجعلنا نقطعُ بردّه وعدم اعتقاده في أهمّ طريقٍ يوصلُ إلى أصول الدّين المحمدي الصحيح ، لأسبابٍ منها : أنّه قد جاء بصيغٍ وألفاظٍ عديدة ، مُعظمها عن طريق جابر بن سمرة رضي الله عنه، هذا في مسانيد أهل السنة ، وسنأتي عليها ، وأمّا ما أوردهُ القمي صاحب كتاب كفاية الأثر من رواياتٍ عن طريق كبار الصحابة رضوان الله عليهم ، بأعدادِ الأئمة وأسماءهم ، فمختلقٌ مردود ، يدلّ على تناقضها واختلاقها انحصارُ انتشارها بأتباع وخواصّ الأئمة الإثني عشر دونَ غيرهم ، معَ أنّ عدد رواتها بلغَ سِتٌ وعشرونَ صحابياً كما أفادَ القمي ، ومعَ ذلك لم تنتشر بين النّاس كانتشار خبر الثّقلين ، والمنزلة ، والغدير ، وفي هذا إشارةٌ للعقول النيّرة ، أنَّ الاختلاق على لسان الصحابة ما جاء إلاَّ متأخراً ، وإلاّ فما رأيُ أولي النُهى بخبرٍ رواهُ : عبد الله بن العباس، وعبد الله بن مسعود، وأبي سعيد الخدري، وأبي ذر الغفاري، وسلمان الفارسي، وجابر بن سمرة، وجابر بن عبد الله، وأنس بن مالك، وأبي هريرة، وزيد بن ثابت، وزيد بن أرقم، وأبي أمامة، وواثلة بن الأسقع، وأبي أيوب الأنصاري، وعمار بن ياسر، وحذيفة بن أسيد، وعمران بن الحصين، وسعد بن مالك، وحذيفة ابن اليمان، وأبي قتادة الأنصاري، وعلي بن أبي طالب وابنيه الحسن والحسين (ع) ، ومن النساء أم سلمة، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله (ص) !! ، رواهُ كلّ هؤلاء ثمّ ما انتشرَ ، بل وانحصرَ ليس على شيعة الإثي عشر وحسب ، بل على خاصّة خاصّتهم !! والله المستعان ، هذا والمُتتبعُ للأخبار الإمامية يجدُ التناقض فيها رهيباً ، حتّى أنّني أكادُ أجزم ، بل أجزم ! أنّني لم أرَ مسانيداً حملَت ماحَملتهُ مسانيد الجعفرية من التناقضات الكثيرة ، ولولا مخافةُ التطويل، لسردنا ما وقعَ تحتَ أيدينا وعلّقنا عليها بما يقطع الشكّ باليقين ، ويكفينا الإشارة بالقول : أنّ هذه الروايات مع كثرة رواتها لَم يعرفها أمثال زرارة بن أعين ، وأصحابُ الأئمة المُقربين ، فما إن يموت الإمام حتّى تختلف الشيعة فيه أماتَ أم غابَ ، أإسماعيل الإمام مِن بعدِه أم موسى ، أفلانٌ أو فلانٌ ، واقفةٌ وقطعيةٌ وإسماعيليةٌ وفطحيةٌ وجهالاتٌ مُركبّة ، ثمّ يأتي فلانٌ ويقول : أنّ خبر الإثني عشر متواتر ! وهُوَ ما رُويَ عن طريق أهل السنة إلاّ عن طريق قلَّةٍ من الصحابة لا يتجاوزون عدد أصابع اليد الخمس ! وهُم جابر بن سمرة ، وسفينة وابن مسعود وابن أبي جحيفة ، مع ما في آثَارهِم من اختلافٍ واختلالٍ في الألفاظ عن الراوي الواحد ! ثمّ يبدأ التدليس على الأغمار وحَشرُ الإثني عشر من روايات الجعفرية القميّة الإسميّة ، مع روايات أهل السنة حول الإثني عشر بالعدد ، ثمّ يأتي دور الزّخرفة والمقارنة والرّبط والاستنتاج في الحديث وأنّه لا ينطبق إلاَّ على الإمامية . وهُنا سنناقش روايات أهل السنّة حول الإثني عشر خليفة ، لكي تتّضح الصورة في ذهن القارئ قدر المستطاع ، ثمّ سنُناقش روايات الجعفرية لخبر الإثني عشر من مصادرهم .


[ روايات أهل السنة في الإثني عشر خليفة ]


1- [ عن طريق جابر بن سمرة ]


أ- روى مسلمٌ في الصحيح ، عن جابر بن سمرة رضي الله عنه ، قال : سمعت رسول الله (ص) يوم جمعة عشية رجم الأسلمي يقول : (( لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، وسمعته يقول عصيبة من المسلمين يفتتحون البيت الأبيض بيت كسرى أو آل كسرى ، وسمعته يقول إن بين يدي الساعة كذابين فاحذروهم ، وسمعته يقول إذا أعطى الله أحدكم خيرا فليبدأ بنفسه وأهل بيته ، وسمعته يقول أنا الفرط على الحوض ))[52] .

تعليق : تأمّل الجزئية المُتعلّقة بالإثني عشر ، تجد الرسول (ص) وكأنه يذمّ هؤلاء الإثني عشر ، حيثُ أنَّ هذا الدين لا يزالُ قائماً إلى يوم القيامَة ، أو يكونُ هُناك اثني عشر خليفة ، ففيه إيهامٌ بسقوط أمرِ الإسلام إذا كانَ هؤلاء الإثني عشر ، أيضاً هذه العبارات فيها من الإبهام الشيء الواضح الجلي ، فكيفَ يُقطَعُ أنّه أراد بها إثني عشر الجعفرية ، هذا على افتراض صحّة اللفظ الذي ذهبَت إليه الإمامية في هذا الأثر من صفة المَدح .

مُلاحظة : هذا الخبر ليسَ دلالةً كافيةً على حُجيّة أو حتى فضل هؤلاء الإثني عشر خليفة ، وليسَ فيه دلالة على الإتّباع والإقتداء .

ب- روى البخاري في الصحيح ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت النبي (ص) يقول : (( يكون اثنا عشر أميراً ، فقالَ : كَلِمَةً لَم أسمعها ، فَقال أبي : إنه قال : كلهم من قريش ))[53] .

تعليق : وهذا الخبر عن جابر لا يُفيدُ الحُجيّة على هؤلاء الأمراء الإثني عشر ، وانظر كيفَ يتعارضُ مع الرواية السابقة ، إذ أنّ جابر سَمِعَ كلامَ الرّسول كاملاً عندما قال فيه : ((لا يزال الدين قائما حتى تقوم الساعة أو يكون عليكم اثنا عشر خليفة كلهم من قريش )) ، وفي هذه الرواية أصبَحَت كلمة خليفة ، أمير ! ، ولَم يَسمَع أنّهُم مِن قُريش ، وإنّما أخبرهُ والدهُ بذلك .

ملاحظة : هذه الرواية أيضاً ، لا نستطيع من خلالها أن نبني اعتقاداً مُعيّناً في هؤلاء الأمراء الإثني عشر ، إذ أنّها مبهَمَة للغاية .

ت- وروى الترمذي في السنن ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (ص) : (( يكون من بعدي اثنا عشر أميرا ، قال : ثم تكلَّم بشيء لم أفهمه ، فسألت الذي يليني فقال : قال : كلهم من قريش ))[54] .

تعليق : انظُر قول جابر ، فسألتُ الذي يليني ، والتي قبلها ، يقولُ : فسألتُ أبي ! ، أيضاً حتّى في هذه لم يسمَع ما جاء في الرواية الأولى من أنّ الدين يبقى قائماً أو يكون اثني عشر خليفة ، أيضاً لا يفوتكُ أن تستنتج أنّ الرسول كانَ يقول بهذا الخبر في محضرٍ من الصحابة ، والدليل سؤالُ جابر مرّةً لأبيه ، ومرّةً للذي يليه ، ومعَ ذلك لَم يروِ أحدٌ من الصحابة هذا الخبر بهذه الطريقة إلاَّ جابر بن سمرة ، على عكسِ ما حصلَ يوم الغدير مع أمير المؤمنين ، فإنَّ الصّحابَة حدّثوا بما سمعوه من رسول الله في ولاية علي بن أبي طالب (ع) ، وهُنا اختفى التحديث من الصحابة الحاضرين لرسول الله مع جابر .

ملاحظة : هذا الحديث كالذي قبله ، لا يدلّ على حجيّة معينة لهؤلاء الأمراء الإثني عشر، ولا يُفيد حتّى الإتباع .

ث- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال : جِئتُ أنا و أبي إلى النبي (ص) و هو يقول : (( لا يزال هذا الأمر صالحاً حتى يكون اثنا عشر أميراً ، ثم قال كلمة لم أفهمها فقلتُ لأبي : ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ))[55] .

تعليق : وفي هذه الرواية ، جابرٌ يسألُ أبيه ، وليسَ الذي يليه ، أيضاً هذه الرواية تُفيدُ أنَّ رسول الله (ص) حال دخولِ جابر وأبيه ، كانَ يُحدّث جمعاً من الصحابة ، ومعَ ذلك لَم يُحدّث بهذا الخبر بهذا الوجه إلاّ جابر دونَ الصّحابة ، بل حتّى دونَ أبيه ؟! ، أيضاً هذه الرّواية تُفيدُ الذمّ لا المدح ، فظاهرهُا أنَّ هذا الأمر لا يزالُ صالحاً حتى يكون اثنا عشر خليفة ، أي أنَّ أمر الإسلام لا يزال عزيزاً إلى أن يكون اثنا عشر خليفة ، فلو قُلتُ : لا تزالُ إيرانُ قائمةً قويّة منيعة حتّى يقوم الرئيس الفلاني ! أليسَ في هذا دليلٌ أنّ عزّة وقوّة إيران تذهبُ عندما يقوم هذا الرئيس ؟ . وكذلك الحال مع الأمراء الإثني عشر الذين صوّرَتهُم لنا الرّواية .

ملاحَظة : هذا الخبر أيضاً ، لا يُفيد الحُجيّة على المُكلفين ، ولا يجوز عليه أن يبني المُكلَّف أيّ اعتقاد .

ج- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول في حُجّة الوداع : (( لا يزال هذا الدين ظاهراً على من ناواه ، لا يضره مخالف و لا مفارق، حتى يمضي من أمتي اثنا عشر أميراً كلهم ، ثمّ خَفِيَ من قول رسول الله (ص) ، قال : و كانَ أبي أقرَب إلى راحلة رسول الله (ص) مني فقلت : يا أبتاه ما الذي خفي من قول رسول الله (ص) ؟ قال : يقول كلهم من قريش ))[56] .

تعليق : انظر هذه الرواية ، سمعها جابر في حجّة الوداع ، وليسَ عشيّة رجم ماعز ! ، وانظر كأنّه يُشير إلى وجود جمعٍ من الصّحابة عندما قال أنَّ أبيه كان الأقرب إلى راحلة النّبي (ص) ، ومعَ ذلكَ لم يُحدّث بهذا إلاّ جابر ، وعلى افتراضِ أنَ جابر سمعَ هذا الخبرَ مرّتين مرّةٌ عشيّة رجم ماعز ، ومرّةٌ في حجة الوداع ، فهل يُعقلُ أنّها ما سمعَ لفظة : كلّهم من قريش ، إلاّ عن طريق أبيه ، أو الذي يليه ؟! ، أيضاً هذا الحديث يُفيدُ المدحَ والذّم معاً ، فاعرف معنى (حتّى) وغص في أعماق اللغة العربية ، ثمّ اعرف أنّ الرسول (ص) أفصحُ مَن نطق بالضّاد ، ليس بحاجةٍ إلى أن يجعلنا نتوهُ كلّ هذا التّوهان ، في تفسير معاني كلامه بهذه العبارات .

ملاحظة : وهذه الرواية أيضاً ، لا يصحّ أن نبني عليها اعتقادٌ ، ولا يصحّ أن نجعل من هؤلاء الأمراء حججٌ على العِبادِ بموجِبها .

ح- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة أنهُ سِمِعَ رسول الله (ص) يقول : (( يكون بعدي اثنا عشر أميراً ، ثم لا أدري ما قال بعد ذلك ، فسألتُ القوم كلهم فقالوا : قال كلهم من قريش ))[57] .

تعليق : وفي هذا الحديث يسألُ جابر القومَ كُلّهم !! ، وفي رواية سابقة سألَ أبيه ! ، وفي رواية أخرى سألَ الذي يليه ! ، وسؤالُ جابر للقوم دلالة على كثرة الحاضرين لمجلس رسول الله (ص) حينها ، ومعَ ذلك لم يُحدّث بهذا الخبر بهذه الطّريقة إلاّ جابر .

ملاحظة : وهذه الرواية أيضاً ، لا ينبغي بناءُ أدنى أصلٍ من أصول الدين على أمراءها الإثني عشر ، لما فيها من الإبهام في حالِهم .

خ – وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال: سمعت رسول الله (ص) يقول : (( لا يزال هذا الأمر ماضياً حتى يقوم اثنا عشر أميراً ، ثم تكلم بكلمة خفيت علي فسألت عنها أبي ما قال ؟ قال : كلهم من قريش ))[58] .

تعليق : أيضاً انظر الذمّ في الأمراء الإثني عَشر ، حيثُ أنّ أمرَ الإسلام يبقى ماضياً حتّى يقوموا ، فإن قاموا تلجلجَ الإسلام وانصدَع ، وحتماً ما هذه صِفَة أئمة الجعفرية عندَهُم .

ملاحظة : وهذه الرواية ، لا يجوزُ بناءُ اعتقادٍ مُعيّن على أمراءها الإثني عشر .

د- وروى أبو داود في السنن ، عن جابر بن سمرة قال : سمعت رسول الله (ص) يقول : (( لا يزال هذا الدين قائما حتى يكون عليكم اثنا عشر خليفة ، كلهم تجتمع عليه الأمة ، فسمعت كلاما من النبي (ص) لم أفهمه ، قلت لأبي ما يقول ؟ قال : كلهم من قريش ))[59] .

تعليق : انظر لفظة ( كُلّهُم تجتمع عليه الأمة ) ، انظر حالَ أئمة الجعفرية هل اجتمعَ عليهم كُلّ الأمة ، أو بل حتّى ربعها ، لا نقولُ ولاءً وحُبّا ، ولكن اعتقاداً بإمامةً ربّانيّةً وحجّيةً مُطلَقة ، بل انظر حالَ المهدي الغائب الثاني عشر هل اجتمعَت عليه الأمّة ، بل هل اجتمعَت عليه الشيعة ؟ بل هل اجتمعَ عليه مَنِ انسلخَ من الإمامية أنفسُهم من الواقفة والمحمدية ؟ ، فعند ذلك نُنبّه أنَّ الإثني عشر المقصودين هُنا غير مَن قَصدتهُ الإمامية ، فرسول الله (ص) لا ولن ينطقَ عن الهوى .

مُلاحَظة : أيضاً هذا الحديث ليسَ دليلاً على اعتقاد أي عقيدةٍ ذاتُ شأنٍ بالغ الأهمية في الدّين .

ذ- وروى أحمد في المسند ، عن جابر بن سمرة قال : قال رسول الله (ص) : (( لا يزال هذا الأمر مؤاتي أو مقاربا ، حتى يقوم اثنا عشر خليفة ، كلهم من قريش ))[60] .

تعليق : وفي هذا الحديث من علّة الغموض في اللفظ ما لا يخفى ، لأنّهُ على المَحملين مأخوذ ، مَحملُ المدحِ والّذّم ، ورسولا الله (ص) مُنزّه عن مِثلِ هذا الغموض في بيان عقائدِ النّاس ، وخصوصاً إذا كان هؤلاء الإثني عشر ، هُم مَن يؤمنُ به الإمامية في أئمتهم .

ملاحظة : وهذا الحديث أيضاً ، ليسَ دليلاً على اعتقادٍ مُعيّنٍ يُوجبُ على المُكلَّف الاعتقاد بما فيه .


2- [ ما جاء عن طريق عبدالله بن مسعود ]

ر- وروى أحمد في المسند ، عن مسروق قال : كنا جلوساً عند عبد الله بن مسعود ، وهو يقرئنا القرآن ، فقال له رجل : يا أبا عبد الرحمن ، هل سألتم رسول الله (ص) كم تملك هذه الأمة من خليفة ؟ فقال عبد الله بن مسعود : ما سألني أحد منذ قدمت العراق قبلك ، ثم قال : نعم ، و لقد سألنا رسول الله (ص) فقال : (( اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل ))[61] .

تعليق : تأمّل لفظة ( كم تملك هذه الأمة من خليفة؟ ) ، ثمَّ طَبّق عليه أقوالَ جابر بن سمرة السابقة ، بافتراض صفات المدح للحديث طبعاً ، ستجدُ أنَّ الإسلام يَعُزُّ بهِم ، ويظلّ مَنيعاً ، لا يضرّه من ناواهُم و لا مَن خَالفَهُم ، حتى يمضونَ فيكون الهرجُ والمرج[62] ، فنقول : ما دامَ أنَّ الإسلام يبقى عزيزاً ومنيعاً وقائماً في عهد هؤلاء الإثني عشر ، وعلى رأسهم إمام الزمان المهدي الغائب المُنتظر ، ما بالُ عُقلاء الأمّة في أعصارهِم يرونَ شرائعَ الإسلام تكادُ تندرس ، ما مِن لاحقٍ إلاَّ ويرى أنَّ زمانهُ أسوءُ الأزمنة ، تعطيلٌ للحدود ، وفشاءٌ للفساد ، وإنكارٌ لأهل البيت (ع) ، وهذا مُمتدٌ إلى زماننا هذا ، فإنّا نجدهُ أسوأ الأزمنة على الإطلاق ، ونجدُ الإسلام يعيشُ مراحلَ التقوقعُ على المشائخِ ورجالِ الدّين ، ونجدُ التسرّبات تلو التسرّبات العلمانية والاستشراقية تغزو عُقولَ القُرّاء قبل الجُهّال ، ونجدُ الفتوى في الدّين تكادُ أن تكون أسهلُ من شُربِ الماء ، من غيرِ علمٍ ولا كتابٍ ومُنير ، فنحنُ نرجو الله أن يكونَ موعدُ قيام المهدي (ع) قَد قَرُب ، محمد بن عبدالله وليسَ محمّد بن الحَسن ، لأنّ أصحابَ مُحمّد بن الحسن على ضوء الرواية التي عن ابن مسعود ورواية جابر بن سمرة ليسوا بحاجته لأنَّ الإسلام في أوقاتهم كما شَهِدَت الروايات السابقة لا يزالُ قائماً شامخاً عزيزاً ظاهراً ، وبما أنَّ المهدي الغائب حيّ موجود لم يمضِ بعَد فالإسلامُ لاشكَّ في عزةٍ وإباء !! ، فأيّ بُعدٍ يُتصوّرُ مَعَه نسبة هذه الأحاديث السنيّة إلى أشخاصِ أئمّة الجعفريّة ، ففي هذا القول تحميلٌ لروايات جابرٍ وابن مسعودٍ فوقَ طاقتها ! ، إذ كيفَ يخرجُ في آخر الزّمان ليملأ الأرض عدلاً كما مُلأت جوراً ، وينتصِرَ لمحمدٍ وآل محمدٍ ، والإسلام لا يزالُ قائماً ظاهراً منيعاً ؟! إمّا ظاهرٌ منيعٌ بدون جور في فترة وجود المهدي الغائب ، فيردّ هذا الاعتقاد كثيرٌ من الأحاديث التي روتها الأمة في خروجه في آخر رمقاتِ الإسلام ، وإمّا خافٍ مُستضعَف –أي الإسلام- فيه الجور والظّلم في فترة وجود المهدي الغائب ، فيردُّ هذا الاعتقاد روايات جابر وابن أبي جحيفة عن بكرةِ أبيها!.


3- [ عن طريق أبي جحيفة ]


ز- وروى الحاكم في المستدرك ، عن عون بن أبي جحيفة ، عن أبيه قال : كنت مع عَمّي عند النبي (ص) ، فقال : (( لا يزال أمر أمتي صالحاً حتى يمضي اثنا عشر خليفة ، ثم قال كلمة و خفض بها صوته فقلت لعَمّي ، وكانَ أمَامِي : ما قالَ يَاعَم ؟ قال يا بني كلهم من قريش ))[63] .

تعليق : انظر هذه الرواية طِبقَ الأصل ، عن روايات جابر بن سمرة السابقة ، اللهم أُبدِلَ اسم جابر بأبي جحيفة ، و لفظة أبي بعمّي ، أمسِك ! قال جابر في الروايات السابقة : جئتُ أنا وأبي ، وقالَ أبو جحيفة : كَنت أنا وعمي ! . قال جابر : قالَ كلمةً خَفِيَت عليّ . وقال أبو جُحيفة : قالَ كَلِمةً خَفَض بها صوته ! . قال جابر : فقلتُ لأبي! : ما قال! ؟ قال : كلهم من قريش !! . وقال أبو جحيفة : فقلت لعَمّي! ، وكانَ أمَامِي : ما قالَ! يَاعَم ؟ قال يا بني كلهم من قريش !! ، قلتُ : وعلى القارئ الحُكم .


[ خلاصة الكلام في حديث الإثني عشر المروي عن طريق أهل السنة ]

هذا ونختمُ الكلام بالخلاصة ، فنقول : أنَّ حديث الإثني عشر خليفة بالعدد لا بالاسم ، الواردِ عن طريق أهل السنة : يحتمل احتمالَين اثنين لا ثالثَ لهما :

الاحتمال الأول : أنه صحيحٌ عن رسول الله (ص) ، ونُقِلَ وفُهِمَ على غير مراد رسول الله (ص) ، فقرعَ هذا الخبر أسماع الإمامية قبلَ عصر الغيبة ، أيامَ كانّ النّص على عدد الأئمة غير مستقر فتارةً عدد الأئمة ستة ، وتارةً سبعة، وتارةً ثمانية، وتارةً أحد عشر ، فصادفَ قلباً خالياً منهُم فتمكّنَ ، فاستفادوا من هذه الروايات السُنّية العددية ، فألصقوا أسماء أئمتهم بها ، فزعموا أنَّ الأئمة اثني عشر ، ووقفوا على الثاني عشر ابن الحسن العسكري ، وِمن هُنا بدأت التصانيف واستقرَّ النصّ ، فغذّاه الكليني ومشائخ قم حتّى ترعرعَ وكوّنَوا له قاعِدةً مِن لاشيء ، ثمّ جاء الشيخ المفيد والطوسي فأحكما تربيتهُ وتحصينه ، ثمّ الطبرسي قامَ بواجبهِ تجاهه ، واليوم نجدُ التصانيف الهائلة الصغيرة والكبيرة ، وإدخال الفلسفات في العبارات ، والتلاعب بالألفاظ والعواطف لجعل المُستحيلِ معقولاً ، والغمر تلو الغِمرُ مُنجرٌّ مُنقادٌ والله المُستعان . ثمّ أنّ هذه الأخبار المروية عن أهل السنّة لو آمنّا بها فهي لا تدلّ على عقيدةٍ ذاتِ أهميّة بالغَة في الدين ، وقد تعمّدنا إيراد الملاحظات تحت التعاليق ، لربطِ الفكرة في مَن يُصحّحُ هذه الأحاديث ، ويعتمدُ عليها ويجعلها مُرجّحاً على عقيدة القوم ، فراجعها . أيضاً وَجدنا كلاماً بديعاً ناطقٌ بما أشرنا إليه، للسيد الهُمام عبدالله حميدالدين حفظه الله في كتابه ( تعليقات على الإمامة عند الإثني عشرية ) ، فقال بشأن رواية أهل السنّة والجماعة لخبر الإثني عشر ، وما يترتّبُ على مَن آمَنَ به ، فقال باختصارٍ في اللفظ :

(( أمّا حديثُ الخُلفاء اثنا عشر ، ونحوه ، فالاحتجاجُ بهِ على أمرٍ خطيرٍ كالإمامة بعيد ، وذلكَ لأمورٍ سأذكُرُها بإيجاز :

1- الحديثُ لا يُشيرُ إلى وُجوبِ طاعَتِهِم ، ولا إلى صِفَتِهِم ، ولا أنّهُم من ذريّة الحسين ، ولا إلى أنّهُم مُتعاقبون .
2- أيضاً نلمسُ مِن عبارات الحديث أنَّ المُراد ، تعيين فترةٍ زمنيّة يكونُ فيها الإسلام عزيزاً ، وأنَّ هذه الفترة حُدِّدَت لفترة اثني عشرَ خليفة، ولا يَظهرُ مِن ألفاظها أيُّ إشارَة إلى وجوبِ طاعَة هؤلاء الإثني عشر ))[64] .

الاحتمالُ الثّاني : أنهُ باطِلٌ مردود ، لضعفِ الاحتمالات الموصِلَة إلى اليقين من خلاله ، لصدور مثل هذا الخبر عن رسول الله (ص) ، فإن كانَ رسول الله (ص) ألقى هذا الخبَر على مسامع الصحابة ، إمّا عشيّة رجم ماعز ، أو في حجّة الوداع ، أو في عرفات ، ومعَ ذلك لَم يروهِ إلاَّ جابر وأبو جحيفة مع وَهْن رواية الأخير ، فإنَّ في هذا مغمزٌ فضيع، حتّى وإن كانَت الأسانيد مُتصلّة موثّقةً ، فالعقلُ يرفضها البتّة ، انظر أمير المؤمنين (ع) الأذن الواعية لكلام أخيه وابن عمه سيدّ المُرسلين (ص) ، لَم يتفوّه بخبرٍ من طُرقِ غير الإمامية بمثل هذا الخبر ، مع العلمِ أنَّ إنباءاته بما يحدثُ من الفتِن مُدوّنةٌ مزبورة فراجعها ، فلو صحَّ أنَّ الإثني عشر هؤلاء هُم أئمة الإمامية ، لما توانى في الإخبارِ به على الملأ ، كما أخبرَ رسول الله (ص) الناس بهذا في رواية جابر . أيضاً انظر إجابة ابن مسعود على السّائل عن عدد من يملكون أمر الأمة ؟ أنْ قال : ((و لقد سألنا رسول الله (ص) فقال : (( اثنا عشر، كعدة نقباء بني إسرائيل )) . فيدلّك جواب ابن مسعود أنّه ما سمعَ ذلك كما سمِعهُ ابن سمرة ، وإنّما سألَ عنه الرسول ابتداءً منه ، وخصوصاً في تلك الرواية التي تُفيدُ بإخبار الرسول بهذا في حجّة الوداع ، لأن ابن مسعود كان أحد أفراد حُجّاج بيت الله في ذلك الزمان ، وأخصّ منها تلك الرواية عن جابر التي تُفيدُ أنَّ الرسول أخبرَ بهذا في عرفات ، لأنَّ ابن مسعود حتماً لن يكونَ ذلك اليوم إلاَّ بين يدي رسول الله (ص) . فأوجه القدحِ في هذه الروايات كثيرة تقلّ عند اعتقاد أنّ هذا الخبر لم يُفهَم كما أراد الرسول (ص) ، وتزدادُ عند اعتقاد أنَّ هؤلاء الإثني عشر هُم أئمة الإمامية ، وتذهبُ الزيدية إلى عَدمِ اعتمادِ هذا الخبرِ المُتهافِت في إثباتِ أصولِ الدّين ، الذي إن تنازلنا جدلاً ومراءً ألحقناهُ بالآحادِ التي لا يُعمَلُ بها في إثبات العقائد ، كيف لا والإمامة تعني حفظُ بيضة الإسلام والمُسلمين ، وتطبيق حدود الله على التمام ، والعملُ بعملِ سيّد الأنام عليه وعلى آله أفضلُ الصلاة وأتم التسليم .


[ روايات الجعفرية في الإثني عشر خليفة ]

هذا وللإنصاف ، والإفهام ، ولتبرئة الرّاية من اتهامنا للروايات الجعفريّة الواردة عن مشائخِ قم وغيرها ، بالاختلاق والحشو ، وأيضاً لأنّهُ يترتّب على إبطال نظريّة النّص على الأئمة الإثني عشر بأسمائهم وأعدادهم ، انهيارُ عقيدة الغيبة التي هي محورُ بحثنا ، وإبطالُ شُبهَة مَن تمسّك بالاستدلال بحياة المهدي بخبر الإثني عشر السابق الذّكر في أول المسألة . فنقول روى الإمامية :

[ الجعفرية والنص والإمام الباقر (ع) ]

1- عن أبي الجارود ، قال : قلت لأبي جعفر : جعلت فداك إذا مضى عالمكم أهل البيت ، فبأي شيء يعرفون من يجيء من بعده ؟ قال : (( بالهدي و الإطراق و إقرار آل محمد له بالفضل و لا يسأل عن شيء مما بين صدفيها إلا أجاب عنه )) ([65]) .

تعليق : انظُر أبي الجارود رحمه الله ، لا يعرفُ النّص الذي رواه علي القمي عن ستةٍ وعشرين صحابياً من أكابر الصحابة ، وانظُر ردَّ الباقر عليه بالتلميحِ دونَ التّصريح ، وفي هذا الفعلِ من المعصوم من القُبحِ ما لا يخفى على العاقل ، فَلو أنّهُ قالَ بالنّص من رسول الله (ص) ، لأغناهُ ذلك . لأنَّك لَو سألتَ اليومَ جعفرياً كيف عَرفت إمامة الصادق بعد الباقر ، لسردَ لك أحاديث النّص عن رسول الله (ص) ، ولَما قالَ أنّ آل محمد تُقرّ له بالفضل ، وأنّه يُسألُ فيما بينَ صدفيها ( فيما يخصّ المُكلّف من أمور دُنياه ودينه ) فيُجيبُ عنه ، لأنَّ الزيدية هيَ مَن تقولُ هذا لا الإماميّة ، ولعلَّ هذه الرواية صحيحة عن الباقر فتكونُ دليلاُ على زيديّته ! ، ثم تَذَكّر جهل أبي الجارود بالنّص على رتبته في التشيّع ، وفي هذا دلالةٌ على أنهُ لا يوجدُ نصٌّ صريحٌ بعدد وأسماء الأئمة في تلك الآونة ، والله المُستعان.

2- عن أبي خليفة ، قال دخلت أنا وأبو عبيدة الحذاء على أبي جعفر ، فقلت : كيفَ لنَا بِصاحِبِ هذا الأمر حَتّى نَعرِف ؟ قال : (( قول الله : { الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الْأُمُورِ } ، إذا رأيتَ هذا الرجل مِنَّا فَاتّبِعه ، فإنّهُ هُوَ صَاحِبُك ([66]) .

تعليق : انظُر الجهل بالنّص من أصحاب الباقر (ع) ، يُؤكّدهُ أسئلتهم المتكررة له ، عَن صاحِب الأمر ، وانظر إجابة الباقر بالتلميح والصّفة ، دونَ النّص المُسبق عن رسول الله (ص) ، وانظُر أيّها الزيدي وازدد إيماناً بعقيدة أهل البيت (ع) في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر وأنّ هذه الآية صفةُ أئمتك الزيدية ، دونَ أئمة الجعفرية ، ولَو يسّر الله لنا ، جَمعنا أقوالَ الأئمة الإثني عشر الموافقة لمذهبِ الزيدية من كُتُبِ الجعفرية أنفسهم ، لأنّا لا ندّعي أنّهم قد حرّفوا جميع النصوص ، بل بَقيَ بصيصُ أملٍ في تصفية هذه الأقوال ، واستخراج الصحيح من السقيم ، وإن كانَ هذا الخبر رُوي عن فرات الكوفي وهو زيدي المذهب ، على عدم شهرةٍ عند الزيدية ، فالخبر الذي يسبقهُ رواه أساطين الإمامية ! ، نَعم ، وهذا الخبر يُوحي بغياب النّص بالاسم والعدد ! والله المستعان .

3- قالَ الكُميت بن زيد شاعر أهل البيت (ع) : دخلت على سيدي أبي جعفر، فقلت : يا ابن رسول الله إني قد قلت فيكم أبياتا أتأذن لي في إنشادها ؟ فقال : إنها أيام البيض ، قلت : فهو فيكم خاصة ، قال : هات ، فأنشأت أقول :

أضحكني الدهر وأبكانـي والدهر ذو صرف وألوان

إلى أن قال :

متى يقوم الحق فيـكم متى يقـوم مهـديكم الثانـي ؟

قال : سريعا إن شاء الله سريعا ، ثم قال : يا أبا المستهل إن قائمنا هو التاسع من ولد الحسين ، لأن الأئمة بعد رسول الله (ص) اثنا عشر ، الثاني عشر هو القائم ، قلت فمن هؤلاء الاثنا عشر ؟ قال : أولهم علي بن أبي طالب ، وبعده الحسن والحسين ، وبعد الحسين علي بن الحسين وأنا ، ثم بعدي هذا ، ووضع يده على كتف جعفر ، قلت : فمن بعد هذا ؟ قال : ابنه موسى ، و ذكر بقية الأئمة ([67]) .

تعليق : انظُر جهلَ الكُميت بن زيد رحمه الله وأسكنه جنان الخلد ، بالنّص على الإثني عَشر ، ولسائلٍ أن يقول كيفَ عرفَ الكُميت إمامة محمد الباقر ؟ ولمُجيبٍ أن يُجيب فيقول : بالنّص المتسلسل بالأئمة وأسماءهم إلى المهدي ، ولذلكَ تجدهُ يقول في شعرهِ ( متى يقومُ مهديكم الثاني ، ويقصد أنّ المهدي الأول رسول الله (ص) ) ، فهُو مُستدلٌّ بإمامة الباقر (ع) بالنّص . وللسائل أن يعودَ فيسأل ؟ فإن كانَ عرفَ إمامة الباقر والمهدي بالنّص ، فلماذا عاوَد السؤال فقال : ( مَن هُم الإثنا عشر ؟ ) ، تأمّل أيها القارئ بدأت روائحُ الوضعِ تفوح ! ، ومَنِ السائل ؟ إنّهُ الكُميت بن زيد شاعر أهل البيت صاحبُ المنزلة الكبيرة عند الباقر (ع) ، ومع حَجم وكِبَر هذه المنزلة فهُو جاهلٌ بالنّص على الأئمة بعد الباقر ، و مُتشيعٌ أيضاً في الباقر هكذا خبطَ عشواء ، لا بنصٍّ ولا بغيرِه ! ، والله المستعان .

4- عن عبد الأعلى مولى آل سام ، عن الصادق قال : (( إن أبي استودعني ما هناك ، فلمَّا حَضَرتهُ الوفاة ، قال : (( ادع لي شهوداً ، فَدعوتُ أربعة من قريش فيهم نافع مولى عبدالله بن عمر ، فقال : (( اكتب : هذا ما أوصى به يعقوب بنيه : {وَاتَّقُواْ يَوْماً لاَّ تَجْزِي نَفْسٌ عَن نَّفْسٍ شَيْئاً وَلاَ يُقْبَلُ مِنْهَا عَدْلٌ وَلاَ تَنفَعُهَا شَفَاعَةٌ وَلاَ هُمْ يُنصَرُونَ} ، و أوصى محمد بن علي ، إلى جعفر بن محمد ، وأمرَهُ أن يكفنه في بُرده الذي كان يصلي فيه يوم الجمعة ، وأن يُعمّمَه بعمامته ، وأن يرفع قبره ، ويرفعه أربع أصابع ، وأن يحل عنه أطماره عند دفنه ، ثم قال للشهود : انصرفوا رحمكم الله ، فقلت له : يا أبت! ما كان في هذا أن يُشهَد عليه ! ، فقال : يا بني! كرهت أن تُغلَب ، وأن يُقَال :لم يوصِ إليه ، وأردْت أن تكون لك الحجة )) ([68]) .

تعليق : كيفَ أنّ الباقر (ع) خافَ أن يُغلبَ الصادق على أمرهِ ، فيُنكرُ النّاس إمامته ، فأوصى إليه ! ، فمِن مَتى والوصية فيما بينَ الأئمة أظهرُ مِنَ النّص الظاهر المشهور ، بل لماذا يحتاج الصادق إلى وصيّة مع وجود النّص ؟ أليسَ النصّ يُغني ؟ ، فإذا عرفتَ فساد هذا الحديث ، فاعرِف أنَّ مَن وضعَ هذا الحديث وَضعهُ قبل تبلور النّص على الإثني عشر كاملاً ، وضعهُ في فترةٍ لم يَكن يُعرفُ بين الشيعة ما يُعرف بالنّص من رسول الله (ص) ، بل بالوصيّة فيما بينَ الأئمة يَعرفونَ أئمتهم ، والله المُستعان .

[ الجعفرية والنص والإمام الصادق (ع) ]

5- عن داود بن كثير قال : قلتُ لأبي عبدالله : جُعلتُ فداك وقدّمَني للموتِ قَبلَك ، إنْ كانَ كَون فإلى من ؟ قال : (( إلى ابني موسى )) ، فَكانَ ذَلِكَ الكون فَوالله مَا شَكَكْتُ في موسى طرفة عين قط ، ثمّ مَكَثَ نَحوا مِن ثلاثين سَنَة ، ثمّ أتيتُ أبا الحسن مُوسى فقلت له : جُعلتُ فِداك إن كانَ كَون فإلى مَن ؟ قال : (( فإلى علي ابني )) ([69]) .

تعليق : انظُر جهلَ داود بن كثير بالنّص ، صاحب الصادق والكاظم ، ولو تعذّرَ أحدٌ بالتقيّة ، فإنّهُ لا وجهَ ولا مكانَ لها البتّة ، ويدلّك الخبر أنّ ابن كثير من المُقرّبين لدى الصادق والكاظم ، أن قاما بإخباره بِمَن بعدهُما من الأئمة ، والغريبُ أن يكونَ شخصٌ بهذا القُرب من أئمة الهُدى والحُجج على الورى ، لا يعرفُ أمثالَ هذا النّص الإثني عشري المُسلسل بالاسم والعدد الظاهر المشهور الذي لا نستبعدُ أن يكونَ الجعفرية ألحقوه بالمتواتر فظَلموا المُتواترَ وأهانوا أمثالَ حديث الغدير ، نعم ! وفي هذا الفعل من ابن كثير والأئمة دلالة على عدم وجودِ نصٍّ في تلكم الأيام ، وأنّه لَم يتبلور ويتشكَّل بَعد في عددٍ مُعيّن ، وإنّما الوصيّة هي الأمّ والمرجع!! ، إن كانَت ثمَّة وصيّة في الأصل !! لأنَّ الجميعَ عندنا مكذوب أعلامِ الهُدى ، لا الأخبار الدّالة على الإمام بعد الإمام بالوصيّة ، ولا الدّالة عليهم بالنّص .

6- عن المفضل بن عمر قال : دَخلتُ على سيدي جعفر بن محمد ، فقلت : يا سَيدي لو عَهِدتَ إلينا فِي الخَلَف مِن بَعدِك ؟ فقال لي : (( يا مفضل ؛ الإمامُ مِن بَعدِي ابني موسى )) ([70]) .

تعليق : انظر لفظة " لَو عَهِدتَ " ، وما شابهها من الألفاظ السابقة ، تدلّكَ أنَّ النصَّ ليسَ له خانةٌ البتة عند أهل ذاك الزمان ، وإلاَّ كيفَ يسوغُ للمفضل بن عمر أن لا يَعرفَ إمامهُ بعد الصادق إلاَّ بالوصيّة ، أليسَ النّص ناطقٌ بهذا ؟ بدون حاجةٍ لكلام الصادق ؟ بل وبدونِ الحاجَة إلى العهدِ من الصادق للكاظم ، لأنَّ الأمرَ ليسَ للصادقِ يَعهدُ إلى مَن يشاء ! بل هُو أمرٌ قد زُبِرَ في عالَم الأزل ، على مُقتضى مذهب الجعفرية ، فيا للهّ ويا للنص الذي لم يشتهرِ بينَ أصحاب الأئمة المُقرّبين ، ومع ذلكَ يّدعون أنّه رواه كبار صحابة الرسول (ص) وحدّثوا به ! ، والشيعة أنفسُهم لا يعلمونَ بهذا ، والله المُستعان .

7- وعن عبدالرحمن بن الحجاج ، قال : دخلتُ على جعفر بن محمد في منزله ، وهو في بيت كذا من داره في مسجد له ، وهو يَدعُو ، وعَلى يمينِه مُوسَى بن جعفر يُؤمِّن على دُعائه ، فقلتُ له : جَعَلَنِي الله فِدَاك ، قَد عَرَفتَ انقِطَاعِي إليكَ وخِدمَتِي لَك !!! ، فَمَن ولِيُّ الأمرِ بَعدَك ؟ قال : (( يا عبدالرحمن ، إنَّ مُوسى قَد لَبِسَ الدِّرعَ فَاسْتَوت عَليه ، فقلتُ له : (( لا أحتاجُ بَعدَها إلى شَيء )) ([71]) .

تعليق : لَن يبقى بعدَ هذا الأثر ، في معرفة عدم وجود النّص بالكليّة حتّى في بيت الصادق، حتّى على مَن قطعَ عُمُرَهُ في خدمَة سيّده !! ، نعم! لَن يبقى بعدَ هذا إلاّ أن نبتغيَ سُلّما إلى السماء كي نُقنِعَ المُخالف ، بفسادِ هذه العقيدة المُسَلسَلة على لسان رسول الله (ص) ، وأنّه ليس هُناك خانةٌ للنّص بل للوصيّة وفي هذا من التصادم ما لا يخفى على أهل التشمير والتمحيص والتدقيق ، ولَو لَم يكن لكَ إلا استحضار ما جرى بين الشيعة الإمامية بعد جعفر الصادق من الاختلافِ في شخصِ الإمام ، فمنهُم مَن وقفَ على الصادق وقال أنّه المهدي المنتظر ، ومنهُم مَن قال بإمامة إسماعيل وأشارَ إليه وعهِدَ!! إليه وهُم الإسماعيلية ، منهُم مَن قالَ أنَّ الصادق عَهِدَ إلى الكاظم وهُم الجعفرية ، ولَو تأمّلتَ احتجاجات الإمامية على الإسماعيلية في إمامة الكاظم ، لوجدتَهُم يحتجونَ عليهم في ذلكَ الزّمان بالوصيّة من دونِ النّص ! وليتَ شعري لَو كان هُناكَ نصٌّ مُسبَق على الإثني عشر ، أكانَ سيحصلُ هكذا اختلاف ، كيفَ إذا عَرفتَ أنَّ مَن حاجَّ الإسماعيلية بالوصيّة لموسى اختلفوا بعدَهُم في الكاظم (ع) أهُو المهدي الغائب المُنتظر ، أم أنَّه مات وانتقلَت الإمامة بعده إلى علي الرضا (ع) ، وهكذا سلسلة من التصدّعات الرهيبة التي توحي بل تُؤكّد أنّ النص قبل عصر الغيبة لَم يكن له وجود ، وأنّه ما تشكّل إلاّ على أيدي المُتأخرين . نعم! ثمّ انظُر إلى إجابة الصادق (ع) : أنَّ الدّرعَ قد استوى على الكاظم ! ، ولَم يقل لخادمِه والمُقرّب منه في دخلاته وخرجاته واجتماعاته، قال رسول الله (ص) الأئمة من بعدي اثنا عشر تسعة من ولد الحسين ، وتاسعهم قائمهم ! . وهذا آخر تعليق سأسوقه على النصوص الجعفرية التي نسوقها ، لأنَّ في الإكثار إملال ، ولأنّا قد استحينا مِن تكرار الكلام ، ولكنّ لعلّ وعسى ، أن يملأ هذا أعيُنَ مَن يرونَ القذى في العيون ، ولا يرونَ جذوعَ النخل فيها ، والله المستعان .

8- وعن صفوان الجمال قال : سألت أباعبدالله عن صاحب هذا الأمر ، قال: (( صاحبُ هذَا الأمْر ، لا يَلهُو ولا يَلعب!! )) ، وأقبلَ أبو الحسَن وهُو صغير ، ومعه بهمة عناق مكية، ويقول لها : اسجدي لربك ، فأخَذَه أبوعبدالله وضَمّه إليه ، وقال: (( بأبي أنت وأمي من لا يلهو ولا يلعب )) ([72]) .

مُلاحظة : كان بالودّ إكمال بقية جهالات أتباع الأئمة ، بأسماء وأعداد أئمتهم ، الكاظم فالرضا فالجواد ، إلى الغائب المهدي ، وفي هذا من الإطالة ما لايخفى ، ولذا نُحيلُ القارئ إلى مصادرِ الجعفرية الحديثيّة على رأسها بحار الأنوار ، فهو سِفرٌ جامع . وهُنا ننقلُ شيئاً من جهل الإمام الشهيد السعيد أمير المؤمنين وليثُ العرين زيد بن علي عليه وعلى آبائه السلام ، مما ترويه الجعفرية ، وتدلّ على جهله بالنّص وهُوَ مَن هُو روحي له الفداء .

[ روايات عن زيد بن علي (ع) ، في عدم معرفة النّص ]

9- يروي الإمامية أنّ الباقر (ع) عند الوفاة ، دَعَا بابنه الصادق ليعهَدَ إليه عَهْداً ، فقال له أخوه زيد بن علي (ع) : لَو امْتثلتَ فِي تِمثَالِ الحَسن والحُسين ، رَجوتُ أن لا تَكونَ أتَيتَ مُنكَراً !! ، فَقالَ لَه : (( يَا أبَا الحُسين إنَّ الأمَانَات لَيسَت بِالتّمثَال ولا العُهُود بالرّسوم ، وإنّمَا هِي أمُورٌ سَابِقَة عَن حُجَجِ الله عز وجل )) . ([73])

تعليق : انظر جهلَ حليف القرآن (ع) بالنّص على الإثني عشر ، وذلكَ عندما طلبَ من أخيه الباقر (ع) : أن يتَمَثّل بِتمثَال الحسَن والحسين ، يُريدُ أن يجعلَ الإمامة والعهدَ والوصيّة فيه لا في ابنه ، كما فعل الحسن مع الحسين وهُما أخوان ، على رأي الإمامية لا على رأي الزيدية طبعاً ، لأنّ الزيدية لا تؤمن بالوصية فيما بين الأئمة خصوصاً في وجود النّص ، لأنّ في وجوده استغناءٌ عن الوصية ، وفي هذا الطلبِ من زيد بن علي (ع) جهلٌ مُركّبٌ ظاهرٌ بمدى معرفته بالنص عن رسول الله (ص) وفيه دلالةٌ على أنّه لا نصّ موجود البتّة، نعم ! ثم انظُر عدَم إيمانَ حليف القرآن (ع) بحجيّة وعِصمَة أخيه الباقر عندما جوَّز عليه المُنكَر بقوله : ((رَجوتُ أن لا تَكونَ أتَيتَ مُنكَراً )) ، وفي هذا من الفساد ما لا يخفى على كلّ جعفريّ .

10- يروي محمد بن يعقوب الكليني عن عدة من أصحابنا عن أحمد ابن محمد بن عيسى عن علي بن الحكم عن أبان ، قال أخبرني الأحول ، أن زيد بن علي بن الحسين (ع) بَعَثَ إليهِ وهُوَ مُستخفٍ ، قال : فَأتيتُه ، فقالَ لِي : يَا أبَا جَعفر! مَا تقولُ إذا ( إن ) طَرَقَكَ طَارقٌ مِنَّا أتَخرُجُ مَعَه ؟ فَقلتُ لَه : إنْ كَانَ أبَاكَ أو أخَاكَ خَرجْتُ مَعَه ، فَقَالَ لي : فَأنَا أُريدُ أنْ أخرُجَ أجُاهدُ هَؤلاء القَوم ، فَأخرُج مَعِي ، قُلتُ : لا مَا أفْعَل ! جُعِلتُ فِدَاك. فَقالَ لِي : أتَرغَبُ بِنَفسِك عَني ؟ فَقلتُ لَه : إنّمَا هِيَ نَفسٌ واحِدَة ، فَإنْ كَانَ لله في الأرضِ حُجّةٌ فَالمُتَخَلِّفُ عَنكَ نَاجٍ والخارجُ مَعَكَ هَالِك ، وإنْ لَم يَكن لله حُجّةٌ في الأرض فَالمُتَخلِّفُ عَنكَ والخَارِجُ مَعَكَ سَواء ، فَقَالَ لي : يا أبَا جَعفر ! كُنتُ أجْلسُ مَعَ أبي عَلَى الخوان ، فُيلقِمُنِي البِضعَةَ السّمينَة ، ويُبَرِّدُ لِي اللُّقمَة الحارّة ، شَفقةً عَليَّ ، ولَمْ يُشفِقْ عَليَّ مِن حَرِّ النّار ؟! إذْ أخْبَرَكَ بالدِّينِ ولَم يُخبِرنِي بِه ؟! فَقُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك ، مِن شَفَقَتِهِ عَليكَ مِن حَرَّ النَارِ لَم يُخبِركْ ، خَافَ عَليكَ أنْ لا تَقبَلَهُ فَتدخُلَ النَّار ، وأخْبَرنِي أنَا ، فإنْ قَبِلتُ نَجوتُ ، وإنْ لَمْ أقبَل لَم يُبالِ إن أدْخُلِ النَّار ! ، ثمّ قُلتُ له : جُعلتُ فِدَاك أنْتُم أفْضلُ أمِ الأنْبياء ؟ قَالَ : بل الأنبياء ، قُلتُ : يَقولُ يَعقوبُ ليوسف (ع) { يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْياكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْداً } ، ثمَّ لَم يُخبِرهُم حَتّى كَانُوا لا يَكيدونَه ولَكِن كَتَمَهُم ذَلك ، فَكَذَا أبُوكَ ! كَتَمَكَ لأنّه خَافَ عَليكَ ، فقال : أمَا والله لَئن قُلتَ ذَلكَ ، لقَد حَدّثنِي صَاحِبُكَ بِالمدينَة : أني أُقتَلُ وأصْلَبُ بِالكُنَاسَة ، وأنَّ عِندَه صَحيفةً فَيهَا قَتلي وصَلبي . فَحَجَجْتُ فَحَدّثتُ أبَا عبد الله (ع) بِمَقالَة زَيدٍ وما قُلتُ لَه ، فَقَالَ لي ك (( أخَذتَهُ مِن بَينِ يَديِهِ ، ومِن خَلفِهِ ، وعَن يَمِينهِ وعَن شِمَالِه ، ومِن فَوقِ رَأسِه ومِن تَحتِ قَدَميه ، ولَم تَترُك لَه مَسلكاً يَسلُكُه )) ) [74] ، وعقّبَ الخوئي في معجمه عند ترجمته لزيد بن علي ، أنّ سند هذا الحديث قوي ! .

تعليق : انظر هذا الحديث كيفَ حمَلَ في طياتّه من الحقائق ما لا يَخفى على اللبيب ، انظُر الإمام زيد يطلبُ من مؤمن الطاق (الأحول ) أن يَخرُجَ مَعه ؟ ومؤمن الطاق يرفض ذلك بقوله : ((لا مَا أفْعَل ! جُعِلتُ فِدَاك )) ؟ فهَل جَهِلَ مؤمن الطاق على جلالة قدره عند الأئمة المعصومين ، وعند الشيعة الجعفرية ، أنَّ الإمام زيد إنّما خرجَ داعياً لأئمته المعصومين باسم الرّضا من آل محمد ، وليسَ لنفسه ؟ وأنَّ أئمته المعصومين راضينَ عن خروج زيد (ع) ؟ أم أنَّ مؤمن الطّاق في زمانه لم يَكن يعرفُ ما عَرفهُ الكليني والصدوق من أنَّ (( زيد لو ظفر لوفّى ))، أيضاً يدلُّكَ رفضُ مؤمن الطّاق الخروج مع زيد ، أنَّ زيد بن علي (ع) فعلاً كان يَدعو لنفسه بالإمامة دون أخيه وابن أخيه ، وهُو قولُ الزيّدية ، والثابتُ عن زيد بن علي!! ، ويدلّ على ذلك تعقيبُ الأحول بأنْ ليسَ معك حُجّة والخارج معك والقاعد عنك سواء، وهُو تلميحٌ وتصريحٌ بعدم وجود الإذن معَ زيد من الصادق (ع) بالخروج ، وإن قيل : قد يكونُ الأحولُ حينها لا يعرفُ بإذن إمام الزمان له بالخروج والدعوة لهم باسم الرضا من آل محمد ؟ ، نقول : يدلّ تشجيعُ الصادق (ع) للأحول عندما أخبرَهُ بخبرِه مع زيد ، أنّ الصادق كان مسروراً بفعل مؤمن الطاق الأحول ، وبهذا يستقيمُ ما قُلناه آنفاً ، أيضاً انظُر اعتراف زيد بجهله بالحجّة عليه في زمانه ، وأنّ أباهُ لَم يُخبرهُ بذلكَ معَ حرصِه عليه ، وانظر حليفُ القرآن ، وخرّيج بيت زين العابدين والباقر ، يجهلُ من كتابِ الله ، ما يعلمهُ مؤمن الطاق !! ، بل انظُر تعليل مؤمن الطّاق ، لعدم تعليم زين العابدين ابنه زيد مَن هُم الحُجَج ، بأن خافَ عليه ألاّ يقبلَ هذا ؟! ، ولا أرى شناعةً في القول بعد قول شيطان الطّاق هذا ، حتّى أنّ السيد الخوئي في معجمه استنكرَ هذا المقال فقال عنها ، : ((بيان ذلك : أن الأحول كانَ مِن الفضلاء المُبرزين ، وكانَ عَارِفَا بِمَقَامِ الإمامة ومَزاياها ، فَكيفَ يُمكِنُ أنْ يَنسِبَ إلى السَّجاد (ع) أنّه لَم يُخبِر زَيداً بالإمامِ بَعدَه شَفَقةً مِنهُ عليه ، وهَل يَجوزُ إخفاُء الإمَامة مَن جِهَة الشَّفَقَة النّسبية ، عَلى أنَّ زَيداً والعياذُ بالله لو كان بحيثُ لَو أخْبرَه السّجاد (ع) بالإمامِ بَعدَهُ لَم يَقْبَله ، فَهُوَ كَانَ مِنَ المُعانِدِين! ، فَكَيفَ يُمكِنُ أنْ يَكُونَ مَعَ ذَلِكَ مَورداً لِشَفَقَةِ الإمام (ع) )) ، أقول : سيدي الخوئي يبدو أنّ كلام الأحول صحيح! حيثُ أنّ الأئمة المعصومين لَم يُخبروا أبناءهم بإمامة إخوتهِم ؟ لَن أقولَ بالنص الظاهر المشهور المسَلسَل الذي لا يصحّ أن يجهله عَوامّ الشيعة فضلاً عن أبناء الأئمة!! ، ولكن أقول بالوصيّة كما تعوّدت عليه الإمامية حينها ، ووجه الصّحة في قولِ الأحول ، أنّ زيداً لَم يكن يعلمُ إمامة أخيه الباقر وابن أخيه الصادق ، وعبدالله الأفطح وعلي العريضي ومحمد بن جعفر لَم يكونوا يعرفون إمامَة أخيهم الكاظم ، وكذلك إبراهيم الجزار لم يكن يعرف إمامة أخيه علي الرّضا !! ، أمّا عن كيفية أن يكونَ زيدٌ من المُعاندين المُنكرين للإمامة الرّبانية النّصية في أهلها ، وفي نفس الوقت يكون مَورِداً لشفقة الإمام (ع) ، فكذلكَ رويتَ أيها السيّد في مُعجَمك أنّ جعفر الصادق (ع) كان يبكي شفقةً على الإمام النفس الزكية محمد بن عبدالله (ع) ، معَ أنّه مِنَ المُعاندين ، المُنكرين ، لإمامة الصادق الإمامة الرّبانيّة ، بل مِنَ المُدّعين للإمامة في ذلك الزّمان ، وذلكَ بإثباتكَ وجزمكَ عليه[75] ، والله المستعان . نعم ! نعودُ للحديث المرويّ عن الأحول ، فنقول: انّه يَدلّ على عدم وجودِ نصٍّ على الأئمة الإثني عشر ، بل أنَّ محور القضية تدور حول الوصيّة .

وبهذا القدر نكتفي في الكلام عن حديث الإثني عشر خليفة ، وتكونُ خلاصته ، معرفة أقصى ما يتحمّلهُ من طريق أهل السنة ، وعدم صحّة ثبوته عن الجعفرية من خلال إثباتِ عدمِ اشتهاره ، وتطبيقه ، في أوقات أئمتهم (ع) ، وأنّه ما تبلورَ كنصّ اثني عشريٍّ مُتسلسل إلى في عصر ما بعد الغيبَة ، وبهذا يبطلُ الاحتجاج به كدليلٍ على صحّة الغيبة للإمام المهدي (ع) .

[ عودٌ للكلام على احتجاجات الإمامية لإثبات الغيبة ]

3- قالت الإمامية : قال رسول الله (ص) : (( مَن ماتَ ولَم يعرف ، إمام زمانه ماتَ ميتةً جاهليّة )) ، وفي هذا دلالة على أنّه يجب أن يكون في كلّ عصرٍ إمام ، وفي هذا ما يُعضّدُ قولَنا في غيبة المهدي محمد بن الحسن العسكري (ع) .


قالَت الزيدية : إنَّ هذا الحديث من أشهر ما يتمسّك به أهل الغيبة من الجعفريّة في دَعواهُم ، والحقّ أنّ رأي أئمة أهل البيت (ع) ، يُخالفُ ما فَهِمَهُ الإماميّة من هذا الحديث ، عندما استدّلوا به على الغيبة ، لانَّ أهل البيت يقولون بأنّ الإمام الذي يجبُ مَعرفته ، إمامٌ حيٌّ ، ظاهرٌ وليسَ غائب !! ، انظر قولَ أئمة الجعفريّة أنفسهُم (ع) :

1- قال الإمام الصادق (ع) : (( مَن مَاتَ وَلَيسَ عَليهِ إمِامٌ حَيٌّ ظَاهِرٌ! مَاتَ مِيتَةً جَاهِليّة ، قِيلَ : إمِامٌ حَي ؟ قَال : إمِامٌ حَيٌّ ، إمِامٌ حَيّ )) ([76]) .

تعليق : تأمّل لفظةَ ( ظَاهر ) ، وهل الظهورُ إلاّ عكس الغياب والخفاء ، يا معشر الجعفريّة !! ، أيضاً كلامُ الصّادق هُنا يتوافقُ معَ رأي الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) والذي سنذكرهُ عند الكلام على رأي الزيدية في هذا الحديث . نعم! فلا دليلَ على أنَّ إمامَ زماننا يجبُ أن يكونَ هُو ابن الحسن العسكري ، لانتفاء النّص الدّال على إمامته كما تقرّرَ سابقاً ، ولا دليلَ أيضاً على أنهُ إمامُ زماننا لأنهُ غائبٌ مُختفٍ غيرُ ظاهر .

2- عن يعقوب السراج قال : قُلتُ لأبي عبدالله : تَخلُوا الأرضُ مِن عَالِمٍ مِنكُم حَيٍّ ظَاهِر! تَفزَعُ إليهِ النَّاس فِي حَلالِهِم وحَرَامِهِم ؟ فَقَال : (( لا ، إذاً لا يُعبَدُ الله يَا أبا يوسف )) ([77]) .

تعليق : وهُنا تصريحٌ بأنَّ إمام كلّ زّمان لا بُدَّ أن يكونَ حيٌّ ظاهر ، يفزعُ إليه النّاس في حلالِهِم وحرامِهِم ، فيما اشتبهَ والتبسَ عليهم من الدّين ، ثمّ يقول الإمام جعفر روحي له الفداء ، إذاً لا يُعبدُ الله ، بغيرِ هذا الإمام الظاهر ، والسؤالِ للجعفرية ، هل تستطيعون أن تفزعوا إلى إمامِ زمانِكُم ، فتخبروهُ بأمورِ دينكم ، وما التبسَ عَليكُم فيه، يفزعُ إليه النّاس في الحلال والحرام ؟ يفزعُ إليه النّاس في التخلّص من الظلم والطُغاة وكيفية التعامل مع الجورِ والجائرين ؟ ، فإن قلتم : لا نستطيع– ولن تقولوا إلاّ هذا - ، فأعيدوا التدبّر في رواية الصادق السابقة، وابحثوا عن الإمام الظاهر كيلا تموتوا ميتة أهل الجاهلية ، والعياذُ بالله .

3- وعن الصادق (ع) أنّه قال : (( إنَّ الله لا يَدعُ الأرضَ إلاَّ وفِيهَا عَالِمٌ يَعلَمُ الزّيادَة والنّقصَان ، فَإذِا زَادَ المؤمنونَ شَيئاً رَدَّهُم ، وإذَا نَقّصُوا أكْمَلَهُ لَهُم ، فقالَ : خُذُوهُ كَامِلاً، ولَولا ذَلِكَ لالتَبَسَ عَلى المؤمنينَ أمْرُهُم ، ولَمْ يُفَرَّقْ بَينَ الحقِّ والبَاطِل )) ([78]) .

تعليق : تأمّل قول الصادق (ع) ، أنّ الله لا يدعُ الأرض إلاّ وفيها عالِم ، يردّ ما زادهُ المُسلمون وليس مِنَ الشّرع ، ويُكملُ ما قصّروا فيه بتعليمهم وإرشادِهِم ، وأنّهُ لولا ذلكَ الفعلُ من الإمام لالتبسَ على المؤمنينَ أمرُ دينهم ، ولَخُلِطَ الحقّ بالباطل . فهَل توفّرَت في إمامكم هذه الصّفات معشر الجعفرية ، هَلْ عَلمتم إمام زمانكم الغائب! قامَ مُختطباً يوم جُمعةٍ يحثّكم فيها على الصلاح ؟ هل عَلمتم إمام زمانكم الغائب! يجلسُ بعد إمامتهِ لكم في الصلاة للتدريس والتفهيم وإرجاع الفروعٍ للأصول ، وردّ العقائد الباطلة ، والإفتاء ، والفصل بين المُتخاصِمين ، وتبيين الأحكام في الحلال والحرام ؟ هَل عَلمتُم إمامَ زمانكم يتقدّمكم عند لقاء أعداء الله والرّسول ، يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، يُقيمُ الحدود ، ويجمعُ الزكوات ؟ فإن قُلتم ، لا نعلمُ ذلك – ولن تقولوا إلاّ ذلك - ، فأقول ابحثوا عن الإمام الظاهر المُستحقّ لهذا الأمر من آل رسول الله (ص) ، المُقتدي بالرسول وأمير المؤمنين والحسنين وأفاضل سادات أهل البيت (ع) ، وساندوهُ وكونوا أعواناً له ، تنجوا من ميتة الجاهلية .

4- وعن عمر بن يزيد عن أبي الحسن الأول قال : (( مَن مَاتَ بِغيرِ إمامٍ مَاتَ مِيتةً جَاهلية ، إمِامٌ حيٌّ يُعرَف! ، فَقلتُ : لَم أسِمَع أبَاك يَذكُرُ هَذا ، يَعنِي إمِامَاً حَيّاً ، فَقال : قَدْ والله قَالَ ذَلك رَسُولُ الله (ص) : مَن مَاتَ وَلَيسَ لَه إمِامٌ يَسمَعُ لَه ويُطِيع! مَاتَ مِيتَةً جَاهلية )) ([79]) .

تعليق : تأمّل لفظة : ( يسمعُ لهُ ويُطيع ) ، فإن كانَ غائباً فكيفَ أسمعُ لهُ وأطيعُ ؟ لو أمَرَ رجلٌ طِفلاً أن يَسمعَ كلامَ والديه ، ويتعلَّمَ منهُما حميدَ الأخلاق ، ووالداهُ عنه مُسافرانِ إلى بلدٍ بعيد ، ومعَ ذلكَ فهُم يُراقبان ولدَهما ، ويُحصيانِ تَحرّكاته وسكناته، عن طريق تقنياتٍ ووسائلَ حديثة ، بحيثُ يرونَهُ ولا يَرَاهُم ، فَكَبُرَ الطّفلُ وبَلغَ أشدّه ، ونَشأً على المعَاصِي والفَسَاد الأخلاقِي ، فأتاهُ نفسُ الرّجُلِ بعدَ عَشراتِ السنين ! وسألَه : ماذا تعلَّمتَ من والِدَيك في هذه الفترة يا بني ؟ فردَّ عليه الصبي ، قائلاً : لَم أرَهُما حتّى أتعلّم مِنهُما ؟ فعاودَ الرّجل السؤال قائلاً : ولماذا تَخلَّقتَ بهذه الأخلاق المُشينة ، وارتكبتَ من المعاصي ما يُغضبُ الله ؟ فأجابَهُ الصبي : هذه البيئةُ التي نشأتُ فيها ، أدارَتنِي حَيثُ دَارَت ، تَركَنِي والديّ ، ولَم يُقومَا بِحَقّ الله عَليَّ ، مِن التَعليم و حُسنِ التأديب ! فقالَ الرّجل : فكيفَ يا بنيّ ، لَو عَلِمتَ أنَّ والديكَ كانا يُراقبانك ويَرونَك من حيثُ لا تَراهُم ، وأنتَ تنشأ عَلى الفساد ، وترتَكِبُ المُحرّمات ، وتَنخَرِطُ فِيمَا عَاقِبَتُه عِندَ الله نيرانُ الجحِيم . فيتكلّم الصبي قائلاً : ما أقبحَ ما فعلَ والديّ معي ، يَرَونِي أهلَكُ ، وأغرقُ في لجاج المعاصي ومتغطمط الضلالات ولا يَمدّوا لي يدَ العون ، أو يُرشِدِون . وهذا حالُ أهل الغيبة من الجعفرية ، الصبيّ هُم الأتباع ، والوالدان هُم الإمام ، والرّجل هُو الكتاب والعقل والسّنة . والله المُستعان .

فإن قيلَ : فما رأي الزيدية في هذا الحديث ؟

قُلنا : سيأتي الكلامُ عليه قريباً ، فيما يُثارُ على الزيدية من أراجيف حول الغيبة
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

[ أراجيف حول المهدي (ع) والغيبة عند الزيدية ]


4- قالت الإمامية :


قال الإمام علي بن أبي طالب (ع) في نهج البلاغة :

(( اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً ، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ ))[80] .

* ألا يدلّ قول أمير المؤمنين (ع) : (( خَائِفاً مَغْمُوراً )) ، على الغيبة للإمام المهدي ؟

قالت الزيدية :

أمّا عن قول الإمام علي (ع) : ((اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً، وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً ، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ )) ، فإنَّ الظاهر المشهور ، هُو الإمامُ القائمُ من آل محمدٍ (ع) ، المحيي لسنن رب العباد ، والشاهر لعقيدة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، مَن ساعدتهُ وسَمحَت له الظروف باجتماع الأنصار، وقوبلَت دعوتهُ العادلةُ بالقبولِ والإيجاب ، واختُطِبَ لهُ على المنابرِ ، وجُمِعَت له الأفياء والزكوات ، والتزمَ بالانتصاف للمظلومِ من الظّالم ، وبتطبيق حدود الله على الشريف والوضيع ، وبإقامة الجُمَع والجماعات ، وبإرساء الأمن والعدل في سائر العباد ، ومَثلُ هذا عند الزيدية، مَثَلُ الإمام علي بن أبي طالب حالَ التمكّن ، والحسن بن علي (ع) حال التمكّن ، والإمام الحسين (ع) ، والإمام زيد وابنه يحيى (ع) ، والنفس الزكية محمد بن عبدالله وإخوته الكرام البررة عليه وعليهم سلام الله ، وغيرهم من نجوم الآل وأئمتهم ، التي زبرَت مواقفَهُم الدّعوية أمهات الكُتب ، على اختلاف ما تيسّر لهم من صلاحياتٍ في الظهورِ والاستحكام ، إذ لا مُقارنةَ بينَ ظهورِ واستحكامِ الهادي على الحق والحسين الفخي ، ولكنّا نقولُ أنَّ النيّة معقودة ، وأنّ دَعواتهم إلى أمة محمد ناطِقَةٌ بهذا ، فهذا وغيرهُ ما يقصدُ به الإمام أمير المؤمنين كرّم الله وجهه، عندما قال : ((لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ، إِمَّا ظَاهِراً مَشْهُوراً،)) ، ألا ترى أنَّ الإمام ربطَ الظهورَ والغمور معاً بالحجيّة ، والحجيّة من الإمام على العباد لن تكونَ إلاَّ بالظهور قدرَ الإمكان ، لا بالغيبةِ والاستتار والاكتتام ، والبُعد عن الضعفاء والمظلومينَ والمساكين ، وسيأتي الكلام على الحجّة المغمور وما معناه عند أهل البيت (ع) ، نعم ! فإنَّ الحجّة على العباد من الإمام لا تكون حُجّةً إلاَّ إذا بذلَ الإمام وُسعهُ وطاقتهُ في إعلاء كلمة الله وتطبيق أحكامه وشريعته ،قال الإمام القاسم الرسي (ع) : (( وإنما صِفَةُ الإمام، الحَسَنُ في مَذهَبِه، الزَّاهِدُ فِي الدّنيا، العَالِم فِي نَفسِه، بِالمؤمنِينَ رَؤوفٌ رَحِيك ، يَأخذُ عَلى يَدِ الظَّالِم، وَينصُرُ المَظلوم ، وَيُفَرِّجُ عَن الضّعِيف، وَيَكُونُ لِليَتِيم كَالأبِ الرّحِيم، ولَلأرمَلَة كَالزّوج العَطُوف، يُعَادِي القَريب فِي ذَاتِ الله، ويُوالي البَعيد فِي ذَاتِ الله، لا يَبخَلُ بِشَيء مِمَّا عِندَه مِمَّا تَحتَاجُ إليهِ الأمّة، مَنَ أتَاهُ مِن مُسْتَرشِدٍ أرْشَدَه ، ومَن أتَاهُ مٌتَعَلّمِاً عَلَّمَه ، يَدعُو النَّاسَ مُجتَهِداً إلى طَاعَةِ الله، ويُبَصِّرَهُم عُيوبُ مَا فِيهِ غَيهم، ويُرَغِّبَهُم فِيمَا عِندَ الله، لا يَحتَجِبُ عَن مَن طَلَبَه، فَهُو مِن نَفسِه فِي تَعَبٍ مِن شِدَّة الاجتهَاد ، وَ النَّاسُ مِنهُ فِي أَدَبٍ، فَمَثلُه كَمَثَلِ المَاءِ الذي هُوَ حَياةُ كُلِّ شَيء، حَيَاتُهُ تَمضِي، وَعِلمُه يَبقَى، يُصَدِّقُ فِعْلُه قَولَه، يَغرِفُ مِنهُ الخاصُّ والعَام، لا يُنكِرُ فَضلَهُ مَن خَالَفَه، ولا يَجحَدُ عِلمَه مَن خَالَطَه، كِتابُ الله شَاهِدٌ لَه ومُصَدِّقٌ لَه، وفِعلُه مٌصَدِّقٌ لِدَعْواه ))[81] . وقالَ حفيده الإمام الهادي إلى الحق (ع) : (( يجبُ لله على الإمام، أنْ يقومَ بأمرِهِ ، ويأمُرَ بِه ، ويَنهى عَن نَهيه ، ويُقيمَ حُدودَه على كُلِّ مَن وَجبَت عليه مِن شريفٍ أو دَنِي ، قريبِ الرّحمِ أو بَعِيدِها ))[82] . وقال الإمام علي بن موسى الرضا (ع) قريباً من قول القاسم الرسي ، فيما رواه عنه مُحدّث الإمامية محمد بن يعقوب الكليني : (( إن الإمامَ زِمَامُ الدّين ، ونِظَامُ المُسلِمِين ، وصَلاحُ الدّنيا ، وعِزُّ المؤمِنين ، إنَّ الإمَامَة أسُّ الإسلامِ النّامِي ، وفَرعُه السّامِي ، وبِالإمامِ تَوفِيرُ الفَيء والصَّدَقَات ، وإمْضَاءُ الحُدودِ والأحْكَام ، ومَنعُ الثّغُورِ والأطرَاف ، الإمِامُ يُحِلُّ حَلالَ الله ، ويُحَرِّمُ حَرامَ الله ، ويُقِيمُ حُدودَ الله ، ويَذُبُّ عَن دِينِ الله ، ويَدعُو إلى سَبيلِ رَبّهِ بِالحِكمَة والمَوعِظَة الحَسَنَة ، والحُجّةُ البَالِغَة ، وهُوَ الأمَينُ الرّفِيق ، والوَالِدُ الرّقِيق ، والأخُ الشّفِيق ، ومَفزَعُ العِبَاد ، أمِينُ الله في أرْضِه ، وحُجّتهُ عَلى عبَادِه ، وخَليفَتُهُ فِي بِلادِه ، الدّاعِي إلى الله ، والذّابُّ عَن حُرَمِ الله ، عِزُّ المُسلِمِين ، وغَيظُ المُنافِقين ، وبَوارُ الكَافِرين ))[83] . وقال الإمام جعفر الصادق (ع) ، فيما روتهُ عنه الإمامية ، في مشارق اليقين : (( إنَّ الله - عز وجل - أعْظَمُ مِن أنْ يَترُكَ الأرضَ بِغيرِ إمامٍ عَادل ، إن زادَ المؤمنونَ شيئاً ردّهُم ، وإنْ نَقَصُوا شَيئاً أتَمَّهُم ، وهُوَ حُجّةُ الله على عِبَادِه )) ، فهذا كَمَا تَرى إجمَاعٌ لَيسَ مِنَ الزيدية والإمامية فحسب بل من سوادِ الأمة ، على الصفات الواجب توفّرها في الإمام وإن لَم نذكر أقوالها وهيَ موجودةٌ في مظانّها ، فإن أرادَ الإماميةُ أنّ الحجّج الظاهرة المشهور بهذه الصّفات ، هُم أئمتهم الأحد عشر ، فهذا خيالٌ غابٍ ، لأنَّ أئمتهم (ع) لم يتحلّوا بهذه الصّفات حتّى يخرطوهم في سلك الظاهر المشهور ، فلا زين العابدين جُبيَت إليه أموال الشام واليمن ، ولا محمدٌ الباقر أرسلَ الدّعاةَ إلى مصرَ والبحرين ، ولا جعفرٌ الصادق قَبِلَ بيعاتِ مُسودّة أهل خُراسان ، ولا موسى الكاظم عَمِلَ بأسمى مراتب الأمر والمعروف والنهي عن المنكر باليدِ والسيف ، بلْ كيفَ يسوغُ للإمامي جَعلَهُم من الحجج الظاهرة ، وأقربُ المُقربين إليهم ، لا يعلمونَ شيئاً عن حُجّيَتِهِم ، أمسِك ، أبناءهم: كمحمد وعلي ابني جعفر الصادق ، وإبراهيم بن موسى الكاظم . أبناء عمومتهم : عبدالله الكامل وأبناءه النفس الزكية فَمن دونه ، والحسين المثلث وأبناءه ، وزيد بن علي وأبناءه ، بل حتّى ربيب الصادق وتلميذه وخرّيجه الحسين ذو الدمعة خرجَ مع عدوّه اللدود!! محمد بن عبدالله النفس الزكية وأخيه إبراهيم! وهذا كله على رأي الإمامية ، تلامذتهم والرواة عنهم : أبو حنيفة النعمان وسفيان الثوري ، وسفيان بن عيينة ، وشعبة بن الحجاج ، ومالك بن أنس . شيعتهم المقربون : زرارة بن أعين ، فهل يحقّ لعاقلٍ بعدَ هذا أن يقول : أنّ أمير المؤمنين (ع) عنى بالحجج الظاهرة المشهورة الأئمة الأحدَ عشر ؟! ، أمَّ أنّه سيقول بما قالت به الزيدية من أنَّ الحجج الظاهرة المشهورة هُم أئمة الآل المُظهرين لحميدِ الأفعال والأحكام ، قدرَ الإمكان ، مع فِعلِ الأسباب ؟!

إذا تقرّر هذا ، فإنَّ الكلامَ على قوله (ع) : ((وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً ، لِئَلاَّ تَبْطُلَ حُجَجُ اللهِ وَبَيِّنَاتُهُ )) ، يدورُ حولَ معنى المغمور ، فالشريف الرضي رحمه الله يقول أي : (( غَمَرَهُ الظلمُ حَتَّى غَطّاه فَهُو لا يَظهَر )) . وصاحب لسان العرب يقول : (( والـمَغْمُورُ من الرّجال: الذي لَـيسَ بِمَشهُور )) ، وفي القاموس المحيط : ((والمَغْمورُ: الخامِلُ )) ونحنُ نقول : هُو عكسُ الظاهر المشهور من أئمة أهل البيت (ع) ، فلا دعوةٌ لهُ أُجيبَت ، ولا أنصارٌ التفّوا حولَه ، ولا حَاكِمٌ جَائرٌ خفّفَ الوطأةَ عليه ، ولا إمكانيةٌ لرفعِ الجورِ والحيفِ باليدِ إنْ لَم يكنِ اللسان! ، ومعَ ذلكَ فهوَ يفعلُ الأسبابَ تلو الأسباب ، للتمكّن من التغيير والتبديل والتعديل لما يراهُ من أمورٍ مُخالفةٍ لمنهج الربِّ جلا وعلا ، ومنهج رسوله الكريم (ص) ، وهذا حالُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرّمَ الله وجهه في عهد الثلاثة ، وحالُ الحسنِ بعد صلحه لمعاوية الطليق ، وحالُ الحسين قبلَ خروجهِ على رأس الطُغاةِ يزيد ، وحالُ القاسم بن إبراهيم مع ولاةِ بني العبّاس بعدَ أن شدّدُوا عليه في الطلب ، ونكثَ بيعتهُ أهل مِصر ، وهُو حالُ إمامُ الزيدية في هذا الزمان ، والله المستعان ، وعلى هذا ينطبقُ تفسيرُ الشريف الرضي وأهل اللغة لمعنى المغمور .

وأمّا الشيعة الإمامية ، فإن كانَ ولابدّ من أن يقولوا بإمامة أئمتهم ، الأئمة الربانيّة النصيّة ، فلا حظَّ لهم من هذا النّصّ سوى جَعْلِهِم أئمتَهُم الأحدَ عشر من الحجج الخائفةِ المغمورة ، لأنَّ تفسيرهُ بالمهدي العسكري الغائب لا يجوز ، لأنَّ الإمام علي كرّم الله وجهه ، صرّح بحجيّة المغمور ، والحجّة لابدّ أن تكون حاضرةً غيرَ غائبَة ، إذ كيفَ يكونُ الغائبُ المُنتظرُ حجةً عليّ في هذا العام ( 1427هـ) بل وعلى عزالدين بن الحسن (ع) (ت 941هـ ) ، بل وعلى الهادي يحيى بن الحسين (ت 298هـ )!! ، ولَم يبلغُهُم وهُم قريبوا العهدِ به منّي استبسَالهُ في ردِّ الظلمُ والحيفِ والجورِ عن أمة محمد بن عبدالله (ص) ، بِل لَم يشمّوا له رائحةً تُذكَرُ إلاّ في خيالات السفراء الأربعة الإمامية ، دونَ غيرهم والله المُستعان ، نعم ! فالخائفُ المغمور من أئمة الزيدية حجّةٌ لله على الأرض عَلِمَهُ مَن عَلِم ، وجَهِلَهُ مَن جَهِل كما قال زيد بن علي (ع) لأهل الكوفة : (( ويحَكُم ! أمَا عَلِمتُم أنَُّه لَيسَ مِن قَرن تَمشُوا إلاَّ بَعثَ الله عز وجل مِنَّا رَجُلاً ، أو خَرَجَ مِنا رجُلٌ حُجةٌ عَلى ذلك القرن، عَلِمَهُ مَن عَلِم وجَهِلَه مَن جَهِل )) ، وكما قاله أمير المؤمنين (ع) في مقالته السابقة من النهج ، وليسَ للإمامية أن يقولوا والمهدي حجّةٌ لله على الأرض عَلِمهُ مَن عَلِم ، وجَهلهُ مَن جهِل، لأنّ الغائبَ حُكمهُ حُكمُ العَدَم ، والعَدَمُ لا يصنعُ شيئاً ، ألا ترى كتاب الله تعالى لو كانَ مُجوَّفاً خالياً من الحروف والسُّور ، كأن يكون بياضاً بين دفّتين ، وكانَ معَ ذلكَ مُتداولاً بين أيدي النّاس ، أكانَ عَالمٌ أو جَاهِلٌ سينتفعُ به ؟! ، وكذا المهديُّ الإماميّ الغائب المُنتظر فإنّه وإن كانَ حيّاً في مخيلَة الإماميّة ، فإنّه بتخليّه عن أمّة جده التي هُو حُجّةُ الله عليهم ، يُعدّ من العبث الذي نُنَزّهُ عنه أئمة الهدى أولي النُهى والحجا، ولا ينتفعُ به لا القريبُ ولا البعيد . وفي المُقابل نقولُ أنَّ الحاضرُ المغمور من أئمة أهل البيت الزيدية وإن لَم تقرع دَعوَتهُ مَسَامعَ أهلِ الأمْصَار ، فإنَّ أفعالهِ ستُنبئُ عَن حُجيّته ، وستسعى إلى الانتشار بدءاً بالقريب فالبعيد فالأبعد ، قال الإمام النصور بالله عبدالله بن حمزة (ع) : (( ولا فَرضٌ عَلى القَائمِ أنْ يَقهَرَ الخلقَ، وأنْ يَملِكَ الأرضَ، وإنّمَا فَرضُهُ إبلاءُ العُذرِ فِي إعزَاز دِينِ اللَّه، والجهادِ فِي سبيلِ اللَّه، قَال اللَّه تعالى: ﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ وُسْعَهَا﴾، و﴿لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلاَّ مَا آتَاهَا﴾ ، فَقَد يُعبَدُ اللَّه تعالى بِبَذلِ الجُهدِ واستفرَاغِ الوُسْع فِي إعْزَازِ دِينِ اللَّه ، وصَلاحِ أمُورِ المُسلمين )) ، وعلى النّاظر النّظر وتحكيمُ العقلِ لا الهوى ، في هذه الدّعوة الجامعة ، فإن أجاب فالحظ له ، وإن عابَ فالثبور له ، وأمّا المعدوم الغائب فلا انتشارَ لدعوتهِ ، ولا سعيٌّ منه إلى ذلك ، ولن يكونَ إمَاماً حقّاً ، إلاّ وله أفعالٌ واجتهاداتٌ وطموحاتٌ تميّزهُ عن غيرهِ من العُلماء والصّالحين ، وهذا ما لَم يتوفَّر في مهديِّ الإمامية ، مع اختلافهم في تعليل غيبته واكتتامه ، كما سبقَ وأشرنا ، فقائلٌ بسبب الخوف ولا ندري مَتى سيزولُ هذا الخَوف ، خصوصاً وأنَّ شيعته ليسوا بالقلّة في هذا الزّمان ، لا بالمال ولا بالعتاد ولا بالأنفس ، ولا بالصّراخ والهُتافِ باسمه في كل مُناسبَةٍ ومَحفَل ، وقائلٌ وقائل ... والله المستعان . فهذا ما اقتضته أدلة العقول دونَ النّقول ، لأنّ العقولَ حُجَجٌ على النقول ، وهذا التأويل للمغمورِ مِن مزالقِ أهل النقول ، وصدقَ القائلُ : أنَّ اعتمادَ الإمامية في دينها على المنقول ، واعتمادُ الزيدية في دينها على المعقول .

ورأينا هُنا أنَّ المقامَ جديرٌ بالتكلم على الحديث ، الذي قال فيه (ص) : (( مَِن مَاتَ ولَم يَعرِف إمَامَ زَمَانِه مَات مِيتَةً جَاهَِليّة )) ، ونُتمَّ ما قد وَعدنا به سابقاً ، فنقول :

قال الإمام الهادي إلى الحق (ع) في تفسيرِ الحديث :

(( إذا كانَ في عَصرِ هذا الإنسان ، إمامٌ قائمٌ زكيٌّ نَقيٌّ ، فَلم يَعرفهُِ ولَم يَنصرهُ ، وتَرَكَهُ وخَذلَهُ وماتَ على ذلك ، ماتَ ميتةً جاهلية ، فإذا لَم يَكُن إمامٌ ظاهِرٌ مَعروفٌ باسمه ، مَفهومٌ بقيامه ، فالإمام الرّسول ، والقرآن ، وأمير المؤمنين (ع) ، ومِمَّن على سيرته وفي صِفَتِه مِن وَلَدِه ، فَتَجِبُ مَعرِفَةُ مَا ذَكَرنا على جميعِ الأنام ، إذا لَم يُعلَم في ذلكَ العصر إمام ، ويجبُ عليهِم أنْ يَعلمُوا أنَّ هذا الأمر في ولَدِ الرَّسول (ص) خاصّاً دُونَ غيرِهم ، وأنّهُ لا يَعدمُ في كُلِّ عَصرٍ حُجّةٌ لله يَظهرُ منهُم ، إمامٌ يأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، فإذا عَلِمَ كُلَّ ما ذَكرنا ، وكانَ الأمرُ عندَهُ كمَا شَرحنا ، ثمّ ماتَ فقد نجا من الميتة الجاهليّة ، وماتَ على الميتةِ المِليّة ، ومَن جَهِلَ ذلكَ ولَم يَقُل به ، ولَم يَعتَقِده ، فَقد خرجَ من الميتة المليّة ، وماتَ على الميتة الجاهلية ، هذا تفسيرُ الحديثِ ومعناه ))[84] انتهى بحروفه .

والإمام الهادي (ع) ، يُشيرُ في أوّلِ كلامه إلى الحُجّة الظاهر المشهور، المعروف باسمهِ ورَسمه ، الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ، فإنَّ مَن بَلغتهُ دَعوتهُ ولم يُجبهُ ويُبايعهُ حُقّ عليه حديث الرسول (ص) من الميتة الجاهلية .

ثمَّ يُشيرُ (ع) إلى الحُجّة الخائف المغمور ، الغير مشهورٍ ولا معروفٍ باسمه ، ولَم تصِل دَعوتهُ إلى الأمصار والبلدان ، وأنَّ على الشيعة في هذا الحال ، أن يُؤمنوا بأنّ هذا الأمر – الإمامة – في أهل البيت (ع) دونَ غيرهِم ، وأنّه لا بُدَّ من شخصٍ منهم يحملُ صفاتَ الزّعامَة في زمان الفترة ، وقال العامة أحمد بن يحيى حابس رحمه الله : (( وسَبَبُ الفَترَة قَهرُ الظَّلَمَة ))[85] ، وأنّه لولا الخوف المُسلّطُ عليهِم ، ما توانوا عن الخروج ، والتحول من طورِ الغمور إلى الظهور ، وعليهِم أن يملأوا أنْفُسَهُم إيماناً بِنُصرَةِ هَذَا الإمامِ المَغمُورِ إنْ كانوا يعرفونه باسمه ، كما نعرفُ إمامَنا اليوم على عدم ظهوره واشتهاره ، وإن كانوا لا يعرفونَ أحداً باسمهِ فالقولُ ما تقدَّمَ عن الإمام الهادي (ع) معَ الاعتقاد الجازم بالنُصرَة لِمن قامَ بهذا الأمر منهم ، بالمال ، والنفس ، والولد .

ثم يشيرُ (ع) بعد هذا ، إلى الإئتمام بالقرآن والرسول وأمير المؤمنين والأئمة من ولده السابقين ، إذ أنَّ الخائف المغمور ، الغيرُ معروفٍ بالاسم للبعض ، والمعروفِ للبعض ممّن يعيش قريباً منه ، لنْ يُخالفَ حَتماً كتاب الله ولا سنة جدّه محمد (ص) ، ولا دَعوة أبيه علي (ع) ، ولا دين آبائه من الأئمة الكرام البررة ، وحديثُ الثقلين على كلامنا ضامن . وبهذا يموت العبدُ ميتة أهل الإسلام ، ويكونُ كلّ هؤلاء له ذخرٌ ووسيلةٌ عندَ الملك الدّيان ، فَمَن أحبَّ قوماً حُشِرَ مَعَهُم . اللّهم أمتنا ميتة أهل السلام ، وانفعنا بولاية محمد وآل محمد ، واجعلنا من أنصارهم وأعوانهم ، لا مِن خاذليهم وأعداءهم ، آمين اللهم آمين .

ثمَّ علّق الإمام يحيى بن الحسين الحسني الهاروني (ع) على تفسير الإمام الهادي السابق للحديث ، فقال : (( وهذاَ هُوَ الصّحيح ، دُونَ مَا ظَنُّ بعضُ النّاس ، مِن أنْ يَدُلَّ على أنّهُ لا بُدَّ في كُلِّ زَمانٍ مِن إمامٍ تَلتَزِمُ مَعرِفتُه ، لأنَّ هذا في نهايَة البُعد )) .

[ تعليق : يُريدُ الإمام أنّهُ لا يُشترطُ معرفةُ إمامُ كلّ زمانٍ بعينِه ، إذا كانَ في طور الغمور وعدمِ الاشتهار ، لما في ذَلِكَ مِن التكليف بما لا يُطاق ، وهُو غايةٌ في البُعدِ في أن يكونَ واجباً مع الغمور وعدم الاشتهار ، وعدمُ قرعِ المسامِعِ لِدعوته العادِلَة الجامعَة ، وعلى مَن هذا حالهُ الإئتمامُ بالقرآن والرسول وأمير المؤمنين والأئمة من ولده السابقين ، والتشحّطِ والتحلّي بعزيمة تحمّسه للقيامِ مع داعي آل مُحمّد (ع) من أبناء الحَسن والحُسين ، وأن يكونَ في حالهِ هذا مُقتدياً في دينهِ وقيلِه ، بأئمتهم السابقين علي فالحسن والحسين فزين العابدين فزيد بن علي فما دون ، وألاّ يُخالفَهُم فيما اجتمعوا عليه من الأصول ، ففي هذا يدخلُ العبد في ميتة أهل الإسلام ، وإن لَم يعرف إمامَ زمانهِ بعينهِ ورَسمه ، لأنَّ تكليفَ ما لا يُطاق كما تطلبُ الجعفرية من العباد فهذا مُحال ، وفي كلام الجعفرية بإمامة الغائب بُعدٌ عن الصّواب والواقع ، وقولُ الزيّدية أعدلُ الأقوال ، ولا يدخُلُ هذا في بابِ شهادة الجارِ لنفسه، وإنّما يشهدُ لتوسّط قولها مَن سبرَ أقوالَ الفِرق وتعليلاتهِم لهذا الحديث الشريف ، فهُم بينَ مُلحقٍ له ، بسلاطين الدّول على جَورِهِم وظُلمِهم وعدم تحقّقُ عدالَتِهم ، وأنّى يكونُ هؤلاء حُجّة ؟ وبينَ مُهمِلٍ له ، لا يُلقي لهُ ولأهميّته بال ، وبينَ مُلحقٍ لهُ ، بأئمة الأوهام والخيالات مَن لا يَنفعونَ ولا يَضرّون ، ولا يَحلّونَ ولا يَربطون ، لا لِضَعِيفٍ انتصفوا ، ولا لضائعٍ انتشلوا ، ولا لحقٍّ انتصروا ، ولا لباطلٍ غَضِبوا ، فأنّى تكونُ لهؤلاء إمامَة الزّمان والحجّة على العالَمين ، وأنّى يجبُ على العبادُ الإيمانُ الإيجابي بِمَن هذهِ صِفته ؟ ، فتوسّطَ أهل البيت (ع) بين هؤلاء في مقالَتِهم ، فلا هُم أهمَلوا وجوّزوا خُلو الأرضِ من حُجّة ظاهرَةٍ شاهرَة أو مَغمورَةٍ خائفةٍ غيرُ مشهورةٍ ولا غائبة ، ولا هُم أوجَبُوا على العباد معرِفَة المغمور غير المشهور من عُلماء آل مُحمّد (ع) ، فجَعَلوا لهُم منهجَ الكتاب والسنة وأمير المؤمنين وولَدهُ أبناء الحسن والحسين علاماتٌ إلى الموتِ بميتةِ أهل الإسلام ، مع السعيّ منهُم قدرَ المُستطاع لإيجادِ مَن صِفتهُ صِفةُ أئمة أهل البيت السابقين من بني فاطمَة اللاحقين ، فإن لَم يجدوا ، فلا يُكلّفُ الله إلاّ وُسعها ، والمرءُ مَع أنّ أحب ] عودٌ لكلام الإمام النطاق بالحق الهاروني .

فإن قالَ قائل : أتُجوّزنَ أن تَخلُوَ الأرضُ من الأئمة أَزمنةً كثيرَة ؟ .
قيلَ له : إن أردتَ بهذا القول ، أنَّ الأرضَ تَخلو ممّن يَصِحُّ للإمامة ، وسياسَة أمرِ الأمّة مِن أفاضِلِ أهل بيت الرسول صلى الله عليه وآله ، فهذا يَمتنِع منهُ الزيدية ، ولا يُجوّزونَه[86] ، وإن أردتَ بذلِكَ أنّها تخلو ممّن يقومُ بالأمر ويَتولاّه لأسبابٍ عارِضَة ، وأحداثٍ مَانِعَة ، فهذا غيرُ ممُتَنِع[87] . ))[88] اهـ كلام الناطق بالحق الهاروني

وإلى هذا القول الأخير ، يُشير الإمام مانكديم أحمد بن الحسين (ع) ، فيقول : (( اعلَم أنَّ مِن مَذهَبِنا أنَّ الزّمان لا يَخلو عَن إمام ، ولَسنا نعني بهِ أنُّ لابُدَّ مِن إمامٍ مُتصرِّف ، فالمعلوم أنّهُ ليسْ ، وإنّما المُرادُ به ليسَ يجوزُ خلوّ الزّمانِ ممّن يَصلُح للإمامَة ))[89] .

تعليق : قال (ع) : فالمعلوم لَيسْ : يُريدُ أنّ الخائف المغمور الغير مشهور الظاهر الغير غائب ، لا تنطبقُ عليه علاماتُ التّصرّف في الأمة ، إذ لو انطبقَت عليه لكانَ ظاهراً داعياً مشهوراً .

واعلَم أنَّ هذا التأويلَ للحديث ، معَ اجتماعِ سواد الأمّة على صحّة صدورِ عن رسول الله (ص) ، نجدهُ أقربُ التأويلات والتفسيراتِ المُطابِقَة للعقل ، والنّقل ، ويُعزّزهُ قول الرسول (ص) : ((مَن سَمِعَ وَاعِيَتَنا أهَلَ البيت ، ولَم يُجِبهَا كَبّه اللَّه عَلى مِنخَريه فِي نَارِ جَهنّم )) ، والواعية هي الدّعوة ، والدّعوة لَن تكون إلاَّ مع الظهور ، وهيَ مُتوفّرةٌ في الظاهر المشهور والخائف المغمور ، على اختلافِ توسّعها وانتشارها . وقوله (ص) : (( إنَّ عِندَ كُلّ بِدعَةٍ تَكونُ مِن بَعدِي يُكادُ بِهَا الإسلامْ ، وَلِيّاً مِن أهلِ بَيتِي، مُوكّلاً يُعلنُ الحقّ، وينُوّره، ويَردّ كيدُ الكائدين ، فاعتبروا يا أولي الأبصار وتوكلوا على اللَّه )) ، وحتماً لن يكون هذا الوليُّ إلاَّ ظاهراً غيرُ غائب ، كما قد تقرّرَ ، وصفةُ الظهور مُتوفّرةٌ في المشهور والمغمور ، والاختلاف في الشهُرَة مِن عَدَمِهَا .

وهذا كُلّه مَدخلٌ للردّ على القول التالي .

5- قالت الإمامية :

قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) في الأحكام :

(( المُنتَظِر للحقِّ والمُحقّين ، كالمُجاهِد في سبيلِ ربِّ العالَمين ، وفي ذلك ما بَلغنا عن رسول الله (ص) : ( من حَبَسَ نَفسَه لدَاعِينَا أهلَ البيت أو كَانَ مُنتظراً لِقَائمِنَا، كَان كالمُتَشَحِّطِ بَينَ سَيفِه وتِرسِهِ فِي سبيلِ اللهِ بِدَمِه )[90]

* ألا يدلّ قول الهادي إلى الحق : ((حبس نفسه ، منتظراً لقائمنا )) ، على قَائمٍ حيٍّ بَعدَ غِيابٍ تنتظِرُهُ النَّاسُ مَشَحِطَّةً سُيوفَهَا ، اسْتعْدَاداً لظُهورِه في أيِّ وَقْت ؟

قالت الزيدية :

وهذا الحديث يُحملَ على وَجهين اثنين :

الوجه الأول :

أن يَكون المراد بالقائم هُو الحجة المغمور ، الخائف المقهور ، الحاضر الغير الغائب!، لأنه (ص) قال : ((من حَبَسَ نَفسَه لدَاعِينَا أهلَ البيت )) ، فيكون المعنى ، مَن وَطَّنَ نفسه لنصرةِ داعينا أهل البيت ، والدّاعي حتماً لن يكونَ إلاَّ مشهوراً ، فحظّه من كلام أمير المؤمنين (ع) في النهج ، حظّ الحجج الظاهرة المشهورة . ثم قال (ص) : ((أو كَانَ مُنتظراً لِقَائمِنَا )) ، فيكون المعنى ، أو كانَ مُستعداً مُتأهباً لإجابة دعوة الإمام اللابد المغمور ، مَتى مَا دَعا وتوفّر له الأتباع والعتاد إن كانَ يَعْلَمُهُ بعينهِ ، وإن لَم يَكن ، فيكون الشخصُ متأهباً لإجابة الدّاعي إلى الرضا مِن آل مُحمّد ، مَتى ما عَلِمَ قيامَ أحدٍ منهم بهذا الأمر ، وأن يكون لهذا مُتشوّقاً ، وأن يَسعى الجاهلُ بعينِ الإمام إلى مَعرفِته بينَ آل رسول الله قدرَ المستطاع ، والكتاب والسنة وآثارُ أئمة الهدى السابقين لهُ خيرُ مُعين فيما يبحثُ عنهُ مِن شخصِ الإمام المغمور ، وإن حَصَل وماتَ على هذا ، كانَ بِهمّته وعزمه على الطاعة والنصرة للإمام ، كالمُتَشَحِّط سيفهُ وترسه في سبيل إعلاء كلمة الله ، ومن ميتة غير أهل الإسلام نجا ، والله أعلم .

الوجه الثاني :

أن يَكون المراد بالقائم هُو المهدي (ع) ، و الداعي من أهل البيت ، بالإمام الظاهر أو المغمور عندما يدعو ، ولا مُشاحّة هُنا في اللفظ ، إذ أنَّ لفظة القائم ليسَت دليلاً قاطعاً جازماً على قيامٍ بَعدَ حياةٍ وغياب إماميّة ، لأنّنا نستطيعُ إطلاقَ لفظةِ القائمِ على المهدي (ع) وهوَ لَم يُولَد بَعد ، لأنَّنا نَعلمُ عِلمَ اليقين أنّهُ قائمٌ لا مَحالة ، انظُر ما نَقلَت الإمامية في مسانيدهِم ، عن جعفر الصادق (ع) عندما سُئِلَ عن القائم أهُوَ إمام ؟ فقال (ع) : نعم إمام ابن إمام([91]) . أقول : تأمّل نعتَ السائل للمهدي بالقائم! معَ أنّه المهدي في عهد الصادق ليسَ حياّ ولا غائباً ، بل إنّهُ لَم يُولَد بعد ! ، وكذلكَ لفظة القائم في حديث الهادي (ع) فإنّها لا تدلّ على شخصٍ حيٍّ غائب . ورواية أخرى عن الجعفرية يَسألُ فيها أبو بصير الإمام الصادق (ع) فيقولُ : يا ابن رسول الله مَنِ القَائمُ مِنكُم أهْلَ البيت ؟ فقال (ع) : يا أبا بصير هو الخامس من ولد ابني موسى ([92]) ، فانظُر نعتَ أبو بصير المهدي بالقائم ، وهُوَ ما زالَ في صُلبِ أبيه ، لا حَيٍّ ولا غائب ، وهذه الألفاظُ في أحاديث الجعفريّة كثيرة ، أعني نعتَ بالمهدي بالقائم مِن قِبلَ الأئمة أو أتباعهِم المُعاصرِون لما قبلَ المهدي ، والغريبُ أنَّا وَجدنا هذه الشبهَة تُثارُ على الزيدية من أحدِ الإخوة المُستبصرين المُتحولّين إلى مذاهب الإمامية، ولا أدري هلَّ حقّقَ في هذه المسألة ، التحقيق الذي ينبغي أن يكونَ عليه مَن يتخّذُ هذا القرار الخطير ، هَل فعلاً يستحقّ هذا الخبر عن رسول الله (ص) المورَدُ عن طريق الهادي (ع) إلى تحميلهِ أكبرَ ممّا يتحمل بجعله دليلاً على الغيبة والحياة للإمام القائم ؟ ، أولَم يَعلمْ ويطّلع المُستبصرُ أنّ أمثالَ هذه الرّواية كثيرٌ عن أئمة الجعفريّة وشيعتهم ، أعني عدمَ ضرورة أن يكونَ نعتُ القائم يدلّ على الحياة والغيبة ، أمّ أنَّ المُستبصِرَ لا يرَى إلاّ القذى في العيون دونَ الجذوع ، والله المُستعان ، نعم ! ويدلّ على ذلك أيضاً أنّا قَد نُسَمّي المهدي بالمنتظر ، فهَل في هذا القول تصريحٌ بحياةٍ وغيابٍ فانتظار ؟ ، وهُو فعلاً المُنتظرَ لأنّه موعودٌ به على لسان الذي لا ينطقُ عن الهوى (ص) ، ألا ترى الهادي إلى الحق (ع) يقول : (( نَرجُو أن يَكونَ اللهُ قَرَّبَ ذلِكَ وأدناه ))[93] ، يعني ظهور المهدي (ع) ، فهَل في هذا القول ما يجعلُ العاقلَ يجزمُ بالحياة والغيبة على مقتضى الإمامية ؟ وكذلك القيام في حق المهدي (ع) ، فلو قالَ قائلٌ : (( اللهمَّ عجّل بظهورِ قائمِ آل محمّدٍ ، واجعلنا من أنصارِه وأعوانه )) ، أكانَ في هذا ما يَقطعُ بعقيدة الرجلُ من كلامهِ ، من أنّهُ كانَ يقصدُ قائماً حيّاً غائباً ؟ والجواب : حَتماً لا ، وليسَ يدلّ على بطلانه إلا قول جعفر الصادق الذي روته عنه الجعفرية ، فقال : (( يوم النيروز هو اليوم الذي يظهر فيه قائمنا أهل البيت ، و ما من يوم نيروز إلا ونحن نتوقع فيه الفرج لأنه من أيامنا حفظته الفرس وضيعتموه )) ([94]) ، ولَن أعودَ وأقول ، تأمّل إطلاق لفظة القائم على غير الحيّ وغير الغائب ، ولن أعودَ وأقول تأمّل لفظة الفرَج بالقائم ، مع العِللَ السابقة ، عدم الحياة وعدم الغيبة ، وفي هذا يدخلُ قول الإمام الهادي (ع) : ((نَرجُو أن يَكونَ اللهُ قَرَّبَ ذلِكَ وأدناه )) .

نعم ! ولزيادَة البيان انظرُ أمثلةً حيةً أخرى ، على تسمية الإمام المهدي (ع) بالقائم ، من غيرِ اعتقادِ حياةٍ أو غيبة ، وفيه يقول الإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، مُنشأً :

عَسَى فرجٌ يأتي بهِ اللهُ عاجلاً بدولَةِ مَهدِيٍّ يَقُومُ فَيظهرُ

وانظُر أيضاً نعتَ الإمام الهادي إلى الحق (ع) ، المهدي بالقائم ، من غيرِ اعتقادٍ بحياته أو غيبته ، فجاء في بعض قصائده : ((بِعَدْلِ القَائِمِ المَهْدِيِّ غَوثُ الشّرقِ والغَربِ )). وبشعر الهادي نختم الكلام على هذه الشبهة .

6- قالت الإماميّة :

روى الإمام الحسين بن القاسم العياني (ع) ، عن رسول الله (ص) أنّه قال : (( ستأتي مِن بَعدِي فِتَنٌ مُتشابهةٌ كَقِطَعِ الليل المُظلِم ، فَيَظُنُّ المؤمنون أنَّهُم هَالكُون فيها ، ثُمّ يَكشِفها الله عَنهُم بِنَا أهلَ البيت بِرَجُلٍ مَن وَلَدي ، خامُل الذّكْر ، لا أقولُ خاملاً في حَسَبِهِ ودينِه وحِلمِه ، ولَكِنْ لِصِغَرِ سِنّه وغِيبتهِ عَن أهلِه ، واكتتامهِ في عَصرِه على مِنهاجي ومِنهاجِ المسيح في السّياحَة والدّعوة والعِبَادة ، يُؤيّم عرسه ، ويُخلص نفسَه ، ويَكُن بدءُ ناصريه من أهل اليَمَن ))[95] .

قالت الزيدية :

إنَّ هذه الروايَة صدَرَت من إمامٍ عَظِيمٍ ، ووجهُ تأويلُها وتفسيرُها بردّ الفروع للأصول ، وتطبيقها على مَاصحّ عن رسول الله (ص) في النقول ، وأقرّت به العقول ، كما سيأتي بيانه ، وهُوَ المطلوبٌ . فنقول وعلى الله التكلان :



تأويُل هذا الأثر عندَ أهل الشأن ، أنّهُ سيأتي على الناس فِتنٌ كقطع الليل المُظلم ، فيختلطُ الصالح بالطّالح ، وينغمرُ الحقّ ولا يكادُ يظهر[96] ، ثمّ يكشفُ الله هذا البلاء برجلٌ من أهل البيت (ع) من أبناء الحسن أو الحسين (ع) ، خامِل الذّكر ، أي أنّه قَد يُولَدُ في بيئةٍ ليسَ لهُ ذكرٌ فيها، ولا يُعرَفُ بأنهُ المهدي المٌبشّرُ به ، هذا في حالِ الصبا وعدمِ ظهورِ العلامات عليه ، وليسَ خمولاً في نسبه بل هُو ممّن يُعرفُ عنه ولادَة الرّسول (ص) ، ونسبهُ إلى حيدرة الكرّار شاهرٌ معروف ، وليسَ خمولاً في الدّين والحِلم ، إذ أن علامتهما ظاهرةٌ عليه ، يُشارُ بها عليه ، بلَ هُو خُمولٌ في عدَم مَعرِفة أحدٍ له عندَ ولادته وبداية نشأته .

أولاً : خمولٌ بسبب صِغَرِ سنّه ، فلا يكادُ أحدٌ يظنُّ أنّ هذا هُو المهدي المُبشّر به على لسان الرسول (ص) .
ثانياً : خمولٌ بسبب اكتتامه في عصرِه ،فلا يكادُ يختلطُ بالنّاس ، ولا يكادُ يكونُ له ذِكرٌ بينهُم ، مُنعزلٌ عنهُم ، ولا يُشترطُ في الانعزال والاكتتام عدم رؤية النّاس له وعدم التحدّث معهم ، فإنّ عيسى بن زيد بن علي (ع) اكتتمَ عن جماعةٍ ومكثَ عند جماعَة ، ولكن الاكتتام من المهدي (ع) هُو الانطواء وعدمُ الإكثارِ من المُخالطة للنّاس ، وبهذا يتحقق فيه الخمول .
ثالثاً : خمولٌ بسبب غيبته عن أهله ، إذ أنّهُ يرحلُ عن أهله ، فيتنقّل بين البُلدان ، على خمولٍ في شخصِه من عدمِ معرفة أهل تلك البلدان بهذا الجائلُ بينهم ، وبينَ ظهرانيهِم ، ويُعاودُ التنقّل تلوَ التنقّل مُحمّلاً بالعزم على الإصلاح ، وإبادَة الجورِ والظُلم عن أمة جده (ص) ، ولإقامَة الحُجّة بالدّعوة إلى الله ، كما فعلَ الّرسول (ص) عند هجرتهِ إلى الطائف ويثرب طلباً منه ، لعائنٍ يُعينه على هذا الدّين ، وكذلك المسيح عيسى (ع) ، على اختلافٍ في الشهرة والخمول فيما بينَهم وبينَ المهدي (ع) ، فيصرُّ (ع) على إتمام الحُجّة بنشر الدّين ، وتعليمِ مَن يَمُرُّ بهم حلالَ دينهِم وحرامِه ، ومَثلهُ في هذا مَثَلُ إمام اليمن الهادي إلى الحق (ع) ، عندما تغرّب وتغيّبَ عن أهله ووطنهِ وأبناء عمومته في المدينة المنورة وانتقلَ إلى اليمن ، وقالَ : (( واللهِ لَئن لَم يستوِ لي في اليَمن ، أمرٌ لا رَجعتُ إلى أهلي ، أو أَضربُ الشّرقَ والغَرب ، حتَّى أُقيمَ للهِ حُجّتَه ))[97] ، فيعمَل المهدي قدرَ المُستطاع ، على نشر العلومِ في البلدان ، وبهذا يَعرفُ النّاسُ فضلَه ، ويستقطبُ الأنظارَ نحوَه ، ويَكثرُ مُحبيهِ وناصريه ، من بلدٍ إلى بلد ، حتّى يجتمعَ على فضلهِ ما شاءِ الله أن يَجتَمِع ، وبهذا يكونُ قَد مهَّدَ لدعوةٍ حقٍّ تقوم ، وهذا هُو المقصود بتأييم العُرس ، وتخليص النّفس في الحديث ، فيقومُ مُعلناً الإمامة في الدّين ، فيطلبُ البيعات مِنَ المُسلمين المُتقين ، فيُناهِضهُ أهل تلك البلدان ، ورجالُ الدّين ، ويكونُ أولُّ مُناصريه هُم أهل اليَمن السعيد ، أهل الحكمة والإيمان ، مَن قال فيهم رسول الله (ص) : (( الإيمان يمانٍ والحِكمة يمانية )) ، وهذه والله العليّ العظيم ، صفةُ أئمة الزيدية ، التي يّدعونها في أئمتهم ، ولا تنبطقُ على مَن سواهُم ، ولا أدلُّ عليها من انتشارِ أئمتهم في البلدان والأمصار ، بنفس الأهداف التي سيحملهُا المهدي محمد بن عبدالله (ع) في دعوته الجامعة إلى الله ، انظُر زيد بن عليٍّ (ع) في الكوفة ، والنفس الزكيّة (ع) في الحجاز ، ويحيى بن عبدالله (ع) في الدّيلَم ، وإدريس (ع) في المغرب ، والحسين الفخّي (ع) في مكة ، وعلي الرضا (ع) في خراسان ، والقاسم الرسي (ع) في المدينة ، ويحيى بن عمر (ع) في الكوفة ، والحسن بن زيد (ع) في طبرستان ، والهادي إلى الحق (ع) في اليمن ، والناصر الكبير الأطروش في آمل طبرستان ... ، وفي آخر الزّمان سيُواصلُ المهدي (ع) مَسيرةَ هؤلاء الأئمة الأبرار ، في إعزاز الدّين ، وإزالة الظّلمِ والجور ، والقِسمُ بين الناس بالصّحاح ، وسيُؤيّدهُ الله بتأييده ، ويُنزلُ ألطافهُ وتسديداته على هذه الدّعوة ، فيتمهّدُ لها ما لَم يتمهّد لدعوةِ إمامٍ فاطميٍّ حسنيٍّ حُسينيٍّ قبلَه ، فيُعزُّ الإسلام ويَنتَعِشُ ، وبهذا تَقربُ السّاعة ، ويدنو النفخُ في الصور ، فتأزفُ الآزفة ، وتذهلُ العقول ، مِن هولِ يومٍ عظيم . أعاذنا الله وإياكم من الخسارَة فيه . وهذا أقصى ما قَد يُقال هُنا .

[ فائدَة ]

نعم ! فالله .. الله يا طالبَ النّجاة ، لا تتّبع مُتشابهَ الحديث ، وألفاظ الغيبة والاكتتام ، فتجعلَ هذا دليلاً على صحّة قولِ القومِ في مهديّهم ابن العسكري ، لأنَّ الحقَّ يَعلو ولا يُعلى عليه ، فلَو كانَ قولهُم في المهدي بالخصوص ، وبقيّة الأئمة التسعَة بالعموم ، هُو قول الله والرسول (ص) ، ما واجَهَت الأمّة جمعاً فيما عداهُم ، كلَّ هذا الغموض في هذه العقيدة ، وفي هذه الغيبة المهدوية ، والأمّة حتماً لن تُجمِعَ على باطل ، ألا ترى الصلاة والصيّام كيف ظَهرَت فيها النّصوص من الله والرسول ، لما لها من الأهميّة في حياة الفرد المُسلم . ألا ترى فضائل عليّ بن أبي طالب وأخبارَ توليته وأحقيّته يوم الغدير ، ومنزلته من محمّد ، وأخوّته لأحمد ، وتزويجه من سيدّة نساء العالمين ، الذي أمرَ به ملك الملوك جلّ وتباركَ في عُلاه ، وحضرَه جبريل وميكائيل ومعهم ملائكة السماء (ع) ، ألا ترى كيف لم تُكتَم عن الأمّة هذه الأخبار وطارَت في أرجاءها ودوّنتها دواوينهم ، وخطّتها رِيَشهُم ، واستلهَمتها عقولُهُم وقلوبُهم ، واختُلِفَ في تطبيقها وفَهمِها ، والخللُ ليسَ من الله ولا من الرّسول عندما اختلفَ فيها النّاس ، فالله صرّح بأحقيّته في كتابه الكريم وولاّه يومَ سأل السّائل ، والرّسول صرّح بتوليته يوم الدّوح العظيم ، غدير خم ، ونشرَ فضائله أمام الصحابة الكِرام ، فاتّفقَ النّاس على صحّة الأحاديث ، وصحّة صدورها عن رسول الله (ص) ، ومعَ هذا أخطأوا الاستدلال ، والخطأ عليهِم وارِد ، إذ كانَ لهُم أئمةٌ في الدّين أمثال معاوية وأذنابه ، ولهُم عُلماء فُضلاء في أنفُسِهِم لَم يُحسنوا الاستدلال بها على ولاية أمير المؤمنين ، فدّونوا ما اجتهدوا فيما يعتقدونَ أنَّ فيه ردّا وصَرفاً لهذه الأحاديث عن ولاية المرتضى (ع) ، فجاءَ بعدَهُم أقوامٌ ساروا على خُطى هؤلاء الفُضلاء ، وأخذوا الدّين عن أفواه الرّجال دون التّفكّر في الكتاب والصحيح من الآثار ، فجعلوا مِن ذلكَ ديناً لله وللرسول (ص) . ثمَّ انظُر رحمةَ الله بالعباد ، وعلمه الأزليّ بما يؤول إليه أمرُ العباد من التفرّق في الدّين ، فجعلَ لهُم ثِقَلٌ يرجعونَ إليه ، ويُحكّموه فيما بينَهم ، فكانَ أيضاً في عِلم الله المُسبَق الأزلي أنَّ النّاس ستختلفُ في تأويل وتفسير القرآن إلى مذاهبَ ومَشارِبَ مُتعدِّدَة ، فعضّدَ ثِقَل القرآن الأكبر بِثِقَل أهل البيت (ع) الأصغر ، وجعلَهُما عَلاماتٍ على الحق ، وأنزلَ فيهم قُرآناً يُتلى ، يُنزّهُهُم فيه عن العقائد الفاسدَة ، وفي هذا مِن رَحمة الله على العباد ما لا يخفى على أولي النُهى ، وعَمِلَ الرّسول (ص) بأمرِ ربّه ، على إشهارِ فضائلِ أهل بيتهِ (ع) أبناء الحسن والحُسين ، وحثَّ النّاس على اتباعهم واقتفاء آثارِهم ، ومع ذلكَ حصلَ الخطأ في الاستدلال ، والتفريطُ في قُرناء الكتاب ، مع الاتفاق على ورودِ هذه الألفاظِ فيهم من الرّسول (ص) ، فتوجّه العتاب على حضرتهُ نصوص الكتاب في أهل البيت (ع) ، ونصوص الرسول (ص) فيهم ، ثمّ اتّبع أقوال الرّجال دونَ إعمال العقل والفكر في الاستدلال . ثمّ انظر يا طَالب النجاة ، إلى أقوال الإماميّة ، التي انفردَت بها عن أمّة لا إله إلاَّ الله ، فادّعَت نصوصاً على أئمة أهل البيت ، لَم ينزل فيها قرآن ، ولَم يُخبِر بها رسول الله أصحابه الكرام ، ولَم تنتشرُ عند غيرِ الكليني والقمي والمفيد ، أعني أحاديث الأئمة الإثني برسومهِم وأسمائهم ، بَل حتّى شيعة أئمتهم والمُقرّبين منهم ، فكيفَ لَو طالَ الجهلُ أبناء الأئمة ؟! فكيفَ لَو طالَ الجهلُ الأئمّةَ أنفسَهُم ؟ ، ثمّ حصروا لفظة أهل البيتِ في هؤلاء الإثني عشر ، وألصقوا بِهم جميعَ ما مدحَهُم به رسول الله (ص) ، وادّعَو أنّهم المعنيّون بأهل البيت في الأحاديث الشريفة الكثيرة ، والله المُستعان ، فحوّروا مقصد الرّسول (ص) وفرّقوا بين أبناء أصحاب الكساء ، الذي غطّى الحسنَ كما غطّى الحسين (ع) . وحاولوا الاستظهارَ بهذه الأحاديث على عقيدتهم الجعفرية ، والسؤال للعقول : لماذا لَم يَجعَل الله والرّسول لنا قاعدةً نُعوّل عليها ، ونستدلُّ بها على هؤلاء الإثني عشر ؟ كما حَصلَ مع فرائض الصيام والصلاة ، وولاية أمير المؤمنين والآيات والأحاديث في ذلك ، وفضل أهل البيت بني الحسن والحسين ووجوب التمسّك بهم وإنزال الله ذكرَهم في القرآن الكريم ، فلماذا هذا الغموض في عدم استطاعَة استخراجِ حديثٍ واحدٍ يدلّ على الإثني عشر بأسماءهم في مسانيد الزّيدية أو السنة أو حتى الخوارج !! ، أليسَ فرضُ الإمامة خطيراً ؟! أليست الولاية واجبةٌ على المُكلّفين من الذّكور والإناث ؟! فلماذا ، لا نجدُ لها ذكراً في أمّهات مسانيد أمّة الإسلام إلاّ في كُتُبِكُم معشر الإمامية ؟ إن قٌلتم : بلى ! لها ذكرٌ ، انظر حديث الثقلين وحديث السفينة ، وحديث النجوم ، وحديث حطّة ، وهي مزبورة في كتب المُسلمين الحديثية ! ، قُلنا : ومَن سلَّمَ لكُم أنَّ أهل البيتَ المعنيّون في هذه الأحاديث ، هُم الإثني عشر أئمتكم ؟ فإن قُلتُم : روى الكُليني ، وقال القمي ، وبلغَ المفيد ، وحدَّث الطوسي . قُلنا : شهادةٌ غير مقبولَة ! فشهادةُ الجارِ لنفسهِ مردودَة . فخبرٌ كهذا الخبرِ انفردتُم به عن الأمّة ، إدانةٌ عليكُم لا لَكُم . والعجبُ كلَّ العَجب ! من قول بعض الجعفرية ( إنَّ مَذهباً ، يُستدلُّ عليه من كُتُبِ خصومهُ ، هُو الأولى بالإتباع ) ، والله المُستعان ، وكيفَ لا أعجب ، والجعفري لا يستطيعُ أن يسردَ لي النّص على الأئمة الإثني عشر بأسماءهم إلاّ مِن كُتُبِهِم ؟ وليجُرِّب هذا ، فإن حاولَ وما استطاع ، فلا بأس أن يخدع نفسهُ بترديد التواتر ، والدندنة بالعبارة السابقة ، وعندَ الله تلتقي الخصوم .

7- الغيبة ، المُدّة ، والظهور :

زيادةً في بيانِ فسادِ عقيدة الغيبة ، أو فلنقل النّص على الإثني عشر ، لأنّ الجميعَ مُترابط ، سنذكرُ رواياتٍ ظاهرةُ الزّيف ، والكَذِب على أئمة الهدى ، ثمَّ فليُعمِلْ الناظرُ النَّظرَ في مدى استحالَة أن تكونَ هذه الروايات قَد صدَرَت عن أمثال جبالِ العِلم ، الباقر ، والصادق ، والكاظم .. عليهم سلامُ الله ، لأنّها رواياتٌ يمقت ويستهجن العقل أن تصدُرَ من الجاهل فضلاً عن العالِم ، فضلاً عن جهابذة آل رسول الله (ص) ، ثمَّ فليقِس بقيّة مرويات الجعفريّة ، فإنّها لا تَبعُدُ عَنها .

1- عن محمد بن الفضيل عن أبي جعفر قال : (( ستبقون ستة من دهركم لا تعرفون إمامكم ، قلت : وكم الستة جعلت فداك ؟ قال : ستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ست سنين ، أو ستون سنة )) ([98]) .

تعليق : لن أقولَ أنَّه قد مَضى أكثرُ من ألفِ سنة ، فضلاً عن الستين ! ، ومعَ ذلك لا يُعرَف الإمام ، ولكن سأقول : انظر لفظَ الصادق بـ (( ستة أيام ، أو ستة أشهر ، أو ست سنين ، أو ستين ستة )) ، وكأنّهُ غير مُتأكّد ، وهُو المُلهَم بالغيب ،وعالمُ آل محمّد في زمانه ومعصومهم ( على رأي الجعفرية ) .

2- عن عبدالله بن سنان عن أبي عبدالله قال : (( في القائم سنة من موسى بن عمران ، فقلت : وما سنته من موسى بن عمران ؟ قال : خفاء مولده وغيبته عن قومه ، فقلت : وكم غاب موسى عن أهله وقومه ؟ قال : ثمانياً وعشرين سنة )) ([99]) .

3- عن الثمالي قال : قلت لأبي جعفر : إن علياً كان يقول إلى السبعين بلاء ، وكان يقول بعد البلاء رخاء ، وقد مضت السبعون ولم نر رخاء ؟ فقال أبو جعفر : يا ثابت إن الله تعالى كان وَقّتَ هذا الأمر في السبعين ، فَلمّا قُتِلَ الحُسَين اشتدَّ غَضَبُ الله على أهل الأرْض فَأخّرَه إلى أرْبَعين ومَائة سَنَة فَحَدّثنَاكُم فَأذَعتُم الحَديث ، وكَشَفتُم قِنَاعَ السّتر فَأخّرَه الله )) ([100]) .

تعليق : تأمّل يا صاحب النّص على الإثني عشر وصاحِبَ الغيبة والمهدي ، كيفَ أنَّ الأمرَ كان قَد وقّتهُ الله!! في السبعين ، أي حينَ ولادَة جعفر الصادق تقريباً (ع) أي أنَّ الصادق كانَ من المُفترَض أن يكونَ هُو المهديّ لهذه الأمة ، وقد قال الصادق (ع) : ((كانَ هذا الأمْرُ فِيَّ فَأخَّرَهُ الله ، ويَفعَلُ بَعدُ فِي ذُريّتِي مَا يَشَاء )) ([101]) تأخَّر الأمر غضباً من الله لقتلِ الحُسين ربطاً مع رواية أبو جعفر السابقة. والصادق هُوَ السّادس من الإثني عَشر ، والرّسول قد ماتَ قبلَ أن يُقتلَ الحُسين ، وبلّغَ الخبر بالإثني عشر إماماً قبلَ أن يغضبّ الله لقتل الحُسين ، ورواهُ علي القمي في كفاية الأثر عن ستةٍ وعشرين صحابياً ، ومعَ ذلكَ يقول الصّادق أنَّ الأمر كانَ فيه ، والباقر يقول كان في السّبعين ، وهُما مُتأخّران عن الرّسول ، والرّسولُ والصحابة قَد حدَّثوا بالإثني عشر بالأسماء والأعداد . فما هذا التناقض ؟ ولكن لا بأس ، لعلّ في هذا عِبرةٌ لقومٍ يعقلون ، إذ لو كانَ أمرُ المهدي الإمامي الغائب ثابتاً ما احتيجَ إلى كُلّ هذا التأخير من السبعين إلى المائة والأربعين والذي هُوَ زمنُ الصّادق أيضاً ، لأنّ الصادق توفي سنة 148 هـ ، لأنَّ مسألة ظهور المهدي مسألةٌ حتميةُ الوقوع وعلمُ الله بوقتِ ظهوره واحد محتوم ، وعلمُ الله لا يتغيّر ولا يتبدّل في المحتوم عند الإمامية اليوم ، ولكنّهُ معَ عقيدة البداء الفاسدة ، سيتبدّل ولو زينّوا القولَ فيه ! يتبدّلُ فيجوزُ أن يعلمَ الله أنّ المهدي يخرج سنة 70 ، ثمّ يتراجعُ الله عن هذا العِلم فيعلمُ علماً جديداً أنّ المهدي يخرج سنة 140 ، ثمّ يتراجعُ الله عن هذا العلم فيوخّرهُ إلى أيّ وقتٍ يشاء ! ، وقد يُنكرُ الإمامية اليوم وقوع البداء في الأمور الأزليّة المحتومَة الوقوع ، خصوصاً في قضية انتقال الإمامة وبُدُوّ البُدّوات لله في إسماعيل فنَقَلهَا إلى أخيه موسى الكاظم ، وهذه العقيدة تُفسِدُ النّص على الإثني إفساداً كُلّياً ، بل تَنسِفهُ نَسفاً ، لأنّها تُناقضُ مصداقيّة تحديث الرّسول به ، ولكن لا مجالَ لإنكارها ، كيفَ لا وداود بن محمد بن أبي القاسم يقول قُلتُ لأبي جعفر -محمد الجواد- (ع) : (( هَل يَبدُو لله فِي المَحتُوم ؟ قَالَ : نَعَم !! )) ([102]) ، كيفَ لا ورسالة الشيخ البلاغي في البداء ناطقةٌ بحدوث البداء في أشخاصِ الأئمة فراجعها كُلّها وتأمّل جهل الشيعة بأئمَتِهِم بعدَ أئمّتِهِم فيها ، فإن كان سيبدو لله في المحتوم كما أخبر الجواد (ع) ، فما الذي يَضمنُ لكم معشر الجعفرية أنّ الله قد يبدو له في أمرِ المهدي الغائب فلا يُخرجهُ أبداً ، ويُقيمُ السّاعَة بدونِ علامةِ ظهور المهدي (ع) ، واللهُ يفعلُ ما يشاء ؟! فإن قُلتُم : يلزمُ مِن هذا تكذيب الله للرّسول ، فلن يحدُث . قُلنا : أليسَ في خبرِ الصّادق السّابق تكذيبٌ للرسول ؟ عندما قالَ أنَّ الأمر فيه ولكنّ الله أخّرَه ، أليسَ في هذا تكذيبٌ لخبر الإثني عشر ؟ والله المُستعان . نعم! أيضاً لا يفوتك أخي الباحث أن تَربِطَ تعلل الصادق في الرواية السابقة بالتأخير في المدّة على الثمالي ، وذلكَ لأنّهُم أفشَوا حديثَ أئمتهم وأذاعوه ، انظُر هذا والصّادق الحجّة على أهل زمانه يمنعُ أصحابهُ أن يُحدّثوا النّاس بما يُخبِرهُم به ، أليس من حقّ جميع المُكلّفين أن يسمعوا قولَ الصادق الحجّة عليهم يوم القيامَة ، كما سِمِعَهُ الثمالي وخاصّة شيعة الأئمة ؟ وكأنّي أرى الجعفريّ يَمُدّ صوته بأنَّ هذا بسبب التقيّة ! ، والله المُستعان .

4- وعن مهزم الأسدي قال : سألتُ أبا عبدالله : أخبِرنِي جُعِلتُ فِدَاك مَتَى يَكونُ هَذَا الأمْر الذّي تَنتَظِرونَه فَقَد طَالْ ؟ فقال : ((يا مهزم ، كَذَبَ الوقّاتُون ، وهَلَكَ المُستَعجِلون )) ([103]) .

تعليق : انظر هذه الرواية ، تُنبئكَ عن قطعِ التواقيت بظهورِ المهدي الحيّ الغائب، ولقَد كان واضعهاً على لسانِ الصّادق ذكيّا بليداً ، فقد كانَ ذكيّاً عندما عرفَ أنَّ أتباعَ مذهبهِ من الجعفرية كانوا يُمنّونَ أنفسهُم ، فيضربونَ الموعِدَ تلوَ الموعد لقيام القائم ، فلا يقومُ فيه ، فيضطربُ الشيعة ، ثمّ يضربونَ موعداً آخراً يوقتونَ فيه قيام المهدي ، فلا يقومُ فيه ، وخصوصاً بعدَ ما كَثُرَت التوقيتات ، فمرّة بعدَ سقوط بني العباس ([104]) ، ومرّة عند خروج نارٍ تحرق دورَ بني أميّة ([105]) ، ومرّة قريبٌ من خروج محمد بن إبراهيم طباطبا الزيدي في الكوفة ([106]) ، فعمِلَ واضعُ هذا الحديث على وضعِ نهايةٍ لهذه التمديدات ، فوضعَ عدّة رواياتٍ على ألسنةِ أكثر من إمامٍ من أهل البيت وراوٍ من شيعتهم ، تشاركت مُعظمها في لفظة ( كذب الوقاتون ، كذب الموقتون ) ، فأخرجَ الجعفرية من هذا المَزلق ، هذا ما كانَ من شأن ذكائه . فأمّا بلادته ففي متن روايته عن جعفر الصّادق روحي ورح أبي له الفداء ، إذ أنَّ مهزم الأسدي يقول : (مَتَى يَكونُ هَذَا الأمْر الذّي تَنتَظِرونَه فَقَد طَالْ ؟ ) ، انظُر كيفَ ألصقَ مهزم صفة الانتظار بالصادق (ع) ، وانظر ردّ الصادق بأنْ: (( هَلَكَ المُستَعجِلون )) ، أفلا يكون الصّادق على ضوء هذه الرواية من المُنتظرين المُستعجلين ، يدّلك على الانتظار مع الاستعجال قول مهزم ( فقد طال ) ، أيضاً فإنّه يلزمُ من تهليك الصادق للمستعجلين على ظهور أمر المهدي (ع) ، تهليكُ من قال في دعائه ((اللهمَّ عجلّ فرجَ محمّد وآل مًحمّد )) !! ، وعليه سيهلك جعفرية اليوم ، بلا أدنى شك ، والله المُستعان .

وبهذا ، نختمُ الكلام في مفهوم المهدوية ، والغيبة ، التي يدّعيها الجعفريّة في الإمام الثاني عشر ، محمد بن الحسن العسكري ، وفيها تبيّن نفي إمامته ومهدويته وغيبته ، وبلادة الاحتجاجات التي يحتجّ بها الجعفرية لإثباتها ، وركاكة واضطراب ما نُقِلَ من كتُب ومسانيد الجعفرية في أمره وأمر غيبته . والحمد لله رب العالمين .


[ عودٌ للكلام على الإمام المهدي ( محمد بن عبدالله ) عند الشيعة الزيدية ]

أثبتنا في بدايةِ الرسالة ، رواية وإثباتِ الزيدية لظهورِ المهدي (ع) في آخر الزّمان ، من روايات أئمتهم المُعتبرين ، ومن غيرِ طُرقِ أهل الحديث والمُحدثين من أهل السنة والجماعة، وأشرنا إلى ولادته ، ومكان ظهوره ، ومبلغ استحكام أمره ، ثمَّ أشرنا إلى صفات الإمام المهدي (ع) عند الزيدية على لسان الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين (ع) .

وهُنا نُضيفُ مَا مَعنى أنَّ تنظُرَ الزيدية إلى كُلِّ إمامٍ قائمٍ بفرض الإمامة من بني فاطمة (ع) ، على أنّهُ مَهديُّ زمانِه .

[ كل إمامٍ فاطميٍّ ، هُو مَهديُّ أهل زمانه ]

قال السيّد المفضال عبدالله حميدالدين في كلامه عن المهدي عند الزيدية : (( توجب الزيدية السعي إلى أن يكون لكل عصر مَهْدِيُّهُ الذي يملأ زمانه عدلاً وقسطاً )) ، وهوُ كذلك ، ألا ترى الرّسول (ص) كانَ مهديَّ هذه الأمة ومُرشِدهُا في زمانه ، وألا ترى أنَّ الإمامة خلفُ النبّوة وتحلّ محلّها مع حفظ الفوراق ، إذ أنّ الإمام يحلّ محلّ الرسول (ص) ، في تدبير شؤون المُسلمين ، وإقامَة العدلِ بينهُم ، والحُكمُ بما أنزل الله في الكتاب الكريم ، ويأمرُ بالمعروف وينهى عن المُنكر ، يُحسنُ للفقراء والضّعفاء ، ويُنفق على الأرامل واليتامى ، وينشرُ العلم و يُشجّع على التفقه في الدين ، وقد نقلنا من صفاتِ الأئمة على لسان الزيدية والجعفرية ما يكفي ويشفي فراجعه ، ومَن كانَت هذه صِفتُه من الأئمة ، فإنّهُ بحقٍّ يكونُ مَهديُّ هذه الأمة ، وأنَّ مهديّ هذه الأمّة في آخر الزمان لن يكون إلاَّ مُتحلّياً بها ، حازماً عليها ، ولعلَّ في تطابقِ الصفاتُ التي تشترطها الزيديّة في أئمة أعصارِهم ، والصفاتُ التي أخبرَ بها رسول الله (ص) أنّ مهديَّ آخر الزّمان يكونُ عليها ، دليلاً خفيّاً وجليّا ، على إكمال الإمام المهدي محمد بن عبدالله (ع) لمسيرةِ سلفه من أهل البيت (ع) ، وعلى اتصاله بتسلسلِ أئمتهم في الدّعوة إلى الله ، أيضاً يجبُ ألاَّ يُهمَل عدم التفكّر في تخصيص الرسول (ص) أن يكونَ إمامُ ومهديُّ هذه الأمة في آخر الزّمان من بني فاطمة (ع) ، وفي اجتماعِ أهل البيت من بني الحسن والحسين سادات الزيدية على حصرِ الإمامة في بني فاطمة أبناء الحسن والحسين ، واجعَل هذا التطابق في النّسب الفاطمي والتطابق في الصفات لدى الزيدية في أئمتهم الفاطميين مع الصفات المُبشّر بها في المهدي (ع) ، مُرجّحاً لكَ على صفاء العقيدة الزيدية في منهج الإمامة ، وأنَّ نظرةَ مَن نظرَ إلى بشاعة احتكارِ الزيدية لفرضِ الإمامَة في بني فاطمة (ع) دونَ غيرهِم من النّاس ، وغالباً ما يكونُ القائلون بهذا القول من التحرّر في اختيار الإمام من سائر النّاس ، مُتنازلونَ عن الشروطِ التي شَرطتها الزيديّة في أئمتها ، والشروطُ التي شرطتها الزيدية في أئمتها هي الشروط التي ماكان رسول الله (ص) سيرضى لأمتّه خليفةً إلاّ مُتحلّياً بها ، وفعلاً قدْ رَضي رسول الله ببني فاطمةَ الجامعين لهذه الشروط الحميدة والفعال الحسنة، أئمةً للمُسلمين ، فأشارَ إلى مُلازَمتهِم للكتاب ، وأشارَ إلى أنّهم لا يجتمعون على الباطل وبذلكَ نزلَت آية التطهير ، وأشارَ إلى الإقتداء بهم والركوب في سفينتهم ، وإلى نُصرتهم والقيامِ معهم ، والإتيانِ بواجِب مودّتهم ، وأنّه لا يخلو زمانٌ من قائمٍ بالحقّ منهم، نعم! ولكنّ عُلماء السلاطين يغضّون الطّرف عن صفات الكمال الواجب توفّرها في الإمام، مَع عِلمِهِم بها ، وعِلمِهِم بِمَن يَستحقّها دونَ سلاطينهم ، وأحياناً العاطفة وادّعاء السواسية بين النّاس ، وعَدم التفرقة القبلية بين الفاطمي وغير الفاطمي إلاَّ بالتقوى، وهذه الظاهرة وإن كانَت موجودة في عهد نشوان الحميري ، إلاَّ أنّها اليوم مُستفحلَة ، وما سبب ذلك إلاَّ الجهل بعظيم ثمرتها ، والجهل بمقدار الفضل والتفضيل في الإسلام ، إذ لو جازَ وصف الزيدية بالعنصرية في حصر الإمامة ، لجازَ وصفُ الرّسول بالعنصرية عندما مَدحَ أهلَ بيته وأثنى عليهم كُلَّ هذا الثناء الذي زبرتهُ مُصنّفات الحديث دونَ غيرهم ، ولجازَ وصفُ الرّسول بالعنصرية عندما حدَّد هاشمياً علوياً فاطمياً لقيادة الأمّة في آخر الزّمان ، وعلى هذا فقِس ادّعاء البعض تعنصر الزيدية بحصِرهِم الإمامة في البطنين دونَ سائرِ النّاس ، ولَو حَرِصَ النّاس على الالتفاف حولَهُم والتعرّف على عظيم فضلهِم وعبادتهم وحُسنِ سيرتهم ، لما قدّموا المفضولَ على الفاضل ، وزعمُوا بهذا أنّهم زيديةٌ غير مُنغلِقَة ! وأنَّ أساس التفضيل لَم يَعُد هذا الزّمان زمانُه والله المُستعان. والخطابُ هُنا لشرائحَ زيدية معروفةٌ بسيماها ، إذ زَعموا أنَّ القول بإمامة المفضول مع وجودِ الفاضل مذهب أهل البيت (ع) من الزيدية ، وليسَ لهم إمامٌ ومُعتمدٌ في هذا إلاّ كُتُب المِلَلَ والنّحَل والنّشراتُ التعريفية بهذا المذهب المُتداولة في طيّات وحواشي الكُتب العامّة[107]، وشواذ الزيدية المعروفين بالاضطراب على كثيرٍ من قواعدها ، حتّى بلغنا أنَّ البعض يقولُ : أنَّ الزيدية ما اعتقدَت هذا الأصلَ إلاَّ لتتملَّص من سبِّ المشائخ أبو بكرٍ وعُمرَ وعُثمان ، ولِكَي تَجِدَ عُذراً لتصحيحِ إمامتهم مع أفضلية عليٍّ (ع) عَليهِم ! ، وهذا يَحملُ في طيّاتهِ بُهتاناً على الزيدية ما بعدهُ مِن بُهتان ، فلا الزيدية تُؤمنُ بإمامة المفضول دونَ الفاضل ، و لا الزيدية تُصحِّحُ وتُؤمنُ بإمامة المشائخ الثّلاثة غفرَ الله لهُم أجمعين ، ولعلَّ أكثرُ ما يختلط على مَن وصمَ الزيدية بالقول بإمامة المفضول مع وجود الفاضل ، هُو تعريف أهل الملل والنحل لفرقة السليمانيّة من الزيدية ، أتباع سُليمان بن جرير رحمة الله عليه[108] ، فيجعل البعض هذا مذهباً للجميع، والبعض يعتمدُ في هذا على قول الإمام زيد بن علي (ع) عندما أتتهُ جماعةٌ من الشيعة : (( فَقَالُوا لَه : مَا قَولُكَ يَرحَمُكَ الله فِي أبى بَكرٍ وعُمَرْ؟ فَقَالَ : غَفَرَ الله لَهُمَا ، مَا سَمِعتُ أحَداً مِن أهلِ بَيتِي تَبرّأً مِنهُمَا ، وأنا لا أقُولُ فِيهِمَا إلاَّ خَيراً ، قَالوا : فِلِمَ تَطلبُ إذاً بِدَمِ أهلِ البيت ؟ فَقال : إنّا كُنّا أحَقُّ النّاسِ بِهَذَا الأمْر ولِكِنَّ القَومَ اسْتأثَرُوا عَلينَا بِه ، ودَفَعُونَا عَنه ، ولَم يَبلُغ ذَلِكَ عِندنَا بِهِم كُفراً ، قَد وَلُو فَعَدَلُوا وعَمِلُوا بِالكِتَابِ والسنّة ))[109] ، فيتوهَّم أنَّ هذا القولَ منه (ع) ، تصحيحٌ لإمامتهم وخلافتهِم ، عندما لَم يتبرّأ منهم ، وعندما نَعتَهُم بالعمَلِ بالكتابِ والسنّة ، وما في هذا ما يدلّ على ما ذهبَ إليه القوم ، نعَم أبو بكر وعُمر كما قال الإمام زيد ، استأثروا على حقّ ليسَ لهُم بوجه ، وتقدّموا مقاماً كانَ عليٌّ (ع) أحقّ وأجدرُ وأليقُ به منهُم ، ومع ذلِكَ وَلُو أمرَ المُسلمين بغيرِ وجهِ حقّ ، فعدلُوا وحَكموا بكتاب الله وسُنّة الرسول (ص) ، وأمّا قول الإمام زيد بن علي (ع) ، أنَّ هذا التقدّم منهم على الإمام علي (ع) لَم يَبلُغ كُفراً ، فهُو كذلك ، إذ أنَّ الزيدية تعتقدُ أنّ المشائخ أخطأوا خطأً فاحشاً عندَ عدم استدلالهم واستلهامِهِم وتفهُمِهِم واستحضارِهم توليةَ الرّسول يوم الغدير، ومنزلة هارون من موسى ، والأخوة في الدنيا والآخرة ، وآيات براءة التي لا يبلغها إلاّ الرسول أو علي ، وخاصف النّعل ، وغيرها الكثير الكثير ، فلَم نَعلم مقدارَ هذا الخطأ منهُم ، وهل يُعدّونَ به من الفُسّاق أم لا ؟ فآثرَ الزيّدية السكوتَ في أمرِهم ، وجمهورهُم على التوقّف بعدم السبّ ولا الترضية ، والبعض منهم ذهب إلى الترضية ، لِما للقوم من حميدِ الفعال مع الرسول (ص) في بدء الدّعوة ، إذ ناصروهُ بالمال والعتاد والأنفس ، وحضروا مواقفَهُ ومَشاهِده ، وكانَت لهُم يدٌ طولى في الذبِّ عن الإسلام ، نعم ! فهذا أقصى ما يُستنتجُ مِنَ الرّوايَة ، ولا وجه فيه للقول بإمامة المفضول دونَ الفاضل ، ويُبطلُ هذا القول ، تصريح إمام الزيدية يحيى بن الحسين الهاروني (ع) عندما قال مُتكلّماً عن التفضيل : (( ولا يجوزُ العدولُ عَن الأفضل فيها – الفضائل والصفات - أو مَن هُو كالأفضل ، بالإمامَة إلى مَن هُو دونهُ على وجهٍ مِنَ الوجوه ... الدليل على ذلكَ إجماعُ الصحابة على أنَّ الإمامة لا يستحقّها إلاّ الأفضل ))[110] ، وكذلكَ سُئلَ نجم آل الرّسول القاسم الرسي (ع) عن وجودِ إمامَين في عصرٍ واحد فأشارَ إلى أحقيّة الفاضلِ دونَ المفضول ، فقال (ع) : (( أمَّا الإمَامَان ، فَلا يَخلُوانِ مِن أنْ يَكونَ أحَدُهُمَا أفْضلُ مِنَ الآخَر، فَيكُونُ المَفضُولُ بِفَضْلِ الآخَرِ عَليهِ قَد زَالَت إمِامَتُه، ويَلزَمُهُ تَقدِيمُ الفَاضِلِ فِي الدّينِ والعِلمِ وطَاعَته، وذَلِكَ أنَّ الله يَقولُ فِي كِتَابِه: ﴿ وفوق كل ذي علم عليم ﴾ ))[111] وإلى هذا أيضاً ذهبَ الشافعي من الفقهاء فيما ذَكرَهُ عنه أبو عاصم العبادي [112] ، وإلى ذلكَ أيضاً يُشير أحمد بن عبدالله الطبري في كتابه الرياض النضرة في فضائل العشرة[113] . وبهذا يزول الإشكال ، في بطلان جواز ولاية المفضول مع وجود الفاضل ، ويُعضّدهُ كلام وإقرار سادات أهل البيت الآتية ، والدّالة على عدم الرضا بإمامة المفضول على الفاضل .

ومعَ ما سبقِ مِن كلامِ أئمّة الزيدية على عدم صحّة إمامَة المفضول مع وجود الفاضل ، يذكُر المولى الحجّة السيد مجدالدين إجماع أهل البيت (ع) ، على عَدِمِ قولهِم بصحّة بيعة وإمامة أبو بكر الصديق غفر الله له ، فقال المولى أيده الله : (( وكيفَ تصحُّ البيعةُ وقَد أجمعَ أهلُ بيتِ النبوّة ، أوّلُهُم وآخرُهُم ، وسابِقُهُم ولاحِقُهُم ، على عَدَمِ صِحّتِها ، وإنّما اختلفوا في التأويل للمشائخ الثلاثة ، أمَّا أنّها صحَّت البيعَة وتمّت الإمامة ، فَلَم يَقُل بذلك أحدٌ منهم ))[114] ، ويُعضِّدُ الإجماعَ الذي حكاهُ المولى أسعده الله ، الإجماع الذي حكاهُ قبلهُ ، فخرُ الآل وفقيههم الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي (ع) ، عندما قال : (( أجْمعَ عُلمَاء آل رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم أنَّ عَليَّ بْنَ أبِي طَالب كَانَ أفْضَلَ النّاس بَعَدَ رَسُولِ اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأوْلاهُم بِمَقَامِه، ثمّ مِن بَعدِ أمِيرِ المؤمنين الحَسن، والحسين أوَلى النّاسِ بِمَقَامِ أمِيرِ المؤمنين، ثمّ مِن بَعدِ ذَلكَ عُلماءُ آلِ رَسول اللَّه صلى الله عليه وآله وسلم، وأتقِياؤهُم ))[115] ، أيضاً نجد إبراهيم بن عبدالله الحجبي يُثبتُ أنَّ سادات بني هاشم في زمانهم لَم يكونوا يقولوا بتفضيل المشائخ على عليٍّ (ع) ، فيقولُ مُخاطباً للإمام الشافعي رحمه الله : (( ما رأيتُ هاشمياً قَد قَدَّمَ أبا بكرٍ وعُمَرَ على عليٍّ رضي الله عنه غيرك ! ))[116] ، ويزيدُ هذا قوّة من الواقع، ما رواهُ البخاريّ في الصحيح عن أمّ المؤمنين عائشة ، مِن إظهارٍ لموقفِ الإمام عليّ بن أبي طالب (ع) من بيعة أبو بكر ومُبايعة أهل السقيفَة له ، عندما مكثَ ستّة أشهر وهُو مُغاضِبٌ لاستئثارِ القومِ عليه بالخلافة ، وهُو مَن أتت توليته يوم الغدير أمام الجمع الغفير من المسلمين ، وكان معه جمعٌ من الصحابَة فيهم طلحةُ والزبير ، وفي هذا التأخير عن البيعةِ إشارةٌ بعدمِ رضاهِ عن إمامة وخلافة مَن تمَّت له ، كيفَ لَم يكُن مُعارضاً وساخطاً وهُو يرى أنّ القومَ استبدّوا عليه ، وأنّه أحق بهذا الأمرِ بهم ، و هُو الأحقّ ، فقد أوردَ البخاري في الصحيح مُخاطَبة حامِل آيات البراءة لأبي بكر الصدّيق ، فكانَ من قولِه له : (( إنَّنَا لَمْ ‏ ‏نَنْفَسْ ‏عَلَيكَ خَيراً سَاقَهُ الله إليك، ولِكِنّا نَرى لَنَا فِي هَذَا الأمْرِ نَصِيباً، فَاسْتَبدَدْتَ!! بِهِ عَلَينَا، فَوَجدنَا!! فِي أنْفُسِنَا ))[117] . وكذلكَ كانَ موقفُ ريحانة رسول الله الحسن بن علي (ع) عندما أرسلَ كتاباً إلى أهل البصرة يُصرّحُ فيه أنّهُم ( عليٌّ وولدُه ) أحقّ بمقام رسول الله (ص) ، فقال (ع) : ((إنَّ اللهَ بَعَثَ مُحمّداً وكَانَ النّاسُ عَلى ضَلالَة، فَهَدى بِه الخلق، ثمّ قَبضَهُ وَنَحنُ أحَقُّ النَاسِ بِمَكَانِه !! ، غَيرَ أنَّ أقوامَاً تَقدّمُونَا واجتَهَدُوا فِي طَلَبِ الحقّ، فَكَفَفنَا عَنهُم تَحرّياً لإطفَاء نَارِ الفِتنَة، حَتّى جَاء قَومٌ غيّروا وبَدّلُوا فَحَاربنَاهُم ))[118] ، و جاء في رسالةٍ أخرى للإمام الحسن (ع) أرسلها إلى أبو ليلى معاوية بن أبي سفيان : (( وقَدْ تَعَجّبنَا لِتَوثّب المُتوثّبينَ عَلينَا فِي حَقّنَا وسُلطَانِ نَبيّنَا صلى الله عليه وآله ، وإنْ كَانُوا ذَوي فَضيلَة وسَابِقَة فِي الإسْلام فَأمْسَكْنَا عَن مُنَازَعَتِهِم مَخافةً عَلى الدّين .. ))[119] ويُعضّدُ الإجماع الذي رواه فيه الآل الحسن وبن يحيى والعلامة المؤيدي عليهما السلام ، ما سبقَ وأن ذُكرَ عن الإمام الشهيد السعيد زيد بن علي (ع) أنهُ قال : ((: إنّا كُنّا أحَقُّ النّاسِ بِهَذَا الأمْر ولِكِنَّ القَومَ اسْتأثَرُوا عَلينَا بِه ، ودَفَعُونَا عَنه )) ، ويُعضّدهُ أيضاً فعلُ الإمام الباقر (ع) مع شاعر بني فاطمة الكميت بن زيد ، عندما ارتجلَ الأخيرُ بين يديه قائلاً:

ويومَ الدّوحِ دوحُ غدير خُمٍّ ***** أبانَ لَهُ الولايَةَ لو أُطِيعَا
ولـكنَّ الرجَـالَ تَبايَعُـوهَـا ***** فَلَم أرَ مِثلَهَا خَطَراً مَبيعَا
ولَـمْ أبْلُغ بِهُم لَـعنَاً ولكـِن ***** أسَاءَ بِذاكَ أوّلُهُم صَنيعا

فقرَّرهُ الباقر (ع) بالسكوت ، وفي هذا ما يُستدَلّ به على عدم إيمانه (ع) بصحّة بيعة أبو بكر الصدّيق ، وأنّهُ يُعدّها من أخطَر البيعات ، ومعَ ذلك لا يرى أنّ فعلهُ هذا دليلٌ على الكفر ، أو أنّهُ يستحقّ عليه اللعن ، وهذا الشعر عن الكُميت بن زيد رحمه الله ثابت ، ويُستَدَلّ به على الجعفرية على عدم ثبوتِ سبّ أكابر سادات أهل البيت (ع) للمشائخ ومنهُم الباقر (ع) . وقد ذكرَ الأستاذ محمد عزان في كتابه الصحابة عند الزيدية دلائلَ كثيرة على صحّة الإجماع على عدم رضا آل رسول الله (ص) بإمامة الصدّيق ومَن بعده ، كذلك على إجماعهم على عدم السبّ لهُم ، فنُحيلُ المُهتمّ عليه . نعم! فإن ثبتَ هذا بَطُلَ قولُ مَن رمى الزيدية بالقول بإمامة المفضول مع وجود الأفضل[120] ، استناداً على تصحيحهم لإمامة المشائخ وتحقيقِ بيعتِهِم على الوجهِ المَرضي عند سادات أهل البيت (ع) ، لأنَّ صحّة الإمامة والرضا بها عن أهل البيت غير ثابت ، ولا دليلَ على ثبوته البتّة .

عودٌ إلى الكلام عن الإمام المهدي (ع) ، إذ أنّنا قَد وقَفنا على حثِّ العقول لاستشفاف مدى المُطابقة بين الصفات التي جعلها أئمة الزيدية من أهل البيت (ع) ، بما في هذه الصفات صفةُ النّسب الفاطمي ، وبينَ الصّفات التي بُشِّرَ بها في المهدي (ع) وبما فيها النّسبُ الفاطمي ، وأنَّ الأخير المُنتظَر (ع) يُكملُ مسيرة سلفه الأئمة من أبناء عليٍّ وفاطمة عليهما السلام . وتجدرُ الإشارةُ أنَّ كون الزيدية تطلبُ أن يكون كلّ إمامٍ ِمن أئمتها هُو مهديُّ زمانه لا يتنافى مع كونهم يُقرّون بظهور إمامٍ في آخر الزمان وصفهُ ودلَّ عليه رسول الله (ص) .

وقبل إتمام الكلام في هذه الرّسالة ، يجب أن نُشيرَ إلى أنَّ الإمام المهدي (ع) أملٌ مَنشودٌ ترجوهُ الأمّة الإسلامية ككلّ لُيعزّ دين الله والرسول ويُظهرهُ على الدّين كلّه ، وفي نفس الوقت لا يجبُ أن نتواكلَ ونُهملَ وندّعي العجزَ عن الإصلاح للنفس وللمُجتمع وللأمة الإسلامية ككلّ ، ببذل الجهد في الأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر بأيّ مَرتبةٍ مِن مراتبهِ الثلاث توفّرت لك ، ولْيَسعَ الجميع أن يكونوا مهديّوا أزمنتهم ، بأن يتحلّوا بأخلاق المهدي (ع) التي هي أخلاق الحبيب المُصطفى صلوات الله عليه وعلى آله .

وبهذه النكتة ، نختمُ رسالتنا عن الإمام المهدي (ع) ، وما تفرّع على شخصِه من العقائد الباطلة ، المُعتَقَدُ بها فيه ، هذا وصلّى الله وسلّم على سيدنا محمد النبيّ الأمين ، وعلى آله الغرّ الميامين ، ورضوانه على الصّحابة الراشدين والتّابعينَ لهُم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين .

10/1/1427هـ

صورة

** تمّ بحمد الله تعالى **

--------------------------------------------------------------------------------

[1] الزيدية قراءة في المشروع وبحث في المكونات ، ص 123- 124

[2] العقد الثمين ، الكلام في غيبة المهدي ، ما جاء في عيسى عليه السلام .

[3] العقد الثمين ، الكلام في غيبة المهدي ، التوقيت

[4] رواه الإمام الناصر الأطروش في كتاب الإمامة ، عن أبيه علي بن الحسن بن علي بن عمر الأشرف بن زين العابدين (ع) ، ، نقلهُ عنه الإمام عبدالله بن حمزة في العقد الثمين . الكلام في غيبة المهدي .

[5] رواه الإمام المرشد بالله يحيى بن الحسين الشجري ، في الأمالي الإثنينة . وأورده الأمير الحسين بن بدر الدين في ينابيع النصيحة ص 420 ، وذكرهُ السيد مجدالدين المؤيدي في لوامع الأنوار 1/97 ، مع اختلاف يسير في اللفظ .

[6] رواه الإمام المرشد بالله ، في الأمالي الإثنينية .

[7] أورده الأمير الناصر للحق شرف الدين الحسين بن بدرالدين (ع) في كتابه ينابيع النصيحة ، ص 420 ، ونقلهُ عنه العلامة أحمد بن محمد الشرفي في عدة الأكياس شرح معاني الأساس 2/380



[8] رواه الإمام أبو طالب ، الباب الخامس .

[9] أورده الأمير الناصر للحق شرف الدين الحسين بن بدرالدين (ع) في كتابه ينابيع النصيحة ، ص 420 ، وذكرهُ الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي في لوامع الأنوار 1/97

[10] الكامل المنير المنسوب للإمام القاسم بن إبراهيم الرسي (ع) ، ص 71 ، وذكره الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي في لوامع الأنوار 1/94 ، مع اختلاف يسير في اللفظ .

[11] رواه حافظ العترة ومُحدّثها محمد بن سليمان الكوفي رحمه الله ، في كتابه مناقب الإمام علي بن أبي طالب 2/173 ، ح650.

[12] رواه الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، المناقب 2/160 ، ح 636 .

[13] كتاب تثبيت الإمامة ، للإمام القاسم بن إبراهيم الرسي .

[14] عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس ، 2/380

[15] عدّة الأكياس في شرح معاني الأساس ، 2/381

[16] رواه الحافظ محمد بن سليمان الكوفي ، المناقب 2/112 ، ح 603 .

[17] لوامع الأنوار 1/92

[18] رواه علي بن الحسين الزيدي بسنده في كتابه المحيط بالإمامة ، وعنه نقلَ الإمام عبدالله بن حمزة في كتابه العقد الثمين ، الكلام في غيبة المهدي .

[19] رواه الإمام المرشدبالله يحيى بن الحسين الشجري ، نقلهُ عنه الإمام عبدالله بن حمزة في العقد الثمين .

[20] رواه المرشد بالله (ع) ، نقلهُ عنه الإمام عبدالله بن حمزة في العقد الثمين .

[21] رواه أبو العباس الحسني ، المصابيح : 436

[22] رواه الإمام أبو طالب ، يحيى بن الحسين الهاروني في الأمالي ، الباب الثامن .

[23] العقد الثمين .

[24] روى هذه الرسالة أبو العباس الحسني بإسناده إلى إدريس بن عبدالله ، في كتابه المصابيح .

[25] تثبيت الإمامة ، للقاسم بن إبراهيم .

[26] لوامع الأنوار ، 1/99

[27] الأحكام في الحلال والحرام ، للإمام الهادي إلى الحق ، 2/468 وما بعدها .

[28] الأحكام ، 2/470

[29] الأحكام ، 2/468 - 469

[30] انظر هذه الروايات : كمال الدين ، 289 ، 396 ، 397 غيبة الطوسي ، 142 ، 143 ، 147 ، 164 ، 241 الإرشاد ، 346 عيون الأخبار ، 24 البحار ، 36/194 ، 51/2 ، 5 ، 13 ، 15 ، 17 ، 19 ، 23 ، 24 ، 28 ، 121 ، 293 ، 360 ، 52/16 إثبات الهداة ، 1/469 ، 3/365 ، 409 ، 410 ، 414 إعلام الورى ، 394 الوسائل ، 16/244 جامع الرواة ، 2/467 دلائل الإمامة ، 264 منتخب الأثر ، 320 ، 321

[31] إعلام الورى بأعلام الهدى ، للشيخ الفضل بن الحسن الطبرسي ، 2/215 – 216 .

[32] إعلام الورى بأعلام الهدى ، 2/215 – 216 ، غيبة الطوسي : ح 200 .

[33] - كمال الدين ، 2/429 .

[34] غيبة الطوسي ، ح487 .

[35] غيبة الطوسي ، ح278

[36] كمال الدين ، ص 2/437

[37] كمال الدين ، 2/333

[38] كمال الدين ، 2/684

[39] كمال الدين ، 2/368

[40] كمال الدين ، 2/370

[41] كمال الدين ،2/377

[42] كمال الدين ، 2/381

[43] كمال الدين ، 2/382

[44] - علل الشرائع ، 1/234

[45] - غيبة النعماني ، ب10ح20 ، غيبة الطوسي ح279 ، كمال الدين 2/346

[46] - غيبة الطوسي ح247

[47] - كمال الدين ، 2/497

[48] - كمال الدين ، 2/485 . غيبة الطوسي ، ح 247

[49] العقد الثمين .

[50] رواه الإمام زيد بن علي (ع) ، في المسند ، وأورده المنصور بالله (ع) في العقد الثمين ، ورواه الكليني الجعفري في أصول الكافي ج1 باب صفة العلم وفضله وفضل العلماء ح2 . والمفيد في الاختصاص ص4 .

[51] العقد الثمين .

[52] صحيح مسلم ح1822 .

[53] صحيح البخاري ح6796 .

[54] سنن الترمذي ح 2223 .

[55] مسند أحمد بن حنبل ح 20416 .

[56] مسند أحمد بن حنبل ح 20293 .

[57] مسند أحمد بن حنبل ح 20349 .

[58] مسند أحمد بن حنبل ح 20417 .

[59] سنن أبو داود ح 4279 .

[60] مسند أحمد بن حنبل ح 20528 .

[61] مسند أحمد بن حنبل ح 3772 .

[62] روى أحمد بن حنبل في المسند ح 20347 ، عن جابر بن سمرة قال :سمعت رسول الله (ص) أو قال : قال رسول الله(ص) : (( يكون بعدي اثنا عشر خليفة كلهم من قريش ، قال : ثم رجع إلى منزله فأتته قريش فقالوا :ثم يكون ماذا ؟ قال :ثم يكون الهرج )) .

[63] مستدرك الحاكم ح 6589 .

[64] تعليقات على الإمامة عند الإثني عشرية ، ص 67

[65] - الخصال ، 218 . غيبة النعماني ، ب13ح41

[66] - تفسير فرات ، ص274 ، ضمن تفسير سورة الحج .

[67] - كفاية الأثر ، 284 .

[68] - إعلام الورى بأعلام الهدى ، 1/518

[69] - عيون أخبار الرضا م1ب4ح6

[70] - كمال الدين ، 2/334 .

[71] - الكافي للكليني ، 1/ب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى ح3

[72] - الكافي للكليني ، 1/ب الإشارة والنص على أبي الحسن موسى ح15

[73] - عيون أخبار الرضا م1ب6ح1 ، كمال الدين ، 2/305

[74] الكافي للكليني ، في باب الاضطرار إلى الحجة ، ح5 ، ونقله عنه الخوئي في معجمه ( ترجم زيد بن علي ) ، وقال سنده قوي .

[75] انظر معجم رجال الخوئي ، ترجمة محمد بن عبدالله بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) .

[76] - بحار الأنوار 23/91

[77] - علل الشرائع ، 76

[78] - أصول الكافي ج1باب أنّ الأرض لا تخلو من حجّة ح2

[79] - الاختصاص ، 269

[80] نهج البلاغة ، للإمام علي بن أبي طالب (ع) ، باب المختار من حِكم أمير المؤمنين (ع) .

[81] كتاب الرد على الروافض من أهل الغلو .

[82] الأحكام 2/467

[83] أصول الكافي للكليني ، باب صفة الإمام .

[84] الأحكام 2/466 - 467

[85] الإيضاح شرح المصباح ، مخطوط

[86] قلتُ : وهُو عينُ كلام أمير المؤمنين في النهج : ((اللَّهُمَّ بَلَى! لاَ تَخْلُو الْأَرْضُ مِنْ قَائِمٍ لِلَّهِ بِحُجَّةٍ .. )) .

[87] قلتُ : وهُو عينُ كلام أمير المؤمنين في النهج : ((وَ إَمَّا خَائِفاً مَغْمُوراً )) ، والغمور بسبب الخوف ، والظلم ، وعدم توفر الأنصار.

[88] الدّعامَة ، ص 226 - 227

[89] شرح الأصول الخمسة ، للقاضي عبدالجبار ، وشرحها للإمام المستظهر بالله أحمد أحمد بن الحسين بن أبي هاشم محمد بن علي بن محمد بن الحسن بن الإمام محمد بن أحمد بن محمد بن الحسن - والحسن هذا جد الإمام الناصر الأطروش - بن علي بن عمر الأشرف بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب ، ص 514 .

[90] الأحكام ، 2/502

[91] - إثبات الهداة ، 1/109

[92] - كمال الدين ، 345

[93] الأحكام 2/468

[94] إثبات الهداة ، 3/571

[95] عدَّة الأكياس في شرح معاني الأساس ، 2/380

[96] وفي هذا إشارَة إلى إبطالِ قولِ مَن استدلَّ بأنّ روايات الإثني عشر خليفة من طرق أهل السنة ، والذي يبقى الدين بهم عزيزاً منيعاً ، تدلُّ على عقيدة الإمامية في الأئمة ، إذ أنَّ الفتن المُظلمَة ، والجور والفساد ، ينتشرُ والمهدي حيٌّ غائب ، على رأي الإمامية ، فلا يكون الدّين عزيزاً ولا منيعاً حينها .

[97] سيرة الإمام الهادي إلى الحق ، ص 50 .

[98] - إثبات الهداة ، 3/576

[99] - كمال الدين ، 340

[100] - غيبة النعماني ، ب16ح8 .

[101] - غيبة الطوسي ح418

[102] - غيبة النعماني ، ب18ح10

[103] - غيبة الطوسي ، ح413

[104] - البحار ، 52/275

[105] - تفسير القمي ، 2/374 البرهان ، 4/381 نور الثقلين ، 5/412 الصافي ، 5/224 البحار ، 52/188 إثبات الهداة ، 3/553

[106] - البحار ، 52/182

[107] انظر مثلاً ، مقدمة ابن خلدون 1/197 ،

[108] انظر كتاب التعريفات ، ص160 ، والملل والنحل للشهرستاني ص 128

[109] البداية والنهاية لابن كثير ، 9/330 ، تاريخ الطبري 4/204

[110] الدّعامة ، ليحيى بن الحسين الهاروني ص 102 ، ص 105 ، وهو الكتاب المطبوع تحت عنوان الزيدية والمنسوب للصاحب بن عباد رحمه الله ، وهو غلط .

[111] انظر مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي ، مسائل القاسم (ع) .

[112] طبقات الشافعية الكبرى ، 2/121

[113] الرياض النضرة ، 2/173

[114] مجمع الفوائد ، ص 393

[115] روى هذا الخبر مسند اهل الكوفة الحافظ أبو عبدالله محمد بن علي البطحاني الحسني العلوي (ع) ، في كتابه الجامع الكافي 6/178 ، وعنهُ نقل العلامة محمد بن حسين الحوثي ، في مُختصرِه المختار من الأحاديث والآثار من كتب الأئمة الأطهار وشيعتهم الأبرار ص723 ، وعنهُ نقلنا.

[116] الإمام الشافي فقيه السنة الأكبر ، ص 264 ، وهُوَ عن طبقات السبكي 1/194

[117] صحيح البخاري ح3398 .

[118] الصحابة عند الزيدية ، لمحمد سالم عزان ، نقلهُ عن منهاج القرشي - مخطوط, و مآثر الأبرار 1/232

[119] الصحابة عند الزيدية ، لمحمد سالم عزان ، نقلهُ عن الحدائق الوردية 1/169. مقاتل الطالبيين 56.

[120] لمزيد تحقيق واطلاع في المسألة ، انظر كتاب الدّعامة ص99 فما بعدها . ، أيضاً انظر الإشارة إلى هذا في المختار من الأحاديث والآثار ص 724
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

حيدرة الحسني
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 144
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 03, 2003 4:49 pm

مشاركة بواسطة حيدرة الحسني »

اثابكم الله و احسن لكم الجزاء لقد استفدت كثيرا

الرجاء محاولة نشر ابحاثكم القيمة و شكرا
قال عبد اللّه بن بابك: خرجنا مع زيد بن علي إلى مكة فلما كان نصف الليل قال: يا بابكي ما ترى هذه الثريا؟ أترى أنّ أحداً ينالها؟ قلت: لا، قال: واللّه لوددت أنّ يدي ملصقة بها فأقع إلى الاَرض، أو حيث أقع، فأتقطع قطعة قطعة وأن اللّه أصلح بين أُمّة محمّد (ص)

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

مشاركة بواسطة الكاظم »

رابط تحميل البحث ، بصيغة chm ، والتي أعدّها العم معاذ أحسن الله إليه في الدّارين .

http://www5.domaindlx.com/MHMH/Almhdwyah.chm
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

المؤيدي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 8
اشترك في: الجمعة مارس 10, 2006 2:33 pm

مشاركة بواسطة المؤيدي »

أحسن الله إليكم أخي الكاظم

وجعل ما تقومون به من جهد في ميزان حسناتكم


تحياتي للجميع
فوحقه لأسلمنَّ لأمــره ==== في كل نائبة وضيق خناقِ
موسى وإبراهيم لما سلما ==== أمنا من الإغراق والإحراقِ

الـــــمــــــؤيــــــدي

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“