شبهات تلفزيونية من إيران

هذا المجلس للحوار حول القضايا العامة والتي لا تندرج تحت التقسيمات الأخرى.
أضف رد جديد
عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

شبهات تلفزيونية من إيران

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

بسم الله الرحمن الرحيم

ربنا افتح بيننا وبين قومنا بالحق وأنت خير الفاتحين، توكلت على الله رب العالمين:

شبهات تلفزيونية من إيران

في الجزء الأول من هذا الموضوع الذي نشرته بتاريخ 29 ابريل 2006 بعنوان "أوبة مستبصر نحو الرشاد"
وعدت بمناقشة الأفكار التي طرحها أحد المستبصرين في تسجيل متلفز من إيران يسرد فيه نصوصا من كتب الزيدية تدلل - كما يظن- على عقائد الاثني عشرية! حيث كانت مواضيعي التي تناقشه جاهزة للنشر منذ مايو 2006، إلا أني امتنعت عن نشرها في حينه لأسباب كثيرة، ولا أجد الآن مانعا من نشرها في المجالس من باب الدفاع ووضع النقاط على الحروف ورفع اللبس وهي في ثلاثة عناوين:

العنوان الأول : الغيبة في أحد كتب الزيدية
العنوان الثاني : النص على الأئمة الاثني عشر في أحد كتب الزيدية
العنوان الثالث : هل وقع تحريف في كلام الإمام الهادي إلى الحق عند طباعة المجموعة الفاخرة؟

وسأنشر هذه العناوين الثلاثة في ثلاث مشاركات متتالية ضمن هذا الموضوع

عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

Re: شبهات تلفزيونية من إيران

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

العنوان الأول: الغيبة في أحد كتب الزيدية

تحدث المستبصر عن رواية في أحد كتب الزيدية جعلته يعتقد بغيبة المهدي الغائب، وقد قسمت هذا البحث إلى عدة عناوين جانبية حتى يتبين للقارئ الكريم معطيات الموضوع ابتداء بعقيدة الاثني عشرية الخاصة بالغيبة وما هو موقف الزيدية منها ثم تطرقت إلى الرواية التي ذكرها المستبصر وعرضت معناها العام وناقشت من خلال ذلك كيف أن تلك الرواية لا يصح أن تكون مبررا لتحول أي زيدي إلى الاثني عشرية ثم ناقشت كيف أن تلك الرواية لا تصح أن تكون دليلا يستظهر به الاثنا عشريون على الزيدية ، وفقنا الله لما يحبه ويرضاه وجعل قلوبنا وافئدتنا طيعة للحق قانعة به إنه على ما يشاء قدير.

*أولا : فكرة الغيبة عند الاثني عشرية :

الغيبة هي مصطلح أصولي وضعه المذهب الاثني عشري لوصف عدم ظهور ولد للامام الحادي عشر عندهم (وهو الحسن العسكري عليه السلام) ، فقالوا بغيبته عن مسرح الحياة - بل وحرمة مجرد السؤال عن اسمه - وبسطوا لتبرير ذلك الزعم الغريب آراءهم لكي لا يسقط مذهبهم بتبين عدم تحديد إمام بما ينسجم مع نظرية اللطف الالهي التي يستندون عليها في بناء مذهبهم.

*ثانيا : هل تنسجم غيبة المهدي الغائب مع قاعدة اللطف الالهي في نظرية الامامة عند الاثني عشرية؟

يبني الاثنا عشرية عقيدتهم في الامامة على أساس قاعدة اللطف الالهي التي تقضي بأن الله تعالى عزوجل لا يمكن أن يترك الامة هملا بدون أن ينص على إمام معصوم ذي معاجز وخوارق يتولى شؤونها وإدراتها ويقودها إلى سدة الانتصارات ويحقق فيها العدالة المنشودة ، ولذلك ومنذ غيبة مهديهم الغائب التي دامت حتى الان لاكثر من ألف ومئة سنة فقد أدانوا كل محاولة للثورة على الظلم وإقامة حكومة إسلامية ودعوا أتباعهم المخلصين إلى اللجوء للانتظار السلبي حتى يخرج المهدي من غيبته الطويلة الطويلة والتي ماتت عليها أجيال كثيرة وهي منتظرة ذلك الانتظار حيث لا جهاد مفروض عليها ولا حدود تقام فيها ، وعطلت ذروة سنام الدين بكل راحة ضمير وهي معتقدة أنها تفعل أعظم قربان لله وللرسول وللحق والعدل والخير.
فهل تنسجم هذه الغيبة مع مدتها الطويلة الطويلة وآثارها الوخيمة الوخيمة مع قاعدة اللطف الالهي التي بنى الاثنا عشرية نظريتهم في الامامة عليها ؟

أي لطف إلهي في أن يترك الامة هملا بدون إمام لمدة تزيد على ألف ومئة سنة ( بما يعادل أكثر من 80% من التاريخ الاسلامي )
والمشكلة لم تقف عند هذا الحد بل تعدته في أن ثبوت ولادة الامام الحجة المهدي الغائب ظلت محل شك وتشكيك وحيرة كبيرة ولم يزعمها سوى بعض من يسمون بالخاصة حتى أنهم كانوا يحرمون مجرد السؤال عن اسمه !!
فأي لطف إلهي في تعيين إمام تكون ولادته ونسبته الشرعية لابيه محل شك وحيرة وانقسامات وصلت إلى أربعة عشرة فرقة في صفوف الامامية (وهو اسم الاثني عشرية قبل الغيبة)أصحاب الحسن العسكري أنفسهم ؟
وهل انقسم أحد من المسلمين حول ولادة جعفر الصادق عليه السلام لابيه محمد الباقر عليه السلام ؟ بالطبع لا
فلماذا انقسم الاثنا عشريون في ولادة المهدي ونسبته للحسن العسكري عليه السلام؟
أليس هذا دليلا على أن مسألة ولادته لم تكن محسومة بالنسبة لاتباع المذهب الامامي (وهو اسم الاثني عشرية قبل الغيبة) وأصحاب الحسن العسكري أنفسهم ؟

*ثالثا : مشكلة الشك في ثبوت ولادة المهدي وكون المسألة من مسائل الاصول ؟

وتثير مشكلة الشك في ثبوت ولادة المهدي الغائب إشكالية أخرى تتمثل في أن ذلك الشك يجعل وجود المهدي الغائب وجودا ظنيا - فضلا عن ثبوت إمامته - فإنك إن شككت في إمامة الحسن العسكري عليه السلام فإنك لا يمكن أن تشكك في ولادته ووجوده الفعلي على مسرح الحياة أو نسبته لابيه ، أما شخصية المهدي الغائب عند الاثني عشرية فهي ظنية الوجود والولادة وشديدة الغموض ، وبالتالي فلا يصح أن يبني عليها العقلاء أصلا من أصول الدين لان الظن لا يغني من الحق شيئا ، خصوصا وأن الايمان به وبإمامته المديدة يقتضي إدانة جميع أئمة الحق من الزيدية الذين قاموا للامامة خلال ألف ومئتي عام وخذلانهم والطعن فيهم !

*رابعا : مشكلة عدم تحديد شخص الامام الثاني عشر تحديدا نافيا للجهالة ومزيلا للريبة:

وهذه مشكلة أخرى أدت إلى تناقض النظرية الاثني عشرية في الامامة مع قاعدتها في اللطف الالهي ، ذلك أن المفترض تحديد الامام المفترضة طاعته وإقامة الحجة على الناس بثبوته بشكل لا يقبل الجدل أو الشك أو التشكيك ، (وأنا اتحدث هنا عن التحديد الذي يوجب النظر في الدليل ) ، فهذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قد ادعى النبوة وعرف بدعواه المسلمون والمشركون والعرب والعجم والاقارب والاباعد ولم يحتج أن يغيب عن الامة مدة تزيد على ألف ومئة سنة ، وهكذا فقط ألزم الناس الحجة وبهذا أقامها وإلا فلا معنى لتكليفهم بالنظر فيها إذا لم يستطيعوا أن يتأكدوا من صدقها أو عدمها بأنفسهم ، بخلاف المهدي الغائب فهو إمام للامة منذ أكثر من ألف ومئة سنة وقد نما خلال هذه المدة الطويلة قرون مديدة عديدة ونحن بالطبع أحد تلك القرون المخاطبة به والمطالبة بإجابة دعوته ، ونحن لا نستطيع تحديده مع أننا قد ندخل النار لعدم اعتناق مذهبه فكيف ينسجم ذلك مع اللطف الالهي؟

*خامسا : موقف الزيدية من عقيدة الغيبة ؟

الزيدية ترفض هذه العقيدة من أساسها وتعتقد أن الايمان بها يوصل إلى دخول الامة في سبات عميق قد يستمر لمئات السنين لاسيما دون أن يكون هذا الانتظار مبنيا على معطيات واضحة أو أدلة شرعية تتناسب وأهمية الموضوع لان الله لا يقيم حجته على الناس بلا يقين ولا يأمرهم بالبقاء مكتوفي اليد في مواجهة الظلم لعشرات القرون لانتظار شخصية كانت ولادتها ظنية وكانت نسبتها إلى أبيها ظنية بل وما زال استمرارها في الحياة بعد عشرات القرون ظنية ولم يتوضح للناس بجلاء سبب تركها الحبل على الغارب وأو علة عدم قيامها بواجباتها الشرعية طوال هذه المدة فكيف يقال للناس : إذا لم تدينوا بالولاء لها ستكونون من الهالكين.

*سادسا : إحدى الروايات من كتب الزيدية !

وقد ذكر الاخ "المستبصر" رواية في أحد كتب الزيدية يستدل بها على اثبات غيبة المهدي الغائب عند الاثني عشرية منذ أكثر من ألف ومئة سنة ، وكانت تلك أحد الروايات في آخر كتاب شرح الاساس للشرفي عن الامام الحسين بن القاسم العياني عن رسول الله أنه قال :" ستأتي من بعدي فتن متشابهة كقطع الليل المظلم فيظن المؤمنون أنهم هالكون فيها ، ثم يكشفها الله عنهم بنا أهل البيت برجل من ولدي خامل الذكر لا اقول خاملا في حسبه ودينه وحلمه ولكن لصغر سنه وغيبته عن أهله واكتتامه في عصره على منهاجي ومنهاج المسيح في السياحة والدعوة والعبادة يؤيم عرسه ويخلص نفسه ويكن بدء ناصريه من أهل اليمن "

فهل في هذه الرواية ما يدلل على إثبات غيبة المهدي الغائب حسب النظرية الاثني عشرية منذ أكثر من ألف ومئة سنة ؟
للاجابة عن هذا السؤال ينبغي علينا تبين المعنى العام للرواية

*سابعا :المعنى العام للرواية :

المعنى العام للرواية يوضح أن لا وجه للاستدلال بها على أي من عقائد الاثني عشرية لا سيما الخارقة للعادة منها فمعناها لا يتعارض مع أي من الاصول الزيدية المقررة ولذلك فقد عرضت في كتاب الاساس بدون أن تلفت نظر الكاتب بأي صورة من الصور لاحدى الاعتقادات الخاصة بالاثني عشرية في موضوع المهدي وخصوصا ما ينسبونه إليه من المعاجز والخوارق ، بل إن الدلالة العامة للرواية لا تفترض إلا حالة بشرية طبيعية كان مولدها طبيعيا وعمرها الافتراضي طبيعي وأسلوب نضالها طبيعي أيضا له شواهد تاريخية كثيرة ويمكن أن يحدث في أي زمان ومكان ولبيان ذلك يمكننا تطبيق هذه الرواية على أحدى الشخصيات الحقيقية دون أن نفترض في تلك الشخصية أي معجزة من المعاجز أو خارقة من الخوارق كما في المهدي الغائب:

- لدينا في اليمن شخصية عظيمة يمكن أن تنطبق عليها هذه الرواية في أهم فصولها ( وهي شخصية حقيقية وتعيش حياة طبيعية ومقطوع بوجودها ويمكن التأكد من ذلك لاي شخص ) وهي شخصية العلامة المجاهد السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ونصره المرابط هذه الايام في أحد عزل محافظة صعدة خوفا على نفسه وإخوانه وبعيدا عن الاضواء تماما ، فالسيد عبدالملك حفظه الله رجل هاشمي النسب ينتمي للاسرة الهاشمية المعروفة في اليمن وينتهي نسبه إلى فاطمة الزهراء بنت نبينا وحبيبنا وقائدنا وشفيعنا أبي القاسم محمد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، فعروق السيد عبدالملك حفظه الله منصهرة بدماء النبي صلى الله عليه وآله وسلم ، وهو خامل الذكر بين اليمنيين حتى لا يكاد يعرفه بين عامتهم إلا القليل ولكنه ليس خاملا في حسبه أو في دينه أو في حلمه ولكن خمول ذكره بسبب صغر سنه (فهو في منتصف العشرينيات) وغيبته عن أهله فهو بعيد عن أهله وعائلته ومسقط رأسه مشرد عنهم لان وطنه في الاساس هو إلى منطقة (جمعة بني فاضل) من بلاد خولان ابن عامر وهي منطقة تبعد بضع ساعات من المنطقة التي يتحامى فيها القتل ، وكذلك فإن اكتتامه في عصره واضح وضوح النهار فهو ليس مشهورا في هذا العصر (على الاقل بالمقارنة مع أخيه السيد الشهيد حسين بن بدر الدين وأبيه الحجة علم الهدى ونبراس التقى بدر الدين بن أمير الدين الحوثي) وهو أيضا معروف بالعبادة والدعوة والسياحة هو وجميع إخوانه فهم كثيرا ما يسافرون بين القرى يدعون إلى عبادة ربهم ويحثون على طلب العلم والبصيرة حتى أنهم من النادر أن يجتمعوا في مكان واحد ، وليس من المستبعد أنه يؤيم عرسه ويخلص نفسه لان ذلك ممكن في حق اي شخص خرج للجهاد وعاش مرتحلا بين شعب الجبال غائبا بعيدا مغمورا مقهورا وهو أيضا - كتطبيق لخاتمة الرواية - بين أهل اليمن بحماية قبائل همدان ينصرونه ويؤازرونه ويمنعون القتل عنه بأموالهم وأولادهم وأنفسهم حبا فيه وفي جده رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، وقد نصروا أخاه الشهيد قبله أجل النصرة وجده الامام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين سلام الله عليه وجده أمير المؤمنين وسيد الوصيين وإمام المتقين علي بن ابي طالب بداية الاسلام حتى قال فيهم واختصهم دون سواهم : (ولو كنت بوابا على باب جنة *** لقلت لهمدان ادخلوا بسلام).
وهذا ما شهدناه من الشخص العظيم للسيد العلامة عبدالملك بدر الدين الحوثي خلال حقبة بسيطة من التاريخ عايشناها وخبرناها ، فكم من النماذج التي من الممكن أن توافق الرواية كما وافقها السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ونصره؟!.
وهل اضطررنا مع هذا التطبيق أن ننسب إلى السيد العلامة عبدالملك بدر الدين أية معاجز أو خوارق كتطويل العمر لمدة تزيد على ألف ومئة سنة أو ترك واجب الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر تلك المدة؟ بالطبع لا . فعلى أي أساس فهم المستبصر أنها تفيد دعم المذهب الاثني عشري؟!

ملاحظة هامة جدا : أريد أن انبه القارئ الكريم هنا أني أنفي نفيا قاطعا مانعا جامعا أني أعتقد أو أقول أو أصرح أو أشير إلى أن السيد عبدالملك بدر الدين الحوثي حفظه الله ونصره هو المهدي المنتظر ، لان أي دعوى من هذا القبيل منافية للمذهب الزيدي وأصوله لان ثبوت المهدوية عندنا لا يكون بالبحث عن صفات ظنية تثبت هنا وهناك ، بل الواجب علينا الذي يوجبه علينا إسلامنا ومذهبنا وضمائرنا وعقولنا هو إعانة داعي الحق أينما كان طالما اكتملت فيه صفات الامامة المعتبرة عندنا وليس من الصفات المعتبرة عندنا لاجابة الدعوة والوفاء بالنصرة أن يكون "خامل الذكر لصغر سنه وغيبته عن أهله واكتتامه في عصره" أو غيرها من العلامات التي يتشدق بها غيرنا من متتبعي الاشارات المتباعدة والظنية والضعيفة في سندها وفي متنها وفي دلالتها ، ونحن عندما نقدم على نصر احد دعاة الحق لا نشترط أن يكون مهديا أو منصورا سلفا ، فالنتيجة عندنا لا تؤثر في وجوب السبب فليتأمل القراء هذا للاهمية فلا نحب أن نسمع غدا في نشرات الاخبار المحلية والعالمية وعلى لسان وزراء في الحكومة العتيدة تسلقوا على مطايا الكذب والفرية أن عبدالوكيل التهامي ، الفتى الغر الامامي ، يزعم فيما ذكر ، أن عبدالملك الحوثي هو المهدي المنتظر ، لاني لم أقل ذلك إلا من باب التمثيل ، لبيان أن الرواية لا تدل على معاجز أو خرق للمعتاد ،فبلغوا ذلك عني امير المخبرين ، كتب الله أجركم أجمعين.

ومن هذا البيان المقتضب للمعنى العام للرواية يمكننا بوضوح أن ندرك أن افتراض تدليلها على معاجز وخوارق في شخصية المهدي هو مصادرة من "المستبصر" وزعم بلا دليل وفيه تدليس على المستمعين بأن ما جاء في الرواية من لفظ "غيبة" ذي الدلالة اللغوية يعني بالضرورة مصطلح "غيبة" ذي الدلالة الاصولية الخاصة عن الاثني عشرية ، وهذا من قبيل استدلال أحد اتباع مذهب المعتزلة على شرعية مذهبه المعتزلي الاصولي بالاية الكريمة "وَأَعْتَزِلُكُمْ وَمَا تَدْعُونَ مِن دُونِ اللَّه" فهذا سيكون تدليسا على السامعين لانه استدل بلفظة "الاعتزال" ذات الدلالة اللغوية على مصطلح "الاعتزال" ذي الدلالة الاصولية الخاصة عند أهل الكلام.

*ثامنا : لماذا أحسسنا أن أسلوب طرح الرواية لم يكن أسلوبا علميا بقصد البحث ؟

لان المستبصر عرضها بصورة سريعة ومقتضبة - كما يفعل الممارون - ولم يف المقام حقه ولم يبين وجه الدلالة فيها بل اكتفى بالاشارات السريعة والمبتورة التي تعكس مدى الحيرة التي يعاني منها و التي تبين أنه يستحيي من الاسترسال في عرض ما يستدل عليه ويسميه بعض الجهلة دليلا لانه مما لا يليق بالعلماء عرضه أو الاستدلال به ، فهو يعبر عن حيرته بما ورد في الرواية أكثر من اعتباره تلك الرواية دليلا على صحة الغيبة في كتب الزيدية.

*تاسعا : لماذا لا يصح أن تكون الرواية مبررا لتحول أي زيدي إلى الاثني عشرية ؟

إنما قلت لا يصح أن تكون الرواية مبررا لتحول أي زيدي إلى الاثني عشرية ، لان الزيدي إذا كان زيديا فإن له منهاجا فكريا يلتزم به في التعامل مع قضايا الاصول والقضايا العلمية ، ولا يمكن أن يتخلى عن ذلك المنهج طالما ظل زيديا ، فليس الزيدي من يغير عقيدته في مسألة من مسائل الاصول أو العلم برواية ظنية في ثبوتها أو دلالتها ، ولا يفعل كذلك إلا من انتسب إلى الوهابية لا من ينتسب إلى الزيدية.

ولتوضيح ذلك أكثر فإن الزيدي العالم بزيديته لابد أن يستوعب جملة قضايا قبل الزعم أنه استبدل الزيدية بمذهب آخر منها:

1- طريقة التعامل مع مرويات الزيدية :
يجب التفريق في مرويات الزيدية بين ما رووه بطرقهم واسانيدهم الصحيحة وبين ما رووه من غير طرقهم من باب الاستظهار فالاول أقوى حالاته أن يكون قطعي اللفظ قطعي الدلالة والادون منها أن يكون قطعي اللفظ ظني الدلالة والاضعف الثالث أن يكون ظني اللفظ ظني الدلالة ، هذا ماروي بطرق اهل البيت وأما ما روي بطرق الاخرين فهو ليس بحجة إلا ما وافق الاصول القطعية وحجيته هي من باب الاستظهار والموافقة فقط وليست في ذاته اي ليست من كونه خبرا مجردا بل بالخبرية والموافقة بينما في النوع الاول فالحجية من نفس الخبر وفي الاول تختلف الحجة ومراتبها بحسب القطع ، والذي اتى به الاخ المستبصر إنما هو من النوع الثالث الذي هو مروي من باب الاستظهار ولا يصح فيه عند الزيدية إلا ما وافق أصولهم المقررة.
ومثاله حديث النزول فإنه وإن كان مرويا في كتب الزيدية فلا يمكن أن يحتج به وهابي مجسم على الزيدية في إثبات عقيدة التجسيم لان دلالة اللفظ تبقى ظنية لا سلطان للمجسم أن يفرضها على الزيدي
وكذلك حديث نحن معاشر الانبياء لا نورث فالحديث الذي رواه أبو بكر يرويه الامامية والزيدية ومع ذلك ليس حجة في مواجهة المذهبين في صحة حرمان فاطمة من ميراثها فإن الامامية إن روته - فرضا- بطرق قطعية سيكون قطعي اللفظ لكنه سيبقى ظني الدلالة في حرمان فلذة المصطفى فاطمة الزهراء عليها السلام أو في غيره.
وهذا معلوم لمن يعرف أدنى معرفة عن قواعد الزيدية في قبول الرواية والمفترض أن يعيها الاخ المستبصر طالما ظل مفتخرا بأنه قد درس علوم الزيدية.
و رواية الامام الخميني رحمه الله "إن الله خلق آدم على صورته" اذا كانت عنده قطعية اللفظ فإنه لا يصح أن يقول أحد المجسمة أنها عنده قطعية الدلالة على التشبيه ولا يصح ان يتخذها المخالف حجة على الامام الخميني رحمه الله لاثبات مذهب التجسيم لانها وان صح لفظها لا يصح أن تلزم الخميني بدلالتها ولا يصح اتخاذها حجة على المعنى التجسيمي لان الدلالة التجسيمية فيها دلالة ظنية.

2- في الاصول لا يعتد بالظنيات :
وقد ذكرنا بدليله ذاك ما عهدناه من أسلوب الوهابيين في الاستدلال على عقائدهم الاصولية المعروفة بأحاديث ظنية يبنون عليها أمورا تتعلق بها عقائدهم من قبيل تشبيه الله ورؤيته ونسبة المعاصي إليه ،، فخشينا عند ايراده هذا الدليل وجود مشكلة حقيقية له ولمن يذهبون مذهبه فيما يتعلق بتفسير غيبة المهدي الطويلة الطويلة ، وعدم قدرتهم على ايجاد دليل مقنع لمن يطالبهم به فظلوا عاكفين على جمع قشات هنا وهناك لعلها تسد جزءا من ثغراتهم الفكرية الواسعة .

ومن خلال مطالعتي نص الرواية في شرح الاساس (التي لم أقف على نقدها أو تصنيفها صحة أو حسنا أو ضعفا أو وضعا) ولذلك فقد ارتأيت مسايرة "المستبصر" في أمرها وافترضت - جدلا- أنها صحيحة كما يريد ، ومع ذلك أجد أن الاستدلال بها متعسف وبعيد وأليق بالممارين وأبعد ما يكون للباحث الذي يحرص على الحق والحقيقة لاسيما والقضية المستدل عليها قضية أصولية في منتهى الخطورة يتعلق بها مصير الامة جمعاء في الدنيا والاخرة ،

فهي تتعلق بتبرير غيبة رجل من المفترض أن آمال الاسلام والمسلمين والمستضعفين في الارض معقودة عليه منذ أكثر من ألف ومئة سنة ، وأن الاسلام - حسب وجهة النظر الاثني عشرية - قد عينه بالنص وأحاطه بالمعاجز والخوارق العصمة والعلم اللدني وعلم الغيب التي تؤهله وحده للقيام بدور إخراج الامة من حالة الظلم المستشري منذ قرون إلى حالة من العدالة المتناهية ،

فكيف يقبل الاسلام أن يتأخر ذو نعمة ومعاجز وخوارق كمهدي الاثني عشرية عن أداء هذا الدور الخطير طوال هذه المدة القياسية المحيرة؟
وكيف يقبل إنسان عاقل بتصديق ولادة شخص كان الغموض قد لف ولادته إلى حد مطابق لعدم الوجود ؟
وكيف يقبل إنسان عاقل بتصديق استمرار ذلك الشخص في الحياة بعد اكثر من ألف ومئة سنة من الغياب بدون أن يخطر في ذهنه أنه قد مات (إذا كان قد قطع بولادته) ؟
وكيف يقبل إنسان عاقل يعرف مبادئ الاسلام الداعية للجهاد والتضحية والتجارة مع الله بالنفس والمال والاهل بالائتمام بإمام يترك الحبل على الغارب لاكثر من ألف ومئة سنة على أساس تخمينات - غير متفق عليها بينهم - كالخوف أو الحكمة المستورة أو التأهيل الاستثنائي مع أنه في الاصل يتمتع بمعاجز وخوارق استثنائية جدا؟

وكيف يقبل إنسان عاقل يعرف مبادئ الاسلام القائمة على الفطرة والوضوح وإلزام الحجة الواضحة البينة التي ليلها كنهارها لا يزيغ عنها إلا هالك بهذه الحبكة الغامضة في أصلها والمحيرة في استمرارها والعجيبة في مبرراتها والمناقضة لمبادئ اللطف الالهي التي اعتمدت عليها وهي تعتمد في كل ذلك على الظنيات التي توحي بالتآمر والوضع أكثر مما تنسجم مع الخطوط العامة للاسلام الذي يفتخر به كل مسلم في مواجهة أساطير الاديان الاخرى وخرافاتها؟

3- إن الظن لا يغني من الحق شيئا :
فإن الاعتماد على الظن في التدليل على عقيدة خطيرة "كغيبة المهدي الغائب منذ أكثر من ألف ومئة سنة" تعادل في انحرافها أن يأتي رجل ملحد أو كتابي لنسف تواتر القران الكريم وحجيته والتدليل على ذلك بوجود روايات آحادية - كثيرة - في كتب الاسلام سنة وشيعة تفيد بتحريفه!
فيمكن لادنى مسلم ذي ثقافة وعقل ووعي أن يرد عليه دليله بأنه لا يؤخذ في الاصول بأحاديث آحادية ظنية في ثبوتها أو دلالتها لان الظن لا يغني من الحق شيئا وإنما يستأنس بها في الفروع والعمليات لا في العلميات.
وكذلك تعادل في انحرافها استغلال أحد المجسمة لرواية :"إن الله خلق آدم على صورته" المروية في كتاب "الاربعون حديثا" للامام الخميني رحمه الله للتدليل على صحة عقيدة التجسيم باعتبار أن الرواية قد وردت في أحد كتب الخصوم غير آبه بأن الامام الخميني يتأولها بصورة تبطل معها أن تكون سندا للمجسمة في ما ذهبوا إليه من التجسيم حتى لو رووا ألف رواية تدل عليه في كتبهم ، فما أشبه أسلوب "المستبصر" هنا بأسلوبهم !.

4- دراسة الاحتمالات التي تنتجها هذه الرواية :
كل هذه الملاحظات ستظل حاضرة على احتجاج "المستبصر" في حال سلمنا جدلا بأن الرواية صحيحة ، مع تنبيه القارئ الكريم أنه ومع تسليمنا الجدلي بأن الرواية صحيحة - وهي ليست بالضرورة كذلك - فلا سلطان له للتدليل على ثبوت الغيبة الاثني عشرية فيها لان المعنى العام للرواية لا يقتضي ذلك - كما يظن - ولا يقتضي أيا من المعاجز التي يدعيها الاثنا عشريون في مهديهم ، وقد وضحنا المعنى العام لهذه الرواية بتطبيقها على أحد الاشخاص العاديين الموجودين على الساحة العامة هذه الايام للتدليل على أنها لا تقتضي بذاتها افتراض معاجز خاصة فيه حسب ما يدعي الاثنا عشرية في مهديهم.

ولمزيد من التوضيح في أن ما ظنه "المستبصر" إشارة لغيبة المهدي الغائب ليس صحيحا فإني سأورد من باب التحليل معنيين محتملين قد يردان على مستويات متعددة من المتلقين في هذا المورد على لفظ : "صغر سنه و غيبته عن أهله واكتتامه في عصره" الوارد في الرواية والاحتمالان هما:

المعنى المحتمل الاول : أن المقصود بصغر السن وبالغيبة عن الاهل والاكتتام في العصر (الشي المعتاد المعروف ) الذي عرف عن كثير من أئمة أهل البيت الذين نبغوا صغارا (في الخامسة عشرة ودونها ) واضطروا للهرب مهاجرين وهائمين في البلدان مكتتما أمرهم بسبب الطغيان والقهر.

المعنى المحتمل الثاني : أن المقصود بصغر السن هو بعد الولادة مباشرة ، وبالغيبة الغياب الطويل الطويل المتضمن تطويل العمر لاكثر من ألف ومئة سنة ، وبالاكتتام الخفاء الشديد الشديد المطابق لعدم الوجود.

فأي المعنيين المحتملين أرجح في دلالة نص الرواية ؟؟

- المعنى المحتمل الاول أبسط واقرب للفهم وهو ما يذهب إليه الذهن عند القارئ الذي لا يعلم بالزيدية أو الاثني عشرية مسبقا.
- المعنى المحتمل الثاني بعيد و لا يتبادر إلى الذهن إلا لشخص يريده أن يكون كذلك أو يسوق النص سوقا إليه لان موضوع الغيبة والتدليل عليه يشغل باله ويحتل حيزا كبيرا في تفكيره وهو متعطش لاي لفظة موافقة له في العربية هنا أو هناك لكي يلوي عنقها ويجعلها مطابقة للمعنى الأصولي الخاص الذي ظل محرجا في محاولة التدليل عليه.

وعلى ذلك فالمعنى المحتمل الاول هو المعنى الاصلي أو الارجح والاظهر والاوضح لما فيه من البساطة وعدم التكلف وموافقة للمعتاد من دلالة الخطاب في حين ان المعنى المحتمل الثاني مرجوح لانه لا يحضر تلقائيا ويحتاج إلى دليل صريح - من نفس النص- يصرفه عن دلالته الاعتيادية إلى دلالته الاصولية الخاصة التي يريدها المستبصر ، فما هو الدليل ؟؟

ومن خلال مراجعتنا لكلام "المستبصر" تأكدنا أنه لم يبين أي دليل صريح يستند عليه فيما يريد وإنما خشينا أنه يريد استغلال لفظة "غيبة" التي وردت في الرواية وتطويعها لتتطابق مع مفهوم أصولي خاص بمذهبه - مع أنه بخلاف ذلك - وبالتالي ما زلنا نطالبه بالدليل الصريح البين الواضح على ما ذهب إليه من دلالة النص ليخرجه من سياقه العادي إلى سياق أصولي مذهبي خاص!!.

*عاشرا : لماذا لا يصح أن تستخدم هذه الرواية كأداة لاستظهار الاثني عشرية على الزيدية ؟

أولا : لا يصح أن يعتبر المستبصر هذه الرواية من باب الاستظهار لانه أوردها في الاصل كسبب لتحوله من الزيدية إلى الاثني عشرية ومعنى ذلك أنه كان زيديا ثم تأثر بها فأصبح اثني عشريا
ثانيا : لا يصح أن تستخدم هذه الرواية للاستظهار على الزيدية لانها ظنية في دلالتها على مراد الاثني عشرية وهي تشبه تلك الرواية الموجودة في كتاب الامام الخميني "إن الله خلق آدم على صورته"

ونعود لاصل الموضوع لنوضح أن أكثر ما يثير الاستغراب أن يعرض "المستبصر" تلك الرواية كسبب من أسباب تحوله من الزيدية إلى الاثني عشرية !!
لان من الممكن أن نتفهم أن تضع تلك الرواية في نفسه علامة استفهام أو حيرة أو استغرابا يحتاج معه إلى بعض التأمل والوقوف لكن من البعيد جدا والخيال أن تكون مبررا لتحول شخص من مذهب إلى مذهب آخر مادام حريصا على الموضوعية والعلمية وذلك لعدة أسباب منها:

- أنه لم يسند احتجاجه بتصنيف الرواية التي أوردها هل هي صحيحة أو ضعيفة أو موضوعة (حسب التصنيف الزيدي) وإنما تعامل معها كضائعة لقيها بعد عناء ليبرر بها ما طرأ عليه من اعتقادات أمام من يماريهم ويحرص أن لا يظهر بينهم بمظهر الذي لا دليل له لا كوسيلة للبحث والنقاش ، فهو لم يبين وجه الدلالة فيها بشكل علمي بل اكتفى بتلميحات سريعة لا ترابط بينها أشبه ما تكون بمهاترات العوام في المجالس العامة حين يريدون احراج أمثالهم ممن يتهاترون معهم أو اسكاتهم بشكل سريع مستعينين بلفظة هنا ولفظة هناك ويربطون بينها حيث لا رابط مستغلين جهل المستمعين لطرق الاستدلال الصحيحة وأدلته المنتجة السليمة ليغروهم بالظن والتشابه والضعيف ويلبسونها ببعض الخبرة ثوب الدليل المنتج الصحيح وإن كان ما يحتجون به ليس ذي دلالة على مرادهم وإنما لان فيه لفظة "غيبة" ساقه وبنى عليه قصرا من الرمال.

- أن النص - لو افترضنا صحته وهو ليس بالضرورة كذلك - يظل ظنيا في سنده (وهذا يبطل الاخذ به في الاصول)

- أن النص ظني في دلالته على مراده ، وهذا يكفي أيضا لمنع الاستدلال به في الاصول حتى لو كان النص الاصلي قطعي الثبوت.

- أن صرف النص إلى الوجه الذي يريده المستبصر بعيد جدا ومتكلف للغاية وفيه تعسف واضح لانه استخدم لفظة عربية تستخدم عادة في معنى عربي عام ومعتاد وهي "غيبته" ولا تتضمن في ذاتها تطويل العمر لاكثر من ألف ومئة سنة ، فاستخدمها في معنى أصولي "متأخر النشوء" فقط لتشابه اللفظين بين المعنيين ، تماما كما يأتي شخص ويدلل على صحة مذهب المعتزلة بالاية الكريمة "وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا الله" ، معتبرا أن لفظ الاعتزال في الاية مطابق لمعنى أصولي خاص "متأخر النشوء" وهو "مذهب المعتزلة" مع أن الاعتزال في الاية يتناول موقف أهل الكهف من الالهة في ذلك الزمان وهو اعتزال بالمعنى اللغوي لا بالمعنى الاصولي المعروف الان ؟؟
وكذلك هو الحال في شخص يدلل على صحة خط التشيع بالاية الكريمة "وإن من شيعته لابراهيم" ، معتبرا أن لفظ "شيعته" في الاية مطابق لمعنى أصولي خاص "متأخر النشوء" وهو "التشيع لعلي عليه السلام وأهل البيت النبوي الطاهر"!!

ومن زاوية أخرى لم يراع "المستبصر" أن الزيدية لا تعتبر كل الروايات المدونة في كتبها معتبرة في الاستدلال على قضايا الاصول - ما لم تكن قطعية في ثبوتها ودلالتها - بل تخضعها جميعا لميزان العرض على القران والعقل وقواعد الجرح والتعديل ، وبذلك فإن الاستدلال برواية في كتب الزيدية حال كونها ظنية في سندها أو دلالتها لاثبات معتقد إثنى عشري يتضمن فيما يتضمن من المعاجز البعيدة عن القطعي المعتاد لا يلزم زيديا ولا يحتج به عليه ، بل الذي يلزمه هو الاتيان بدليل قطعي على المراد في ثبوته ودلالته وسوى ذلك ساقط ، ولو احتج بهذه الرواية زيدي (تكلف الرواية كما تكلفها المستبصر) على زيدي آخر لاثبات (عدم استشهاد السيد حسين بدرالدين الحوثي بعد مئة سنة) (في إطار النظرية الزيدية) لرد عليه الزيدي الثاني كلامه بأنه لا يؤخذ بهذه الروايات في الاصول والاعتقادات لان الظن لا يغني من الحق شيئا.

* أحد عشر : نقاط في الرواية لا تسعف النظرية الاثني عشرية:

- الرواية هنا تذكر غيبة المهدي ولكن لم تذكر أهم ملامح هذه الغيبة في مذهب الاثنى عشرية ألا وهي طولها الشديد ، ولذلك فالاولى لغة أن تبقى هذه الغيبة في إطار المعتاد من الغيبة لانه لا دليل على إخراجها من المعتاد.

- أن هذا النص لا حجة فيه للتدليل على موضوع أصولي تتعلق به الذمم يوم القيامة وتعم به البلوى علما وعملا ، لانه ظني في سنده ، وظني في دلالته ولا دليل على صرفه إلى غير المعتاد من ألفاظه العربية المعروفة.

- مثال ما سبق أن يأتي أحد الوهابية (المشبهين لله بخلقه) محتجا على الاثني عشرية برواية الامام الخميني رحمه الله في كتابه الاربعون حديثا "إن الله خلق آدم على صورته" زاعما أن هذه الرواية دليل من كتب المخالفين على صحة عقيدة التشبيه لديه ، والتي يدعمها بآلاف الروايات المكدسة في كتبه ، فيرد عليه بأن هذه الرواية ظنية في ثبوتها ظنية في دلالتها على مراده ولا تقوى على الاعتداد بها في الاصول.

- أن النص عندما عرض الغيبة إنما عرضها في سياقها اللغوي المعتاد ، كما يقال "كانت لفلان غيبة عن أهله " فهذه الغيبة لا يمكن أن يتبادر إلى ذهن أحد أنها دامت لمئات السنين -إلا بدليل صريح- أو يتبادر إلى ذهن أحد أنها تضمنت تطويل عمر الغائب لمئات السنين ، أما الغيبة في معناها الاصولي عند الاثني عشرية - وهي مراد المستبصر- فهي غيبة خالفت المألوف وانبنت في جوهرها على أساس معجزة إطالة عمره بشكل غير طبيعي لاكثر من ألف ومئة سنة فإخراج المعنى اللغوي المعتاد للفظ الغيبة إلى المعنى الاصولي الخاص بالاثني عشرية المتضمن لتطويل العمر بصورة مخالفة للمعتاد ولاكثر من ألف ومئة سنة يحتاج لدليل صريح.

- لفظ "الغيبة" بالمعنى الاصولي لدى الاثني عشريين له مصداقان ، الاول :"الغيبة الكبرى" ، الثاني :"الغيبة الصغرى" فأي من الغيبيتين يريد المستبصر بإيراد هذه الرواية ؟؟ وإذا كان يريد بتلك الرواية تبرير "الغيبة الكبرى" فلماذا لم يبرر بها"الغيبة الصغرى"؟؟
و لماذا لم يكن اللفظ بالمثنى فيكون "غيبتان" لبيان تمام مذهب الاثني عشرية في المهدي الذي يثبت غيبتين للمهدي "صغرى" و"كبرى"؟

- أن من الخطأ الاعتقاد بأن وجود روايات اثني عشرية (حصرية) خاصة بحكاية غياب المهدي هذه الغيبة الطويلة يبرر استغلال أية لفظة "غيبة" في أي كتاب من كتب المخالفين أو الموافقين ويلبسها المعنى الاصولي الخاص بالاثني عشرية ، لان ذلك مجانبة للموضوعية والعلمية ، فحتى لو كانت هذه الرواية مروية في كتب الاثني عشرية فإنه من غير الانصاف والموضوعية اعتبارها تأييدا لمفهوم "الغيبة" بالمعنى الاصولي الخاص بالاثني عشرية لان دلالتها تبقى في الاطار اللغوي المعتاد ولا يخرجها عن ذلك إلا دليل صريح متصل بنفس النص كما في الاية التي تتحدث عن اعتزال أهل الكهف فإن ذلك الاعتزال هو اعتزال لغوي لا أصولي ومن زعم غير ذلك فعليه بدليل صريح من نفس المصدر يصرفه من معناه اللغوي إلى معناه الاصولي ويفسره بالتفسير الاصولي بشكل واضح لا يحتمل الشك أو التشكيك حتى يمكن الاعتبار به وهذا ما لا نراه في الراوية التي يحتج بها "المستبصر" فلا يصح مثلا أن يدلل المعتزلة على أن آية اعتزال أهل الكهف تدل على مدح مذهب المعتزلة لان هناك رواية أخرى تروى عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم نصها "أبرها وأتقاها فرقة المعتزلة".

- وكذلك وفي نفس الباب إذا خطر لاحد أن اجتماع روايات الاثني عشرية التي تحكي الغيبة بمعناها الاصولي مع هذه الرواية الزيدية على ضعفها في دلالتها على المراد الاثني عشري وكونها ظنية في الثبوت يجعلها ذات حجة ، فهذا خطأ ايضا وأشبه ما يكون بمسيحي جاء ليحتج على المسلمين من القران بلفظة "كَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ" أو قوله "فَنَفَخْنَا فِيهَا مِن رُّوحِنَا" ليدلل على صحة عقائد المسيحية في إثبات ان عيسى عليه السلام ابن لله (تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) بسبب أنها مع اجتماعها مع عقائد المسيحية المكدسة قد أصبحت ذات حجة رغم أنها ظنية الدلالة في القران الكريم على المراد المسيحي!

- ومثاله أيضا أن يأتي وهابي ويحتج على الاثني عشرية بصحة عقيدته في تشبيه الله وتجسيمه بحديث "إن الله خلق آدم على صورته" المروي في كتاب الاربعون حديثا للامام الخميني ، فإذا ردوا عليه بأن هذا الحديث متأول عند الاثني عشرية فإنه سيتجاهل ذلك ويصر على أن وروده في كتب المخالفين داعم للروايات المكدسة الكثيرة التي وردت في كتبه ودليل آخر على صحة عقائده!

- أن لفظ الغيبة المجرد لا يتضمن إطالة العمر لمئات السنين فإذا قلنا "كانت لفلان غيبة عن أهله" فلا يمكن أن يزعم أحد أنه فهم من ذلك أن ذلك الفلان قد طال عمره لمئات السنين بعد انقراض عصره وإخوانه ، وبالتالي فلا وجه لاحتجاج المستبصر به إلا لاثبات غيبة لا تتضمن تطويل العمر لمئات السنين بما يخالف المعتاد وهو ما يجعل احتجاجه بالرواية كالعدم.

- أن لفظ اكتتامه في عصره لا يقتضي أنه اكتتم حتى انقرض عصره بالكامل حسب ما يريد المستبصر ، فهناك فرق بين قولنا "اكتتامه في عصره" و"اكتتامه عصره" و "اكتتامه كل عصره" فالثانية والثالثة أوضح دلالة على الاستغراق.

- أن لفظ "غيبته عصره" سيكون أوضح للدلالة على مراد المستبصر في اثبات غيبة المهدي حتى انقراض عصره ، أما ورود اللفظ بهذا التركيب "غيبته عن أهله واكتتامه في عصره" فهو لا يلصق الغيبة بالعصر بل يلصق الاكتتام بالعصر وليس ذلك ما يوافق مراد المستبصر من الرواية وبالتالي فاستدلاله بها كالعدم.

- أن لفظ "اكتتامه عن أهله" سيكون أوضح دلالة على مراد المستبصر في تبرير عدم تصديق عمه جعفر الزكي به أو بوجوده ونسبته لابيه ولكن لم يكن اللفظ هكذا بل كان "واكتتامه في عصره" وبالتالي فالاحتجاج بالرواية لتبريره يعتبر كالعدم.

- عندما نقول : غاب الرجل عن أهله ، فهذا يعني بالقطع أن ولادته بينهم ونسبته إليهم كانت قطعية لا شك فيها بعكس ما نجده في "المهدي الغائب" ؟؟ فمن هم أهله ؟ إنهم أمه وعمته وعمه وبنو عمومته من بني هاشم ولا نعلم غيرهم ، أما الذين رووا غيبته فهم ليسوا جميع أهله بل هم أصحاب أبيه ونساء أهله أما الرجال فقد شكوا وشككوا.
فإثبات لفظ "الغيبة عن الاهل" يتضمن عدم الشك في ولادة"الغائب" لاهله ونسبته إليهم ، لان الشك في ولادة "الغائب" يؤدي إلى الشك في "غيبته" ويوهم بأنه لم يولد أصلا ، وبالتالي فلا حجية في ايراد هذه الرواية لاثبات "الغيبة الاثني عشرية" لانها تعتمد في الاساس على الشك المطبق والوهم الشديد في ولادة المهدي الغائب وصل إلى حد تحريم السؤال عن اسمه أو مكانه أو غيرها من التفاصيل.

*ختاما : قصة تمثيلية:

لو أخبرك أحد المولعين بالكائنات الفضائية أن "كائنا فضائيا" مر للتو في السماء - على حين غفلة منك - ودخل في نفق عميق ، وحين ظللتما معا منتظرين خروج ذلك "الكائن الفضائي" من النفق بشغف لوقت طويل ولم يظهر له أثر فأنت في هذه الحالة سيزيد اقتناعك أنه ما من "كائن فضائي" مر أصلا !! وأن زميلك انما يريد السخرية منك بقصد التسلية ، أو طغى عليه الخيال ، والسبب في وصولك لذلك الاستنتاج هو أنك لم تر ذلك "الكائن الفضائي" بنفسك وانما اعتمدت على رؤية زميلك المولع(الحصرية) وبالتالي فثبوت أصل الموضوع بقي عندك محل شك لما تعرفه من الدوافع (الفضائية) عند صديقك ورغبته الشديدة في إلجام الذين يسخرون منه.
وعندما تسأل صديقك لماذا لا يمر هذا الكائن إلا حين يغفل الاخرون ؟ فيرد عليك : لان هذا "الكائن الفضائي" حريص على أن لا يراه أحد وقد تعمد ذلك لاسبابه الخاصة.
فتسأله : فلماذا تقدر على رؤيته أنت دون بقية الناس ؟
فيرد : لانه يحبني ويثق بي دون غيري.
وعندما تسأله : فلماذا لم يخرج حتى الان بعد هذا الوقت الطويل وليس هناك مخرج آخر لهذا النفق؟
فيرد : من المؤكد أنه قد تأخر لسبب مهم جدا من الصعب علينا أن نفهمه نحن البشر!!
وعندما يبدأ زميلك في ايراد التفسيرات لتبرير عدم خروج ذلك "الكائن الفضائي" من النفق بعد كل تلك المدة فإن ذلك سيعتبر هراء لانه لم يحسم بالقطع أن "الكائن الفضائي" قد مر أصلا وظل يماطلك في بيان سبب وثوق الفضائيين به وحده وقدرته دون غيره على رؤيتهم والاستمتاع بمنظرهم الغريب وبالتالي فإن الموضوع من جذوره سيظل محل شك وريبة ويوحي بقوة بأنه مجرد لعبة سخيفة يلعبها ذلك المولع ليحصل بها على بعض الانتباه وليلجم بها من يسخر من خيالاته.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

Re: شبهات تلفزيونية من إيران

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

العنوان الثاني : النص على الأئمة الاثني عشر في أحد كتب الزيدية

استدل المستبصر بجملة من أحد كتب الزيدية في سياق بيانه السبب في اختياره التحول من المذهب الزيدي إلى المذهب الاثني عشري (وإن كان مصرا على عدم استخدام مصطلح "التحول")، وقد اقتطع تلك الجملة من كتاب المجموعة الفاخرة للامام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين عليه السلام من كتابه عن إمامة أهل البيت ما نصه :

" وأما الوصية ، فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته فهو يقول بالوصية ، على أن الله عزوجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن ابي طالب والحسن والحسين وإلى الاخيار من ذرية الحسن والحسين ، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي ، ثم الائمة فيما بينهما"

وحيث أنا قد سمعنا بعض الاثني عشرية في اليمن يستخدمون هذه الجملة الهادوية كحجة في مواجهة الزيدية ، باعتبارها نصا يدعم مذهبهم فإننا نبدي استغرابا شديدا من العقلية التي ينطلقون منها والاسلوب الذي يعتمدون عليه فهم لا يتورعون من اقتطاع النص من سياقه وتفسيره بعكس مراده ، بلا أدنى مراعاة لمناقضته للمعنى العام الذي ورد فيه مناقضة تامة واضحة ، والحجة التي سنعتذر لهم بها عندما لم يستوعبوا مراد الامام الهادي منها أنهم كمن قرأ "لا إله" ثم لم يكمل واعتبر ذلك دليلا على عدم وجود إله للكون!! أو ذلك الذي اقتطع قوله تعالى : "والله خلقكم وما تعملون " من سياقها ومعناها العام لاثبات أن الله خلق أعمال العباد ومعاصيهم مع أنه لو قرأ الاية في سياقها :" أتعبدون ما تنحتون والله خلقكم وما تعملون" لعلم المراد منها دون شك أو اشتباه وكذلك من يقرأ فويل للمصلين أو كمن احتج بحديث صلوا كما رأيتموني أصلي .

فهلا قرأتم النص في سياقه وتبينتم معناه العام ومراد الامام الهادي منه قبل الاحتجاج به ؟؟

وأسلوبكم هذا يذكرنا بأسلوب "جحا" الذي تحايل بمسماره الرخيص ليجد حجة للدخول والخروج فيما لا حق له فيه !! فاتقوا الله حق تقاته وارعوا العلم وتبينوا الحق ولا تضيعوه بهذه الشبهات التي لا تليق إلا بالممارين وأهل الشقاق.

ولكي يفهم القارئ الكريم السياق الذي جاءت فيه هذه الجملة والمعنى العام الذي وردت ضمنه ومراد المؤلف منها ، ليتأكد من استحالة أن يكون فيها ما يشير من بعيد أو قريب بدعم المذهب الاثني عشري، نسرد إليه النص كاملا (حسب طبعتي دار الحكمة اليمانية ومؤسسة الامام زيد):

"وإنما فرَّق بين زيد وجعفر قوم كانوا بايعوا زيد بن علي، فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان، ثم لم يدروا بم يحتجون على من لامهم وعاب عليهم فعلهم، فقالوا بالوصية حينئذ، فقالوا: كانت الوصية من علي بن الحسين إلى ابنه محمد، ومن محمد إلى جعفر، ليموهوا به على الناس، فضلوا وأضلوا كثيراً، وضلوا عن سواء السبيل، اتبعوا أهواء أنفسهم، وآثروا الدنيا على الآخرة، وتبعهم على قولهم من أحب البقاء وكره الجهاد في سبيل الله.

ثم جاء قوم من بعد أولئك فوجدوا كلاماً مرسوماً في كتب ودفاتر، فأخذوا بذلك على غير تمييز ولا برهان، بل كابروا عقولهم، ونسبوا فعلهم هذا إلى الأخيار منهم؛ من ولد رسول الله عليه وعليهم السلام، كما نسبت الحشوية ما روت من أباطيلها وزور أقاويلها إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ليثبت لهم باطلهم على من اتخذوه مأكلة لهم، وجعلوهم خدماً وخولاً، كما قال الله عز وجل في أشباههم: ?فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى وَيَقُولُونَ سَيُغْفَرُ لَنَا وإن يَأْتِهِمْ عَرَضٌ مِثْلُهُ يَأْخُذُوهُ أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقُ الْكِتَابِ أَنْ لا يَقُولُوا عَلَى اللَّهِ إلا الْحَقَّ وَدَرَسُوا مَا فِيهِ?[الأعراف:169].

وكذلك هؤلاء الذين رفضوا زيد بن علي وتركوه، ثم لم يرضوا بما أتوا من الكبائر؛ حتى نسبوا ذلك إلى المصطفين من آل الرسول؛ فلما كان فعلهم على ما ذكرنا، سماهم حينئذ زيد روافض، ورفع يديه فقال: ))اللهم اجعل لعنتك ولعنة آبائي وأجدادي ولعنتي على هؤلاء الذين رفضوني، وخرجوا من بيعتي، كما رفض أهل حروراء علي بن أبي طالب عليه السلام حتى حاربوه.))

فهذا كان خبر من رفض زيد بن علي وخرج من بيعته.

وروي عن رسول الله صلى الله عليه وآله، أنه قال لعلي بن أبي طالب: ((يا علي، إنه سيخرج قوم في آخر الزمان، لهم نبز يعرفون به، يقال لهم: الرافضة، فإن أدركتهم فاقتلهم، فإنهم مشركون، فهم لعمري شر الخلق والخليقة.)).

وأما الوصية فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته، فهو يقول بالوصية، على أن الله عز وجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن أبي طالب والحسن والحسين، وإلى الأخيار من ذرية الحسن والحسين، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي، ثم الآئمة فيما بينهما.

وذلك أن تثبيت الإمامة عند أهل الحق في هؤلاء الأئمة من الله عز وجل على لسان رسول الله صلى الله عليه وآله، فمن ثبت الله فيه الإمامة، واختاره واصطفاه، وبين فيه صفات الإمام؛ فهو إمام عندهم مستوجب للإمامة، لقول النبي صلى الله عليه وآله وسلم، إذ يقول: ((من أمر بالمعروف ونهى عن المنكر من ذريتي فهو خليفة الله في أرضه، وخليفة كتابه، وخليفة رسوله.)) قال: من ذريتي، فولد الحسن والحسين من ذرية النبي صلى الله عليه وآله وسلم.


ثم قال: ((عليكم بأهل بيتي، فإنهم لن يخرجوكم من باب هدى، ولن يدخلوكم في باب ردى.))، وقال: ((مثل أهل بيتي فيكم كسفينة نوح، من ركبها نجا، ومن تخلف عنها غرق وهوى.))، وقال: ((النجوم أمان لأهل السماء، وأهل بيتي أمان لأهل الأرض، فإذا ذهبت النجوم من السماء أتى أهل السماء ما يوعدون، وإذا ذهب أهل بيتي من الأرض أتى أهل الأرض ما يوعدون)) يعني في جميع ذلك: الصالحين من ولده، وقال صلى الله عليه وعلى أهل بيته: ((من سمع واعيتنا أهل البيت فلم ينصره لم يقبل الله له توبة حتى تلفحه جهنم.)) ثم قال: ((من مات لا يعرف إمامه مات ميتة جاهلية.)). ".

وبعد عرض السياق كاملا ، والذي يبين مراد الامام الهادي من جملته تلك حسب السياق ، نستطيع أن نستخلص الرسائل التي أرادها الامام الهادي من تلك الكلمات بوضوح تام كالتالي :

- أن الامامة بعد الحسنين سلام الله عليهما هي في من قام وادعى من ذريتهما حائزا على الصفات المعتبرة أعلاه وأهمها "الامر بالمعروف والنهي عن المنكر".
- نقده الشديد لمن اعتذروا عن نصرة زيد بأن هناك وصية من زين العابدين لابنه الباقر ومن الباقر لابنه الصادق ووصفهم بالرافضة.
- اعتبر أنه إذا كانت هناك وصية فهي في علي ثم في الحسنين ثم في ذريتهما أولهم علي بن الحسين (أول أحفاد علي طرا) وآخرهم المهدي .
- لم يقصد الهادي بذكر علي بن الحسين أنه موصى به بذاته بل قصد أنه موصى به باعتباره أحد الاحفاد بل وأكبرهم فيكون قد دخل في الوصية مع غيره من الموصى بهم بالاولى لانه الاكبر ، ولكن لا تتثبت فيه الامامة إلا بالشرط الذي ذكره أسفل بيانه عندما يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر.

- ولمزيد من التوضيح : يحتمل هذا الكلام عن الوصية لعلي بن الحسين احتمالين :

الاحتمال الاول: أنه يعتبره إماما إلى جانب الوصية له باعتبار أنه يعلم أنه قد أمر بالمعروف ونهى عن المنكر ودعا لنفسه .
الاحتمال الثاني: أنه لا يعتبره إماما بل يكتفي باعتباره موصى له فقط كما هو موصى لغيره من ذرية الحسنين بقرينه اشتراطه للامر بالمعروف لتثبيت الامامة عطفا على كلامه عن الوصية.
- لم يتبين من كلام الهادي من هو المقصود بعلي بن الحسين على سبيل القطع واليقين فهل هو زين العابدين عليه السلام أم علي بن الحسين الاكبر الشهيد في كربلاء؟!

وبعد تبين مراد الامام الهادي - والذي لا يخفى إلا على مكابر - نتوجه إلى ذلك المستبصر ببعض الاسئلة قائلين:

ما الذي كنت تستدل به بعرضك تلك الجملة ؟؟ وما الذي تحاول قوله ؟؟
فهل تريد القول إن الامام الهادي كان اثني عشريا ؟؟
أم تريد القول أن الهادي يعترف في هذه الجملة بوجود نص على إمامة الاثني عشر فقط دون أن يعتنق المذهب الاثني عشري؟؟
فإذا كان كذلك فهل تعتقد أن الهادي أخفى النص بسوء نية لكي يصحح الامامة التي إدعاها لنفسه ولاخوانه من بني الحسن السبط سلام الله عليهم؟؟

الاحتمال الاول: اعتقاده أن هذا دليل على أن الهادي كان اثني عشريا

مناقشة هذا الاحتمال : رغم أنه من المستبعد أن يخطر في بال أحد من خلال قراءته لرأي الهادي في مسألة الامامة أنه يؤمن بمبدأ الاثنى عشرية في الامامة ، لما فيه من الوضوح الشديد والبيان التام الذي لم يترك لمتأول مجالا للتأول أوالخرص أوالتخمين ، فهذا الامام الهادي عليه السلام يذم بشدة أولئك الذين رفضوا زيدا عليه السلام بحجة أن زين العابدين كان قد أوصى للباقر ، وأن الباقر أوصى بدوره للصادق ، فهو يذم بوضوح تام أولئك الذاهبين مذهب الاثني عشرية فيما يتعلق بالوصية الخاصة ، ويحاججهم بأن الوصية الثابتة هي عامة في جميع ذرية الحسنين لا خاصة في أحدهم دون غيره والمعول عليه في تثبيت إمامة أحدهم من بين بقية إخوانه الموصى لهم بجملتهم هو القيام والدعوة والامر بالمعروف والنهي عن المنكر ،

وبما أنه كان قد ذم من قال بالوصية على الشكل السابق وسعى إلى نقضه ، فإن حديثه عن الوصية في المقام الثاني الذي استدل به المستبصر لو كان في مقام المدح والاثبات فإنه مفند لما سبق أن ذمه قبل سطور وهذا واضح لمن له أدنى عقل واستيعاب.

الاحتمال الثاني : اعتقاده أن الامام الهادي يشير إلى وجود نص خاص في زين العابدين عليه السلام

مناقشة هذا الاحتمال : لا يمكن لاحد أن يزعم أن كلام الامام الهادي سلام الله عليه إشارة إلى نص خاص في زين العابدين عليه السلام والسبب في ذلك يرجع إلى اعتبارين :

الاعتبار الاول: أن ذكر علي بن الحسين جاء في ذيل اثبات الوصية لذرية الحسن والحسين جميعا بما ينفي وجود وصية خاصة بعلي بن الحسين نفيا قاطعا بل يدل فيما يدل على وصية عامة في جميع ذرية الحسن والحسين حصرها الامام الهادي بأكبر أولادهما (علي بن الحسين) وختمها بآخر أولادهما قبل قيام الساعة وهو المهدي ، ولتوضيح ذلك لنتمثل هذا الفرض البسيط : فلو قلنا أن رجلا لديه عشرة أبناء إخوة أكبرهم هيثم وأصغرهم وائل وأراد الرجل الوصية للصالحين منهم بمال معين بصيغة الحصر والقصر فإنه سيقول : "أوصي بهذا المال للصالحين من أبناء إخوتي أولهم هيثم و آخرهم وائل "؟ فالوصية ثابتة فيهم جميعا بعمومهم ولكن إذا لم يكن هيثم صالحا فلا نصيب له من المال وحتى لو كان من الموصى بهم جملة ، فقوله أولهم فلان وآخرهم فلان هو حصر لابناء الاخ وقوله من صلح منهم شرط لثبوت الحق في المال.
وكقولنا: ناقشت طلاب الفصل الفلاني أبتداء من فلان وانتهاء بفلان ثم أكرمت الاذكياء منهم فقولي ابتداء بفلان حصر لطلاب الفصل وليس حصرا للاذكياء منهم.
وكقولنا: قرأت الكتاب الفلاني من الجلدة إلى الجلدة فهذا ليس حصرا للفوائد بل هو حصر لما قرأته ونقلت منه الفوائد بيان لما نقل فقط وليس معناه أن جميع الكتاب فوائد.

الاعتبار الثاني : أنه لا يمكننا تبين المقصود بعلي بن الحسين على وجه القطع في كلام الهادي عليه السلام ، فهل كان علي بن الحسين الشهيد في كربلاء (الاكبر) أم كان زين العابدين عليه السلام ؟ فلو كان زين العابدين فلماذا لم يلحق ذلك بوصفه كما فعل في حق المهدي فيقول :"زين العابدين علي بن الحسين"؟؟ ولماذا لم يذكر اسم المهدي (محمد بن الحسن)حسب ما يطمح ذلك المستبصر؟؟

وباختصار فإن اعتقاد أي كان أن هذا دليل على ثبوت نص على إمامة الاثني عشر عند الهادي هو وهم بعيد وكل كتاب الهادي تفنيد لهذا الوهم وبالتالي فلا سبيل للقول به ، لاسيما وقد صرح الهادي بخلافه ورفضه رفضا واضحا ، وأدانه أشد الادانة فالاستمرار في نسبته إليه تقول عليه وافتراء لا يليق بباحث أو عاقل.

الاحتمال الثالث: اعتقاده أن هذا دليل على أن الهادي اخفى النص لكي يصحح الامامة لنفسه ولاخوانه من بني الحسن السبط سلام الله عليهم

مناقشة هذا الاحتمال : رغم توضيحنا السابق أنه لا يشير إلى نص على الاثني عشر من بعيد أو قريب فإن هذا الاتهام الخطير لا نتوقعه من شخص يدعي الحرص على الحق والحقيقة ويحذر من لحوم الائمة المسمومة وأعراضهم المصونة أو ممن يحب السير على منهاج الصالحين والائمة الهادين ويطمح للنجاة في يوم الدين لانه تجريح في أحد العظماء المجاهدين الذين بذلوا حياتهم رخيصة لله وفي سبيل إحقاق الحق وازهاق الباطل و قدموا خلالها تضحيات جليلة غيروا بها وجه البسيطة وحطموا بها أغلال الظلم والطاغوت ، ذلك أن الهادي بتاريخه العظيم وتضحياته الجليلة وهجرته إلى الله ورسوله ومفارقته الاهل والوطن في جبل الرس لاجل رفع راية الحق والدين في أرض اليمن الاسيرة يومذاك في رق الجور والمظالم ، ثم تخليه عن الملك من أجل تهاون خاصته في حد من حدود الله ، كل ذلك يدل على نزاهة في نفسه وتقوى في سلوكه تربأ به عن ايقاع نفسه في مهلكة تدخله نار جهنم بإخفائه علما يعلمه عن رسول الله وادعائه ما لا يحق له ويختص به غيره ، وهو القائل "إن هي إلا سيرة علي أو النار" ، ولحسن ظننا بذلك المستبصر وعلمنا أنه من ذرية الامام الهادي عليه السلام ، نقول له : اتق الله في جدك العظيم ولا تكن أول الطاعنين في عرضه بالباطل والزور والبهتان فتكون أول من سن هذه السنة للسفهاء وأجج هذه الفتنة للجهلاء حتى لا تذوق وبالها على حداد ألسنتهم من يومنا هذا إلى يوم يبعثون.

ولا بد قبل انهاء الموضوع الاشارة إلى أن الاخ المستبصر قد حاول جاهدا الايحاء للمستمع في تسجيله بأن الزيدية يحاولون طمس الادلة المؤيدة للاثني عشرية من كتبهم .. وبذل جهدا واضحا في تبيين ذلك حتى شككنا في صدقه وانتابتنا حمية الحق على الباطل وهمما بعتاب من يحرف الكلم عن مواضعه ، لانا موقنون أن ذلك لا يليق بمسلم موحد يسير على نهج أهل البيت ، وبعد البحث والتقصي تبين لنا بيقين تام لا يقبل الشك أو التشكيك أن الاخ المستبصر مدع بالباطل على مؤسسة الامام زيد بن علي ودار الحكمة اليمانية ، فالنص كما هو موجود في جميع النسخ المطبوعة السابقة واللاحقة بقي بدون حذف أو تغيير أو تبديل ، وللتأكد من ذلك يمكن القارئ الرجوع إلى طبعة مؤسسة الامام زيد وسيجد الجملة كاملة وكذلك يمكنه الرجوع إلى نفس الجملة في طبعة دار الحكمة اليمانية.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

عبدالوكيل التهامي
مشترك في مجالس آل محمد
مشاركات: 105
اشترك في: الخميس مارس 30, 2006 2:21 pm

Re: شبهات تلفزيونية من إيران

مشاركة بواسطة عبدالوكيل التهامي »

العنوان الثالث : هل وقع تحريف في كلام الإمام الهادي إلى الحق عند طباعة المجموعة الفاخرة؟

هل حدث تحريف في أحد كتب الزيدية لاخفاء ما يدل على مذهب الاثني عشرية؟!
هل حدث تحريف لنص الامام الهادي في كتابه "المجموعة الفاخرة" انقلبت معه "ذريته" إلى "ذرية"؟!
هل محى النساخ "نبرة" أو "حرفا" ليغيروا المعنى الذي كان يريده الامام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين بما يخالف السياق والمعنى العام؟
هل تحاول "دار الحكمة اليمانية" و "مؤسسة الامام زيد" أن تتجاهلا نصا مثبتا في مجموع الامام الهادي يحيى بن الحسين له دلالة تؤيد الاثني عشرية ولم يشيرا إليه في الحاشية على الاقل؟

زوبعة فكرية أخرى تضاف إلى سلسلة الزوابع التي لا يتورع المستبصر عن إثارتها حول كل صغيرة وكبيرة تخطر في باله ..
وإن كان بعض الناس يعتقد أن هذه خصلة حسنة تدل على الرغبة الصادقة المتجردة في البحث وعدم التسليم بأية فكرة طالما لم يكن مقتنعا بها ، إلا أن البعض الاخر قد يجد في ذلك إسرافا ومبالغة وربما (سفسفة) يتورع العقلاء عن الوقوع فيها والاتصاف بها فما كل ما يثير الحيرة ينبغي أن يطرح على المجتمع وفيه العوام ، بل الاولى أن يفسح الانسان لنفسه مجالا للتفكير وفسحة للتأمل لعله يحل الاشكالات (خصوصا وهي واضحة جدا لادنى ذي عقل) ولا يطرح كل ما يفكر فيه حتى لو كان حرفا زائدا هنا ونبرة زائدة هناك ، فهذه من خصال المرائين والممارين نعوذ بالله والذين سيحرمون - حسب النصوص المعروفة - من بركات الله وألطافه وسيوكلون إلى أنفسهم وسفسفاتهم (نعوذ بالله) ، وسيتجنبهم العقلاء بإشكالاتهم التافهة التي يقلبون بها الحق باطلا والباطل حقا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعا أو يخترعون الذرة!!

ومن أكثر الاشكالات التي مرت علي - غرابة وتفاهة - هي هذه الإشكالية التي تدل على الإفلاس الفكري التام وتوجها بأن ألقى الاتهامات جزافا ليصيب بها أقرب الناس إليه وأعزهم عليه وهو (شقيقه) صاحب "دار الحكمة اليمانية" غامزا فيه وموحيا للسامعين بأنه يحرف الكلم عن مواضعه !!

وعندما تشاهد ذلك "المستبصر" وهو جاد في توجيه مخرج التسجيل نحو السطور المزبورة في مخطوطة اليمن الكبرى من كتاب المجموعة الفاخرة ، تظن أن هناك طامة كبرى أو اكتشافا عظيما توصل إليه ، أو أن هناك هفوة فادحة قد وقعت فيها "دار الحكمة اليمانية" و "مؤسسة الامام زيد" بهدف إضاعة الحقيقة وتحريف الكلام وطمس المعاني ، فما هو الموضوع (الفتح) الذي جاء به ورمى على اساسه أقرب الناس إليه بالتقصير أو التزوير؟؟!!

يقول : لقد نبهت الاخ أحمد عباس اسحق إلى أنه لم يشر إلى لفظ "ذريته" في الحاشية وهو لفظ موجود في مخطوطة اليمن الكبرى؟؟؟!!

وإليكم نص كلام الهادي الذي وردت فيه الكلمة التي كانت موضعا لاهتمامه:

"وأما الوصية ، فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته فهو يقول بالوصية ، على أن الله عزوجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن ابي طالب والحسن والحسين وإلى الاخيار من ذرية (ذريته) *الحسن والحسين* ، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي ، ثم الائمة فيما بينهما".

وكما هو واضح فإن اللفظ المزبور في مخطوطة اليمن الكبرى هو (ذريته) بينما اللفظ المطبوع في نسختي "دار الحكمة اليمانية" و "مؤسسة الامام زيد" هو (ذرية) ، فما هو الفرق بينهما في الدلالة وما هي الاحتمالات التي تفتحها زيادة حرف "التاء" على "ذرية" أو نقص حرف التاء من "ذريته"،

وجه احتجاج ذلك المستبصر:

يعتقد المستبصر أن النص الاصلي للهادي كان من دون *الحسن والحسين* التالية لـ(ـذريته) وأن كلمتي (الحسن والحسين) زائدتان وأن النص الاصلي كان كالتالي :

"وأما الوصية ، فكل من قال بإمامة أمير المؤمنين ووصيته فهو يقول بالوصية ، على أن الله عزوجل أوصى بخلقه على لسان النبي إلى علي بن ابي طالب والحسن والحسين وإلى الاخيار من (ذريته) ....... ، أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي ، ثم الائمة فيما بينهما"

ويرى ذلك المستبصر أن الضمير في (ذريته) عائد إلى أقرب اسم مذكور في الجملة وهو (الحسين) ، وهذا دليل - حسب ظنه الخاطئ - على إقرار الامام الهادي بأن الوصية في ذرية الحسين خاصة دون ذرية الحسن أولهم علي بن الحسين وآخرهم المهدي بما يؤيد وجهة النظر الاثني عشرية.
وفي ختام كلامه اختار لتبرير حذفه وإلغائه كلمتي (الحسن والحسين) من النص الهادوي ، أن لفظ (الحسن والحسين) مذكور في الجملة ولا يحتاج إلى التكرار لان التكرار مناف للبلاغة وكان يكفي لو أراد (الحسن والحسين) أن يقول : "ذريتهما" بدلا من "ذريته"!!
وهذا تمام الفكرة في احتجاج "المستبصر" ،

فما هو العامل المرجح بين اختيار مستبصرنا حذف كلمتين وحرفا هما (الحسن والحسين) ، وبين اختيار "دار الحكمة اليمانية" و"مؤسسة الامام زيد" حذف حرف التاء في (ذريته) وتغليب ما جاء في بقية المخطوطات التي جاءت بلفظ (ذرية):

أولا : يجدر التنبيه إلى أن الاخطاء حال النسخ قد تقع ، وهذا هو مناط عمل المحقق ، ويستطيع من خلال المقارنة فيه بين النسخ الموجودة بين يديه من معرفة الكلمة الصحيحة التي قد تكون قد نسخت بطريق الخطأ في إحدى النسخ ، ولعل السياق هو أهم المعايير التي يعتمد عليها في اختياره وتصحيحه.
ووفقا للسياق في موضوعنا هذا (وكما هو مبين بالتفصيل في موضوع "هل يقول الامام الهادي بوجود نص في زين العابدين عليه السلام") فإنه يمكن لادنى ذي عقل وإدراك أن يفهم أن مراد الهادي عليه السلام من هذا النص هو التدليل على أن الوصية ليست في ذرية الحسين عليه السلام حصرا بل هي في جميع ذرية الحسن والحسين ويكون تثبيت الامامة بينهم جميعا بمعيار الامر بالمعروف والنهي عن المنكر (راجع العنوان الثاني في المشاركة أعلاه: النص على الأئمة الاثني عشر في أحد كتب الزيدية).
فإذا كان السياق على ذلك واضحا فإن احتمال خطأ الناسخ في زيادة حرف التاء على (ذرية) أمر حتمي لا مناص منه إلا لجاهل أو معاند.

ثانيا : عند الرجوع إلى مناقشة وجهة نظر ذلك "المستبصر" التي رجحت حذف كلمتين وحرفا (الحسن والحسين) في مقابل تثبيت حرف التاء في (ذريته) فإننا نجدها إسرافا في الخيال ومجانبة للموضوعية وإغراقا في التعصب للاسباب التالية:

- أن ما يزعمه مناف للسياق منافاة تامة وواضحة وفاضحة ، والسياق هو المعول عليه الاول لبيان مراد الكاتب من كلامه وتصحيح ما قد يقع فيه من خطأ النساخ ، وهو المعول عليه في معرفة محل الخطأ ومن ثم تصحيحه.

- أن تعييره "دار الحكمة اليمانية" و"مؤسسة الامام زيد" بتنقيص حرف (ذريته) لم يردعه من إلغاء كلمتين وحرفا (الحسن والحسين) بدون أن يرف له جفن ولا يئن له ضمير فأي ميزان هذا ؟؟ وأي إنصاف هذا ؟! وأي بحث هذا ؟!"أتأمرون الناس بالبر وتنسون أنفسكم".

- أنه احتج في حذفه كلمتين وحرفا *الحسن والحسين* بأن ذلك مناف للبلاغة ، ولم يأبه إلى أن لفظ (ذريته) بالتاء مناف للسياق الواضح المبين ، والمعنى الكلي لكلام الامام الهادي من أول البحث إلى آخره فأيهما أولى بالمراعاة ؟؟ سياق واضح جلي ، أم بلاغة تختلف باختلاف الاذواق ولا ترافق جميع الجمل في الكتاب بخلاف القران؟! وإلا فما الفرق بينها وبين القران؟!

- أن دعواه أن تكرار لفظ (الحسن والحسين) مناف للبلاغة زلة أخرى وقع فيها ، فمن أين له أن تكرار اللفظ مناف للبلاغة ؟؟ أهو ذوقه الراقي في مجال اللغة العربية؟؟ أم علم عن الامام الهادي اختص به ؟؟ أيسمح له ذلك الذوق الراقي بحذف ما يشاء وتحريف ما يشاء بخلاف السياق والمعنى العام بحجة الحفاظ على البلاغة ؟؟ وهل البلاغة هنا في هذا الموضع التي تتناسب مع ذوقه الراقي يجب أن تصب في مصلحة مذهبه الجديد؟؟ فلماذا إذن لم يقترح إضافة ضمير "هما" لتكون الجملة "ذريتهما" لتتناسب في بلاغتها مع السياق والمعنى العام الواضح لكلام الامام الهادي؟ هل استبعد هذه الفرضية لانها لا تفيده في مذهبه الجديد؟
وهل يصح لدى أي عاقل أن يؤول كلام غيره بناء على ما يراه هو بليغا أو غير بليغ فيقول في وجه المخاطب له أنت قصدك كذا وكذا لان هذا موافق للبلاغة التي أراها مع أن المتكلم يصرح بخلاف هذا ؟
ثم ما رأيه في تكرار الاية الكريمة "فبأي آلاء ربكما تكذبان" ؟؟ أهو أيضا تكرار مناف للبلاغة ؟؟
وما رأيه بتكرار كلمة زيد في أحدى جمل الامام الهادي في نفس الموضوع كما جاء في النص التالي :"فلما بلغهم أن سلطان الكوفة يطلب من بايع زيداً ويعاقبهم، خافوا على أنفسهم فخرجوا من بيعة زيد ورفضوه مخافة من هذا السلطان" فلماذا لم يكتف بالضمير بدلا من زيد الثانية لتكون "بيعته"؟ أليست هذه كتلك ؟! ألم تستفز هذه الجملة الاحاسيس البلاغية المرهفة لدى المستبصر ؟؟أم أنه لم يهتم بها لانها لا تخدم مذهبه؟!
وما هو الضابط الذي يمكنه بواسطته أن يجزم بمنافاة البلاغة هنا أو هناك ؟ أهو حجة عصره في البلاغة ؟ أم هو فلتة زمانه في البيان ؟! وهل ما يستند عليه في رأيه قطعي الدلالة على نفي البلاغة عن تلك الجملة أم يعتمد على التذوق والاحساس؟ وهل البلاغة في عصرنا كالبلاغة في عصر الامام الهادي ؟! وهل ما يتذوقه ذلك المستبصر ملزم لاي كاتب يحب أن يكون بليغا ؟ أم هو مندوب للبلغاء ويمكنهم أن يتركوه في حالات معينة كرغبتهم في بيان شئ ما حتى لو خلا من بعض السجع والايقاع ونفرت به بعض الاذواق "الحساسة الراقية" بسبب التكرار؟
ثم هل كتاب الامام الهادي كتاب في البلاغة أم كتاب لعرض فكر معين ومحدد ؟؟ فنحن نفهم أن يكون لسان الامام الهادي وقلمه بليغين ولكنه في مقام التبيين والتوضيح لمراده لا يتحرج من البيان الذي قد ربما يضطر به إلى بعض التكرار الذي لا يناسب السجع و لا يكون كالشعر ولا يروق لبعض الاذواق كذوقكم الرفيع.

- أن دافع "المستبصر" لحذف كلمتين وحرفا *الحسن والحسين* هو دافع مذهبي تفوح منه رائحة العصبية المقيتة ولا يمت للموضوعية والبحث العلمي بصلة ، فهو يحذف كيفما يشاء ويثبت كيفما يشاء وينتقي ما يشاء وينتخب ما يشاء بدون حجة ولا هدى فقط ليلوي عنق الجملة لتكون مؤيدة لمذهبه غير عابئ بمخالفة زعمه لما يصرح به المنسوبة إليه في نفس الموضوع ويخرجها من السياق الواضح المبين والمعنى العام الجلي السليم ، وربما لو قدر الله أن يخرج الهادي من قبره ويطلع على ما يفعله هذا "المستبصر" من تحريف كلامه وصرفه عن مراده لاستنكر هذا التدليس المقيت والتحريف المبين والعدوان السافر على البيان والتجهيل المنكر للعقول ، فيا سبحان الله وإنا لله وإنا إليه راجعون والله المستعان.

وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين

أضف رد جديد

العودة إلى ”المجلس العام“