تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّقلَين

هذا المجلس لطرح الدراسات والأبحاث.
أضف رد جديد
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّقلَين

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرّحمن الرحيم

تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّةِ ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّقلَين

إعدَاد : الشّريف أبو الحسَن الرّسي
( الكَاظِم الزّيدي )

والصلاة والسّلام على أشرف الأنبياء والمُرسلين ، محمّد بن عبد الله الصّادق الأمين، وعلى آله الطّيبين الطّاهرين ، سُفُن النّجا وعلامَاتُ الاهتدَا ، وَرضوانُه عَلى الصّحابَة الُمخلِصين ، حُصون الدّين ومَعقله ، والتّابعين لهُم بخيرٍ وإحسانٍ إلى يوم الدّين.

وبعد :

فإنّا آثَرنَا أخي القَارئ والباحث عن الحق ، على قلّةٍ في البضاَعة ، وقصرٍ في البَاع، أن نحرّر مُجتهِدين في معَنى حديث الثّقلين المَشهور ، الحاثّ على اتّباع سادات بني الحسن والحسين ، أهل البيت المُطهّرين ، ما تقرّ به العيون ، وتشنفُ لهُ الآذان بإذن الله تعالى ، كيفَ لا ونحنُ قد اشترطنَا على أنفُسِنا إنصافَ النّاس مِنّا ، واشترطنَا إنصافَهُم لنَا ، واحتطنَا بكتاب الله تعالى ، وبصحيح سنّة رسوله الكريم (ص) ، وبِهَدي علماء وأئمّة أبناء الوصيّ والبَتول ، قال الرّسول (ص) لأمّته : ((إنّي تاركٌ فيكم من إن تمسّكتُم به لن تضلّوا من بعدِي أبداً ، كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، إنّ اللطيف الخَبير نبأّني أنّهما لن يفترقَا حتّى يردَا عليّ الحَوض)) ، فَو الذي لا إلهَ إلاّ هُو ، لَو لَم يكُن مِن علمِ العالِم إلاّ حُسنُ القراءة والكتابَة لمَا كانَ لهُ عاذراً أن يقفَ وقفَة تأمّلٍ في فِقه هذا الحديث وحَدِّهِ ولازمِه ، قال السّلف إذا صحّ الحديث فهُو لنَا مَذهَب ، فلماذا لَم يقتدِ الخلَف ؟! ، هذه وصيّةٌ عظيمَة ، وصلَةٌ إلهيّة متينَة ، وهِبَةٌ محمديّةٌ جزيلَة ، تُشدّ لهَا الرّحال على بُعد المَفاوز، النّاس اليَوم كحالِهِم بالأمس يعيشون تخبّطاً عجيباً ، وانقساماً رَهيباً ، لا يعرفون بجزمٍ أيّ دينٍ أو مذهبٍ هُو المذهبُ الحقّ ، فَهل لم يجعَل لنَا الله إلى ذلكَ كلّه طريقاً قاطعاً ، الله رَحِمَ أهل الأرض بمحمّد بن عبدالله سيّدنا الخاتَم الأمين فأدْرَكَنا قاطعينَ أنّ الإسلام هُو دين الله تعالى المُهيمن على بقيّة الأديان ، فإذا أهلُ الإسلام مُتمذهبون بمذاهبَ عدّة حتى عجزَ بعضهُم عن حصرهَا تخميناً منهم بزيادتها في قادمِ الأزمَان ، فَهل من صلّةٍ إلهيّة ، ووصيّة محمّدية بطريقٍ قاطعٍ إلى إيجاد قولٍ واعتقادٍ يُرضي الله والرّسول (ص) ؟! قال الله تعَالى : ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) [الإسراء:15] ، ورسولُ الله (ص) قد مضَى ، وبقيَ كتابُ الله وسنّته ومنهَجه فمَن ذا يرحمُنا الله بهِم من الأمّة إن نحنُ تمسّكنا بهِم يَقومونَ لنَا بعلوم رسول الله (ص) لتكونَ الحجّة لله علينَا قائمَة ؟! ، أكيداً ليسَ جميعُ الأمّة لأنّهم مُختلفون ، ولَو قيلَ في بعضهِم لاحتاجَ هذا البعضُ إلى نصٍّ وتخصيص ، فتتنازعُ الأمّة هذه البعضيّة المُحقّة دونَ الأخرى بلا وصيّة ولا كتابٍ مُنير ، وأكيدٌ أيضاً أنّ هذه الرّحمة ليسَت للأئمّة الغائبين لعدَم استفادَة العبَاد منهُم دعوةً ولا هدايَة ، فلا نجدُ طريقاً قاطعاً لمعرفَة منهج الله والرّسول (ص) إلاّ في طَرف جماعةٍ أوصَى الله والرّسول (ص) بهِم، وإلاّ كانَ بدون ذلك الظّن والرّيب والشّك ، فهَل تجدُ أخي الباحث في حديث الثّقلين ما يحلّ لنَا ولكَ هذا الإشكَال ؟! ، حَرِّر نفسَك مِن رقِّ العبوديّة المذهبيّة ، أطلق لفكرِك العَنان لمعرفَة الحقّ من الباطِل ، هذا واجبُ العَقل عليك ، وسوفَ تُسألُ عنه يوم القيامَة فيمَ سخّرتَه ، لستُ أقولُ لكَ انقَد وانصَع لكلامِي ، ولكن أقولُ لكَ اعرضهُ على كتاب الله تعالى أولاً ، ثمّ على صحيح سنّة رسول الله (ص) ثانياً ، وأعْمِل تفكيرَك وفطرَتَك ، فلستُ مُطيلاً في مقدّمتي هذه ، رغبةً في الولوج في المَقصود مُتوكّلاً على الله ربّ العالَمين .

وذلكَ أنّا تكلّمنا في هذا المبحَث مِن عدّة فصول الغرضُ منها جميعُها إثباتُ قطعيّة ثبوتِ ودلالة حديث الثّقلين على اتّباع أهل البيت (ع) لمّا وجدنَا مُتأخّرة الفقهاء يحرصونَ على توهين طُرقُ ومعنى هذا الخبَر في أعين العامّة المُقلّدَة التي لن يعذُرَها الله متَى عرفَت فأغفلَت ، بل إنّكَ تجدُ أحسنَ القوم حالاً من يُثبت صحّة طريق حديث الثّقلين ولكنّه يُجرّدهُ عن مَعناه ودَلالَته في التبعيّة لأهل البَيت تجرُّدَ العربيّ من لغَة العرَب ، وتجرّدَ العالِم من علمِه وإنصافِه ، فقسّمنا هذا المبحَث إلى خمسَة فصول ، الفصلُ الأوّل منهَا : يتناولُ إثبات قطعيّة ثبوتِ ودلالة حديث الثّقلين ، وهُو ينقسمُ إلى قسمَين ، قسمٌ يتناولُ الأحاديث المُسندَة ، وقسمٌ يتناولُ الأحاديث المُرسلَة ، والفصلُ الثّاني : تكلّمنا فيه عن طُرق حديث الثّقلين المرويّة باختصار اللّفظ ، والفصلُ الثّالث: في تصحيح العُلماء لحديث الثّقلين ، والفصلُ الرّابع: في فقِه حديث الثّقلين ومُناقشَة أهمّ جوانبِه بإسهَاب وتفصيل ، والفصلُ الخامس: في أقوال وتعليق الأئمّة والعلماء على حديث الثّقلين ، وهُو ينقسمُ إلى قسمَين ، أقوال علماء الفرقَة السنيّة في حديث الثقلين ، والقسمُ الثاني : يتناولُ أقوال أئمّة وعلماء أهل البيت (ع) ، وشيعتُهم الكرام فيه ، سائلين الله تعالى أن نكونَ في هذا الكلام سابقِه ولاحقِه مُخلصينَ النيّة والسّريرة في معرفَة الحقّ فاتّباعِه ، وأن نكونَ وإيّاكم ممّن قال الله تعالى فيهِم : ((الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُوْلَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُوْلَئِكَ هُمْ أُوْلُوا الْأَلْبَابِ)) [الزمر:18] ، وهذا أوان الشروع .

الفَصلُ الأوّل : إثبات قطعيّة ثبوت ودلالَة حَديث الثَّقلين :

القسم الأوّل : إثبات قطعيّة ثبوت ودلالَة حَديث الثَّقلين بالأحاديث المُسندَة .

اعلم أخي الباحث رحمنَا الله وإيّاك ، أنّ أهل البيت (ع) على تواتر حديث الثّقلين، والتواتر هُو أسمَى مراتب الإثبات للحديث ، والتواترُ نُوعَان ، إمّا أن يكونَ لفظيّاً، وإمّا أن يكونَ معنويّاً ، فاللفظيّ منهُ مارواهُ الجَمعُ من الصحابَة ، قيلَ خمسَةٌ فأكثَر ، ورواهُ عن الجمَع جمعٌ آخَر ، وهكذَا في كلّ طبقَة من رواتِه يكونون جمعاً ، بحيث يستحيلُ تواطؤهُم على الكَذِب مع اختلاف بُلدانهِم وأقطارِهِم ، ويكونُ لفظُ روايَتهِم واحدَة ، كما روي عن رسول الله (ص) : ((مَن كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه)) ، فهو مُتواترٌ لفظيّاً ، نعم! والتواترُ المعَنوي يُشاركُ اللفظيّ في طُرق الرّوايَة ، وتكونُ روايتهُ بألفاظٍ مُتقاربَة تُفيدُ في مَعنَاهَا معنىً واحداً بزيادة أو نقصان من هذا الطّريق أو ذَاك لا تُخلّ بالمَعنى الرئيس ، فمَا هذا حالُه سمّيناهُ تواتراً معنويّاً ، وأهل البيت (ع) مُطبقون على أنّ حديث الثّقلين من الأحاديث المتواترَة معنويّاً والمرويّة من طريق جماعَة الأمّة باختلافِ مذاهبهِم وبُلدانهِم ، وُهنا سنتكلّم عن طُرقُ ودلالَة روايَة هذا الحديث حَسَب المصادِر والمراجِع الحديثيّة ، ونتكلّم على أسانيدِها ودلالَتِها ، واعلَم أنّا لا نقصدُ بهذا الحَصر وإنّما الاستقصاءُ قدرَ الجهد والهمّة ، وإلاّ فالباحثُ قد يَستزيد ، أيضاً اعلَم أنّا قد نُكثرُ بإيرادِ الطّرق عن الرّاوي الواحِد لغَرَض الاستظهَار بالمُتابعَة لمَن محلّه الصّدق دونَ الوثاقَة من الرّواة فيُقوّي هذا روايَتَه ، أيضاً نريدُ به إظهارَ كثرَة طبقَات الرّواة ليتحقّقَ لكَ شرطُ التّواتُر ، هذا وقد نذكرُ في الرّواية الواحدَة أكثر مِن إسنَاد وطريق ونَعُدّها طريقاً واحداً وهي عند التحقيق أكثَرُ من طريق كما في الرّواية الرّابعَة وغيرِها ، أيضاً اعلَم أخي أنّا لم نقتصرِ في بحثِنا هذا كُتُب طائفةٍ دون طائفَة لأنّ طريقَ الحديث هُو الإسناد الصّحيح ، أيضاً قد نوردُ طُرُق أهل البيت (ع) ضمنَ هذا الفَصل وأقوالَهُم فيما يتلوهُ من الفصول ونؤخِّرُ ذِكرَهُم تقديماً لقولِ المُخالِفين بما يحجّهم من كُتبِهم المُعتبرَةِ عندَهُم لأنّ هذا البحث موجّه إليهِم أكثرَ من غيرِهم ، أمّا المُوالِِفُ فيزيدُ بهِ بإذن الله تعالى تبصّراً وتثبّتاً واتّباعاً لأهل البيت (ع)، أيضاً نُشيرُ إلى أنّا اجتهَدنا في تتبّع أقوال أهل الجرح والتعديل في الرّجال واجتهدَنا قدرَ المُستطاع في تثبيت ما يستحقّ من الجرحَ دونَ ما كانَ فيه التّحامل والمجازفَة واضحَة وظاهرَة ونُشيرُ إلى ذلك في موضِعه عند التصحيح أو التّحسين أو حتّى التضعيف ، نعَم! فمِن طُرُق حديث الثّقلَين .

الرّوايَة الأولَى :

المَصدَر : [مُسند أحمد بن حنبَل : 5/189] .

السَّنَد : حدثنا عبد اللَّهِ ، حدثني أبي [أحمد بن حنبَل] ، ثنا أبو أَحْمَدَ الزبيري [هُو محمّد بن عبدالله بن الزّبير الأسدِي من رجال البخاري ومُسلم] ، ثنا شَرِيكٌ [ابن عبدالله بن أبي شَريك النّخعي] ، عَنِ الرُّكَيْنِ [ابن الرّبيع] ، عَنِ الْقَاسِمِ بن حَسَّانَ ، عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ ، قال : قال رسول صلى اللَّهِ عليه وسلم :

المَتن : ((إني تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بيتي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ جَمِيعاً)) .

الحُكم : صَحِيح ، وصحّحهُ محمّد بن إسحاق من روايَة شَريكٍ النّخعي عن الرّكين بشكلٍ عام ، نقلَ هذا عنهُ أبو منصورٍ محمد بن أحمد الأزّهري في كتابه [تهذيب اللّغة:2/157].

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّةٌ من الرّسول (ص) ، والوصيّة مُقدّمةٌ في الأهميّة (إني تَارِكٌ فِيكُمْ) ، والتّركُ هُو التّخلِيف ، (خَلِيفَتَيْنِ) أمرَين اثنَين عظيمَين وَريثَين ثقيلَين ، (كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بيتي) ، والمَعنى هُنا هُو الاّتباع لهُما ، لأنّ المُوصِي يُشيرُ إلى العنايَة بالخليفَتين الكتاب والعترَة ، (وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا) عن الحقّ ووجهه وطريقه ، ولا مَعنى للافتراق إلاّ هذَا ، نعني الافتراق عن الحقّ ، إذ هُما بالذّات مُفترقِين فليسَت العترَة تحملُ الكتاب بأيديهِم دائماً ، فيكونُ المَعنى بشكلٍ عام هُو التمسّك بالكتاب والعِترَة ، ومعلومٌ أنّ من تمسّكَ بالكِتاب ولم يفترِق عنهُ لن يضلّ فكذلكَ يحصلُ (عدم الضّلال) لمن تمسّك بوصيّة رسول الله (ص) في الكتاب والعترَة ، (حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ جَمِيعاً)، حتّى يوم القيامَة ، فهذا دليلُ التبعيّة حيثُ أنّ الكتاب والعترَة لن يتفرّقا حتّى يوم القيامَة ، فكانَ الحقّ القطعيّ دائماً مع الكتاب ، فكذلكَ الحقّ القطعيّ معَ مَن هُم مُقارنونَ للكتاب مُلازمونَ له لن يتفرّقوا عنهُ ولن يتفرّقَ عنهُم ، ففي هذا دليلٌ قطعيّ على معنى ودلالَة هذا الحديث في إثبات التبعيّة لأهل البيت (ع) .

الرّوايَة الثّانية :

المَصدَر : [سُنَن التّرمذي : 5/663] .

السَّنَد : حَدثنا عَلي بن المُنذِر الكُوفِي ، حَدّثنَا محمّد بن فُضيل [ابن غَزوان من رجال البخاري ومسلم] قال حدثنا [سُليمَان] الأعمَش عن عَطيّة [العوفي] عن أبي سَعيدٍ [الخُدريّ] و [سُليمَان] الأعمش عن حَبيب بن أبي ثَابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا ، قال رسول الله (ص) :

المَتن : ((إنّي تَارِكٌ فِيكُم مَا إن تَمَسّكتُم بِه لَن تضلّوا بَعدِي أحَدُهُما أعَظَمُ مِن الآخَر ، كِتابَ الله حَبلٌ مَمدودُ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض ، وعِترتي أهل بَيتي ، ولَن يَتفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض فَانظُروا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا)) .

الحُكم : صَحِيحٌ بطريقَيه ، صحّحه الشيخ الألباني ، وإلاّ (تنَزّلاً) ، فهُو حَسَنٌ صَحِيح من طريقِ الأعمش عن عطيّة ، وإلاّ فهُو صحيح .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، (إني تَارِكٌ فِيكُم) ، والتّركُ هُو التّخلِيف ، (مَا إن تَمَسّكتُم بِه) ، أي تمسّكتُم اتّباعاً ، وليسَ تَمَسُّكَ الأيدي بالمُقابضَة، فالتمسّك شرطٌ لحصولِ عدم الضّلال ، (لَن تضلّوا بَعدِي) ، وهذا يُؤكِّد أنّ معنى التمسّك هُو الاّتباع ، وكذلكَ التمسّك بالمحبّة فإنّها لن تكونَ شرطاً لعدم الضّلال إلاّ بإعقابِ المحبّة بالاتّباع ولا يوجَد محبّة بدون اتّباع ، وقولُه (ص) : (بعدِي) تأكيدٌ لكون هذا الحديث وصيّة يَقترنُ مع قولِه (إني تَارِكٌ فِيكُم) في أوّل الحديث ، (أحَدُهُما) أي أنّ هُناك أمرَين، (أعَظَمُ مِن الآخَر) ، فهذَين الأمرَين عظيمَين ثَقِيلَين مُكمِّلَين لبعضِهمَا البَعض في معرفَة الحقّ المحمّدي ، وقولُه أعظمُ من الآخَر لكي لا يُستَهَان بعظمَة الواحِد منهُما في الاتّباع دونَ الآخَر ، وهذه قمّة العظمَة والشّرف ، (كِتابَ الله حَبلٌ مَمدودُ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض) ، أوّل هذين الأمرَين كتاب الله تعَالى المُنزّل بأمرِ الله تعَالى مع الملائكَة الكِرام ، والثّقَلُ العظيمُ الثّاني الذي بالتمسّك به إلى جانب القرآن يحصلُ شرطُ عدم الضّلال ، (وعِترتي أهل بَيتي) ، هُم أهل بيت الرّسول (ص) ، ساداتُ بني الحسَن والحسين ، فكانوا الطّريقَ إلى الكتاب العزيز ، ولتأكيد المُتابعَة والمُلازمَة والتّرابُط بين هذين الأمرَين العظيمَين (الثَّقَلين) ، يقول (ص) : (ولَن يَتفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض) ، أي حتّى انقطاع التكليف ، ثمّ يؤكّد الرّسول (ص) لأمتّه أن ينظرُوا ، بمعَنى : يلتزمُوا لأنفُسهِم ، ويَتحرَّوا كيفَ يَخلفُون رسول الله (ص) في العمَل بوصيّته هذه ، (فَانظُروا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا) ، وقولِه (فيهِما) دليلٌ على كونِهما أمرَين اثنَين ، وخلافَة الرّسول (ص) في القرآن ليسَت إلاّ الاتّباع ، وكذلِك خلافَتهُ في أهل البيت (ع) ليسَت إلاّ الاتّباع ، إذ لن يُقال خلافَة الرّسول (ص) في القرآن اتّباع ، وخلافَته (ص) في أهل بيتِه إنّما هي مودّة وتوصيَة ، وجميعُها كانا شرطَا عدم الضّلال والنّجاة ، وهذا تحكّم ، وقَهرٌ للإنصاف .

الرّوايَة الثّالثَة :

المَصدَر : [سُنَن النّسائي الكُبرى : 5/45] .

السَّنَد : أخبرنا محمد بن المثنى [العنزي مِن رجال البخاري ومسلم] ، قَال ثنا يحيى بن حماد [الشّيباني] ، قال ثنا أبو عوانة [وضّاح بن عبدالله اليَشكري]، عن سُليمَان [الأعمَش] ، قال ثنا حَبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطّفَيل [عامِر بن واثلَة الليثِي ، صَحابِيّ] ، عن زيد بن أرقم ، قال:

المَتن : ((لَمَّا رَجَعَ رَسُول الله (ص) عَن حَجَّة الودَاع ونَزَل غَدِير خُمِّ أمَرَ بِدوحَات فَقُمِمْنَ ، ثمَّ قَالَ : ((كَأنِّي قَد دُعِيتُ فَأَجَبْتُ ، إنّي قَد تَرَكتُ فِيكُم الثَّقَلَين ، أحَدُهُمَا أكبَرُ مِنَ الآخَر ، كِتَابَ الله ، وعِترَتِي أهلَ بَيتي ، فَانظُرُوا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا ، فَإنَّهُمَا لَن يَتفَرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض ، ثمّ قَالَ : إنَّ الله مَولايَ ، وأنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ، ثمّ أخَذَ بِيَدِ عَليِّ ، فقَال : مَن كُنتُ وَليِّهُ فَهذَا وَليّه ، اللهمَّ وَالِ مَن وَالاه ، وعَادِ مَن عَادَاه)) ، فَقلتُ لِزَيدٍ : سَمِعتَهُ مِن رَسُول الله (ص) ؟! ، قَال : مَا كَان فِي الدّوحَات رَجُلٌ إلاَّ رَآهُ بِعينِه ، وسَمِعَ بأُذُنِه)) .

الحُكم : صَحِيح ، قال ابن كثير : ((قَال شَيخُنا أبو عَبدالله الذَّهَبي : وهَذَا حَديثٌ صَحِيح)) [البداية والنهاية:5/209] ، وقال أبو جعفر الطّحاوي: ((فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحُ الإِسْنَادِ لاَ طَعْنَ لأَحَدٍ في أَحَدٍ من رُوَاتِهِ)) [شرح مشكل الآثار:5/18] .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (كَأنِّي قَد دُعِيتُ فَأَجَبْتُ) ، وفيه ينعَى نفسَه (ص) ، فيوصِي أمّته بما يُنجيهِم إن هُم اتّبعوا وصيّته ، (إنّي قَد تَرَكتُ فِيكُم الثَّقَلَين) أي خلّفتُ فيكُم أمرَين ثَقيلَين عظيمَين ، سَبَبين للّنجاة وعدَم الضّلال ، (كِتَابَ الله ، وعِترَتِي أهلَ بَيتي) ، الكتاب وأهل البيت ، (فَانظُرُوا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا) ، وهذا تأكيدٌ في الاتّباع والخلافَة فيهِما بأحسَن الخِلافَة ، ووجهُ هذا القَول كلّه من رسول الله (ص) هُو الحثّ على التمسّك والاتّباع ، فخلافَة القرآن كما ذكَرَنا ليسَت إلاّ خلافَة التمسّك ، وكذلكَ الحالُ مع العترَة ، فهُما وصيةٌ واحدِة لرسول الله (ص) ، فالتمسّك بالعترَة طريقُ التمسّك بالقرآن ، وتركُ أحدهِما تركٌ للآخَر رأساً ، والحقّ فيهِما ومعَهما إلى انقطاعِ التّكليف ، (فَإنَّهُمَا لَن يَتفَرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض) ، وعدَم افتراقِ هذين الثّقَلين (الكتابُ والعترَة) دليلٌ على إيجاب التمسّك بهِما ، لِما وجبَ ضرورةً من أنّ القرآن مُلازمٌ للحقّ ، وأنّه متى اقترنَ أهل البَيت حتّى ورود الحَوض بالقرآن كانَ في هذا دليلٌ على عدم افتراقِ الحقّ عنهُم ، وفيه تأكيدٌ على التبعيّة والتمسّك بهِم .

الرّوايَة الرّابعَة :

المَصدَر : [المُستدرك عل الصّحِيحَين : 3/118] .

السَّنَد : حدثنا أبو الحُسين محمّد بن أحمد بن تميم الحَنظَلِي بِبغدَاد ، ثنا أبو قُلابَة عَبد الملك بن محمّد الرُّقَاشِي ، ثنا يحيى بن حمّاد ، [إسنَاد ثانٍ] وحَدَّثني أبو بَكر محمّد بن بَالَويه ، وأبو بَكر أحمَد بن جَعفَر البزّار ، قَالا ثنا عبد الله بن أحمد بن حنبل ، حَدثني أبي ، ثنا يَحيى بن حمّاد ، [إسنادٌ ثالث] وثنا أبو نَصر أحمد بن سَهل الفَقِيه بِبُخَارَى ، ثنا صالِح بن محمّد الحافِظ البَغدادي ، ثنا خَلَف بن سَالم المخرَمي ، ثنا يحيى بن حمّاد [الشيباني] ثنا أبو عوانة ، عن سُليمان الأعمَش ، قال ثنا حبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطفيل ، عن زَيد بن أرقَم رضي الله عنه قال :

المَتن : ((لَمَّا رَجَعَ رَسُول الله (ص) مِن حَجَّةِ الوَدَاع ونَزَلَ غَدِير خُمِّ أمَرَ بِدوحَات فَقُمِمنَ ، فقَالَ : ((كَأنّي قَد دُعِيتُ فَأجَبتُ ، إنّي قَد تَركتُ فِيكُم الثّقَلَين أحَدُهُما أكَبر مِنَ الآخَر ، كِتاب الله تَعالى ، وَعِترَتِي ، فَانظُروا كَيفَ تَخلفُونِي فِيهِمَا ، فَإنّهُمَا لَن يَتفَرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض ، ثمّ قَال : إنَّ الله عَزّ وجَلَّ مَولايَ ، وأنَا مَولَى كُلُّ مُؤمِنٍ ، ثمّ أخَذ بِيد عَليٍّ رَضي الله عنهُ فَقَال: مَن كُنتُ مَولاهُ فَهذا وَليّه ، اللهمّ وَالِ مَن وَالاهُ وَعَادِ مَن عَادَاه ، وذَكَرَ الحَدِيثَ بطولِه)) .

الحُكم : صَحِيح ، وقال الحاكم النّيسابوري : ((هَذا حَديثٌ صَحِيحٌ عَلى شَرطِ الشَّيخَين وَلَم يُخَرِّجَاه)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثالثَة .

الرّوايَة الخامسَة :

المَصدَر : [سُنَن التّرمذي : 5/662] .

السَّنَد : حَدّثنَا نَصر بن عَبد الرّحمن الكُوفي ، حدّثنا زَيد بن الحسَن هُو الأنمَاطِي، عن جَعفر بن محمد [الصّادق] ، عَن أبيه ، عن جَابر بن عَبد الله [الأنصاري] ، قَال :

المَتن : ((رَأيتُ رَسُول الله (ص) ، فِي حَجَّتِه يَومَ عَرَفة ، وَهُو عَلى نَاقَتِه القَصوَاء يَخطُب ، فَسَمِعتُه يَقول : ((يَا أيّهَا النّاس إنّي قَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَن تَضلِّوا كِتابَ الله وَعِترَتِي أهَل بَيتي)) .

الحُكم : صَحِيح ، وصحّحه الألباني ، قلتُ : وقد يُتكلَّم في زيد بن الحسَن الأنماطي فيُقال عنهُ ضعيف ، والحقّ أنّه عكسُ ذلِك ، ولا مُستندَ على تضعيفِه من أقوال المُـتقدِّمين من أهل الجرح والتعديل –فيما بحثنَا عنه- إلاّ قول أبي حاتم : مُنكَر الحَديث ، وأبو حاتم معروفٌ تشدّده في جَرح الرّجال ، حتّى قال الذّهبي فيه : ((إذَا وَثَّقَ أبو حَاتِم رَجُلاً فَتمَسَّك بِقولِه فَإنّه لا يُوثِّقُ إلاَّ رَجُلاً صَحِيح الحَدِيث ، وإذَا لَيَّن رَجُلاً أو قَال فِيه لا يُحتَجُّ بِه فَتوقَّف حَتى تَرى مَا قَالَ غَيرُه فِيه ، فَإن وَثَّقَه أحَدٌ فَلا تَبنِ عَلى تَجريحِ أبي حَاتِم فَإنّه مُتعَنِّتٌ فِي الرِّجَال ، قَد قَال فِي طَائفةٍ مِن رِجَال الصِّحَاح لَيس بحجّة ، لَيس بِقوي ، أو نَحو ذَلِك)) [سير أعلام النّبلاء: 13/260] ، وهذا عندِي من ذَاك ، فإنّه يجب ألاّ يُعتمد على إنكار أبي حاتِم على زيد بن الحَسن ، على أنّ الترمذي نفسَه قد قال عقيبَ إيرادِه للحديث : ((وَزَيد بن الحَسَن قَد رَوى عَنه سَعِيد بن سُليمَان ، وغَيرُ وَاحِدٍ مِن أهلِ العِلم)) ، ففيه تقوية ، على أنّه عندَنا نحنُ الزيدية من ثقات محدّثي الشيعَة من المُتابعِين للإمام زيد بن علي (ع) .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (يَا أيّهَا النّاس إنّي قَد تَركتُ فِيكُم) ، أمرَين عظيمَين ثَقيلَين إن تمسّكتُم وأخذتُم بِهَا حصلَت لُكم النّجاة من الضّلال ، (مَا إن أخَذتُم بِه) ، أي تمسّكتُم به واعتمدتُم عليِه ، إذ ليسَ لمعنى الأخذِ هُنا إلاّ التمسّك ، (لَن تَضلِّوا) ولَن تشقَوا ، وسيكونُ فيِ الأخذ والتمسّك بهِما والاتّباع النّجاة ، (كِتابَ الله وَعِترَتِي أهَل بَيتي).

الرّوايَة السّادسَة :

المَصدَر : [تَاريخ بَغدَاد : 8/424] .

السَّنَد : أخبرنا الحُسَين بن عُمَر بن بُرهَان الغَزَّال ، حدّثنا محمّد بن الحسَن النّقَاش إملاءً ، أخبرنا المُطَيِّن [محمّد بن عبدالله الحضرميّ] ، حَدَّثنا نَصر بن عبد الرّحمَن [الوشّاء] ، حَدّثنا زَيد بن الحسَن [الأنماطيّ] ، عن مَعروف ، عن أبي الطّفيل ، عَن حُذيفَة بن أُسَيد ، أنَّ رَسول الله (ص) ، قَال :

المَتن : ((يَا أيّهَا النّاس إنّي فَرَطٌ لَكُم وأنتُم وَارِدُونَ عَليّ الحَوض ، وإنّي سَائلُكُم حِين تَرِدونَ عَليّ عَن الثَّقَلَين ، فَانظرُوا كَيف تَخلُفُونِي فِيهمَا ، الثَّقَل الأكَبر كِتاب الله سَبَبٌ طَرَفُه بِيدِ الله ، وَطَرَفُه بَأيدِيكُم ، فَاستمسكُوا بِه ولا تضلّوا ولا تُبدِّلُوا ، [وِعِترَتِي أهلَ بَيتي فَإنّه قَد نبّأنِي اللّطِيفُ الخَبير أنّهُما لَن يتَفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ حَوضِي])) .

الحُكم : حسَن ، قلتُ : وما بينَ المعقوفَتين إضافَةٌ من روايَة ابن عساكِر بإسنادِه ، عن نصر بن عبدالرّحمن ،.. بقيّة السّند ، فلعلّه مُختصرٌ في تاريخ بغداد ، على أنّ لفظَة الثّقلَين تُنبئُ عن اختصار اللفظ إذ هي تدلّ على وجود أمرٍ ثانٍ ، وليسَ مذكورٌ غير الكتاب ، وهذا واضحٌ ، وليُراجَع [تاريخ مدينة دمشق:42/220] ، وفيه بإسناد ابن عساكِر ، قال: ((أخبَرنا أبو بَكر محمّد بن الحُسين بن المزرَفِيّ ، نا أبو الحُسين محمّد بن عَلي بن المُهتدِي ، أنا أبو الحسَن عَلي بن عمر بن محمّد بن الحسَن [بن شاذان الحِميَري] أنا العبَاس بن أحمد البرتي [أبو حَبيب] ، أنا نَصر بن عَبد الرَّحمَن أبو سُليمَان الوَشَّاء ، أنا زَيد بن الحسَن الأنماطِي ، أنا مَعروف بن خربوذ المكِّي ، عن أبي الطّفيل عَامِر بن وَاثلَة ، عن حُذيفَة بن أُسَيد)) ، وإسنادهُ هُو الآخَر حسَن .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (يَا أيّهَا النّاس إنّي فَرَطٌ لَكُم وأنتُم وَارِدُونَ عَليّ الحَوض) ، وهُنا يُخبرُ رسول الله (ص) أنّه سَيسألُ أمّته عن حالهِم في الاتّباع والتمسّك بأمرَين عظيمَين ، (وإنّي سَائلُكُم حِين تَرِدونَ عَليّ عَن الثَّقَلَين) ، ثمّ يحثّ (ص) على مزيد التمسّك بهِما لحصول المسألَةِ عنهُمَا وكونَهُما أسبابُ نجاة ، (فَانظرُوا كَيف تَخلُفُونِي فِيهمَا) ، ثمّ أخبرَ رسول الله (ص) عن هذين الثّقَلَين المسئولُ عنهُمَا النّاس ، (كِتاب الله سَبَبٌ طَرَفُه بِيدِ الله ، وَطَرَفُه بَأيدِيكُم ، فَاستمسكُوا بِه ولا تضلّوا ولا تُبدِّلُوا ، [وِعِترَتِي أهلَ بَيتي فَإنّه قَد نبّأنِي اللّطِيفُ الخَبير أنّهُما لَن يتَفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ حَوضِي]) ، وهُنا لا يُقال إنّما خصّ التمسّك بالكتاب دونَ العترَة ، فلا تمسُّكَ إلاّ بالكتاب ، لأنّا سنقولُ : أنّ العترَة داخلةٌ ضمناً تحتَ هذا التمسّك لمكانِ السّؤال عنهُم يوم القيامَة ، ولكونِهِم وصيّة الرّسول (ص) ، ولكونِهم غير مُفترقين بالحقّ عن الكتاب ، فكانوا ممّا يفرضُ نصّ الحديث ثَقلَهُم الدّينيّ في المُتابعَة ، إذ لو لم يكُن لهم حظّ من التمسّك والاتّباع لمَا كانَوا أهلاً أن يُسألَ عنهُم النّاس يومَ القيامَة من الحديث ، ولَما كانَ لِذكرهِم كثقَل ثانٍ في الحديث أيّ أهميّة ، ولمَا كانَ هُناكً معنىً لملازمَتهِم وعدم افتراقهِم عن القرآن ، وهذا واضحٌ وجهه ودلالته في الحثّ على اتّباع أهل البيت (ع) .

الرّوايَة السّابعَة :

المَصدَر : [الذريّة الطّاهرَة ، للدّولابي : 121] .

السَّنَد : حَدثنا إبرَاهيم بن مَرزوق [ابن دينار البَصري] ، حَدّثنا أبو عَامر العقدي [عبد الملك بن عمرو القيسِي] ، حَدَّثني كَثير بن زَيد [الأسلمي] عن محمّد بن عُمَر بن عَلي ، عَن عَليّ [بن أبي طالب] ، أنّ النّبي (ص) :

المَتن : ((حَضَر الشّجَرَة بِخُمٍّ ، قَال : فَخَرَج آخذاً بِيدِ عَليّ ، فَقَال: يَا أيّهَا النّاس ألستُم تَشهَدُون أنَّ الله وَرَسُولَه أولَى بِكُم مِن أنفُسِكُم ، وأنّ الله وَرَسُوله مَولاكُم ، قَالوا: بَلى ، قَال : فَمَن كُنتُ مَولاهُ فَإنّ عَليًّا مَولاه ، أو قَال: فإنّ هَذا مَولاه إنّي قَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَم تَضلّوا كِتابَ الله وأهلَ بَيتي)) .

الحُكم : صحيح ، وقد صحّحه ابن حجر العسقلاني في [المطالب العالية:16/142] ، وذكرَ السيّوطي في [جامع الأحاديث:15/256] ، حديث محمّد بن عمر بن علّي ، وقال: (صحّحه ابن جَرير) ، قال السّيوطي : ((عن مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِي بنِ أَبي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ (ص) قَال: إِنّي قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا ، كِتَابَ اللَّهِ ، سَبَبٌ بِيَدِ اللَّهِ ، وَسَبَبٌ بِأَيْدِيكُمْ وَأَهْلَ بَيْتِي)) ، وهُو متّصلٌ غير مُرسل من محمّد بن عمر ، وأورَدهُ عن كثير بن زيد ، ابن أبي عاصم في كتابه [السنّة:2/645] ، من غير طريقِ إبراهيم بن مرزوق ، قال : ((حَدَّثنَا سُليمَان بن عُبيدالله الغَيلاني ، حَدّثنا أبو عَامر ، حَدَّثنا كَثير بن زَيد ، عن مُحمّد بن عُمَر بن عَلي ، عن أبيه ، عن علي رضي الله عنه أن رسول الله (ص) ، قَال : ((إنّي تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَن تَضلّوا كِتابَ الله سَبَبُه بِيدِ الله ، وسَببه بأيدِيكُم وأهلَ بَيتي)) ، متّصلٌ غير مُرسَل ، وإسنادُه حسَنٌ قابلٌ للتصحيح ، وأخبرَ الهندي أنّ هذا الحديث مرويٌّ من طريق: ((ابن رَاهَوَيه ، وابن جَرير ، وابن أبي عَاصِم ، والمحاملي فِي أمَاليه)) ، وقالَ الهِندي : ((وصُحِّح)) [كنز العمال: 13/61] .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (إنّي قَد تَركتُ فِيكُم)، ما إن تمسّكتُم به ، واتّبعتُموه ، بالأخذِ به (مَا إن أخَذتُم بِه) ، سيكونُ سببُ نجاتِكمُ وسعادِتكم وعدم ضلالِكم ، (لَم تَضلّوا) ، فمَا هِي وصيّة الرّسول في الاتّباع والأخذ ، (كِتابَ الله وأهلَ بَيتي) ، ودلالة الحديث واضحَة في ضرورة الأخَذ والاتّباع لأهل البيت ، لأنّه كما مرّ معنا لا معنى لقوله (ص) (مَا إن أخَذتُم بِه) إلاّ التمسّك ، خصوصاً مع ذكر المُلازمَة للقرآن ، وقرينَة عدَم الضّلال .

الرّوايَة الثّامنَة :

المَصدَر : [المُستدرَك على الصحيحَين : 3/160] .

السَّنَد : حَدّثنا أبو بَكر محمّد بن الحسين بن مصلح الفَقيه بالرّي ، ثنا محمّد بن أيّوب ، ثنا يَحيى بن المغيرة السّعدي ، ثنا جَرير بن عبد الحَميد [الضّبي] ، عن الحسن بن عبد الله [أو عُبيِد الله] النّخعي ، عن مُسلِم بن صُبيح [أبو الضّحى] ، عن زَيد بن أرقَم رضي الله عنه ، قال ، قال : رسول الله (ص) :

المَتن : ((إنّي تَارِكٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتابَ الله وأهلَ بَيتِي ، وإنّهُمَا لَن يَتفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) .

الحُكم : صحيح ، قال الحاكم النّيسابوري : ((هَذا حَديثٌ صَحِيحُ الإسنَادِ عَلى شَرط الشَّيخَينِ وَلَم يُخَرِّجَاه)) ، وأكّد هذا المعنى الذّهبي في التلخيص .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (إنّي تَارِكٌ فِيكُم)، وهُما أمرَان عظيمَان كبيرَان في شأنِهِما حتّى سُمِّيَا بالـ (الثَّقَلَين) ، وهُما (كِتابَ الله وأهلَ بَيتِي) ، القرآن وأهل بيت الرّسول (ص) ، ووصيّة الرّسول (ص) وجهُها من هذا الحديث الحثّ على التمسّك ، فكلمَة التّركِ منهُ (ع) للأمّة في هذا الموضِع بمثابَة الوصيّة ، والحثّ على الأخذ ، يقوّي هذا تركَه القرآن الكَريم ، فمعنى التّرك هُنا هُو الحثّ بالتمسّك والاتّباع ، وكذلَك معَ أهل البيت لمكان الحثّ النّبوي على ذلك ، فالدّلالَة واضحَة هُنا على أنّ المُراد من الحديث هُو التمسّك بالثّقلين والاتّباع لهُما ، وأنّ الحقّ مَعهُما حتّى يوم القيامَة ، ولذلك قال (ص) : (وإنّهُمَا لَن يَتفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض) ، وعدَم افتراق العترَة عن القرآن يعني عدم خروجِ الحقّ عنهُما ، وأنّ طريقَ الكتاب من طريقِ العِترَة المطهّرَة .

الرّوايَة التّاسعَة :

المَصدَر : [المُعجَم الكَبير : 3/67] .

السَّنَد : حَدثنا محمد بن الْفَضْلِ السَّقَطِيُّ ، ثنا سَعِيدُ بن سُلَيْمَانَ ، ح وَحَدَّثَنَا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ وَزَكَرِيَّا بن يحيى السَّاجِيُّ ، قَالا ثنا نَصْرُ بن عبد الرحمن الْوَشَّاءُ ، ثنا زَيْدُ بن الْحَسَنِ الأَنْمَاطِيُّ ، ثنا مَعْرُوفُ بن خَرَّبُوذَ ، عن أبي الطُّفَيْلِ ، عن حُذَيْفَةَ بن أُسَيْدٍ الْغِفَارِيِّ ، أَنّ رَسُولَ اللَّهِ (ص) قال :

المَتن : ((أَيُّهَا الناس إني فَرَطٌ لَكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ حَوْضٌ أَعْرَضُ ما بين صَنْعَاءَ وَبُصْرَى فيه عَدَدُ النُّجُومِ قِدْحانٌ من فِضَّةٍ ، وَإِنِّي سَائِلُكُمْ حين تَرِدُونَ عَلَيَّ عَنِ الثَّقَلَيْنِ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ، السَّبَبُ الأَكْبَرُ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَلا تَضِلُّوا وَلا تُبَدِّلُوا، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، فإنه قد نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَنْقَضِيَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) .

الحُكم : صحيح ، ولا عبرَة بمَن قدَحَ في زيد بن الحسَن الأنماطيّ ، كما تقدّم .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (إني فَرَطٌ لَكُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ)، يدلّ على كونِه وصيّه وطلبٌ منه (ص) من الأمّة ، هُو سؤالُهُم يوم ورودِ الحَوض ، (وَإِنِّي سَائِلُكُمْ حين تَرِدُونَ عَلَيَّ) ، فعَن ماذا يَسألُ رسول الله (ص) ، (عَنِ الثَّقَلَيْنِ) ، عن أمرَين عظيمَين خطيرَين ثَقِيلَين ، (فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا) ، فانظروا كيفَ تجتهدوا في الأخذ بهذَين الأمرَين العظيمَين ، وهُما بمنزلَة ما أخلِّفُه لكُم وأورثُكم إيّاه كأسبابٍ للنّجَاة ، (السَّبَبُ الأَكْبَرُ كِتَابُ اللَّهِ عز وجل سَبَبٌ طَرَفُهُ بِيَدِ اللَّهِ وَطَرَفُهُ بِأَيْدِيكُمْ فاسْتَمْسِكُوا بِهِ وَلا تَضِلُّوا وَلا تُبَدِّلُوا، وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي) ، فأخبرَ (ص) أنّ هذَين الثّقَلَين خلائفُهُ على الحقّ هُما الكتاب والعترَة ، وعزّز (ص) مفهوم التمسّك بهِما بقولِه (ص) : (فإنه قد نَبَّأَنِيَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ أَنَّهُمَا لَنْ يَنْقَضِيَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) ، أي أنّهما لن يتفرّقا ويَنقضي الواحدُ دونَ الآخَر بالابتعاد والانفصال حتّى يوم القيامة ، ومن ارتبطَ مع القرآن ، إنّما يرتبطُ بالحقّ ، خصوصاً مع مسألَة الرّسول (ص) عن هذين المُتلازِمَين الكتاب والعترَة .

الرّوايَة العاشرَة :

المَصدَر : [حِلية الأوليَاء : 9/64] .

السَّنَد : أخبرنا عَبدالله بن جعفَر [بن أحمَد بن فَارِس الأصبهَاني] فيما قرئ عليه وأذِنَ لِي ، قال ثنا أحمَد بن يُونِس ٍالضّبّي ، ثنا عمّار بن نَصر [السّعدي] ، ثنا إبراهيم بن اليَسع الملكّي [المكّي] ، ثنا جَعفَر بن محمّد [الصّادق] عن أبيه ، عن جَدِّه ، عَن عَليّ [بن أبي طالب] ، قَال : خَطبَ رَسُول الله (ص) بالجُحفَة ، فَقال :

المَتن : ((أيّهَا النّاس ألَستُ أولَى بكُم مِن أنفُسِكُم؟! ، قَالوا : بلَى . قَال: فَإنّي كأني [هكذا كُتِبَت] لَكُم عَلى الحَوض فَرطا وسَائلُكُم عَن اثنتَين عَن القُرآن وعَن عِترَتِي ،الحديث)) .

الحُكم : ضعيف ، لمكان إبراهيم بن اليَسع المكّي .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (وسَائلُكُم)، فهُو (ص) يُخبرُ عن شيءٍ عظيمٍ سيُسألُ النّاس عنه يوم القيامَة ، (عَن اثنتَين) ، عن مسألَتين عظيمَتين، (عَن القُرآن وعَن عِترَتِي) ، ومَتى ارتبطَ السّؤال بالقرآن كانَ دلالةً على منهَج الحقّ ، وارتباطِ العترَة بكونِها ثاني أسئلَة الرّسول (ص) لأمّته يوم القيامَة .

الرّوايَة الحاديَة عشَر:

المَصدَر : [التّدوين في أخبار قزوين : 2/226] .

السَّنَد : أبو الحُسَين أحمَد بن محمّد بن أحمَد بن مَيمون عنهُ وعَن محمّد بن الحجّاج، قَالا ثنا محمّد بن مهران [الرّازي الجمّال من رجال البخاري ومسلم] ، ثنا حَاتم بن إسمَاعِيل [المدنيّ من رجال البخاري ومسلم] عن جَعفَر ببن محمّد [الصّادق] ، عن أبيه ، عَن جَابر [بن عبدالله الأنصاري ] ، أنّ النّبي (ص) قَال يَومَ عَرفَة فِي حَجَّتِه ، وهُو عَلى نَاقته القَصوَا:

المَتن : ((يَا أيّهَا النّاس قَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَم تَضلُّوا كِتابَ الله وَعِترَتِي أهلَ بَيتي)) .

الحُكم : حسنٌ صَحيح يُحتجّ به .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (قَد تَركتُ فِيكُم)، أي خلّفتُ فيكُم أموراً عظيمَة هي من أسباب نجاتِكم ، وتقطعُ عن الغَوايَة والضّلال بموتِي ومُفارقَتي لكُم ، (مَا إن أخَذتُم بِه) أي ما إن تمسكّتم بما تركتُه لكُم من أمورٍ ودلالاتٍ على الحقّ ، (لَم تَضلُّوا) ، لم يحصُل لكم الضّلال ، وشرطُ حصولُ عدم الضّلال هذا هُو الاتّباع والتمسّك لـ (كِتابَ الله وَعِترَتِي أهلَ بَيتي) ، والأخذُ معنى التمسّك .

الرّوايَة الثّانية عشَر:

المَصدَر : [مسند أحمد بن حنبل : 3/26] .

السَّنَد : حدثنا عبد اللَّهِ ، حدثني أبي [أحمد بن حنبَل] ، ثنا ابن نُمَيْرٍ [هُو عبدالله بن نُمَير الهَمداني] ، ثنا عبد الْمَلِكِ يعني بن أبي سُلَيْمَانَ ، عن عَطِيَّةَ [العوفي] ، عن أبي سَعِيدٍ الخُدرِي ، قال قالَ رَسول اللَّهِ (ص) :

المَتن : ((إنّي قَد تَرَكْتُ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ ، كِتَابُ اللَّهِ عز وجل حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعِترَتي أَهْلُ بيتي ، ألا إنّهُما لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) .

الحُكم : صحيح ، قالوا : بَل ضعيفٌ ، لضعفِ عطيّة بن سعد بن جُنادة العَوفيّ ، قُلنا وجهُ تضعيفِه ضيعفٌ لا يُلتَفتُ إليه ، على أنّ جماعةً لم يُشدّدوا في تضعيفِه ، منهُم ابن حجر قال : صدوق يُخطئُ كثيراً [تقريب التهذيب:1/393] ، وقال يحيى بن معين: صالِح، وقال ابن عدي : روى لهُ جماعةٌ من الثّقات ، وروى له البخاري في (الأدب) [تهذيب الكمال:20/147-149] ، ووصفَهُ الذّهبي بأنّه من مشاهير التّابعين [سير أعلام النّبلاء:5/325] ، وقال ابن سَعد : وَكَانَ ثِقَةً إن شَاءَ الله ، ولَهُ أحَاديث صَالِحَة . [طبقات ابن سعد:6/304] ، قلتُ : لم أقِف على توسِّعٍ في بحث حالِ هذا الرّجل ما يدَعو لجرحِه من أهل الحديث إلاّ ما قالوا : بأنّه يروي عن أبي سعيد ، يعني به الكَلبي محمد بن السائب ، فيتوهّمهُ النّاسُ منهُ عن أبي سعيدٍ الخُدري ، هذا مع إجماعِ أهل الحديث على أنّ عطيّة العَوفي كان يروي عن أبي سعيدٍ الخُدري مُباشرةً ، قال ابن أبي حاتِم : ((سَمِعَ مِن أبي سَعيدٍ الخُدرِي أحَادِيث [تأمّل هُنا أنّه أثبتَ سماعَهُ من أبي سعيدٍ الخُدري] ، فلمّا مَاتَ أبو سَعيدٍ جَعل يُجَالِسُ الكَلبِّي وَيحضُر قَصَصه ، فَإذا قَال الكَلبيّ قَال رَسُول الله بِكَذا فَيحَفَظُهُ ، وكنّاهُ أبَا سَعيد ، ويَروي عَنهُ فَإذا قِيل لَه مَن حَدَّثكَ بِهَذا ؟! فَيقول : حَدَّثني أبو سَعيد ، فَيتَوهَّمُون أنّه يُريدُ أبَا سَعيدٍ الخُدرِي ، وإنّمَا أرادَ بِه الكَلبيّ)) [المجروحين:2/176] ، قُلنا يهمّنا هُنا عدّة أمور : الأمر الأوّل : أنّ عطيّة العَوفي هذا قد صحّ سماعُه عن أبي سعيدٍ الخُدري ، فيبقَى اعتبار روايتِه لحديث الثّقلين الماضي عن أبي سعيدٍ الخُدري أو عن أبي سعيدٍ الكلبيّ مُجرّدٍ ظنّ واحتمال قد تكونُ معه الرّواية عن الخُدري صحيحَة مُتصلَة أو عن الكَلبي مُرسلَة ، لا قطعَ حتّى الآن ، ويتّضح الحكم بالأمر الثّاني : وهُو أنّ عطيّة العَوفي لم يُتَّهَم بالوَضع ، وغايَة أمرهِم معه هُو التّضعيف لمكَان التّدليس ، قال ابن حجَر : ((مَشهُورٌ بالتّدلِيس القَبيح)) [طبقات المُدلّسين: 50] ، ويهّمنا هُنا أنّه لم يُتّهم بالوَضع . الأمر الثّالث : أن تعلَم أنّ من طرُق روايات عطيّة العَوفي هذا لحديث الثّقلين ما جاء بإثبات السّماع من أبي سعيدٍ الخدريّ عن رسول الله (ص) ، وعطيّة ليس بالوضّاع ، وقد ثبتَ وجود رواياتٍ صحيحَة السّماع المباشِر منه عن أبي سعيدٍ الخُدري ، وأبو سعيدٍ الخُدري سماعاً من رسول الله (ص) ، وأبو سعيدٍ الكّلبي تابعيّ لن يقولَ سمعتُ من رسول الله (ص) ، فتتّجهُ روايات عطيّة بهذا رأساً إلى أبي سعيدٍ الخُدري مباشرةً عن رسول الله (ص) لحديث الثّقلين ، روى ابن أبي عاصم ، قال : ((حَدّثنا عَلي بن مَيمون ، حَدّثنا سَعيد بن سلمَة [سعيدُ بن مسلمة] ، عن عبد الملك [ابن أبي سُليمان] ، عن عَطيّة العَوفي ، عَن أبي [سعيدٍ] الخُدري ، قَالَ : [تأمّل] سَمِعتُ رَسول الله (ص) ، يَقول : ((يَا أيّهَا النّاس إنّي قَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه فَلن تضلّوا بَعدِي الثّقَلين وأحَدهُما أكبرُ مِنَ الآخَر كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السّماء إلى الأرض ، وعِترَتِي أهلَ بَيتي ، وإنّهمَا لَن يتفَرَّقَا حتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) [السنّة:2/645] ، ورواهُ البغويّ بإسنادِه من غير طريقِ سعيد بن مسلمة عن عبدالملك بن أبي سُليمان ، قال : ((أخبرنا الإمَام الحسين بن محمّد القَاضِي ، أخبَرَنا أبو العبّاس الطيسفونِي ، أنا أبو الحَسن التّرَابي ، أنا أبو بَكر البّسطَامِي ، أنا أحمد بن سَيَّار القُرشي ، نا الحسين بن حرث ، أنا الفَضل بن مُوسى ، قال عَبد الملك بن أبي سُليمان : أخبرنا عن عَطيّة العُوفِي عن أبي سعيد الخدري قال : [تأمّل] سَمعتُ رَسول الله يَقول : يَا أيّها النّاس إنّي تَركتُ فِيكُم..حديث التمسّك بالكتاب والعترة بتمامِه)) [شرح السنّة:14/118] ، وأصرحُ من ذلكَ بالرّفع من أبي سعيدٍ إلى الرّسول (ص) مُباشرةً ، هُو ما رواه الطّبراني ، قال : ((حَدّثنا محمّد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، حدّثنَا عَبد الرّحمَن بن صَالِحٍ ، ثنا صَالِحُ بن أبي الأَسْوَدِ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عن عَطِيَّةَ ، عن أبي سَعِيدٍ [تأمّل] رَفَعَهُ ، قَال: كَأَنِّي قد دُعِيتُ فَأَجَبْتُ فَإِنِّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ بين السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا)) [المعجم الكَبير:3/65] ، وفي هذا كلّه ترجيحٌ كبيرٌ لمن أرادَ أن يَفهَم ويتدبَّر بأنّ روايات عطيّة لحديث الثّقلين هي عن أبي سعيدٍ الخُدري عن رسول الله (ص) لمكان عدم كونهِ وضّاعاً ، ومكان كون تدليسِه بسماعِ الكّلبي عن رسول الله (ص) أمرٌ بعيدٌ عطيّةٌ مُنزّهٌ عنه لمَن أنصَف ، إضافَةً إلى ذلك فإنّ عطيّة العَوفي من ثقات رجال الزيديّة قالَه صاحب الجَداول عبدالله بن الإمام الهادي يحيى بن الحسين القاسمي (ع) . فائدَة : وعطيّة بن سَعد العَوفي ، إنّما سمّاهُ أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) ، قال ابن سَعد في طبقاته: ((جَاءَ سَعد بن جُنادَة إلى عَلي بن أبي طَالب وهُو بالكُوفَة ، فَقال: يا أمِير المؤمنين ، إنّهُ وُلِدَ لِي غُلامٌ فَسَمِّه ، قَال: هَذا عَطِيَّةُ الله ، فُسُمِّيَ عَطِيَّة)) ، وقال ابن سعَد : ((وخَرَج عَطيّة مَع ابن الأشعَث عَلى الحجَّاج فَلمَّا انهزَمَ جَيشُ ابن الأشعَث هَربَ عَطيّة إلى فَارِس ، فَكتبَ الحجَّاج إلى محمَّد بن القَاسِم الثّقَفِيّ أنِ ادعُ عَطيّة فَإن لَعَنَ عَليَّ بن أبي طَالب وإلاَّ فَاضِربُه أربعمَائةَ سَوط واحلُق رَأسَهُ ولِحيَتَهُ ، فَدعَاهُ فَأقرَأهُ كِتابَ الحجَّاج فَأبى عَطيّة أن يَفعَل ، فَضرَبَه أربعمَائة وحَلقَ رَأسَهُ ولِحيَتَه، فَلمّاَ وُلّي قُتيبة خراسَان خَرج عَطيّة إليه ، فلم يَزل بخُراسَان حتى وَلي عمر بن هُبيرة العِراق فَكتَب إليه عطيّة يَسأله الإذنَ لَه في القُدوم فَأُذِنَ لَه فقَدِم الكوفَة ، فَلم يَزل بِهَا إلى أن تُوفِّي سَنة احدَى عَشرة ومَائة)) [طبقات ابن سعد:6/304] ، وأخشَى أن يكونَ قولُ الجوزجاني عنه : مائل [أحوال الرّجال:56] ، جرحٌ لمذهبِه ومُعتقَدِه في التشيّع وأنّ هذا سببٌ لضعفِه ، والله المُستعَان .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (إنّي قَد تَرَكْتُ فِيكُم)، أمرَين عظيمَين ، (الثَّقَلَيْنِ) ، وُهمَا (أحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ ، كِتَابُ اللَّهِ عز وجل حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعِترَتي أَهْلُ بيتي) ، ووصيّة الرّسول (ص) بتركِه هذا تعني إيجاب التمسّك والتبعيّة لهُم جميعاً لمكان اشتراكهِم في الحقّ ، وعدم انفصالِه وانفصالِهِم عنه ، ويؤكّد هذا المَعنى قوله (ص) : ((إنّهُما لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) ، أي حتّى يوم القيامَة ، والمُلازمَة للقرآن وعدم الافتراق عنه تعني عدم الافتراق عن الحقّ قطعاً .

الرّوايَة الثّالثَة عشَر:

المَصدَر : [ضعفاء العَقيلي : 4/362] .

السَّنَد : حدّثنا محمّد بن عُثمان [بن أبي شيبَة] ، قال حدّثنا يَحيى بن الحسَن بن فرّات القَزّاز ، قَال حدّثنا محمد بن أبي حَفص العطّار ، عن هَارونٍ بن سَعدٍ [العجليّ] ، عن عبد الرّحمن بن أبي سَعيدٍ الخُدرِيّ ، عَن أبيه ، قَال : قَال رسول الله (ص) :

المَتن : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين ، أحَدُهُما كِتابُ الله تَبارَك وتعَالى سَببٌ طَرَفُه بِيدِ الله ، وطَرَفُه بأيديكُم ، وعِترَتي أهلَ بَيتي ، وإنّهُما لَن يَفترِقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) .

الحُكم : لم يظهَر لي من حُكمِه سوَى الضّعف .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (إنّي تَاركٌ فِيكُم)، وليسَ لهذا التّرك والخطاب للأمّة مِن معنَى إلاّ الحثّ على التمسّك ، (الثَّقَلَين) ، تاركٌ فيكُم أمرَين كبيرَين في شأنهِما ، بالتمسّك بهِما لا يخرُج المُكلّف عن المنهجّ المحمّدي المَرِضيّ ، والطّريق الصحَيحَة القويمَة ، (سَببٌ طَرَفُه بِيدِ الله ، وطَرَفُه بأيديكُم ، وعِترَتي أهلَ بَيتي) ، هُما الكتاب والعترَة ، وتركٌ الرّسول (ص) ، الذي هُو وصيّته ، مادامَت اقترنَ ثِقَلُها بالقرآن ، فهي وصيّة تمسّك واتّباع وانقيَاد ، وكذلِكَ كانَ أمرُ الرّسول (ص) مع أهل البيت ، اتّباعهم والانقيادُ لهُم ، وأنّهم والقرآن لن يفترقُوا أبداً ، (وإنّهُما لَن يَفترِقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض) ، حتّى يوم القيامَة .

الرّوايَة الرّابعَة عشَر:

المَصدَر : [مُسنَد أحمد بن حنبَل : 3/14] .

السَّنَد : حدثنا عبد اللَّهِ ، حدثني أبي [أحمد بن حنبل] ، حدثنا أَسْوَدُ بن عَامِرٍ، أخبرنا أبو إِسْرَائِيلَ يعني إِسْمَاعِيلَ بن أبي إِسْحَاقَ الملائي ، عن عَطِيَّةَ [العَوفي] ، عن أبي سَعِيدٍ [الخُدري] ، قال : قال رسول اللَّهِ (ص) :

المَتن : ((إنّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ ، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعِترَتي أَهْلُ بيتي، وإنّهما لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)).

الحُكم : حسَن .

الدّلالَة : هذا الحديثُ وصيّة من الرّسول (ص) ، وهُو من قولِه (إنّي تَاركٌ فِيكُم)، وليسَ لهذا التّرك والخطاب للأمّة مِن معنَى إلاّ الحثّ على التمسّك ، (الثَّقَلَين) ، تاركٌ فيكُم أمرَين كبيرَين في شأنهِما ، بالتمسّك بهِما لا يخرُج المُكلّف عن المنهجّ المحمّدي المَرِضيّ ، والطّريق الصحَيحَة القويمَة ، (أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ ، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعِترَتي أَهْلُ بيتي) ، هُما الكتاب والعترَة ، وتركٌ الرّسول (ص) ، الذي هُو وصيّته ، مادامَت اقترنَ ثِقَلُها بالقرآن ، فهي وصيّة تمسّك واتّباع وانقيَاد ، وكذلِكَ كانَ أمرُ الرّسول (ص) مع أهل البيت ، اتّباعهم والانقيادُ لهُم ، وأنّهم والقرآن لن يفترقُوا أبداً ، (وإنّهُما لَن يَفترِقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض) ، حتّى يوم القيامَة .

الرّوايَة الخامسَة عشَر:

المَصدَر : [مُسنَد أحمد بن حنبَل : 3/17] .

السَّنَد : حدثنا عبد اللَّهِ ، حدثني أبي [أحمد بن حنبَل] ، ثنا أبو النَّضْرِ [هشام بن القَاسِم الكتاني] ، ثنا مُحَمَّدٌ يعني بن طَلْحَةَ [اليامِي] ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عن عَطِيَّةَ العَوفي ، عن أبي سَعِيدٍ الخدري عَنِ النّبي (ص) ، قال:

المَتن : ((إنّي أُوشِكُ أن أدعَى فَأُجِيبَ ، وإنّي تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ ، كِتَابَ اللَّهِ عز وجل ، وعِترَتي ، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعترتي أَهْلُ بيتي ، وإن اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أخبرني أنّهمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عليَّ الْحَوْضَ فَانظُرونِي بِمَ تَخلفُونِي فِيهِمَا َ)).

الحُكم : حسَن ، وقال ابن حجَر الهيثمي : سَندُه لا بَأسَ به . [الصواعق المحرقة:2/438].

الدّلالَة : رسول الله (ص) ينعَى نفسَه في هذا الحديث ، (إنّي أُوشِكُ أن أدعَى فَأُجِيبَ)، فيُحبّ أن يُوصيّ أمّته بمنهجٍ وخطوطٍ عريضَة في التبعيّة والاقتداء والاهتداء إن هُم عَمِلوا بها كانوا مُن الشّاربين المُرتوَين من حوضِه يوم القيامَة ، فأوصَى (ص) بقولِه : (وإنّي تَارِكٌ فِيكُمُ) ، أمرَين ثَقِيلَين عظيمَين تتّبعونَهُما وتتمسّكونَ بهُما ، (الثَّقَلَيْنِ) ، وهُما : (كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعترتي أَهْلُ بيتي) ، ثمّ يُخبرُ رسول الله (ص) أنّ الحقّ لن يخرُج عنهُما حتّى يوم القيامَة ، (وإن اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ أخبرني أنّهمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عليَّ الْحَوْضَ) ، ويُؤكّد معنى التبعيّة والتمسّك من المُكلَّفين لهَذين الثَّقَلين (فَانظُرونِي بِمَ تَخلفُونِي فِيهِمَا) .

الرّوايَة السادسَة عشَر:

المَصدَر : [مُسنَد أبو يَعلى : 3/17] .

السَّنَد : حدّثنا سُفيان بن وَكِيع [ابن الجرّاح] ، حَدثنا محمد بن فُضيل [بن غَزوان] ، عن عَبد الملك بن أبي سُليمَان عن عَطيّة العَوفي ، عَن أبي سَعيدٍ الخُدري ، قال سَمِعتُ رَسُول الله (ص) يقول :

المَتن : ((يَا أيّها النّاس إنّي كُنتُ قَد تَركَتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَم تَضلِّوا بَعدِي الثَّقَلَين ، أحَدُهما أكبَرُ مِنَ الآخَر كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّمَاء إلى الأرضِ، وعِترَتِي أهلُ بَيتِي ، وإنّهُما لَن يَفترِقَا حتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض)).

الحُكم : ضعيف ، قالوا لمكان سُفيان بن وَكيع ، وليسَ يُلتفَت لقولِهم في عطيّة العَوفي .

الدّلالَة : رسول الله (ص) يُوصي أمّته بمنهجٍ صحيح الطّريق والإفضاء إلى الحقّ المحمديّ القويم بعد موتِه ، فقال : (يَا أيّها النّاس إنّي كُنتُ قَد تَركَتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَم تَضلِّوا بَعدِي) ، فأوصَى أمّته بالتمسّك والاتّباع ، إذ الأخذ معناه التمسّك بـ (الثَّقَلَين) ، وهُمَا (أحَدُهما أكبَرُ مِنَ الآخَر كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّمَاء إلى الأرضِ، وعِترَتِي أهلُ بَيتِي) ، وأخبرَ أنّ الحقّ لن ينفّك عنُهما ولن يُفارقَاهُ ، ولن يفترقَا عن بعضِهما البَعض في الإتيان بالحقّ حتّى يوم القيامَة ، (وإنّهُما لَن يَفترِقَا حتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض) .

الرّوايَة السابعَة عشَر:

المَصدَر : [المُعجم الصّغير : 1/226] .

السَّنَد : حدّثنا الحسَن بن محمّد بن مُصعَبٍ الأشنَانِيّ الكُوفِيّ ، حَدثنا عبّاد بن يَعقوبٍ الأسْدِي ، حَدثنا أبو عَبدالرّحمَن المَسعُودِيّ [عبدالله بن عبدالملِك] ، عَن كَثيرٍ النّواء ، عن عَطيّة العَوفي ، عن أبي سَعيدٍ الخُدرِيّ ، قال : قَالَ رسول الله (ص) :

المَتن : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين ، أحَدُهُما أكبرُ مِنَ الآخَر ، كِتاب الله عَزّ وجَلّ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّمَاءِ إلى الأرض ، وعِترَتِي أهل بَيتِي ، وإنّهمَا لَن يَفتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)).

الحُكم : حسَن ، قيلَ : بل ضَعيفٌ لمكان كثيرٍ النّوا ، قُلنَا : ضعفّوه لمكان تشيّعه ، ومَن طالَع تراجمَه وأسباب تضعيفِه لم يِجد شيئاً يصِمد سوى جرحهِم له بسبب الدّيانَة ، وهُو أحدُ رجال الزيدية الموثوقين .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرّابعَة عشر .

الرّوايَة الثّامنة عشَر:

المَصدَر : [مسند ابن الجَعد : 397] .

السَّنَد : حَدّثنا بِشر بن الوَليد ، نا محمّد بن طلحَة [اليَامِي] ، عن الأعمَش ، عن عَطيّة [العَوفي] ، عن أبي سَعيدٍ [الخُدريّ] ، أنّ النّبي (ص) ، قال :

المَتن : ((إنّي أوشَكُ أن أُدعَى فُأجِيب ، وإنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِن السَّمَاء إلى الأرض ، وَعِترَتِي أهلُ بَيتِي ، وإنَّ اللَّطِيف الخَبير أخبَرنِي أنّهُمَا لَن يَفتَرِقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض ، فَانظروا بِما تَخلفُونِي فِيهِمَا)).

الحُكم : حسَن .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الخامسَة عشر .

الرّوايَة التّاسعَة عشَر:

المَصدَر : [مسند أحمد بن حنبل : 5/181] .

السَّنَد : حدّثنا عبداللَّهِ ، حَدّثني أبي [أحمد بن حنبل] ، ثنا الأَسْوَدُ بن عَامِرٍ ، ثنا شَرِيكٌ [بن عبدالله النّخعي] ، عَنِ الرُّكَيْنِ [بن الرّبيع] ، عَنِ الْقَاسِم بن حَسَّانَ ، عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ ، قال : قال رسول اللَّهِ (ص) :

المَتن : ((إنّي تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ ، كِتَابُ اللَّهِ حَبْلٌ مَمْدُودٌ ما بين السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، أو ما بين السَّمَاءِ إلى الأَرْضِ ، وعِترتي أَهْلُ بيتي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ)).

الحُكم : صَحيح ، وصحّحه محمّد بن إسحاق من روايَة شريك عن الرّكين .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الأولَى .

الرّوايَة العشرون :

المَصدَر : [المعجم الكبير : 5/154] .

السَّنَد : حَدثنا عُبَيْدُ بن غَنَّامٍ ، ثنا أبو بَكْرِ بن أبي شَيْبَةَ ، ثنا شَرِيكٌ [بن عبدالله النّخعي] ، عَنِ الرُّكَيْنِ بن الرَّبِيعِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بن حَسَّانَ ، عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ ، قال ، قال رسول الله (ص) :

المَتن : ((إنّي قَد تَرَكْتُ فِيكُمُ الْخَلِيفَتَيْنِ ، كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)).

الحُكم : صَحيح ، وصحّحه محمّد بن إسحاق من روايَة شريك عن الرّكين .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الأولى .

الرّوايَة الحَادِية والعِشرون :

المَصدَر : [المعجم الكبير : 5/166] .

السَّنَد : حدثنا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ثنا جَعْفَرُ بن حُمَيْدٍ [القرشي أو العَبسيّ] ، ح حَدّثنا محمّد بن عُثْمَانَ بن أبي شَيْبَةَ حَدثنا النَّضْرُ بن سَعِيدٍ أبو صُهَيْبٍ ، قَالا ثنا عبد اللَّهِ بن بُكَيْرٍ [الغنوي] ، عن حَكِيمِ بن جُبَيْرٍ ، عن أبي الطُّفَيْلِ [عامر بن واثلَة] ، عن زَيْدِ بن أَرْقَمَ قال :

المَتن : ((نَزَلَ النبي (ص) ، يَوم الْجُحْفَةِ ثُمَّ أَقْبَلَ على النّاس ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ، ثُمَّ قال: إنّي لا أَجِدَ لِنَبِيٍّ إِلا نِصْفُ عَمْرِ الذي قَبْلَهُ ، وَإِنِّي أُوشَكُ أَنْ أُدْعَى فَأُجِيبُ ، فمَا أَنْتُمْ قَائِلُونَ ؟! قالوا: نَصَحْتَ ، قال: أَلَيْسَ تَشْهَدُونَ أَنَّ لَا إِلَهَ إِلا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ ، وَأَنَّ الْجَنَّةَ حَقٌّ وَالنَّارُ حَقُّ ، وَأَنَّ الْبَعْثَ بَعْدَ الْمَوْتِ حَقٌّ ؟! قالوا: نَشْهَدُ . قال: فَرَفَعَ يَدَيْهِ فَوَضَعَهُمَا على صَدْرِهِ ، ثُمَّ قال: وأنا أَشْهَدُ مَعَكُمُ ، ثُمَّ قال: أَلا تَسْمَعُونَ ، قَالوا: نعم . قَال: فَإِنِّي فَرْطُكُمْ على الْحَوْضِ ، وَأَنْتُمْ وَارِدُونَ عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَإِنَّ عُرْضَهُ أَبْعَدُ ما بين صَنْعَاءَ وَبُصْرَى فيه أَقْدَاحٌ عَدَدَ النُّجُومِ من فِضَّةٍ فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخْلِفُونِي في الثَّقَلَيْنِ، فَنَادَى مُنَادٍ وما الثَّقَلانِ يا رَسُولَ اللَّهِ؟! ، قَال: كِتَابُ اللَّهِ طَرَفٌ بِيَدِ اللَّهِ عز وجل وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ لا تَضِلُّوا ، وَالآخَرَ عِتْرَتِي ، وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ نَبَّأَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، وَسَأَلْتُ ذَلكَ لَهُمَا رَبِّي فَلا تَقْدُمُوهُمَا فَتَهْلَكُوا وَلا تَقْصُرُوا عنهُما فَتَهْلَكُوا ، وَلا تُعَلِّمُوهُمْ فَإِنَّهُمْ أَعْلَمُ مِنْكُمْ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ رضي اللَّهُ عنه فقال: مَن كُنتُ أَوْلَى بِهِ من نَفْسِي فَعَلِيٌّ وَلِيُّهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالاهُ وَعَادِ من عَادَاهُ)) .

الحُكم : صَحيحٌ من طريق الحضرميّ عن جعفر بن حُميد ، وعبدالله بن بُكير وثّقه الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين الهاروني ، وحكيم بن جُبير ضعّفوه لمكان تشيّعه ولا يُلتفَت إلى طعنهِم فيه وهو من خُلّص رجال الزيدية وثقاتهِم .

الدّلالَة : هُنا رسول الله (ص) ينعَى نفسَه ، ويحثّ أصحابَه وأمّته بأحسِن الخلافَة منهُم في الثّقَلين (فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخْلِفُونِي في الثَّقَلَيْنِ) ، وهذا حثٌّ منهُ (ص) على التمسّك والاتّباع لهَذين الثّقلين ، (كِتَابُ اللَّهِ طَرَفٌ بِيَدِ اللَّهِ عز وجل وَطَرَفٌ بِأَيْدِيكُمْ فَاسْتَمْسِكُوا بِهِ لا تَضِلُّوا ، وَالآخَرَ عِتْرَتِي) ، الكتابُ وأهل البَيت ، (وَإِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ نَبَّأَنِي أَنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ) ، فكان عدم الافتراق هذا دليلاً على التمسّك والاتّباع ، فإنّ من لازمَ القرآن ، وجبَ اتّباعهُ والتمسّك به ، وحديثُ رسول الله (ص) وجهُه هذا .

الرّوايَة الثانية والعِشرون :

المَصدَر : [المعجم الكبير : 5/169] .

السَّنَد : حدثنا عَلِيُّ بن عبد الْعَزِيزِ [البغوي] ، ثنا عَمْرُو بن عَوْنٍ الْوَاسِطِيُّ ، ثنا خَالِدُ بن عبد اللَّهِ [الواسطيّ] ، عَنِ الْحَسَنِ بن عُبَيْدِ اللَّهِ [النّخعيّ] ، عن أبي الضُّحَى [مُسلم بن صبيح] ، عن زَيْدِ بن أَرْقَمَ ، قال : قال رسول اللَّهِ (ص) :

المَتن : ((إني تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) .

الحُكم : صَحيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثامنة .

الرّوايَة الثّالثة والعِشرون :

المَصدَر : [مصنّف ابن أبي شيبة : 6/309] .

السَّنَد : حدّثنا عمَر بن سَعد أبو دَاود الحفريّ ، عن شَرِيكٍ [بن عبدالله النّخعي] ، عن الرّكين [بن الرّبيع] عن القَاسم بن حسّان ، عن زيد بن ثَابت ، قال : قال رسول الله (ص) :

المَتن : ((إنّي تَاركٌ فيكُم الخَليفَتين مِن بَعدِي ، كِتابَ الله وعِترتي أهلُ بَيتِي ، وإنّهمَا لَن يتفرّقا حتّى يَردَا عَليّ الحَوض)) .

الحُكم : صَحيح ، وصحّحه محمّد بن إسحاق من روايَة شريك عن الرّكين .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الأولى .

الرّوايَة الرّابعَة والعِشرون :

المَصدَر : [صحيح مسلم : 4/1873] .

السَّنَد : حَدثني زُهَيْرُ بن حَرْبٍ ، وَشُجَاعُ بن مَخْلَدٍ جميعا ، عن بن عُلَيَّةَ قال زُهَيْرٌ حدثنا ، إسماعيل بن إبرَاهِيم ، حدثني أبو حَيَّانَ ، حدثني يَزِيدُ بن حَيَّانَ، قال :

المَتن : ((انْطَلَقْتُ أنا وَحُصَيْنُ بن سَبْرَةَ ، وَعُمَرُ بن مُسْلِمٍ ، إلى زَيْدِ بن أَرْقَمَ: فلمَّا جَلَسْنَا إليه ، قال له حُصَيْنٌ : لقد لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) ، وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ ، وَصَلَّيْتَ خَلْفَهُ ، لقد لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْرًا كَثِيرًا ، حَدِّثْنَا يا زَيْدُ ما سَمِعْتَ مِن رَسول اللَّهِ ، قَال: يَا بن أَخِي واللهِ لقَد كَبِرَتْ سِنِّي ، وَقَدُمَ عَهْدِي ، وَنَسِيتُ بَعْضَ الذي كُنتُ أَعِي مِن رَسول اللَّهِ (ص) فمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوا ومَا لَا فلا تُكَلِّفُونِيهِ ، ثُمَّ قَال: قَامَ رسول اللَّهِ (ص) يَوْمًا فِينَا خَطِيبًا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قال : ((أَمَّا بَعْدُ ، ألا أَيُّهَا النّاس فَإِنَّمَا أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رسول رَبِّي فَأُجِيبَ ، وأنا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فيه الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ ، فَحَثَّ على كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فيه ، ثُمَّ قال: وَأَهْلُ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي)) .

الحُكم : صَحيح .

الدّلالَة : هذا حديثٌ صريحٌ في وجوب اتّباع أهل البيت (ع) ، وأنّهم ثانِي الثَّقلَين كما في الحَديث ، ففي الحديث ينَعى الرّسول (ص) نفسَه لأصحابِه فيقول : (أَيُّهَا النّاس فَإِنَّمَا أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أَنْ يَأْتِيَ رسول رَبِّي فَأُجِيبَ) ، ويريدُ الرّسول (ص) أن يدلّ أمّـته على منهجٍ بعدَهُ إن هُم تمسّكوا به حصلَ لهُم النّجاة من الضّلال ، فأخبرَ (ص) عن وصيّةٍ عظيمَة ، فقال : (وأنا تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ) ، أي أنا مُخلِّفٌ فيكم أمرَين عظيمَين ثَقِلَين خطيرَين من أسباب السّعادَة والنّجاة ، وهذا وجهُ وقوف الرّسول (ص) في أشهرِه الأخيرَة موقِف الدّال المُحرِّص على أسباب النّجاة بعدَه ، فمَا هُمَا الثَّقلان ؟! ، يقول (ص) : ((أَوَّلُهُمَا)) ، وسيأتِي ذِكرُ ثانِي الثّقَلَين العَظِيمَين بعدَ الأوّل ، (كِتَابُ اللَّهِ فيه الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ) ، ومعلومٌ عقلاً أنّ وصيّة الرّسول (ص) بالثّقلين هي وصيّة إيجاب تمسّكٍ واتّباع ، فيه النّجاةُ من الضّلال ، لقرينَة كونِ الكتاب الكريم أحَد الثَّقَلين ، وكذلِكَ سيكونُ للثّقَل الثّاني وزنُه الذي استحّقَ أن يُسمِّيَهُ رسول الله (ص) ثَقَلاً وهي كلمةٌ عظيمَةٌ تُنبئُ عن حالٍ وشأنٍ عظيم في الاتّباع والتمسّك ، فالكتاب كان الثَّقل الأوّل الذي أوصَى به الرّسول (ص) ، فمَا هُو الثَّقَل الثّاني : (وَأَهْلُ بَيْتِي) ، إذاً أهل البيت هُم الثّقَل الثّاني المُقارِن للقرآن ، والذي خلَّفهُم الله مع القرآن ثَقَلين للأمّة، فكانا علاماتٍ على الهدى والمنهَج المحمّدي الحقّ ، لن يُفارقَ القرآن الحقّ ، ولن يُفارقَ أهل البيت (ع) الحقّ ، فأهل البيت (ع) الطّريق إلى المنهج المحمدّي القويم ، لا طريقَ إلى فهم الكتاب وتأويلِه إلاّ من طريقِهِم (ع) ، فإذا ضلّ جميع النّاس لن يكونَ الهُدى إلاّ مع أهل البيت (ع) ، كمَا أنّ جميعَ الكُتب قد تخلو من الحقّ إلاّ كتاب الله تَعالى ، نعم! فأعادَ الرّسول على أمّته من خلالِ أصحابِه ذِكر الثَّقَل الثّاني (أهل البيت) تذكيراً بلزومِ اتّباعهِم ، وعدَم الاختلافِ عليهِم ، والانفرادِ دونَهُم ، والتقدّم عليهِم ، والاستغناءِ عنهُم ، أعادَ ذلكَ ثلاثَ مرّات ، (أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي) ، ولم يَذكُر (ص) التأكيد على القرآن ، وذلكَ لمّا كان معلوماً بالضّرورة عدم اختلاف المسلمين على كونِه ثَقَلٌ فيه الهُدى والحقّ ، ولكنَّ أهل البيت (ع) كانت طريقَة معرفَتِهم نصّ الرّسول (ص) وتأكيدُه ذلكَ الاتّباع على أمّته ، إضافَةً إلى ذلِك فإنّ التمسّك والاتّباع لأهل البيت يعني اتّباع القرآن ، لأنّهُم لن يُخالفوا على القرآن كما هُو ظاهرٌ من توصيَة الرّسول (ص) بهذين الثّقلَين ، وكما هُو ظاهرٌ من أحاديثَ أخرى صحيحَة بأنّهما لن يفترقَا حتّى ورود الحوض ، والمعنى أنّهما لن يفترقَا عن القيام بالحقّ ، فيكونُ اتّباع القرآن عن طريقِ عُلماء غير أهل البيت (ع) مُحتِملُ الصحّة والخطأ في التأويل والتدبّر والاستنتاج والتفسير ، وطريقُه من طريق الثّقَل الثّاني غيرُ محتملٍ لذلكّ كلّه ، ومكانهُ القَطعُ بصحّة المَنهَج ، والحمد لله ، وسابقاً قد كنّا حرّرنا في معنى حديث مُسلمٍ هذا تنبيهاتٍ بسيطَة وجهُها الردّ على مَن فِهِم من هذا الحديث ذي الدّلالة الواضحة في اتّباع أهل البيت ، مَن فِهِم منهُ مجرّد الوصايَة بأهل البيت (ع) خيراً ، دونَ الاتّباع ، فقُلنا:

اعلَم أخي رحمنا الله وإيّاك أنّ تناولَ حديث الثّقلين ، قد جاء في صورَتين من الرّواية ، فروايةٌ جاء فيها عن رسول الله (ص) ، أنّه قال : ((إنّي تاركٌ فيكُم الثَّقلَين كتاب الله وعترتي أهل بيتي وإنّهما لن يفترقَا حتّى يردَا عليّ الحوض)) ، وصورةٌ ثانيَة أنّ رسول الله (ص) ، قال : ((وأنا تاركٌ فيكُم ثَقَلَينِ ، أوّلُهُما كتاب الله فيه الهُدَى والنّور ، فخذُوا بِكتابِ الله ، واستمسِكوا به ، فحثّ على كتاب الله ورغّب فيه ، ثمّ قال: وأهلُ بيتي أُذكّرُكُم الله في أهل بيتي ، أُذكِّركُم الله في أهل بيتي ، أُذكّركُم الله في أهل بيتِي)) ، فقالوا عن الأخير أنّه لا يدلّ إلاّ على التوصيَة بهم خيراً دون الاتّباع ، وقيلَ عن الأوّل بأنّه يوجبُ الاتّباع ، فأنكرَ كثيرٌ من مُتأخّري الفرقَة السنيّة وجه صورة الحديث الأولَى ، وقالوا الثّابت ما رواه مسلم في صحيحه من الصّورة الثانية ، وهُنا سنتناولُ الموضوع بقراءةٍ فاحصَة ماتعَةٍ بإذن الله تعالى ، ونُسردُها من عدّة نقاط :

النقطَة الأولى : نقول فيها للمُخالف هَبونا سلّمنا لكم أنّ الصحيح من وجه حديث الثّقلين هُو ما رواه مسلم من التوصيَة بأهل البيت (ع) ، فإنّ هذا الحديث لا يُفيدُ التوصيَة بدون الاتّباع ، بل هُو أخٌ وعضيدٌ وقرينٌ للصورة الأولى من الحديث في إثبات التمسّك بأهل البيت (ع) والاتّباع لهم والمُلازمَة منهم للكتاب والحقّ ، فإن قيلَ : بيّنوا لنَا مُستندَكم على هذه الدّعوى . قُلنا : تأمّل كلام الرّسول (ص) : ((ألا أيّها النّاس ، فإنّما أن بشرٌ يُوشِكُ أن يأتيَ رسول ربّي فأُجيبَ)) ، تجدهُ (ص) ينعَى نفسَه ، فيحبّ (ص) أن يُخبرَ أصحابَه وأمّته بمنهجٍ لا يضلّون بعدَه إن هم أخذوا به ، فكانَت وصيّته (ص) : ((وأنا تاركٌ فيكُم ثَقَلَينِ)) ، أي مُخلِّفٌ فيكُم وبينَكم ، أسباباً للنجاة والسعادَة ، فقال (ص) : ((ثَقَلَينِ)) ، أمرَين عظيمَين ثَقيلَين ، قال أهل اللغة : ((سُمِّيَا ثَقَلَين لأنَّ الأخذَ بِهمَا ثَقيل ، والعمَل بِهمَا ثَقيل،....، وأصلُ الثّقَل أنّ العَرب تَقول لكلّ شَيء نَفيسٍ خَطيرٍ مَصُون ثَقَل)) [لسان العرب] ، وهُنا أخبر (ص) عن ثَقلَين اثنَين ، فمَن هُما هذان الثّقَلان الذي يكون الأخذُ بهما ثقيلاً ، وشأنُهما عند أفصحَ من نطقَ بالضّاد عظيماً ، حتّى أطلقَ عليهِم ثَقَل ، فالأوّل من الثّقَلَين ، قوله (ص) : ((أوّلُهُما كتاب الله فيه الهُدَى والنّور ، فخذُوا بِكتابِ الله ، واستمسِكوا به)) ، فكانَ الكتاب هو الثّقَل الأوّل ، فمَن من ذا يستحقّ أن يكونَ وصيّةً لرسول الله (ص) ويُسمّيه ثَقلاً كما سمّى الكتاب العظيم ثَقلاً ؟! ، قال (ص) مُخبراً عن الثّقَل الثّاني : ((وأهلُ بيتي أُذكّرُكُم الله في أهل بيتي ، أُذكِّركُم الله في أهل بيتي ، أُذكّركُم الله في أهل بيتِي)) ، فأهل البَيت (ع) الثّقَل الثّاني في حديث مسلم ، لأنّ الرّسول (ص) أخبرَ عن ثقَلَين اثنين ، فكانَ الكتاب أحدهُما ، وأهل البيت لاشكّ ثانيهِما ، والسّؤال لماذا أوصَى رسول الله (ص) بأهل البيت (ع) كثَقَل ثقِيلٍ عظيمٍ نفيسٍ ثانٍ مقرونٌ ذكرُهُ معَ ثَقَل القرآن العظيم ؟! هل يُجيبُ السّلفيّة على هذا بعقلانيّة وتمحيصٍ وتدقيق ؟! ، نعم ، رأينَا منهم القاري صاحب كتاب (مرقَاة المفاتيح) يقول عن هذا الحديث رابطاً مضمونه بمضمون حديث (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، قال : ((وأقولُ الأظهرُ هُو أنّ أهل البيت غالباً يكونون أعرفُ بصاحِب البَيت وأحوالِه ، فالمُرادُ بهم أهلُ العِلم منهُم ، المُطّلعون على سيرتِه ، الواقفونَ على طريقَته ، العارفونَ يحكمه وحِكمته ، وبهذا يصلُح أن يكونوا مُقابلاً لكتاب الله سبحانه)) [مرقاة المفاتيح:11/307] ، وهذا هُو الحقّ في تأويل الحديث ، إذ لن يكونَ أهل البيت (ع) ثَقَلاً عظيماً يُوصي بهم الرّسول (ص) ، إلاّ ولهُم شأنٌ عظيمٌ فيما يُرضي الله والرّسول ، وليسَ يُرضي الله والرّسول من حالهِم إلاّ القيام بالإسلام كتاباً وسنّة وأمراً بالمعروف ونهياً عن المُنكَر ، فكان الرّسول (ص) يحثّ النّاس بهذه الوصيّة بالإتباع لهُم ، ثمّ عادَ وكرّرها ثلاثاً ، وقرينةُ ذلك أنّهم ثَقلٌ من الثَّقَلَين في الحديث ، وقرينةٌ أخرى أنّهم من أولويات الرّسول (ص) في وصيّته للنّاس لم يغفَل عن إظهار أمرهِم ، وهذا فواضحٌ وجهه بفضل الله ومنّه ، فصورة حديث مسلم من التوصية بأهل البيت ، وقد ثبتَ من الحديث تسميَتُهم ثَقلاً ، صورة هذا الحديث لا تُعارضُ صورة الحديث الأخرى المُصرّحة بكون أهل البيت ثقَل الله الثاني ، فهو ظاهرٌ من الصّورتَين عظيمُ شأن أهل البيت في الدّين ومعرفَة الحقّ من الباطل ، فكان حديث التمسّك بالثّقلَين حديثاً متواتراً معنويّاً ، لا يصحّ منه مَنْ صرفَ حديث مسلم إلى مجرّد الفضيلة كالعادَة في صَرف الأحاديث الدّالة على عظيم منزلة أهل البيت واتّباعهم على الفضائل دونَ الاتّباع ، بل إن ّحديث مسلم واحدٌ من طُرقِ الأحاديث السّابقة تُعاضِدُها في الدّلالة على التبعيّة لأهل البيت (ع) .

النقطَة الثانيَة : أنّك متى تأمّلتَ قول زيد بن أرقم لحُصين سَبْرَة ، لوجَدته يُخبرُه أنّ قد شاخَ على الرّوايَة والضّبط ، لِقِدَم العَهد ، وكِبَر العُمر ، فقال : ((يا بن أخي والله لقَد كَبرَت سنّي ، وقَدُمَ عهدي ، ونسيتُ بعض الذي كُنتُ أعِي من رسول الله (ص)) ، وهذه دقيقةٌ سنحتاجُ إليها قريباً ، فلا تُغمِض عنَها .

النّقطَة الثالثة : أنّ زيد بن أرقم الصّحابي قد روَى عنه حديث الثَّقَلين خَلقٌ غير يزيدُ بن حيّان التيمي الراوي لحديث مسلم ، الذي لم يروِ عنهُ حديثَ الثّقلَين إلاّ عندَ كِبَر سنّه ، فمّمن روى عن زيد بن أرقم حديثَ الثّقلَين ، حبيب بن أبي ثابت في سنن الترمذي ، وأبو الطفيل في سنن النسائي ، وفي المعجم الكبير للطبراني ، وأبو الضّحى مُسلم بن صُبيح في المعجم الكبير للطبراني ، كلّهم يروي عن زيد بن أرقم حديث الثّقلين بلفظ (إنّي تاركٌ فيكم ثَقلَين كتاب الله وعترتي أهل بيتي إنّهما لن يفترقا...الحديث) ، لا بصورَة (أذكّركم الله في أهل بيتي ثلاثاً) ، وجميعُ مَن روى عنه ممّن أشرنا إليهِم قريباً لم يكُن زيد بن أرقم يقولُ لهم أنّه قد كَبُر ، ونسيَ بعض الذي كان يَعيه من رسول الله (ص) كما في رواية يزيد بن حيّان عنه في صحيح مسلم ، وهذه إشارةٌ مهمّة لأهل البحث ، لمكان قوّة رواية زيد بن أرقم وهو قويّ الفِكر بصورة (كتاب الله وعترتي) أقوى من تلكَ التي كان فيها قد كبُر على الرّواية والضّبط كما تكلّمَ عن نفسِه ، إلاّ أنّنا نُشيرُ إلى أنّا لا نستبعدُ أن يكون رسول الله (ص) قد قال (أذكّركُم الله في أهل بيتي) ، ولكن بعد قولِه : (ثَقَلين كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، فكانَ قوله (ص) : (أذكّركم الله في أهل بيتي) تأكيدٌ للتمسّك بالثّقَل الأصغر المُوصِولون بدورهِم إلى الثّقلَ الأكبَر الأعظَم الكتاب الكريم ، إلاّ أنّ الباحث ينبغي له ألاّ ينصرفَ عن روايَة عدد من الثّقات عن زيد بن أرقم وهو في أقَوى أحوال الرّواية بدون تشكّك منه فيما يقولُه ، إلى روايَةٍ كان مُتشكّكاً في وعيه لهَا ، وتنبّه للنقطَة القادمَة القريبَة فهي سُتعضّد كلامَنا هذا .

النقطَة الرّابعة : أن تعلَم أنّه لم يروِ هذا الحديث عن زيد بن أرقَم بهذا الوجه (أذكّركم الله في أهل بيتي) ، إلاّ راوٍ واحد ، وهُو يزيد بن حيّان التّيمي ، إذ قد اجتهدنا في الوقوف على روايَة لهذا الحديث من هذا الوجه فما وجدنَا يرويه عن زيد بن أرقَم غيرُه ، وكلّ مَن روى عن زيد بن أرقَم فكان يرويه بلفظ (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، إلاّ يزيد بن حيّان هذا ، فالوهم إمّا أن يكونَ لاحقٌ به على زيد بن أرقَم ، وإمّا أن يكون من زيد بن أرقَم لمكان كبر سنّة ، وقلّة وعيه لتقادم العَهد كما قالَ عن نفسِه ، أو أنّ هذا صحيحٌ بعد قول الرّسول (ص) : ((كتاب الله وعترتي)) ، فكان قوله (ص) : ((أذكّركم الله بأهل بيتي)) زيادة في التأكيد على اتّباع قول أهل البيت (ع) ، وهذا كلّه واردٌ مُحتمَل.

النقطَة الخامسَة : أنّ من تأمّل حديث مسلم محلّ النقاش ، سيجدُ أنّ زيد بن أرقَم أشارَ إلى أنّ الرّسول (ص) قال بالإيصاء هذا ، في مكان غدير خمّ ، بمجمع كثيرٍ من الصّحابَة، فوجبَ عقلاً أن يروي هذا الخبَر غير زيد بن أرقَم ، لمكان سماعهِم هذا الخبر من رسول الله (ص) كما سَمعَهُ زيد بن أرقَم ، فبحثَنا كُتب الحديث فوجدنَا جماعةً من الصّحابة قد رووا حديث الثّقلَين هذا ، بلفظ (كتاب الله وعترتي) ، دوناً عن لفظ (أذكّركم الله في أهل بيتي) ، وقال ابن حجر الهيثمي كما سننقلُ قريباً أنّه مرويّ من طريق نيّف وعشرين صحابيّاً كلّهم بلفظ التمسّك ، يعني بالتمسّك بالكتاب والعترَة ، نذكرُ من هؤلاء الصحابة ، جابر بن عبدالله ، وأبو سعيدٍ الخدري ، وزيد بن ثابت ، وحذيفة بن أسيد الغفاري ، وعلي بن أبي طالب ، وغيرهم كما سيأتي ، كلّهم يروي هذا الخبر بلفظ (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، وهذا يقوي وجه الرّوايات عن زيد بن أرقم في أنّ الصحيح من روايته هي (كتاب الله وعترتي) كما رواها الثّقات عنه ، بدون انفرادٍ كما انفرد يزيد بن حيّان التّيمي .

النقطة السّادسة : سلّمنا أن حديث مسلم هُو الصّحيح ، فإنّ الحديث مع هذا يُسمّى حَديث الثَّقَلين ، لمكان ذكر الثّقَلين فيه ، وما اشتُهِر من حالِه وأمثالِه ، فأنتُم بهذا الإثبات تُثبتون صحّة حديث الثَّقَلين ، فرسول الله (ص) قال في الحديث : ((وأنا تاركٌ فيكُم ثَقَلَينِ ، أوّلُهُما كتاب الله...الحديث)) ، فأينَ الثّقَل الثاني معشر السلفيّة في الحديث ؟! ، وجوابُه أشرَنا إليِه في معرضِ كلامِنا على دلالَة حديثٍ مُسلِم في الرّواية القريبَة .

الرّوايَة الخامسَة والعِشرون :

المَصدَر : [مسند أحمد بن حنبَل : 4/366] .

السَّنَد : حدّثنا عبد اللَّه ، حَدّثني أبي [أحمد بن حنبل] ، ثنا إِسْمَاعِيلُ بن إبرَاهيم [بن مقسم الأسدِي]، عن أبي حَيَّانَ التيمي ، حدثني يَزِيدُ بن حَيَّانَ التيمِي ، قال:

المَتن : ((انْطَلَقْتُ أنا وَحُصَيْنُ بن سَبْرَةَ وَعُمَرُ بن مُسْلِمٍ إلى زَيْدِ بن أَرْقَمَ ، فلمّا جَلَسْنَا إليه قالَ لَهُ حُصَيْنٌ : لقَد لَقِيتَ يا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً رَأَيْتَ رَسُولَ اللَّهِ (ص) وَسَمِعْتَ حَدِيثَهُ ، وَغَزَوْتَ مَعَهُ ، وَصَلَّيْتَ مَعَهُ لَقَد رأيتَ يَا زَيْدُ خَيْراً كَثِيراً حَدِّثْنَا يا زَيْدُ ما سَمِعْتَ مِن رسول اللَّهِ (ص) ، فقَالَ: يا بن أخِي واللهِ لَقد كَبُرَتْ سِنّي ، وَقَدُمَ عَهدي ، وَنَسِيتُ بَعْضَ الذي كُنتُ أعِي مِن رَسول اللَّهِ (ص) ، فمَا حَدَّثْتُكُمْ فَاقْبَلُوهُ ومَالا فَلاَ تُكَلِّفُونِيهِ ، ثُمَّ قَالَ : قَامَ رَسُول اللَّهِ ً(ص) يَوْماً خَطِيباً فِينَا بِمَاءٍ يُدْعَى خُمًّا بين مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ فَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى وَأَثْنَى عليه وَوَعَظَ وَذَكَّرَ ثُمَّ قال : أَمَّا بَعْدُ ألا يا أَيُّهَا النّاس إنما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أن يَأتيني رَسُولُ رَبّي عَزّ وجل فَأُجِيبُ ، وإنّي تَارِكٌ فِيكُمْ ثَقَلَيْنِ أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ عز وجل فِفيهِ الْهُدَى وَالنُّورُ فَخُذُوا بِكِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَاسْتَمْسِكُوا بِهِ فَحَثَّ على كِتَابِ اللَّهِ وَرَغَّبَ فيه ، قالَ: وَأَهْلُ بيتي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بيتي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بيتي ، أُذَكِّرُكُمُ اللَّهَ في أَهْلِ بيتي)) .

الحُكم : صَحيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرواية الرّابعة والعشرين .

الرّوايَة السّادسَة والعِشرون :

المَصدَر : [صحيح ابن خُزيمَة : 4/62] .

السَّنَد : حَدّثنا يُوسف بن مُوسَى [القطّان مِن رِجَال البُخاري] ، حدّثنا جَرير [ابن عبد الحميد الضّبي] ومحمّد بن فُضيل [بن غزوان] ، عَن أبي حَيّان التَيمِيّ ، وهُو يَحيى بن سَعيد التّيمي الرّباب ، عن يَزيد بن حَيّان ، قال:

المَتن : ((انطَلقتُ أنَا وحُصَين بن سَمرة وعمرو بن مُسلم إلى زَيد بن أرقَم فَجَلسنَا إليهِ ، فقالَ لَه حُصَين : يَا زَيد رَأيتَ رَسُولَ اللهِ (ص) ، وصَلّيتَ خَلفَهُ وسَمِعتَ حَدِيثَهُ وغَزَوتَ مَعَهُ لقَد أصَبتَ يَا زَيد خَيراً كَثيراً ، حَدِّثنَا يَا زَيد حَديثاً سَمِعتَ رَسُول الله (ص) ومَا شَهِدتَ مَعَه ، قَال: بلَى بن أخِي ، لقَد قَدم عَهدِي، وكَبُرَت سِنِّي ، ونَسيتُ بَعض الذي كُنت أعِي مِن رَسُول الله (ص) فمَا حَدّثتكُم فَاقبلوهُ ، ومَا لَم أحدِّثكُمُوه فَلا تُكَلِّفُونِي ، قَالَ ، قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُول الله (ص) يَوماً خَطيباً بِمَاءٍ يُدعَى خُمّ فَحَمِدَ الله وأثنَى عَليهِ وَوعَظَ وَذَكَّر ثمَّ قَال: أمّا بَعد، أيّها النّاس فَإنّمَا أنَا بَشَرٌ يُوشَك أن يَأتِيني رَسُول رَبّي فَأُجيبه ، وإنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين أولّهُما كِتابَ الله فِيه الهُدَى والنّور مَن استمسَكَ بِه وأخَذَ بِه كَانَ على الهُدى ، ومَن تَركَهُ وأخطَأهُ كَان عَلى الضَّلالَة ، وأهل بَيتي ، أذَكِّركُم الله فِي أهل بَيتي ثَلاث مَرَّات)) .

الحُكم : صَحيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرواية الرّابعة والعشرين .

الرّوايَة السّابعَة والعِشرون :

المَصدَر : [شرح مُشكِل الآثَار ، للطّحَاوي : 9/88] .

السَّنَد : حدثنا فَهْدُ بن سُلَيْمَانَ [المِصريّ] ، قال حَدّثنا أبو غَسَّانَ مَالِكُ بن إسْمَاعِيلَ النَّهْدِيُّ ، قال ثنا إسْرَائِيلُ بن يُونُسَ [الهمدَاني ، من رجال البخاري ومُسلم] ، عن عُثْمَانَ بن الْمُغِيرَةِ [الثّقفي]، عن عَلِيِّ بن رَبِيعَةَ الأَسَدِيِّ [من رجال البُخاري] ، قال:

المَتن : ((لَقِيتُ زَيْدَ بن الأَرْقَمِ وهو دَاخِلٌ على الْمُخْتَارِ أو خَارِجٌ ، فَقُلْتُ: مَا حَدِيثٌ بَلَغَنِي عَنْك سَمِعْتَ النبيّ (ص) يَقولُ : إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ كِتَابَ اللهِ وَعِتْرَتِي ؟! ، قَالَ: نَعَم)) .

الحُكم : صَحيح .

الدّلالَة : في هَذا الخَبر تقويَةٌ لما ذكرناهُ من دلالَة الرّواية الرّابعة والعِشرين ، من كَون العِترَة ثََقل الله الثّاني فِي الأرض ، ودلالةٌ على إيجاب اتّباعهِم من هذه الرّواية ومن الرّوايات الأخرى المتقدّمة عن زيد بن أرقَم ، مثل الرّواية الثانية والثالثة والرّابعة والثّامنة والحادية والعشرِين والثانية والعِشرين ، من عدم الافتراق لهذين الثّقلين (الكتاب والعترَة) حتى انقضاء التّكليف ، وهي في التّبعيّة لهُم (ع) وكونُهم تراجمَة القرآن ظاهرَةُ المَعنى ، لمنَ أنصفَ نفسَهُ مِن نفسِه .

الرّوايَة الثّامنَة والعِشرون :

المَصدَر : [المعجم الكبير : 3/65] .

السَّنَد : حَدّثنا محمد بن عبد اللَّهِ الْحَضْرَمِيُّ ، ثنا مِنْجَابُ بن الْحَارِثِ [التّميمي ، من رجال مُسلِم] ، ثنا عَلِيُّ بن مُسْهِرٍ ، عن عبد الْمَلِكِ بن أبي سُلَيْمَانَ ، عن عَطِيَّةَ [العَوفي] عَن أبي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رضي اللَّهُ عنه ، قال: قال النبي (ص) :

المَتن : ((أَيُّهَا الناس إني تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إن أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي أَمْرَيْنِ، أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ مِنَ الآخَرِ كِتَابَ اللَّهِ حَبَلٌ مَمْدُودٌ ما بين السَّمَاءِ وَالأَرْضِ ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا على الْحَوْضَ)) .

الحُكم : صَحيح ، ولا التفَات إلى ما جُرِح به عطيّة العَوفي ، كما تقدّم بيانُ ذلك.

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة التّاسَعة والعِشرون :

المَصدَر : [جزء أبي طَاهر: 50] .

السَّنَد : حَدّثنا أبو بَكر القَاسِم بن زَكَرّيا بن يَحيى المُقرِئ ، قَال: حَدّثنا محمّد بن حميد [الرّازي] ، قَال حَدّثنا هَارُون بن المُغيرَة ، عن عَمرو بن أبي قِيس [الرّازي] ، عن شُعيب بن خَالد [البجلي الرّازي] ، عن سَلمَة بن كُهَيل [الحضرميّ] ، عَن أبي الطّفيل ، سَمِع زَيد بن أرقَم ، سَمِع النّبي (ص) ، يَقول:

المَتن : ((أيّها النّاس إنّي تَاركٌ فِيكُم أمرَين ، لَن تَضلّوا مَا اتّبعتُمُوهُمَا ، القُرآن وأهلُ بَيتي عِترَتِي ، ثمّ قَال: هَل تَعلمون أنّي أولَى بالمؤمِنين مِن أنفُسِهِم ، وأموَالِهِم ، ثَلاثَ مَرّات ، فَقالَ النّاس: نَعم . فَقال النّبي (ص): مَن كُنتُ مَولاهُ فَعَلِيٌّ مَولاه)) .

الحُكم : يقربُ إلى الضّعف ، ويُقوّيها ما رُويّ بإسنادٍ حسَنٍ صحيح في الرواية الثّلاثين ، ويقويّها جميعاً ما رُويَ بإسنادٍ صحيحٍ في الرّواية الحادية والثّلاثين .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية ، وظاهرٌ منها الحثّ على اتّباع الثّقليَن ، وهذا المعنى أصلاً ظاهرٌ من توصيَة الرّسول (ص) بهِما ، وإخبارُه بعدم افتراقهِما حتى يوم القيامَة.

الرّوايَة الثّلاثون :

المَصدَر : [جزء أبي طَاهر: 50] .

السَّنَد : حَدّثنا القَاسم بن زَكريّا بن يَحيى [المطرز] ، قَال : حَدّثنا يُوسف بن مُوسى [القطّان ، من رجال البخاري] ، قَال حدّثنا عُبيد الله بن مُوسَى [بن أبي المختار العبسيّ] ، قال أخبرنا يَحيى بن سَلمَة بن كُهَيل ، عن أبيه ، أنّه دَخَل على أبي الطّفيل ومَعَهُ حَبيب بن أبي ثَابت ومُجَاهِد ونَاسٌ مِن أصحَابِه ، فَقالَ أبو الطّفيل : حَدّثني زَيدُ بن أرقَم أنّ النّبي (ص) :

المَتن : ((نَزلَ بَين مَكّة والمَدينَة عِند سمرَات خَمس دَوحات عطاس ، فَكنَسَ النّاس لِرسول الله (ص) مَا تَحت السّمرَات ثمّ رَاحَ عشيّه ، فَحَمِدَ الله وأثنَى عَليه ثمّ قَالَ : إني تَاركٌ فِيكُم أمرَين لَن تضلّوا مَا اتّبعتُمُوهُمَا ، كِتابَ الله عزّ وجلّ وأهلُ بَيتي عِترَتِي ، ثمّ قَال: ألستُ أولَى بالمؤمِنينَ مِن أنفُسِهِم ، قَالَها ثَلاث مَرّات ، قَال النّاس: بَلى ، قَال: فمَن كُنتُ مَولاهُ فَعليٌّ مَولاه ، ثمّ أخَذَ بِيدِه فَرفَعَهَا ، قَال يحيى: وكَان النّاس يَجيئونُ إلى أبي ، فَيقُولُون إنَّ حَبيب بن أبي ثَابتٍ يَقول: اللهمّ وَالِ مَن وَالاه ، وَعَادِ مَن عَادَاه ، قَال: إنّي قَد سَمِعتُ مَا سَمِعُوا ، ولكن قَد نَسيت)) .

الحُكم : حسنٌ صحيح ، ولا التفاتَ إلى ما جُرِح به يحيى بن سَلمة بن كُهَيل وما ذاك الجَرح إلاّ لتشيّعه ، وهو مأثورٌ عن سلمَة بن كُهيل من غير طريقِ ابنهِ يحيى ، كما في الرواية التاسعَة والعشرين ، والحادية والثّلاثين .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية ، وظاهرٌ منها الحثّ على اتّباع الثّقليَن ، وهذا المعنى أصلاً ظاهرٌ من توصيَة الرّسول (ص) بهِما ، وإخبارُه بعدم افتراقهِما حتى يوم القيامَة.

الرّوايَة الحاديَة والثّلاثون :

المَصدَر : [المُستدرك على الصّحيحين : 3/118] .

السَّنَد : حَدّثنَاهُ أبو بَكر بن إسحَاق ، ودَعلَج بن أحمَد السّجزي ، قالا أنبأ محمّد بن أيّوب ، ثنا الأزرَق بن عَلي ، ثنا حسَّان بن إبراهيم الكرمَاني ، ثنا محمّد بن سَلمة بن كُهَيل ، عن أبيه ، عن أبي الطُّفَيل ، عن ابن واثلَة [لعلّه عن أبي الطّفيل ابن واثلَة] ، أنّه سَمِع زَيد بن أرقَم رَضي الله عنه ، يقول:

المَتن : ((نزَل رَسُول الله (ص) بين مَكّة والمَدينة عِند شَجرات خَمس دوحَات عِظام فَكنسَ النّاس مَا تَحتَ الشّجَرات ، ثمّ رَاح رَسُول الله (ص) عَشيّة ، فَصلّى ثمّ قَام خَطيباً فَحمدَ الله وأثنَى عَليه وذَكَر وَوعظَ ، فقَال مَا شَاء الله أن يَقول ، ثمّ قَال: أيّها النّاس إنّي تَاركٌ فِيكُم أمرَين لَن تَضلّوا إن اتّبعتُمُوهُمَا ، وهُمَا كِتاب الله وأهل بَيتِي عِترَتي ، ثمّ قَال: أتعلَمُونَ أنّي أولَى بالمؤمِنينَ مِن أنفُسهِم ثَلاث مَرّات؟! قَالوا: نعَم ، فقالَ رَسول الله (ص) : مَن كُنتُ مَولاه فَعليٌّ مَولاه)) .

الحُكم : قال الحاكمُ النّيسابوري: ((حَديثُ سَلمة بن كُهَيل عَن أبي الطُّفَيل أيضاً صَحيحٌ على شَرطهِمَا)) ، يعني البُخاري ومُسلم ، قلتُ: ومَن أرادَ أن يعرِفَ صدق كلامِنا في جرحِ رجال الحديث وتضعيفهِم لمجرّد التشيّع فليُناظِر ما جرحوا به يحيى ومحمد ابني سلمَة بن كهيل ، وذلكَ لمّا أخرجَا عن أبيهِما وغيره ما لمَ يُرضِ بعضَهُم عن أهل البيت (ع) .

الدّلالَة: مضَى بيانُها في الرّواية الثانية ، وظاهرٌ منها الحثّ على اتّباع الثّقليَن ، وهذا المعنى أصلاً ظاهرٌ من توصيَة الرّسول (ص) بهِما ، وإخبارُ بعدم افتراقهِما حتى يوم القيامَة.

الرّوايَة الثانيَة والثّلاثون :

المَصدَر : [استجلاب ارتقاء الغُرف ، لمحمد بن عبدالرحمن السّخاوي : 1/345] .

السَّنَد : مِن طريق الحافِظ الكَبير أحمد بن محمّد بن سَعيد ابن عقدَة من حديثِه في (المُوالاة) ، من طريقِ : يُونس بن عَبد الله بن أبي فَروة ، عَن أبي جَعفرٍ محمّد بن عَلي [الباقِر] ، عَن جَابرٍ [بن عبدالله الأنصاري] ، قال :

المَتن : ((كُنّا مَع رَسُول الله (ص) فِي حَجّة الوَدَاع , فَلمَّا رَجَع إلى الجُحفَة أمرَ بشجَرات فُقمَّ مَا تَحتَهُنّ , ثمّ خَطَب النّاس , فَقال : ((أمَّا بَعد , أيّها النّاس ، فَإنّي لا أرانِي إلاَّ مُوشِكاً أن أُدعَى فَأجُيبُ , وإنّي مُسؤولٌ وأنتُم مَسئولُون , فمَا أنتم قَائلون؟! قَالوا: نَشهَدُ أنّكَ بَلَّغتَ وَنَصحتَ وأدَّيت ، قَالَ: ((إنّي لَكُم فَرطٌ , وأنتمُ وَاردونَ عّليَّ الحَوض , وإنّي مُخَلِّفٌ فِيكُم الثَّقَلَين ، كِتابَ الله وعِترَتي)) .

الحُكم : غيرُ ظاهرٍ لمكانِ عدَم معرفَة كامِل السّنَد من اختصارِ السّخاوي ، وما ظهرَ منهُ حسَن ، ولهُ شاهدٌ عن أبي جعفرٍ الباقر وعَن جابر بن عبدالله في الرّواية الخامسة والحادية عشر .

الدّلالَة : هُنا رسول (ص) ينعَى نفسَهُ لأصحابِه وأمّته ، (فَإنّي لا أرانِي إلاَّ مُوشِكاً أن أُدعَى فَأجُيبُ) ، ثمّ يُخلِّفُ فيهِم أموراً ، يحثّهُم من خلالِها على التمسّك والاتّباع بقرينَة وجودِ القرآن ضمَن وصيّته (ص) ، فقال : (وإنّي مُخَلِّفٌ فِيكُم الثَّقَلَين ، كِتابَ الله وعِترَتي) ، فَسمَّى العترَة ثَقلاً عظيمَا في أمّته (ص) إلى جانِب القرآن ، ممّا سُتسألُ عنه الأمّة.

الرّوايَة الثالثَة والثّلاثون :

المَصدَر : [استجلاب ارتقاء الغُرف ، لمحمد بن عبدالرحمن السّخاوي : 1/359] .

السَّنَد : مِن طريق الحافِظ الكَبير أحمد بن محمّد بن سَعيد ابن عقدَة من حديثِه في (المُوالاة) ، من طريقِ : سَعد بن طُريف [الإسكاف] ، عن الأصَبغ بن نَباتَة ، عَن أبي ذَرٍّ [الغفاريّ]:

المَتن : ((أنّهُ أخَذ بِحلقَة بَابِ الكَعبَة , فَقَال : سَمعتُ رَسُول الله (ص) يَقول: ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين : كِتابَ الله وعِترَتي , فَإنّهُمَا لَن يَفترِقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض , فَانظروا كَيفَ تَخلُفونِي فِيهما)) .

الحُكم : غيرُ ظاهرٍ لمكانِ عدَم معرفَة كامِل السّنَد من اختصارِ السّخاوي ، وما ظهرَ منهُ صَحيح ، ولا عبرَة بما طُعِنَ به على سَعد والأصبَغ فإنّما هُو لمكان تشيّعِهما ، ولهُ شاهدٌ عن أبي ذرّ الغفاري في الرّواية الرّابعَة والثلاثين ، والخامسَة والثّلاثين ، وقال التّرمذي صاحب السّنن عقِب إيرادِه حديث الثّقلين كتاب الله وعترتي ، عن جابر بن عبدالله الأنصاري ، قال: ((وفِي البَابِ عَن أبي ذَرٍّ ، وأبي سَعيدٍ ، وزيد بن أرقَم ، وحُذيفَة بن أُسَيد)) [سنن الترمذي:5/662] ، نعم! إلاّ أنّه يَظهرُ لي أنّ سنَد الرّواية عن ابن عقدة كاملاً هُو ما أوردَهُ الزّيلعي ، نقلَ : (حَدّثنَا محمّد بن أحمَد بن الحسَن القطوانِي ، حَدّثنَا محمّد بن خَلف النّهري [أو النّميري] ، حدّثنا عَلي بن الحسَن العَبدِيّ ، عن سَعد بن طريف ، عن الأصبَغ بن نُباتَة ، عن أبي ذّر) [تخريج الأحاديث والآثَار للزيلعيّ:2/240] ، خصوصاً وأنّ ابن عقدَة كان يروي عن القطواني كما ذكرَ الذّهبي في [سير أعلام النّبلاء:15/341] ، أيضاً أوردَ ابن حجر العسقلاني قريباً من ذلك ، قالَ : ((أبو زَينَب بن عَوف الأنصَاري ، قَال أبو موسَى : ذَكَرَه أبو العبّاس بن عقدة في كِتاب الموالاة مِن طَريق عَلي بن الحسَن العَبدي ، عن سَعد هُو الإسكَاف ، عن الأصبَغ بن نبَاتة ، قال: نشدَ عَليٌّ النّاسَ فِي الرّحبَة...إلخ)) [الإصابة في تمييز الصّحابة:7/161] ، وأسندَهُ ابن الأثير : (حَدّثنا أحمّد بن محمّد بن سَعيد [ابن عقدة] ، حَدّثنا بن إسمَاعيل بن إسحَاق الرَّاشِدي ، حَدثنا محمّد بن خَلف النُّمَيْرِي ، حدّثنا علي بن الحسَن العَبْدِي ، عن الأصبَغ بن نُبَاتة ، قَال : نَشَدَ عَلِيُّ الناس في الرحبة...إلخ) [أسد الغابَة:3/484] .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الرّابعة والثّلاثون :

المَصدَر : [المُعجم في أصحاب القاضي الصّدفي ، للقضَاعي : 86] .

السَّنَد : حدّثنا الدّار قطني ، نا أبو القَاسم الحسن بن محمّد بن بشر الكُوفي الخزّاز ، نا الحُسين بن الحكم الحَبري ، نا الحسَن بن الحسين العربي [العرني] ، نا علي بن الحسَن العَبدري [بن شقيق العبديّ] ، عن محمّد بن رُستم الصّامت الضّبي ، عن زَاذان أبي عمر، عن أبي ذَرٍّ [الغفاري] :

المَتن : ((أنّهُ تَعلّقَ بأستَارِ الكَعبَة ، وقَال: يَا أيّهَا النّاس مَن عَرَفَني فَقد عَرَفَني ومَن لَم يَعرِفنِي فَأنا جُندبٌ الغِفَارِيَّ ، ومَن لَم يَعرِفِني فأنا أبو ذَرٍّ ، أقسَمتُ عَليكم بحقّ الله وبِحقّ رَسولِه هَل فِيكم أحَدٌ سَمِع رَسول الله (ص) يَقول : مَا أقَلّت الغَبراء ولا أظَلَّت الخَضراء ذَا لَهجَةٍ أصدَقُ مِن أبي ذَرّ؟! ، فَقام طَوائفُ مِنَ النّاس ، فَقالُوا: اللهمّ إنّا قَد سَمعنَاهُ وهُو يَذكرُ ذَلك ، فَقالَ: والله مَا كَذبتُ مُذ عَرفتُ رَسُولَ الله (ص) ولا أكذِبُ أبداً حتّى ألقى الله تعَالى ، وقَد سَمعتُ رَسول الله (ص) يَقول: إنّي تَاركٌ فِيكُم الثّقَلين ، أحَدُهُما أكبَرُ مِنَ الآخَر كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِن السّماء إلى الأرض ، سَببٌ بِيدِ الله تعَالى وسَببٌ بأيديكُم ، وعِترَتي أهلُ بَيتي ، فانظُروا كَيف تَخلفُونِي فِيهِم ، فإنّ إلهي عَزّ وجَلّ قَد وعَدَني أنّهُما لَن يَفترِقَا حَتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض)) .

الحُكم : لم أقف على ترجمَة محمد بن رستُم ، وباقي رجالِه ثِقات ، ولا يُلتفَت إلى قولِ المُخالِف في الحَبري والعرني لمكان تشيّعهما ، وعموماً فلحديث الثّقلين عن أبي ذرّ متابعات عدّة تقويّ بعضها بعضاً .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية عشَر .

الرّوايَة الخامسَة والثّلاثون :

المَصدَر : [العلل الواردَة في الأحاديث النبويّة ، للدارقطني : 6/236] .

السَّنَد : (قال الدّار قطني : قال الأعمش ويونس بن أبي إسحاق ومفضل بن صالح) : عن أبي إسحاق السّبيعي ، عن حنش بن المعتمر ، عن أبي ذرّ الغفاريّ ، عن النّبي (ص) ، قال:

المَتن : ((أيّها النّاس إنّي تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وَعِترَتِي أهلُ بَيتِي ولَن يتفرّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) .

الحُكم : قالوا : ضعيف لمكان حنش بن المعتمر ، قُلنا : تضعيفُه مُجازفَة ، وقد وثّقه أبو داود [الكاشف:1/358] ، ووثّقه العجلي [معرفة الثقات:1/326] ، وقال أبو حاتم: صالح [تهذيب الكمال:7/432] ، ومن طالعَ ترجمته لم يجِد ما يصمِدُ لتضعيفِه . قالوا: قال أبو إسرائيل أنّ رواية السّبيعي عن حنش كانت بواسطَة رجلٍ مجهول ، فيكون وجهها ، عن أبي إسحاق السّبيعي عن رجل عن حنش بن المعتمر . قُلنَا : قد قال الأعمش ويونس بن أبي إسحاق ومفضل بن صالح بغير ذلك (عن أبي إسحاق عن حنش) ، إضافَة إلى ذلك فإن أبا إسحاق السّبيعي ممّن له رواية مباشِرَة عن حنش بن المعتمر ، فهي متّصلة.

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثامنَة .

الرّوايَة السّادسة والثّلاثون :

المَصدَر : [المعرفة والتاريخ ، للفسوي : 6/236] .

السَّنَد : أخبرنا إسرَائيل [بن يونُس] ، عن عثمَان بن المُغيرَة [الثّقفي] ، عن عَليّ بن رَبيعة [الأسدِي] ، قال:

المَتن : ((لَقيتُ زَيد بن أرقَم ، وَهُو يُريدُ الدّخول على المُختَار ، فُقلتُ لَهُ : بلَغنِي عنكَ حِديثٌ؟! ، قال : مَا هو؟ قُلتُ : أسَمِعتَ النّبي (ص) يَقول : إنّي تَارك فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله عزّ وجَل وعِترَتِي ؟ قَالَ : نَعم)) .

الحُكم : صَحِيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية السّابعَة والعشرين .

الرّوايَة السّابعَة والثّلاثون :

المَصدَر : [أسد الغابَة : 3/220] .

السَّنَد : أخبَرنا إبراهيم بن محمّد وإسمَاعِيل بن عَليّ وغَيرِهِمَا ، قَالوا بإسنَادِهِم إلى أبي عِيسَى ، قَال : حدثنا قُتَيْبة [بن سعيد الثّقفي] ، حَدّثنا ابن أبي فدَيْك [محمّد بن إسماعيل] ، عن عبَد العَزيز ابن المطَّلِب [ابن عبدالله بن حنطَب] ، عن أبِيه ، عن جَدّه ، عن عبد الله بن حَنْطَب ، قال : خَطبَنا رَسُول الله (ص) قَال :

المَتن : (إنّي سَائلُكُم عن اثنَتَين ، عَن القُرآن ، وعَن عِتْرَتِي)) .

الحُكم : حسَن .

الدّلالَة : وهُنا رسول الله (ص) يُخبرُ أصحابَه وأمّته بأنّه سيسألُهم عندَ ورودهِم عليه الحوض ، عن الكتاب والعترَة ، فكانَ هذا منه (ص) إيجاباً لحقِّهما في الاتّباع ، لأنّه (ص) لن يسألَ عن عترتِه المُفارقِين للكتاب ، فكانَت عترَتُه التي سيُسألُ النّاس عنهم يوم القيامَة مُقارنون مُلازمونَ للكتاب في الحق .

الرّوايَة الثّامنة والثّلاثون :

المَصدَر : [السنّة ، لابن أبي عاصم: 2/627] .

السَّنَد : حَدّثنا ابن كَاسِب [يعقوب بن حُميد] ، ثنا إبرَاهيم بن محمّد بن ثَابِت [الحجبي] ، عَن عمرو بن أبي عَمرو ، عن المُطَّلِب [بن عبدالله بن حنطَب] ، عن جُبير بن مطعم رضي الله عنه ، قَال : قال رسول الله (ص) :

المَتن : (ألَستُ مَولاكُم ، ألَستُ خَيركُم ؟! قَالوا: بلَى يَا رَسُول الله ، قَال فَإنّي فَرطٌ لَكُم عَلى الحَوض يَوم القِيامَة ، والله سَائلُكم عَن اثنين عِن القُرآن وعَن عِترَتي)) .

الحُكم : حسَن .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية السابعَة والثّلاثين .

الرّوايَة التّاسعَة والثّلاثون :

المَصدَر : [مسند البزّار: 3/89] .

السَّنَد : حدّثنا الحسين بن عَلي بن جَعفر [الأحمر الكوفي] ، قال نا عَلي بن ثابت [الدّهان] ، قَال نا سعاد بن سُليمَان [الجعفي] ، عن أبي إسحَاق [السّبيعي] عن الحَارِث [بن عبدالله الأعور الهمداني] عن عَلي [بن أبي طالب] ، قال رسول الله (ص) :

المَتن : (إنّي مَقبوضٌ وإنّي قَد تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وأهلُ بَيتي ، وإنّكُم لَن تضلوا بَعدَهُمَا ، وإنّه لَن تقومَ السّاعة حَتى يُبتغَى أصحَاب رَسُول الله (ص) كمَا تُبتغُى الضَّالّة فَلا تُوجَد)) .
الحُكم : حسَن ، ولا يُلتفَتُ فيما جُرِحَ به الحارث الأعور ، فإنّما هُو لتشيّعه ، ووثقه يحيى بن معين . [تهذيب الكمال:5/249] ، وعداده في ثقات محدّثي الزيدية ، ولها شاهدٌ عن الحارث من الراويَة الأربعين .

الدّلالَة : مضَى بيان وجهُها بما هُو قريب في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الأربعون :

المَصدَر : [تيسير المطالب في أمالي أبي طالب :258 ] .

السَّنَد : حَدَّثَنَا أبو أَحْمَدَ مُحَمَّدُ بن عَلِيٍّ العَبْدَكِي [بن عبدك الجرجاني]، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بن عَلِيٍّ الْحَائرِى، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بن الْحُسَيْنِ الْبَغْدَاْدِي، عَنْ مُهَاجِرٍ العَامِرِي [هُو ابن شمسان] ، عَنْ الشَّعْبِي [عامر بن شراحيل] . عَنِ الْحَارِثِ [الأعور] ، أَنَّ عَلِيًّا عليه السلام ، قال من خطبَةٍ له :

المَتن : ((خُذُوا عَنِّي عَنْ خَاتَمِ الْمُرْسَلِينَ حُجَّةَ مِنْ ذِي حِجَّة قَالَهَا فِي حَجَّةَ الوَدَاعِ: ((إنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا كِتَابَ الله وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي إِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الحَوْضَ)).

الحُكم : لم أقِف على ترجمَة البغدادي ، والحائري ويُقال الجابريّ .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الحاديَة والأربعون :

المَصدَر : [مسند الإمام زيد بن علي :266 ] .

السَّنَد : حَدّثني زَيد بن عَلي، عَن أبيه ، عَن جَدّه ، عَن عَلي [بن أبي طالب] (ع) ، قَال:

المَتن : ((لمّا ثَقل رَسُول الله (ص) فِي مَرَضِه والبَيت غَاصّ بِمَن فِيه قَالَ: ((ادعُوا لِي الحسَن والحُسين ، فَدعوتُهُمَا ، فَجَعَل يَلثمهُمَا حَتى أغمي عَليه ، قَال: فجعَلَ عَلي عليه السلام يَرفعهُمَا عَن وجَه رَسُول الله (ص) ، قَال: فَفتحَ عَينيه ، فقَال: دَعهُمَا يَتمَتّعَان مِنّي ، وأتَمتّعُ مِنهُمَا فَإنّه سَيُصيبُهُمَا بَعدي أثرةٌ، ثمّ قَال: يَا أيّها النّاس إنّي خَلَّفتُ فِيكُم كِتاب الله وسُنّتي وعِترَتِي أهل بَيتِي فَالمُضيّعُ لِكتابِ الله كَالمُضيِّع لسُنَّتِي، والمُضَيِّعُ لسُنَّتِي كالمُضَيِّع لعِترَتِي، أما إنَّ ذَلك لن يَفترقَا [يفترِق] حتى ألقَاهُ عَلى الحَوض)) .

الحُكم : صَحيح ، ولا عبرَة بمن قدحّ على أبي خالدٍ الواسطيّ راوي المُسنَد عن الإمام زيد لمكان تشيّعه ، وجرحِه بما لا يصّح أن يكونَ جرحاً .

الدّلالَة : هُنا يوصي الرّسول (ص) أمّته بِدلالات مهمّة للنجاة الأخرويّة ، ((يَا أيّها النّاس إنّي خَلَّفتُ فِيكُم)) ، ثم يذكرُها (ص) فيقول : ((كِتاب الله وسُنّتي وعِترَتِي أهل بَيتِي)) ، فجعلَهُم الرّسول (ص) واحداً في التّبعيّة ، فلا يكونُ متّبعاً من ضيَّعَ أحدَها ، وأنّ طريقَ الكتاب والسنّة هُو طريقُ أهل البيت (ع) ، فقال (ص) : ((فَالمُضيّعُ لِكتابِ الله كَالمُضيِّع لسُنَّتِي، والمُضَيِّعُ لسُنَّتِي كالمُضَيِّع لعِترَتِي)) ، وهذا واضحٌ في إيجاب التبعيّة لأهل البيت (ع) لئلاّ يحصُل التضييع للكتاب والسنّة ، فكانَ من شروط اتّباع الكتاب السنّة ، ومن شروط اتّباع الكتاب والسنّة اتّباع أهل البيت (ع) ، والذي يترتّب على تضييع السنّة تضييع الكتاب ، ويترتّب على تضييع أهل البيت تضييع الكتاب والسنّة ، فكانَ أهل البيت (ع) سادات بني الحسن والحسين حتى ورود الحَوض الدُّلاّل على الحقّ ، إن ضلّ جميعُ النّاس فلن يضلّوا وسيبقَى الحقّ معهم وفي دائرَة إجماعِهم ، فُهم بابُ الكتاب والسنّة .

الرّوايَة الثانيَة والأربعون :

المَصدَر : [صحيفة الإمام علي بن موسى الرّضا :62] .

السَّنَد : حدّثنا أبو القاسم عبدالله بن أحمد بن عامر الطائي ، بالبصرة ، قال : حدّثني أبي ، سنة ستين ومائتين ، قال : حدّثني علي بن مُوسى الرّضا (ع) ، سنة أربع وتسعين ومائة ، قال : حدّثني أبي مُوسى بن جَعفر ، قال : حدّثني أبي جَعفر بن محمّد ، قال : حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي عَلي بن الحسين ، قال : حدّثني أبي الحسين بن عَلي ، قال : حدّثني أبي علي بن أبي طالب (ع) ، قال : قال رسول الله (ص) :

المَتن : ((كأنّي قَد دُعيت فَأجبت، وإنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلين ، أحدهُما أكبرُ مِنَ الآخَر ، كِتاب الله عزّ وجلّ حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض ، وَعِترَتِي أهلُ بَيتي، فَانظرُوا كَيف تَخلفُونني فِيهمَا)) .

الحُكم : صَحيح ، وقد اتُّهِمَ عبدالله بن أحمد الطائي أو أبوه بوضعِ الصحيفة كاملة عن الإمام علي بن موسَى الرّضا (ع) ، ومَن طالعَ تراجمَهُم لم يجِد لهُم على ذلك مُستنداً يصمِد ، بل هُو منهُم مُبهَمٌ عامّ ، وكأنّهم إذا رأوا جُزءاً حديثيّاً أو مُسنداً عن أحدٍ من أعلام أهل البيت لم يُصدّقوا ذلكَ عنهُ ، فيقولون رأساً هُو موضوع بلا دليل يُذكَر ، وكأنّ أهل البيت (ع) ليسوا أهلاً للتأليف والتحديث أو الكتابَة والتّحديث عنهُم ، والله المستعان ، ولهُ شاهدُ عن الإمام الرّضا (ع) عن آبائه من الرّواية الثالثة والأربعين .

الدّلالَة : مضى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الثالثَة والأربعون :

المَصدَر : [بحار الأنوار :10/367] .

السَّنَد : حدّثنا دَاود بن سليمَان يُوسف بن أحمَد الغَازي ، قال : حدّثني عَلي بن موسَى الرّضا (ع) ، قال : حدّثني أبي موسَى بن جَعفر ، قال : حدّثني أبي جَعفر بن محمّد ، قال: حدّثني أبي محمّد بن علي ، قال : حدّثني أبي عَلي بن الحسَين ، قال : حدّثني أبي الحسَين بن عَلي ، قال : حدّثني أبي عَلي بن أبي طَالب (ع) ، قال : قال رَسول الله (ص) :

المَتن : ((كأنّي قَد دُعيت فَأجبت، وإنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلين ، أحدهُما أعظمُ مِنَ الآخَر ، كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض ، وَعِترَتِي أهلُ بَيتي، فَانظرُوا كَيف تَخلفُونني فِيهم)) .

الحُكم : صَحيح .

الدّلالَة : مضى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الرّابعة والأربعون :

المَصدَر : [استجلاب ارتقاء الغُرف ، لمحمد بن عبدالرحمن السّخاوي : 1/360] .

السَّنَد : مِن طريق الحافِظ الكَبير أحمد بن محمّد بن سَعيد ابن عقدَة من حديثِه في (المُوالاة)، من طريقِ : محمّد بن عُبيد الله بن أبي رَافع ، عَن أبيه ، عَن جَدّه أبي رَافِع رضي الله عنه مولى رسول الله (ص) ، قَال:

المَتن : ((لَمَّا نَزَلَ رَسُول الله (ص) غَديرَ خُمِّ مَصدره مِن حَجّة الودَاع, قَام خَطيباً بالنّاس بالهَاجِرَة , فَقال : أيّها النّاس ، إنّي تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين, الثَّقَل الأكبَر والثَّقل الأصغَر , فَأمَّا الثَّقَل الأكبَر فَبيدِ الله طَرَفه والطَّرف الآخَر بأيديكُم وهُو كِتابُ الله إن تَمسَّكتُم بِه فَلن تَضلّوا ولَن تَزِلّوا أبداً , وأمَّا الثّقَل الأصغَر فَعترَتي أهل بَيتي, إنَّ الله هُو الخبير أخبرَنِي أنّهمُا لَم يَفترِقَا حَتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض , وسَألتهُ ذَلِك لَهُمَا, والحوض عُرضهُ مَا بَين بُصرَى وصَنعاء فِيه من الآنية عَددَ الكَواكِب, واللهُ سَائلُكُم كَيف خَلَفتُمُونِي في كِتابِه وأهل بَيتي)) .

الحُكم : غيرُ ظاهرٍ لمكانِ عدَم معرفَة كامِل السّنَد من اختصارِ السّخاوي .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الخامسة والأربعون :

المَصدَر : [سنن الدارمي :2/524] .

السَّنَد : حدثنا جَعْفَرُ بن عَوْنٍ ، ثنا أبو حَيَّانَ ، عن يَزِيدَ بن حَيَّانَ ، عن زَيْدِ بن أَرْقَمَ ، قال:

المَتن : ((قام رسول اللَّهِ (ص) يَوْمًا خَطِيبًا ، فَحَمِدَ اللَّهَ وَأَثْنَى عليه ، ثُمَّ قال يا أَيُّهَا الناس إنما انا بَشَرٌ يُوشِكُ أن يَأْتِيَنِي رسول رَبِّي فَأُجِيبَهُ ، وإني تَارِكٌ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ ، أَوَّلُهُمَا كِتَابُ اللَّهِ فيه الْهُدَى وَالنُّورُ فَتَمَسَّكُوا بِكِتَابِ اللَّهِ وَخُذُوا بِهِ فَحَثَّ عليه وَرَغَّبَ فيه ثُمَّ قال: وَأَهْلَ بَيْتِي ، أُذَكِّرُكُمْ اللَّهَ في أَهْلِ بَيْتِي ثَلَاثَ مَرَّاتٍ)) .

الحُكم : صحيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرّابعة والعشرون .

الرّوايَة السّادسة والأربعون :

المَصدَر : [مناقب أمير المؤمنين ، لابن المغازلي الشافعي :34] .

السَّنَد : أخبرنَا أبو يَعلى عَلي بن عبيد الله بن العَلاف البزّار -إذناً- ، قال أخبَرنا عبدالسّلام بن عَبدالملك بن حَبيب البزّار ، قَال أخبرَنا عبد الله بن محمّد بن عُثمان ، قال: حدثنا محمّد بن بَكر بن عبدالرّزاق ، حدثنا أبو حَاتم مُغيرة بن محمّد المهلّبي ، قال حدّثني مُسلم بن إبرَاهيم ، حدثنا نوح بن قَيس الحداني ، حَدثنا الوَليد بن صَالح ، عن امرَأة زيد بن أرقم ، قالت ، من حديث طويل :

المَتن : ((أقبلَ نَبيّ الله مِن مكّة فِي حَجّة الودَاع حتّى نَزل (ص) بَغدير الجحفَة بين مكّة والمدينَة فَأمَر بدوحَات فقمّ مَا تَحتهُنّ مِن شَوكٍ ثمّ نَادَى : الصّلاة جَامعَة ،..، فقَال: (ألستُم تَشهَدُون أنَّ لا إلهَ إلاَّ الله لا شَريكَ لَه, وأنَّ محمّداً عَبدُه ورَسُولُه, وأنَّ الجنّة حَق, وأنّ النّار حَقّ , وتُؤمنون بالكتَاب كُلّه ؟! قَالوا: بَلى, قَال : فَإنّي أشهدُ أن قَد صَدّقتكم, وصّدقتمُوني , ألا وإنّي فَرطكم , وإنّكم تَبعي , تُوشكُون أن تَرِدوا عَليَّ الحَوض ، فَأسألُكم حِين تَلقونَنِي عَن ثَقليَّ كَيفَ خَلفتمُوني فِيهمَا ، قَالت: فَأعيل عَلينا مَا نَدري مَا الثَّقَلان؟! حتى قَام رَجلٌ مِن المهَاجِرين, وقَال: بأبي وأمّي أنتَ يَا نبي الله, مَا الثَّقَلان؟, قال (ص) : (الأكبَرُ مِنهَا كِتاب الله تعالى, سَببٌ طَرف بِيد الله وطَرفٌ بِأيديكُم, فتمسّكوا به ولا تضلّوا, والأصغَر مِنهما عِترَتِي))..الحديث .

الحُكم : لم أقِف على ترجمة عدد من الرّواة .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية السّادسة .

الرّوايَة السّابعة والأربعون :

المَصدَر : [الطبقات الكبرى ، لابن سعد :2/194] .

السَّنَد : أخبرنا هَاشم بن القَاسم الكناني ، أخبرَنا محمّد بن طلحَة عن الأعمَش عن عطيّة عَن أبي سَعيدٍ الخُدري ، عن النّبي (ص) ، قال:

المَتن : ((إنّي أوشِكُ أن أُدعَى فُأجِيب ، وإنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلين كِتاب الله وعِترَتي كِتاب الله حَبلٌ مَمدودٌ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض ، وَعِترَتِي أهلُ بَيتي وإنَّ اللَّطيفَ الخَبير أخبرَنِي أنّهُما لَن يَفترقَا حَتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض ، فَانظُروا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا)) .

الحُكم : حسَن .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الخامسَة عشر .

الرّوايَة الثّامنة والأربعون :

المَصدَر : [السنة ، لابن أبي عاصم :2/194] .

السَّنَد : ثنا أبو بَكر [عبد الله بن محمد ابن أبي شيبة] ثنا محمّد بن بِشر [العبدي] ، ثنا زَكريّا [ابن أبي زائدة] ، حَدثنا عَطيّة [العوفي] ، عن أبي سَعيدٍ الخُدريّ ، أنَّ رَسول الله (ص) ، قَال:

المَتن : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتابُ الله حَبلٌ مَمدودٌ مَا بَين السَّمَاء والأرض وعِترَتِي أهل بَيتي ولَن يَتفرَّقا حَتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض)) .

الحُكم : حسَن .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثّامنة .

الرّوايَة التّاسعة والأربعون :

المَصدَر : [المعجم الصغير ، للطبراني :1/232] .

السَّنَد : حَدثنا الحسَن بن مُسلم بن الطّيب الصّنعَاني ، حَدّثنا عبدالحمِيد بن صُبيح، حدَّثنا يُونس بن أرقَم ، عن هَارون بن سَعدٍ [العجليّ] ، عن عَطيّة [العوفيّ] عَن أبي سَعيدٍ الخُدريّ ، عَن النّبي (ص) ، قَال :

المَتن : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين مَا إن تَمسّكتُم بِه لَن تضلّوا كِتابَ الله وَعترَتِي وإنّهمُا لَن يَفترقَا حَتّى يَردَا عليَّ الحَوض)) .

الحُكم : لم أقِف على ترجمة عدد من الرّواة .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثّامنة .

الرّوايَة الخَمسون :

المَصدَر : [تاريخ اليَعقوبي :2/109] .

السَّنَد : قَال الوَاقِديّ [محمّد بن عمر بن واقِد] ، عَن الزّهرِي ، عَن سَالِم [ابن عبدالله بن عُمر] ، عَن أبيه [عبدالله بن عمر بن الخطاب] ، وعَن الزّهرِي فِي إسنَادٍ لَه عَن سَعد بن أبي وَقّاص ، قالا من خطِبَةٍ لرسول الله (ص) جاء فيهَا :

المَتن : ((أهَلَّ رَسول الله مُتمتِّعاً بالعُمرَة إلى الحَجّ وقَالَ بَعضُهُم بالحجّ مُفرِداً ، وقَال بَعضُهُم بِحجّة وعُمرَة ، ودخَلَ مَكّة نَهاراً،...، وخَطبَ قَبل التّرويَة بِيومٍ بَعد الظّهر ، ويَوم عَرَفة حِين زَالت الشّمس عَلى رَاحِلَتِه قَبل الصَّلاة مِن غَد يَوم مِنى ، فقالَ فِي خِطبَتِه: نَضَّرَ الله وَجَهَ عَبدٍ سَمِعَ مَقَالَتِي فوَعَاهَا وَحَفِظَهَا،..، ثمّ قَال: أيّها النّاس إنّي فَرطُكم وأنتمُ وَارِديّ عَلى الحَوض وإنّي سَائلُكُم حِين تَردُون عَليّ عَن الثَّقَلَين فَانظروا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا وقَالوا ومَا الثَّقَلان يَا رَسُول الله قَال الثَّقَل الأكبَر كِتاب الله سَببٌ طَرَفُه بِيدِ الله ، وطرَفٌ بِأيدِيكُم فَاستمسكُوا بِه ولا تضلّوا ولا تُبدِّلُوا ، وعِترَتِي أهلُ بَيتي)).

الحُكم : حسن عن الوَاقديّ ، ولم أقِف على شاهدِه في المَغازي، فيُحتمَل أنّه من طريقٍ أخرى ، وأوردَ ابن عبدربّه الأندلسي خطبة الرّسول (ص) في حجّة الوداع بلا إسنادٍ وفيهَا : ((ألا هَل بَلَّغت، اللهمّ اشهَد فَلا تَرجِعُوا بَعدِي كُفَّاراً يَضرِب بَعضُكم أعنَاقَ بَعض فَإنّي قَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخذتُم بِه لَم تضلّوا بعدَهُ كِتابَ الله وأهل بَيتِي ، ألا هَل بَلَّغت ، اللهمّ اشهَد)) [العقد الفريد:4/55] .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية السّادسة.

الرّوايَة الواحدَة والخَمسون :

المَصدَر : [اعتقاد أهل السنّة ، للالكَائيّ :1/81] .

السَّنَد : أخبَرنا عَبد الرّحمَن بن عُمر بن أحمَد ، انبا الحُسين ابن إسماعِيل [المحامليّ] ، ثنا أبو هِشام الرِّفَاعي [محمّد بن يزيد ، من رجال مُسلِم] ، ثنا حَفص [بن عمر بن عامر] ، عَن مُجَالِد [بن سَعيد] ، عَن الشِّعبي [عَامِر] ، عن جَابر [بن عبدالله الأنصاريّ] ، قال :

المَتن : ((خَطَّ لنَا رَسُول الله خَطّاً ، فقَالَ: هَذا سَبيلٌ ، ثمّ خَطّ خَططاً فَقال هَذِه سُبُلُ الشّيطَان فمَا مِنهَا سَبيلٌ إلاَّ عَليهَا شَيطانٌ يَدعُو إليهِ النّاس ، فَإنّما أنَا بَشرٌ يُوشك أن يَأتِيني رَسُول رَبّي فَأُجيبُه ، وأنَا تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين أولهمَا كِتاب الله عزّ وجَلّ فِيه الهُدى والنّور مَن استمسَكَ بِه وأخَذَ بِه كَانَ عَلى الهُدَى ، ومَن تَرَكَهُ وأخطَأهُ كَانَ على الضَّلالَة ، وأهلُ بَيتِي ، أذكِّركُم الله عزّ وجَلّ فِي أهلِ بَيتي ، واعتصمُوا بِحبلِ الله جَميعاً ولا تَفرَّقُوا)) .

الحُكم : لم يظهر لي من حكُمه سوى الضّعف ، قالوا فيه: يزيد بن محمّد الرّفاعي وهُو ضعيفُ ، قُلنا: قال فيه يحيى بن معين: ما أرى فيه بأساً ، وقال العجلي: لا بأسَ به ، وقال البرقاني: ثقَةٌ أمرَني أبو الحسَن الدّارقطني أن أُخرِجَ حديثَه في الصّحيح ، [تهذيب الكمال:27/24]. وقالوا فيه: مُجالد بن سَعيد وهُو ضعيف ، قُلنا: وثّقه النّسائي في أحدَ قولَيه ، وقال ابن عدي : لهُ عن الشّعبي عن جابر أحادِيث صالحَة ، [تهذيب الكمال:27/223] ، ولم أقف على ترجمة عبد الرحمن بن عمر بن أحمد . نعم! قلتُ: ولهذه الرّواية أصلٌ باختصار عن عبدالله بن مسعود ، رواها اللالكائيّ بعدّة طّرق ، قال: ((أخبرنا محمّد بن عبد الرحمن بن العَبّاس ، ثنا يحيى بن محمّد بن صَاعِد ، ثنا محمّد بن زِياد ، ثنا حمّاد بن زَيد ، عن عَاصِم ، [إسنادٌ ثانٍ] ، وأخبرنا أحمَد بن عُبيد، انبا عَلي بن عبد الله بن مبشر ، ثنا أحمَد بن سِنان ، ثنا عَمرو بن عَون ، ثنا حمّاد بن زَيد ، [إسنادٌ ثالث] ، وأخبرنا الحسَن بن عُثمَان ، انبا إسمَاعِيل بن محمّد ، ثنا عبّاس بن محمّد ، ثنا يَزيد بن هَارون ، ثنا حمّاد بن زَيد ، عن عَاصم بن أبي النّجود ، عن أبي وَايل ، عَن عَبد الله يعني ابن مَسعُود ، قَال : ((خَطّ لنّا رَسُولُ الله (ص) خَطّاً فَقالَ: هَذا سَبيلُ الله ثمّ خَطّ فِي جَانِبه خُطُوطَاً ، زَادَ محمّد بن زِياد فِي حَديثِه عَن حمّاد : يَميناً وَشِمَالاً ، ثمّ قَال هِذه سُبلٌ ، زَاد يَزيد بن هَارون ، مُتفَرِّقَةٌ عَلى كُلِّ سَبيلٍ مِنهَا شَيطانٌ يَدعو ثمّ قَرأ هَذِه الآيَة: ((وأنَّ هَذا صِرَاطي مُستقيمَاً فَاتّبعُوهُ ولا تّتبعُوا السُّبُل فَتفرَّقَ بِكُم عَن سَبيلِه)) . [اعتقاد أهل السنّة:1/80] .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرّابعة والعشرين.

الرّوايَة الثّانية والخَمسون :

المَصدَر : [المعجم الكبير :5/153] .

السَّنَد : حدثنا أَحْمَدُ بن مَسْعُودٍ الْمَقْدِسِيُّ ، ثنا الْهَيْثَمُ بن جَمِيلٍ ، [إسنادٌ ثانٍ] ح وَحَدَّثَنَا أَحْمَدُ بن الْقَاسِمِ بن مُسَاوِرٍ الْجَوْهَرِيُّ ، ثنا عِصْمَةُ بن سُلَيْمَانَ الْخَزَّازُ، [إسنادٌ ثالث] ح وَحَدَّثَنَا أبو حُصَيْنٍ الْقَاضِي ، ثنا يحيى الْحِمَّانِيُّ ، قالوا ثنا شَرِيكٌ [النّخعي] ، عَنِ الرُّكَيْنِ بن الرَّبِيعِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بن حَسَّانَ ، عن زَيْدِ بن ثَابِتٍ ، عَن رسول اللَّهِ (ص) ، قال:

المَتن : ((إنّي قَد تَرَكْتُ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ ، كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِي ، وَإِنَّهُمَا لم يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) .

الحُكم : صحيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الأولى .

الرّوايَة الثّالثة والخَمسون :

المَصدَر : [المعجم الكبير :5/166] .

السَّنَد : حدّثنا محمد بن حَيَّانَ الْمَازِنِيُّ ، حدّثنا كَثِيرُ بن يحيى [البصري] ، ثنا أبو عَوَانَةَ وَسَعِيدُ بن عبد الْكَرِيمِ بن سَلِيطٍ الْحَنَفِيُّ ، عَنِ الأَعْمَشِ ، عن حَبِيبِ بن أبي ثَابِتٍ ، عن عَمْرِو بن وَاثِلَةَ ، عن زَيْدِ بن أَرْقَمَ ، قال:

المَتن : ((لَمَّا رَجَعَ رسول اللَّهِ (ص) مِن حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَنَزَلَ غَدِيرَ خُمٍّ ، أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمَّت ، ثُمَّ قامَ فقال: كَأَنِّي قد دُعِيتُ فَأَجَبْتُ ، إني تَارِكٌ فِيكُمُ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ ، مِنَ الآخَرِ كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي أَهْلُ بَيْتِي ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تُخْلِفُونِي فِيهِمَا فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، ثُمَّ قال: إِنَّ اللَّهَ مَوْلاي وأنا وَلِيُّ كل مُؤْمِنٍ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَدِ عَلِيٍّ فقال: مَن كُنتُ مَوْلاهُ فَهَذَا مَوْلاهُ اللَّهُمَّ وَالِ من وَالاهُ وَعَادِ من عَادَاهُ ، فقلت لِزَيْدٍ: أنت سَمِعْتُهُ من رسول اللَّهِ (ص)؟! فقَال: مَا كان في الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلا قد رَآهُ بِعَيْنَيْهِ وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ)) .

الحُكم : حسن .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثّالثة .

الرّوايَة الرّابعة والخَمسون :

المَصدَر : [السنّة ، لابن أبي عاصم :2/644] .

السَّنَد : حَدّثنَا سُليمان بن عُبيد الله الغَيلاني ، حَدَّثنا أبو عَامر [العقديّ] ، حَدّثنا كَثير بن زيد ، عَن محمّد بن عُمر بن عَلي ، عن أبيه ، عَن عَليّ رضي الله عنه ، أنَّ رَسول الله (ص) ، قال:

المَتن : ((إنّي تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَن تضلّوا كِتاب الله سَببه بِيدِ الله، وسَببه بأيديكُم ، وأهلُ بَيتي)) .

الحُكم : صحيح .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الخامسَة .

الرّوايَة الخامسَة والخَمسون :

المَصدَر : [استجلاب ارتقاء الغُرف ، لمحمد بن عبدالرحمن السّخاوي : 1/348] .

السَّنَد : مِن طريق الحافِظ الكَبير أحمد بن محمّد بن سَعيد ابن عقدَة من حديثِه في (المُوالاة) ، من طريقِ : محمّد بن كثير ، عَن فِطر [بن خليفة] ، وأبي الجارود ، كلاهُما عن أبي الطّفيل ، أنّ عليّاً رضي الله عنه قامَ :

المَتن : ((فحمِدَ الله وأثنَى عليه ثمّ قال: أنشدُ اللهَ مَنْ شَهِدَ يومَ غديرِ خُمٍّ إلاَّ قام ، ولا يَقومُ رَجلٌ يقولُ نُبِّئتُ أو بَلَغَني ، إلاَّ رَجلٌ سَمِعَت أُذُناهُ ووعاهُ قلبُه ، فقامَ سبعَة عشر رجلاً ، منهُم خزيمَة بن ثابت ، وسهَل بن سَعد ، وعُديّ بن حاتم ، وعُقبَة بن عامِر ، وأبو أيّوبٍ الأنصاري ، وأبو سَعيدٍ الخُدري ، وأبو شُريحٍ الخَزاعيّ ، وأبو قُدامَة الأنصاريّ ، وأبو ليلَى ، وأبو الهيثَم بن التّيهان ، ورجالٌ من قريش ، فقالَ عليٌّ رضي الله عنه وعنهُم : هاتُوا ماسَمعتُم ، فقالوا: نَشهدُ أنّ أقبَلنا مع رسول الله (ص) من حجّة الوَداع حتّى إذا كانَ الظّهر خرجَ رسول الله (ص) فأمرَ بشجراتٍ فَسُدِينَ وألقَى عليهِنَّ ثَوب ، ثمّ نادَى بالصّلاة ، فَخرجنا فصَلَّينَا ، ثمّ قامَ فحمدَ الله وأثنَى عليه ، ثمّ قال: ((أيّها النّاس ما أنتُم قائلون))؟! ، قَالوا: قَد بلّغتَ ، قالَ: ((اللهمّ اشهَد ، ثلاث مرّات)) ، قال: ((إنّي أوشِكُ أن أدعَة فأُجيب ، وإنّي مسؤولٌ وأنتُم مسؤولون)) ، ثمّ قالَ: ((ألا إنّ دمائكم وأموالَكم عليكم حرَامٌ كحُرمَة يومِكم هذا ، وحُرمَة شهرِكُم هذا ، أوصيكُم بالنّساء ، أوصيكُم بالجار ، أوصيكُم بالممَالِيك ، أوصيكُم بالعَدل والإحسان)) ، ثمّ قال : ((أيّها النّاس ، إنّي تاركٌ فيكم الثّقَلَين ، كتاب الله وعرتي أهلُ بيتي ، فإنّهما لن يتفرّقَا حتّى يردَا عليّ الحَوض ، نبّأني بذلك اللطيفُ الخبير)) ، وذكرَ الحديثَ في قولِه (ص) : ((مَن كنتُ مولاهُ فعليٌّ مولاه)) ، فقالَ عليٌّ رضي الله عنه: صَدَقتُم ، وأنَا على ذلكَ منَ الشّاهدين)).

الحُكم : ، صحيحٌ لغيرِه ، وهذا فغيرُ ظاهرٍ لمكانِ عدَم معرفَة كامِل السّنَد من اختصارِ السّخاوي ، وما ظهرَ منهُ حسَن لمكان المُتابعَة كمَا سَيأتي ، إلاّ أنَّ ابن الأثير ساقَ هذه الرّواية عن ابن عقدَة ، قال: ((أخبرنا أبو العباس أخبرنا أحمد بن محمد بن سعيد ، حدثنا محمّد بن مفضل بن إبرَاهيم الأشعَري ، أخبرَنا رَجاءُ بن عبد الله ، أخبرنا محمّد بن كَثير ..إلخ)) ، وساقَ الرّواية مُختصرَة بحديث الموالاة لأمير المؤمنين ، [أسد الغابة:6/266] ، أيضاً رواهُ الإمام أحمد بن حنبل بإسنادٍ صحيح مخُتصِراً موطن الشّاهد من حديث (مَن كنتُ مولاه فعليٌّ مولاه) ، جاء في المُسنَد ، ((حَدثنا عبد اللَّهِ [بن أحمد] ، حَدثني أبي [أحمَد بن حنبل] ، ثنا حُسَيْنُ بن مُحَمَّدٍ وأبو نُعَيْمٍ الْمَعْنَى ، قَالاَ ثنا فِطْرٌ [بن خليفه] عن أبي الطُّفَيْلِ ، قال جَمَعَ علي رضي الله عنه النّاس في الرَّحَبَةِ ثُمَّ قال لهم: أَنْشُدُ اللَّهَ كُلَّ امْرِئٍ مُسْلِمٍ سمع رَسُولَ اللَّهِ (ص) يقول يوم غَدِيرِ خُمٍّ مَا سَمِع لَمَّا قام ، فَقَامَ ثَلاَثُونَ مِنَ الناس ، وقال أبو نُعَيْمٍ: فَقَامَ نَاسٌ كَثِيرٌ فَشَهِدُوا حِين أَخَذَهُ بيده ، فقال لِلنَّاسِ: أَتَعْلَمُونَ أني أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ من أَنْفُسِهِمْ ، قالوا: نعَم يَا رَسُولَ اللَّهِ . قاَلَ: مَن كُنتُ مَوْلاَهُ فَهَذَا مَوْلاَهُ ، اللهمّ وَالِ من وَالاَهُ ، وَعَادِ من عَادَاهُ ، قالَ [أبو الطّفيل]: فَخَرَجْتُ وَكَأَنَّ في نَفسي شَيْئاً ، فَلَقِيتُ زَيْدَ بن أَرْقَمَ ، فَقلتُ لَهُ : إنّي سَمعتُ عَلِيًّا رضي الله عنه يَقولُ كَذَا وَكَذَا ، قَالَ [زيد] : فَمَا تُنْكِرُ ؟! قَد سَمعتُ رَسُولَ اللَّهِ (ص) يَقولُ ذَلِكَ لَهُ)) [مسند أحمد:4/370] ، لا يُقالُ أنّ لَفظَ حَديث الثّقلين لم يأتِ في هذه الرّوايَة لأنّا سنقولُ أنّ الاختصَارَ دَأب المُحدّثين ، فيكتبونَ موطنَ الشّاهدَ دونَ غيرِه فانظُر ما رواهُ أحمد مختصراً جدّاً : ((حَدّثنا عبد اللَّهِ ، حَدّثني أبي ، ثنا محمد بن عبد اللَّهِ ، ثنا الرَّبِيعُ يَعْنِى بن أبي صَالِحٍ الأَسْلَمِىَّ ، حدثني زِيَادُ بن أبي زِيَادٍ سَمعتُ عَليّ بن أبي طَالِبٍ رَضي الله عنه يُنْشِدُ النّاس فقالَ: أنشدُ اللَّهَ رَجُلاً مُسْلِماً سمع رَسُولَ اللَّهِ (ص) يَقولُ يَوم غَدِيرِ خُمٍّ مَا قال ، فَقَامَ اثْنَا عَشَرَ بَدْرِيًّا فَشَهِدُوا)) ، [مسند أحمد بن حنبل:1/88] ، وهذا الخبر بعموم يُسمّى خبرُ المُناشدَة وقد رُوي بعدّة طرُقٍ صحيحَة ظاهرَة ولله الحمد الذي أودعَ مثلَ هذا كُتبَ أهل الحديث ، وقد رواه الإمام عبدالله بن حمزة (ع) بإسناده عن أبي الطّفيل ، جاء فيه فيه: ((حدّثنا أبو العبّاس أحمد بن محمد بن سعيد المعروف بابن عقدَة الحافظ ، حدّثنا جعفر بن محمّد الأحمسي ، قال: حدّثنا نصر – وهو ابن مُزاحم- ، قال حدّثنا الحسين بن مسكين ، قال: حدّثا أبو الجارود بن طارق ، عن عامر بن واثلة ، من خبرٍ طويل نختصرُ منه محلّ الشاهد : ((قال: فأنشدكُم بالله ، أتعلمونَ أنّ رسول الله (ص) قال : ((إنّي تاركٌ فيكم الثّقلين ، كتاب الله وعترتي ، لن تضلّوا ما إن تمسّكتُم بهما ، ولن يفترقَا حتّى يردَا عليّ الحوض))؟! ، قالوا: نعم)) [الشّافي:3/426] ، وكذلكَ ساقَ الفقيه حميد المحلّي طريقاً آخَر لخبر المناشدَة عن أبي الطفيل ، قال فيه : ((أخبرنا أبو العباس أحمد بن محمد بن سعيد بن عقدة الكوفي ، قال: حدّثنا مرثد بن الحسن بن مرثد بن باكر أبو الحسين الكاهلي الطبيب ، قال: أخبرنا خالد بن يزيد الطبيب ، قال: أخبرنا كامل بن العلا [أبي العلا] ، قال: أخبرنا جابر بن يزيد [الجعفي] ، عن عامر بن واثلة ، الخبر [التعليق الوافي في تخريج أحاديث الشافي: 3/432] ، أيضاً روى خبر المناشدة في الرحبة الإمام النّاصر للحق الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، بلفظ (حديث الثّقلين) ، قال (ع) : ((أخبرَنا محمّد بن عَلي بن خلف العطّار ، قال: حدثنا يحيى بن هاشم [السّمسار] ، قال حدثنا أبو الجارود زياد بن المنذر الهمداني ، وفطر بن خليفة المخزومي ، عن أبي الطفيل عَامر بن واثلة الكناني، الخبر)) [المحيط بالإمامة]، ويرويه الإمام النّاصر الأطروش (ع) ، بطريقٍ ثانٍ عن أبيه ، عن يحيى بن هاشم ، بقية السّند والخبر . [المحيط بالإمامة] ، فهذه طرق متعددة لخبر المناشدة ، متضمنّةً لخبر الثقلين بمدلول التمسّك بأهل البيت (ع) .

الدّلالَة : هذا الخبَر يَعدل رواية سبَعة عشر راوياً وطريقاً من جهَة الصّحابَة دوناً عن الرّاوي ، وفيهَا يُقيمُ أمير المؤمنين (ع) الحجّة على السّامع بخبر الثّقلين محلّ الشاهد هُنا ، وفيهَا ينعَى رسول الله (ص) نفسَه لأصحابِه ، ويوصيهِم بأنْ تركَ فيهم الثّقلين كتاب الله تعالى وعترته أهل بيته ، وأخبرَ أنّهما لن يتفرّقا حتى يردَا عليه الحَوض ، فكانَ هذا دليلاً على مُلازمَة العترَة للكتاب ، وأنّ المقصَد الأسمَى من كلام المصطفى (ص) هُو الحثّ على اتّباع أهل البيت (ع) لمكان كونهِم على الحقّ كما أنّ القرآن يدلّ على الحق .

الرّوايَة السّادسَة والخَمسون :

المَصدَر : [استجلاب ارتقاء الغُرف ، لمحمد بن عبدالرحمن السّخاوي : 1/351] .

السَّنَد : مِن طريق الحافِظ الكَبير أحمد بن محمّد بن سَعيد ابن عقدَة من حديثِه في (المُوالاة) ، من طريقِ : إبراهيم بن محمّد [بن أبي يحيى] الأسلمي ، عن حسين بن عبدالله بن ضميرة ، عن أبيه ، عن جدّه [ضُميرة الأسلميّ] رضي الله عنه ، قال:

المَتن : ((لمّا انصرفَ رسول الله (ص) من حجّة الوداع ، أمر بشجراتٍ فقُمِمنَ بوادي خم ، وهَجَّر ، فخطبَ النّاس فقال: ((أمّا بعد: أيّها النّاس فإنّي مقبوضٌ ، أوشِك أن أُدعَى فأجيبُ ، فما أنتُم قائلون؟! ، قالوا: نشهدُ أنّك قد بلّغت ، ونصحتَ ، وأدّيت . قال: إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا كتاب الله وعترتي أهل بيتي ، ألا وإنّهما لن يتفرّقا حتى يردا عليّ الحوض ، فانظروا كيفَ تخلفوني فيهِمَا)) .

الحُكم : غيرُ ظاهرٍ لمكانِ عدَم معرفَة كامِل السّنَد من اختصارِ السّخاوي ، وحال الرّجال في سياق السّند الوثاقة .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الخامسَة عشر .

الرّوايَة السّابعَة والخَمسون :

المَصدَر : [المتفق والمفترق للخطيب البغدادي : 2/31] .

السَّنَد : أخبرنا أبو الحسين محمّد بن أحمد بن محمّد بن حسنون القرشي ، عَن إبراهيم بن مُهاجر الأزدي ، عن جعفَر بن محمّد ، عَن جَابر رَضي الله عنه ، قَال: قَال رَسُول الله (ص):

المَتن : ((تَركتُ فِيكُم مَا لَن تضلّوا بَعدِي كِتاب الله وَعترتي أهل بيتي)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الأولى.

القسم الثّاني : إثبات قطعيّة ثبوت ودلالَة حَديث الثَّقلين بالأحاديث المُرسلَة .

الرّوايَة الثّامنة والخَمسون :

المَصدَر : [سمط النجوم العوالي:4/160] .

المَتن : قال العَاصمِي الشّافعيّ المكّي : ((وأخرَجَ محمّد بن جعفَر الرّزّاز ، عَن أمّ سَلمَة : ((ألا إنّي مُخلِّفٌ فِيكُم كِتابَ رَبّي عَز وجلّ وعِترَتي أهل بَيتي)).

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية والثلاثين .

الرّوايَة التّاسعة والخَمسون :

المَصدَر : [المنمق في أخبار قريش:25] .

المَتن : قال ابن حَبيبٍ البغدادي : ((وقَال صَعصة بن نَاجية لِرسول الله (ص) : ((يَا رَسول الله أنَا أبَصر النّاس بمُضَر ، تَميمٌ هَامَتها وكَاهِلُها الشَّدِيد الذي تَنوء به وتحمل عليه ، وكِنانَة وَجهُهَا الذي فِيه سَمعهَا وبَصَرُهَا ، وقَيسٌ فُرسَانُها ولجومُها ، وأسْدٌ لِسَانُها ، فقَال النّبي (ص) : فِيكُم كِتاب الله وعِترَتِي لَن تضلُّوا مَا تمسّكتُم بِهِمَا)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الستّون :

المَصدَر : [المصابيح :246] .

المَتن : وروى الحافظ أبو العباس الحسني ، بإسنادِه ، عن مُوسَى بن عَبد الله بن مُوسى بن عُبد الله (المحض) بن الحسن بن الحسن عن أبيه ، عن جَدّه ، عن أبيه عبد الله بن الحسَن (المحض) ، (ت145هـ) ، قال ، من خبرٍ طويل : ((ألاّ وإنّي قَد تَركتُ الثَّقَلين، فَمَن اعتصَم بِهمَا فَقد نَجا، ومَن خَالفَهُما هَلَك ، أحَدُهما أعظمُ مِن الآخَر، كِتاب الله طَرفٌ مِنهُ بِيد الله وطَرفٌ بِأيديكُم، وَعترِتِي أهلُ بَيتي فتمّسكُوا بِهمَا لا تضلّوا ولا تَذلّوا أبداً، فَإنَّ اللّطيفَ الخَبير أنبَأني أنّهمَا لَن يَفترقَا حتّى يَرِدا عَليّ الحَوض)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الثانية .

الرّوايَة الواحدَة والستّون:

المَصدَر : [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ، كتاب تثبيت الوصيّة:205].

المَتن : قال الإمام زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) : ((وقَد قَال رَسول اللّه(ص) ، ((إنّي تاركٌ فيكُم مَا إن تَمسّكتُم بِه لَن تضلّوا - ولَن تذلّوا - كِتابَ اللّه وَعترَتِي أهل بَيتي وإنّهمَا لَن يَفترقَا حَتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرابعة .

الرّوايَة الثانية والستّون :

المَصدَر : [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرّسي:كتاب الرّد على الرّوافض من أهل الغلو:1/544].

المَتن : وقال الإمام القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت246هـ) : ((وقَد قَال رَسُول الله (ص) فِيمَا رَويتُم ورَوينَا : ((أيّها النّاس خَلفتُ فِيكم الثَّقَلين فَتمسّكُوا بهمَا لا تضلّوا بعدِي أبداً كِتاب الله وَعترتي أهل بيتي)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرابعة .

الرّوايَة الثالثَة والستّون :

المَصدَر : [جامع علوم آل محمّد ، للشريف محمد بن علي البطحاني]

المَتن : قال الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت247هـ) ، قال رسول الله (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم مَا إن تَمسّكتُم بِه لَن تضلّوا أبداً ، كِتاب الله، وعِترَتي أهل بَيتي)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرابعة .

الرّوايَة الرّابعة والستّون :

المَصدَر : [ مجموع رسائل الإمام محمد بن القاسم:كتاب الأصول التسعة:110]

المَتن : قال الإمام محمّد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت284هـ) : ((وقَولُه (ص) فِي ذُريّته: ((إنّي مُخلّفٌ فِيكُم مَا إن تمسَّكتُم بِه لَن تضلّوا مِن بَعدِي أبَداً ، كِتاب الله وعِترَتي أهل بَيتي ، إنّ اللطيفَ الخبير نبّأني أّنهما لَن يفترقَا حتّى يَرِدا عليّ الحَوض)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرابعة .

الرّوايَة الخامسَة والستّون :

المَصدَر : [الدّرر النبويّة بالأسانيد اليحيويّة:58]

المَتن : قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت298هـ)، قال النّبي (ص): ((إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضَلُّوا مِنْ بَعْدِي أَبَداً كِتَابَ اللَّهِ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي، إِنَّ اللَّطِيفَ الْخَبِيرَ نَبَّأَنِي، أَنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرابعة .

الرّوايَة السادسَة والستّون :

المَصدَر : [جامع علوم آل محمّد ، للشريف محمد بن علي البطحاني]

المَتن : قال حافظ العترَة محمد بن منصور المرادي : ((وثبَتَ لنَا عَن النّبي (ص) أنّه قَال: ((إنّي تَاركٌ فِيكُم مَا إن تَمسَّكتُم بِه لَن تَضلّوا كِتَابَ الله وَعترتي أهل بيتي)) .

الدّلالَة : مضَى بيانُها في الرّواية الرابعة .

الفَصلُ الثّاني : طُرق حديث الثّقلين المرويّة باختصار اللّفظ.

اعلَم أخي نفعنَا الله وإيّاك بالإنصاف والنّظر الثّاقب ، أنّ عادَة المُحدّثين على اختصار الأحاديث فيما يخصّ الشّاهد والمُراد من الإيرَاد ، وذلكَ ظاهرٌ لأهل البحث والاطّلاع فإنّ الحديث بالسّند الواحد قد يأتي مُقتضباً في باب ، ومُطوّلاً في بابٍ آخَر ، لغرض الاختصار ، بما قد يدخلُ تحت باب تكرار الأحاديث في المسانيد والأمّهات الحديثيّة ، فمثلاً عندما نتأمّل رواية ابن أبي شيبة في مصنّفه نجدهُ يتكلّم عن القرآن وأهميّة قراءته [باب في الوصيّة بالقرآن وقراءته] فيأتي بالأخبار الدالّة على الوصيّة في القرآن مُكتفياً بنقل محلّ الشّاهد من هذه الأخبار دون إكمال بقيّة وذيل الحديث ، فنجدهُ يروي بإسنادِه ، قال : ((حَدّثنا عفّان ، قال حَدّثنا حسّان بن إبراهيم ، عَن سَعيد بن مَسروق، عن يَزيد بن حيّان ، عَن زَيد بن أرقَم ، قَال: دَخلنَا عَليه فقُلنا لَهُ قَد رَأيتَ خَيراً صَحِبت رَسُول الله (ص) وصَلَّيت خَلفَه ، فقالَ: نعم ، وإنّه خَطبنَا فَقال: ((إنّي تَاركٌ فِيكُم كِتاب الله هُو حبلُ الله مَن اتّبعَه كَان عَلى الهُدى وَمَن تَركَه كَان عَلى الضّلالَة)) ، وهذا الحديث لا يُروى بهذا السّياق عن يزيد بن حيّان عن زيد بن أرقم ، وسياقُه ما جاء في الرّواية الرابعة والعشرين ، والخامسة والعشرين ، والسادسة والعشرين لمسلم وأحمد بن حنبل وابن خزيمة فراجعها ، ثمّ تأمّل كيف اجتزأ ابن أبي شيبة واختصرَ من الخبرَ محلّ الشّاهد وهو الوصيّة بالقرآن دونَ أن يُكمل ما يتعلّق بأهل البيت (ع) ، تجدهُ يقصدُ إثبات الشّاهد فقط ، لا أنّه يقصدُ أن يأتي بكامل الحديث ، أيضاً إذا تأمّلت تجد ابن أبي شيبة في ذات الباب الذي يحثّ على الوصيّة بالقرآن يروي بإسناده ، قال : ((حَدّثنا حَاتم بن إسمَاعيل ، عن جَعفَر [الصّادق] ، عَن أبيه [الباقر] ، عَن جَابر [بن عبدالله الأنصاري] أنّ النّبي (ص) قَال: ((تَركتُ فِيكُم مَا لَن تضلّوا بَعدَه إن اعتصمتُم بِه كِتابَ الله)) [مصنف ابن أبي شيبة:6/133] ، وهذا الخبر من الوهلَة الأولى يسبقُ إلى ذهنِك أنّه مرويّ بالاختصار ، وأنّ وجهه الصّحيح هُو ما جاء في كامل الرّواية عن الباقر عن جابر بن عبدالله في الرّواية الخامسة ، والحادية عشرة ، والخامسة والثلاثين ، فيكون كامل الخبر : ((تَركتُ فِيكُم مَا لَن تضلّوا بَعدَه إن اعتصمتُم بِه كِتابَ الله وعترتي أهل بيتي)) ، أيضاً انظر ابن أبي شيبة يختصرُ هذا الحديث المشهور السّياق ، قال : ((حدّثنا زكريّا ، قال حدّثنا عَطية ، عَن أبي سَعيدٍ الخدري ، أنّ النّبي (ص) قَال: ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثّقلَين أحَدُهُما أكبَرُ مِن الآخَر كِتاب الله حَبلٌ مَمدود مِن السّمَاء إلى الأرض)) ، ثمّ وقفَ ولم يُكمِل مُقتصراً على الشّاهد من الحثّ على التمسّك بالقرآن ، مع أنّ الحديث تكلّم عن ثقلَين اثنين ، وأمرَين اثنين ، ذكرَ أحدَهُا واختصَر الثّاني ، وهذه الرّوايات من الطّرق المُعتبرَة لحديث الثّقلين عند مَن لم يتهرّب من مواجهَة الحقائق والأحاديث النبويّة ، جُبناً ، أو تدليساً ، فيقول هذه ليسَت بحجّة لمّا لم تذكُر الثّقلَين صراحَةً مُتجاهلاً فنّا من فنون أهل الحديث وهو الاختصار ، والله المُستعان ، وعلى ذلكَ نذكرُ أمثلةً صالحةً بإذن الله ، فمن تلك الرّوايات :

الرّوايَة السّابعة والستّون :

المَصدَر : [السنة لابن أبي عاصم:2/644] .

السَّنَد : ثنا أبو بَكر [عبدالله بن محمد ابن أبي شيبة] ، ثنا زَيد بن الحباب [ابن الرّيان] ، حَدّثنا مُوسى بن عُبيدَة [الرّبذي] ، حَدّثني صدقة بن يَسار ، عن ابن يسار [لعلّها زيادة] ، عن ابن عُمر ، أنَّ النبي (ص) :

المَتن : ((خَطب فَحَمد الله وأثنَى عَليهِ بِمَا هُو أهل ، ثمّ قَال: أيّها النّاس قَد تركُت فِيكُم مَا إن اعتصَمتُم بِه لَن تضلّوا كِتابَ الله عزّ وجلّ)) .

الحُكم : حسن يقرب إلى الضعف ، على أنّه ظاهرٌ من الخَبر الاختصار ، ويُبيّنه ما رواه الطّبراني في الأوسَط ، قال : ((حدّثنا عَلي بن سَعيدٍ الرّازي ، قال نا يَعقوب بن حُمَيد بن كَاسب ، قَال نا الزّبير بن حَبيب بن ثَابت بن عَبد الله بن الزّبير ، قال ثنا عَاصِم بن عُبيد الله ، عَن نَافع ، عن ابن عُمَر ، قَال: ((كَان آخر مَا تكلَّمَ بِه رَسُول الله (ص) اخلفُونِي فِي أهل بَيتي)) [المعجم الأوسط:4/157] ، فائدة : أيضاً هذا الحديث عن ابن عمر أوردَهُ ابن أبي عَاصم في باب فضائل أهل البيت (ع) ، وذكرُ أهل البيت (ع) منهُ مبتور ، فالذي يظهرُ منه أنّ وجه الحديث بزيادة (وعترتي أهل بيتي) .

الرّوايَة الثّامنة والستّون :

المَصدَر : [مصنّف ابن أبي شيبة :6/133] .

السَّنَد : حَدّثنا حَاتم بن إسمَاعيل [المدني ، من رجال البخاري ومسلم] ، عن جَعفَر [الصّادق] ، عَن أبيه [الباقر] ، عَن جَابر [بن عبدالله الأنصاري] أنّ النّبي (ص) قَال :

المَتن : ((تَركتُ فِيكُم مَا لَن تضلّوا بَعدَه إن اعتصمتُم بِه كِتابَ الله)) .

الحُكم : صحيح ، والخبر ظاهرٌ منه الاختصار ، حيثَ أنّ الأخبار المرويّة في التمسّك والاعتصام مقرونَة في الأحاديث المتواترَة بأهل البيت (ع) بدون انفرادٍ لذكر الكتاب في التمسّك ، والخبر أوردَه ابن أبي شيبة في باب الوصيّة بالقرآن والحثّ على قراءته فوجهه الاختصار لاقتضاب محل الشّاهد وهو الوصيّة بالقرآن دون إكمال الخبر ، والرّواية عن الباقر عن جابر بن عبدالله بلفظ ((كتاب الله وعترتي)) ، كما في الرّواية الخامسة ، والحادية عشرة ، والخامسة والثلاثين .

الفَصلُ الثّالث : ما جاءَ في تصحِيح حديث الثّقلين عن الأئمّة والعلماء .

نعم! واعلم أخي الباحث أن تصحيح مُتقدّمي علماء الفرقَة السنيّة لحديث الثّقلين بلفظ (كتاب الله وعترتي) ، كثيرٌ ، أثبَت النّقل قولَ بعضهِم ، وطمرَ قولَ أكثرهم ، إلاّ أنّ من ذُكِر من كِبار علمائهم يَكفِي في إثبات المُراد من التّصحيح لهذا الحديث ، على أنّه قد ذهبَ بعض المتأخرين ممّن لا باعَ لهم في التصحيح والتضعيف ، بتضعيف هذا الحديث خصومَةً مع الشيعَة بعموم ، وهذا لعَمري منهجٌ غيرُ مرضيٍّ ولا محمود ، وسيأتي بيانُ ذلك عند ذكرنَا لكلام الشيخ الألباني في حديث الثَّقَلين ، نعم! فممّن صحّح حديث الثّقلين .

1- محمّد بن إسحاق بن يَسار المَدني ، (ت151هـ) .

قال الأزهريّ : ((وَرَوى شَرِيك عَن الرّكَين ، عن القَاسم بن حسّان ، عَن زَيد بن ثَابِت ، قال : قَال رَسُول الله : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَقَلَين خَلْفي ، كِتابَ الله وعِترتي ، فَإنّهمُا لَن يتفرقَا حَتّى يَرِدَا عليّ الحَوض)) . قال محمد بن إسحاق : وهَذا حَديثٌ حَسنٌ صَحِيح ، ورَفَعه نَحوهُ زَيد بن أرقَم ، وأبو سَعيدٍ الخُدْرِيّ ، وفِي بَعضهَا : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وعِِترتي أهلُ بَيتِي)) ، فجَعَل العِِترَة أهل البَيت)) . [تهذيب اللغة للأزهري:2/157] .

2- محمّد بن جرير بن يزيد الطّبري ، (310هـ) .

قال السّيوطي : ((عن مُحَمَّدٍ بنِ عُمَرَ بنِ عَلِيَ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ عَلِي بنِ أَبي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّ النَّبِيَّ (ص) ، قَالَ : (( إِني قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا إِنْ أَخَذْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا ، كِتَابَ اللَّهِ ، سَبَبٌ بِيَدِ اللَّهِ ، وَسَبَبٌ بِأَيْدِيكُمْ وَأَهْلَ بَيْتِي)) ، ابن جَرير وصحَّحهُ)) [جامع الأحاديث:15/257] .

3- أبو جعفر أحمد بن محمد بن سلامة الطّحاوي ، (ت321هـ) .

قال الطّحاوي: ((حَدثنا أَحْمَدُ بن شُعَيْبٍ ، قال أخبرنا محمد بن الْمُثَنَّى ، قال حدّثنا يحيى بن حَمَّادٍ ، قال حَدّثنا أبو عَوَانَةَ ، عَن سُلَيْمَانَ يَعْنِي الأَعْمَشَ ، قال حدثنا حَبِيبُ بن أبي ثَابِتٍ ، عن أبي الطُّفَيْلِ ، عن زَيْدِ بن أَرْقَمَ ، قال: ((لَمَّا رَجَعَ رسول اللَّهِ (ص) عَن حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَنَزَلَ بِغَدِيرِ خُمٍّ ، أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمِّمْنَ ، ثُمَّ قَال: كَأَنِّي دُعِيتُ فَأَجَبْتُ ، إنِّي قد تَرَكْتُ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ من الآخَرِ كِتَابَ اللَّهِ عزّ وجل ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، ثُمَّ قال: إنَّ اللَّهَ عز وجل مَوْلاَيَ ، وأنا وَلِيُّ كل مُؤْمِنٍ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَد عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنهُ فقالَ: مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ من وَالاَهُ ، وَعَادِ من عَادَاهُ ، فَقلتُ لِزَيْدٍ: سَمِعْتُهُ مِن رَسُول اللَّهِِ؟! فقَالَ : مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلاَّ رَآهُ بِعَيْنَيْهِ ، وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ)) ، قَال أبو جَعْفَر [هُو الطّحاوي] : فَهَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحُ الإِسْنَادِ لاَ طَعْنَ لأَحَدٍ في أَحَدٍ من رُوَاتِهِ)) . [شرح مشكل الآثار:5/18] .

4- محمد بن عبدالله الحاكم النّيسابوري صاحب المُستدرَك ، (ت405هـ) .

وقد صحّح عدّة طُرق لحديث الثّقلين كما تقدّم ، انظر الرّواية الرّابعة والثّامنة .

5- علي بن أحمد بن حَزم الأندلسيّ الظّاهريّ ، (ت456هـ) .

وقَال ابن حَزمٍ الظَّاهِريّ ، بأسُلوب المُسلِّم بالصحّة لحَديث الثّقلين : ((ويُبَيِّن هَذا أيضاً مَا صَحَّ أنّه (ص) كَانَ يَعرِضُ القُرآن كَلّ لَيلَةٍ فِي رَمضَان عَلى جَبريل ، فصحَّ بِهذَا أنّهُ كَانَ مُؤلفا كمَا هُو عهدُ الرّسُول (ص) ، وقَولُه (ص): ((تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وأهلُ بَيتي)) ، والأحَاديثُ الصِّحَاح ، أنّه (ص) : ((قَرأ المص، والطّور ، والمُرسَلات ، فِي صَلاةِ المَغرِب)) ، [الأحكام لابن حزم:6/267] .

6- محمّد بن أحمد بن عثمان الذّهبي ، (ت748هـ) .

قال ابن كثير : ((وقَد رَوى النّسَائي فِي سُننه ، عن محمّد بن المُثنّى ، عَن يَحيى بن حَمَّاد ، عن أبي معُاوية ، عَن الأعمَش ، عن حَبيب بن أبي ثَابِت ، عن أبي الطّفَيل ، عن زَيد بن أرقَم ، قَال: ((لَمَّا رَجَعَ رسول اللَّهِ (ص) عَن حَجَّةِ الْوَدَاعِ ، وَنَزَلَ بِغَدِيرِ خُمٍّ ، أَمَرَ بِدَوْحَاتٍ فَقُمِّمْنَ ، ثُمَّ قَال: كَأَنِّي دُعِيتُ فَأَجَبْتُ ، إنِّي قد تَرَكْتُ فِيكُمْ الثَّقَلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَكْبَرُ من الآخَرِ كِتَابَ اللَّهِ عزّ وجل ، وَعِتْرَتِي أَهْلَ بَيْتِي ، فَانْظُرُوا كَيْفَ تَخْلُفُونِي فِيهِمَا ، فَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ ، ثُمَّ قال: إنَّ اللَّهَ عز وجل مَوْلاَيَ ، وأنا وَلِيُّ كل مُؤْمِنٍ ، ثُمَّ أَخَذَ بِيَد عَلِيٍّ رَضِيَ الله عَنهُ فقالَ: مَن كُنتُ وَلِيَّهُ فَهَذَا وَلِيُّهُ ، اللَّهُمَّ وَالِ من وَالاَهُ ، وَعَادِ من عَادَاهُ ، فَقلتُ لِزَيْدٍ: سَمِعْتُهُ مِن رَسُول اللَّهِِ؟! فقَالَ : مَا كَانَ فِي الدَّوْحَاتِ أَحَدٌ إِلاَّ رَآهُ بِعَيْنَيْهِ ، وَسَمِعَهُ بِأُذُنَيْهِ)) ، تَفَرَّدَ بِهِ النَّسَائي مِن هَذَا الوَجه ، قَالَ شَيخُنا أبو عبد الله الذَّهَبي وهَذَا حَديثٌ صَحِيح)) [البداية والنّهاية:5/208].

7- إسماعيل بن عمر بن كثير الدّمشقي ، (ت774هـ) .

قال ابن كثير: ((وقَد ثَبتَ فِي الصَّحِيح ، أنَّ رَسُول الله (ص) ، قَالَ فِي خِطبَةٍ بِغَدير خُمٍّ: ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وَعِترَتِي ، وإنّهمَا لَم يَفترقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) ، [تفسير ابن كثير:4/114] .

8- أحمَد بن أبي بَكر بن إسماعيل الكِنانيّ البوصيري ، (840هـ) .

قال البوصيري : ((رَوَاهُ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ : حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ ، حَدَّثَنَا شَرِيكٌ ، عَنِ الرُّكَيْنِ ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ حَسَّانٍ ، عَنْ زَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ ، قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم : إِنِّي تَارِكٌ فِيكُمْ مَا إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِ لَنْ تَضِلُّوا : كِتَابُ اللهِ , عَزَّ وَجَلَّ ، وَعِتْرَتِي ، وَإِنَّهُمَا لَنْ يَفْتَرِقَا حَتَّى يَرِدَا الْحَوْضَ)) ، هَذَا إِسْنَادٌ رُوَاتُهُ ثِقَاتٌ)) [إتحاف الخيرَة المهرة بزوائد المسانيد العشَرة:6/329] .

وقال أيضاً : ((عَن عَليّ بن أبِي طَالِب رَضِي الله عَنه : أنَّ النّبي صَلَّى الله عَلَيه وسَلَّم حَضَر الشَّجَرَة بِخُمِّ ثمَّ خَرَج آخِذًا بِيدِ عَليّ ، فقَال : ((ألستُم تَشهَدُونَ أنَّ الله رَبّكم ؟ قَالوا : بَلى , قَال : ألستُم تَشهَدُونَ أنَّ الله ورَسُولَهُ أولَى بِكُم مِن أنفُسِكُم ، وأنَّ الله وَرَسُولَه مَولاكُم ؟ قَالوا : بلَى , قَال : فمَن كَانَ الله ورَسُولُه مَولاه فَإنَّ هَذَا مَولاه ، وقَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَن تَضلّوا كِتابَ الله سَببهُ بِيدِه ، وسَببهُ بِأيديكُم وأهل بَيتي)) . رَواه إسحَاق بِسندٍ صَحِيح)) [إتحاف الخيرة:7/210] .

9- أحمد بن علي بن حجر العَسقلاني ، (ت852هـ) .

قال ابن حجر العسقلاني: ((وقَال إسحَاق : أخبَرَنا أبو عَامِرٍ العقدِي ، عَن كثِير بن زَيد ، عَن محمّد بن عُمر بن عَلي ، عَن أبيهِ ، عَن عَليٍّ رَضي الله عَنهُ ، قَال : ((إنَّ النّبي (ص) حضَر الشَّجَرة بِخُم ، ثُمَّ خَرج آخِذاً بِيَدِ عَليٍّ رَضِي الله عَنه ، قَال : ((ألستُم تَشهَدُون أنَّ الله تَبارَكَ وتعَالَى رَبّكم؟! ، قَالوا : بَلَى . قَال (ص) : ((ألستُم تَشهدَون أنّ الله ورَسُولَه أولَى بِكُم مِن أنفُسِكُم ، وأنَّ الله تعَالى وَرَسُولَه أولياؤكُم؟! . فَقالوا : بَلى . قَالَ : ((فَمَن كَانَ الله ورَسُولُه مَولاه فَإنَّ هَذا مَولاه ، وقَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَن تضلّوا كِتاب الله تعَالى ، سَبَبه بِيدي ، وسَببه بأيديكُم ، وأهلُ بَيتِي)) ، هَذا إسنادٌ صَحِيح)) ، [المطالب العالية:16/142] .

10- الحافظ شمس الدّين محمد بن عبدالرّحمن السخاوي ، (ت902هـ) .

قال شمس الدّين السّخاوي : ((وتعجّبتُ من إيرادِ ابن الجوزي لهُ [يعني حديث الثّقلين] في العلل المُتناهية ، بَل أعجبُ ذلك قولُه : ((إنّه حديثٌ لا يصحّ)) ، معَ ما سيأتي من طُرقه التي بعضها في صحيح مسلم)) ، [استجلاب ارتقاء الغُرف:1/338] .

11- أحمد بن محمد بن حجر الهيثمي ، (ت974هـ) .

قال ابن حجر الهيثمي : ((وفِي رِوَايَةٍ صَحِيحَة ، ((كَأنّي قَد دُعِيتُ فَأجَبتُ ، إنّي قَد تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين أحَدُهُما آكَدُ مِنَ الآخَر ، كِتاب الله عزّ وجَلّ وِعِترَتِي، أي بالمُثنّاة، فَانظُرُوا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا ، فَإنّهُمَا لَن يَتفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ حَوضِي)) ، وفِي رِوَاية ، ((وَإنّهُمَا لَن يَتفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض ، سَألتُ رَبّي ذَلِكَ لَهُمَا فَلا تَتقدَّمُوهُمَا فَتهلَكُوا ، ولا تَقصروا عَنهُمَا فَتهلَكُوا ، ولا تُعلِّمُوهم فَإنّهُم أعلَمُ مِنكُم)) ، ولِهَذا الحَدِيث طُرقٌ كَثِيرَة عَن بِضعٍ وَعِشرِينَ صَحَابيّاً ، الحاجة لنَا إلى بَسطِهَا ، وَفِي رِوايَة ، آخِرُ مَا تَكلَّم بِه النّبي (ص) : ((اخلفُونِي فِي أهلِي)) ، [الصّواعق المحرقة:2/653] .

12- علي بن برهان الدّين الحَلبي ، (ت1044هـ) .

قال الحلبيّ : ((وَهَذا حَديثٌ صَحِيحٌ وَرَدَ بأسَانِيدَ صِحَاحَ ، وحِسَان ، ولا التفَاتَ لِمَن قَدَحَ فِي صِحَّتِه)) [السيرة الحلبية:3/336] .

13- محمّد ناصر الدّين الألباني ، عالِمُ الحَديث المتأخِّر ، (ت1420هـ) .

صحّحه الألباني في السّلسلة الصّحيحَة ، وقَال وقد اعتُرِضَ عليه في تصحيحِه لهذا الحَديث: ((فَلقيتُ فِي (قَطَر) بَعضُ الأسَاتِذَة و الدَّكَاتِرَة الطَّيبين , فَأهدَى إليَّ أحَدُهُم [يُقال هو الدّكتور السّالوس] رِسَالَةً لَهُ مُطبُوعَةً فِي تَضعِيفِ هَذا الحَديث [الثَّقَلَين] , فَلمَّا قَرأتُها تَبيَّنَ لِي أنّهُ حَدِيثُ عَهدٍ بِهذِه الصِّنَاعَة , وذَلِكَ مِن نَاحِيَتَين ذَكرتُهُمَا لَه : الأولَى : أنّهُ اقتصَرَ فِي تَخرِيجِهِ عَلى بَعض المصَادِرِ المطبوعَةِ المُتَدَاوَلَة , و لِذلِك قَصَّر تَقصيراً فَاحِشاً فِي تَحقِيقِ الكَلامِ عَليه , وَفَاتَه كَثيرٌ مِنَ الطُّرُق والأسَانِيد التي هِي بِذَاتِهَا صَحِيحَة ، أو حسَنة فَضلاً عَن الشَّوَاهِد و المُتَابَعَات , كَمَا يَبدُو لكلِّ نَاظِرٍ يُقَابِلُ تَخريجَه بِما خَرَّجتُه هُنَا. الثّانِية : أنّهُ لَم يَلتفِت إلى أقوَال المُصَحِّحِين للحَدِيث مِنَ العُلمَاء ، و لا إلى قَاعِدَتِهم التي ذَكرُوها فِي (مُصطَلَح الحَديث) : أنَّ الحَدِيث الضَّعِيف يَتقوَّى بِكَثرَة الطُّرُق , فَوقَع فِي هَذا الخَطأ الفَادِح مِن تَضعِيفِ الحَديثِ الصَّحِيح)) ، [السّلسلة الصّحيحَة ، برقم: 1761].

14- وإجماع أئمّة أهل البيت (ع) على تصحيح حديث الثّقلين والاحتجاج به سلفاً وخلَف .

وقد كانَ الإمام محمد بن بن القاسم الرّسي (ع) سألَ أباهُ القاسم بن إبراهيم عن هذا الحديث ، فأجابَ (ع) بقولِه : (هُو حَديثٌ صَحِيحٌ مَذكُور، كَثيرٌ فِي أيدِي الرّواةِ مَشهُور ، وَمَن تَمسَّكَ كمَا قَالَ رَسُول الله (ص) بِهمَا فَلن يَضلَّ أبداً ، لما جَعَل الله فِيهمَا ومَعهُمَا مِن النّور والهُدَى) [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرسي:مسائل القاسم:2/569] .

الفَصلُ الثّالث : فِقه حديث الثّقلين ، نقاشات مهمّة .

في هذا الفَصل نتناولُ بإذن الله تعالى أبرز ما قد يستشكلُ أمرهُ على الباحث المُتجرِّد إذا سلّمَ لأهل البيت من الزيدية أنّ المُراد من حديث الثّقلين هُو إيجابُ اتّباع أهل البيت (ع) في اعتقادهِم وقولهِم ومذهبهِم ، فللباحثِ السّؤال والاستفسَار وعلينَا الجواب والبيَان مُتكّلين على الله تعالى ، لا مُتصدّرين ولكن مُساهمين بما تيسّر لنا من التّحصيل ومُذاكرَة العلماء ، فيأتي نقاشُ هذا الفصل على هيئة أسئلةٍ وأجوبَة تتناولُ أبرز ما قد يُثار في هذا الخصوص ، فإن قيل :

السّؤال الأوّل :

مَن روَى حديث الثّقلين (كتاب الله وعترتي) من الصّحابَة عن رسول الله (ص)؟!.

الجواب :

قد تقدّم معنا في الفَصل الأوّل بالأحاديث الكثيرَة المُسندَة والمُرسلَة الرّوايةُ عن الكثير من الصّحابَة لا على سبيل الحَصر ، وهُم ثلاثة وعشرون صحابياً ، منهم زيد بن ثابت ، وزيد بن أرقم ، وجابر بن عبدالله ، وحُذيفة بن أُسيد ، وعلي بن أبي طالب ، وأبو سعيد الخُدري، وأبو ذرٍّ الغفاريّ ، وعبدالله بن حنطب ، وجُبير بن مطعم ، وأبو رافع مولى الرّسول (ص)، وعبدالله بن عمر ، وسعد بن أبي وقاص ، وضميرة الأسلمي ، وأم سلمة زوج الرّسول (ص) ، وصعصعة بن ناجيَة ، وخُزيمة بن ثابت ، وسَهل بن سعد ، وعديّ بن حاتم ، وعقبة بن عامر ، وأبو أيّوب الأنصاريّ ، وأبو شريح الخُزاعي ، وأبو قُدامة الأنصاريّ ، وعامر بن ليلى ، وأبو الهيثم بن التّيهان ، على أنّهُ فاتنا مصادر حديثيّة كان المُتقدّمون من أهل العلم أكثرُ اطّلاعاً عليها منّا فذكروا رواةً من الصّحابَة لحديث الثّقلين لم نذكرهُم في هذا المبحث ، قال الحافظ شمس الدّين السّخاوي مُعدّداً رواة حديث الثّقلين من الصّحابة: ((وفي الباب عن جابر ، وحُذيفة بن أسيد ، وخُزيمة بن ثابت ، وزيد بن ثابت ، وسَهل بن سَعد ، وضُميرة ، وعامر بن ليلى ، وعبدالرّحمن بن عوف ، وعبدالله بن عبّاس ، وعبدالله بن عمر ، وعديّ بن حاتم ، وعُقبة بن عامر ، وعلي بن أبي طالب ، وأبي ذر ، وأبي رافع ، وأبي شُريح الخزاعي ، وأبي قُدامة الأنصاري ، وأبي هريرة ، وأبي الهيثم بن التّيهان ، ورجالٍ من قريش ، وأمّ سلمة ، وأمّ هانئ ابن أبي طالب)) [استجلاب ارتقاء الغُرف:1/344] ، ويعضّد ذلك قول ابن حجرٍ الهيثمي مُقرّراً : ((اعلَم أنَّ لِحَدِيث التمسّك بِذلِكَ طُرقاً كَثيرَة وَرَدت عَن نَيِّفٍ وعَشِرين صَحَابيّاً ومَرَّ لَه طُرقٌ مَبسُوطة فِي حَادِي عَشر الشّبه وفِي بَعض تِلك الطّرق أنّه قَال ذِلكَ بِحجّة الوَدَاع بِعرَفَة ، وفِي أخرَى أنّه قَالَه بِالمَدينَة فِي مَرَضِه وقَد امتلأت الحُجرَة بأصحَابِه ، وفِي أخرَى أنّه قَال ذَلك بغَدير خُمّ ، وفِي أخرى أنّه قالَه لمّا قَامَ خَطيباً بَعد انصرافِه مِنَ الطّائِف كمَا مَرّ ولا تَنافِي إذ لا مَانِع مِن أنّه كَرَّر عَليهِم ذَلِك فِي تِلكَ المواطِن وغَيرها اهتمَاماً بشأن الكِتاب العَزيز ، والعِترَة الطّاهرَة)) ، فهذا أخي السّائل جوابٌ كافٍ بإذن الله تعالى عن عدد رواة حديث الثّقلين من الصّحابة .

السّؤال الثّاني :

لماذا لا يصحّ أن يكونَ معنى (التمسّك) ، أو (الأخذُ) أو (التّرك) كما في بعض الروّايات ، لِمَ لا يصحّ أن يكونَ معنى هذا الحثّ من الرّسول (ص) هُو الوصايَة بأهل البيت (ع) خيراً ، بمعنى محبّتهم وتقديرهُم وتوقيرُهم ومودّتهم ورحمتُهم ، دوناً عن تقرير معنى الاتّباع لهُم كأدلاّء وعلامات على المنهج القرآني الحقّ ، والهدي المحمديّ القويم ، بمعنى الاتبّاع لفكرهِم وتقريراتهِم وعقائدهِم .

الجواب :

أنّ أحاديث الرّسول (ص) في هذا الشأن لا تحتملُ ما ذَهبتَ إليه أخي السّائل من أن يكونَ القَصد بالتمسّك والأخذ والتّرك هُو المحبّة والمودّة والتقديرُ دون الاتّباع ، لصراحَة سياق الأحاديث في الأمر بالتمسّك بهِم ، والأخذِ عنهم ، وسنُفصّل ذلكَ معكَ من ثمان نقاطٍ مُتسلسلَة الأفكار بإذن الله تعالى .

النقطَة الأولى : حديث الثّقلين ذكرَهُ رسول الله (ص) في آخر عُمره ، وإن كانَ قد ذكرَهُ في عدّة مواطن ، فإنّ الرّسول كانَ في آخر عُمره أكثرُ تكراراً له ، فهذا فيه قرينَة على أنّ هذه الوصيّة تحملُ في طيّاتها أموراً مهمّة للمكلَّف .

النقطَة الثانيّة : أن قارئ حديث الثّقلين المُتجرّد يجد أنّ رسول الله (ص) ينعَى نفسَه لأصحابِه من خلالِ هذا الوصيّة فيُخبرُهم بما سيُخلِّفُ لهُم لعدَم الضّلال ، وذلك من قوله (ص) : (إنّي تاركٌ فيكم أو مُخلّفٌ فيكم) ، وهذه أيضاً قرينَة على أهميّة تلك الوصيّة المحمديّة بهذين الثّقلَين (الكتاب والعترَة) .

النقطة الثالثة : وجود الشّرط في كلام الرّسول (ص) بالتمسّك أو الأخذ بالثقّلين ، ليتحقّق أمرٌ مهم وهُو عدَم الضّلال ، قرينةٌ أخرى كبيرَة على عِظم شأن هذين الثّقلين خصوصاً إذا حصلّ بالتمسّك والأخذ بهما عدَم الضّلال والنجّاة من النّار ، لأنّ هذا هُو الغايَة .

النقطة الرّابعَة : عدَم الضّلال في حديث الثّقلين كلماتٌ يُرادفها التمسّك بالمنهَج ، لأنّ الدّين مَنهجٌ وعقيدَة ومبدأ ، والنّجاة بالتمسّك به ، والضّلال بتركِه والتفريط فيه ، فكذلكَ قرنَ الرّسول (ص) التمسّك والأخذ بالثّقلين (الكتاب والعترَة) بعدَم الضّلال ، فدلّ هذا على أنّ المُراد بالحديث هُو التمسّك بالمنهَج والعقيدَة والمبدأ الذي يُقرّانه هذان الثّقلان للنجاة من الضّلال ، فلا معنى للمحبّة والمودّة والتقدير بدون الاتّباع في سياق الحديث ، لأنّ الحديث يتكلّم عن أسباب نجاة ، ومنهج إلهيٍّ محمّديّ واضح خلّفه الله والرّسول (ص) للأمّة ليأخذوا به أبدَ الدّهر لعدَم حصول الضّلال .

النقطة الخامسة : كثير روايات حديث الثّقلين بلفظ (التمسّك) ، أو (الأخذ) ، وهذه ألفاظٌ صريحةٌ في تبيين كون المُراد من الحديث هُو تقرير الاتّباع في المنهَج والعقائد الذي تُقرّره هاتين العلامَتَين على الهُدَى ، دوناً عن معنى المحبّة والتوقير والاحترام وحفظ الحقوق، فأمّا لفظة (التمسّك) فهي ظاهرةُ المعنى في الحثّ على الالتزام بمنهج هذين الثّقلين وما أصّلاه للمسلمين من قولٍ واعتقاد ، وفي التمسّك بهما يحصلُ عدم الضّلال ، ودليلٌ على حجيّة معنى التمسّك بالالتزام والاتّباع والاقتداء تدبّر قول الله تعالى : ((وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى)) [لقمان:22] ، ثمّ اصرِف معنى التمسّك في الآيَة إلى معنى المحبّة بدون الاتّباع والالتزام الفعلي بمضمون الآية من الإسلامِ لله والانقياد والاتّباع فهل سيستقيمُ معنى الآيَة؟! وهَل سيحصلُ التمسّك فعلاً بالعروَة الوثقَى؟! ، الجواب أنّه لن يحصلُ التمسّك بالعروة الوثقَى إلاّ بالإسلام الخالص لله تعالى ، والاتّباع ، فكذلك (التمسّك) في حديث الثّقلين فهُو من لغَة العرب يعني الالتزام والتقيّد والاتّباع دوناً عن المحبة والتقدير بدون الاتّباع ، يقويّ ذلكَ أنّ القرآن واحدٌ من الثّقلين ، فكانَ لازماً أن يكونَ معنى التمسّك هُو الاقتداء والاتّباع والتقيّد بما تضمنّه وأصّله ، فيكونُ حظّ الثّقَل الثّاني من التمسّك بالتبعيّة والاقتداء والالتزام بمنهجهِم هُو حظّ الثّقل الأوّل لاشتراكهِما في جميع مدلولات هذا الحديث ، وكونِهما معاً (الكتاب والعترة) من أسباب عدم الضّلال ، أيضاً لفظة (الأخذ بالكتاب والعترة) كما في بعض الرّوايات تدلّ على الاقتداء والتبعيّة لهذين الثّقَلين صراحةً لأنّ الأخذ بالشيء هُو العملُ والاقتداء به والاتّباع له كما في قول الله تعالى لبني إسرائيل آمراً إيّاهم بالأخذ بالتّوراة والعمَل بهَا : ((خُذُواْ مَا آتَيْنَاكُم بِقُوَّةٍ وَاذْكُرُواْ مَا فِيهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)) [البقرة:63] .

النقطة السّادسة : قول الرّسول (ص) : ((وأنّهما لن يتفرّقا حتّى يردا عليّ الحوض)) ، في كثير من روايات حديث الثّقلين ، قرينة كبيرة على صحّة ما أصلّناه في كلامنا القريب من معنى التبعيّة لفكر أهل البيت (ع) ، وإلاّ ما معنى عدَم افتراق هذين الثّقلين (الكتاب والعترة) حتّى انقطاع التّكليف يا أهل اللغَة والمَنطق والبيَان ؟! هَل الكلام موجّه للمحبّة دون الاتّباع ؟! أم أنّ الكلام موجّه أصلهُ للحثّ على التمسّك بالمنهَج والاعتقَاد لهذين الثّقلَين بدليل أنّهما في صحّة عقيدتهِما التي هي عقيدةٌ واحدةٌ عند التّحقيق سيبقيان مُتلازمان حتّى انقضاء التّكليف وورود الحَوض ؟! ، العترة مُلازمةٌ للقرآن ، والرّسول حثّ على التمسّك بهما ، وأخبرَ أنّ بذلكَ يحصلُ عدم الضّلال ، وأنّهما لن يفترقا حتّى يوم القيامَة ، فهذا واضحٌ لمَن أنصفَ نفسَه من نفسِه على أنّ المُراد هُو التمسّك بالقرآن وبفكر أهل البيت (ع) المُوصلِ إلى القرآن .

النقطة السّابعة : لو قُلنا أنّ أصلَ الحديث الصّحيح هُو ((إنّي تاركٌ فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا من بعدي أبداً كتاب الله وسنتي إنّ اللطيف الخبير نبّأني أنّهما لن يفترقا حتى يردا عليّ الحوض)) ، ما المقصود من هذا الحديث ؟! ، سأقولُ هُنا كقولِكَ أخي المُعترِض على حديث الثّقلين أنّ المعنى من الحديث هُو التمسّك بالكتاب والمحبّة للسنّة وتوقير أحاديثِها وذلكَ بدون اتّباع للسنّة ، بل بالمحبّة فقَط!! ، وذلك بحبّ المُحدّثين والرّواة الحاملين للسنّة ، ورفع أوراق ودفاتر الحديث على الرّفوف والحوامل بدون أن أتّبع ما جاءَ فيها ، فقط هكذا أحبّ السنّة حبّاً في صاحبِها سيّدنا محمّد بن عبدالله (ص) ، وبهذا سأتمسّك بالكتاب والسنّة وسيحصلُ لي عدم الضّلال حتى يوم القيامَة !! ، فإن قُلتَ أخي المُعترِض : هذا الكلام لا يصحّ ، ولا يُمكن أن يُتصوَّر . قُلنا: نحنُ نعلمُ أنّه لا يصحّ ولن يحصلُ من الحديث عدم الضّلال إلاّ بالتمسّك والأخذ والاتّباع والانقياد للّثقلين (الكتاب والسنّة) على افتراض صحة الحديث ، ولكنّكم كذلكَ أتيتُم بالعجَب العُجاب عندما قُلتم نتمسّك بالكتاب بالاتّباع ، ونحُبّ العترَة بدون اتّباع، وسيحصلُ لنَا عدم الضّلال لمُلازمَتنا لهُما وهُما لن يفترقا حتى انقضاء التّكليف ، وهذا وهَم فالنّجاة من الضّلالة من حديث الرّسول (ص) (كتاب الله وعترتي) لن يتحقّق إلاّ بالاقتداء والتمسّك والتبعيّة لهذين الثّقلين. فإن قيل : ولكنّ قولي باتّباع الكتاب والسنّة كشرطين للّنجاة من الضّلال ، نتكلّم فيه عن مَنهج وعقيدَة وثوابت كلّها مُشرِّعَة ، بينما كلامُنا عن الكتاب والعترة كلامُ عن منهَج وأشخاص غير مُشرِّعين ، فالاتّباع لا يكونُ إلاّ للمنهَج المُشرِّع وهو القرآن ، بينما العترَة فهُم أشخاص غير مُشرِّعين فلهُم ما دون الاتّباع وهُو المحبّة وحفظ الحقوق . قُلنا : هذا أخي الباحث هُو الخيط الرّفيع الدّقيق الذي يسبقُ إلى ذهنِي أنّه أصل الخصام واللّجاج والجدال في هذه المسألة فالكثير من السلفيّة السنيّة يظنّون أنّنا ندَعو بحديث الثّقلين هذا إلى اتّباع الكتاب والأشخاص الفاطميين ، وهذا خطأٌ ، فنحنُ ندعو إلى التمسّك بمنهَج الكتاب وبمنهَج العترَة ، بعقيدَة الكتاب وعقيدَة العترَة ، بمذهب الكتاب ومذهب العترَة الذي هُو إجماعُهم ، هذا قولُ الزيدية المرضيّة ، وكلامُكم أخي المُعترض يُوجَّه أصلُه للجعفريّة من الشيعَة لأنّهم يقولون بتشخيص العترَة في الاثني عشر ويستدلّون بالبقاء حتى ورود الحوض على غيبة إمامهم الثاني عشر محمد بن الحسن العسكري المهدي ، فأمّا الزيدية فيقولون أنّ دلالات حديث الثّقلين ثابتة وصريحَة على التمسّك بالكتاب والعترة اتبّاعاً واقتداءً وأنّ الحقّ لن يخرُج عن الكتاب والعترة حتى ورود الحوض ، أن الحقّ لن يخرُج عن منهَج الكتاب وعن منهَج العترة حتّى انقضاء التّكليف .

النقطة الثّامنة : بعد أن تستلهم ما جاء في النقطة السّابعة القريبة ، فاعلَم أخي الباحث أنّ الزيدية لا ترفعُ منهجَ العترَة على منهَج السنّة المحمديّة عندما صحّحت حديث (كتاب الله وعترتي) دوناً عن حديث (كتاب الله وسنّتي) ، لأنّ هذا هُو لفظ رسول الله (ص) (كتاب الله وعترتي) فآمنّا به كما قالَه نبيّنا عليه وعلى آله أفضل الصّلاة وأتم التّسليم ، وإنّما تقول أنّ الكتاب الإلهي والسنّة المحمديّة هي مصادر التشريع الرئيسة ، وأنّ منهَج أهل البيت الذي فهموا به الكتاب والسنّة تدبّراً أو نقلاً عن آبائهم هُو المنهَج الصّحيح ، فالله تعالى ورسوله (ص) أخبرا أنّ مَن أرادَ التمسّك بالكتاب والسنّة (لأنّ دخول السنّة مع الكتاب هو دخولٌ ضمنيّ لعدم جواز تعارضُهِما) ، فعليه بمنهَج أهل البيت وما استنبطوهُ واعتقدوهُ من هذين المصدرَين الرئيسَين ، فكانَ منهجُ أهل البيت ، سادات بني الحسن والحسين ، هُو المنهج المُلازمُ للقرآن ، والمنهجُ القرآنيّ معصومٌ عن الخطأ ، والمنهجُ المُلازمُ للمنهج القرآنيّ المعصوم ، هُو منهجٌ آخَر معصوم ، فحكمَت الزيدية بعصمَة منهَج أهل البيت (ع) ، وهُو ما يُعبّرون عنه بعصمَة إجماعِهم وحجيّته على مَا خالَفه ، قال تعالى : ((وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ)) [النساء:83] ، وفي الكلام على جُملة عدم الافتراق في حديث الثّقلين قال ابن تيمية : ((والذين اعتقدُوا صِحّتهَا قَالُوا إنّما يَدلّ عَلى أنّ مَجموعَ العِترَة الذين هُم بنو هَاشِم لا يتّفقُونَ عَلى ضَلالَة ، وهَذا قَالَه طَائفَةٌ مِن أهل السنّة وَهُو مِن أجوبَة القَاضي أبي يَعلى وَغَيرِه)) . [منهاج السنّة:7/318] .

نعم! أخي المعترِض فإنّ في ما مضَى كفايَةٌ في الجواب بإذن الله تعالى لمن تأمّل وتدبّر ، ونطلبُ تدبّر ما يأتي في الفصل الرّابع من أقوال علماء الفرقة السنيّة وربط شواهدِه بما تقرّر هُنا .

السّؤال الثّالث :

سلّمنا ، أنّ دلالَة الحديث تدلّ صراحةً على التمسّك والأخذ ، بمعنى التبعيّة للثّقلين الكتاب والعترة ، وأنّ المعنى هُو التمسّك : بمنهج الكتاب ، ومنَهج العترَة ، دون أشخاص العترَة ، فهلاّ أخبرتمونَا على مذهب الزيدية أينَ هي العترة التي حثّنا الرّسول (ص) على الالتزام بمنهجهم وإجماعهِم كما قررّتموه آنفاً ، فإن لم تدلّوا على منهجٍ ومذهبٍ بعينِه للعترة المحمديّة فإنّ إشكالنا ما زالَ قائماً في الحديث وهُو الحثّ على اتّباع الكتاب ومودّة العترة دون الاتّباع ، لأنّ الله تعالى ورسوله (ص) لن يحثّوا على اتّباع منهجٍ للعترة ليسَ له وجود .

الجواب :

نستبقُ الجواب بإيرادِ سؤالٍ للمعترِض يُمهِّد السّؤال فنقولُ له : على فرض صحّة قولِك بأنّ معنى حديث الثّقلين هُو الوصيّة بأهل البيت خيراً مودّةً وحفظاً لحقوقهِم ، فمَن مِن أهل البيت تجبُ المودّة له على المسلمين ؟! هَل كُلّهم العاصي والمُطيع ، المُخالف لاعتقادِكُم والمُوافِق ؟! أم أنّ هذه المودّة تختصّ ببعض أهل البيت لا كلّهم ، تختصّ بالمؤمنين مِن أهل البَيت المتّبعين للكتاب والسنّة ، فإن قلُتم : تختصّ المودّة ببعض أهل البيت المؤمنين المُطيعين لله وللرسول ، فأمّا العاصي منهُم فحالُه كحالِ غيرِه من أهل القبلَة ، لأنّ أمرَ الله العام هُو موالاة أوليائه ومعاداة أعدائه ، والعُصاة من أهل البيت أعداءٌ لله وللرسول فليست المودّة لهُم . قُلنا : يهمّنا منكم هُنا هُو تبعيض المودّة واشتراطكم لأصحابها من أهل البيت شروطاً منها الإيمان وصلاح الاعتقاد ، وهُنا نشرعُ في الجواب على سؤالكم أخي الفاضل ، فنقول : أنّه يجبُ أن نتّفق على عدّة أمور يُلزمُنا بها حديث الثّقلين ، منها نستطيع أن نُحدّد منهج أهل البيت الذي أُمِرنا بالتمسّك والأخذ به ، فمن تلكَ الأمور :

الأمر الأوّل : أنّ حديث الثّقلين يُخاطب جميع الأمّة المحمديّة على مر الأزمان والأعصار ، ويحثّهم على التمسّك بالكتاب والعترَة ، وهذا يدلّ على أنّ منهَج العترَة منهُجٌ موجودٌ على مرّ الأزمان والأعصار ، وأنّ علماء العترة الفاطميّة قائمون بإحياء هذا المَنهج الفاطميّ المُلازم للقرآن لن يخلو الزّمان منهُم ، حتّى قرّر هذا المعنى بعض علماء الفرقَة السنيّة فنقلَ صاحب فيض القدير عن بعض أهل العلم أنّه قال : ((هَذا الخَبرُ يفهمُ وُجودُ مَن يَكونُ أهلاً للتمسُّكِ بِه مِن أهلِ البَيت والعِترَة الطّاهِرَة فِي كلّ زَمَنٍ إلى قِيامِ السَّاعَة حتّى يُتوجّه الحثّ المذكُور إلى التمسّك بِه كمَا أنّ الكِتابَ كذَلِك)) [فيض القدير شرح الجامع الصغير:3/14] ، وقال ابن حجر الهيثمي في هذا المعنى : ((والحَاصِلُ أنَّ الحثَّ وَقَع عَلى التمسّك بالكِتاب وبالسنّة وبالعُلمَاء بِهمَا مِن أهَل البَيت ويُستفَاد مِن مَجموع ذَلِك بَقاء الأمُور الثّلاثَةِ إلى قِيامِ السَّاعَة)) [الصّواعق المحرقة:2/440] ، ودليلٌ آخَر على أنّ الزّمان لن يخلو من دُعاة بني فاطمَة إلى منهجهِم منهج آبائهِم وإجماعاتهِم هُو لازمُ الدّعوة والهدايَة وتجدّد المسائل والحوادِث والاستنباطات في الدّين فيكون الحقّ في جانب أهل البيت (ع) وما أجمعوا عليه فيه .

الأمر الثّاني : أنّك إن بحثتَ عن مصداق هذا الحديث في علماء أهل البيت (ع) على مرّ الأزمان فاعلَم أنّه يجب أن ينطبقَ عليهِم شرطَين اثنَين ، الأوّل : أن يعتمدوا في تقريراتهم واعتقاداتهم وتأصيلاتهِم ومذهبهِم وقولِهم على سلفهِم من أهل البيت حتّى أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع) اعتماداً أصيلاً رئيساً دوناً عن أصحاب المذاهب من الفقهاء كأحمد بن حنبل والشّافعي ومالك وأبي حنيفَة وأتباعهم كابن تيميّة وابن القيّم والذّهبي وابن حجر وأمثالهِم من العلماء والفقهاء ، ففي هذا الشّرط تعرفُ المُتّبع بحقّ من المُتّبع بمجرّد الكلام والدّعاوى ، فلا فصلَ بينَ العالم الفاطميّ في هذا الزّمان وبينَ سلسلَة سلفِه بعلماء من غير أهل البيت ، ولا اعتماد في أخذ العلوم على غير سلفِه من أهل البيت لكي لا يُصبحَ من أهل البيت بجسدِه ونفسُه وعِلمُه تبَعاً لأقوال الفقهاء دُوناً عن أهل البيت ، فينطقُ عليه قولُ القَائل:

مَا ينَفعُ الأصل مِن هَاشمٍ ****** إذا كانَت النّفسُ مِن بَاهلَة

والشّرط الثاني الواجب توفّره في علماء أهل البيت : هُو عدَم مُخالفتهِم لإجماع سلفهِم من أهل البيت في الأصول الأصيلَة ، وذلكَ أنّ الله تعالى رحمةً بالمُكلّفين بعد انقطاع الوحي والنبوّة أبقَى حبالاً إلهيّة ممدودة للمكلّفين يستطيعون من خلالها الوصول إلى برّ النّجاة ، فكانَ كتاب الله تعالى موجودٌ بين أيدينا محفوظٌ من الزّيادة والنّقصان، علمَ الله أنّ المسلمين سيختلفون في تأويلِه ، وسيختلفون في فهمِ سنّته ، فأمدّهم بحبل نجاةٍ آخَر وهُو منهجٌ محمدّيّ علويّ فاطميّ حسنيّ وحسينيّ معصومٌ عن أن يشوبَه الدّغل والوَغل والفَهم الخاطئ لن يخلو الزّمان منه أبداً ، ويستطيع المكلّفون بقليل الجهد مع الإنصاف ، وكثيرِه مع التعنّت ، أن يقفوا على هذا المنهج الفاطميّ ، وواجب البحث عن الحقّ هو ابتلاءٌ من الله تعالى للعباد ، ولكنّه ليسَ ابتلاء لا طريقَ إلى الوصول من خلاله إلى النّجاة بتكليف ما لا يُطاق كما تقولُه الجعفريّة من الشيعة بوجوب البحث والتمسّك بالعترة الغائبة الممثلّة في المهدي محمد بن الحسن العسكري ، فإنّه لا سبيلَ إلى الوقوف على فكرِه المعصوم لعدم وجوده من مئات القرون ، وعدم قيامه بواجب الدّعوة والهدايَة ، نعم! فإن أنتَ تدبّرت أخي الباحث هذين الشّرطين وطبّقتَهما مُتلازِمَين على من يدّعي الاتّباع الحقّ من علماء بني فاطمَة من الطائفة السنيّة والشيعيّة لمذهب سلفهِم من أهل البيت فسيسهلُ عليكَ التّكليف ، لأنّ الله ورسولُه أرادا أن يسهُل التّكليف على العباد في البحث عن الحقّ في ظلّ هذا الاختلاف ، فالله أرحمُ بالعباد من أمّهاتهم وآبائهم ، وعقابُنا في هذا الاختلاف والجدال هُو إهمال أمثال حديث الثّقلين الحاثّ على التمسّك بالكتاب والعترة المحمديّة ، وأُخبرُكُ أخي الباحث أنّ أكبر رحمَة في هذا الخصوص هُو احتواء مصنّفات أهل الإسلام الحديثيّة على هذا الحديث بتصحيحهم له وعدم إنكار سوادهِم له ، فلو كانَ غير ذلكَ لزادَ الجَدل واحتدَم ، فالحمدلله فالذي أودعَ أمثال هذا الحَديث كُتب أهل الحديث .

الأمر الثّالث : أنّ سواد المُسلمين في التبعيّة لأهل البيت خمس فرق ، السلفيّة السنيّة ، والأشعريّة ، والجعفريّة ، والإسماعيليّة ، والزيديّة ، فإذا ما جئنا نُطبّق على علماء أهل البيت المُنتسبين إلى هذه الفرق الشرطين السّابقين ، فنجدُ أنّ علماء أهل البيت من الفرقَة السنيّة مُنقطعي الاعتماد كُليّاً عن كُتب وأقوال سلفهِم الفاطميّ الحسني والحسيني وأنّ جُلّ اعتمادهِم على كُتب ابن تيمية وابن كثير وأحمد بن حنبل والشّافعي ومالك وأبو حنيفة ومُخرّجوا مذاهبهم من الفقهاء ، فإن أحسنوا التبعيّة لأقوال سلفهِم نقلوا قولاً أو قولَين مُتشابهَة مغمورَة ليسَت هي أصلُ ومنبع التأصيلِ عندَهُم ، فكانَت هذه القَولين قشّة يتمسّكون بها يريدون من خلالِها الإفحام والمُتابعَة ، ومَن هذا حالُه فليسَ بأهلاً للتبعيّة لاعتمادهِ على غير علوم آبائه ، منهج العترة المُلازم للقرآن ، لأنّ الرّسول (ص) أمرنَا بالتمسّك بالثّقلين الكتاب والعترَة ، بمنهجهِما ، وأولئك العلماء من بني فاطمَة المتّبعين للطائفة السنيّة ما اعتمدوا على منهج أهل البيت بل اعتمدوا على منهج أصحاب المذاهب الأربعَة وهذا لَم يأمرنا به الله ولا رسولُه ، فلسنَا على العصمَة المُلازمَة للقرآن إن اتّبعنا ما أصّله وتأوّله واستنبطَه وقاسَه علماء الفرقَة السنيّة ، فمنهجُهم ليسَ منهجاً مُلازما للقرآن حسب تصريح الرّسول (ص) في حديث الثّقلين ، ناهيكَ عن أنّ الشّرط الثّاني ينتفي رأساً بانتفاء الشّرط الأوّل ومصداقُ انتفائه على الفرقَة السنيّة أنّهم لم يدوّنوا إجماعاً لأهل البيت على مرّ الأزمان والأعصار مُتّصلاً بالسّلف ثمّ هُم عليه ماضون ، بل ليسَ لهذا المعنى عند جمهورهِم أيّ اهتمام ، بل إنّ سوادَهم يسعونَ لإبطال كون منهج العترة من الدّلالات على الهُدى والحقّ والكتاب والسنّة ، وأنّ الحقّ مع العلماء أيّاً كانوا ، فمَن كان هذا حاله أخي الباحث فانطباق حديث الثّقلين عَليه بَعيد ، والعلماء الفاطميون المُنتسبون إليهم لا يُمثلون بمنهجهِم المنهج الفاطميّ الذي حثّ الله والرّسول (ص) على التبعيّة له في حديث الثّقلين ، ولعلّ أطرفَ ما بلغنَا في هذا الشأن اتّجاه جماعَة من السلفيّة من المهتمين إلى جَمع أسماءٍ من العلماء الفاطميين المُنتسبين إلى المذهب السنّي ، يُريدون أن يصلوا به إلى المئات من الأسماء لكي يُقنعوا النّاس أنّ أكثر علماء أهل البيت على مذهبهِم وطريقتهِم السلفيّة ، وهذا لا ينفَعُ عند الاحتجاج ، لأنّ الشّرطين ما تحقّقت فيهم وعليهِم ، والله تعالى يقول : ((وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ)) [الحديد:26] ، فالقلّة والكثرَة لا تنفعُ إلاّ مع الاعتماد على علوم الآباء ، وعدم الخروج عن إجماعاتهم ، التي لن تخرُج عن منطوق الكتاب وصحيح السنّة . نعم! ومثل هذا الكلام يتوجّه إلى الطائفة الأشعريّة وإن كانَت أكثر من الطائفة السنيّة في انتماء علماء بني فاطمة إليهِم ، ولكنّ هذا الانتماء لا ينطبقُ عليه الشّرط الأوّل من الاعتماد الأصيل الرّئيس على تأصيلات سلفهم من أهل البيت ، وذلكَ أنّك ما إن تسألُهم عن انتمائهم يقولون : نحنُ أشاعرَة العقيدة ، شافعيّة الفقه ، أشاعرة نسبةً إلى أبي الحسن الأشعري ، وشافعيّة نسبة إلى الإمام الشّافعي ، وأكثر مراحل الفَصل في الاعتماد على علوم سلفهم من أهل البيت حتّى أمير المؤمنين (ع) تجده احتياطاً من القرن الرّابع فما دون فإنّه يرجعُ إلى غير أهل البيت (ع) ، وكذلك هُم لا يعتمدون على إجماعات سلفهِم من أهل البيت . نعم! فأمّا الجعفريّة من الشيعَة فإنّه ظهرَ لنا ولكَ أخي الباحث لازم وجود هُداةٍ من أهل البيت يدلّون على المنهج الفاطميّ على مرّ الأزمان ، وأنتَ إن بحثتَ عن علماء بني فاطمة والفكر المعصوم المُلازم للقرآن لم تجدهُ عند الجعفريّة لأنّ إمام أهل البيت غير موجود من عام (260هـ) غائبٌ عن أصحابه وأمّة جدّه (ص)، فكان اعتمادُ الجعفريّة إلى يومنا هذا على تأصيلات الفقهاء كالشيخ المفيد والصّدوق وابن الوليد والطّوسي والكليني وهؤلاء فليسوا بمنهجهِم الذي اجتهدوا فيه وأصّلوه بمعصومين ، نعني معصوميّ المَنهج مُلازمين للكتاب ، لأمورٍ أهمّها أنّهم اعتمدوا على اجتهاداتهم في تأصيل الكثير من عقائدهِم ، فإن قالوا : قد اعتمدنا على حديث الأئمّة المعصومين وبنينَا عليه ، قُلنا : قد اعترفَ شيخ الطائفة الطّوسي أنّ سبب تأليفه لكتابه التّهذيب هُو : ((مَا وَقَعَ فِيهَا –أحَاديث الجعفرية- مِنَ الاختِلاف، والتَباين والمُنَافَاة والتّضَاد، حتّى لا يَكادُ يَتّفِقُ خَبرٌ إلا وبإزَائهِ مَا يُضَادّه ، ولا يَسْلَمُ حَدِيثٌ إلاّ وفِي مُقابلِه مَا يُنافِيه !!)) انتهى بحروفه [تهذيب الأحكام:1/2] ، وهذه حقيقةٌ ظاهرةٌ لمن تمرّس وتبحّر في مُراجعة كتب وروايات الجعفريّة عن أئمّتهم ، فكيفَ تقولون أنّكم بنيتُم استنباطاتكم وعقائدكم وفتاواكم واجتهاداتكم على روايات المعصومين أئمتكم الذي أنتم عند التحقيق لا تستطيعون التمييز بالقطَع والجزم صحيح الرّوايات المنسوبة إلى أئمتكم من ضعيفها إلاّ بوجود إمامكم المعصوم ، فلربّما صحّح بعضكم رواية تحريف القرآن عن المعصومين فيكفُر رأساً ، ولربّما ضعّفها غيره ، فأيّ العقيدتين أو الرّوايتين بالقَطع والجَزم هي عقيدة ورواية أئمّتكم المعصومين الذين هُم مُلازمون للقرآن وواجب التمسّك بهِم ، فالجعفريّة لا يمثّلون حديث الثّقلين حقيقةً ، نعم! وكقولِنا مع الجعفريّة نقول مع الإسماعيليّة فإنّ أئمّتهم في طور السّتر لا يراهُم أتباعُهم ، وإنّما يُخاطبونَهم من طريق الدّعاة ، والفقهاء ، كما يُقال ، ثمّ هؤلاء الدّعاة مُختلفون ، وهذا ينطبقُ عليه من العلّة ما ينطبقُ على الجعفريّة ، نعم! والزيدية تؤمن بحجيّة إجماع أهل البيت (ع)، وأصّلَ هذا المبدأ عُلماؤهم ، الذين هُم علماء أهل البيت أنفُسَهم ، قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (245-298هـ) ، مؤكّداً معنى التبعيّة منه لآبائه : ((إنّ آل محمّد صلّى الله عَليه وآله وسلم لا يَختلفُون إلاَّ مِن جِهَة التّفريط، فمَن فَرَّط مِنهم فِي عِلم آبائه وَلم يَتّبع عِلم أهل بَيتهِ أباً فَأباً حَتى يَنتهِي إلى عِلم عَليّ بن أبي طَالب رَحمِه الله تعالى والنّبي صلّى الله عليه وآله وسلم، شَارَكَ العَامّة فِي أقاويلِهَا وتَابعَهَا فِي شَيءٍ مِن تأوُّلِهَا لزمَه الاختلاف، ولاسيّما إذا لَم يَكُن ذَا فطن وتمييز، ورَدٍّ لِمَا وَرَد عَليه إلى الكتاب ورَدّ كلّ مُتشَابَهٍ إلى المحُكَم ، فأمّا مَن كَان مِنهُم مُقتبساً مِن آبائِه أباً فَأباً حَتىّ يَنتهِي إلى الأصل غَيرُ نَاظرٍ فِي قَولِ غَيرِهم ، ولا مُلفِتٍ إلى رَأي سِواهم ، وكَان مَع ذَلك فَهِمَاً مُميّزاً حَامِلاً لِمَا يَأتيه عَلى الكِتاب والسنّة المُجمَع عَليها ، والعَقل الذي رَكّبَه الله حُجّة فيه، وكَان رَاجعاً فِي جَميع أمرِه إلى الكِتاب ورَدّ المتشابَه مِنه إلى المحكَم ، فَذلك لا يَضلّ أبداً ، ولا يُخَالِفُ الحقّ أصلاً))[ الأحكام:2/519] ، وقال (ع) أيضاً في دعوته لأهل صنعاء : ((والحمدُ لله، وأنَا مُتمَسّكٌ بِأهلِ بَيت النبوّة، ومَعدِن الرّسَالة، ومَهبط الوَحي، ومَعدنُ العِلم وأهلُ الذّكر، الذين بِهم وُحِّد الرّحمن، وفِي بَيتهِم نَزلَ القُرآن، والفُرقَان، ولَدَيهِم التّأويل والبَيان، وبِمَفاتيح مَنطقِهِم نَطق كلّ لِسَان، وبِذَلِك حَثّ عَليهِم رَسُول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم بقولِه: ((إنّي تَاركٌ فِيكم الثّقلين لَن يفترقَا حَتى يَردا عَليّ الحَوض، كِتاب الله، وعِترتي أهل بيتي، مَثلهم فِيكم كَسفينَة نُوح، مَن رَكِبهَا نَجا، ومَن تَخلَّفَ عَنها غَرِق وهَوى)) ، فقَد أصبَحُوا عِندي بِحَمد الله مَفاتِيحُ الهُدى، ومَصَابيحُ الدُّجَى، لَو طَلبنَا شَرق الأرضِ وغَربها لَم نَجد فِي الشّرَف مِثلَهُم ، فَأنا أقفُوا آثارَهُم ، وأتمثّلُ مِثالَهُم، وأقولُ بقولِهم، وأدينُ بدِينهِم، وأحتذِي بفعلِهم))[مجموع كتب الإمام الهادي يحيى بن الحسين:95] ، وقال سلفُه وجدّه الإمام القَاسم الرّسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) : ((أدركتُ مشيخةَ آل محمّد مِن بَني الحسَن والحسَين ومَا بَينَهُم اختلاف)) ، والإمام القاسم (ع) فهُو الإمام المُتقدّم المعُاصرُ للإمام موسى الكاظم وإدريس بن عبدالله وأهل طبقتهم حيث كانت ولادته ووفاته ما بين (169-246هـ) وله كتب ورسائل مأثورَة في منهج سلفه من أهل البَيت وعلومهِم ، وقد سُئلَ عنه سلفُنا الإمام الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ت247هـ) [سُئلَ الحسن عن القاسم الرّسي] ، فقال (ع) : ((سيّدُنا وكَبيرُنَا، والمَنظورُ إليهِ مِن أهلِنَا، ومَا فِي زَمَانِنَا هَذا أعلَمُ مِنه)) ثمّ زاد الحسن قائلاً : و (( لَو سألتَ أهل الأرض من عُلماء أهل البيت ؟ لقالوا فيه : مثلُ قول)) [المصابيح:565] ، وقال الإمام أحمد بن عيسى بن زيد بن علي بن الحسني بن علي بن أبي طالب (ت240هـ) ، مُبايعاً للإمام أبي محمّد القاسم الرّسي بالإمامة في مجلس محمّد بن منصور المرادي الحافظ بالكوفَة : ((إنّ أبا محمّد رضاً ، وقد رضيتُ به ، قَد بايعتُك على كتاب الله وسنّة رسوله صلّى الله عليه وآله وسلّم وأنتَ الرّضا)) ، وكذلكَ قال الإمام الرّضا عبدالله بن موسى بن عبدالله المحض بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ت247هـ) مُبايعاً للإمام القاسم الرّسي بالإمامة : ((يا أبا محمّد نحنُ لا نختارُ عليكَ أحداً ، فأنتَ الرّضا لنا جميعاً)) [المصابيح:558] ، فهؤلاء من كبار سلف أهل البيت (ع) في القرون المتقدّمة وهُم للزيدية سلَف وهي تروي عنهُم وتأخذ بأقوالِهم ، وتروي عنهُم (أمالي أحمد بن عيسى بن زيد) وهُو الجامعُ لفقهِ المتقّدمين من أهل البيت كالإمام جعفر الصّادق والباقر والمحض وغيرهم ، وتروي كتب الإمام زيد بن علي وأحاديثه ، وتروي كتب ومؤلفات الإمام النّاصر الأطروش الحسن بن علي بن الحسن بن علي بن عمر بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (235-304هـ) ، وتروي مؤلفات الإمام محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (199-284هـ) ، والزيدية مذهبٌ وعلَمٌ مرتبطٌ بتاريخ أئمة أهل البيت (ع) في المدينة والكوفة والمغرب وطبرستان واليمن والحجاز حتى كان أشراف مكة المكرمة حتى القرن العاشر وبعضهم حتى اليوم على مذهب آبائه على مذهب الزيدية ، وقتادة بن إدريس الجد الجامع لأغلب أشراف الحجاز هُو من أُذِّن في عهده بحيّ على خير العمل في الحرم المكّي ، وكذلك في المخلاف السليماني فالأشراف السليمانيون وآل النّعمي وغيرهم كانوا على مذهب الزيدية ، ومن سلف الزيدية من أهل البيت الإمام الحسن الدّاعي الكبير (ت270هـ) وأخوه محمد (ت276هـ) : ابنَي زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، وثبتَ أنّ الحسن بن زيد من أوائل مَن وطّد الدّعوة الزيدية في بلاد الدّيلم وطبرستان ، ومن سلف الزيدية من أهل البيت الأخوين المؤيد بالله أحمد (ت411هـ) ، والنّاطق بالحق يحيى (ت424هـ) : ابني الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (ع) ، ولهما المؤلفات الرائقة على مذهب ومَنهج أهل البيت (ع) ، ومن سلف الزيدية حافظ الآل ومُحدّثهم الإمام أحمد بن إبراهيم بن الحسن بن إبراهيم بن الإمام محمد بن سليمان بن داود بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت353هـ) ، ومن سلف الزيدية من مُتقدّمي أهل البيت الحافظ مُسند الكوفة أبو عبدالله محمّد بن علي بن الحسن بن علي بن الحسين بن عبد الرحمن بن القاسم بن محمد البطحاني بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط بن علي بن أبي طالب (ع) (367 – 445 هـ) ، ومن سلف الزيدية العالم المحدّث عُمر بن إبراهيم بن محمد بن محمد بن أحمد بن علي بن الحسين بن علي بن حمزة بن يحيى بن الحسين بن الشهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) (424 – 539 هـ) ، وبذكر هؤلاء الأعلام نكتفي وقد يقف الباحث على كتب التاريخ والسير المعتمدة عند الزيدية ففيها ذكر بقيّة أعلام أهل البيت حتى زماننا هذا ، وهذا ولم نذكر الأئمة كزين العابدين والحسن بن الحسن والباقر ويحيى بن زيد وعلي بن موسى الرّضا ويحيى بن عبدالله وإدريس بن إدريس اختصاراً وإلاّ فهُم أساسٌ في الاتّباع والاقتداء . نعم! فإنّك أخي الباحث عن الحقيقة لن تجد أمثال هؤلاء السّلف المتقدّمين وعلومهم المنقولَة واتّباع المتأخرين لإجماع المتقدّمين تأصيلاً واحتجاجاً إلاّ متى تبحّرت وتعمّقت في معرفة الزيدية ، لسنَا نقولُ هذا من باب شهادَة الجار لنفسِه ، لأنّا ما زلنا مُلتزمين بما اشترطنا على أنفسِنا من مُلازمَة الإنصاف قدر المُستطاع ولكنّها حقيقة رحلة بحثيّة مُظنيَة في كتب أهل المذاهب ، وبه نختم الكلام هنا .

الأمر الرّابع : وفيه نطلبُ استلهام سؤالنا في مقدّمة السؤال الثّالث عن تبعيض الطائفة السنيّة لمودة أهل البيت واشتراطهم تحققّ المودة في المؤمن المتّبع للكتاب والسنّة دون أهل الأهواء والبدَع ، فإنّا نقولُ أيضاً أنّه لا يُشترَط أن يكون حَديث الثّقلين مُلزماً بالاقتداء بجميع أهل البيت ، سادات بني الحسن والحسين ، فالاقتداء إنّما يكونُ في الصّالحين منهُم المُلتزمين بالتبعيّة لآبائهِم ، إجماع خلفٍ لسلَف ، وقد تكلّمنا أنّه لن يخلو الزّمان من قائمٍ لله بحجّة من بني فاطمة يَنشرُ إجماعات سلفه ، منهج العترة الطّاهرة ، التي بنشرها يكون نشرُ الكتاب والسنّة الصحيحة ، نعم! فليسَ شرطٌ في تحديد منهج العترة وإجماعهِم أن تُجمِع جميع العترة ماضياً وحاضراً مع تشتّتهم في البلاد واختلاف مذاهبهِم على قولٍ واحد في الأصول والفروع ليحصُل الاقتداء بمنهج العترة المُلازم للكتاب ، فهذا غير صحيح ، يُصدّقه كتاب الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) [البقرة:124] ، فالله تعالى قد استثنى الظّالمين من التبعيّة ، وذريّة فاطمة هُم بقيّة دعوة إبراهيم الخليل إلى انقطاع التّكليف ، ومهديّ آخر الزّمان آخر هذه الدّعوة الإبراهيميّة ، فالاقتداء بمنهج العترة لا يُشترطُ فيه إجماع جميع بني فاطمة الحسني والحسيني في شتّى بقاع الأرض على كثرتهِم على أصول واحدة ، بل يقوم الإجماع بأهل الحلّ والعقد من علماء بني الحسن والحسين المتّبعين للكتاب والسنّة وإجماع سابقيهم من أهل البيت ، ولن يخلو الزّمان من هؤلاء العلماء وإن قلّوا يمشون على خُطى سابقيهم تأصيلاً وتثبيتاً ونشراً لحجّة الله تعالى وإجماعات سلفهم ، وهذا أصلٌ مهمّ فتنبّه له ، لأنّ الإجماع التّام لجميع بني فاطمة المُتشتّتين في البلاد ليس شرطاً يُعيق تطبيقَ حديث الثّقلين ، لأنّ إجماع أهل الحلّ والعقد منهُم المُنطبقَة عليه شروط الاتّباع يكفي في إقامَة الحجّة على العبَاد ، هذا وقد تجد أخي الباحث من كلام بعض أئمّة الزيدية من يتعذّر لوقوع إجماع العترَة لتفرّقهم في البلاد واختلاف مذهبهِم فتظنّه ينفي حجيّة حصول إجماعهم رأساً وهذا وهم ، فإنّهم بهذا الكلام ينفون تحقّق الإجماع التّام لجميع بني فاطمة الحسنيّ والحسينيّ الصّغير والكبير لأنّ هذا غير حاصِل، وذلكَ أنّ القائلين بهذا من أئمّة الزيدية (بعدم وقوع إجماع العترة لتفرّقهم في البلاد) يقولون مع ذلكَ بحجيّة إجماع أهل البيت القائمين بشروط الاتّباع للكتاب والسنّة والقائمين بإجماعات سلفهِم المُعتمدين على علوم آبائهِم ، وهذه دقيقَة ومهمّة ، فإنّ أكثرَ أهل النّقد المُطّلعين على الفكر الزّيدي يُركّز على نفي بعض أئمّة الزيدية لحصول الإجماع التّام لجميع بني فاطمة فيجعلُه لهؤلاء الأئمّة قولٌ بعدم وقوع الإجماع الكافي في الاتّباع ، وهذا غير صحيح فإنّ عقيدَة أئمّة الزيدية هُو الاكتفاء بما أجمعَ عليه بعض العترَة الفاطميّة ، وهُم أهل الحلّ والعقد من متقدّمي أهل البيت ومُتأخريهم من زمن أمير المؤمنين والحسن والحسين وزين العابدين والحسن بن الحسن وزيد بن الحسن والباقر وزيد بن علي وابنه يحيى والصّادق وعبدالله المحض وأبناؤه الأئمّة الهُداة وأحمد بن عيسى والقاسم الرّسي والحسن بن زيد والنّاصر الأطروش والهادي إلى الحق والبقيّة من أئمّة علماء أهل البيت (ع) فإنّ في إجماع هؤلاء السّلف ومُتابعَة الأئمّة من الخلَف لهُم ما يَقومُ بالقَدر الكافي من الإجماع للوصول إلى منهج العترَة في حديث الثّقلين ، والحمد لله .

السّؤال الرّابع :

فيما يخصّ الكلام على قطعيّة الثّبوت لحديث الثّقلين ، فإنّ حديث الثّقلين (كتاب الله وعترتي) ، بدلالة التمسّك والاتّباع لأهل البيت ، حديثٌ صحيح ، ولكنّه حديثٌ آحادي ، ولا يفيدُ إلاّ الظّن دونَ القَطع ، فكيفَ تريدونَ منّا الاعتماد عليه في أمرٍ مهمّ كالتبعيّة .

الجواب :

اعلم أخي الواقِف على طُرق حديث الثّقلين التي مرّت معنَا في هذا البحث ، وغيرها من الطّرق التي تُركَت اختصاراً ، أنّ حالها لا يَخلو من أمور :

إمّا أن تكونَ بمجموعها قد شكّلَت لنا تواتُراً معنويّاً ، لتوفّر شرط التّواتر هُنا وهُو روايَة الجَمع من الصّحابَة وعنهُم الجمعُ من التّابعين ، وعنهُم الجَمع من تابعيّ التابعين ، وهكذا جمعٌ في كلّ طبقَة ممّن يستحيلُ تواطؤهُم على الكذِب ، وهذا الحديث لم يُخالف على كتاب الله تعالى ، ولا يمنعُ من تحقّقه العَقل ، فروايَته مَأثورةٌ عَن ثلاثةٍ وعشرين من الصّحابة أو أكثر من ذلك ، نعم! وما كانَ هذا حالُه من الرّوايات كانَ العَمَل به لازمٌ ، مُفيدٌ للعلم دونَ الظّن ، بل هُو مفيدٌ للقَطع .

وإمّا أن تكون طرُق حديث الثّقلين بمجموعها قد شكّلت لنا شُهرةً واستفاضَة للحديث من طرق صحيحة وحسنَة وضعيفَة ، بمرتبةٍ دونَ التّواتر ، والمشهور قيلَ هُو ما رواه ثلاثَة فأكثَر ولم يبلُغ حدّ التواتر ، وهذا فإنّ العمَل به لازم ، خصوصاً مع توافر شروط العمل به من عدم معارضَة الكتاب ، وعدم المُخالفَة على إجماع أهل البيت (ع) هذا على أصول الزيدية ، وإلاّ فإنّه لازمٌ العمَل به على شرط الفرقة السنيّة لمكان شُهرَة الخبر وصحّته ، فهو مفيدٌ للعلم ، حتّى قال الشيخ الألباني رادّاً على من ضعّف خبر حديث الثّقلين : ((ولِذلِك قَصَّر تَقصيراً فَاحِشاً فِي تَحقِيقِ الكَلامِ عَليه , وَفَاتَه كَثيرٌ مِنَ الطُّرُق والأسَانِيد التي هِي بِذَاتِهَا صَحِيحَة ، أو حسَنة فَضلاً عَن الشَّوَاهِد و المُتَابَعَات)) ، [السّلسلة الصّحيحَة ، برقم: 1761].

وإمّا أن تكون طُرق حديث الثّقلين بمجموعها قد شكّلت لنا خبراً آحاديّاً ، وهذا بعيدٌ على أمثال حديث الثّقلين لا يقولُ به مُنصِف ، على أنّه مع ذلكَ لازمٌ العَملُ به على شرط الفرقة السنيّة كما قررّه عُلماؤهُم بالأخذ والعمَل بأخبار الآحاد في الاعتقاد ، وإفادتها للعلم مقطوعٌ بها لمكان اعتمادهِم عليهَا في الإيمان بالعقائد ، قال الإمام الشافعي : ((ولكن أقولُ لَم أحفَظ عَن فُقهَاء المسلمِين اختلفُوا فِي تَثبيتِ خَبرِ الوَاحِد)) [الرّسالة:457] ، وقال ابن القيّم : ((وأمّا المقام الثّامن: وهُو انعقَاد الإجمَاع المَعلوم المتيقّن عَلى قَبول هَذه الأحَادِيث ، وإثبَات صِفَات الرَّب تعالَى بِهَا ، فَهذا لا يَشكّ فِيه مَن لَه أقلّ خِبرَة بالمنقُول ، فإنّ الصّحابة رَضِي الله عَنهُم هُمُ الذين رَووا هَذِه الأحَاديث وتلقّاهَا بَعضهم عَن بَعض بالقَبول ، ولَم يُنكِرهَا أحَدٌ مِنهُم عَلى مَن رَواها ، ثمّ تَلقَّاهَا عَنهم جَميع التّابعِين ، مِن أولّهم إلى آخِرهِم)) [مختصر الصّواعق المرسلة:775] ، فإن كانَ العمل بأخبار الآحاد لازمٌ مفيدُ للعلم بصفات الله تعالى فإنّه من بابٍ أولى أن يكون حجّة على السلفيّ أن يؤمنَ ويعمَل بحديث الثّقلين بطُرقه الآحاديّة ويتّبع أهل البيت ويأخُذ عنهُم منهجَهم واعتقادهم ، باعتبارِه مُقارناً للكتاب مُلازماً له ، أيضاً قال ابن عبد البرّ : ((وعلى ذَلك أكثرُ أهل الفِقه والأثَر ، وكلّهم يَدينُ بِخبَر الوَاحِد العَدل فِي الاعتقَادات ، ويُعادِي ويُوالي عَليهَا ، ويَجعلُها شَرعاً وَدِيناً فِي مُعتقَدِه ، على ذَلك جَماَعة أهلُ السنّة)) [التمهيد لابن عبدالبرّ:1/8] ، نعم! فلازمُ العمَل على الفرقة السنيّة بحديث الثّقلين واجبٌ على أصولهِم ، فكيفَ يتنكّبون عن الاتّباع لأهل البيت (ع) وهو صريحٌ في الدّلالة على اتّباعه والاقتداء بهِم كما تقدّم معنا ، نعم! فإن قيلَ : إنّ أخبار الآحاد لا تفيد العلم واليقين إلاّ إذا لم تُعارض دليلاً أقوى منها وأرجَح . قُلنا: وحديث الثّقلين لم يُصادمهُ دليلٌ أقوى منه و لا أرجَح في التبعيّة لغير أهل البيت فإنّ مُعارِضَهَا من الأحاديث ليسَ إلاّ دونَها في طرق الرّواية والصحّة ، والحمد لله .

السّؤال الخامس :

فيما يخصّ الكلام على قطعيّة الدّلالة لحديث الثّقلين ، بمعنى الاتّباع ، فإنّ حديث الثّقلين (كتاب الله وعترتي) ، حديثٌ صحيح ومتواتر ، ولكنّ دلالته في التبعيّة لأهل البيت (ع) دلالة ظنيّة غير قطعيّة .

الجواب :

الحقّ أنّ هذا هُو السّؤال الجوهريّ المتوجّه من السلفيّة في المسألَة وهُو أنّ حديث الثّقلين بطرقه الصّحيحة سواءً كانت متواترة أو مشهورَة أو آحاديّة فإنّها لا تُفيد القَطع على دلالَة الخبر للتبعيّة والالتزام بعقائد ومنهج أهل البيت ، لاختلاف ألفاظ الحديث من رواية إلى رواية أخرى .

والجواب على دلالة حديث الثّقلين على التمسّك والتبعيّة بألفاظِه قد مضى معنا في الفصل الأوّل عند استعراض طُرق الحديث ، وجاء معنا ضمن جوابنا على السّؤال الثاني فأعِد تدبّره ، فإنّا حرصنَا على تبيين الدّلالة من كلّ حديث ليظهَر للباحِث الشّاهد في التبعيّة لأهل البيت من الحديث ، ثمّ إنّا هُنا سنُناقشُ جانب موضوع إثبات قطعيّة دلالة حديث الثّقلين من جوانب أخرى ، نسوقها من تسعة أوجه مُتسلسلَة مُلزمَة بإذن الله تعالى ، منها:

الوجه الأوّل : أنّ الدّلالة الصّريحة القطعيّة عند المُخالف في دلالَة حديث الثّقلين على التبعيّة لأهل البيت (ع) ، هي في ألفاظ (التمسّك) بأهل البيت (ع) ، (والأخذ) بهم وعَنهم ، و(عدم التفرّق) ، لأنّه لا معنى للأخذ إلا التمسّك ، وكذلكَ لا معنى لعدَم الافتراق بين الكتاب والعترة إلاّ عدَم الافتراق عن المنهج الصّحيح ، فإن ثبتَ وجود أحاديث صحيحة (سواءً كانت متواترة أو دونَها) بهذه الألفاظ ، فإنّها تُعتبَر مُلزمَة للمُخالِف في الإيمان بالتبعيّة لأهل البيت كدلالة رئيسَة من حديث الثّقلين كما تقدّم معنا في الجواب على السؤال الرّابع .

الوجه الثّاني : أنّا نذكرُ ثلاثة أحاديث مُتّفقٌ على صحّتها اختصاراً ، حديثٌ بلفظ (التمسّك) ، وحديثٌ بلفظ (عدم الافتراق بين الكتاب والعترة) ، وحديث آخَر بلفظ (الأخذ بالكتاب والعترة) ، فتكونُ هي الحاكمَة على اختلاف ألفاظ غيرها من الرّوايات ، لأنّها التامّة ، وغيرها من الرّوايات التي لم تظهَر دلالتُها للمُخالِف فإّما أن يكون وجهها مُختصراً من الرّواة لإيراد محل الشّاهد كما مرّ معنا في الكلام على الرّوايات المُختصرَة في الفصل الثّاني ، وإمّا أن يكون هُناك روايَة بالمعنى والتصرّف ، نعم! وهُنا نورد روايات صريحَة بألفاظ (التمسّك) ، (وعدم الافتراق بين الكتاب والعترَة) ، (والأخذ بالكتاب والعترة) .

فروى التّرمذي بإسنادٍ صحيح ، قال : ((حَدثنا عَلي بن المُنذِر الكُوفِي ، حَدّثنَا محمّد بن فُضيل [ابن غَزوان من رجال البخاري ومسلم] قال حدثنا [سُليمَان] الأعمَش عن عَطيّة [العوفي] عن أبي سَعيدٍ [الخُدريّ] و [سُليمَان] الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت عن زيد بن أرقم رضي الله عنهما قالا ، قال رسول الله (ص) : ((إنّي تَارِكٌ فِيكُم مَا إن تَمَسّكتُم بِه لَن تضلّوا بَعدِي أحَدُهُما أعَظَمُ مِن الآخَر ، كِتابَ الله حَبلٌ مَمدودُ مِنَ السَّمَاء إلى الأرض ، وعِترتي أهل بَيتي ، ولَن يَتفرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض فَانظُروا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا)) ، لا بأس أن تركّز (قطعاً للجدل) في الإسناد من طريق التّرمذي عن الأعمش عن حبيب بن أبي ثابت ، فهو صحيحٌ مُطلقاً وقد صحّحه الشيخ الألباني ، ودلالة التمسّك والتبعيّة لأهل البيت (ع) منه دَلالة صَريحَة واضحَة .

ورواية ثانية صحيحة فيهَا (عدم الافتراق بين الكتاب والعترة) ، فروى النّسائي بإسنادٍ صحيح ، قال : ((أخبرنا محمد بن المثنى [العنزي مِن رجال البخاري ومسلم] ، قَال ثنا يحيى بن حماد [الشّيباني] ، قال ثنا أبو عوانة [وضّاح بن عبدالله اليَشكري]، عن سُليمَان [الأعمَش] ، قال ثنا حَبيب بن أبي ثابت ، عن أبي الطّفَيل [عامِر بن واثلَة الليثِي ، صَحابِيّ] ، عن زيد بن أرقم ، قال: لَمَّا رَجَعَ رَسُول الله (ص) عَن حَجَّة الودَاع ونَزَل غَدِير خُمِّ أمَرَ بِدوحَات فَقُمِمْنَ ، ثمَّ قَالَ : ((كَأنِّي قَد دُعِيتُ فَأَجَبْتُ ، إنّي قَد تَرَكتُ فِيكُم الثَّقَلَين ، أحَدُهُمَا أكبَرُ مِنَ الآخَر ، كِتَابَ الله ، وعِترَتِي أهلَ بَيتي ، فَانظُرُوا كَيف تَخلفُونِي فِيهِمَا ، فَإنَّهُمَا لَن يَتفَرَّقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض ، ثمّ قَالَ : إنَّ الله مَولايَ ، وأنَا وَلِيُّ كُلِّ مُؤمِنٍ ، ثمّ أخَذَ بِيَدِ عَليِّ ، فقَال : مَن كُنتُ وَليِّهُ فَهذَا وَليّه ، اللهمَّ وَالِ مَن وَالاه ، وعَادِ مَن عَادَاه)) ، فَقلتُ لِزَيدٍ : سَمِعتَهُ مِن رَسُول الله (ص) ؟! ، قَال : مَا كَان فِي الدّوحَات رَجُلٌ إلاَّ رَآهُ بِعينِه ، وسَمِعَ بأُذُنِه)) ، وقدّ صحّح هذا الحديث الذّهبي ، وقال أبو جعفرٍ الطّحاوي : هذا الحديثُ صحيحٌ لا طعن لأحدٌ في رواته كما تقدّم .

وروايَة ثالثَة صحيحة فيها (الأخذ بالكتاب والعترة) ، فروى القزويني بإسنادٍ حسن صحيح يُحتجّ به ، قال : ((أبو الحُسَين أحمَد بن محمّد بن أحمَد بن مَيمون عنهُ وعَن محمّد بن الحجّاج، قَالا ثنا محمّد بن مهران [الرّازي الجمّال من رجال البخاري ومسلم] ، ثنا حَاتم بن إسمَاعِيل [المدنيّ من رجال البخاري ومسلم] عن جَعفَر ببن محمّد [الصّادق] ، عن أبيه ، عَن جَابر [بن عبدالله الأنصاري ] ، أنّ النّبي (ص) قَال يَومَ عَرفَة فِي حَجَّتِه ، وهُو عَلى نَاقته القَصوَا: ((يَا أيّهَا النّاس قَد تَركتُ فِيكُم مَا إن أخَذتُم بِه لَم تَضلُّوا كِتابَ الله وَعِترَتِي أهلَ بَيتي)) ، وتابعَه ابن أبي شيبة على هذه الرّواية بإسنادٍ صحيح مُختصِراً مَوطن شاهِد بَاب الحثّ على الاهتمام بالقرآن ، فقَال ابن أبي شيبة : ((حَدّثنا حَاتم بن إسمَاعيل ، عن جَعفَر [الصّادق] ، عَن أبيه [الباقر] ، عَن جَابر [بن عبدالله الأنصاري] أنّ النّبي (ص) قَال : ((تَركتُ فِيكُم مَا لَن تضلّوا بَعدَه إن اعتصمتُم بِه كِتابَ الله)) [مصنف ابن أبي شيبة:6/133] .

الوجه الثّالث : أن تعلَم أخي الباحث عن الحقّ أنّ فيما مضَى بثلاث طرق صحيحة على الأقل دلالاتٌ صريحَة قطعيّة على التبعيّة لأهل البيت ، والأخذ بمنهجهم واعتقادهم وأصولهِم ، هُو اللازم تطبيقاً لسنّة الرّسول (ص) ، واستجابَةً لداعي الله تعالى : ((وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ)) [الحشر:07] ، فإنّه لو لم يكفِ المُخالِف من حديث الرّسول (ص) في الدّلالة على حديث التمسّك والأخذ بالتبعيّة لأهل البيت كمنهجٍ مُلازمٍ للقرآن حتى انقضاء التّكليف إلاّ هذه الأحاديث لكانت كافية بإذن الله تعالى ، خصوصاً مع إجماع أهل البيت (ع) على ذلك.

الوجه الرّابع : أنّه يتم عرض جميع الأحاديث الصّحيحة والحسنة والضّعيفَة التي حملَت في سياقاتها عند المُخالِف معانٍ غير واضحة في الدّلالة على التمسّك بأهل البيت بمعنى التبعيّة لهم والتمنهُج بمنهجهِم لمُقارنتهِم ومُلازمتهم للكتاب حتى ورود الحَوض على هذه الرّوايات الثّلاث الصّحيحة ، فمثلاً الرّواية الصّحيحة بمسند الإمام أحمد بن حنبل ، عن رسول الله (ص) أنّه قال : ((إني تَارِكٌ فِيكُمْ خَلِيفَتَيْنِ كِتَابَ اللَّهِ وَأَهْلَ بيتي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَىَّ الْحَوْضَ جَمِيعاً)) ، هل سنبحَث عن الأعذار ونقولُ أنّ هذه الرّواية غير صريحَة في الحثّ على التمسّك والتبعيّة لأهل البيت ، لمكان عدم وجود الحثّ المباشر فيها على التمسّك بأهل البيت؟! مع العلم أنّه جاء فيها عدم افتراق الكتاب والعترة حتّى يوم القيامَة ؟! هل سنُعطّل العَقل الذي أودَعه الله فينا لنتدبّر وجوه الحديث النّبوي ودلالَته؟! أليسَ معنى هذا الحديث داخلٌ ضمن الأحاديث الصحّيحة العامّة التامّة في الوجه الثّاني؟! ، العجيب أنّ البعض يبحثُ لرائحة العُذر في الحديث لصرفِه عن معناه الحقيقي التّام رامياً قاعدَة الجَمع بين ألفاظ الأحاديث المُختلفَة لتحقيق المعنى التامّ عرض الحائط ، وكذلك الكلام عن رواية الطّبراني الصحّيحة ، وهي قول الرّسول (ص) : ((إنّي قَد تَرَكْتُ فِيكُمُ الْخَلِيفَتَيْنِ ، كِتَابَ اللَّهِ وَعِتْرَتِي وَإِنَّهُمَا لَنْ يَتَفَرَّقَا حتى يَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ)) ، وكقول الرّسول (ص) : ((إنّي لَكُم فَرطٌ , وأنتمُ وَاردونَ عّليَّ الحَوض , وإنّي مُخَلِّفٌ فِيكُم الثَّقَلَين ، كِتابَ الله وعِترَتي)) ، وقول الرّسول (ص) : ((إنّي سائلُكم عن الكتاب والعترَة)) ، فإنّا نعرضُ هذه الأحاديث على أحاديث أخرى صحيحة موجودة مدوّنة تامّة المعنَى ليتّضحَ لنا المعنى فتكون طُرقاً أخرى تُعضّد الحديث التّام قد يكونُ رواتُها اختصُروهَا عند الرّواية ، فأمّا أن نُهملَ هذه الأحاديث ونقولُ لم نجِد الحثّ على التبعيّة والتمسّك والأخذ إلاّ في روايات دون روايات مع الاتفاق على قاعدَة الاختصار والرّواية بالمعنى فإنّ هذه مُجازفَة .

الوجه الخامس : أن تعلَم أخي الباحث أنّ هُناك طائفَة من علماء الفرقة السنيّة قد أكّدوا معنى ودلالة حديث الثّقلين على التمسّك والاتّباع لأهل البيت (ع) ، وأنّ منهجهُم لازم الاتّباع لمعرفَة الحقّ ، حتى قال ابن تيمية : ((والذين اعتقدُوا صِحّتهَا قَالُوا إنّما يَدلّ عَلى أنّ مَجموعَ العِترَة الذين هُم بنو هَاشِم لا يتّفقُونَ عَلى ضَلالَة ، وهَذا قَالَه طَائفَةٌ مِن أهل السنّة وَهُو مِن أجوبَة القَاضي أبي يَعلى وَغَيرِه)) ، وهُو المعنى الذي قرّره ابن تيمية بحجيّة إجماع أهل البيت ، كما تقدّم وكما سيأتي في الفصل الرّابع فإنّا سنذكرُ فيه أقوال العلماء في دلالة حديث الثّقلين وهي اللازمَة لهذا السّؤال .

الوجه السّادس : أن تعلَم أنّ دليل الزيدية في القَطع بدلالة وثبوت حديث الثّقلين هُو عدم معارضته للكتاب ، وإجماع أهل البيت (ع) على صحّته وقطعيّة دلالته في الاتّباع لمنهج أهل البيت (ع) ، وهُو عندَهُم كافٍ للقطع لمكان عصمَة جماعتهم ، ويُعضّد المسألَة تحققّ شرط التواتر من جهة الرواية ، وهذا هُو اللازمُ لأولئكَ العلماء من الفرقَة السنيّة الذين أقرّوا حجيّة إجماع أهل البيت (ع) ، ومن هؤلاء العلماء ابن تيمية ، ولكنّه لا التزام للأسَف بما أجمعَ عليه أهل البيت (ع) من دلالَة هذا الخبَر وما يُفيدُه من الحثّ على التمسّك بمنهج الكتاب والعترَة .

الوجه السّابع : أنّ دلالَة التّبعيّة لأهل البيت (ع) منهجٌ محفوظٌ مَصون مُلازمٌ للقرآن على مرّ الأزمان ، يستطيع المُكلّفون الوقوف عليه بقليلٍ من البحثّ والتحرّي ، هُو امتدادٌ للرحمَة الإلهيّة بالمُكلّفين ، يقولُ هذا العَقل الفطريّ السليم ، وذلكَ أنّ الله تعالى قد كانَ يُرسل الأنبياء تلو الأنبياء للأمم السّابقة عندما تُحرّف كتب الأنبياء وشرائعهم ، يُرسلهم لتعليم النّاس وإقامَة العَوج ، تيسيراً على المكلّفين لمعرفة الحقّ من الباطل في ظلّ التحريف الكثير في الدّين ، فلمّا كانَت أمّة سيّدنا محمّد (ص) ، وانقطعَ الوحي بخاتميّته ، وجبَ عقلاً أن يكونَ هُناك منهجٌ معصوم يكون المُفسّر والمأوّل للكتاب والسنّة ، والمَدخَل إليهِما ، ويردّ خطأ النّاس في فهمها وتأويلها ، وحديث الثّقلين أتى ليُخبرَنا بهذا المنهج والفِكر المعصوم ، وأنّه فكر أهل البيت (ع) ، لأنّه إن لم تكن دلالَة حديث الثّقلين قاضيَة بالتبعيّة لأهل البيت (ع) فإنّ طريق الوقوف على الحقّ والمنهج القرآني سيكون عسيراً جدّاً على المكلّفين ، لمكان أنّ ضوابط معرفة الحق عند العامّة هي الكتاب والسنّة والمأثور عن الصّحابَة وإجماع العلماء ، وهذا الكلام عامّ لا يُستطاع من خلاله تحديد الطائفة الإسلاميّة المُستحقّه له والمُلازمَة من خلاله للقرآن ، لأنّ الفرقة السنيّة والأشعريّة والإباضيّة والزيدية والجعفريّة والإسماعيليّة والمعتزلة وغيرهم كلّهم يقولُ نحن وعلماؤنا الأحقّ بتطبيق هذه الضّوابط فنحن نتّبع الكتاب والسنّة والمأثور عن الصّحابة وما استنبطه وقال به عُلماؤنا من التابعين وتابعيهم ، ونردّ قولَ غيرنا من الفِرق ، ونُنازعهُم فهمهَم للكتاب ، وتطبيقَهم للسنّة ، وصحّة ما ادّعوه على الصحابة من أقوال ومواقف ، وعلماؤنا والمُستنبطون لنَا هُم الأولى بالتبعيّة من علماء الفِرق الأخرى ، كذا تقولُ كلّ فرقة ، فالمسألة كما قُلنا أخي الباحث ستكون عائمَة وغير مقيّدة وسيكون المكلّف معها على خطر كبير في تحديد المُحقّ من المُخطئ ، والقرآن فيؤيّد قولَنا بما أوجبَه العقل من ضرورة وجود منهجٍ معصوم ، وقُوَّامٍ به ، يكون مُلازماً للقرآن والسنّة ، فيقول تعالى : ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) [الإسراء:15] ، وقال تعالى : ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) [الرّعد:07]، قال الحسن البصري وأبو صالحٍ ذكوان السمّان: أي لكلّ قوم قائدٍ وداع ، وبهذا أخي الباحث سيكون التّكليف غير ممُتنع الوقوف على أطرافِه والاجتياز له .

الوجه الثّامن : أنّ كتاب الله تعالى يُعضّد قولَنا بدلالة حديث الثّقلين على التبعيّة والتمنهج بمنهجِ أهل البيت (ع) ، وذلكَ من قولِه تعالى : ((وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولاً)) [الإسراء:15] ، فالله سبحانه وتعالى أعدَل وأرأف من أن يُعذّب أمّة رسوله محمّد بن عبدالله (ص) بدون إقامَة للحجّة في كلّ زمان بوجود الحقّ القطعيّ فيه ، فيُعطي الله الأمّة كتابٌ محفوظٌ من التحريف ، ويُخلّف فيهم سنّة اخُتلِف حول استنباطِ الوَجه الصّحيح منهَا ، ثمّ يحثّ على اتّباع العلماء وأهل العِلم من دون تحديد طائفَة مُحقّة يكون الحقّ والمدخلُ إلى الكتاب والسنّة الصحيحة من خلالِها ، هذا ولله الحجّة من قبلُ ومن بعَد ، وحديث الثّقلين يُصدّق آيَة الإسراء القريبة ، نعم! وكذلك في قولِ الله تعالى : ((إِنَّمَا أَنتَ مُنذِرٌ وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ)) [الرّعد:07]، فإنّ الحقّ في تأويل الآيَة أنّ الخطاب كان موجّهاً لرسول الله (ص) ولأمّته ، فالرّسول (ص) المُنذرُ ، والهادي هُو الإمام والدّاع ، والآية تدلّ على بقاء هؤلاء الدّعاة مُعاصرين للنّاس ومُعايشين لهُم ، غير غائبين عنهُم على مرّ الأزمان وأنّ الحقّ مَعهُم ، وهذا مصداقُ حديث الثقّلين ببقاء الحقّ والمُلازمة للكتاب مع العترة المحمديّة الفاطميّة ، ودليلُه أنّ أوّل أهل البيت نبيّ مُنذِرٌ لهذه الأمّة ، وآخر أهل البيت محمد بن عبدالله مهديّ آخر الزّمان إمامٌ وادعٍ ، فما بين أوّلهم وآخرِهم إلاّ أئمّةٌ ودُعاةٌ منهُم ، من أهل البيت (ع) ، سادات بني الحسن والحسين ، فهم سرّ الله في أرضِه ، يضلّ منهم الضّال ، وينحرفُ منهُم المُنحرف ، ولكن لا يضلّون ولا ينحرفون كلّهم ، فمن سادات بني الحسن والحسين قوّام لله ، هُداةٌ للنّاس ، وإن قلّوا في العَدد والعدّة ، نعم! وكذلك قول الله تعالى : ((إنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) [الأحزاب:33] ، فإنّ هذه الآية تُثبت عصمَة أهل البيت (ع) الخمسة أصحاب الكساء ، وعصمة الفكر الفاطميّ لمن بعدَهُم من ذريّتهم لمكان عدم وجود النّص الإسميّ على أهل البيت (ع) بعد الحسين السّبط (ع) خلافاً للجعفريّة ، أيضاً من قول الله تعالى : ((وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا قَالَ وَمِن ذُرِّيَّتِي قَالَ لاَ يَنَالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ)) [البقرة:124] ، فإنّ موعدَة الله تعالى لإبراهيم الخليل (ع) بجعَل الإمامة والهُدى في ذريّته موعدَةٌ مُطلقَةٌ ممتدّة حتى يوم الدّين ، ورسول الله (ص) هُو دُعوة إبراهيم الخّليل (ع) ، وأهل بيته (ع) هُم امتداد دعوة إبراهيم ، روى ابن سَعد ، بإسناده ، أنّه قيل لرسول الله (ص) ، أخبِرنَا عَن نَفسِك؟! ، فقاَل (ص) : ((نعَم! أنَا دَعوَة إبرَاهِيم ، وبَشَّرَ بي عِيسى بن مَريم..الحديث)) [الطبقات الكبرى:1/150] ، فأهل بيت الرّسول (ص) هُم امتدادٌ لرسول الله (ص) من حديث الثّقلين ، هُم بقيّة دعوة إبراهيم الخليل ، فهُم الأئمّة من ذريّة إبراهيم ومحمّد ، هذه كلّها قرائن ودلالات على أنّ المقصود الأسمَى من حديث الثّقلين هُو تقرير التّبعيّة لاعتقاد أهل البيت ، وتقديم مذهبهم على مذهب غيرهِم ، وكذلك اجتهاداتهم ، أيضاً من قول الله تعالى على لسان إبراهيم وإسماعيل صلوات الله عليهِما : ((رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِن ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُّسْلِمَةً لَّكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)) [البقرة:128] ، فإنّ دعَوة إبراهيم وإسماعيل خصوصاً تُخبرُ بأنّ هناك أمّة (جماعَة) من ذريّتهِما ستبقَى على الإسلام والإيمان الصحّيح المُلازم للمنهج الحقّ ، فكانت ذريّة إسماعيل هي المُهيمنَة في الدّعوة بخاتميّة رسول الله (ص) ، ولعنة الله تعالى وغضبه على اليهود أكثر ذريّة إبراهيم من إسحاق ، فكانَ مصداق دَعوة إبراهيم وإسماعيل هي في محمّد بن عبدالله (ص) وذريّته أبناء فاطمة ، هذه قرينَة أخرى على أنّ هناك فِرقة مُحقّة أخبرَ عنها الرّسول (ص) بحديث الثّقلين وهُم أهل البيت ، يبقون على الحقّ مُلازمين للقرآن حتى ورود الحَوض ، وغيرها من الآيات كثير ، ونكتفي هُنا بحثّ الباحث على عدم الأخذ بكلامنا هُنا إلاّ بعد البحث والتفتيش لأنّ كثيراً من آيات الكتاب تمرّ على كثيرٍ منّا للأسَف بدون تدبّر ولا التفَات ، على أنّ ما ذكرناهُ من الآيات مع كلام العَقل والسنّة المحمديّة كلّها قاضية بوجود طائفة مُحقّة ظاهرَة غير غائبَة يكون الحقّ معها حتّى يوم القيامة ، وذلك بشكلٍ قطعيّ ، وحديث الثّقلين دلالته مع هذا كلّه بالإخبار عن التمسّك بأهل البيت (ع) ، سادات بن الحسن والحسين ، عقيدةً ومنهجاً .

الوجه التّاسِع : وهُو اعتراضٌ وإلزامٌ للمُخالِف ، نقولُ فيه : ما رأيكُم في فرقة القرآنيين من أهل الشّهادَة ، الذين يقولون أنّه لا يوجد مصدرٌ للتشريع إلاّ القرآن الكريم دوناً عن السنّة ، فإنّها غير مُشرّعَة ولا حاكمَة ؟! ، إن قلتُم : هذا كلامٌ باطل ، فالكتاب والسنّة مصدَرَا التّشريع الإسلامي الوحيدَة . قُلنا : وما هي أدلّتكم على ذلك . فإن قلتُم : من أدلّتنا على ذلك قول الرّسول (ص) : ((قَد تَركتُ فِيكم شَيئين لَن تضلّوا بَعدَهُما كِتاب الله وسُنّتي ، ولَن يَتفرَّقا حَتى يَرِدا عَليّ الحَوض)) [المستدرك على الصحيحين:1/172] ، وقد قرّر علماؤنا من أهل السنّة والجماعة أنّ هذا الحديث دلالته موجّهة إلى الاتّباع والتمسّك والالتزام بالكتاب والسنّة ، وأنّ هذين المنهجَين لن يفترقا حتى يوم القيامَة . فسيردّ القرآني: أنّ هذا الحديث لا يفيدُ ما ذهبَ إليه علماؤكم عُلماء أهل السنّة والجماعة ، فهو لا يدلّ على إلاّ على التمسّك بالكتاب كأصلٍ أصيلٍ في التشريع الإسلاميّ ، وأمّا السنّة فلا يدلّ على اتّباعها ، وإنّما جاء ذكرُها من باب التّقدير والتوقير لناقلِها سيّدنا محمّد (ص) ، لأنّه لا وجود اليوم للسنّة الصحيحة ، لعدم معرفتنا بجزمٍ وقطع الصحيح من الموضوع فيها ، فيكون معنى الحديث النّبوي : ((إنّي قد خَلّفت فِيكم الكتاب فاتّبعوه ، ووقّروا رسول الله (ص) ناقلُ السنّة الصحيحة ، وذلك بالصّلاة عليه ، وزيارته والسّلام عليه)) ، فالحديث أيّها السنّي لا يدلّ إلاّ على التمسّك بالكتاب دوناً عن التمسّك بالسنّة والاتّباع لهَا ، وإنّما بالمحبّة لناقلِها وزيارَة قبرِه ، والصّلاة في مسجدِه ، والصّلاة عليه عقب الفرائض .

نعم! فهَل ستقبلَ أخي المُخالف ما احتجّ به عليكَ القرآنيّ من عَدم دلالة حديث (كتاب الله وسنّتي) على اتّباع منهج الكتاب والسنّة ، وأنّ دلالة الحديث هُو اتّباع الكتاب وتوقير الرّسول (ص) !! ، ما أجبتَ به هُنا هُو جوابُنا عليك في حديث (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، فإنّكَ وعُلمائَك أثبتُم من حديث (كتاب الله وسنّتي) دلالة التمسّك والاتّباع للكتاب والسنّة ، ثمّ نفيتُم دلالة التمسّك والاتّباع من لفظ (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، مع أنّ سياقَ اللّفظين في الحديث واحد ، وما أجبتُم به علينا من دلالة حديث الثّقلين على التمسّك بالكتاب ، وحبّ العترَة ، واعتبرتموهُ تأويلاً قويّاً ، فإنّه واجبٌ عليكم أن يكونَ دليل ذلكَ القرآنيّ عليكم مِن حديث (كتاب الله وسنّتي) دليلاً قويّا على اتّباع الكتاب والتمسّك به فقط ، مع محبّة الرّسول (ص) وتوقيره دون اتّباع سنّته.

نعم! وهُنا أخي الباحث تأمّل سياق حديث (كتاب الله وسنّتي) ، وسياق حديث (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) ، وانظُر كيف تحّكمَ المُخالفُ في صرفِ معنى ودلالة الحديث الأول على وجوب الاتّباع والالتزام بمنهج الكتاب والسنّة ، وقالوا بأنّ الحديث الثّاني إنّما لازِمُهُ ودلالته هي في التمسّك بالكتاب فقط دونَ أهل البيت!! ، وإنّما لأهل البيت المحبّة فقط !! ، وبعد أن تتدبّره نسوقُ لكَ كلام بعض عُلماء الفرقة السنيّة باختصار في دلالة حديث (كتاب الله وسنتي) على الاتّباع للكتاب والسنّة ، وفيه تأمّل انقلاب الموازين في الاستنباط لدلالات الأخبار :

1- قال الحافظ ابن عبد البرّ : ((بَابُ الحضّ عَلى لزُوم السّنة والاقتصَار عَليهَا ، قَال (ص) : ((تَركتُ فِيكُم اثنتَين لَن تضلّوا مَا تَمسكتُم بِهمَا كِتاب الله وسُنّتي)) ، [جامع بيان العلم وفضله: 2/180] .

تعليق : تأمّل أخي الباحث كيفَ أدرجَ ابن عبد البرّ هذا الحديث في باب الحضّ على لزوم السنّة والاقتصارِ عليهَا ، ففيه إثباتٌ لدلالة الخبَر عندَه على التبعيّة للكتاب والسنّة ، فلَو كانَ حديث (كتاب الله وعترتي) مُدرجاً من قِبَل الحُفّاظ في (باب الحضّ على لُزوم منهَج العترَة والاقتصَار عليه) ، هَل كانَ في ذلكَ ما يمنَع من سياق الحديث ودلالَته ؟! ، كيفَ لو كانَ حديث (الكتاب والعترة) أصحّ وأكثر طُرقاً من حديث (كتاب الله وسنتي)؟! .

2- وقال الحافظ ابن عبد البرّ أيضاً : ((عَن أبي هريرة قال قال رسول الله (ص) : ((إنّي قَد خَلّفت فِيكم اثنتين لَن تضلّوا بَعدهما كِتاب الله وسُنّتي)) ، قالَ أبو عمر [هُو ابن عبد البر] : الهَدي كُل الهَدي فِي اتّباع كِتاب الله وسُنة رَسول الله (ص) فَهِي المُبيِّنَة لمُرادِ كِتاب الله ، إذا أشكَلَ ظَاهِرُه أبَانَت السُنّة عَن بَاطِنه ، وعَن مُرادِ الله مِنه)) . [الاستذكار:8/265] .

تعليق : فمَا يمنعُ أخي الباحث أن نقولَ في دلالة حديث الثّقلين (كتاب الله وعترتي) : أنّ الهدي كلّ الهَدي في اتّباع كتاب الله ، ومَنهج أهل البيت (ع) ، وأنّها هي المُبيِّنَة لمُراد الكتاب والسنّة المحمديّة ، حيث دخولُ السنّة في حديث الثّقلين هو دخولٌ ضمنيّ بَدَهي ، فإذا أشكلَ على النّاس ظاهر الكتاب والسنّة ولم يعرفوا وجه الحقّ منها ، كانَ منهج أهل البيت وعقيدتهُم دليلاً عَليها .

3- قال الخطيب البغدادي : ((ذِكر الخَبر عَن رَسُول الله بأنَّ سنّته لا تُفارِق كِتاب الله عَزّ وجَلّ ، ثمّ ساقَ الحديث السّابق في التمسّك بالكتاب والسنّة)) [الفقيه والمتفقه:1/274].

تعليق : وهُنا ما يمنعُ أخي الباحث المُنصف أن نقول في أصل الباب : ((ذِكر الخَبر عن رسول الله (ص) بأنّ عترته لا تُفارقُ كتاب الله وعزّ وجل)) ، مع أنّ لفظ حديث (الكتاب والعترة) أصرَح من حديث (الكتاب والسنّة) في التمسّك وعَدم الضّلال وعدَم الافتراق .

4- قال ابن تيمية : ((بَل قَد قَال عَليه السّلام فِي المَقام الذي لَم يَنكَتم قَولَه فِيه لاستحَالَة كِتمَانِه عَلى مَن حَضَرَه أو طَي شَيءٍ مِنه عَلى مَن شَهِدَه : ((إنّي خَلّفتُ فِيكُم مَا إن تَمسّكتُم بِه لَن تضلّوا كِتاب الله وسُنتي)) ، ولَعمري إنّ فِيهمَا الشّفَاء مِن كُل أمرٍ مُشكِل ، والبُرء مِن كُل دَاءٍ مُعضِل، وإنَّ فِي حَراسَتِهمَا مِن البَاطِل عَلى ما تقدّم ذِكرنا لَه آيَةٌ لِمن نَصحَ نفسَه ودَلالة لِمَن كَان الحقّ قَصده)) [درء تعارض العقل والنقل:7/218] .

تعليق : وهُنا تأمّل أخي القارئ كيفَ حملَ ابن تيمية حديث الرّسول (ص) في التمسّك بالكتاب والسنّة بهذا اللفظ ، على دلالة الاتّباع والتمسّك ، ثمّ يأتي المُخالف ويقول بأنّ الحديث الصحيح المتواتر (كتاب الله وعترتي أهل بيتي) لا يدلّ على التمسّك بأهل البيت والاتّباع لهم ، فالعجَب كلّ العجب أخي الباحث هُو في انقلاب الموازين في آلية الاستنباط والحثّ والدلالة من ألفاظ الأخبار المُتشابهَة في اللفظ والمعنى ، هذا يحثّ على التمسّك والاتّباع للكتاب والسنّة ، وذاكَ في أهل البيت يحثّ على التمسّك بالكتاب والمحبّة لأهل البيت دون الاتّباع .

5- قال شمس الدّين ابن سعد الزّرعي : ((عن أبي هُرَيْرَةَ قال ، قالَ رسول اللَّهِ (ص) : ((إنِّي قد خَلَّفْت فِيكُمْ شَيْئَيْنِ لَنْ تَضِلُّوا بَعْدَهُمَا كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّتِي ، وَلَنْ يَفْتَرِقَا حتى يَرِدَا عليَّ الْحَوْضَ)) ، فَلَا يَجُوزُ التَّفْرِيقُ بين ما جَمَعَ اللَّهُ بَيْنَهُمَا وَيَرُدُّ أَحَدُهُمَا بِالْآخَر)) [إعلام الموقعين:2/307] .

تعليق : وهُنا لا ندري أخي المُخالف كيفَ جازَ لكَ تفريقُ الكتاب والعترة مَع صَراحَة الأحَاديث الصّحِيحَة في عَدم افتراقِهمَا حَتى وُرود الحَوض ، ثمّ أنتَ لا تُجيزُ افتراق الكتاب والسنة ، ولفظ الحديث في هذين لفظٌ واحد !! .

6- قال الحافظ عبد الرؤوف المناوي : ((كَمَا عَبَّر بِه فِي رواية (شَيئين لَن تضلّوا بَعدَهُما كِتاب الله وسُنّتي) ، أي طَرِيقَتِي التي بُعثتُ بِهَا ، (ولن يَتفرّقا حَتى يَرِدا عَليَّ الحَوض) ، فَهُما الأصلان اللذان لا عُدول عَنهُما ، ولا هُدى إلا بِهما ، والعِصمَة والنّجاة فِي التمسّك بِهمَا)) [التيسير بشرح الجامع الصغير:1/447] .

تعليق : وهُنا لا ندري أيضاً لماذا لا يُفسَّر الحديث الصحيح (كتاب الله وعترتي) ، بأنّ منهَج الكتاب ، ومنهج العترَة ، هُو المَنهج المعصوم ، الذي لا عدول عنهُما ، ولا هُدى إلاّ بهما ، وأنّ العصمَة والنّجاة هي بالاعتقاد بمنهج الكتاب ، وبمنهج العترَة المحمديّة الفاطميّة الحسنيّة والحسينيّة .

نعم! بهذا النّقل نكتفي مُختصرينَ أخي الباحث ، شاحذينَ الهِمَم بالنّظر إلى أصل اعتراض المُخالِف في عدم دلالة أخبار الثّقلين المتواترة الحاثّة على التمسّك بالكتاب والعترة، عدم دلالتها على الاتّباع والالتزام بمنهجِهمَا ، ولا تأخُذك العاطفَة بعيداً عن الاعتقاد بالحقّ ، فما خدعتَ إلاّ نفسَك ، والموعدُ قريبٌ غَيرُ بَعِيد .

الفَصلُ الرّابع : ما جاءَ من شَرح وتعليق على حديث الثّقلين عن الأئمّة والعلماء .

وهُنا أخي الباحث عن الحقّ ، سنتناولُ معَنى حديث الثقلين ورُسوخُه في أذهَان العُلماء ، وكيفَ أنّهُم فَهِموا منهُ معنى التّبعيّة لأهل البيت (ع) ، دوناً عمّا يُحاولُ البعضُ تحريفَ معناهُ من الحديث وهُو مُجرّد التوصيَة بالرّعايَة لحقوق أهل البيت (ع) ، دوناً عن الاتّباع والاقتدَاء بمنهجهِم وعُلومهِم ، على أنّ ما سنستعرضُهُ هُنا من فَهم العُلماء من هذا الحديث هُو طريقٌ لتواتر معنى ودلالة هذا الحديث عن رسول الله (ص) في الأذهان ، وإفادَته للعِلم القَطعي عنَد من يُدرِك ويُنصِف ، فممّن تكلَّم عن هذا الحديث .

القِسم الأوّل : ما جاءَ من شَرح وتعليق على حديث الثّقلين من علماء الفرقة السنيّة وغيرهم.

1- محمّد بن أحمد الأزهريّ ، (ت370هـ) :

قال الأزهريّ : ((وَفِي حَديثِ النّبيّ (ص) : ((أُوصيكم بالثَّقَلَيْنِ كتابِ الله وعِتْرَتِي ، أَحَدُهُما أَعْظَمُ من الآخَر ، وهُوَ كِتابُ الله حَبْلٌ مَمْدُودٌ من السَّماء إلى الأرض)) ، قُلتُ: وفِي هَذا الحَديثِ اتّصالُ كتابِ الله جلّ وعزّ بِهِ ، وإن كَانَ يُتْلَى في الأرْضِ ويُنْسَخُ ويُكْتَبُ ، ومَعْنَى الحبلِ الممدُودِ: نورُ هُدَاه . والعَرَبُ تُشَبه النُّورَ بالحَبلِ والخيْطِ)) ، [تهذيب اللغة:5/52] ، وقالَ أيضاً : ((رُوي عَن النّبي (ص) ، أنَّهُ قَالَ فِي مَرَضِه الذي مَاتَ فِيه : ((إنّي تارِكٌ فيكم الثَّقَلَين ، كِتابَ الله وعِتْرتي ، ولَن يفترقَا حَتى يرِدَا عليَّ الحوضَ)) ، فسَّر النبيّ (ص) الثَّقَلين فَجعَلَهُمَا كِتابَ الله جلّ وعزّ وعِِترَتَهُ عَليه السّلام ؛ وقد فسّرتُ العِتْرة فيمَا تقدّم وهُم جَمَاعةُ عَشيرته الأدْنَوْن ، وقَال أبو العبّاس أحمَد بن يَحيى : سُمِّيا ثَقَلين لأنَّ الأخْذ بِهمَا ثَقِيل ، والعَمَل بِهمَا ثَقِيل ، وأصلُ الثَّقَل أنّ العَرَب تَقُول لكلِّ شيء نفيسٍ مَصُونٍ ، ثَقَل)) ، [تهذيب اللغة:8/78] .

2- أحمد بن محمد بن إبراهيم الخطابيّ ، (ت388هـ) :

قال الخطابيّ : ((فَأمَّا حَدِيثهُ الآخَر أنّه قَال: ((خَلّفتُ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وَعِترَتِي)) ، فَإنَّ أبا عمر أخَبَرني ، عَن أبي العبّاس ثَعلَب ، قَال ، قالَ: إنّما سُمِّيَا الثَّقَلَين لأنَّ العمَل بِهمَا ثَقيل ، وأخبَرَني بَعضُ أصحَابِنَا عن محمّد بن جَريرٍ الطّبَري ، قَال: دَليلُ هَذا مِن القُرآن : ((إنّا سُنلقِي عَليكَ قَولا ثَقِيلا)) ، [غريب الحديث للخطابي:2/192] .

3- أحمد بن محمّد الثّعلبي النّيسابوريّ ، (ت427هـ) :

قال الثّعلبيّ : ((وقَالَ النّبي (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله وَعِترَتِي))، فَجَعَلَهُمَا ثَقََلَين إعظَامَاً لِقَدرِهِمَا)) ، [تفسير الثّعلبي:9/186] .

4- أبو المُظفّر منصور بن محمّد السّمعاني ، (ت489هـ) :

قال السّمعاني: ((وفِي الخَبَر أنَّ النّبي قَال : ((تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين ، كِتابَ الله وعِترتِي)) ، وَهُوَ إخبَارٌ عَن عِظَمِ قَدرِهِمَا)) [تفسير السّمعاني:5/329] .

5- الحسين بن مسعود البغوي ، (ت516هـ) :

قال البغوي : ((قِيلَ : سَمَّاهُمَا ثَقَلَين ، لأنَّ الأخذَ بِهمَا ، والعَمَل بِهمَا ثَقِيل ، وقِيل فِي تَفسير قَوله عَزّ وجلّ : ((إنّا سَنُلقِي عَليكَ قَولاً ثَقيلا)) ، أي : أوَامِرَ الله وفَرائِضَه ونَواهِيه لا تؤدَّى إلا بِتَكَلُّفِ مَا يثقل)) ، [شرح السنّة:14/118] .

6- محمود بن عُمر الزّمخشريّ ، (ت538هـ) :

قال الزّمخشريّ : ((الثَّقَل : المَتَاعُ الَمحمُول على الدَّابَة ، وإنّما قِيل للجنّ والإنس ، الثّقَلان لأنّهما قُطّان الأرض فَكأنّهمَا أثقَلاهَا ، وقَد شَبّهَ بِهمَا الكِتابَ والعِترَة فِي أنَّ الدِّين يُستَصلَحُ بِهِمَا ويَعمُرُ كَمَا عَمُرَت الدّنيا بالثَّقَلَين)) ، [الفائق:1/170] .

7- يحيى بن شرف النووي ، (ت676هـ) :

قال النوويّ : ((وأنَا تَاركٌ فِيكُم ثَقَلَين فَذكَر كِتابَ الله وأهلَ بَيتِه)) ، قَالَ العُلمَاء سُمِّيَا ثَقلَين لِعِظَمِهِمَا ، وكَبير شَأنِهِمَا ، وقِيل: لِثقَلِ العَمَلِ بِهِمَا)) ، [شرح النووي على صحيح مسلم:15/180] .

8- أحمد بن عبد الحليم بن تيمية الحرَّاني ، (ت728هـ) :

قال ابن تيمية: ((وقَد رَواهُ التِّرمذيّ وزَادَ فِيه وَإنّهما لَن يفترقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض ، وقَد طعنَ غَيرُ وَاحدٍ مِن الحفّاظ فِي هَذه الزّيادَة ، وقَال إنّها ليسَت مِن الحَديث ، والذين اعتقدُوا صِحّتهَا قَالُوا إنّما يَدلّ عَلى أنّ مَجموعَ العِترَة الذين هُم بنو هَاشِم لا يتّفقُونَ عَلى ضَلالَة ، وهَذا قَالَه طَائفَةٌ مِن أهل السنّة وَهُو مِن أجوبَة القَاضي أبي يَعلى وَغَيرِه)) ، [منهاج السنّة:7/318] .

وقال أيضاً : ((وقَد تنازَع العُلمَاء مِن أصحَاب الإمام أحمَد وغَيرِهم فِي إجمَاع الخُلفَاء ، وفي إجمَاع العِترَة ، هَل هُو حُجّة يَجب اتّباعها ، والصّحَيح أنَّ كِلاهُمَا حُجّة)) [مجموع الفتاوى:28/493] .

9- محمّد بن محمّد العبدري الفاسيّ المالكيّ ، (ت737هـ) :

قال الفاسيّ : ((حَيثُ قَال: ((تَركتُ فِيكُم الثَّقَلَين لَن تضلّوا مَا تَمسّكتُم بِهمَا كِتاب الله وسُنّتي ، وفِي رِوايَة وَعترَتِي أهلُ بَيتي ، فجعَل عَليه الصَّلاةُ والسّلام النّجَاة مِن الضَّلالَة فِي التمسّك بِهذَين الثَّقَلَين فَقط لا ثَالِثَ لَهُمَا)) ، [المدخل:4/287] .

10- سعد الدّين مسعود بن عمر بن عبدالله التفتازاني ، (ت791هـ) :

قال التفتازاني : ((وقَال النّبي (ص) : ((إنّي تَركتُ فِيكُم مَا إن أخذتُم بِه لَن تضلّوا كِتابَ الله وَعترَتي أهلُ بَيتي)) ، وقَالَ (ص) : ((أنَا تَاركٌ فِيكُم الثَّقَلَين كِتاب الله فِيه الهُدى والنّور ، فَخُذُوا بِكتَابِ الله واستَمسِكُوا بِهِ وأهلُ بَيتِي وأذكّركُم الله فِي أهلِ بَيتِي ، أذَكِّركُم الله فِي أهلِ بَيتِي ، أذُكِّركُم الله فِي أهلِ بَيتي)) ، وَمِثل هَذا يُشعرِ بِفَضلِهِم عَلى العَالم وَغيرِه ، قُلنَا: نَعم لاتِّصَافِهِم بِالعِلمِ والتّقوى مَع شَرف النَّسَب ، ألا يُرَى أنّه (ص) قَرَنَهُم بِكِتاب الله فِي كَونِ التمسّك بِهمَا مُنقذاً مِنَ الضَّلالَة ، ولا مَعنى للتمسّك بِالكِتاب إلاَّ الأخذُ بِمَا فِيه مِنَ العِلم والهِدَاية ، فَكذَا فِي العِترَة)) ، [شرح المقاصد في علم الكلام:2/303].

11- محمد بن يوسف الصالحي الشّامي ، (ت942هـ) :

قال الصّالحي : ((البَابُ الثّاني فِي بَعض فَضائل أهل بَيت رَسُول الله (ص) ، وَفِيه أنواع ، الأوّل : فِي الحَثِّ عَلى التمسّك بِهِم ، وَبكِتاب الله - عَزّ وَجَل - ، رَوى التّرمذِي وحسَّنَه عَن جَابر بن عَبد الله - رَضِي الله تعالى عَنهمَا - قَال : رَأيتُ رَسُول الله (ص) فِي حَجَّة الوَدَاع يَوم عَرفَة وَهُو عَلى نَاقَتِه القَصوَاء يَخطب فَسَمِعتُهُ يَقول : ((إنّي تَركتُ فِيكُم مَا إن أخذتُم بِه لَن تضلّوا كِتابَ الله وعِترَتِي أهلُ بَيتي)) ، ورَوى الترمذي وحسَّنَه ، والحَاكِم وصَحَّحَه عَن زيد بن أرقم)) ، [سُبل الهدى والرّشاد:10/6] .

12- أحمد بن محمد بن علي بن الحجر الهيثمي ، (ت973هـ) .

قال ابن حجر الهيثمي : ((والحَاصِلُ أنَّ الحثَّ وَقَع عَلى التمسّك بالكِتاب وبالسنّة وبالعُلمَاء بِهمَا مِن أهَل البَيت ويُستفَاد مِن مَجموع ذَلِك بَقاء الأمُور الثّلاثَةِ إلى قِيامِ السَّاعَة ، اعلَم أنَّ لِحَدِيث التمسّك بِذلِكَ طُرقاً كَثيرَة وَرَدت عَن نَيِّفٍ وعَشِرين صَحَابيّاً ومَرَّ لَه طُرقٌ مَبسُوطة فِي حَادِي عَشر الشّبه وفِي بَعض تِلك الطّرق أنّه قَال ذِلكَ بِحجّة الوَدَاع بِعرَفَة ، وفِي أخرَى أنّه قَالَه بِالمَدينَة فِي مَرَضِه وقَد امتلأت الحُجرَة بأصحَابِه ، وفِي أخرَى أنّه قَال ذَلك بغَدير خُمّ ، وفِي أخرى أنّه قالَه لمّا قَامَ خَطيباً بَعد انصرافِه مِنَ الطّائِف كمَا مَرّ ولا تَنافِي إذ لا مَانِع مِن أنّه كَرَّر عَليهِم ذَلِك فِي تِلكَ المواطِن وغَيرها اهتمَاماً بشأن الكِتاب العَزيز ، والعِترَة الطّاهرَة)) ، [الصّواعق المحرقة:2/440] .

13- عبدالرؤوف المناوي ، (ت1031هـ) :

قال المناوي : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم ، (بعدَ وَفَاتِي) ، خَليفَتَين ، (زادَ فِي رِوايَة أحَدُهما أكبرُ مِنَ الآخَر ، وَفِي رِوايةٍ بَدل خَليفَتَين ثَقَلَين سَمَّاهُمَا بِه لِعِظَم شَأنِهِمَا) ، كِتابَ الله ، (القُرآن) ، حَبلٌ ، (أي هُو حَبل) ، مَمدودٌ مَا بَينَ السَّمَاءِ والأرض، (قِيلَ أرَادَ بِه عَهدَه ، وَقِيلَ السَّبب المُوصِلُ إلى رِضَاه) ، وَعِترَتي ، ( بمثناة فَوقيّة)، أهلُ بَيتي ، (تَفصيلٌ بَعدَ إجمَال ، بَدلاً أو بَياناً وَهُم أصحَابُ الكِسَاء الذين أذهَب الله عنهُم الرِّجسَ وطَهَّرَهُم تَطهيراً ، وقِيل: مَن حَرُمَت عَليه الزّكَاة ، ورَجَّحَه القُرطُبي ، يعني إن ائتمَرتُم بأوامِر كِتابِه وانتهيتُم بِنَواهِيه ، واهتَدَيتُم بِهَدي عِترَتِي، واقتَدَيتُم بِسِيرَتِهم اهتَدَيتُم فَلم تَضَلِّوا ، قَال القُرطُبي : وهَذِه الوصيّة وهَذا التّأكيد العَظِيم يَقتضِي وُجوبَ احترَام أهلِه وإبرَارهم وتَوقِيرِهِم ومَحبَّتهِم ، وجوبَ الفُروض المؤكَّدَة التي لا عُذرَ لأحَدٍ فِي التّخلّف عَنهَا هَذا مَع مَا عَلِمَ مِن خُصوصيَّتِهِم بِالنّبي (ص) وبَأنّهُم جَزءٌ مِنه فَإنّهم أصُولُه التي نشأَ عَنهَا ، وفُروعه التي نَشأوا عَنه كمَا قَال : (فَاطِمةٌ بِضعَةٌ مِنّي) ، ومَع ذَلك فَقابَل بَنو أميّة عَظيمَ هَذِه الحُقوق بالمخالفَة والعُقوق ، فَسفَكُوا مِن أهل البَيت دِمَاءهُم ، وسَبَوا نِسَاءهُم ، وأسَرُوا صِغَارَهُم ، وخَرَّبُوا دِيارَهُم ، وجَحَدوا شَرفَهُم وفَضلَهُم، واستبَاحُوا سَبَّهم ولَعنَهُم ، فَخالَفوا المصطفَى فِي وَصيّته وقَابلوه بِنقيض مَقصودِه وأُمنِيته ، فَواخَجلَهُم إذا وَقفُوا بَين يَديه ، ويَا فَضيحَتهُم يَوم يُعرَضُون عَليه)، وإنّهُمَا ، (أي والحال أنّهمَا ، وفي رواية أنّ اللّطيفَ أخَبرَني أنّهُما) ، لَن يَفترِقَا ، (أي الكِتاب والعِترَة ، أي يَستمرّا مُتلازِمَين) ، حتّى يَرِدا عَليَّ الحَوض،..، تَنبيه (قاَل ( الشّريف ) : هَذا الخَبرُ يُفهَمُ وُجودُ مَن يَكونُ أهلاً للتمسُّكِ بِه مِن أهلِ البَيت والعِترَة الطّاهِرَة فِي كلّ زَمَنٍ إلى قِيامِ السَّاعَة حتّى يُتوجّه الحثّ المذكُور إلى التمسّك بِه كمَا أنّ الكِتابَ كذَلِك)) ، [فيض القدير شرح الجامع الصغير:3/14] .

14- محمد بن عبدالرحمن بن عبدالرحيم المباركفوري ، (ت1353هـ) :

نقلَ أبو العلا المباركفوري ، قال : ((قَال القَاري : والمُرادُ بِالأخذِ بِهم التمسّك بِمحبّتهِم ومُحافَظة حُرمَتهِم ، والعمَل بِروايَتهِم ، والاعتمَاد عَلى مَقَالَتِهِم،..، وقَال بن المَلك: التمسّك بِالكِتاب العمَل بِما فِيه ، وهُو الائتمَارُ بِأوامرِ الله والانتهَاء عَن نَواهِيه ، ومَعنى التمسك بالعِترة مَحبّتهم والاهتداء بِهديهِم وسِيرَتِهم)) ، [تحفة الأحوذي بشرح جامع الترمذي:10/178] .

القِسم الثّاني : ما جاءَ من شَرح وتعليق على حديث الثّقلين من علماء وأئمّة أهل البيت الزيدية وشيعتهم الكرام :

15- قال الإمام الشّهيد زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (70-122هـ) :

((فإن اللّه عزّ وجل قَد فَضّلهم عَلى الخَلق بالهَدي والطّاعَة ، وأعلمَ الناسَ عصمَتَهم، فلا يضلّون عَن الحقّ أبداً ،..، وقد قَال رسول اللّه صلى الله عليه وآله وسلم: ((إنّي تاركٌ فيكُم مَا إن تمسّكتم به لن تضلّوا - ولن تذلّوا - كِتاب اللّه وعترتي أهل بيتي وإنّهما لَن يفترقَا حتّى يردَا عليّ الحَوض)) ، [مجموع كتب ورسائل الإمام زيد بن علي ، كتاب تثبيت الوصيّة:205].

16- قال الإمام القاسم الرّسي بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (169-246هـ) :

((وهو [حديث الثّقلين] حَديثٌ صَحيحٌ مَذكُور، كَثيرٌ فِي أيدي الرّواة مَشهور، ومَن تمسَّك كَمَا قَال رَسُول الله صلى الله عليه وآله وسلم بهمَا فلن يَضلّ أبداً، لِمَا جعَل الله فيهما ومَعَهُما مِن النّور والهَدى، وكِتاب الله تبارك وتعالى كمَا قَال رَسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فهُو أحدُهما وفِيه الشّفاء والبُرهان والنّور)) ، [مجموع كتب ورسائل الإمام القاسم الرّسي:مسائل القاسم (ع) :2/569] .

17- قال الإمام فقيه الآل الحسن بن يحيى بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت247هـ) :

((فِيمَا اجتمَعَت الأمّة عَليه مِن الفَرائض فَإجمَاعُهم هُو الحجّة عَلى اختلافِهم ، لأنّ النّبي (ص) قَال: ((مَا كانَ الله ليجمَع أمّتي عَلى ضَلالَة)) ، ومَا اختلَفُوا فِيه مِن حَلال أو حَرام ، أو حُكمٍ أو سُنّة ، فَدلالَة رُسُول الله (ص) فِي ذَلكَ قَائمَةُ بِقولِه: ((إنّي تَارك فِيكُم الثّقلين ، كِتاب الله، وعِترتي أهلُ بَيتي ولَن يتفرَّقَا حتّى يَردَا عَليَّ الحَوض)) ، فَهذا مَوضعُ الحجّة مِنه عَليهم، وهَذا خَبرٌ مَشهُورٌ، ونَقلتهُ الأمّة عَن غَير تَواطئ، فَأبرارُ آل رَسُول الله (ص) رُؤسَاء الأمّة وقَادَتها وسَادَتُها، الذين قَال رَسُول الله (ص) إنّ الهُدى فِي التمسّك بهِم، وإنّما هَذا خَاصٌّ لَهُم دُونَ غَيرهِم، وهُم الذين أورِثُوا الكِتاب، وأُمِرَ بِردّ الأمُور إليهِم ، فقال: ((فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ)) . [جامع علوم آل محمّد] .

18- قال الإمام المؤيد بالله أحمد بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (333-411هـ) :

((فَإن قِيل: وَلِم قُلتم إنَّ إجمَاع أهل البَيت حَقّ؟. قِيل لَه: لِقول النّبي (ص) : (( إنّي تَاركٌ فِيكُم مَا إن تمسّكتم بِه لَن تضلّوا مِن بَعدِي كِتاب الله وَعِترتي أهل بيتي ، ألا وَإنّهمَا لَن يَفترقا حَتى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) [التّبصرَة] .

19- قال الإمام الناطق بالحق يحيى بن الحسين بن هارون بن الحسين بن محمد بن هارون بن محمد بن القاسم بن الحسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (340-424هـ) :

((فَأخبر (ص) بأنَّ المُتَّمَسِّكَ بِعتَرتِه غيرُ ضالٍ، وهَذا يُوجبُ أنْ يكونَ مَا أجمَعُوا عَليه حَقاً، إذ لَو جَاز أنْ يُجْمِعوا على مَا لَيس بحقٍّ لم يَجُزْ أنْ يكونَ المُتَّمَسّكُ بِهم غَير ضَالّ على كُلّ وَجه)) [الدّعامة] .

20- قال العلاّمة الشهيد الحاكم المُحسّن بن كرامة الجشمي ، المعتزليّ ، ثمّ الزّيدي ، (413-494هـ) :

((إن قيلَ: فمَا قَولُكم [يعني قولَ المعتزلَة] فِي إجمَاع أهل البَيت عَليهم السّلام أهُوَ حُجّة أم لا؟! . قلنا : عِند الزّيدية هُو حجّة ، واستدلّوا بقوله تعالى: ((إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا)) ، وبقولِه (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثَّقلَين، كِتاب الله ، وعِترتي أهل بيتي ، مَا إن تَمسّكتُم بِهمَا لن تضلّوا)) ، وذكَرَ شَيخُنا أبو عَلي - رَحمَة الله عَليه - أنّه لَو صَحَّ هَذا الخبر دَلّ عَلى كَونِ إجمَاعِهِم حُجّة)) [تحكيم العقول في تصحيح الأصول].

21- قال الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة بن سليمان بن حمزة بن علي بن حمزة بن الإمام النفس الزكية الحسن بن عبد الرحمن بن يحيى بن عبدالله بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت614هـ) :

((وأمّا وَجهُ الاستدلال بِه : فَلأنه (ص) صَرَّحَ بَأنّ التمسّك بِعترَتِه أهلُ بَيته بِمنـزِلَة التمسّك بِالكِتاب، ولا شَكّ فِي وجُوب التمسّك بِالكِتاب، وأنّه حُجَّة ، فَكذَلِكَ يَجب التمسّك بإجمَاع العِترَة والقَول بأنّه حُجَّة، لأنَّا لا نُريدُ بِقولِنا حُجَّة إلاَّ مَا يِجبُ الرّجُوعُ إليهِ، ويَلزم التمسّك بِه ، وقَد زَادَ (ص) ذَلِك تَأكيـداً بإخبَاره أنّهمَا لا يَفترقَان حَتى ورُود الحَوض ، والتّكليف عِندهُ مُنقطِع ، ولا وَاجب يَومئذٍ ، ونَحن نَعلمُ ذَلك ، كمَا أنّه (ص) لَو قال: تَمسّكُوا بِزَيد وعَمرو تَسلَمُوا مِنَ الضّلال ، واعلَمُوا أنّهما لَن يفترقَا، عَلِمنَا بِدلالَة هَذا الظَّاهِر أنَّ وُجوبَ الرّجُوع إلى أحَدِهما كَوجوبِ الرّجوع إلى الآخَر، وأنَّا بالرّجُوع إلى كلّ واحِدٍ مِنهُمَا نَنجوا مِن الضّلال ، فَثبت بذَلِك أنَّ إجمَاعَهُم -عَلَيْهم السَّلام- حُجَّة)) [شرح الرّسالة النّاصحَة:130] .

22- قال الإمام الحافظ الحسين بن بدر الدين محمد بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن عبدالله بن الإمام المنتصر بالله محمد بن الإمام المختار القاسم بن الإمام أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق القويم يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت663هـ) :

((فَجعلَ التّمسّكَ بِهم كَالتمسّك بالكِتاب ، فَكمَا أنَّ المُتَّمَسِّكَ لا يَضلُّ فَكذلك المُتَّمَسَّكُ بِهم ، وإلاَّ بَطُلَت فَائدةُ الخِطَاب)) [ينابيع النصيحَة] .

23- قال الإمام حميدان بن يحيى بن حميدان بن القاسم بن الحسن بن إبراهيم بن سليمان بن الإمام المنصور بالله القاسم بن علي بن عبدالله بن محمد بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب :

((ولأنّ النّبي (ص) وهُو لا يَنطقُ عَن الهَوى قَد قَرَنَ العِتْرَةَ بالكِتَابِ، وأَمَرَ بالتَّمَسُّكِ به وبِهم مَعاً ، فَدلّ بِذلِكَ عَلى أنّهُ لا يَصحّ دَعوى التمسّك بِهم بِالكِتاب مَع رَفضهِم كمَا لا يَصحّ دَعوى التمسّك بِهم مَعَ رَفض الكِتاب)) [مجموع السيد حميدان:154] .

24- قال الإمام المنصور بالله القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1029هـ) :

((كَذلكَ سُنّة رَسول الله (ص) مِمّا يَكثُر وَيطُول , حَتّى أفادَ العِلم القَطعِي الذي لا يُمكنُ دَفعُه بشكّ وَلا شُبهَة ، [يعني في اتّباع أهل البيت] ، من ذلكَ قَولهُ (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم مَا إن تمسّكتُم بِه لَن تضلّوا بَعدي أبداً ، كِتاب الله , وَعترتي أهل بيتي , إنّ اللطيفَ الخَبير نَبّأني أنّهمَا لَن يَفترقا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) [الإرشاد إلى سبيل الرّشاد].

25- قال الإمام أحمد بن محمد بن لقمان بن أحمد بن شمس الدين بن الإمام المهدي لدين الله أحمد بن يحيى بن المرتضى بن أحمد بن المرتضى بن المفضل بن منصور بن المفضل الكبير بن عبدالله بن الحجاج بن علي بن يحيى بن القاسم بن يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر لدين الله أحمد بن يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1039هـ):

((وهَذا تَصريحُ بأنّهم لا يَخرُجُون عَن الحقّ ، إذ قَد جَعلَهم قَسيم الكِتاب، والكتابُ ((لايَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِن بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ)) ، فَكذَلِكَ أهلُ البَيت (ع) ، وإلاَّ لكَان (ص) قَد سَوّى بَين الحقّ والبَاطل، وهَذا مُحَال ، والمَعلومُ أنَّهُ خرَجَ عَن الحقِّ بَعضُ آحَادِهِم ، فَتعيّن أنَّ المقصودَ جماعتُهُم ، وذَلِكَ وَاضِح)) [الكاشف لذوي العقول:145] .

26- قال الإمام نجم أهل البيت الحسين بن القاسم بن محمد بن علي بن محمد بن علي بن الرشيد بن أحمد بن الأمير الحسين الأملحي بن علي بن يحيى بن محمد بن يوسف الأشل بن القاسم بن الإمام الداعي إلى الله يوسف بن الإمام المنصور بالله يحيى بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1050هـ):

((وَوجه الدّلالة فِي هَذه الأحاديث ومَا فِي مَعناها أنّها: أفادَت أنَّ حُكمَ التمسّك بِالعِترَة كالتمسّك بالكِتَاب ، فَإذا كَان التمسّك بِه وَاجباً لِكونِه حُجّة لا تَجوزُ مُخَالَفتها، فَكذَلِك التمسّك بِجَمَاعَتهِم ، وَوجهٌ آخَر: وهُو أنّه يُفهَمُ مِن قَولِه ((تاركٌ)) ، ((ومُخلِّفُ)) ، ((خَليفَتَين)) حُجيّة إجمَاعهم ، وذَلكَ لأنَّ المستخلَف يَكُونُ بَلا رَيب قائماً مَقام مَن استخلَفَهُ، وهُو (ص) الحُجّة فِي حَياتِه ، فَتكون خَليفَتهُ الحجّة بعَد وفَاتِه ، ولَيس لأحَدٍ أن يَقولَ بأنّ الحجّة هِي مَجمُوع الكِتاب والعِترَة ، لإجمَاع الأمّة عَلى أنَّ الكِتاب حُجّة مُستقلّة ، فَلو لَم تكُن العِترَة حُجّة كَالكِتاب لكَان ذِكرُهَا مَعَهُ عَبثاً وتغرِيراً ، واللاّزِمُ ظَاهرُ البُطلان)) [شرح الغاية:1/526] .

27- قال العلامة الأصولي أحمد بن يحيى حابس ، (ت1061هـ) :

((فَصحّ أنّهم أطهَارٌ نَاجُون ، وأنّ مَا أجمَعوا عَليه حُجّةٌ يَجبُ الرّجوعُ إليه لأنّه حَقٌّ لا بَاطل ، وقال (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم مَا إن تمسّكتُم بِه لَن تَضلّوا مِن بَعدِي أبداً كِتابَ الله وَعِترتي أهل بَيتي ، إنَّ اللّطِيفَ الخبير نَبّأني أنّهُمَا لَن يَفترقَا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) ، وهَذا الخبرُ مِمّا ظَهَر بَين الأمّة واشتهَر ، ولَم يَقدح أحَدٌ مِنهُم فِي صِحّته بَل تَلقَّوه بالقَبول)) [الإيضاح على المصباح] .

28- قال الإمام الناصر إبراهيم بن محمد بن أحمد بن الإمام عز الدين بن الحسن بن أمير المؤمنين علي بن المؤيد بن جبريل بن فقيه آل محمد المؤيد بن أحمد الملقب المهدي بن الأمير شمس الدين الداعي إلى الله يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبدالله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام القاسم المختار بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) (ع) ، (ت1083هـ) :

((وقال (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم مَا إن تَمسّكتُم بِه لَن تضلّوا مِن بَعدي أبداً ، كِتابَ الله حَبلٌ مَمدود ، فرَغَّب فِي كتاب الله ، ثمّ قال: وَعترتي أهلَ بَيتي ، إنّ اللطيفَ الخبير نبّأني أنّهما لَن يَفترقا حَتّى يَرِدَا عَليَّ الحَوض)) ، وَغيره مِن الأحَاديث الدّالة على أنّهم السّفينَة، مِمّا تَواتر نَقلُه بنصّ أهل التّحقِيق)) [الإصباح على المصباح] .

29- قال الإمام حجّة عصره مجد الدين بن محمد بن منصور بن أحمد بن عبدالله بن يحيى بن الحسن بن يحيى بن عبدالله بن علي بن صلاح بن علي بن الحسين بن الإمام الهادي إلى الحق عز الدين بن الحسن بن الإمام علي بن المؤيد بن جبريل بن فقيه آل محمد المؤيد بن أحمد الملقب المهدي بن الأمير شمس الدين الداعي إلى الله يحيى بن أحمد بن يحيى بن يحيى بن الناصر بن الحسن بن المعتضد بالله عبدالله بن الإمام المنتصر لدين الله محمد بن الإمام القاسم المختار بن الإمام الناصر أحمد بن الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بن القاسم بن إبراهيم بن إسماعيل بن إبراهيم بن الحسن بن الحسن بن علي بن أبي طالب (ع) ، (ت1428هـ) :

((التَّمَسُّكُ بالكِتابِ واجبٌ قطعاً ، وقَد قُرِنُوا بِه فَيكُون حُكمُهُم حُكمَهُ ، وأيضاً قَد جَعلَهُم الله تعَالى خَليفَته ، وللخَليفَة مَا للمُستخلِف بِلا خِلاف، وإلاَّ فَلا مَعنى للاستخلاف)) [الجامعَة المهمّة لأسانيد كتب الأئمة:96] .

30- قال إمام العَصر وحجّة الزّمان المولى العلاّمة عبدالرّحمن بن حسين شايم لمؤيّدي الحسني ، حفظهُ الله وأبقاه :

((واعلَم أنَّ حَديثَ الثَّقَلين جَامعٌ لأشتَات الفَضَائِل لأهلِ البَيت ، وقَد أشَارَ إلى تِلك المزَايا والأحكَام والفضَائل جمعٌ مِن عُلماء آل محمّدٍ وشِيعَتهِم ، وفَصَّلوا مَا اشتمل عَليه من التّنويه بفضَائلهِم ، فَهُو يَدلّ مِن حيث أوصَى بِهم أنّهم أئمّة هُدَىً يُهتدَى بِهم فِي أقوالِهم وأفعَالهم وتُروكِهم ، ولهذَا قَرَنَهُم بِالكتَاب ، وأوصَى بالتمسّك بِهمَا ، فَهُو يَدلّ عَلى أنَّ الحقّ مَعَهم ، إذ هُوَ (ص) لا يُوصِي وَيَحثّ الأمّة عَلى التمسّك بِهِم إلاَّ لأنّهُم عَلى الحقّ ، فَلو كَانوا عَلى خِلاف ذَلِك لحَذَّر مِنهُم ، كمَا يَدلّ ذَلك الحث على التمسّك بِهم أنّه تَعليمٌ ونُصحٌ للأمّة عَلى الطّريق التي تُنجيهِم مِنَ المهالِك ، ولهذا قَال: ((مَا إن تَمسَّكتُم بِه لَن تضلّوا)) ، وهُو (ص) لا يَنطقُ عَن الهَوى ، فَعلى هَذا كلّ مَن سَلك غَير طَريقهم فَهو ضالٌّ ، كمَا أنَّه (ص) قَرنَهُم بالكِتاب حَيث قال (ص) : ((لَن يَفتَرِقَا)) ، فكمَا أنَّ الكِتاب حَقٌّ فَالعترَةُ حَقّ ، كمَا أنّ قولَه (ص) : ((إنّي تَاركٌ فِيكُم الثّقَلين)) يَدلّ عَلى تَعظِيم الكِتاب والعِترة ، لأنّه سَمَّاهم الثَّقَلين ، والثَّقَل الشَّيء النَّفِيس كمَا قَدَّمنَا ، وَفِيه التّنويه بذكرِهم وَرَفع مَنازِلهم مِن حَيث أنَّ بَاغِي الهُدى وطَالِبه لا يَجِد الهُدى والنّور وَالطَّريق الموصلَة إلى الله إلاَّ مِن كِتاب الله تعالى ، فَكَذلِك العِترَة)) [كتاب الفتاوى] .

نعم! بهذا وبمَا مضَى نختمُ الكلامَ على حديث الثّقلين بعدَ أن ظهرَ لنَا ولكَ أخي الباحث عن الحقّ أن حديث الثّقلين من الأحاديث المُتواترَة ، المُفيدَة للعلم القاطِع في الدلالة على وجوب اتّباع أهل البيت (ع) ، والتمسّك بقولِهم وهَديهِم ، وأنّ النّاس إن ضلّوا جميعاً فلن يضلّ أهل البيت (ع) ، وأنّ الحقّ سيكون في جماعَة علماء بني الحسن والحسين حتى ورود الحوض كما قالَ رسول الله (ص) ، هذا ونصلّى ونسلّم على سيدنا محمّد وعلى أهل بيته الطّيبين الطّاهرين .

وكتَبهُ/ الشريف أبو الحَسن الرّسي ، غفرَ الله لَه ولِوالدَيه وللمؤمنين .
12/11/1430هـ
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

الفخي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 207
اشترك في: الجمعة مارس 14, 2008 7:10 pm
مكان: لا يوجد
اتصال:

Re: تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّقلَين

مشاركة بواسطة الفخي »

سيدي الكاظم شكرا جزيلا على هذا البحث العظيم .
فان في هذا البحث عظه لمن اتعظ ولمن القى السمع وهو بصير .

نسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن ستمعون القول فيتبعون احسنه وان يرزقنا حب محمد وآل محمد انه ولي ذلك والقادر عليه .

صورة

الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

Re: تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّق

مشاركة بواسطة الكاظم »

الفخي كتب:

سيدي الكاظم شكرا جزيلا على هذا البحث العظيم .
فان في هذا البحث عظه لمن اتعظ ولمن القى السمع وهو بصير .

نسال الله سبحانه وتعالى ان يجعلنا ممن ستمعون القول فيتبعون احسنه وان يرزقنا حب محمد وآل محمد انه ولي ذلك والقادر عليه .



باركَ الله بكُم أخي (الفخي) ، الله يجعلُنا وإيّاكم ممّن يَسمعون القَول فيتّبعونَ أحسنَه .

لكم خالص احترامي .
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

أبو خليل
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 48
اشترك في: الأربعاء إبريل 16, 2008 6:51 pm

Re: تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّق

مشاركة بواسطة أبو خليل »


ماشاء الله شيخنا الفاضل /الكاظم

وبارك الله فيكم وزادكم علماً وفهماً

بحث مفيد ورائع وطرح جميل وتعبير أجمل

كم أتمنى لو يُطبع هذا البحث ويُوزع على المكتبات والآكشاك ؛لأن هذا البحث يكفي ويغني عن الكثير ، ولم أجد - فيما قرأت - بحثاً تناول هذا الموضوع كهذا البحث القيم والمفيد ، ولا غرابة طالما وكاتبه عبقري الزيدية ومفكرها الكبير العلامة /أبو الحسن الرسي ( الكاظم ) صاحب الأبحاث والدراسات المفيدة والنافعة ..

المزيد المزيد من هذه الأبحاث القيمة

وشهر مبارك

ابو القاسم ابلج
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 3
اشترك في: الأربعاء أغسطس 04, 2010 4:07 am

Re: تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّق

مشاركة بواسطة ابو القاسم ابلج »

سيدي الشريف
لا اعلم كلمات تفيكم حقكم في ما بذلنموه من جهد في تبيان هذه الاحاديث الشريه واصالها لنا منقحه وبدلا لاتها من النواحي اللغويه او الشرعيه ولا يسعني الا ان اقول جزاك الله خير ونفع بك واثابك واراك في الدنيا خيرا في نفسك واهلك ومالك وعلمك وان يجمعنا بك بصحبه سيد الاولين والاخرين صلي الله عليه واله وسلم في اعالي الجنان بجواره الكريم
ونرجوا منكم سيدي التفويض لكل من اراد الاستفاده من جهدكم المبارك رحم الله والديك
فهل تستجيبون ولكم من الله الثواب بنشره وايصاله الي الناس ومنا صادق الدعاء ان يجعل ذالك العمل خاص لوجهه الكريم وان يجزيكم عليه خير الثواب وان يغنيكم من فضله في هذه الدنيا ويوم يقوم الاشهاد
والسلام

المسلم
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 7
اشترك في: الاثنين أكتوبر 11, 2010 6:50 pm

Re: تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّق

مشاركة بواسطة المسلم »

بسم الله الرحمن الرحيم


لقد أبدعت وأتبعت منهج العترة الطاهرة وأسمهت في توصيل المنهج القويم الى القارىء الحر العارف بمنهج أهل البيت الثقل الثاني الذي يعبر من مسلك رسول الله (ص) الثابت بالدليل القطعي الثابت الذي لا يحتمل أي مناقشة في أسانيده ومتونه فبارك الله فيك وتقبل منك هذا العمل الفاضل الي يمثل المنهجية الصحيحة في توصيف مسلك ومنهج ومسلك أهل البيت. زآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.


أخوكم في الله المسلم

مسلم الإسلام
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 49
اشترك في: الأربعاء ديسمبر 01, 2010 7:40 pm

Re: تَنويرُ الثَّقلَين بِقَطعيّة ثبوت ودَلالَة حَديثِ الثَّق

مشاركة بواسطة مسلم الإسلام »

بسم الله الرحمن الرحيم

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تحية طيبة محفوفة بالمحبة والتقدير................................... أما بعد


يا سيدي الفاضل أتبعت الفكرة ، وأحسن العبّرة ، وأفهمت الدلالة ، وأكثّرت العبرةى، وكونت الحجية، قبارك الله فيك وأثابك على سردك هذا البحث المباركة الذي يعبّر عن وجهة واضحةُ يتقيم بها الراشد ويتعّلم منها الناشىء المنفتحة على الناشىء والصاعد ، لتّكون له خلفية واضحةُ كالشمس في كبد السماء ، فكم تحتاج الى أمثالكم وأعرافكم لتوصيل المنهجية النبوية الصحيحة.


ومن إجمام أهل بين النبوة عدم المسح على الخفية هذا إجماعُ واضحةُ يمكن الشاهد على صحة الإجماع أما في الفروع ربما يوجد إختلاف فقهي لا يدو وجهان من خلال الادلة الموجودة عندهم.

ومن خلال قرآت بحث المباركة فقد تناتبني شعور بصدقية أن العترة الطاهرة موجودة في كل عصر وأن قلوا فهم من القلة القليلة الذي يجهلها من يحهلكم من يجهلهم، وهذا غيرعذر على من لا يبحث عن الحقيقة الواضحة والجلية.


يحضرني بعض الاحاديث عن طريق المدرسة الجعفرية التي تؤيد طرحك المباركة وهي كالتالي:

في الكافي بإسناده الصحيح عن المجلسي عن أبي البختري عن أبي عبد الله قال: إن العلماء ورثة الانبياء، وذاك أنَّ الأنبياء بدلم يورثوا درهما ولا ديناراً، وأنما أورثوا أحاديث من أحاديث، منها فقد أخذ ومنها فقد أخذ حظاً وافراً ، فنظروا علمكم عذا عمَن تأخذونه؟ فإن فينا أهل البيت في كل خلف عدولاً ينفون عنه تحريف الغالين ، وانتحال المبطلين ، وتأويل الجاهلين. أنتهى

وهذا الحديث صحيح عن العلامة المجلسي.


في الكافي بإسناده الصحيح عن معوية قال سمعت أبا عبدالله (ع) يقول : قال إنَّ عند كل بدعة تكون بدي يكادبها الإيمام ، ولياً من أهل بيتي ، موكّلاًّ به , يذب عنه وينطق بإلهام نت الله ةيعلن الخق ونوره وير كيج الكائدين ، يعبّر عن الصعفاء فاعتبروا يا أولي الأبصار وتةكلوا على الله. انتهى


الكافي بإسناده القوي عن جابر قال سمعت أبا جعفر(ع) يقول: إنا يعرق الله غزّ وجلّ ويعبده من عرف الله وعرف إمامه منا أهل البيت، ومن لا يعرف الله عز وجل و(لا) يعرف الإمام منا أهل البيت فأبما يعرق ويعبد غير الله ، وهكذا والله الضلال. أنتهى


في الكافي بإسناد صحيح عن أبي بصير عن أبا عبد الله0‘9 قال : نحن الراسخزن في الله ونحن نعلم تأويله. أنتهى


الكافي بإسناده الصحيح عن أبي بصير قال سألت أبا عبد الله (ع) عن قةل الله (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وألي الأمر منكم) فقال : نزلت في علي بن ابي طالب والحسن والحسين (ع): فقلت له إن الناس يقولون : فما له لم يذكر بأسم علياّ وأهل بيته(ع) في كتاب الله عزّ وجل ؟ قال : فقال قولوا لهم: إنَّ رسول الله (ص) نزلت عليه الصلاة ولم يسمّ الله ثلاثا ولا أربعا حتى كان الرسول (ص) هو الذي فسّر ذلك لهم ، ونزلت عليه الزكاة ولم يسّم لهم من كل لأربعسن درهماً درهم ، حتى كان رسول الله (ص) هو الذي فسر ذلك لهم، ونزل الحج فلم يقل لهم : طوفوا أسبوعاّ حتى كان رسول الله (ص)هو الي فسر ذلك لهم ونزلت (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) ونزلت في علي والحسن والحسين- فقال رسول الله في علي : منتكتن مولاه فعلي مولاه وقال(ص) أوصيكم بكتاب الله وأهل البيت ، فأني سألت الله عز وجل أن لايفرق بينهما حتى يوردوهما عليّ الحوض ، فاعطاني ذلك , وقال لا تعلموهم فهم أعلم منكم وقال إنهم لن يخرجوكم من باب هدى ولد يدخلوهم في باب ضلالة ،ه فلو سكت رسول الله (ص) فلم يبين من أهل بيته لادَّعاها آل فلان ة آل فلان ولكن الله عز وجل أنزله في كتابه تصديقاً لنبيه (ص) ( إنّما يريد الله لذهب عنكم الرّجس أهل البيت) سورة الأحزاب /33 مكان علي والحسن والحسين وفاطمة (ع) فأدخلهم رسول الله عز وجل نحت الكساء في بين أمّ سلمة ثم قال اللهم إن لكل نبي أهلاً وثقلاً و هؤلاء أهلي وثقلي فلما قبض رسوالله(ص) كان علي أولى من الناس لكثرة ما باّغ فيه لكثرة ما بلّع في رسول (ص) وإقامنه للناس وأخذ بيده فلما مضي علي لم يكم يستطيع علي ولم يفعل يكن يدخادل محمد بنعلي ولا العباس ولا واحداً ولده إذاً لقال الحسم والحسين : إن الله عز وجل تبارك الله أنزل فينا كما أنزل فيك فأمر بطاعتنا كما أمر بطاعتك وبلّع فينا رسول الله (ص) كما بلّعدغ فيك واذهب عنا الرجس كما أذهبه عنك فلما مضى علي(ع) كن الحسن (ع) أولى بها من كبره فلما توفى لم يستطيع أن يدخل ولده ملم يكن ليفقل ذلك والله عز وجل يقوا (وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتناب الله) فيجعلها الى الحسين (ع) لم يسكن أحد من أهل بيته يستطيع أن يدعي عليه كما كان هو يدعي على أخيه وعلى أبيه لوأراد أن يصرفا الأمر عنه ولم يكونا ليفعلا ثم صارت حين أفضت الى الحسين فجرى تأويل هذه الاية ( وأولوا الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله ) ثم صارت من بعد الحسين لعلي بن الحسين ثم صارتمن بعد علي بن الحسين الى محمد بن علي وقال: الرجس عنده الشك والله لا نشك في ربنا أبدا. أنتهى


هذه الروايات تُعتّبر عجالة سرعية لا تؤيد طرحك الراقي فهذه الروايات تأّكد على إنسجام طرحم من فصلاً من أحاديث أهل البيت عن طريق الجعفرية , فانا تعلم علم اليقسم أن المدرسة تعتمد على بعض أهل البيت وكذا المدرسة الجعفرية من نالحية أمانة النقل من قبل الروايات لا نسطيع إنكار رواة المدرستين والكل مجتهد ويعتمد على روايته الموثوقة. فتأمل

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس الدراسات والأبحاث“