بحث مفيد للشيخ الاعظم

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
القاسمى
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 292
اشترك في: الجمعة يوليو 30, 2010 9:14 am

بحث مفيد للشيخ الاعظم

مشاركة بواسطة القاسمى »

بسم الله الرحمن الرحيم

قال الشيخ الاعظم مرتضى الأنصاري (رضوان الله عليه) المتوفى سنة1281هـ في كتابه "فرائد الأصول" المعروف بـ "الرسائل":
"وظهر مما ذكرنا أن ما علم إجمالا من الأخبار الكثيرة من وجود الكذابين ووضع الحديث فهو إنما كان قبل زمان مقابلة الحديث وتدوين علمي الحديث والرجال بين أصحاب الأئمة (ع)، مع أن العلم بوجود الأخبار المكذوبة إنما ينافي دعوى القطع بصدور الكل التي تنسب إلى بعض الإخباريين أو دعوى الظن بصدور جميعها، ولا ينافي ذلك ما نحن بصدده من دعوى العلم الإجمالي بصدور أكثرها أو كثير منها، بل هذه دعوى بديهية، والمقصود مما ذكرنا دفع ما ربما يكابره المتعسف الخالي عن التتبع من منع هذا العلم الإجمالي". (1)
وقد خلص الشيخ الأنصاري (رض) إلى هذه االنتيجة بعد أن ذكر مجموعة من الأدلة والشواهد على مسألة تنقيح الأحاديث من الروايات المدسوسة والمكذوبة، فقال:
"ما اعتمدته سابقا، وهو أنه لا شك للمتتبع في أحوال الرواة المذكورة في تراجمهم كون أكثر الأخبار بل جلها إلا ما شذ وندر صادرة عن الأئمة (ع).
وهذا يظهر بعد التأمل في كيفية ورودها إلينا وكيفية اهتمام أرباب الكتب من المشايخ الثلاثة ومن تقدمهم في تنقيح ما أودعوه في كتبهم وعدم الاكتفاء بأخذ الرواية من كتاب وإيداعها في تصانيفهم حذرا من كون ذلك الكتاب مدسوسا فيه من بعض الكذابين.
فقد حكي عن أحمد بن محمد بن عيسى أنه قال:
جئت إلى الحسن بن علي الوشاء وسألته ان يخرج إلي كتابا لعلاء بن رزين وكتابا لأبان بن عثمان الأحمر فأخرجهما، فقلت: أحب أن أسمعهما، فقال لي: رحمك الله، ما أعجلك! اذهب فاكتبهما واسمع من بعد، فقلت: لا آمن الحدثان، فقال: لو علمت أن الحديث يكون له هذا الطلب لاستكثرت منه، فإني قد أدركت في هذا المسجد مائة شيخ، كل يقول: حدثني جعفر بن محمد عليهما السلام.
وعن حمدويه، عن أيوب بن نوح: أنه دفع إلي دفترا فيه أحاديث محمد بن سنان، فقال: إن شئتم أن تكتبوا ذلك فافعلوا، فإني كتبت عن محمد بن سنان، ولكن لا أروي لكم عنه شيئا، فإنه قال قبل موته: كل ما حدثتكم به فليس بسماع ولا برواية وإنما وجدته.
فانظر كيف احتاطوا في الرواية عمن لم يسمع من الثقات وإنما وجد في الكتب، وكفاك شاهدا أن علي بن الحسن بن فضال لم يرو كتب أبيه الحسن عنه مع مقابلتها عليه، وإنما يرويها عن أخويه أحمد ومحمد عن أبيه، واعتذر عن ذلك بأنه يوم مقابلته الحديث مع أبيه كان صغير السن ليس له كثير معرفة بالروايات، فقرأها على أخويه ثانيا.
والحاصل: أن الظاهر انحصار مدارهم على إيداع ما سمعوه من صاحب الكتاب أو ممن سمعه منه، فلم يكونوا يودعون إلا ما سمعوا ولو بوسائط من صاحب الكتاب، ولو كان معلوم الكتاب مع اطمئنانهم بالوسائط وشدة وثوقهم بهم، حتى أنهم ربما كانوا يتبعونهم في تصحيح الحديث ورده، كما اتفق للصدوق بالنسبة إلى شيخه ابن الوليد قدس سرهما.
وربما كانوا لا يثقون بمن يوجد فيه قدح بعيد المدخلية في الصدق، ولذا حكي عن جماعة منهم التحرز عن الرواية عمن يروي من الضعفاء ويعتمد المراسيل، وإن كان ثقة في نفسه كما إتفق بالنسبة إلى البرقي.
بل يتحرزون عن الرواية عمن يعمل بالقياس، مع أن عمله لا دخل له بروايته، كما اتفق بالنسبة إلى الإسكافي، حيث ذكر في ترجمته أنه كان يرى القياس، فترك رواياته لأجل ذلك.
وكانوا يتوقفون في روايات من كان على الحق فعدل عنه، وإن كانت كتبه ورواياته حال الاستقامة، حتى أذن لهم الامام، عليه السلام، أو نائبه، كما سألوا العسكري، عليه السلام، عن كتب بني فضال، وقالوا: إن بيوتنا منها ملاء، فأذن عليه السلام لهم.
وسألواالشيخ أبا القاسم بن روح عن كتب إبن عزاقر التي صنفها قبل الارتداد عن مذهب الشيعة، حتى أذن لهم الشيخ في العمل بها.
والحاصل: أن الامارات الكاشفة عن إهتمام أصحابنا في تنقيح الاخبار في الازمنة المتأخرة عن زمان الرضا، عليه السلام، أكثر من أن تحصى ويظهر للمتتبع.
والداعي إلى شدة الاهتمام - مضافا إلى كون تلك الروايات أساس الدين وبها قوام شريعة سيد المرسلين، صلى الله عليه وآله، ولهذا قال الامام، عليه السلام، في شأن جماعة من الرواة: "لولا هؤلاء لاندرست آثار النبوة"، وأن الناس لا يرضون بنقل ما لا يوثق به في كتبهم المؤلفة في التواريخ التي لا يترتب على وقوع الكذب فيها أثر ديني بل ولا دنيوي، فكيف في كتبهم المؤلفة، لرجوع من يأتي إليها في أمور الدين، على ما أخبرهم الامام، عليه السلام، بأنه يأتي على الناس زمان هرج لا يأنسون إلا بكتبهم، وعلى ما ذكره الكليني، قدس سره، في ديباجة الكافي من كون كتابه مرجعا لجميع من يأتي بعد ذلك - ما تنبهوا له ونبههم عليه الائمة - عليهم السلام - من أن الكذابة كانوا يدسون الأخبار المكذوبة في كتب أصحاب الائمة، عليهم السلام، كما يظهر من الروايات الكثيرة:
منها: أنه عرض يونس بن عبدالرحمن على سيدنا أبي الحسن الرضا، عليه السلام، كتب جماعة من أصحاب الباقر والصادق، عليهما السلام، فأنكر منها أحاديث كثيرة أن تكون من أحاديث أبي عبدالله عليه السلام.
وقال: "إن أبا الخطاب كذب على أبي عبدالله، عليه السلام، وكذلك أصحاب أبي الخطاب يدسون الاحاديث إلى يومنا هذا في كتب أصحاب أبي عبدالله عليه السلام".
ومنها: ما عن هشام بن الحكم أنه سمع أبا عبدالله عليه السلام يقول: "كان المغيرة بن سعد، لعنه الله، يتعمد الكذب على أبي ويأخذ كتب أصحابه، وكان أصحابه المستترون بأصحاب أبي يأخذون الكتب من أصحاب أبي فيدفعونها إلى المغيرة، لعنه الله، فكان يدس فيها الكفر والزندقة ويسندها إلى أبي، عليه السلام"، الحديث.
ورواية الفيض بن المختار المتقدمة في ذيل كلام الشيخ، إلى غير ذلك من الروايات". (2)
وهذه الإجابة التفصيلية من الشيخ الأنصاري (قد) تعد من مقدمات أحد الأدلة المستندة إلى العقل في إثبات حجية الخبر الواحد، والشيخ الأنصاري وإن كانت له ردود وملاحظات على مجموع مقدمات هذا الدليل، ولكنه لم يعترض بتاتا على هذه المقدمة بالذات، بل وصريح كلامه يدل على الاعتماد عليها، حيث قال:
"ما اعتمدته سابقا، وهو أنه لا شك للمتتبع في أحوال الرواة المذكورة في تراجمهم كون أكثر الأخبار بل جلها إلا ما شذ وندر صادرة عن الأئمة (ع)".
(1) فرائد الأصول ج1 ص356 طبعة مجمع الفكر الإسلامي، وج1 ص169 طبعة مؤسسة النشر الإسلامي
(2) فرائد الأصول ج1 ص351 طبعة مجمع الفكر الإسلامي، وج1 ص167 طبعة مؤسسة النشر الإسلامي

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“