شاعر أهل البيت ... علي بن محمد الحمّاني

أضف رد جديد
الكاظم
مشرف مجلس الدراسات والأبحاث
مشاركات: 565
اشترك في: الأربعاء مارس 24, 2004 5:48 pm

شاعر أهل البيت ... علي بن محمد الحمّاني

مشاركة بواسطة الكاظم »

بسم الله الرحمن الرحيم

لآل البيت (ع) أعلامٌ شاءت المقادير الحياتيّة ( وإن شئتَ قُل شاءت السّياسَات المَذهبيّة ) أن لا نَعلَم عنهُم شيئاً ، فكَم من عالمٍ منهم لا ندري عَن مَبلغِ علمِه شيئاً ، وكَم مِن مؤلّفٍ لهُم لا ندَري عنهُ شيئاً ، والحقّ يُقال أتفاجأ بأبناء العترة الرضيّة المرضيّة لا يَعلمونَ عن تاريخِ آباءهِم ، عن تيّاراتهم عَن مذاهبهِم ، عن تراثهم الفكري ( إن كانَ لهُم تراثٌ كتابيٌ خالد ) ، لا يعلمونَ عَن ذها كلّه شيئاً ( والعُذر يَعذُرُ مَن كانَ يَجهلُهَا ، ولكن لا يَعذُر مَن علِمَها وأيقَنَها ، ثمَّ تجاهلَها ، بل إنّه سيحتقرُهُ بطرقه الخاصّة ) ، نعم ! لا يهّمني هُنا الإطالَة حول هذا الموضوع المؤلم نِقاشُه ، ولكن يهمّني أن أُبرِزَ شخصيّة من أعظَم شخصيات أبناء الحسين (ع) في زمانه :

نَسبهُ الشريف :

هُوَ زاهدُ الآل وعَلَمُهُم : علي بن محمد بن جعفر بن محمد بن زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (ع) .

لقبه :

كان (ع) يُلقّب الأفوه ، و الكوفي، والحمّاني ، وبالأخير اشتُهِر .

مكانتهُ الاجتماعيّة في ذلك الزّمان :

* قال عنه المسعودي ، والضميرُ يعود على علويي الكوفة : (( نقيبهُم .. وشاعرُهُم ، ومدرسّهم ، ولِسانُهُم ، ولَم يَكُن أحدٌِ بالكوفَة من آل علي بن أبي طالب يتقدَّمهُ في ذلك الوقت )) .

موهبة الحمّاني الشعرية ، وذِكرُ ديوانه :

* قال علي بن محمد الحمّاني (ع) مُتحدّثاً عن نفسِه : (( أنا شاعرٌ ، وأبي شاعرٌ ، وجدي شاعرٌ ، وأبو جدّي شاعر ، إلى أبي طالب )) ، والحقّ أن ليسَ في قولهِ مُبالَغة أو ادّعاء فلآبائه أشعارٌ مأثورَة معروفة عند أهل الشأن .

* قال عنهُ الإمام علي الهادي بن محمد الجواد (ع) : (( إنّهُ أشعرُ العرب )) .

* قال ابن عنّبة في عمدة الطالب : (( لهُ ديوانٌ مَشهور ، وشِعرٌ مذكور )) .

- قُلتُ : وديوانهُ اليومَ مَطبوعٌ اجتهدَ في إخراجه محقّقه ( الدّكتور محمّد حسين الأعرجي ) اجتهاداً ملحوظاً ، فله منّا الدّعاء بوافر البركات في الدّنيا والآخرَة ، وأصدرتهُ ( دار صادر للطباعة والنشر ، ببيروت ) .

علي بن محمدّ الحمّاني (ع) زيديّ المَذهَب
:

قال الدكتور محمد حسين الأعرجي " محقّق الدّيوان " : (( وشِعرُ الحمّاني الذي وَصلَ إلينَا مُوزّعٌ على أغراضٍ عديدةٍ منها : الشكوى ، والفَخر ، ... ، والسياسَة ، والعقيدَة ، ولكن الاتجاهين الأخيرين أغلبُ على شِعرِه ، حتّى إنّكَ لَتَجِدُ العقيدة الشيعيّة الزيدية غالبةٌ حتى على بعض إخوانيّاته )) اهـ .

قُلتُ : ولَقَد تتّبعُت تاريخَ الحمّاني (ع) ومواقفَه ، فمَا وَجدتُهُ إلاّ ذا عَقيدَةٍ زيديّة ، قوّاها عندي أمور ، منها:

الأمر الأوّل :

قُربهُ الميداني والرّوحِي بثورَة إمام الزيدية يحيى بن عمر بن الحسين بن زيد بن علي بن الحسين السبط (ع) في الكوفَة ، والتي نجَا منها مُثبّت دعائم الزيدية في بلاد طبرستان الدّاعي الحسن بن زيد بن محمد بن إسماعيل بن الحسن بن زيد بن الحسن السبط (ع) ، ( لمزيد اطلاع موثّق بالمصادر ) نعم ! ويدلّ على علاقته المعاصرِة لآلام أهل البيت (ع) بالكوفة وثورة يحيى بن عمر (ع) ، مراثي الحمّاني الحاكيَة عَن أليمِ المرارة التذي تذوّقها صاحبها ( وسنقفُ على بعضٍ منها قريباً ) .

الأمرُ الثّاني :

أشعارهُ المتضمنُ عليها ديوانه ، فهُوَ شيعيٌّ زيديٌّ بشهادَة مُحققه الدكتور الأعرجي ، شيعيٌّ زيديٌ بشهادةِ أقوالهِ التي تُظهرُ تقديمهُ وتفضيلَه لأمير المؤمنين ( علي بن أبي طالب (ع) ) على أبي بكر وعُمر وعثمان غفر الله لهم أجمعين .

تفضيل الحمّاني (ع) لعلي بن أبي طالب (ع) على المشائخ :

1- قال (ع) ، وكأنّهُ يتحدّث عن نفسهِ ويفاخر ، أنّه ابنُ مَن ردّ الله لهُ الشّمس حينَ المغيب ( وهذا ثابتٌ عند الزيدية ) ، وأنّهُ ابنُ من لهُ شأنٌ عظيم يوم القيامَة ( وهُو ثابتٌ عند الزيدية ) ، ثمّ يُبيّن أن الإمام علي (ع) هُو مولى المؤمنين وأحقّهم بمقام رسول الله (ص) بنصّ خبر الغدير : (( مَن كُنتُ مولاه فعليٌّ مولاه )) ، ( وهذا أيضاً ثابتٌ عند الزيدية ) ، وإنشاءهُ (ع) :

ابنُ الذي رُدّت عَليـ = ـهِ الشّمسُ في يومِ الحجَاب
وابنُ القَسيم النّار في = يومِ المواقفِ والحِساب
مولاهُم يومَ الغَديـ = ـر ، بُرُغمِ مُرتابٍ وآبي


2- وهُنا يُثبت الوصايَة ، وعدد من الخصائص التي تؤمنُ بها الزيدية في علي (ع) ، فقال (ع) :

بينَ الوصيِّ وبينَ المُصطفَى نَسبٌ = تَختالُ فيه المَعالي والمَحاميدُ
كانَا كَشمسِ نَهارٍ في البروج كَمَا = أدارَها ثَمَّ إحكامٌ وتجويدُ
كسيرِها انتَقلا من طاهرٍ عَلمٍ = إلى مُطهّرَةٍ آباؤهَا صيدُ
تفرَّقا عندَ عبدالله ، واقترنَا = بعدَ النبوَّة ن توفيقٌ وتسديدُ
وذَرَّ ذو العرش ذرَّا طابَ بينَهُما = فانبثَّ نورٌ له في الأرض تخليد
نورٌ تفرّق عند ذي البَعث ، وانشَعَبَت = منهُ شعوبٌ لهَا في الدّين تمهيدُ
هُم فِتيَةٌ كسيوف الهند طالَ بهِم = عَلى المُطاوِلِ آباءٌ مناجيدُ

إلى آخر شعره (ع) .

3- وهُنا ، يُثبت الحمّاني مُؤاخاة الرّسول لعلي بن أبي طالب ، وإمامته بخبر المنزلة : (( علي منّي بمنزلة هارون من موسى ، إلاّ أنه لا نبيّ بعدي )) ، فانشأ (ع) قائلاً :

فآخَى عليّاً دونَكُم ، وأصارَهُ = لكُم عَلماً بينَ الهِدايَة والكُفر
وأنزلَهُ منهُ على رغمَة العِدى = كَهارونَ من موسى على قِدَم الدّهر
فَمن كانَ في أصحاب موسَى وقومِه = كهارون ؟ لا زِلتُم على زلل الكُفر
وأنزلَهُ منهُ النّبي كَنفسِه = روايةُ أبرارٍ تأدّت إلى البِرّ
فَمَن نفسُهُ منكُم كنفسِ مُحمّدٍ = ألا بأبي نفسُ المُطهَّرِ والطُّهرِ



الأمرُ الثالث :

اعتقادُ أنّ الخِلافَة ( الإمامَة ) ، لا تَصلُح إلاّ في بني فاطمة (ع) ، وهُوَ قول الزيدية ، فقال (ع) منشئاً :

يا آلَ أحمدَ أنتم خيرُ مشتَملٍ = بالمَكرُماتِ ، وأنتم خيرُ مُعترَفِ
خِلافَةُ الله فيكم غيرُ خافيَةٍ = يُفضي بِها سَلَفٌ منكُم إلى خَلَفِ
طِبتُم ، فطابَ مواليكُم لطيبتِكُم = وباءَ أعداؤكُم بالخُبثِ في النُّطَف
... إلخ


من روائع شِعر الحمّاني (ع) :

* قال يرثي الإمام يحيى بن عمر الزيدي (ع) :

لَعمري لئن سُرَّت قريشٌ بهُلكِه = لَما كانَ وقافاً غداة التوقّفِ
فإنْ ماتَ تلقاءَ الرِّماحِ ، فإنّهُ = لَمِن مَعشَرٍ يشنونَ موتَ التَّتَرُّفِ
فلا تَشمَتوا فالقومُ مَن يَبقَ منهُمُ = على سَنَنٍ منهُم مقامَ المُخلِّفِ
لهُم مَعَكُم إما جدعتُم أنوفَكم = مقاماتُ ما بينَ الصَّفَا والمُعرَّفِ
تُراثٌ لهُم مِن آدمٍ ومحمّدٍ = إلى الثقلين من وصايا ومُصحف
فَجَازُوا أباهُم عنهُم كيفَ شئتمُ = تُلاقوا لديهِ النَّصفَ من خيرِ مُنصفِ


* وقال (ع) في قصيدة عظيمة :

عَصيتُ الهَوى وهَجرتُ النساء = وكنتُ دواءً فأصبحتُ داءً
وما أنسَ لا أنسَ حتى الممات = نَزيبَ الظِّباء تُجيبُ الظّباءَ
دَعيني وصَبري على النّائبات = فبالصّبرِ نِلتُ الثّرا والثّواءَ
وإن يَكُ دَهري لَوَى رأسَهُ = فقَد لقيَ الدّهرُ منّي التواء
ليالِي ألروّي صُدورَ القنا = وأروي بهنَّ الصّدور الظّماء
ونحنُ إذا كان شُربُ المُدام = شَرِبنا على الصّافنات الدّماء
بَلَغنا السّماء بأحسابنا = ولولا السّماءُ لَجُزنا السّماء
فَحسبُكَ مِن سؤدَدٍ أنَّنا = بُحسنِ البلاء كَشَفنا البلاء
إلى أن قال
هَجاني أناسٌ ولَم أهجُهُم = أبى الله لي أن أقولَ الهجاء


* وقال (ع) يصفُ القَمَر ، وقَد طَرحَ جِرمَه على نهر دجلة :

لَم أنسَ دِجلَة والدّجى مُتصرّمٌ = والبدرُ في اُفُقِ السّماءِ مُغرّبُ
فكأنّها فيه رداءٌ أزرقُ = وكأنّه فيها طرازٌ مُذهَبُ

* وقال (ع) يرثي الإمام يحيى بن عمر الزيدي (ع) :

يا بَقايا السّلف الصّا = لح ، والتَّجرِ الرَّبيحِ
نحنُ للأيامِ مـا بيــ = ــنَ قتيلٍ وذبيحِ
خابَ وَجهُ الأرضِ كَم غيَّـ = ــبَ من وجهٍ صَبيح
آخِ مِن يَومِكَ مـا أوْ = داهُ للقلبِ القريحِ

بهذه الإشارَة العابرَة عن هذه الشخصيّة البارزة ( والتي لَم نوفهَا حقّا من الترجمة ) ، أتوقّف على أمل أن نُعيدَ صياغتها ببعض ما يليقُ بصاحبها ، مُصطحبينَ مَعنا الإنصاف حال الكِتابَة قدرَ المُستطاع ، فما تحلّى قومٌ بالإنصاف إلاّ رجَحت كفّتُهم ، وكبّلوا أقلام مُنتقديهِم ، راجياً منَ الله أن تكون هذه الترجمَة مع سابقاتها من التراجم لأعلام أهل البيت (ع) ، بداية رحلةٍ ورحلات! بحثية عن مَذاهب الآباء والأجداد ( أنا لا أقولُ قلّدوا آباءَ ومشائخ ، ولكن أقولُ قلّدوا ثقلَ الله الأصغر على الأرض ، أهل البيت (ع) ) ، هذا وصلى الله وسلّم على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين ، ورضوانه على الصّحابة الراشدين والتّابعينَ لهم بخير وإحسان إلى يوم الدّين .
آخر تعديل بواسطة الكاظم في الأحد أغسطس 21, 2005 5:54 pm، تم التعديل مرة واحدة.
صورة
الوالد العلامة الحجّة عبدالرحمن بن حسين شايم المؤيدي
صورة

صقر قريش
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 58
اشترك في: الثلاثاء ديسمبر 21, 2004 11:17 am
اتصال:

مشاركة بواسطة صقر قريش »

سلمت يمينك ولكم أتحفتنا وأتحفت أعضاء المجلس بأبحاثك ودراساتك وردودك الرائعة .
سلام عليك وزادك الله أيها الكاظم بسطة في العلم ، ولك الأجر من الله الكريم .
لعمرك ما الإنسان إلا بدينه *** فلا تترك التقوى إتكالاً على النسب

أضف رد جديد

العودة إلى ”مجلس تراجم أعلام الزيدية“